الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعريض لأنه تعليل لما قبله أي ائتوا بما أمرتم به والا فأنا مستغن عنكم وعن عبادتكم لأن لي عباداً مكرمين من شأنهم ذلك. قوله: (ولذلك شرع السجود لقراءته) أي لإرغام من أبي ممن عرّض له كما يدلّ عليه ما بعده فالتعريض ليس لعدم سجودهم بل لعدم تخصيصهم له به، والسجدة لاية أمر فيها بالسجود للأمر أو حكى فيها استنكاف الكفرة عنه مخالفة لهم أو حكى فيها سجود نحو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تأسيا بهم، وهذا من القسم الثاني باعتبار التعريض أو من القسم الأخير باعتبار التصريح. قوله:(وعن النبئ صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ابن آم الخ)) 1 (هذا الحديث أخرجه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقوله السجدة أي آية السجدة، وقوله: (يا ويله) تحسر كقوله: (يا حسرتا) . قوله: (وعنه صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الآعراف الخ)) 2 (حديث موضوع ولا عبرة برواية الثعلبي له، عن أبي هريرة رضي الله عنه وهذا آخر ما أردنا تعليقه) على سورة الأعراف اللهم يسر لنا الإتمام ببركة خاتم الأنبياء عليهم أفضل الصلاة وا لسلام.
سورة
الأنفال
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مدنية) قيل إلا قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [سورة الأنفال، الآية: 30] والآية وجمع بعضهم بينهما بأنا إن قلنا الهجرة من حين خروجه عتحر من مكة فهي مدنية لأنها نزلت عليه لمجي! ليلة خروجه منها وإن قلنا إنها بعد استقراره في مقصده فهي مكية، وهذا مسلك غير مشهور في المكي والمدني، وقوله ست وسبعون في الكوفي خمس وسبعون كما قاله الداني في كتاب العدد. قوله:(أي الغنائم يعني حكمها الخ) أصل معنى النفل بالفتح واحد الأنفال كما قال لبيد:
إنّ تقوى ربنا خير نفل
الزيادة ولذا قيل للتطوع نافل ولولد الولد، ثم صار حقيقة في العطية لأنها لكونها تبرعاً
غير لازم كأنها زيادة وتسمى به الغنيمة أيضا وما يزاد ويعين لبعض الجيش على حصته الشائعة واطلاقه على الغنيمة باعتبار أنها منحة من الله من غير وجوب، وقال الإمام رحمه الله: لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم التي لم تحل لهم، وقيل لأنه زيادة على ما شرع الجهاد له وهو إعلاء كلمة الله وحماية حوزة الإسلام فإن اعتبر كونه مظفوراً به سمي غنيمة ومنهم من فرق بينهما من حيث العموم والخصوص فقال الغنيمة ما حصل مستغنمأ سواء كان يبعث أولاً باستحقاق أو لا قبل الظفر أو بعده والنفل ما قبل الغنيمة، وما كان بغير قتال وهو الفيء، وقيل ما يفضل عن القسمة، ثم السؤال إفا لاستدعاء معرفة، أو ما يؤذي إليها وإمّا لاستدعاء جداء أو ما يؤذي إليه واستدعاء المعرفة جوابه باللسان، وينوب عنه اليد بالكتابة أو الإشارة، واستدعاء الجداء جوابه باليد وينوب عنه اللسان موعداً ورذاً وإذا كان للتعزف يعدى بنفسه، وعن والباء وإذا كان لاستدعاء جداء يعذى بنفسه أو بمن وقد يتعذى لمفعولين كأعطى واختار وقد يكون الثاني جملة استفهامية نحو:{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم} [سورة البقرة، الآية: 211] قاله أبو عليّ رحمه الله تعالى واختلف في الأنفال هنا فذهب كثير من المفسرين إلى أنّ المراد بها الغنائم، وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وطائفة من الصحابة رضي الله عنهم، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله تعالى وذكر وجه التسمية كما فصلناه، ثم أشار إلى أنه يطلق على ما يشترطه الإمام للغازي زيادة على سهمه لرأي يراه سواء كان لشخص معين، او لغير معين كمن قتل قتيلا فله سلبه، والمقتحم الذي يرمي بنفسه للشدائد والمهالك، والخطر
الأمر العظيم. وقوله: (يعني حكمها (بيان للمراد من السؤال عنها لا تقديره كما سيذكره في سبب النزول، ويجوز أن يريد تقديره. قوله: (أي امرها مختص! بهما الخ (فسره به لأنها لو كانت مختصة بهما اقتضى أن لا يكون لغيرهم منها شيء فبين أنّ المختص بهما الأمر والحكم فيقسمها النبي! ي! كما يأمره الله، ولا مخالفة فيه لظاهر سبب النزول، ولا لآية الأخماس حتى يقال هذا توفيق من المصنف رحمه ألله تعالى، أو هي منسوخة
كما قيل، ووجه الجمع بين الله ورسوله هنا لأنه علم من كلامه إنه اختصاص الله بالأمر والرسول-شي! بالامتثال، وقد أشار في الكشاف إلى أنه لتعظيم شأن الرسول مج! هـ وايذان بأنّ طاعته طاعته، وكأن المصنف رحمه الله رأى أنه لا حاجة إليه فتأمّل. قوله:(وسبب ئزوله الخ)) 1 (أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وسبب اختلاف المسلمين وهو رحمة أنها أؤل غنيمة لهم، وقوله: (المهاجرون منهم أو الأنصار) على تقدير الاستفهام أي أيقسمها المهاجرون أو الأنصار، ووقع في نسخة إثباته هكذا المهاجرون الخ. قوله:(وقيل شرط رسول الله! كتي! () 2 (كما أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم، وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أي هذا هو سبب النزول لاختلافهم فيه قال النحرير: مبنيئ الأوّل على كون النفل بمعنى الغنيمة، ومبنى هذا على كون المراد منه ما يعطاه الغازي زائدأ على سهمه، وعلى الوجهين السؤال استعلام لتعديه بعن وعلى قراءة يسألونك الأنفال استعطاء كما في سألتك درهما، وقد جعل بعض المفسرين السؤال مطلقا هنا بمعنى الاستعطاء وادّعى زيادة عن ولا داعي إليه، قيل: وينبغي أن يحمل قراءة إسقاط عن على إرادتها لأنّ حذف الحرف وهو مرد معنى أسهل من زيادته للتأكيد وفيه نظر (والغناء) بفتح الغين المعجمة والمد النفع، وشبان جمع شاب، والوجوه السادات،
والردء براء مهملة مكسورة ودال مهملة ساكنة وهمزة العون والظاهر أنّ المراد به هنا الملجأ، وتنحازون أي تنضمون إليها إذا رجعتم، وأصل الانحياز الانتقال من حيز الى حيز، ومنه قوله تعالى:{أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} [سورة الأنفال، الآية: 6 ا] وقوله ولهذا قيل الخ ضعفه لأنه يحتمل أنه من نسخ السنة قبل تقرّرها بالكتاب كما قيل. قوله:) وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عته الخ) (1 (عمير مصفر وهذا الحديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وقال أبو عبيد هكذا وقع فيه سعيد بن العاص، والمحفوظ عندنا العاصي ابن سعيد والقبض بفتحتين المقبوض من الغنائم بقاف وباء موحدة وضاد معجمة، ووقع في تفسير ابن عطية بقاف وفاء وصاد مهملة قال: وهو المحل الذي توضعفيه الغنائم، اهـ. وقوله: (وبي ما لا يعلمه إلا الله (أي وجد في نفسه شيئا وقال: يعطاه اليوم من لم يبل بلائي، قيل وهذ يحتمل أن يكون سبباً ثالثا للنزول كما في بعض التفاسير لكن صيغة الجمع في وأصلحوا ذات بينكم تأباه ظاهراً، ولذا لم يقل المصنف رحمه الله وقيل. قوله: (وقرىء يسألونك الخ (القراءة الأولى قراءة ابن محيصن، والثانية لعلي بن الحسين وغيره والإدغام للاعتداد بالحركة العارضة وفي قوله يسألك الشبان الخ إشارة إلى أنه سؤال استعطاء لما شرط أي بالنسبة لهم. قوله: (في الاختلاف والمشاجرة (أي المخاصمة، وقوله الحال التي بينكم إشارة إلى أنّ ذات بمعنى صاحبة صفة لمفعول محذوف أي أحوالاً ذات افتراقكم، أو ذات وصلكم، أو ذات المكان المتصل بكم، فبين إمّا بمعنى الفراق أو الوصل أو ظرف، وعلى الأخير بنى المصنف رحمه الله تعالى كلامه، وقال الزجاج: وغيره إن ذات هنا بمنزلة حقيقة الشيء ونفسه كما بينه ابن عطية وعليه استعمال المتكلمين، ولما كانت الأحوال ملابسة للبين أضيفت إليه كما تقول اسقني ذا إنائك أي ما فيه جعل كأنه صاحبه.
قوله: (فإن الإيمان يقتضي الخ (ذلك إشارة إلى الخصال الثلاث أي الإيمان بمعنى التصديق يقتضي ما ذكر فالمراد بيان ترتب ما ذكر عليه لا التشكيك في إيمانهم، وهو يكفي في التعليق بالشرط، وهذا بناء على أن الأعمال غير داخلة فيه، وما بعده مبني على أن المراد بالإيمان الكامل فيدل على الأعمال لأنها شرط أو شطر، ولعل مراده باقتضائه له إنه من شأنه ذلك لا إنه لازم له حقيقة لحصول القطع بأن نفس الإيمان لا يتوقف على ذلك كله لا سيما والمراد به التصديق الحقيقي، ولما رأى الزمخشري أنّ أصل الإيمان لا يستلزمه قال: وقد جعل التقوى واصلاج ذات البين، وطاعة الله ورسوله من لوازم الإيمان وموجباته ليعلمهم إنّ كمال الإيمان موقوف على التوفر عليها، ومن لم يفهم مراده قال إنه خلط بين الوجهين وجعلهما وجها واحداً فتدبر، وقوله طاعة الأوامر الخ على اللف والنشر المشوش، وقيل: ولا يخفى أن إصلاج ذات البين داخل في طاعة
الأوامر، وما في الآية تعميم بعد تخصيص، وإنما قدم ما يدلّ على الاحتراز لذكر الأنفال التي هي مظنة الغلول، ثم الإصلاج لمناسبته للقصة. قوله: (أي الكاملون في الإيمان (إنما قيده وفسره به للحصر إذ لو لم يذكر اقتضى إن من ليس كذلك لا يكون مؤمنا وليس كذلك وعلى الوجه الأوّل لا يكون عين النكرة فإنها إذا أعيدت معرفة لا يلزم أن تكون عينها لأنه أغلبي، وعلى الثاني فهي عينها، وقال النحرير: جعل اللام إشارة إليهم جرياً على ما هو الأصل في اللام، وهو العهد سيما وقد انضم إليه قرينة لاحقة من قوله:{أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} بلفظ أولئك الصريح في الإشارة إليهم وتعريف الخبر وتوسيط الفصل مع القطع با! أصل الإيمان لا ينحصر في المذكورين. قوله: (فزعت لذكره (أي خافت من الله كلما ذكر، أو خافت إذا أرادت معصية فذكرت الله وعقابه، وانتهت عما همت به فهو على الأوّل عامّ وعلى هذا خاص وقوله يهتم بكسر الهاء من الهم بالشيء أي العزم عليه، وينزع مضارع نزع نزوعا إذا انتهى، وك! وأصله بمعنى القلع وفي نسخة فيفرغ من الفراغ والمراد به ذلك أيضا، ووجل بالفتح يجل لغة والأخرى وجل بالكسر يوجل بالفتح وفي مضارعه لغات، والفرق بمعنى الخوف معروف، وقال أهل الحقيقة الخوف على قسمين خوف العقاب وهو للعصاة وخوف الجلال والعظمة فإن العبد الذليل إذا حضر عند ملك عظيم يهابه وهذا الخوف لا يزول عن قلب أحد، والمصنف رحمه الله حمله في الآية على القسمين معا فإن قلت جعل ذكر الآيات مقتضيا للوجل، والإضطراب وفي قوله:{أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} اسورة الرعد، الآية: 28] ما يخالفه قلت قد فرقوا بين الذكرين فإنّ أحدهما ذكر رحمة والآخر ذكر عقوبة فلا منافاة بينهما. قوله: (لزيادة المؤمن به الخ (اختلف في الإيمان هل يزيد وينقص أو
لا على أقوال فقيل لا يزيد ولا ينقص، وقيل يزيد وينقص لأنّ الأعمال داخلة فيه فيقبل ذلك بحسبها، وقيل نفس التصديق يقبل الزيادة قوّة وضعفا، ولما ذكر في الآية زيادته نزلها على الأقوال فمن قال لا يزيد ولا ينقص، قال إنّ ذلك باعتبار متعلقه، وهو المؤمن به على بناء المفعول، ومن قال إنّ اليقين نفسه يقبل ذلك قال لقوّة الأدلة ورسوخه ولا شك أنّ إيمان أحد العوام ليس كإيمان الصذيقين، ولذا قال عليّ كزم الله وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، وقد رجح هذا النحرير والعلامة، ومن قال إنّ الأعمال داخلة فيه فهو ظاهر فقوله، وهو قول الخ راجع للقول الأخير وهو العمل. قوله: (يفوّضون إليه أمورهم الخ (الأمور المفوّضة إلى الله إمّا أمور ترجى، أو أمور تخشى فلذا عطف عليه قوله ولا يخشون الخ، والحصر المذكور من تقديم المتعلق على عامله، وهو ظاهر. قوله: الأنهم حققوا إيمانهم الخ (لما كانت الإشارة بأولئك إلى الموصوفين بالصفات المذكورة بعد إنما إلى هنا، وقد تضمن ذلك وصفهم بخمسة أوصاف ثلاثة منها تتعلق بالباطن، والقلب الخوف من الله والإنقياد لطاعته المشار إليه بالإخلاص وأن لا يتوكل إلا عليه، واثنان منهما تتعلق بالظاهر الصلاة والصدقة، ثم رتب على ذلك حقية إيمانهم واستحقاقهم لمنازل الجنان بين المصنف رحمه الله ذلك وأشار إلى وجه الاقتصار عليها لأنها مكارم إفعال القلوب، ومحاسن أعمال الجوارح فتدل على غيرها فالخشية من قوله وجلت قلوبهم والإخلاص من حصر التوكل، وفي جعل تلك مكارم لأنها من كرم النفس وجودتها وهذه محاسن لتزين ظاهر المرء بها، وقوله حققوا إشارة إلى أن حقاً مصدر حق بمعنى ثبت وتحقيقه إثباته وقوله العيار من عاير المكاييل إذا قدرها ونظر ما بينها من التفاوت، والعيار على كذا بمعنى الدليل والشاهد عليه لأنه يعلم به أمر غيره كما يعرف بمعايرة المكاييل زيادتها ونقصها. قوله: (وحقا صفة مصدر محذوف الخ (أي إيمانا حقاً فالعامل فيه المؤمنون لا حق مقدراً كما قيل، أو هو مؤكد لمضمون الجملة فالعامل فيه حق مقدرا، وقيل إنه يجوز أن يكون لمضمون الجملة التي بعده أي لهم درجات حقا فهو ابتداء كلام وهذا مع أنه خلاف الظاهر إنما يتجه على القول بجواز تقديم المصدر المؤكد لمضمون الجملة عليها، والظاهر منعه كالتأكيد وقد ذكر الزمخشرقي هنا أنه تعلق بهذه الآية من يستثنى في الإيمان، وكان أبو حنيفة رحمه الله ممن لا يستثنى فيه، وهي مسألة الموافاة المشهورة، ولكونه متعلقآ بهذه الآية وجه بعيد، ولذا أنكره العلامة
في شرحه، ولذا لم يتعرّض لها المصنف رحمه الله هنا
وتحقيقها أن الاستثناء أعني إن شاء الله إن كان للتبرك وتفويض الأمور إلى مشيئته تعالى، أو للشك في الخاتمة أو في الإيمان المنجي الذي يترتب عليه دخول الجنة أو لتعليق الإيمان الكامل الذي يدخل فيه الأعمال جاز، وبالجملة ليس للشك في حصول الإيمان في الحال فيرتفع النزاع، ويتبين أنه لفظي كما ذهب إليه شراح الكشاف بأسرهم، وقد تقدم تفصيله. قوله: (كرامة وعلوّ منزلة الخ (يعني المراد بالدرجات العلوّ المعنوي، أو الحسي في الجنة وجمعها على الأوّل ظاهر باعتبار تعددها وتنوّعها، وفي الثاني هي متعددة حقيقة، وقوله لما فرط بالتخفيف أي سبق ولم يذكروا لتوسط المغفرة، والظاهر تقديمها هنا نكتة فلتنظر، ومعنى قوله رزق كريم أن رازقه كريم، فلذا دذ على الكثرة وعدم الانقطاع إذ من عادة الكريم أن يجزل العطاء، ولا يقطعه فكيف بأكرم الأكرمين وجعل الرزق نفسه كريما على الإسناد المجازي للمبالغة. قوله: (خبر مبتدأ محذوف الخ الما كان الكلام يقتضي تشبيه شيء بهذا الإخراج، وهو غير مصرّح به ومحتاج للبيان ذكروا في بيانه، واعرابه وجوهاً بلغت عشرين فمنها ما اختاره الزمخشري، وتبعه المصنف رحمه الله إنه خبر مبتدأ محذوف هو المشبه أي حالهم هذه في كراهة التنفيل كحال إخراجك من بيتك في كراهتهم له، كما سيأتي في تفصيل القصة فالمشبه حال والمشبه به حال أخرى ووجه الشبه كراهتهم الخ، وهذا هو قول الفرّاء فإنه قال الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال وكراهتهم لما وقع فيها مع أنها أولى بحالهم واخراجك مضاف للمفعول، وقوله في كراهتهم له أي الحال، وذكره باعتبار المضاف أو لكونه بمعنى الشأن والظاهر أنّ المراد بالكراهة الكراهة الطبيعية التي لا تدخل تحت القدرة، والاختيار فلا يرد أنها لا تليق بمنصب الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقوله تعالى:{مِن بَيْتِكَ} أراد بيته بالمدينة أو المدينة نفسها لأنها مثواه واضافة الإخراج إلى الرب إشارة إلى أنه كان بوحي منه. قوله: (أو صفة مصدر الفعل المقدّر في قوله لله (قال ابن الشجري في الأمالي الوجه هو الأوّل، وهذا ضعيف لتباعد ما بينهما وأيضا جعله داخلاً في حيز قل ليس يحسن في الانتظام، وقال أبو حيان: إنه ليس فيه كبير معنى ولا يظهر للتشبيه فيه وجه وأيضاً لم يعهد مصدر لمتعلق الجاز، وتأكيده ولذا قدر بعضهم قبل هذا ما يدلّ عليه ذلك والاعتذار با! الفاصل كالاعتراض لا يخلو من الاعتراض! ، وقيل تقديره وأصلحوا
ذات بينكم كما أخرجك وقد التفت من خطاب جماعة إلى خطاب واحد وتيل وأطيعوا الله ورسوله كما أخرجك إخراجا لا مرية فيه، وقيل يتوكلون توكلاً كما أخرجك، وقيل إنهم لكارهون كراهة ثابتة كإخراجك، وقيل الكاف بمعنى إذ وهو مع بعده لم يثبت وقيل الكات للقسم، ولم يثبت أيضا وان نقل عن أبي عبيد، وجعل يجادلونك الجواب مع خلوّه عن اللام والتأكيد، وقيل الكاف بمعنى على وما موصولة، ولا يخفى ما فيه وقيل الكاف مبتدأ خبره مقدر وهو ركيك جذاً، وقيل إنها في حل رفع خبر مبتدأ أي وعده حق كما أخرجك، وقيل تقديره قسمتك حق كإخراجك وقيل ذلكم خير لكم كإخراجك، وقيل تقديره إخراجك من مكة لحكم كإخراجك هذا، وقيل هو متعلق باضربوا وهو كما تقول لعبدك رتبتك افعل كذا، وقال أبو حيان: إنّ الكاف للتعليل كما في قوله لا تشتم الناس كما لا تشتم والتقدير أعزل الله بنصره وأمدك بجنوده، لأنه الذي أخرجك وهم كارهون وبعد اللتيا والتي في النفس شيء من أكثر هذه التخريجات. قوله: (في موقع الحال أي أخرجك الخ (أي حال كونهم كارهين للحرب لعدم الاستعداد له أو للميل للغنيمة، والحال مقدرة لأنّ الكراهة وقعت بعد الخروج بوادي دقران كما ستراه في القصة، أو يعتبر ذلك ممتداً. قوله: (وذلك أنّ عير قريش الخ (هذه الجملة مبينة لما قبلها وإن دخلتها الواو وذلك إشارة إلى أن الإخراج في حال الكراهة، وقوله عمرو بن هشام قال: الفاضل المحشي هو أبو جهل، ولم يكن في العير بل في النفير والعير بكسر العين الإبل
التي تحمل المتاع والنجاء النجاء أي بادكأوا النجاء، وهو بالفتح والمد الإسراع، وقوله في كل صعب وذلول أي على كل مركوب صعب، لا ينقاد وذلول منقاد للركوب والمراد عدم التربص واختيار ما يركب، وقوله:(أموالكم) بدل من
عيركم أو خبره إن رفع وإن نصب فتقديره أدركوا، وقوله وقد رأت جملة حالية وهو من رؤيا المنام وملكاً بفتح اللام، وقوله:) حلق (بمعنى ارتفع وأصله من تحليق الطائر، وهو استدارته في الهواء وضمن حلق معنى رمى أي راميأ بها، وقوله: (يتنبؤوا (أي يدعوا النبوّة يعني به بني هاشم، وفي نسخة ترضى بالتأنيث، ورجالهم بالنصب على التنازع في نساؤهم وبدر اسم رجل حفر تلك البئر واستنبط ماءها فسمي به وقيل بجميع أهل مكة مبالغة وإلا فهم لم يخرجوا كلهم، ودقران بدال مهملة وقاف وراء مهملة واد قريب من الصحراء، وقوله نتأهب أي نستعدّ ونتدارك، وقوله:) إنا خرجنا (تعليل وبيان لسبب عدم تأهبهم واحدى الطائفتين إمّا العير، وامّا القوم فإنّ الطائفة لا تختص بالعقلاء، وقوله فاحسنا أي أحسنا الكلام في إتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله:) انظر أمرك) أي ما تريد وافعل فنحن لا نخالفك، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يخشى مخالفة الأنصار لأنهم شرطوا عليه في بيعة العقبة أن ينصروه على من أتاه وهو بالمدينة كما سيأتي، وقوله:(إلى عدن أبين (أي إلى أقصى اليمن وأبين بفتح الهمزة وعن سيبويه أنها مكسورة أسم رجل عدن بها أي أقام فسميت به، وقال الفاضل اليمني وهو أعرف ببلاده: أبين اسم قصبة بينها وبين عدن ثلاثة فراسخ أضيفت إليها الأدنى ملابسة، وقيل إنه يجوز أن يكون مثل سبأ فتأفل، وقوله: (كانوا عددهم) جمع عذة بضم العين، والمراد ما أعذ للمعاونة، وقوله برآء بالمذ ويجوز براء من ذمامه أي من ذمته وعهده بالنصرة حتى يصل أي العدوّ إلى ديارهم، وقيل حتى يصل النبيّ غشت ولا وجه له، وقوله فتخوف إنما تخوّف رسول اللهء! ز مع ما مز من قول سعد بن عبادة له، وهو سيد الأنصار لأنه سيد الخزرج فأراد أن يعلم اتفاقهم على رأيه وقوله:(دهمه (بالإهمال أي هجم عليه، وقيل ساءه وفي نسخة همه وهي تحريف، وقوله: (على ذلك) للتعليل أو المراد عهودنا على ذلك، وقوله لو استعرضت بنا هذا البحر أي لو عبرته عرضاً وهو أشق من طوله، وقيل معناه طلبت من البحر عرض ما عنده من الأمواج والأهوال وأنت فيه، والباء تحتمل التعدية والمصاحبة والأخير أنسب بقوله معك، وتوله: (تلقى بنا (الباء للتعدية أو
للمصاحبة، وقوله صبر وصدق بضمتين جمع صبور وصدوق، وقيل صبر بضم الصاد وتشديد الباء جمع صابر وصدق بضمتين مخففا جمع صدق كضرب من قولهم رجل صدق اللقاء وتقرّ بفتح التاء والقاف أي يسرّك ومصارع القوم أي المحالّ التي فيها جثث قتلاهم والوثاق ما يوثق ويربط به لأنه اً سر في بدر، وقوله لا يصلح أي لا يصلح لك هذا الرأي، وهو قول القائل عليك بالعير. قوله:(فكره بغضهم قوله) قال المحشي أي قول رسول اللهءكرو والفاء للتفريغ أي إذا تبين أنّ القصة هكذا، فقد تبين أنّ بعض الصحابة كره قول النبي ك! هـ كلهم فقد تمت القصة بنقل كلام العباس رضي الله تعالى عنه والقصد بهذا تفسير قوله تعالى:{وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [سورة الأنفال، الآية: 5] لكن في كلامه الباس لايهامه أنّ ضمير قوله للعباس رضي الله عنه. قوله: (يجادلونك في الحق الخ) هذه الجملة إمّا حالية أو مستأنفة، وقوله:(في إيئارك الجهاد (أي أختيار النبي كيئ الجهاد وتلقي النفير بسبب أنه مظهر للحق، ومعل للدين وليست الباء في موضع اللام حذراً من تكرارها في قوله لإيثارهم كما قيل. قوله: (إنهم ينصرون الخ (فاعل تبين ضمير الحق من غير شبهة، وهذا تفسير للمراد منه لأنه ما آثر الجهاد إلا بعد علمه بالنصر لإعلام الله له به فلا يرد عليه أنه مخالف للظاهر. قوله: (أي يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت) وقوله وهو يشاهد أسبابه إشارة إلى أنّ مفعول ينظرون هو أسباب الموت ومقدماته، وهو تقدير معنى ويجوز أن يكون تقدير إعراب ومضاف بأن يكون جملة كأنما الخ صفة مصدر لكارهون بتقدير مضاف أي كارهون كرأهة ككراهة من سيق للموت، وقد شاهد علاماته ومنهم من جعل الجملة حالية. قوله:(وكان ذلك لقل عددهم الخ) اعتذار عن مخالفتهم للنبيّ-لمجرو لأنهم كانوا ثلثمائة وتسعة عشر رجلاً فيهم فاوسان، وقيل فارس واحد والمشركون ألف ذو عدة وعذة، ورجالة بفتح وتشديد جمع راجل وهو
الماشي، والفارسان هما المقداد بن الأسود والزبير بن العوام رضي الله عنهما وفي مسند أحمد عن عليّ كرم الله وجهه ما كان منا فارس يوم بدر إلا
االمقداد ابن الأسود، وقوله (وفيه) أي في قوله كأنما يساقون إلى الموت لأن من هذه حاله يكود
كذلك. قوله:) على إضمار اذكر) على أنه مفعوله إن كانت متصزفة أو التقدير أذكر الحادث إذ الخ كما مز، واحدى أي لفظ إحدى مفعول بعد لأنه يتعدّى بنفسه وبالباء إلى الثاني، والنفير اسم جمع أي القوم النافرون للحرب وفي المثل لا في العير ولا في النفير، وأوّل من قاله أبو سفيان بن حرب لبني زهرة كما فصل في الأمثال. قوله:) والثوكة الحدة مستعارة من واحدة الشوك (المعروف استعيرت للشدة والحذة وللسلاح أيضأ، ويقال منه رجل شائك للسلاج وشاك كغاز كقوله:
لدي أسد شاكي السلاج مقذف
والكلام فيه مشهور. قوله: (أي يثبته ويعليه (يشير إلى أنه من حق بمعنى ثبت فأحقه
ثبته، وإعلاؤه إظهاره على غيره وهو تفسير للحق لأن الحق حق في نفسه لا يحتاج إلى إحقاق كما أنّ الباطل باطل في حذ ذاته لا يحتاج إلى إبطال فالمراد بإحقاق الحق، وابطال الباطل إظهار كونه حقاً وباطلاً لئلا يلزم تحصيل الحاصل، وما قيل الإعلاء من لوازم الإثبات لا معنى له. قوله:(الموحى بها ني هذه الحال الخ (أي المراد بالكلمات كلماته الموحى بها في هذه القصة أو أوامره للملائكة بالإمداد ونحوها، وقراءة بكلمته لجعلها كالشيء الواحد أو هي كلمة كن التي هي عبارة عن القضاء والتكوين كما مرّ. قوله: (ويستأصلهم (أي يهلكهم جملة من أصلهم لأنه لا يفني الآخر إلا بعد فناء الأوّل، ومنه سمي الهلاك دبارا. قوله: (والمعنى أنكم تريدون الخ) هذا محصل النظم من قوله، وتودّون إلى هنا فقوله تريدون أن تصيبوا ما لا هو معنى قوله تودّون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم، وقوله والله يريد الخ معنى قوله ويريد الله الخ. قوله: (وليس بتكر-لر الخ الما كان يتراءى منه أنه تكرار كقولك أريد أن أكرم زيداً لإكرامه، وهو لغو وليس هذا بناء على تعلقه بيحق أو يريد كما يتوهم بل هو مما يقتضيه الكلام لأنّ فعل الشيء لأجل شيء آخر يقتضي إرادة ذلك الشيء الآخر منه فيؤول معناه إلى ما ذكر، أجيب بأنّ قوله {يُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ} لبيان الفرق بين إرادته تعالى وارادة القوم بأنه يريد إثبات الحق وما هو من معالي الأمور، وهم الفائدة العاجلة، وما هو من سفسافها، وقوله ليحق
الحق لبيان أنه فعل ما فعل من نصرة المؤمنين وخذلان المشركين لهذا الفرض الصحيح والحكمة الباهرة وهو إثبات الحق وابطال الباطل فالحاصل أنّ الأوّل بيان إرادة الله مطلقا وهذه لإرادة خاصة، وفيه مبالغة وتأكيد للمعنى بذكره مطلقأ ومقيدا كانه قيل من شأن إرادة الله ذلك فلذا فعل ما فعلى هنا فلا يرد عليه ما قيل إنه لا يخفى أنّ بيان أنه تعالى أراد أن يحق الحق، ويبطل الباطل في قوّة أنه أراده بما فعله فبعد تسليم أنّ مثل هذا لا يعد تكراراً لا محيص عن حصول الغنية بالأوّل عن الثاني أما على ما ذهب إليه الزمخشريّ من تقدير المتعلق مؤخراً ليفيد التخصيص، فيكون مصب الفائدة هو الحصر في ذلك وبه يتم الفرق فكان على المصنف رحمه الله أن يذكره. قوله:(ولو كره المجرمون) أي المشركون لا من كره الذهاب إلى النفير لأنه جرم منهم كما قيل. قوله: (بدل من إذ يعدكم الخ) وان كان زمان الوعد غير زمان الاستغاثة لأنه بتأويل أنّ الوعد، والاستغاثة وقعا في زمان واسع كما تقول لقيته سنة كذا كما مرّ مثله في آل عمران، قيل وهو يحتمل بدل الكل إن جعلا متسعين وبدل البعض إن جعل الأوّل متسعا، والثاني معياراً. قوله:(أو متعلق بفوله ليحق الحق (فإن قلت يحق مستقبل لنصبه بأن واذ للزمان الماضي فكيف تعمل فيه قيل إنه على ما ذهب إليه بعض النحاة كابن مالك من أنها تكون بمعنى إذا للمستقبل كما في قوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [سررة غافر، الآية: 71، وقد يجعل من التعبير عنه بالماضي لتحققه فتأفل. قوله:) واستغاثتهم الخ) الاستغاثة طلب الغوث وهو التخليص من الشذة والنقمة والعون، وهو متعد بنفسه ولم يقع في القرآن إلا كذلك، وقد يتعدى بالحرف كقوله:
حتى استغاث بماء لارشاء له من الأباطح في حافاته البرك
وكذا استعمله سيبويه رحمه الله فلا عبرة بتخطئة ابن مالك رحمه الله للنحاة في قولهم المستغاث له أو به أو من أجله، ولا محيص بمعنى لإخلاص، وأي حرف نداء وآلعصابة كالعصبة الجماعة من الناس، وسقوط ردائه عخي! من توجهه في الدعاء وانجذابه له والمناشدة الطلب، قيل وكلام أبي بكر رضي الله عنه يقتضي أن المستغيث النبيّ صلى الله عليه وسلم فالجمع للتعظيم،
وقوله: (وعن عمر رضي الله عنه الخ () 1 (أخرجه مسلم والترمذي. قوله: (بأتي ممدّكم الخ (يعني أنه حذف الجارّ لأنه مقيس مع أنّ وان وقراءة الكسر بتقدير القول أو لأنه يدل على معنى القول فيجري مجراه في الحكاية على المذهبين في مثله، وقوله: (من القول) أي من جنس القول. قوله: (متبعين المؤمنين الخ) الإرداف الاتباع والإركاب وراءك، وقال الزجاج أردفت الرجل إذا جئت بعده، ويقال ردف وأردف بمعنى وهو أن يركبه أو يجيء خلفه، وقيل بينهما فرق فردفت الرجل ركبت خلفه وأردفته أركبته خلفي، وقال شمر: ردفت وأردفت إذ فعلت ذلك بنفسك فإذا فعلته بغيرك فأردفت لا غير هذا محصل كلام اللغويين فيه ومحصل كلام الزمخشريّ هنا على تطويل فيه وتشويش أن اتغ مشدداً يتعدى إلى واحد وأتبع مخففا يتعدى إلى اثنين بمعنى الإلحاق وان نقل في التاج أنه يكون بمعنى اللحاق متعديا لواحد أيضا وأردف أتى بمعناهما، ومفعول اتبع محذوف ومفعولاً اتبع محذوفان فيقدر ما يصح به المعنى ويقتضيه فقول المصنف رحمه الله أوّلاً:(متبعين المؤمنين (بالتشديد، وقوله ثانياً:) ومتبعين بعضهم بعضا) بالتخفيف وذكر فيه على تعديه لواحد احتمالين في موصوفه ومفعوله فإفا أن يكون موصوفه جملة الملائكة، ومفعوله المقدر المؤمنين، والمعنى اتبع الملائكة المؤمنين أي جاؤوا خلفهم، أو موصوفه بعض الملائكة، ومفعوله المقدر المؤمنين، والمعنى اتبع الملائكة المؤمنين أي جاؤوا خلفهم، أو موصوفه بعض الملائكة ومفعوله بعض آخر، والمعنى تبع بعض الملائكة بعضا منهم كرسلهم، وأشار إلى أنّ المعنيين على التعدية الواحد بمعنى اتبع المشدّد بقوله من أردفته إذا جئت بعده، ثم ذكر له على تعديه لمفعولين وكونه بمعنى متبعين المخفف ثلاثة معان على أنه صفة للملائكة كلهم ومفعولاه بعضهم بعضا أي هذين اللفظين بأن يكونوا جعلوا بعضهم يتبع بعضاً وياتي بعده أو مفعوله الأوّل بعضهم، والثاني المؤمنين أي اتبعوا بعضهم المؤمنين فجعلوا بعضا منهم خلفهم، أو مفعولاه أنفسهم والمؤمنين أي اتبعوا أنفسهم وجملتهم المؤمنين فجعلوا أنفسهم خلفهم فالاحتمالات خمسة والتقادير كما عرفت، هذا تحقيق مراد المصنف رحمه الله بما لا يحتاج إلى غيره. قوله:) مردفين بفتح الدال اي متبعين أو متبعين) الأوّل بالتشديد متعد لواحد والثاني بالتخفيف متعد لاثنين وهما بصيغة المفعول فهو على الأوّل مقدمة الجيش لأنها متبعة، والمتبع لهم المؤمنون وعلى الثاني ساقته لأنهم متبعون أي جاعلون أنفسهم تابعة لهم. قوله:(وقرئ مردفين بكسر الراء وضمها الخ)
أصله على هذه القراءة مرتدفين فأبدلت التاء دالاً لقرب مخرجهما وأدغمت في مثلها ويجوز في رائه حينئذ الحركات الثلاث الفتح وهي القراءة التي حكاها الخليل رحمه الله عن بعض المكيين، وفتحها بنقل حركة التاء أو للتخفيف والكسر على أصل التقاء الساكنين، أو لاتباع الدال، والضم لاتباع الميم والكل شاذ وظاهر ما نقل عن الخليل أن القراءة بالفتح، والآخرين يجوز أن بحسب العربية كما يجوز كسر الميم أيضاً، فلو ذكر المصنف رحمه الله تعالى الفتح كان أولى ولم يذكر في معناه كونه من الارتداف بمعنى ركوب أحدهم خلف آخر كما في بعض التفاسير لأنّ أبا عبيد أنكره وأييده بعضهم. قوله:(وقرئ بآلاف ليوافق الخ الأنه وقع في سورة أخرى بثلاثة آلاف وبخمسة آلاف، وهنا بألف فقراءة الجمع بآلاف كأصحاب جمع ألف كفلس توافق ما وقع في محل آخر وعلى قراءة الإفراد فالتوفيق ما ذكره المصنف رحمه الله والاختلاف في أنهم قاتلوا معهم، أو لم يقاتلوا، وإنما كثروا سوادهم تقوية وتوهينا لأعدائهم مفصل في الكشاف. قوله: (أي الإمداد) يعني مرجع الضمير المصدر المنسبك على قراءة الفتح، والمصدر المفهوم منه على الكسر ولم يجعله له باعتبار أنه قول لتكلفه، وقوله:(1 لا بشارة) إشارة إلى أنه مصدر منصوب على أنه مفعول له، وجعل متعد لواحد وليطمئن معطوف عليه، وأظهرت اللام لفقد شرط النصب، وظاهر كونه بشرى أنّ النبيّء صلى الله عليه وسلم
أخبرهم به، والمراد بالذلة الانكسار من الفزع والا فالعزة دلّه ولرسوله والمؤمنين. قوله:) وإمداد الملائكة وكثرة العدد) بضم العين جمع عدة وهي ما يعد للحرب، وغيره كالسلاح والأهب جمع أهبة بمعناه فهو عطف تفسير وتأكيد أو بفتحتين وهو ظاهر، وفي الكشاف يريد ولا تحسبوا النصر من الملائكة عليهم الصلاة والسلام فإنّ الناصر هو الله لكم للملائكة أو وما النصر بالملائكة وغيرهم من الأسباب إلا من عند الله، والمنصور من نصره الله، والفرق بينهما أنه على الأوّل لا دخل للملائكة في النصر، والثاني أنّ لهم دخلا إلا أنهم ليسوا بسبب مستقل، ولتقارب الوجهين أدرجهما المصنف رحمه الله تعالى في كلامه وأما ما قيل إنه ترك لقلة مساسه بالمقام، فلا مساس له بالمقام. قوله:(بدل ثان من إذ يعدكم الخ) وهذا بناء على جواز تعدد البدل، والنعمة الثالثة أنّ الخوف كان يمنعهم النوم فلما طمن الله قلوبهم نعسوا، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة وسوسة من لشيطان وضعف تعلقه
بالنصر، بأن فيه إعمال المصدر المعرف بأل وفيه خلاف للكوفيين، والفصل بين المصدر ومعموله، وعمل ما قبل إلا فيما بعدها، وتعلقه بما في الظرف من معنى الفعل لتقدير ثابت، ونحوه قيل عليه إنه يلزم تقييد استقرار النصر من الله بهذا الوقت ولا تقيد له به، وردّ بأنّ المراد به نصر خاص فلا محذور في تقييده فتأمّل، وفي تعلقه بجعل فصل بينهما، وفيه وجوه أخر ووجه القراآت ظاهر. قوله:(أمنا من الله) يعني الأمنة هنا مصدر بمعنى الأمن كالمنعة، وان كان قد يكون وصفة بمعنى أمين كما ذكره الراغب وفي نصبه وجوه، منها ما ذكره المصنف رحمه الله، وهو أنه مفعول له ولما كان من شرطه أن يتحد فاعله وفاعل الفعل العامل فيه، وفاعله هم الصحابة رضي الله تعالى عنهم الآمنون، وفاعل يغشى على هذه القراءة الله، وعلى الأخرى النعاس، أجاب) بأن يغشيكم النعاس) يلزمه معنى تنعسون، فجعل كناية عنه، وهذا مفعول له باعتبار المعنى الكناتي، فقوله متضمن بمعنى مستتبع ومستلزم له حخى كأنه في ضمنه ويغشاكم النعاس مؤوّل بتنعسون لأنه بمعناه، وقوله:(والأمنة) فعل لفاعله أي لفاعل تنعسون الذي دل عليه الكلام. قوله:) ويجوز أن يراد بها الإيمان) أي يراد الإيمان بمعناه اللغوي، وهو جعل الغير آمنا بمعنى الأمان فيكون مصدر آمنه، وهو بعيد في اللغة كما قاله النحرير، بناء على أنه مصدر المزيد بحذف الزوائد ولك أن تقول ليس مراده هذا بل منه لما كان صفة آمنة ومآل معنى الأمنة الكائنة من الله التأمين فباعتباره جعل مفعولاً له، واتحدا فاعلا، والحاصل أنه إمّا أن يؤوّل الفعل أو المصدر فتدبر، ومع هذا فعلى قراءة يغشيكم ظاهر لأنّ فاعل التغشية، والأمان هو الله وأما على الأخرى وهي يغشاكم فلا يتأتى هذا بل يؤوّل بما مرّ، ويجوز في هذه القراءة وجه آخر وهو أن يجعل إلا من صفة النعاس لا صفة أصحابه وهو أنّ النوم كأنه كان يخاف أن يأتيهم لئلا يمسه ما مسهم، أو أنه التمس منهم الأمنة فلما أمن أتاهيم كما في البيت المذكور، وهو معنى لطيف، وان قيل: إنه تخيل يليق بالشعر لا بالقرآن، ثم إن وجهه كما قيل إنه استعارة بالكناية شبه النعاس بشخص من شأنه أن يأتيهم في وقت الأمن دون الخوف وقرينته إثبات الأمن له، وقيل: إنه جعل الأمنة فعل النعاس على الإسناد المجازي لكونه من ملابسات أصحاب الأمن أو على تشبيه حاله مجال إنسان شأنه الأمن والخوف، وان حصل له من الله تعالى الأمنة من الكفار في مثل ذلك الوقت المخوف فلذلك غشيكم وأنامكم، فيكون الكلام
تمثيلا وتخييلاً للمقصود بإبراز المعقول في صورة المحسوس، فإن قلت: كيف يكون إسنادا مجازيا كما في الكشاف، وشروحه واسناد يغشاكم إلى النعاس لا شبهة في كونه حقيقة على كل حال والأمن لم يذكر له فاعل حتى يكون الإسناد فيه مجازيا والمصدر لا يضمر فيه فهل مراده بالإسناد النسبة التي بين الفعل والمفعول له، قلت المراد الإسناد المقدر في الأمن لأنه لما جعل صفة للنعاس فكأنه قيل أمن النعاس فغشيهم، ومنه تعلم أنّ الإسناد المجازي قد يكون مذكورأ، وقد يكون مقدرا وهو شبيه بالاستعارة المكنية، فتنبه له، ثم إن الوجه الأوّل هو الذي ذكروه في قوله تعالى:{يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [سورة الرعد، الآية: 12] لأنه تعالى إذا أراهم البرق رأوه
فكانوا فاعلين معنى وسيأتي تحقيقه إلا أنه قيل إن فاعل تغشية النعاس، هو الله تعالى، وهو فاعل الأمنة أيضا لأنه خالقها، وحينئذ يتحد فاعل الفعل والعلة ويندفع السؤال على قواعد أهل السنة، ولا يخفى أنّ المعتبر الفاعل اللغوي، وهو المتصل بالفعل، وهو تعالى غير متصف بالأمن ولا يقال له آمن والعبد هو الفاعل لغة وإن كان تعالى هو الفاعل حقيقة، وحينئذ يفتقر السؤال إلى دفعه بما مرّ، فإن قلت لم اقتصر على أنه مفعول! هـ هنا وجعله في آل عمران تارة حالاً وأخرى مفعولاً به ومفعولاً له، قلت قالوا إنّ ذلك المقام اقتضى الاهتمام بشأن الأمن، ولذلك قدمه وبسط الكلام في الأمن وازالة الخوف، ألا ترى إلى سياق الآية وهو قوله:{فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُواْ} [سررة آل عمران، الآية: 153]، وسباقها وهو قوله يغشى طائفة الخ حيث جعله صفة لنعاسا وختم الكلام بقوله لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم كيف جعل الكلام كله في الأمن والخوف بخلافه هنا لأنه مقام تعداد النعم فجيء بالقصة مختصرة بالرمز. قوله:(يهاب النوم أن ينشى عيونا تهابك فهو نفار شرود) هذا من قصيدة للزمخشركا في ديوانه وتهاب بمعنى تخاف، ونفار صيغة مبالغة كنفور من النفور والشرود وهما بمعنى، وقراءة أمنة بالسكون لغة فيه. قوله:(من الحديث والجنابة الخ) على هذا يصير تفسير الرجز بالجنابة مكرّرأ فالتفسير هو الثاني كما قيل وقد أشار المصنف رحمه الله إلى دفع التكرار بأنّ الجملة الثانية تعليل للأولى والمعنى طهركم منها لأنها من رجز الشيطان، وتخييله والكثيب ما اجتمع من الرمل، والا عفر بعين مهملة وفاء وراء مهملة رمل أبيض يخالطه حمرة، وتسوخ
فيه أي تغوص وتنزل فيه الإقدام للينه وهذا الحديث أخرجه) 1 (أبو نعيم في الدلائل، وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وليس فيه فاحتلم أكثرهم، وقوله: (على عدوته) بضم العين أي جانبه والركاب الإبل اسم جمع لا واحد له من لفظه أو واحده ركوبة، وقوله:(تلبد) أي التصق بعضه ببعض، وذهب تخلخه فسهل المشي عليه، وقوله وزالت الوسوسة أي بسبب زوال ما وسوس به، وأشفقوا بمعنى حزنوا. قوله: (بالوثوق على لطف الله تعالى لخ (يقال رابط القلب ورابط الجأس للصبور الجريء وكل من صبر على أمر فقد ربط قلبه عليه والأصل ليربط قلوبكم، ثم على قلوبكم فعند الاستعلاء كأنّ قلوبهم امتلأت منه حتى علا عليها فأفاد التمكن فيه، وقوله حتى تثبت في المعركة أي حتى تثبت القلوب في المعركة ولا تجبن فيفرّوا أو حتى تثبت الإقدام لأنّ ثباتها تابع لقوّة القلوب، لا بالمطر لتقدم زمان المطر على زمان الوحي لأنه وقت القتال وذلك قبله لأنّ التثبت بالمطر باق إلى زمانه أو يعتبر زمان الأول متسعا قد وقعا فيه كما مرّ، وقوله في إعانتهم وتثبيتهم أي إعانة المؤمنين وتثبيتهم، ذكره لأنّ توله أني معكم لإزالة الخوف كما في توله:{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [سورة التربة، الآية: 40] ولما ورد عليه أن الملائكة، لا يخافون من الكفرة فما وجه خطابهم به دفعه بأن المراد أني معكم أي معينكم على تثبيت المؤمنين والكسر على تقدير القول أي قائلا إني معكم، أو لكونه متضمناً لمعنى القول حكيت به الجمل على المذهبين في أمثاله، واجراء بالجرّ عطفا على إرادة وجوّز نصبه عطفاً على محله ولا حاجة إليه. قوله: (بالبشارة أو بتكثير سوادهم الخ (البشارة إنا بأن يخبروا الرسول جمح أو بأن يلهموا قلوب المؤمنين ذلك، أو بأن يظهروا لهم في صورة بشرية يعرفونها، ويعدونهم النصر والتمكن كما روي أنّ تكثير السواد كان كذلك. قوله: (فيكون قوله سألقي الخ (أي على الاحتمال الأخير وهو المحاربة يعني الخطاب مع الملائكة عليهم الصلاة والسلام، والجملتان مفسرتان الخبرية للخبرية والطلبية للطلبية فسألقي الخ تفسير لأني معكم في إعانتهم بإلقاء الرعب واضربوا، تفسير لثبتوا ويكون تثبيتهم قولهم لهم أبشروا بالنصر ونحوه، هالقاء الرعب بقو! هم للمشركين إنهم إن حملوا عليكم انهزمتم ونحوه، ووجه الاستدلال به على تسليم التفسير ظاهر
ولأنّ خطاب ثبتوا للملائكة فالظاهر أن اضربوا كذلك، وهو أحد قولين للمفسرين كما مرّ. قوله: (ومن مفع ذلك جعل الخطاب الخ (أي من منع قتال الملائكة، جعل الخطاب اًي المخاطبة فيه أي في فاضربوا، أو الكلام المخاطب به في هذا النظم مع المؤمنين إما على التلوين وتغيير الخطاب من خطاب الملائكة إلى خطاب المؤمنين، أو يكون كلاما تلقينيا
للملائكة بتقدير القول لكنه حكى فيه ما قاله الله بلفظه والا فكان الظاهر سيلقي الله الرعب فاضربوا الخ واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله تولي هذا. قوله: (أعاليها التي هي المذابح) يعني فوق الإعناق إما على ظاهره، والمراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق فالمراد اضربوا رؤوسهم كقوله:
وأضرب هامة البطل المشيح
أو المراد أعالي الإعناق التي هي نحرها ومقطعها الذي تطير بضربه الرؤوس وفوق باقية
على ظرفيتها لأنها لا تتصرّف، وقيل إنه إذا كان عبارة عن الرأس فهو مفعول به قيل وتفسيره بالأعالي ناظر إليه، وقيل فوق هنا بمعنى على، والمفعول محذوف أي اضربوهم على الأعناق وقيل زائدة. قوله:(أصابع أي حزوا رقابهم الخ (اختلف أهل اللغة في البنان فقيل هو الأصابع واحده بنانة، وقيل إطلاته عليها مجاز من تسمية الكل بالجزء، وقيل هي المفاصل، وقيل هي مخصوصة باليد وقيل نعم اليد والرجل، ويقال بنام بالميم وأشار المصنف رحمه الله بقوله اقطعوا أطرافهم إلى أن المراد بالبنان مجازأ مطلق الأطراف لوقوعه في مقابلة الأعناق، والمقاتل إذ المراد اضربوهم كيفما اتفق من المقاتل وغيرها وإنما خصت لأن بها المدافعة. قوله: (إشارة إلى الضرب الخ (أو الإشارة إلى جميع ما مرّ والخطاب لأفراده أو لكل من ذكر قبل من الملائكة والمؤمنين على البدل أو لأنّ الكاف تفرد مع تعذد من خوطب بها، وليست كالضمير كما صرّحوا به. قوله: (بسبب مشاقتهم لهما (أي عداوتهم وإنما سميت العداوة مشاقة من شق العصا، وهي المخالفة أو لأنّ كلاً من المتعادين يكون في شق غير شق الآخر كما أن العداوة سميت عداوة لأنّ كلا منهما في عدوة بالضم أي جانب، وكما أن المخاصمة من الخصم بالضم وهو الجانب كما بينه أهل الاشتقاق، وقوله:) هو الجانب (تفسير للخصم أوله ولما
قبله. قوله: (تقرير للتعليل الخ (أراد بالتعليل السببية في قوله بأنهم شاقوا الله الخ وهذا بيان له بطريق البرهان أي ما أصابهم بسبب المشاقة لله ورسوله، ومن يشاقق الله ووسوله فهو مستحق للعقاب، ولذا قال تقرير ولم يقل تأكيد، ويحتمل أن يريد التأكيد هذا إن أريد بالعقاب ما وقع في الدنيا فإن كان الأخروي فهو وعيد وبيان لخسرانهم في الدارين، ويحتمل أن يريد أنّ هذا تقرير لما قبله لأجل ما فيه من بيان العلة والمعنى استحقوا ما ذكر بسبب تلك المشاقة لأنهم شاقوا من هو شديد العقاب سريع الانتقام، وقوله: {حَاقَ بِهِم} [سورة هود، الآية: 8] أي أصابهم وأحاط بهم. قوله: (الخطاب فيه مع الكفرة على طريقة الالتفات الخ (والالتفات من الغيبة في شاقوا إلى الخطاب، قال النحرير: إشارة إلى أن الخطاب المعتبر في الالتفات أعثم من أن يكون بالاسم كما هو المشهور نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أو بالحرف كما في ذلك بثرط أن يكون خطابا لمن وقع الغائب عبارة عنه، وفيه بحث، وأشار في الرفع إلى وجهين أن يكون مبتدأ أو خبراً. قوله:) أو نصب بفعل دل عليه فذوقوه (أي من باب الاشتغال، وقيل عليه إنه لا يجوز لأن الاشتغال إنما يصح لو جؤزنا صحة الابتداء في ذلكم، وما بعده الفاء لا يكون خبراً إلا إذا كان المبتدأ موصولاً أو نكرة موصوفة، ورذ بأنه ليس متفقاً عليه فإن الأخفش جوّزه مطلقاً، وقوله: (أو غيره (بالجرّ عطف على فعل، وقوله: التكون الفاء عاطفة) إشارة إلى أنها زائدة على الأوّل أو جزائية، كما في زيداً فأضربه على كلام فيه، وقوله أو عليكم أي اسم فعل بمعنى ألزموا، قال النحرير: ومرجعه إلى ذوقوا العذاب إلا أنه عدل في المقدر عن المجاز، وقال أبو حيان: إنه لا يجوز هذا التقدير لأن عليكم من أسماء الأفعال وأسماء الأفعال لا يجوز حذفها، وعملها محذوفة وليس ما قاله بمسلم فإن من النحاة من أجازه، وأما كونه عدل عن تقدير المجاز فمع كونه لا وجه له، وان تبع فيه الفاضل اليمني لا يصلح جوابا عن اعتراض أبى حيان: كما توهم لأنه ينبغي أن يقدر الزموا. قوله:) عطف على ذلكم (ظاهره وان كان مطلقا إلا أن يريد إذا كان مرفوعا كما قيده به الزمخشريمما، وتركه لظهوره، وفي بعض الحواشي أنه جعله خبر مبتدأ محذوف أو عكسه، ولذا لما ذكر نصبه جعله مفعولاً معه لأنه لا يخفى ما في تقدير باشروا أو عليكم أو ذوقوا أنّ للكافرين عذاب النار مما يأباه للذوق، ولذا قال العلامة:
إنه لا معنى له، وأما المعية فلا يرد عليها شيء لأن تقديره ذوقوا ذلك مع أن لكم زيادة عليه عذاب النار، ولا ركاكة فيه كما توهم، و على أنه فاعل فعل مقدر أي وقع إ " لا دلالة في
كلامه عليه لكن في جواز نصب المصدر المؤوّل على أنه مفعول معه نظر، والظاهر هو للكافرين وضع موضع لكم، وقوله للدلالة الخ لأنه يقتضي علية مأخذ الاشتقاق كما مرّ تحقيقه، وقوله: أو الجمع إشارة إلى كونه مفعولاً معه وله إعراب آخر وهو نصبه باعلموا أو جعله خبر مبتدأ محذوف، وعلى قراءة الكسرة فالجملة تذييل واللام للجنس والواو للاستئنات. قوله: (كثيرا بحيث يرى لكثرتهم الخ (يعني أن الزحف مصدر زحف على عجزه، ثم
أطلق على الكثير لأنه يشبه بالزاحف لما ذكر، وقال الراغب: الزحف إنبعاث مع جز الرجل كإنبعاث الصبي قبل أن يمشي، والبعير المعي والعسكر إذا كثر تعسر إنبعاثه، وجمع على زحوف لأنه خرج عن المصدرية وهو حال إما من الفاعل أو المفعول أو منهما، وقيل إنه مصدر لفعل وقع حالاً. قوله:(بالانهزام فضلأ الخ (هذا بناء على المتبادر من أن زحفا حال من المفعول وأنه بمعنى كثير، وكثرتهم بالنسبة إليهم فإذا نهوا عن الإنهزام ممن هو أكثر منهم ففي غيره بطريق الأولى، وقيد بالإنهزام وإن شمل غيره لأنه المتبادر منه عند الإطلاق، ولقوله: (فقد باء بغضب) الخ. قوله: (والأظهر أنها محكمة (أي ليست منسوخة بآية التخفيف كما سيأتي، وقيل إنها منسوخة بها، وهذا بناء على أن التخصيص بمنفصل ليس بنسخ عند الشافعية فلا يرد عليه، أن المحكم ما ليس بمنسوخ ولا مخصص، وقوله ويجوز الخ فيكونون موصوفين بالكثرة فلا يحتاج إلى تخصيص، ولما ورد عليهم أنهم لم يكونوا ببدر كذلك قال: إنه عبارة عما وقع لهم يوم حنين، والرمي المذكور إنما كان فيه على ما عليه المحدثون وسيأتي ما فيه وعدل عن لفظ الظهور إلى الإدبار تقبيحا للإنهزام وتنفيراً عنه. قوله: (يريد الكرّ بعد الفرّ الخ (الكرّ من كز على العدوّ إذا حمل عليه والفرّ الرجوع، قال: امرؤ القيس:
مكز مفزمقبل مدبر معاً
قوله:) فإثه من مكايد الحرب (لأنه يغرّه بصورة انهزامه، وقوله: منحاز أيءنصمأ وملحقا بهم وكونه على القرب يفهم منه بناء على المتعارف، وقيل إنه لا يختص به بناء على
مفهومه اللغوي. قوله: (روي الخ () 1 (السرية عسكر دون الجيش، وهذا الحديث رواه أبو داود الترمذفي وحسنه لكن بمعناه مع مخالفة في بعض ألفاظه، والعكار الذي يفز إلى من هو أمامه ليستعين به، ولا يقصد الفرار، وفي النهاية العكارون الكزارون إلى الحرب والعطافون نحوها يقال للرجل الذي يفرّ عن الحرب ثم يكرّ راجعا إليها عكر واعتكر، ويحتمل أن تسميتهم عكارين تسلية لهم وتطييبا لقلوبهم. قوله: ادإلا لغو لا عمل له (لا عمل تفسير للغو وأنه المراد به لا الزائد ولم يعمل لأنه استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال، ولولا التفريغ لكانت عاملة أو واسطة في العمل على ما ذكر في النحو، والاستثناء المفرغ شرطه أن يكون في النفي أو صحة عموم المستثنى منه نحو قرأت إلا يوم كذا الصحة أن تقرأ في جميع الأيام، ومن هذا القبيل ما نحن فيه، ويصح أن يكون من الأوّل لأن يولي يمعنى لا يقبل على القتال، وعلى الاستثناء من المولين المعنى المولون إلا المنحرفين والمتحيزين لهم ما ذكر من الغضب، وقوله رجلاً بيان للمعنى لا تقدير إذ لا حاجة له لكن الأصل في الصفة اًن تجرى على موصوف. قوله:) ووزن متحيز متفيعل الخ (قال النحرير: جعل في المفصل تدبرآ من باب التفعل فاعترض عليه بأن حقه تدور لأنه واوقي فهو تفعيل، وقد ذكره له بعض تلامذته فأذعن له، وذكر الإمام المرزوقي أن تديرا تفعل نظراً إلى شيوع ديار بالياء وعلى هذا يجوز أن يكون تحيز تفعل نظراً إلى شيوع الحيز بالياء فلهذا لم يجىء تدوّر ولا تحؤز) قلت (ما ذكره الإمام المرزوقي أيده بعض النحاة وذكر ابن جني في إعراب الحماسة إنه هو الحق وأنهم قد يعدون المنقلب كالأصلي، ويجرون عليه أحكامه كثيراً، وفي قوله إنهم لم يقولوا تحؤز نظر فإن أهل اللغة قالوا تحوّز وتحيز كما نقله في القاموس، وقال: ابن تيمية تحؤز تفعل وتحيز تفيعل، وهذه الماذة معناها في كلام العرب يتضمن العدول من جهة إلى أخرى من الحيز وهو فناء الدار ومرافقها، ثم قيل لكل ناحية فالمستقز في موضعه كالجبل لا يقال له متحيز، ويراد بالمتحيز عند العرب ما يحيط به حيز موجود، وهو أعثم من هذا والمتكلمون يريدون به الأعثم، وهو كل ما أشير
إليه فالعالم كله متحيز. قوله: (هذا إذا لم يزد العدد على الضعف الخ (كما مرّ أنها مخصوصة
بما في غيرها من الآيات، وأما تخصيصها بأهل بدر وبجيش فيه النبيّءكتن فلأن الواقعة المذكورة في النظم تخصص بالمعونة، وهذا منقول عن أبي سعيد الخدرفي رضي الله عنه أما أهل بدر فإنه أوّل جهاد وقع في الإصلام، ولذا تهيبوه ولو لم يثبتوا فيه لزم مفاسد عظيمة ولا ينافيه أنه! يكن لهم فئة ينحازون إليها لأن النظم لا يوجب وجودها، وأما إذا كان النبيّ عتي! معهم فإن الله قد وعده بالنصر، كذا قيل وقال الجصاص: إنه غير سديد لأنه كان بالمدينة خلق كثير من الأنصار لم يخرجوا لأنهم لم يعلموا بالنفير وظنوها العير فقط، والإنحياز عن النبيئ-لمجيه غير جائز لعصمته ولأن الله نصره فكان فئة لهم وقيل عليه إق الإشارة بيومئذ إلى يوم بدر ولا تكاد تصح لأنه في سياق الشرط، وهو مستقبل فالآية إن كانت نزلت يوم بدر قبل انقضاء القتال فيوم بدر فرد من أفراد أيام اللقاء فيكون عاتا فيه لا خاصاً به، وإن نزلت بعده فلا يدخل يوم بدر فيه بل يكون ذلك استئناف حكم بعده، ويومئذ إشارة إلى يوم اللقاء، ويدفع بأن المراد أنها نزلت يوم بدر، وقد قامت قرينة على تخصيصها كمامرّ ولا بعد فيه، وباء بمعنى رجع وضمير معه للنبي لمجي! ، وقوله:) ينصركم (إشارة إلى أن إسناد القتل إلى الله مجاز، والفرار عن الزحف بغير نية الكز، والإنحياز إلى فئة المسلمين كبيرة ما لم يكن الجيش قليلاً لا يقدر على المقاومة، ولذا قال محمد بن الحسن رحمه الله إذا كانوا اثني عشر ألفا لم يجز لأنهم لا يغلبون عن قلة كما في الحديث. قوله: (روي أئه لما طلعت قريش الخ () 1 (قال السيوطي: هذ الحديث أخرجه ابن جرير بن عروة ومرسلا، وليس فيه أمر جبريل عليه الصلاة والسلام بذلك، وروى ابن جرير وابن مردوية أمر جبريل له بذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ولم يقف عليه الطيبي فقال: لم يذكر أحد من أئمة الحديث أن هذه الرمية كانت يوم بدر إنما هي يوم حنين واغتر به من قال: المحدثون على أن الرمية لم تكن إلا يوم حنين وليس كما قالا والطيبي رحمه الله لم يبلغ درجة الحفاظ، ومنتهى نظره الكتب الستة وكثيراً ما يقصر في التخريج اهـ وقد سبقه الحافظ بن حجر إلى هذا وخرج الرمي في بدر من طرق عديدة وذكر ما في حنين في هذه القصة من غير قرينة بعيد جدا والعقنقل بعين مهملة مفتوحة وقاف مفتوح ونون ساكنة وقاف ولام، ووزنه فعنعل الكثيب العظيم من الرمل والمراد به محل مخصوص، وشاهت الوجوه بمعنى صارت مشوهة أي قبيحة، والخيلاء بوزن العلماء بمعنى الكبر، وتناول كفآ
كان المناول له عليا رضي الله عنه، وشغل بالبناء للمجهول بمعنى اشتغل، وردفهم بمعنى تبعهم كما مرّ، وضمير انصرفوا وأقبلوا للمسلمين. قوله:) والفاء جواب شرط محذوف الخ (قال أبو حيان رحمه الله: ليست هذه الفاء جواب شرط محذوف وإنما هي للربط بين الجمل لأنه قال: {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [سورة الأنفال، الآية: 12] وان كان امتثال ما أمروا به سببا للقتل فقيل: فلم تقتلوهم أي لستم مستبذين بالقتل لأن الأقدار عليه، والخلق له إنما هو لله تعالى، قال السفاقسيّ، وهذا أوى من دعوى الحذف، وقال ابن هشام يردّه انّ الجواب المنفي لا تدخل عليه الفاء وهو غير وارد على الزمخشرفي لأن الجملة عنده اسمية وتقديره فأنتم لم تقتلوهم كما صزح به ومن غفل عن هذا قال: إنه علة الجزاء أقيمت مقامه والأصل إن افتخرتم بقتلهم فلا تفتخروا به فأنكم لم تقتلوهم، ونظائره كثيرة ولم يقدر المبتدأ كما في الكشاف، لأن الكلام على نفي الفاعل دون الفعل لعدم الحاجة إليه والغنية عنه بقوله: {وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} مع أن الأصل في الجزاء الفعلية دون الاسمية وكذا قول النحرير: يشبه أن يكون هذا المبتدأ مقدراً لأنه على نفي الفعل دون الفعل، والدليل عليه قوله ولكن الله رمى الخ ورذه معلوم مما أسلفناه. قوله: (وما رميت يا محمد رمياً توصله الخ) كذا في بعض النسخ، وفي أخرى توصلها أي الحصباء أو الكف من التراب والعائد محذوف أي به أو أنث الرمي لتأويله بالرمية، وقد استدل بهذه الآية والتي قبلها على أنّ أفعال العباد بخلقه تعالى حيث نفى القتل والرمي والمعنى، إذ رميت أو باشرت صرف الآلات، والحاصل ما رميت خلقاً إذ رميت كبا، وأجيب بأن الإسناد إليه تعالى لأنه
بتأييده ونصره، وبأن معناه الإماتة وهي فعله تعالى وإنما فعل العبد الجرج وبأنّ إسناد الرمي إليه تعالى لأن إيصال تراب قليل إلى عيون كثيرة لم يكن إلا فعله تعالى، وبأن المراد الرمي المقرون بالقاء الرعب، وهو منه تعالى، وكلها خلاف الظاهر كذا قيل، وأورد عليه أن المدعي وان كان حقا لكن لا دلالة في الآية عليه لأن التعارض بين النفي والإثبات الذي يتراءى في بادىء النظر مدفوع بأن المراد ما رميت رميا تقدر به على إيصاله إلى جميع العيون، وإن رميت حقيقة وصورة وهذا مراد من قال: ما رميت حقيقة إذ رميت صورة فالمنفيّ هو الرمي الكامل، والمثبت أصليما وقدر منه فالإثبات والنفي لم يردا على شيء واحد حتى يقال: المنفي على وجه الخلق، والمثبت على وجه المباشرة ولو كان المقصود هذا لما ثبت المطلوب بها الذي هو سبب النزول من أنه أثبت له الرمي لصدوره عنه ونفي عنه لأن أثره ليس في طاقة البشر، ولذا عدت معجزة له حتى كأنه لا مدخل له فيها أصلا فمبني الكلام على المبالغة ولا يلزم منه عدم مطابقته للواقع لأن معناه الحقيقيئ غير مقصود، وهذا مراد الزمخشرقي هكذا ينبغي أن يفهم هذ المقام إذ لو كان المراد ما ذكر لم يكن مخصوصا يهذا الرمي لأنّ جميع أفعال العباد كذلك بمباسرتهم وخلق الله) قلت (هذا ليس بشيء لأن وجه الدلالة ينافي ما ذكره لأن المراد به الأمر الكامل الذي لا تطيق البشر أن تفعله ويصدر عنه
هذا الأثر لأنه إن كان بإيجاد الله تتم الدست إذ لا قائل بالفرق، وان كان بتمكينه، وهو من إيجاد العبد نافاه قوله:(ولكن الله قتلهم) ولكن الله رمى والتأويل مخالف للظاهر، وقد قيل إن علامة المجاز أن يصدق نفيه، حيث يصدق ثبوته ألا تراك تقول للبليد حمار، ثم تقول ليس بحمار فلما أثبث الفعل للخلق، ونفاه عنهم دل على أن نفيه على الحقيقة، وثبوته على المجاز بلا شبهة، فإن قلت إن أهل المعاني جعلوه من تنزيل الشيء منزلة عدمه وفسروه بما رميت حقيقة إذ رميت صورة والرمي الصورفي، موجود منه، والحقيقي ما وجد منه فلا تنزيل فيه كما ذكروا، قلت الصورفي مع وجود الحقيقي كالعدم كاضمحلال ثور الشمع مع شعشعة الشمس، ولذا أتى بنفيه مطلقاً كإثباته وما ذكروه بيان لتصحيح المعنى في نفس الأمر، وهو لا ينافي النكتة المبنية على الظاهر، ولذا قال في شرح المفتاح: النفي والإثبات وارد إن على شيء واحد باعتبارين فالمنفيئ هو الرمي باعتبار الحقيقة كما أن المثبت هو الرمي باعتبار الصورة فتدبر فإنه وقع فيه خبط لبعضهم. قوله:) أتى بما هو غاية الرمي قأوصلها الخ) فالحاصل أن الرمي مطلق أريد فرده الكامل المؤثر ذلك التأثير كما يطلق المؤمن، ويراد به الكامل وفيه نظر لأن المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل لتبادره منه وأما ما جرى على خلاف العادة وخرج عن طوق البشر فلا يتبادر حتى ينصرف إليه بل ليس من أفراده فتأقل. قوله ة) وقيل معناه ما رميت بالرعب الخ (هذا أحد التاً ويلات ممن يقول أفعال العباد غير مخلوقة دلّه كما مرّ، وقوله وقيل الخ هكذا أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب والزهرفي ويخور بمعنى يصيح ويخرج نفسه بشدة. قوله:) أو رمية سهم الخ (أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جبير، وكنانة بكاف ونونين، وفي نسخة لبابة بلام وباءين موحدتين، والحقيق مصغر يهودفي من يهود المدينة، وقوله والجمهور على الأوّل أي على أنه رمى بتراب لا بسهم، ونحوه لأنه يصير أجنبيا وتد نزلت الآية في بدر 0 قوله:) ولينعم عليهم نعمة عظيمة الخ (هذا هو معنى ما في الكشاف من تفسير البلاء بالعطاء، وقال الطيبي رحمه الله: الظاهر تفسيره بالإيلاء في الحرب بدليل ما بعده، وقيل إنه يرجع لما ذكر وهو تكلف، والبلا يستعمل فيما يصيب الإنسان خيراً أو شرّاً كقول زهير:
فأبلاهما خير البلاء الذي يبلى
وقولهم أبلى فلان بلاء حسنا أي قاتل قتالاً شديدا، أو صبر صبراً عظيما في الحرب
سمي به ذلك الفعل لأنه مما يخبر به المرء فيظهر جلادته وحسن أثره، وقيل البلاء يكون بمعنى العطاء أيضا لأنه يخبر به يقال أبلاه إذا أنعم عليه وبلاه إذا امتحنه. قوله: (فعل ما فعل الخ (يعني أن لام التعليل لها متعلق محذوف تقديره ما ذكر، وقيل هو عطف على مقدر أي ليمحق الكافرين وليبلي المؤمنين منه بلاة حسناً قيل وقدر المتعلق مؤخراً لا لقصد الاختصاص إذ لا حاجة إليه بل لكونه
أحسن من تقديمه وفيه نظر. قوله: " شارة إلى البلاء الحسن الخ (أو إلى الجميع بتأويله بما ذكر، وقوله أي المقصود على الوجه الأوّل في إشارة وما بعده على الأخيرين ويجوز جعله مبتدأ محذوف الخبر ومنصوبا بفعل مقدر. قوله: (معطوف (أي عطف مفرد على مفرد أو جملة على جملة، وقوله أي المقصود اقتصر عليه لأنه يعلم منه الآخر بالمقايسة، وقيل إنه إشارة إلى ترجيح جعل ذلكم إشارة إلى البلاء الحسن لكن لا يخفى أنّ جزالة المعنى تقتضي أن يكون العطف باعتبار الإشارة إلى القتل أو الرمي، والتوهين التضعيف. قوله: " ن تستفتحوا الخ) أي لا تطلبوا الفتح وتدعوا به أو تطلبوا أن يحكم الله بينكم من الفتاحة والتهكم في قوله جاءكم الفتح لأنّ الذي جاءهم الهلاك والذلة، والمراد بالجندين جندهم وجند المسلمين. قوله:) من الاغناء أو المضاز (هو على الأوّل مصدر منصوب على أنه مفعول مطلق، وعلى الثاني مفعول به ومن قرأ يفتح إن قدر قبله اللام أو جعله خبر مبتدأ، والرغبة لتعديه بعن بمعنى الإعراض مجرور عطفاً على التكاسل، وأوّل المؤمنين على هذا
التفسير بالكاملين إيماناً لأنهم مؤمنون أيضاوهو ظاهر وقراءة الكسر أظهر وهو تذييل لقوله وان تعودوا نعد، وقوله إن تعودوا أي إلى ما ذكر من التكاسل وما بعده. قوله:(فإن المراد) اعتذار عن إفراد الضمير وارجاعه للرسول صلى الله عليه وسلم بأنّ المقصود طاعة الرسول، وذكر طاعة الله توطئة لطاعة الرسول، وطاعة الرسول ع! ت مستلزمة لطاعة الله لأنه مبلغ عنه فكان الراجع إليه كالراجع إليهما، وعلى رجوعه للأمر أو للجهاد لا يحتاج إلى تأويل، وجؤز رجوعه للطاعة لتأويله بأن والفعلى وعلى الأخير فالسماع على ظاهره فإن كان الضمير للرسول عشي! فالسماع مجاز عن التصديق، أو سماع كلامه من المواعظ، والقرآن كما أشار إليه المصنف رحمه الله، والأمر في كلام المصنف إن كان بمعناه المتبادر منه فهو اكتفاء، أو بمعنى مطلق الطلب فيشمل النهي، وان كان المراد به واحد الأمور فظاهر والأوّل هو الظاهر، وإذا كان الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم فالتولي حقيقة وإن كان للأمر فجاز، وقوله دل عليه الطاعة أي في ضمن أطيعوا لأنه أمر خاص. قوله:) سماعاً ينتفعون به) يعني أن المنفيئ سماع خاص لكنه أتى به مطلقا للإشارة إلى أنهم نزلوا منزلة من لم يسمع أصلا بجعل سماعهم بمنزلة العدم. قوله:) شرّ ما يدب على الأرض الخ (يعني المراد بالدابة معناها اللغوي أو العرفي، وقوله عذهم من البهائم اختار الثاني لأنه أشهر قيل ظاهر كلامه أنه عمم في الدابة حتى يشمل ما تطلق عليه حقيقة أو تشبيها فتأمل، وما ميزوا به هو العقل لأنه المميز للإنسان عن غيره وقد نفى عنهم. قوله: (سعادة كتبت لهم أو انتفاعاً بالآيات الخ (في الكشاف، ولو علم الله في هؤلاء الصمّ البكم خيراً أي انتفاعا باللطف لأسمعهم للطف بهم حتى يسمعوا سماع المصدقين، ومن ثم قال:{لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} يعني لو لطف بهم لما نفع فيهم اللطف فلذلك منعهم ألطافه أو ولو لطف بهم فصذقوا لارتدوا بعد ذلك وكذبوا ولم يستقيموا فقال الشارح النحرير: يعني أن قوله لتولوا في مفى عدم انتفاعهم باللطف، فلا يرد ما قيل إن قوله:{وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ} يدل على عدم التولي وهو خير فيناقض ما سبق من أنه تعالى لم يعلم فيهم الخير فإنه يستلزم الخير ضرورة أن علم الله مطابق لكن لا يخفى أنّ الإشكال بحاله بل أظهر لأنّ قوله لما نفع فيهم اللطف يوجب
بمقتضى أصل، لو أن يكون قد نفع فيهم اللطف، وهذا خير كل الخير فلا محيص إلا بجعله من قبيل لو لم يخف الله لم يعصه، أي لا ينفع فيهم اللطف، ويكون التولي على تقدير الإسماع فعلى تقدير عدمه بطريق الأولى وأيضاً لا نسلم أن عدم التولي لعدم الإسماع خير، وإنما الخير أن يسمعوا ويحصل منهم التصديق لا الإعراض، واعلم أن سوق الشرطية الأولى هو أنه تعالى لو علم فيهم خيرا لأسمعهم لكن لا يعلم فلم يسمعهم، والثانية أنه لو أسمعهم لكان منهم الإعراض لا التصديق فكيف على تقدير عدمه وقد يتوهم أنهما مقدمتا قياس اقترانيئ هكذا لو علم فيهم خيراً لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا ينتج لو علم فيهم خيراً لتولوا وفساده بين وأجيب بأنه إنما يلزم النتيجة الفاسدة لو كانت الثانية كلية، وهو ممنوع وهذا المنع وان صح في قانون النظر إلا أنه خطأ في تفسير الآية لابتنائه على أن المذكور قياس مفقود
شرائط الإنتاج ولا مساغ لحمل كلام الله عليه، وقيل عليه أن كلمة لو لانتفاء الثاني لانتفاء الأوّل لا لعكسه وأما استعارتها للاستدلال بانتفاء الثاني على انتفاء الأوّل كما في آية التمانع فبمعزل عما نحن فيه مع أنه تطويل بغير طائل، وما رذ به على القائل المذكور غير وارد لأنّ مراده منع كون القصد إلى ترتيب قياس لانتفاء شرط لا أنه قياس فقد شرطه كما أنه يمنع منه عدم تكرار الوسطي أيضا وإنما المقصود من المقدمة الثانية تأكيد الأولى إذ مآله إلى أنه انتفى الإسماع لعدم الخيرية فيهم، ولو وقع الإسماع لا تحصل الخيرية فيهم لعدم قابلية المحل فتدبر. قوله:(لأسمعهم سماع تفهم (قيده به لا! أصل السماع حاصل لهم، ثم إنه قيل كون نفي الإسماع المذكور معلولاً لنفي الخيرية المفسرة بالسعادة المكتوبة أي المقدرة ظاهر لا سترة عليه، وأما على تقدير كونها مفسرة بالانتفاع بالآيات فلا بل الأمر بالعكس، فالأولى أن يقتصر على التفسير الأول وليس بشيء لأنّ سماع التفهم لم يرتب على الانتفاع بل على علم الله بالانتفاع بالآيات ولا شبهة في ترتبه عليه ومثله غنيّ عن البيان، وقيده بما ذكر وأطلق في الثاني إشارة إلى أنه ليس القصد إلى ترتيب القياس لاختلاف الوسط، ومنه تعلم أنّ ما وقع في بعض النسخ بعد قوله لأسمعهم من قوله سماع فهم، وتصديق لا يناسب إلا تفسير التولي بالارتداد. قوله: (أو ارتدّوا بعد التصديق والقبول (يعني أنّ التولي إمّ الابتداء أو في البقاء لأن التصديق إذا لم يدم كلا تصديق، وأفاد بعض المدققين هنا أنه لما أرود أنّ الآية قياس اقتراني من شرطيتين ونتيجة غير صحيحة أشار المصنف رحمه الله إلى جوابه أوّلأ بمنع القصد إلى القياس فيه لفقد كلية الكبرى، وثانيا بمنع فساد النتيجة إذ اللازم لو علم فيهم خيراً في وقت لتولوا بعده ومنه تعلم ما في كلام النحرير هنا وفي المطوّل فهم. قوله: (لعنادهم الخ) قيده به لأنه لما فسر قوله لأسمعهم بسماع الفهم والتصديق لم يكن ذلك التولي إلا للعناد
وهذه الحال مؤكدة مع اقترانها بالواو وقوله يشهد بالغيبة أي قصيّ ونؤمن بصيغة المتكلم مع الغير. قوله: (وحد الضمير فيه لما سبق) يعني قوله إن الإجابة للرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر الله توطئة أو لأنّ طاعة الله في طاعة الرسولءلمجي! وزاد وجها آحض وهو أنّ الرسول تحب ور! خ عن الله! ! د! اهم فتتحد الدعوة ولهذا أفرد الضمير. قوله:(وروي الخ (أبيّ هو أبيّ بن كعب رضي الله عنه، وهذا الحديث أخرجه الترمذفي والنسائيّ، عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو حديث صحيح وتمامه " لأعلمنك سورة أعظم سورة في القرآن الحمد دلّه رب العالمين هي السغ المثانى " (1 (وقوله: (واختلف فيه) أي في جواز قطع الصلاة لإجابة رسول الله ىلمجب ففي قول للشافعيّ إنّ الكلام في الصلاة لإجابته صلى الله عليه وسلم لا يقطع الصلاة ولا يبطلها لأنه فرض أني في الصلاة فلا يبطلها عنده، وقوله:(فإن الصلاة أيضاً إجابة الأنه أمر بها ففعلها إجابة لأمره، وجوابه كذلك فلا يبطلها، وحكى الروياني وجها آخر أنها لا تجب وتبطل الصلاة، وقيل إنه يقطعها ولكنه إذا كان الأمر يفوت بالتأخير يجوز قطع الصلاة له كما إذا رأى أعمى وصل إلى بئر ولو لم يحذره لهلك وقوله، وظاهر الحديث الخ فيه نظر لأنه لا دلالة فيه على أن إجابته لا تقطع الصلاة فتأمّل. قوله: (من العلوم الدينية الخ) أي أطلقت الحياة على العلم كما يطلق الموت على الجهل وهو استعارة معروفة ذكرها الأدباء وأهل المعاني، والبيت المذكور للزمخشريّ، كما قرأته في ديوانه من قصيدة مدح بها المؤتمن بالله الخليفة وأوّلها:
حدث إلى أين مرت الظعن فعندهن الفؤاد مرتهن
ومنها:
لاتعجبن الجهول حلته فذاك ميت وثوبه كفن. وقد ألم فيه بقول أبي الطيب من قصيدته التي أوّلها:
أفاضل الناس أغراض لذا الزمن يخلو من الهمّ اخلاهم من الفطن
ومنها:
لاتعجبن مضيماً حسن بزته وهل تروق دفيناً جودة الكفن
والعجب من النحرير في شرح قول الكشاف ولبعضهم لا تعجبن الخ حيث قال: هذا كما
هو عادته إذا أنشد شعرا لنفسه أن يقول لبعضهم والبيت لأبي الطيب: وهذا من عدم التتبع لكن خلطه بين بيتين من
بحرين أعجب مع تصريح الإمام الطيبي به، والحلة معروفة ومنهم من رواه حليته، وجوّز فيه البدلية من الجهول بدل اشتمال فقد حرفه كما يدريه من يدري المعاني الشعرية.
قوله: (أو مما يورثكم الحياة الأبدية الخ (هذا إمّا استعارة أو مجاز مرسل بإطلاق السبب
على المسبب، وكذا إطلاقه على الجهاد وهو كقوله:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [سورة البقرة، الآية: 179] وأما إطلاقها على الشهادة فمجاز أيضا، ويجوز أن يكون حقيقة والإسناد مجاز على كل حال. قوله:(تمثيل لغاية قربه من العبد الخ) أصل الحوال كما قال الراغب: تغير الشيء وانفصاله عن غيره وباعتبار التغير قيل حال الشيء يحول وباعتبار الانفصال قيل حال بينهما كذا فحقيقة كون الله حال بين المرء وقلبه أنه فصل بينهما، ومعناه الحقيقي غير متصوّر هنا فهو مجاز عن غاية القرب من العبد لأنّ من فصل بين شيئين كان أقرب إلى كل منهما من الآخر لاتصاله بهما، وانفصال أحدهما عن الآخر، هو إمّا استعارة تبعية، فمعنى يحول يقرب، أو استعارة تمثيلية، وقيل إن الأنسب أن يكون مجازاً مركباً مرسلا لاستعماله في لازم معناه، وهو القرب وليس ببعيد. قوله:(وتنبيه على أنه مطلع الخ الأنه أقرب إليها من صاحبها كما مرّ. قوله: (ما عسى ينفل عنه صاحبها) ما موصولة عبارة عن المكنونات والضمائر وضمير عنه لما باعتبار لفظه وضمير صاحبها للقلوب أي المكنونات التي قد يغفل عنها صاحب القلوب، ولا تعزب عن علام الغيوب، وجملة يغفل صلته، وعسى مقحمة بين الموصول وصلته وكون عسى تقحم بين الشرط والجملة الشرطية، والموصول وصلته، وكثير في كلام المصنفين، وقد وقع في مواضع من الكشاف والهداية وتال أبو حيان رحمه الله: إنه تركيب أعجمي لا عربيّ لأنّ عسى لا تكون صلة ولا شرطا ولا استعمالها بغير اسم ولا خبر كقول الزمخشريّ في الأعراف إن عسى فرّط في حسن الخلافة، وقال الفاضل المرتضى اليمني هذا التركيب مشكل لأنه لم يرد على القياس الملتئب في استعمال عسى لأن لها استعمالين.
أحدهما: أن يكون لها اسم وخبر وخبرها هو أن مع الفعل المضارع.
وثانيهما: أن يكون اسمها أن مع الفعل وشمتغني إذ ذاك عن الخبر فإتا أن تكون زائدة
ككان إذا زيدت لأنها قد تضمن معنى كان كما نص عليه سيبويه فيجوز حينئذ أن تجري مجراها في الزيادة والإقحام لتأكيد الشرط ونحوه، وامّا أن يكون التقدير عسى ان يكون فرط واسم عسى ضمير يرجع إلى أخيه فحذف أن يكون لأنّ حذف خبر عسى جائز كما في الإيضاح وأفا إن عسى معترضة بين إن وفعل الشرط، واسمها ضمير التفريط المدلول عليه بالفعل، وخبرها محذوف وتقديره عسى التفريط أن يكون حاصلا.
(قلت الا حاجة في زيادتها إلى تضمين معنى، كان لأن الفرّاء أجاز زيادة جميع أفعال
هذا الباب، وقد تبعه النحرير في سورة الأعراف فاحفظه. قوله:(أو حث على الميادرة الخ) يعني أن قوله اعلموا الخ المقصود منه الحث على ما ذكر فمعنى يحول بينه وبين قلبه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها، وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة إدوائه، وعلله وردّه سليما كما يريده الله فاغتنموا هذه الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب وأخلصوها لطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فشبه الموت بالحيلولة بين المرء وقلبه الذي به يعقل في عدم التمكن من علم ما ينفعه علمه. قوله:(أو تصوير وتخييلا لخ) يعني أنه استعارة تمثيلية لتمكنه من قلوب العباد فيصرفها كيف يشاء بما لا يقدر عليه صاحبها شبه بمن حال بين شخص، ومتاعه فإنه يقدر على التصرّف فيه دونه كما في الحديث:" ما من آدمئ إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أرّاغ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا يا مقلب القلوب ") 1 (وقوله:) أراد في الآوّل وقض بعده) إشارة إلى أنه فطر على السعادة وأما الكفر فبقضاء منه فقوله أراد سعادته أي ثبوتها، فتأمّل، وقراءة بين المرّ بتشديد الراء بعد نقل حركة الهمزة إليها على لغة من يقف على الحروف بالتشديد مع إجراء الوصل مجرى الوقف، وقوله بينه وبين الكفر الخ ردّ على الزمخشريّ، وقوله وأنه إليه تحشرون أنسب بالوجه الأوّل، ولذا خالف
الزمخشريّ في تقديمه وضمير أنه دلّه أو للشأن. قوله: (دّنبنا يعمكم أثره الخ) قد فسرت الفتنة هنا بمعنيبن أحدهما الذنب والمراد بالذنب أمّا تقرير المنكرين واما اختلاف كلمة الدين، وثانيهما العذاب فإن أريد
الذنب ف! صابته بماصابة أثره، وان أريد العذاب فأصابته بنفسه، واختلفوا في لأهل هي ناهية أو نافية كما سيأتي تفصيله، وقد قيل إنها دعائية ومن إمّا بيانية أو تبعيضية فحصل بالضرب وجوه بعضها صحيح مراد كما ستراه فأشار بقوله ذنبا إلى اختبار الشق الأوّل، وقوله أثره إشارة إلى أنّ المصيب على هذا التفسير هو الأثر فإمّا أن يقدر أو يتجوّز في إصابته، والمراد بأثره شآمته ووباله وعقابه، وقوله كإقرار المنكر أي تمكين الفعل المنكر بين المسلمين من قولهم أقرّه في مكانه فاستقرّ، وقوله:(بين أظهرهم) أي بينهم، وظهر مقحم كما مرّ والمداهنة أن يظهر خلاف ما يضمر مصانعة، ومداراة، ومثل للذنب بأمور خمسة وأتى بالكاف إشارة إلى أنه غير مخصوص بها. قوله:(على أنّ قوله لا تصيبن إمّا جواب الأمر الخ) ولا نافية حينئذ والإصابة لا تخص الظالم بل تعمه وغيره، واعترض عليه ابن الحاجب رحمه الله بأنه غير مستقيم إذ جواب الأمر إنما يقدر فعله من جنى الأمر المطهر لا من جنس الجواب كما ذكره المصنف رحمه الله تبعا لغيره فيقدر أن تتقوا لا تصيب الظالمين خاصة، ويفسد المعنى لأنه يصير الاتقاء سببا لانتفاء الإصابة عن الظالم وأجيب بأنه محمول على اللفظ، وأصل الكلام اتقوا فتنة لا تصيبنكم فإن أصابتكم لا تصيبن الذين ظلموا خاصة بل عمتكم فأقيم جواب الشرط الثاني مقام جواب الشرط المقدر في جواب الأمر لتسببه عنه وسمي جواب الأمر لأنّ المعاملة معه لفظاً وهذا وجه وجيه، والفتنة على هذا إقرار المنكرين الخ، ومن تبعيضية وردّ بأنه من البين أنّ عموم إصابة الفتنة ليس مسبباً عن عدم الإصابة ولا عن الأمر، وهذا إنما يرد لو جعل الضمير في قوله لشببه، لجواب الشرط الثاني، أما لو جعل لجواب الشرط المقدّر والمقدّر صفة الجواب لا الشرط فيكون جواب الشرط الأوّل على أنّ مراده إنه قدر جواب الشرط الأوّل هكذا لأنه المتسبب عنه لا هذا لم يرد عليه شيء، وهو المناسب لدقة نظره، وقيل إنه على رأي الكوفيين حيث يقدّرون ما يناسب الكلام، ولا يلتزمون أن يكون المقدر من جنس الملفوظ ففي مثل لا تدن من الأسد يأكلك المقدر الإثبات أي إن تدن يأكلك، وهنا النفي أي إن لم تتقوا تصبكم، والمصنف رحمه الله قدّر شرطاً يستقيم به المعنى لا مضمون الأمر ولا نقيضه فلا يتبين به كون المذكور جواب الأمر فقيل مراده أنّ التقدير إن لم تتقوا أصابتكم وان أصابتكم لا تخص الظالمين، وقيل عليه إنه لا حاجة إلى اعتبار الواسطة بل يكفي إن لم تتقوا لا تصيب الظالمين خاصة، وقيل مراد من قدر إنّ أصابتكم إن لم تتقوا على مذهب الكسائي رحمه الله في تقدير النفي لكنه عبر عنه بأن أصابتكم لتلازمهما فلا يرد حديث الواسطة، وارتضاه بعض المتأخرين (وهاهنا بحث) وهو أنّ من جعله مجزوما في جواب الشرط يحتمل أنه يفسر الفتنة بالذنب ويريد به ارتكاب المعاصي لا الإقرار والمداهنة ليصح أن تتقوا لا
تصيبن الظالمين خاصة بل تعمّ لأنه لا يكفي اتقاؤه بل لا بدّ من دفع المجاهرين به إذا قدر على المنع فمحصل النظم حينثذ اتقوا المعاصي بالذات، وامنعوا من ارتكبها منكم، ولذا قال ابن العربي كما نقله القرطبي: فإن قيل قد قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ونحوه مما يوجب أن لا يؤاخذ أحد بذنب غيره فالجواب أن الناس إذا تجاهروا بالمنكر فمن الفرض على من رآه أن يغيره فإن سكت عليه فكلهم عاص هذا بفعله وهذا برضاه، وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي بمنزلة العامل فانتظم في العقوبة وصح الكلام من غير تكلف. قوله: (وفيه أنّ جواب الشرط متردد فلا يليق به النون الخ (جواب عن أن لا يؤكد المضارع في غير قسم ولا طلب ولا شرط إلا أنهم اختلفوا في المنفيّ بلا فقيل يجوز تأكيده لإجرائه مجرى النهي، وقيل إنه مخصوص بالضرورة، والفزاء قال إنه جاز هنا لما فيه من معنى الجزاء، والمصنف رحمه الله تبعا للكشاف قال: إنّ فيه معنى النهي لأنّ المعنى لا تتعرّضوا لها فمأخذ الاشتقاق مطلوب عدمه كما في النهي، وما ذكره بيان لوجه عدم تأكيده بأنه متردّد بين الوقوع وعدمه غير مجزوم به فيه، والتأكيد يقتضي دفع التردّد، فأجاب بأنه طلبيئ معنى فيؤكد كما يؤكد الطلبي، وهو لا! اشه التردّد في وقوعه لأنه لا تردد في طلبه، على أنه قيل إنه لا تردّد فيه على تقدير وقوع الشرط فالتردّد في الحقيقة إنما هو في وقوع الشرط لا فيه، وقد علصت أنّ الفرّاء يجوّز تأكيد الجزاء
مطلقا فما ذكره هنا على مذهبه وعلى ما رجحه ابن جني من أنّ المنفيّ بلا يؤكد لشبهه بالنهي كما في قوله تعالى: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ} [سورة النمل، الآية: 8 ا] وقد اعترض عليه بأنه منع ما جوّزه هنا في سورة النمل لأنّ النون لا تدخله في السعة فكأنه نسي هناك ما جوّزه هنا وقد يوفق بيتهما فتدبر. قوله: (وفيه شذوذ الخ) قد عرفت أن ابن جني وبعض النحاة جوّزوه وقد ارتضاه ابن مالك في التسهيل لكن ما ذكره كلام الجمهور. قوله: (أو للنهي على إرادة القول (أي لا ناهية والجملة صفة فتنة أيضا لكن لما كان الطلب لا يقع صفة لأنه قائم بالمتكلم وليس حالاً من أحوال الموصوف فقولك مررت برجل اضربه لا يصح إلا باعتبار تعلقه به لكونه مقولاً فيه ذلك، وليس المقصود بالمقولية الحكاية بل استحقاقه لذلك حتى كأنه مقول فيه، وجوّز وصفه به باعتبار تأويله بمطلوب ضربه فلا يتعين تقدير القول كما قيل، وان اشتهر ذلك كما في شرح المغني فتامّل. قوله: (حتى إذا جن الظلام الخ) هذا رجز لا يعرف قائله، وفي كامل المبرّد رحمه الله العرب تختصر التشبيه وربما أومأت إليه، كما قال أحد الرجاز:
بتنا بحسان ومعزاه تبط فا زلت أسعى بينهم وألتبط
حتى إذا كاد الظلام يختلط جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط
يقول إنه في لون الذئب لأنّ اللبن إذأ خلط بالماء ضرب إلى الغبرة، والمذف بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وقاف اللبن الممزوج بالماء، وقط لاستيعاب الزمان الماضي وهي مشددة لكنها مخففة للوقف عليها وما رواه المصنف رحمهه الله مخالف لرواية المبرّد في المحراع الأوّل، واختلط بالخاء المعجمة أي اختلط ما فيه لشدة ظلمته، ويصح إهماله أي بالغ في ظلمته يعني أن رائي اللبن يخطر بباله لون الذئب لشدة شبهه، فإنّ هذا اللبن يشبه لونه وهو من بديع التشبيه كما في قول بعض المتأخرين:
قام يقط شمعة فهل رأيت البدرقط
قوله: (وأما جواب قسم الخ) فيظهر تأكيده ويؤيده القراءة الأخرى، وهي قراءة عليّ
وزيد بن ثابت وأبيّ وابن مسعود رضي الله عنهم، وإنما قال: وان اختلفا في المعنى لأنّ إحداهما إثبات والأخرى نفي ردّاً على من جعلهما بمعنى فمنهم من قال لتصيبن أصله لا تصيبن حذفت ألفه، ومنهم من قال لا تصيبن أصله لتصيبن فطول ألفه، وهو ضعيف والإصابة على الأوّل عامّة وعلى هذا خاصة، ومن لم يعرف مراده قال لا حاجة لذكر هذا مع وضوحه. قوله:(ويحتمل أن يكون نهياً بعد الآمر الخ) أي يكون نهيا مستأنفاً لتقرير الأمر وتوكيده ومعناه لا تتعرّضوا للظلم فتصيبكم الفتنة خاصة لأنه سببها فالإصابة خاصة على هذا وإنما أوّل بلا تتعرّضوا لأنّ الفتنة لا تنهى فهو من باب الكناية كما مرّ في قوله: {فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} [سورة الأعراف، الآية: 2] واليه يشير بقوله عن التعرّض وأشار بقوله خاصة إلى أنه خاص على هذا كما مرّ. قوله:) فإنّ وباله يصيب الظالم خاصة ويعود عليه (بيان للمعنى على النهي كما مرّ، وقيل إنه تعليل للنهي عن التعزض للظلم فإذا اختص! وباله بالظالم لم يؤول نفيه إلى نفي الإصابة رأساً ولا إلى نفي الخصوص واثبات العموم، كما في الوجوه المتقدمة وفيه نظر. قوله: (ومن في منكم على الوجوه الأوّل للتبعيض الخ (وفي نسخة على الوجه الأوّل والصحيح في الحواشي الأولى، وفي الكشاف معنى من التبعيض على الوجه الأوّل والتبيين على الثاني لأنّ المعنى لا تصيبنكم خاصة على ظلمكم لأن الظلم أقبح منكم من سائر الناس فقيل في تخصيص التبعيض بالأوّل والتبيين بالثاني حزازة، وفيل في بيانه إنّ مراده بالأوّل النفي، وهي
فيه تبعيضية لأنّ المعنى أن الفتنة لا تختص بالظالمين منكم فيكون منكم غير ظالمين تعمهم أيضاً، والثاني النهي ومن فيه بيانية لأنه نهي للمخاطبين عن الظلم الذي هو سبب إصابة الفتنة، وقد عبر عن المخاطبين باعتبار الظلم بالذين ظلموا فيكون منكم بيانا للذين ظلموا واليه أشار، بقوله لا تصيبنكم خاصة أي لا تتعرّضوا فتصيبنكم الفتنة معشر الظالمين خاصة على ظلمكم، لأنّ الظلم أقبح منكم من سائر الناس، ومن سائر الناس في محل النصب على الحال من الضمير في أقبح، ومن المستعمل مع أفعل التفضيل محذوف، والتقدير الظلم منكم أقبح من الظلم
من سائر الناس نحو زيد قائما أحسن منه قاعداً، وقيل الوجه الأوّل أن يكون جوابا للأمر ومحله نصب على أنه بدل من الذين ظلموا، والثاني أن يكون صفة أو نهياً ومن بيانية إلى هذا ذهب القاضي أيضا لأنه إذا كان المراد، واتقوا فتنة لا تصيبنكم العقاب خاصة على ظلمكم كان منكم تفسيرا للذين ظلموا أي لا تصيبن الظالم الذي هو أنتم أي لا ينبغي أن تختصوا بالفتنة، وأنتم عظماء الصحابة فإذا حققت النظر علصت أن المخاطبين في الأوّل كل الأمّة، وراكب الفتنة بعضهم فلا محالة تكون من تبعيضية، والمخاطبين في الثاني بعض الأمّة الذين باشروا الفتنة فلا محيد عن كون من بيانية، وقال النحرير: معنى من التبعيض على الوجه الأوّل أي كون لا تصيبن جواب الأمر لأن الذين ظلموا بعض من كل الأمّة المخاطبين بقوله اتقوا والتبيين على الوجه الثاني، وهو كون لا تصيبن نهيا سواء اعتبر مستقلاً أو صفة لأنّ المعنى لا تتعرّضوا للظلم فتصيب الفتنة الظالمين الذين هم أنتم بناء على ظلمكم، وإنما أصابتهم على ظلمهم خاصة دون سائر الناس لأنّ الظلم منهم أقبح من الظلم من سائر الناس، فقوله منكم في موقع الحال من ضمير أقبح، وقوله من سائر الناس على حذف مضاف أي من ظلم سائر الناس، والقياس في مثله التقديم مثل الظلم منكم أقبح من الظلم من سائر الناس، إذا عرفت هذا فقول المصنف رحمه الله على النسخة المشهورة الوجوه الأول الظاهر أن المراد منه الثلاثة من الخمسة الأوجه وهي كونها نافية وجواب الأمر، أو نافية وهي صفة فتنة أو ناهية وهي صفة فتنة بالتأويل المشهور والأخيرين كونها نافية جواب قسم، أو ناهية والجملة مستأنفة وقد أورد عليه أنه لا فرق بين الوجه الثالث والخامس، وأنها إذا كانت قسم فلا نافية فمن تبعيضية كما في الوجه الأوّل من غير فرق، وأما على نسخة الإفراد وأنّ مراده ما في الكشاف بعينه كما صرّج به الطيبي وتبعه بعض أرباب الحواشي على تصحيحها فلا إشكال في كلامه، وبعد اللتيا والتي ففي المقام نظر لم يدفع بسلامة الأمير. قوله:(وقيل للعرب كاقة) مسلمهم وكافرهم وهذا وإن نقل عن وهب بعيد لا يناسب المقام مع أن فارس لم تحكم على جميع العرب لكن السيوطي، رواه في الدرّ المنثور أيضا. قوله: (كفار قريث! أو من عداهم الخ (قيل إنهما ناظران إلى كون الخطاب للمهاجرين، ومن عداهم أي غير قريش من العرب ولو أرجع الأوّل إلى تفسيره
بالمهاجرين، ومن عداهم إلى تفسيره بالعرب أي عادى العرب غيرهم لم يبعد ومعادين مخفف مفاعلة من العداوة، ومضاذين بالتشديد والضاد المعجمة بمعناه. قوله:(فآواكم إلى المدينة) ناظر إلى تفسيره بالمهاجرين، وما بعده إلى تفسيره بالعرب كافة، وقوله على الكفار بناء على أنّ الخطاب للمسلمين كافة والكفار ما يقابلهم مطلقا، وقوله أو بمظاهرة الأنصار بناء على أن الخطاب للمهاجرين، وقوله بإمداد الملائكة، وهو على عموم الخطاب أيضاً، ويوم بدر ظرف له، وفسر الطيبات بالغنائم لأنها لم تطب إلا لهم ولأنه أنسب بالمقام، والامتنان به أظهر هنا. قوله:(بتعطيل الفرائض والسنن الخ) يعني المراد بالخيانة لهما عدم العمل بما أمرا به، أو بالنفاق أو الغلول في المغانم أي السرقة منها لأنّ الغلول بالمعجمة معناه السرقة من المغنم. قوله:(وروي الخ) إشارة إلى وجه آخر بعلم من سبب النزول، وهذا الحديث أخرجه البيهقيّ في الدلائل وفيه أنه صلى الله عليه وسلم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة (1 (، وأبو لبابة رفاعة بن عبد المنذر لا مروان بن المنذر، كما في الكشاف فإنه يخالف ما صحح في أسماء الرجال وهو صحابيّ معروف، وروى ابن المسيب أنه رضي الله عنه تصدق بثلث ماله، وتاب فلم ير منه بعد ذلك إلا الخير حتى فارق الدنيا. قوله: (فأشار إلى حلقه أنه الذبح) أي أشار بيده إلى حلقه يعني بإشارته أنّ حكم سعد فيكم هو الذبح والقتل فلا تختاروه. قوله: (فشدّ نفسه على سارية) أي عمود من عمده، وقد اختلف في الفعل الذي أوجب فعل أبي لبابة رضي الله عنه هذا بنفسه كما في الاستيعاب فقيل هو ما ذكره المصنف رحمه الله، وقيل إنه تخلف عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة
تبوك فربط نفسه الخ، وقال ابن عبد البرّ إنه أحسن أي رواية، وقوله أنخلع من مالي أي أتركه لله، وقوله أن يتصدق به بدل من الثلث أو بتقدير لأن يتصدق به. قوله:(وأصل الخون النقص الخ) أي أصل معناه النقص والخائن بنقص
المخون شيئاً مما خانه فيه وهو ضد الأمانة، وقوله لتضمنه أي ضد الأمانة إياه أي النقص، واعتبر الراغب في الخيانة أن تكون سراً، وقوله فيما بينكم أي لا تقع منكم الخيانة لله ورسوله ولا يخونن بعضكم بعضاً وأماناتكم على حذف مضاف أي أصحاب أماناتكم ويجوز أن تجعل الأمانة نفسها مخونة. قوله:(وهو مجزوم الخ) أي يجوز فيه أن يكون منصوبا بإضمار أي في جواب النهي كقوله:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
أي لا تجمعوا بين الخيانتين أو مجزوم بالعطف على ما قبله وهو أولى ولذا قدمه المصنف رحمه الله تعالى لأنّ فيه النهي عن كل واحد على حدته بخلاف النصب، فإنه نهي عن الجمع بينهما ولا يلزم منه النهي عن كل واحد على حدته وروي عن أبي عمر، وأمانتكم بالتوحيد وهو معنى القراءة الأخرى، وقوله:(بالواو) متعلق بالجواب لأنّ نصبه بأن مقدرة. قوله: (أنكم تخونون الخ) يعني أنّ الفعل متعد له مفعول مقدر بقرينة المقام كأنكم تخونون ونحوه، أو هو منزل منزلة اللازم واليه أشار بقوله أو وأنتم علماء لأنّ ذلك من العالم أقبح منه بن غيره، وليس المراد بما ذكر التقييد على كل حال، وتميزون بالخطاب والغيبة. قوله:(لأنهم سبب الوقوع الخ) إشارة إلى معنى الفتنة كما مرّ فإنه إما الإثم والعقاب فتكون أطلقت عليهم لأنهم سببها، أو الاختبار فالمعنى أنّ الله رزقكم الأولاد والأموال ليختبركم وقوله:(كأبي لبابة رضي الله عنه (إشارة إلى أنه نزل في حقه أو ليس في حقه، ولكنه مناسب لسبب نزول ما قبله ولذا عقب به وقوله: (لمن آثر) أي اختاره وقدمه عليهم وأنيطوا بمعنى علقوا وهو مجاز حسن، والمعنى اهتموا به وتقيدوا. قوله: (هداية الخ (ذكروا للفرقان هنا معاني كلها
ترجع إلى الفرد بين أمرين، وقال الطيبي رحمه الله يجوز الجمع بينها فأو للتخيير، ولما فسره بالظهور مع خفائه بين وجهه بأنّ الفرقان ورد في كلام العرب إطلاقه على الصبح، وهو يعرف بالظهور كقوله:
أظلم الليل لم يحر فرقانا
ومن لم يعرف مراده قال لو قال: بدله أبين من فرق الصبح كان أولى. قوله: (ويسترها
الخ) أي في الدنيا التكفير حقيقته لغة الستر فلذا فسره به لئلا يتكرّر مع قوله يغفر لكم، ثم أشار
إلى أنه يجوز تغايرهما بتغاير المتعلق بأن يراد بأحدهما الصغائر أو ما تقدم وبالآخر الكبائر أو
ما تأخر، وفيه إشارة إلى أنّ مفعول يغفر لكم ذنوبكم فلا يرد عليه أنه كان عليه أن يفسر التكفير
بالإبطال فإنه غفلة عن مراده فلا تكن من الغافلين، وقوله كالسيد الخ مثال لعدم الإيجاب.
قوله: (تذكار لما مكر قريش الخ) يعني إنه ذكر هنا تذكيراً له بما كان في أوّل الإسلام وقوله
واذكر إذ يمكرون بك الخ مرّ تحقيقه، والوثاق بفتح الواو وكسرها ما يوثق به ويشذ به فالمراد
بالتثبيت هو جعله ثابتا في مكانه إما لكونه مربوطا فيه أو محبوسا، أو مثخنا بالجراج حتى لا
يقدر على الحركة منه، ولا يلزم أن يذكر في القصة الآتية لأنه قد يكون رأي من لا يعتذ برأيه
فلم يذكر فسقط أنّ الإثخان إن كان بدون قتل فلا ذكر له في القصة، وان كان بالقتل يتكرّر
والحراك الحركة، والبراج مصدر برج مكانه زال عنه فنفيه يدل على الثبوت، والبيات الهجوم
على العدوّ ليلا، ودار الندوة دار بناها قصيّ ليجتمعوا فيها للمشاورة والمهمات من نداً بالمكان
اجتمع فيه، ومنه النادي، ولن تعدموا من عدم يعدم وهو ظاهر، وليس من الإعدام كما توهم
وهذا الحديث أخرجه كذلك ابن هشام في سيرته وأبو نعيم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله
عنهما فقال الطيبي رحمه الله إنه في مسند أحمد رحمه الله وليس فيه ذكر إبليس من عدم
الاطلاع كما قاله خاتمة الحفاظ رحمه الله، وهذه القصة وقصة الغار مفصلة في السير. قوله:
(بردّ مكرهم عليهم الخ) المكر لما كان معناه حيلة يجلب بها مضرّة إلى غيره وهو مما لا يجوز في حقه تعالى أشار إلى تأويله هنا بوجوه أولها أنّ المراد بمكر الله ردّ مكرهم أي عاقبته ووخامته عليهم فأطلق على الرذ المذكور مكراً لمشابهته له في ترتب أثره عليه فيكون استعارة تبعية، والمشار إليه بقوله برذ مكرهم عليهم وثانيها أن المراد مجازاتهم على مكرهم بجنسه واطلاق المكر على المجازاة مجاز مرسل بعلاقة السببية والمشاكلة تزيده حسنا على حسن كما في شرح المفتاح ويصح فيه الاستعارة أيضا لأنهم لما أخرجوه عحنن أخرجهم الله فإذا كان المجازاة من جنس العمل كان بينهما مشابهة أيضا، وهو المشار إليه بقوله أو بمجازاتهم
عليه، وثالثها أن يكون استعارة تمثيلية بتشبيه حالة تقليلهم في أعينهم الحامل لهم على هلاكهم بمعاملة الماكر المحتال! اظهار خلاف ما يضمر واليه الإشارة بقوله أو بمعاملة الخ أو إنه مشاكلة صرفة فالوجوه أربعة. قوله:(إذ لا يؤبه بمكرهم الخ) يؤبه ويعبأ به بمعنى يعتد به، وقوله دون مكره أي عند مكره والمزاوجة بمعنى المشاكلة كالازدواج، وقوله لأنّ مكره أنفذ من مكرهم وأبلغ تأثيراً، وهذا معنى الخيرية والتفضيل في النظم قال النحرير إطلاق خير الماكرين عليه تعالى إذا جعل باعتبار أن مكره أنفذ وأبلغ تأثيراً فالإضافة للتفضيل على المضاف لأنّ لمكر الغير أيضا نفوذاً وتأثيرا في الجملة، وهذا معنى أصل فعل الخير فتحصل المشاركة فيه وإذا جعل باعتبار أنه لا ينزل إلا الحق، ولا يصيب إلا بما استوجبه الممكور به فلا شركة لمكر الغير فيه فالإضافة حينئذ للاختصاص كما في أعد لابني مروان لانتفاء المشاركة، وقيل هو من قبيل الصيف أحرّ من الشتاء بمعنى أنّ مكره في خيريته أبلغ من مكر الغير في شريته وكلام المصنف رحمه الله يمكن تنزيله على هذا فتدبر. قوله:(وإسنادا مثال هذا إنما يحسن للمزاوجة الخ) قد سبق مثله في سورة آل عمران، وهو يقتضي أنّ المكر لا يطلق عليه تعالى دود مشاكلة، واعترض عليه بقوله تعالى:{أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 99] وقد أجيب عنه بأنّ المشاكلة إما تحقيقية أو تقديرية والآية التي أوردوها من قبيل الثاني على ما ذكر في قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللهِ} لأنّ ما قبله يدل على
معاملتهم بالحيلة والمكر وفيه نظر. قوله: (هو قول النضر بن الحرث الخ) النضر بن الحرث كان معروفا بينهم بالفطنة والدهاء فكانوا يتبعون ما يقوله وأشار إلى أنه من إسناد فعل البعض إلى الجميع لأنّ القائل واحد منهم، وأشار إلى أنّ وجه التجوّز في إسناده أنه كان كبيرهم الذي يعلمهم الباطل إذ علم منه، ومما مرّ في أماكن أن إسناد فعل البعض إلى الكل إما لكثرة من صدر منه، أو لرضا الباقين به أو لأنّ القائل رئي! متبع أو لغير ذلك من النكت وأنه لا ينحصر في الرضا كما توهم، والقاص بتشديد الصاد المهملة من يقص لهم القصص ووقع في بعض النسخ قاضيهم بضاد معجمة بعدها ياء أي حاكمهم الذي يفصل القضايا فيهم ولها وجه وليست بأولى كما قيل، وأتمروا بمعنى تشاوروا، والمكابرة أصل معناها فاعلة من الكبر، والمراد بها فرط العناد فعطفه عليها تفسريّ.
قوله: (أن يشاؤوا) بتقدير حرف الجر أي من أن يشاؤوا أو عن أن يشاؤوا، والأنفة بفتحتين، والاستنكاف الامتناع عن شيء تكبرا، والتحدّي طلب المعارضة، وأصله في الحاديين يتناظران في الحد إثم عم والتقريع والتعبير والتوبيخ وبين قرّعهم وقارعهم تجنيس، وقوله:(فلم يعار! وا سواه) أي اختاروا معارضة السيف على معارضة الكلام لفرط عجزهم عنه، ووقع في نسخة فلم يعارضوه بسورة وهي ظاهرة، وقوله خصوصا في باب البيان لأنهم فرسانه المالكون لازمته وغاية ابتهاجهم به، ومن قال: حتى علقوا السبعة على باب الكعبة متحذين بها لم يدر أنه لا أصل له دمان اشتهر. قوله: (ما سطره الأوّلون من القصص) أصل معنى السطر الصف من الكتابة والشجر ونحوه، وكذا السطر بالفتح إلا أن جمع سطر بالسكون أسطر وسطور وجمع سطر أسطار وأساطير، وقال المبرد: أساطير جمع أسطورة كأحدوثة وأحاديث ومعناه ما سطر وكتب، والقصص بكسر القاف جمع قصة وبفتحها القصة نفسها والمصدر. قوله:(هذا أيضاً في كلام ذاك القائل أبلغ في الجحود الخ) وجه أبلغيته أنه عذ حقيته محالاً فلذا علق عليه طلب العذاب الذي لا يطلبه عاقل، ولو كان ممكنا لفر من تعليقه عليه، وهذا أسلوب من الجحود بليغ قال العلامة فإن قلت إن للخلو عن الجزم فكيف استعمل في صورة الجزم قلت إن لعدم الجزم بوقوع الشرط، ومتى جزم بعدم وقوعه عدم الجزم بوقوعه وهذا كقوله:{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ} [سورة البقرة، الآية: 23، والخطاب مع المرتابين إبراز لارتيابهم
في صورة المحال للأدلة القاطعة للارتياب ففرض كما يفرض المحال، وقيل عليه إنه تعليق بالمحال كأن كان الباطل حقا على فرض المحال غير قطعي ليصح تعليق شيء به بكلمة، إن الموضوعة للشك الخالية عن الجزم بالوقوع وعدمه فيصير كالتنبيه على انتفاء ذلك الشيء، وأما ما قاله هذا القائل فإنما نشأ توهمه من الاقتصار في بعض الكتب على أنها لعدم الجزم بالوقوع من غير تعرض! لجانب اللاوقوع تصداً إلى التفرقة
بينها وبين إذا فإنّ عدم الجزم باللاوقوع مشترك بينهما، وهو كما قال: فإنه لو جزم باللاوقوع لم يكن الوقوع مشكوكا بل مجزوم الانتفاء فيكون المحل محل لو دون أن فتدبر. قوله: (والمعنى إن كان هذا القرآن حقاً منزلاً فأمطر الخ) نكر حقاً مع تعريفه في النظم فقيل إنه إشارة إلى ما ذكره الزمخشري من أنّ التخصيص والتعيين وقع على سبيل المجازاة لقولهم إنه هو الحق لا على قصد الحصر وإلا كان المنكر انحصار الحقية فيه لا حقيته من أصلها وليس مراده، بل مراده أن حقيقته محال من أصلها فلذا نكره، وترك الفصل في بيان المعنى وتقريره ليدل على عدم قصده للحصر، (وعرف الحجارة (إشارة إلى أنها معروفة وهي السجيل، وقوله: (وفائدة التعريف) أي على هذه القراءة لأنه ليس المقصود به المجازاة فيها، وتيل إنّ هذا بحسب النظرة الأولى، والتحقيق أنّ مراده أنّ تعريف الحق عهديّ خارجيّ لا جنسيّ كما في الكشاف أي الحق المعهود المنزل من عند الله هذا لا أساطير الأوّلين كما يدلّ عليه قوله للنضر فأفاد تخصيص المسند إليه بالمسند فإنه يأتي له أيضاً وأكده الفصل كما حقق في قولهم {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [سورة البقرة، الآية: 12] وقوله: (حقاً منزلاً شاهد له) وقائم مقام تعريفه، وكذا قوله روي الخ فقوله، وفائدة التعريف جار على الوجهين وإنما عدل عن مسلك الكشاف لعدم ثبوت قول قائل أوّلاً على وجه التخصيص، ولا يخفى أنه ليس في كلامه ما يدل على العهد، ولا على الحصر، وقوله منزلاً ليس إشارة لذلك بل بيان لقوله من عندك وأما ما تمسك به من أنه لم يثت قول قائل على وجه التخصيص فليس بشيء فإنّ قول النبيّ ىلمج! إنه كلام الله ليس معناه إلا ذلك عند التأقل، وكون الزمخشرقي قال إنّ التعريف للجنس لا وجه له بل ظاهر كلامه أنه للعهد إذ المجازاة تقتضيه فما اختاره تعسف ظاهر، وقوله بعذاب أليم سواه يؤخذ من المقابلة، ويصح أن يكون من عطف العامّ على الخاص. قوله:(والمراد منه التهكم وإظهار اليقين الخ) عطف عليه للتفسير له لأنه ليس اليقين المصطلح عليه إذ لم يطابق الواقع، والتهكم في إطلاق الحق عليه وجعله من عند الله، وفائدة قوله من السماء كما في الكشاف إنه صفة مبينة إذ المراد أمطر علينا السححل والحجارة المسوّمة للعذاب وأمطر استعارة أو مجاز لأنزل. قوله:(وقرئ الحق بالرفع الخ) قراءة العامّة النصب وقراءة الأعمش وزيد بن عليّ بالرفع. قوله: (وفائدة التعريف فبه الخ) ا!
الحقية المعلق عليها الشرط ليست مط لمقة إذ هي لم تنكر بل- قية مخصوصة، وهي كونها منزلة من عند الله، والظاهر منه أنّ التعريف عهدقي، وأنه مراد به مطلقا ومعنى العهد فيه أنه الحق الذي ادعاه النبيّ! يلى وهو أنه كلام الله المنزل عليه على النمط المخصو ص، ومن عندك إن سلم دلالته عليه فهو للتأكيد فلا يرد عليه ما قيل إنّ قوله من عندك يدل على كونه حقا بالوجه المذكور من غير احتياج إلى التعريف. قوله:) بيان لما كان الموجب لإمهالهم الخ) والمراد بدعاء الكفار قولهم {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء} [سورة الأنفال، الآية: 32] الخ ولا ينافي كونه دعاء قصد التهكم حتى يقال المراد بالدعاء ما هو صورته. قوله: (واللام لتثيد النفي الخ) هذه هي التي تسمى لام الجحود ولام النفي لاختصاصها بمنفيّ كان الماضية لفظاً أو معنى وهي تفيد التأكيد باتفاق النحاة أما لأنها زائدة للتأكيد وأصل الكلام ما كان الله يعذبهم أو لأنها غير زائدة والخبر محذوف أي ما كان الله مريداً وقاصداً لتعذيبهم، ونفي إرادة الفعل أبلغ من نفيه، وأما ما قيل في وجهه إنّ هذه اللام هي التي في قولهم أنت لهذه الخطة أي مناسب لها وهي تليق بك ونفي اللياقة أبلغ من نفي أصل الفعل فتكلف لا حاجة إليه بعدما بينه النحاة في وجهه. قوله:(عذاب استئصال) أي يعمهم بهلاكه ويأخذهم من أصلهم، قيل عليه إنه لا دليل على هذا التقييد مع أنه لا يلائم المقام، وقيل الدليل عليه إنه وقع عليهم العذاب، والنبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم كالقحط فعلم أنّ المراد به عذاب استئصال، والقرينة عليه تأكيد النفي الذي يصرفه إلى أعظمه. قوله:(والمراد باستغفارهم الخ) ذكر فيه ثلاثة أوجه، الأوّل أنّ المراد استغفار من بقي بين أظهرهم من المسلمين المستضعفين، قال الطيبي: وهذا الوجه أبلغ لدلالته على أن استغفار الغير مما يدفع به العذاب عن أمثال هؤلاء الكفرة، وهو المرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما
في كتاب الأحكام، والثاني أنّ المراد به دعاء الكفرة بالمغفرة، وقولهم غفرانك فيكون مجرّد طلب المغفرة منه تعالى مانعا من عذابه ولو من الكفرة، والثالث أنّ المراد بالاستغفار التوبة والرجوع عن جميع ما هم عليه من الكفر وغيره، وهو منقول عن قتادة والسدفي، ومجاهد رحمهم الله فيكون القيد منفياً في هذا ثابتاً في الوجهين الأوّلين ومبني الاختلاف فيها ما نقل عن السلف في تفسيره، والقاعدة المقرّرة وهي أنّ الحال بعد الفعل المنفيّ، وكذا جميع القيود قد يكون راجعا إلى النفي قيداً له دون المنفيّ، وقد يكون راجعا
إلى ما دخله النفي وعلى الثاني فله معنيان.
أحدهما: وهو الأكثر أن يكون النفي راجعاً إلى القيد فقط ويثبت أصل الفعل.
وثانيهما: أن يقصد نفي الفعل، والقيد معا بمعنى انتفاء كل من الأمرين، والمعنى انتفاء
الفعل من غير اعتبار لنفي القيد واثباته.
والحاصل أن القيد في الكلام المنفيّ قد يكون لتقييد النفي، وقد يكون لنفي المقيد بمعنى إنتفاء كل من الفعل والقيد أو القيد فقط، أو الفعل فقط كما قرّره النحرير في سورة آل عمران، وقد مز تفصيله وتحقيقه في سورة البقرة، وأما قول الشارح النحرير هنا أنّ الداذ على انتفاء الاستغفار هنا على الوجه الأخير القرينة والمقام لأنفس الكلام وإلا لكان معنى، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم نفي كونه فيهم، فإن قيل الحال قيد والنفي في الكلام راجع إلى القيد قلنا وأنت فيهم حال أيضا فإن قيل الاستغفار من الكفر ينافي التعذيب، وقد ثبت أنهم يعذبون بمفارقة النبيّ ع! حر، وبقوله:{وَمَا لَهُمْ أَلَاّ يُعَذِّبَهُمُ} الله فينتفي الاستغفار قلنا وكذلك كونه فيهم ينافي بحكم العادة وقضية الحكمة تعذيبهم وقد بين أنهم يعذبون، فإن قيل كونه فيهم ليس مما يستمرّ بل يزول البتة فيحدث التعذيب قلنا الاستغفار عن الكفر يحتمل ذلك غايته، إنه احتمال بعيد ويمكن أن يقال هم يستغفرون للاستمرار فينتفي بالتعذيب، ولو بعد حين بخلاف أنت فيهم فإنه لمجرّد الثبوت، وهو متحقق ما لم يفارقهم، ولم يصبهم العذاب، وهذا إنما يتم إذا جعل وأهلها مصلحون للاستمرار والدوام دون الثبوت، اهـ فلا يخفى ما فيه من التطويل، وما بين كلاميه من التنافي ولبعض الناس هنا خبط تركه أولى من ذكره، وعلى الوجه الأوّل المستغفرون هم المسلمون، والاستغفار طلب المغفرة والتوفيق للثبات على الإيمان، والضمير للجميع لوقوعه فيما بينهم، ولجعل ما صدر عن البعض بمنزلة الصادر عن الكل فلا يلزم تفكيك الضمائر كما قيل. قوله:(مما يمنع تعذيبهم الخ (هذا تفسير معنى لا تفسير إعراب وفي الكشاف، وما لهم ألا يعذبهم الله وأفي شيء لهم في انتفاء العذاب يعني لا حظ لهم في ذلك، وهم معذبون لا محالة، وكيف لا يعذبون الخ ولما كان العدم لا يحتاج إلى علة موجبة بل يكفي فيه عدم علة الوجود كما حققوه أشار إلى أنّ المراد طلب ما يمنع التعذيب ولما لم يكف في وجود شيء عدم المانع بل لا بذ من الموجب، أشار إلى وجوده بقوله وهم يصدون وما استفهامية، وقيل إنها نافية أي ليس ينتفي عنهم العذاب مع تلبسهم بهذه الحالة. قوله:) متى زال ذلك) أي الاستغفار، وكونه فيهم لدفع المنافاة بين الاثنين وقد دفع أيضا بأنّ العذاب السابق عذاب الاستئصال لعلم الله بأنّ فيهم من يسلم، ومن ذرّيتهم من يهتدي والثاني قتل بعضهم، وعن الحسن أنّ هذه نسخت ما قبلها، وقال النسفيّ أن نزول {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} وهو كوو بمكة، ثم خرج من بين أظهرهم فاستغفر من بها من المسلمين فنزل {وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أسررة الأنفال، الآية: 33] أي وفيهم أحد من المسلمين فخرح المستغفرون من مكة فنزل وما لهم ألا يعذبهم الله الخ، وأذن له في فتح مكة وينافيه ما تقدم في أوّل السورة. قوله:(وحالهم ذلك الخ) إشارة إلى أن الجملة حالية وأورد على قوله وإحصارهم عام الحديبية، إنّ إحصارهم كان بعد قتل النضر ونظرائه فلا ينتظم مع ما سيق له الكلام، وأجيب عنه با! القائل إن كان هذا هو الحق الخ وان كان النضر، ومن تبعه لكن الحكم بالتعذيب بعد مفارقة النبيّ صلى الله عليه وسلم يعمّ الكل بسبب صدّ سيكون منهم، ولو صدر من غير النضر واضرابه بعد هلاكهم فتأمل. قوله:(مستحقين ولاية أمره مع شركهم الخ) فالضمير إن للمسجد الحرام، ولما كانوا متولين له وقت نزولها بين أنه نفى لاستحقاق ذلك فإن كان الضمير دلّه لا يحتاج إلى تأويل، وقوله المتقون من الشرك إشارة إلى شموله لجميع
المسلمين وأنّ التقوى هنا اتقاء الكفر وهي المرتبة الأولى للتقوى كما مرّ وعلى جعل الضمير لله فالمتقون أخص من المسلمين، وجعله الزمخشرقي على الأوّل مخصوصا أيضا لأنهم المستحقون في الحقيقة. قوله:(كأنه نبه بالأكثر الخ) لأنّ منهم من يعلمه ولكن يجحده عناداً أو المراد به الكل لأنّ للأكثر حكم الكل في كثير من الأحكام كما أن الأقل لا يعتبر فينزل منزلة العدم. قوله: (أي دعاؤهم أو ما يسمونه صلاة الخ) قال الراغب في تفسير الآية وما كان صلاتهم الخ تنبيه على إبطال صلاتهم وأنّ فعلهم ذلك لا اعتداد به بل هم في ذلك كطيور تمكو وتصدى فالمراد بالصلاة إن كان حقيقتها، وهو الدعاء أو الفعل المعروف فحمل المكاء والتصدية بتأويله بأنه لا فائدة فيه ولا معنى له كصفير الطيور وتصفيق اللعب، أو المراد أنهم وضعوا المكاء موضع الصلاة على حذ:
تحية بينهم ضرب وجيع
ومن لم يفهم كلامه قال: ذكر ثلاثة وجوه ليصح حمل المكاء والتصدية، ولا يخفى أنّ
أوّل الوجوه لا يصلح أن يكون وجهاً إلا أن يصار إلى أحد الأخيرين فلا تبقى حاجة إليه، وثانيها يحتاج إلى وقوع هذه التسمية منهم، وسيجيء أنهم يرون أنهم يصلون فتأمل. قوله:) فعال من مكا يمكو إذا صفر) وأسماء الأصوات تجيء على فعال إلا ما شذ كالنداء، والبكاء ممدوداً ومقصورا بمعنى وقد فرق المبرد بينهما فقال الممدود اسم الصوت والمقصور الدموع.
قوله: (تصفيقاً الخ) قال ابن يعيش في شرح المفصل التصدية التصفيق، والصوت وفعله صددت أصد ومنه، قوله تعالى:{إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [سورة الزخرت، الآية: 57] أي يصيحون، ويعجون فحول إحدى الدالين ياء كما في تقضي البازي لتقضضه، وهذا قول أبي عبيدة وأنكر عليه، وقيل إنما هو من الصدى، وهو غير ممتنع لوقوع يصدون على الصوت أو ضرب منه اهـ والصدى معروف، وهو ما يسمع من رجع الصوت عند جبل ونحوه، والتصفيق ضرب اليد باليد بحيث يسمع له صوت، وإذا كان من الصد فالمراد صدّهم عن القراءة أو عن الدين أو البيت الحرام أو الصد بمعنى الصيحة كما مرّ عن ابن يعيش. قوله:(وقرئ صلاتهم بالنصب الخ) وفي هذه القراءة الإخبار عن النكرة بالمعرفة، وهو من القلب عند السكاكي رحمه الله تعالى، وعن ابن جني على أصله وأنّ المعرفة قد تقرب من النكرة معنى فيصح فيها ذلك، وأنه يغتفر في النواسخ لا سيما إذا نفيت، وتفصيله في كتب النحو والمعاني، وقوله ومساق الكلام الخ أي هذه الجملة إمّا معطوفة على وهم يصذون فيكون لتقرير استحقاقهم للعذاب أو على قوله:{وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ} فيكون تقرير العدم استحقاقهم لولايته، وقوله:(يرون بضم الياء) أي يرون الناس إنهم في صلاة أيضا، أو يحاكون أفعال المسلمين استهزاء أو بفتحها أي يعتقدون ذلك. قوله:(واللام يحتمل أن تكون للعهد (أي للعهد الذكر! من غير تعيين فلا وجه لما قيل إنه القتل أو الأسر، على هذا فينبغي تقديمه على عذاب الآخرة وعلى تفسيره بعذاب الآخرة الفاء للسببية لا للتعقيب، وهي والباء تفيد أنّ كون الأفعال المذكورة سبباً للعذاب إنما هو لكفرهم، وأنّ مثله من أعمال الكفر. قوله: (اعتقادا وعملآ) وفي نسخة، أو عملاً يعني المراد بالكفر ما يشمل الاعتقاد والعمل، كما أنّ الإيمان في العرف يطلق على ذلك فلا جمع فيه بين الحقيقة، وغيرها كما قيل، والمطعمون اثنا عشر منهم، وهم أبو جهل وعقبة ونبيه ومنبه وأبو البحتري والنضر وحكيم بن حزام وأبو زمعة والحرث والعباس وغيرهم، والجزر بضمتين جمع جزور وهي من الإبل مطلقا أو الناقة المجزورة، وفي النهاية الجزور البعير ذكرا
كان أو أنثى إلا أنه مؤنث لفظيّ وجمعه جزر وجزرات وجزائر، واستجاس بمعنى أتاه من الجيش من يطلبه، والثأر قتل القاتل يقال ثأرته به والأوقية بالضم، ويقال وقية بالضم أيضاً أفعولة من وقى أو فعلية من الأوق، وهو الثقل وهي أربعون درهما على ما في كتب اللغة وعند الأطباء، وهو المتعارف عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم وذكر الزمخشرقي، أنها اثنان وأربعون درهماً في سورة النساء وهنا اثنان وأربعون مثقالاً، واللام في ليصذوا لام الصيرورة، ويصح أن تكون للتعليل لأنّ غرضهم الصدّ عما هو سبيل الله بحسب الواقع، وان لم يكن كذلك في اعتقادهم، وسبيل الله طريقه، وهو عبارة عن دينه واتباع رسولهءكيعه. قوله: (فسينفقونها بتمامها ولعل الأؤل أخبار عن إنفاقهم الخ الما تضمن الموصول معنى الشرط، والخبر بمنزلة
الجزاء، وهو فسينفقونها اقترن بالفاء وينفقون إمّا حال أو بدل من كفروا، أو بيان له، وفي تضمن الجزاء من معنى الأعلام والإخبار التوبيخ على الإنفاق والإنكار عليه كما في قوله:{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 53] وفي تكرير الإنفاق في شبه الشرط، والجزاء الدلالة على كمال سوء الإنفاق كما في قوله:{إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [سورة آل عمران، الآية: 92 ا] وقولهم من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى، والمعنى الذين ينفقون أموالهم لإطفاء نور الله والصد عن اتباع رسول الله تخت عن قريب سوء مغبة ذلك الإنفاق، وانقلابه إلى أشد الخسران من القتل والأسر في الدنيا والنكال في العقبى:
إذا البذل لم يرزق خلاصاً من الأذى فلا الأجر مكسوبا ولا المال باقيا
وهو الوجه الأخير في كلام المصنف رحمه الله، وهو أبلغها فقوله بتمامها إشارة إلى وجه التغاير، وهو أنّ المنفق الأوّل بعضه والثاني كله ومآله إلى أنه يفنى ويزول أو الأوّل إنفاق في بدر والثاني في أحد فينفقون لحكاية الحال الماضية، والثاني على معناه الاستقبالي، ولما كان إنفاق الطائفة الأولى سبباً لإنفاق الثانية أتى بالفاء لابتنائه عليه والآية نزلت بعد الوقعتين. قوله:(ويحتمل أن يواد بهما واحد) قد مرّ تحقيقه، ودفع تكراره وان لم يلاحظ ما بعده، وقوله:(وإنه لم يقع بعد) أي إن الاستقبال فيهما على ظاهره خصوصاً في الجزاء الدال على العاقبة، وبما قزرناه اندفع ما قيل، إنه يأتي زيادة التبيين في الثاني وترتيبه بالفاء على الأوّل من غير تكلف، والحاصل أنّ هنا قولين هل نزلت في الإنفاق يوم بدر، أو يوم أحد وعلى هذا فهما واحد والأوّل لبيان غرض الإنفاق، والثاني لبيان عاقبته، وقوله:{يُنفِقُونَ} خبر، وقوله: فيسنفقونها متفرع عليه، والفعلان مستقبلان وإن حمل ينفقون على الحال فلا بد من تغاير الإنفاقين. قوله: (لفواتها من غير مقصود (أما في بدر فظاهر وأما في أحد فلأنّ المقصود لهم
لم يتح بعد ذلك فكان كالفائت. قوله: (جعل ذاتها تصير حسرة الخ) أي ندما وتأسفا قيل إنه يريد أنه من قبيل الاستعارة في المركب حيث شبه كون عاقبة إنفاقها ندماً بكون ذاتها ندما، ولا مانع من جعله حقيقة بتقدير مضافين أو بجعل التجوّز في الإسناد فتدبر، وقيل: إنها أطلقت بطريق التجوّز على الإنفاق مبالغة. قوله: (ثم ينلبون آخر الأمر) يعني أنّ المراد بالغلبة الغلبة التي استقرّ عليها الأمر، فإن قلت غلبة المسلمين متقدمة على تحسرهم بالزمان فلم أخرت بالذكر قلت المراد أنهم يغلبون في مواطن أخر بعد ذلك، وقوله وان كان الحرب بينهم سجالاً جمع سجل، وهو الدلو العظيم والمراد به نوبة السقي، ولذا جمع أي يكون مرّة لهم ومرّة عليهم كما قال:
فيوم عليناويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر
والعاقبة للمتقين وهذا استعارة شبه المتحاربين بالمستقيين على بئر واحدة، ودلو واحد
وأوّل من قاله أبو سفيان رضي الله عنه. قوله: (أي الذين ثبتوا على الكفر الخ) خصه بهم بقرينة ما بعده، وأذا فسر الخبيث، والطيب بالكافر والمؤمن أو الفساد والصلاح تعلق بيحشرون فإن فسر بالمالين تعلق بتكون عليهم حسرة إذ لا معنى لتعليل كون أموالهم حسرة بتمييز الكفار من المؤمنين، كما أنه لا وجه لتعليل حشرهم بتمييز المال الخبيث من الطيب، وأولئك على هذا أي على تقدير كون الخبيث والطيب هو المال إشارة إلى الذين كفروا، وهو ظاهر وكون التمييز أبلغ من الميز لزيادة حروفه على المشهور يقال ميزته فتميز ومزته فإنماز وقد قرئ شاذا وانمازوا اليوم، والمراد أنّ الذين كفروا ليس هو الأوّل حتى يلزم التكرار وليس المراد أن كفروا بمعنى ثبتوا حتى يرد أنّ الفعل لا يدل على الثبوت فيجاب بأنه ثبوت تجددقي كما قيل. قوله:(فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض الخ) من قولهم سحاب مركوم، ومتراكم من الركام، وهو ما يلقى بعضه على بعض، ويوصف به الرمل والجيش فإن كان الفريق الخبيث الكفرة، والفريق الطيب المؤمنين فالمراد به ازدحامهم في المحشر، وإن كان المراد الصلاج والفساد فالمراد أنه يضم كل صنف بعضه إلى بعض في الحشر، وجعله في جهنم بجعل أصحابه فيها، وإن كان المراد المال فظاهر لقوله تعالى:{فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ} [سورة التربة، الآية: 35، الآية والمعنى
أنه يكون حسرة وبلاء لهم في الدنيا والآخرة. قوله: (إشارة إلى الخبيث لأنه مقدّر بالفريق
الخ (توجيه لجمعه مع إفراد المشار إليه وإذا كان للمنفقين الذين بقوا على الكفر فظاهر، وبين الخاسرين بالكاملين ليصح الحصر، وبين وجه الكمال بما ذكره وهذا بناء على أنّ مراده به الكافر.
قوله: (يعني أبا سفيان وأصحابه الخ) فالتعريف فيه للعهد، وفد حمل أيضا على الجنس فيدخل هؤلاء فيهم دخولاً أوّليا وجعل اللام لام التعليل لا للتبليغ وهي صلة القول لأنه كان الظاهر حينئذ إن تنتهوا بالخطاب كما قرىء به لكن يجوز أن يكون للتبليغ، وأنه أمر أن يقول لهم هذا المعنى الذي تضمنته ألفاظ الجملة المحكية سواء قاله بهذه العبارة أو غيرها كما اختاره في البحر. قوله:(وقرىء بالتاء الخ) على أنّ الخطاب لهم واللام للتبليغ، وقوله وإن يعودوا إلى قتاله لم يفسره بالعود إلى المعاداة لأنها باقية على حالها، ولو فسره به لكان المعنى إن داموا عليها. قوله:(الذين تحزبوا على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ) تحزبوا بمعنى تجمعوا أحزاباً والتدمير الهلاك وقد ذكر الزمخشرقي هذا، وجوّز تفسيره بالذين حاق بهم مكرهم يوم بدر والمصنف رحمه الله يذكره، لأنه داخل فيما ذكره ولأنّ السنة تقتضي التكرّر فيقتضي تفسيره بأمر آخر عامّ، وفي البحر إنّ قوله فقد مضت سنت الأوّلين لا يصح أن يكون جوابا بل هو دليل الجواب والتقدير أن يعودوا انتقمنا منهم فقد مضت سنة الأولين، وقوله: (فيجازيهم (إشارة إلى أنه أقيم مقام الجزاء أو جعل مجازاً عن الجزاء، أو كناية لمالا فكونه تعالى بصيراً أمر ثابت قبله وبعده ليس معلقاً على شيء، وعلى قراءة الخطاب هو للمسلمين المجاهدين، وجزاؤهم ليس " حلقاً على انتهاء من قاتلوه فلذا وجهه بقوله ويكون تعليقه الخ يعني أنّ ثوابهم بمباشرة القتال وتسببهم لإثابة مقاتليهم، وفي العبارة كدر.
تنبيه: قال النحرير المراد بالذين كفروا هو الكفر الأصلي، وما سلف ما مضى في حال
الكفر فاحتجاج أبي حنيفة رحمه الله على أنّ من عصى طول العمر، ثم ارتد ثم أسلم لم يبق عليه ذنب في غاية الضعف، اهـ وهذا ليس بشيء فإنّ أبا حنيفة رحمه الله ومالكا أبقيا الآية على عمومها لحديث:" الإسلام يهدم ما قبله ") 1 (وقالا إنه يلزمه حقوقه الآدميين دون حقوق الله كما في كتاب أحكام القرآن لابن عبد الحق وخالفهما الشافعيّ رحمه الله، وقال يلزمه جميع الحقوق. قوله: (أي الذي أخذتموه الخ (يعني أنّ ما موصولة، وكان حقها أن تكون مفصولة وهذا تعريف للغنيمة في الشرع، وفي الهداية إذا دخل الإثنان أو الواحد دار الحرب مغيرين بغير إذن الإمام فأخذا شيئاً لم يخمس لأنّ الغنيمة هو المأخوذ قهراً، وغلب لا اختلاساً وسرقة الخمس، وظيفتها لكن الشافعيّ يخمسه وان لم يسمّ غنيمة عنده لإلحاقه بها، وقوله حتى الخيط كناية عما قل مطلقاً، وقد أجيز فيما هذه أن تكون شرطية. قوله: (مبتدأ خبره محذوف الخ) يعني المصدر المؤوّل من أنّ المفتوحة مع ما في حيزها مبتدأ، وقدر خبره مقدما لأنّ المطرد في خبرها إذا ذكر تقديمه لئلا يتوهم أنها مكسورة فأجرى على المعتاد فيه، ومنهم من أعربه خبر مبتدأ محذوف أي فالحكم إن الخ، وقد رجحت هذه القراءة بأنها آكد لدلالتها على إثبات الخمس وأنه لا سبيل لتركه مع احتمال الخبر لتقديرات كلازم، وحق وواجب ونحوه وفيه نظر. قوله:(والجمهور على ان ذكر الله للتعظيم) وهو معنى قول عطاء، والشعبيّ خمس الله وخمس الرسول صلى الله عليه وسلم واحد، وخمس الله مفتاح الكلام، واختلف في ذكر الله هنا هل هو لكونه له سهم أم لا فعلى الثاني ذكره إما لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الآية المذكور أو بيانا لأنه لا بد في الخمسة من إخلاصها لله، ويكون ما بعده تفصيلاً له وقسم بوزن ضرب مصدر بمعنى تقسيمه، وقيل المراد بالتعظيم تعظيم المصارف الخمسة كما يدل عليه قوله وانّ المراد الخ وليس المراد تعظيم ا) هـ سول صلى الله عليه وسلم كما في الكشاف لعدم الاقتصار عليه، ولذا تركه المصنف وحمه الله لعدم ارتضائه له ولاتحاده مع الثالث بحسب المآل ولا يخفى فساده لأنّ تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينافي عدم الاقتصار على ذكره، ولا معنى لتعظيم المسكين وابن السبيل وإنما يقال فيه شفقة وترحم مع أنّ عاد اللام تجعل الأقسام في حكم الاستقلال، ويصير التنظير بهذه
الآية ضائعا لكن قوله فكأنه الخ يقتضي أنه لتعظيم الأقسام الخمسة لاختصاصها به تعالى إن كان ضمير به لله
وأخصيتهم به أمّ الرسول-سيرو والقربى فظاهر وأما اليتامى من المسلمين وما بعدهم فلعناية الله بهم وشفقته عليهم لمان كان الضمير للخمس أو للصرف أو للقسم فهو ظاهر، والحق أنه مراده ويكون ترك الوجه الثاني لعدم ارتضائه له لأنّ ذكر الله للتعظيم، وقع في مواضع عديدة وبكون قوله وللرسول معطوفا على لله كم في الآية فإنه مزيد للتعظيم، وان كان بياناً للإخلاص لوجه الله يكون قوله وللرسول بتقدير مبتدأ أي وهو للرسول الخ والضمير للخمس. قوله:(وحكمه بعد باق) أي حكم المصرف باق إلى الآن، وهو مذهب الشافعيئ رحمه الله وسيأتي ذكر من خالف فيه لكن سهم الرسول لمجي! فيه خلاف عندهم فقيل يعطي للإمام وقيل يوزع على الأصناف الأربعة وقيل يصرف لما كان يصرف إليه في حياته! من مصالح المسلمين كما ذكر المصنف رحمه الله. قوله:) وقال أبو حتيفة رضي الله تعالى عنه الخ الأنه بوفاته صلى الله عليه وسلم فات مصرفه ولأن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم قسموا الخمس على ثلاثة أسهم لأنه صلى الله عليه وسلم علق استحقاق ذوي القربى بالنصرة إذ قال لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام فدل على أنّ المراد بالقرب قرب النصرة لا قرب النسب. قوله:) وعن مالك رضي الله تعالى عته الأمر فيه مفوّض! إلى رأي الإمام الخ (مالك رضي الله عنه لا يرى ذكر الوجوه المذكورة لبيان أنه لا يصرف فيما سواها، وليس للتحديد بل الأمر موكول عنده إلى نظر الإمام فيصرف الخمس في مصالح المسلمين، ومن جملتها قرابته! ت ولا تحديد عنده فالمراد بذكر الله عنده أنّ الخمس يصرف في وجوه القربات لله تعالى، والمذكور بعده ليس للتخصيص بل لتفضيلهم على غيرهم ولا يرفع حكم العموم. قوله: (وذهب أبو العالية وحمه الله الخ (كما أنّ هذا المذهب مذهب أبي العالية فالرواية المذكورة هو الذي رواها، ولذا قال في الكشاف، وعنه الخ فيصح أن يقرأ روي معلوماً ومجهولآ لأن الحديث المذكور) 1 (رواه أبو داود في المراسيل، وابن جرير عن أبي العالية أيضاً. قوله: (ويصرف سهم الله إلى الكعبة (أي إن كانت قريبة والا فإلى مسجد كل بلدة
وقع فيها الخمس كما قاله ابن الهمام رحمه الله. قوله: (وذووا القرى بنو هاشم الخ الا بنو عبد شمس وبنو نوفل، وقوله هؤلاء مبتدأ واخوتك بدل منه وبنو هاشم عطف بيان، وقوله: (لا ننكر الخ) خبر، وقوله لمكانك أي لمكانك منهم الذي هو شرف لهم، وقيل:
إنّ هذا التركيب من قبيل أنا الذي سمتني أمي حيدره
وكان مقتضى الظاهر جعله الله، وهو لا يصح إلا إذا كان بدلاً من ضمير المخاطب، والظاهر أنّ المكان عبارة عن قرابته منهم وأنّ العائد محذوف أي الذي جعلك الله به أو فيه، وليس مما ذكره في شيء، وفي نسخة وصفك الله فيهم لأنه لمجرو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وعثمان رضي الله عنه ابن عفان بن العاص بن أسد بن عبد شمس بن عبد مناف وجبير بن مطعم بن عدفي بن نوفل بن عبد مناف، وكان لعبد مناف خمس بنين هاشم وعبد شمس ونوفل والمطلب وأبو عمرو وكلهم أعقبوا إلا أبا عمرو، وقوله:(أرأيت الخ (أي أخبرني لم أعطيتهم وحرمتنا، وقوله بمنزلة واحدة أي في النسب. قوله: الما روي الخ) هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن جبير بن مطعم وفي الصحيحين بعضه، وقوله جميب لم يفارقونا الخ إشارة ة لى توجيه ما فعله بالنصرة كما مرّ وتشبيكه كأسبيه بين أصابعه إشارة إلى اختلاطهم به، وعدم مفارقتهم له وقوله وقيل بنو هاشم وحدهم أي ذوو القربى، هؤلاء لا غيرهم من قريش. قوله:) وقيل جميع قريش الخ (فيقسم بينهم {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} اسورة النساء، الآية: أا] وهو مذهب الشافعيّ رضي الله عنه وعند أبي حنيفة رحمه الله أنهم كانوا كذلك لكن سقط بعده! هـ، ويعطى لمن كان منهم داخلا في الأقسام الثلاثة وبسط الأقوال وأدلتها في كتب الفروع. قوله:) كسهم ابن السبيل) فإنه مخصوص بالفقير فاقترانه به يدل على أنه مثله في الجملة في اشتراط الفقر، وان كان فقر ابن السبيل أن لا يكون معه مال، وان كان له مال وفقر هؤلاء أن لا يكون لهم مال، ولذا قيل كان عليه أن يقول كاليتامى، وقوله:) كله لهم (أي لذوي القربى، ومنهم أي القربى وقوله للتخصيص أي لتخصيص ذوي القربى بالأصناف الثلاثة، وقوله: (وقيل الخمس كان الخ) فتكون الآية
نزلت بعد بدر، وفينقاع
بفتح القاف وتثليث النون شعب من اليهود كانوا بالمدينة، وقوله على رأس الخ المراد بالرأس هنا الطرف والآخر كما في حديث بعثه الله على رأس أربعين سنة فهو مجاز من إستعمال المقيد في المطلق. قوله:(متعلق بمحذوف الخ (أي جزاؤه ومحذوف، والمراد التعلق المعنوي وليس جوابه ما قبله لأنه لا يصح تقدم الجزاء على الشرط على الصمحيح عند أهل العربية، وإنما قدر فاعلموا، ثم بين أن المراد بالعلم العمل لأن المطرد في أمثاله أن يقدر ما يدل ما قبله عليه فيقدر من جنسه، فلا يقال إنه كان المناسب أن يقدر العمل أوّلاً تصرا للمسافة كما فعله النسفيّ رحمه الله. قوله: (من الآيات والملايكة والنصر (يعني أنّ المفعول محذوف، ولا قرينة تعينه فيعمّ كل ما نزل، والموصول من صنيع العموم وليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز ولا شبهة كما قيل إذ المراد بالمنزل ما جاءه من الله سواء كان جسما أو غيره، ولو سلم فالمجاز والحقيقة في الإسناد لا مانع من الجمع بينهما فتدبر، وعبد بضمتين جمع عبد، وقيل اسم جمع له. قوله: (يوم بدر الخ) فالفرقان بمعناه اللغوي والإضافة فيه للعهد، ويوم التقى الجمعان بدل منه أو متعلق بالفرقان وقوله فيقدر الخ إشارة إلى دخول ما ذكر فيه بقرينة المقام، وتعريف الجمعان للعهد، دماذ بدل أيضا أو معمول لا ذكر مقدراً. قوله:(والعدوة بالحركات الئلاث الخ) أي في العين، وأصل معنى العدو والتجاوز فالمراد به هنا الجانب المتجاوز عن القرب وهو معنى قول المصنف رحمه الله تعالى شط الوادي أي جانبه البعيد من شط بمعنى بعد، وقراءة الفتح شاذة قرأ بها الحسن، وزيد بن عليّ وغيرهما وهي كلها لغات بمعنى ولا عبرة بانكار بعضها. قوله:(البعدى من المدينة الخ) فهو تأنيث أقصى بمعنى أبعد وفعلى من ذوات الواو إذا كان اسماً تبدل لأمه ياء نحو دنيا، وقصوى بحسب الأصل صفة فلذا لم تبدل للفرق بين الاسم والصفة وهي قاعدة مقزرة عند بعض التصريفين فإن اعتبر غلبتها، وأنها جرت مجرى الأسماء الجامدة قيل قصيا وهي لغة تميم، والأولى لغة أهل الحجاز، ومن أهل التصريف من قال: إنّ اللغة العالية العكس فإن كانت صفة أبدلت نحو العليا، وان كانت اسما أقرّت نحو حزرى فعلى هذا
القصوى شاذة، والقياس قصيا وهي لغة قرأ بها زيد بن عليّ، وعنوا بالشذوذ مخالفة القياس لا الاستعمال فلا تنافي الفصاحة كذا في الدر المصون، ومنه تعلم أنّ لإهل الصرف فيه مذهبين، ولو قيل: إنه مبنيّ على اللغتين لم يبعد فما قيل إنّ دنيا من دنا يدنو قرب وقصوى من قصا يقصو بعد، وهما وان كانا صفتين إلا أنهما ألحقا بسبب الاستعمال بالأسماء فلذا كان القياس قلب الواو ياء والا فقد تقرّر في موضعه أن هذا القياس إنما هو في الأسماء دون الصفات ليس بمسلم لأنه مذهب آخر كما عرفت. قوله:(تفرقة بين الاسم والصفة) ولم يعكس وان حصل به الفرق لأنّ الصف أثقل فأبقيت على الأصل الأخف لثقل الانتقال من الضمة إلى الياء، ومن عكس أعطى الأصل للأصل وهو الاسم وغير في الفرع للفرق، وقوله كالقود فإنه كان القياس فيه قلب الواو وألفاً لكنها لم تقلب فهي موافقة للاستعمال دون القياس. قوله:(أي العير أو قوّادها) جمع قائد والمراد أصحابها والركب اسم جمع راكب لا جمع على الصحيح فعلى الأوّل هو تغليب أو مجاز وعلى الثاني حقيقة والواو الداخلة عليه حالية أو عاطفة وأسفل منصوب على الظرفية لأنه في الأصل صفة للظرف أي في مكان أسفل وأجاز الفرّاء والأخفش رفعه على الاتساع أو بتقدير موضع الركب أسفل الخ. قوله: (في مكان أسفل من مكانكم الخ) إشارة إلى أنه صفة ظرف المكان المنصوب بتقدير في فلذلك انتصب انتصابه وقام مقامه، وقوله:(من مكانكم) إشارة إلى أنه أفعل تفضيل لم ينسلخ عن الوصفية فيصير بمعنى مكان كما توهم وفسره بساحل البحر بيانا للواقع، وقوله والجملة حال من الظرف قبله أي من الضمير المستتر في الجارّ والمجرور. قوله:(وفائدتها الدلالة على فوّة العدوّ الخ) ما ذكره من الفائدة جعله في الكشاف فائدة للتقييد بالأمور المذكورة من قوله إذ أنتم الخ فقول المصنف رحمه الله وفائدتها أي فائدة هذه الحال، وتقييد ما قبلها به مع ذكر ما قبله أيضاً كما سيصرّح به في قوله، وكذا ذكر مراكز وتقديره، كما قيل إنّ قوله إذا أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم لا تفيد الحكم
ولا لازمه لأنهم يعلمونها ويعلمون أنه تعالى عليم بها وليس بسديد لأنه تعالى ذكرهم بهذه الأحوال والعلم يحصل من التذكير وان لم يكن ابتداء، وهو كاف في فائدة الخبر، والدّي يسأل عنه فائدة التذكير وهي هنا تصوير تدبيره تعالى إذ سبب الأسباب حتى اجتمعوا للحرب والامتنان على المؤمنين بتأييدهم مع ضعفهم وقوّة عدوّهم من جهات عديدة، وقوله واستظهارهم بالركب أي تقويهم بهم لقربه منهم، وقوله على المقاتلة عنها أي ال كلدافعة عنها وتوطين نفوسهم أي جعلها ثابتة عليه قارّة كما يقز المرء في وطنه، وقوله أن لا يخلوا
مراكزهم من الإخلاء أي لا يجعلوها خالية منهم، ولو كان من الخلل كان مراكزهم منصوبا بنزع الخافض! ، أو مضمنا معنى ما يتعدّى بنفسه والأوّل أولى، وضعف شأن المسلمين كما في الكشاف معلوم من الواقع لقلة عددهم وعددهم المعلوم من إثباته للعدوّ دونهم، فلا يقال إن في دلالة الآية عليه كلاماً. قوله:(والتباث أمرهم (أي صعوبته والتباسه عليهم من قولهم التاثت عليه الأمور والبست واختلطت، واستبعاد غلبتهم لما مرّ، وتوله: تسوخ فيها الأرجل أي تغيب وتزلّ. توله: (أي لو تواعدتم أنتم وهم الخ) جعل الضمير الأوّل شاملا للجمعين تغليباً والثاني خاصاً بالمسلمين، وخالف الزمخشريّ فيهما إذ جعله فيهما شاملاً للفريقين لتكون الضمائر على وتيرة واحدة من غير تفكيك وإذ فسره بقوله لخالف بعضكم بعضاً فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد، وثبطهم ما في قلوبهم من تهيب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلميق الخ لأنه غير مناسب للمقام إذ القصد فيه إلى بيان ضعف المسلمين ونصرة الله لهم مع ذلك وقوله ليتحققوا الخ متعلق بالدلالة أو بمقدر أي ذكر ما ذكر ليتحققوا الخ. قوله:) ولكن ليقضي الله أمرا الخ (أي ولكن تلاقيتم على غير موعد ليقضي الخ فهو متعلق بمقدر كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله حقيقاً بأن يفعل الخ تأويل له لأن القضاء قبل فعله لا بعد ما كان مفعولاً، ولذا فسره الزمخشريّ بقوله كان واجباً أن يفعل لأنّ تحققه ووجوبه مقرّر قبل ذلك، وقيل: كان بمعنى صار الدالة على التحوّل أي صار مفعولا بعد أن لم يكن، وقيل: إنه عبر به عنه لتحققه حتى كأنه مضى. قوله: (بدل منه أو متعلق بقوله مفعولا الخ (وقيل: إنه متعلق بيقضي، وقد قيل عليه إنّ علة القضاء كون المقضي حقيقا بأن يفعل الذي يفيده كان مفعولاً، وقوله ليهلك إنا علة للجمع فيكون بدلاً متعلقأ به أو لكونه حقيقا أو لنفس أن يفعل فيكون متعلقاً بمفعولاً لا بالقضاء، وليس بشيء لأنه إذا تعلق به، كان المعنى ليظهر ويقع ما ذكر وهو ظاهر. قوله: (والمعنى ليموت من يموت عن بينة الخ) المراد بالبينة الحجة الظاهرة أي ليظهر الحجة بعد هذا
فلا يبقى محل للتعليل بالأعذار، وقوله أو ليصدر الني فالمراد بالحياة الإيمان وبالموت الكفر استعارة أو مجازاً مرسلاً والبينة إظهار كمال القدرة الدال على الحجة الدامغة ليحق الحق ويبطل الباطل. قوله:(والمراد بمن هلك ومن حئ المشرف للهلاك والحياة الخ (المشارفة للهلاك ظاهرة، وأما مشارفة الحياة فقيل المراد الاستمرار على الحياة بعد وقعة بدر فيظهر صحة اعتبار معنى المشارفة في الحياة أيضاً، وإنما قال: المراد ذلك لأنّ من حيّ مقابل لمن هلك، والظاهر أن عن بمعنى بعد كقوله تعالى: {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [سورة المؤمنون، الآية: 40] وقيل: لما لم يتصوّر أن يهلك في الاستقبال من هلك في الماضي حمل من هلك على المشارفة فيرجع إلى الاستقبال، ولذا قال في بيان المعنى ليموت الخ، وكذا لما لم يتصوّر أن يتصف بالحياة المستقبلة من اتصف بها في الماضي حمل على المشارفة ليكون مستقبلا أيضا لكن يلزم منه أن يختص بمن لمن يكن حياً إذ ذاك فيحمل على دوام الحياة دون الاتصاف بأصلها، فالمعنى لتدوم حياة من أشرف لدوامها كما أشار إليه المصنف بقوله، ويعيش من يعيش الخ، ولا يجوز أن يكون المعنى لتدوم حياة من حيّ في الماضي لأن من حيئ حينئذ يصدق على من هلك فلا تحصل المقابلة، ولقائل أن يقول: لما كان نزول هذه الآية بعد بدر صح التعبير بالماضي لحصول هلاك من هلك، وتبقية من بقي وقت النزول والاستقبال بالنظر إلى الجمع لتأخرهما عنه فلا حاجة إلى التأويل بالإشراف فتأمّل. قوله:) أو من هذا حاله في علم الله وقضائه) حاصله اعتبار المعنى باعتبار علم الله وقضائه وبه يندفع المحذور السابق، وهذا عبارة عما ذكر
من الحياة والهلاك. قوله: (وقرىء ليهلك بالفتح) قرأها الأعمش، وعصمة عن أبي بكر عن عاصم، وقياس ماضيه هلك بالكسر والمشهور فيه الفتح كقوله:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [صورة النساء، الآية: 176] وقد سمع في فعله هلك يهلك كضرب يضرب ومنع وعلم كما في القاموس، وقال ابن جني في المحتسب: إنها شاذة مرغوب عنها لأن ماضيه هلك بالفتح ولا يأتي فعل يفعل إلا إذا كان حرف الحلق في العين أو اللام فهو من اللغة المتداخلة، وقد تبعه الزمخشريّ في سورة الأحقاف. قوله:(للحمل على المستقبل) أي المضارع قال أبو البقاء: حيئ يقرأ بتشديد الياء وهو الأصل لتماثل الحرفين كشد ومد، ويقرأ بالإظهار، وفيه وجهان أحدهما أنّ حيّ حمل على المستقبل وهو يحيا فلما لم يدغم فيه لم يدغم في الماضي، وليس كذلك شدّ ومذ لإدغامه فيهما، والثاني أن حركة الحرفين مختلفة فالأولى مكسورة والثانية مفتوحة، واختلاف الحركتين كاختلاف الحرفين، ولذا أجازوا في
الاختيار ضبب البلد إذا كثر ضبابه، أو لأنّ الحركة الثانية عارضة تزول في نحو حييت، وهذا في الماضي، أما إذا كانت حركة الثاني حركة إعراب فالإظهار فقط. قوله:(بكفر من كفر وعقابه) المراد بالأمرين الإيمان والكفر واشتمالهما على الاعتقاد واشتمال الإيمان على القول ظاهر لاشنراط إجراء الأحكام بكلمتي الشهادة، واشتمال الكفر على القول بناء على المعتاد فيه أيضا، وليس الأمر على التوزيع كما توهم، وقيل: المراد بالأمرين الهلاك والحياة فإن الحيّ له قول واعتقاد، كما أنّ المشرف على الحياة كذلك وليس بشيء. قوله:(مقدّر باذكر أو بدل ثان من يوم الفرقان الخ (معنى تقديره باذكر أنه ظرف له أو مفعول كما مرّ، ولذا لم يقل نصب باذكر ليصدق على المذهبين وتعلقه بعليم لا يخفى ما فيه، وقوله: (في عينك في رؤياك الخ) في رؤياك يحتمل الحالية والبدلية، والرؤية مصدر رأي البصرية في اليقظة، والرؤيا مصدر رأي الحلمية وهو المراد هنا. فيكون أي أثر إخباره، وقوله:(لجبتتم) من الجبن مضموم العين لأنه من أفعال السجايا، والفشل بمعنى الجبن، وفي الكشاف وعن الحسن في منامك في عينك لأنها مكان النوم كما قيل للقطيفة المنامة لأنه ينام فيها: وهذا تفسير فيه تعسف، وما أحسب الرواية صحيحة فيه عن الحسن وما يلائم علمه بكلام العرب وفصاحته، ولهذا تركها المصنف رحمه الله. ووجه التعسف أنّ المنام شاع بمعنى النوم مصدر ميمي لا في المحل الذي ينام فيه الشخص النائم، فالحمل على خلافه تعسف، ولا نكتة فيه وما قيل: أنّ فائدة العدول الدلالة على الأمن الواقع فيه لما غشيهم النعاس فليس بشيء لأنّ التقييد بذلك النوم في تلك الحالة لا دليل عليه، فهو تجوّز بعيد خال عن الفائدة مع شهرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رآه في المنام وقصه على أصحابه رضي الله عنهم، فلا يعارضحه كون العين مكان النوم نظراً إلى الظاهر. قوله:(وهو أن تخبر الخ (كان الظاهر وهي أي المصالح، ولكنه راعى فيه الخبر أي المصالح ما! منها إخبارك لهم فلا تقدير فيه ولا إشكال كما قيل. قوله: (تعالى لفشلتم) جمع ضممير الخطاب في الجزاء مع إفراده في الشرط إشارة إلى أنّ الجبن معرض لهم لا لهءسي! إن كان الخطاب للأصحاب فقط، وان كان للكل فيكون من إسناد ما للأكثر للكل. قوله:(يعلم ما سيكون فيها الخ) قيل: قيده بالمستقبل لأنه تعليل لأمور مستقبلة من الجبن والتسليم ونحوه، وقوله: فيها إشارة إلى أنّ معنى ذات الصدور ما فيها من الخواطر التي جعلت كأنها مالكة للصدور. وقوله:
وقليلا حال الخ أخره ليعلم به حال ما قبله من قليل وكثير. قوله: (وإنما فللهم الخ (تثبيتأ علة للتقليل في المرأى وكذا تصديقا، وأكلة جزور ومثل في القلة كآلكة رأس أي أنهم لقلتهم يكفيهم ذلك وآكلة بوزن كتبة جمع أكل بوزن فاعل والجزور الناقة. قوله: (وقللهم في أعينهم الخ) يعني حكمه تقليل الكفرة في أعين المؤمنين ما مرّ، وتقليلهم في أعين الكفار كان في ابتداء الأمر لجترؤوا أي تحصل لهم الجراءة عليهم، ويتركوا الاستعداد والاستمداد، والتحام القتال بالحاء المهملة دخول بعض القوم في بعض كلحمة الثوب، ثم بعد ذلك رأوهم كثيراً لتفجأهم الكثرة، وفي نسخة لتفاجئهم أي لتقع لهم فجأة وبغتة فيكون لهم بهتة وتحير وضعف قلوب وضمير يرونهم للمؤمنين وضمير مثليهم للمؤمنين أو للكافرين، والظاهر الثاني. قوله: (وهذا من عظائم آيات تلك الوقعة الخ (إشارة إلى أنّ
الرؤية وسائر الادراكات بمحض خلقه تعالى، ولا يجب وقوعها عند تحقق ما يجعله الحكماء شرطا، ولا يمتنع عند فقد بعضها، وفي الانتصاف وهي مبطلة لمذهب منكري الرؤية لفقد شرطها، وهو التجسم ونحوه لكنه قيل في الحصر المذكور نظر لاحتمال أن يحدث الله في عيونهم ما يستقلون له الكثير كما أحدث في عيون الحوّل ما يرون له الواحد اثنين كما في الكشاف، ولا يلزم أن يكون منامه على الخلاف الواقع لأنه في مقام التعبير، والقلة معبرة بالمغلوبية، والواقعة منها ما يقع بعينه، ومنها ما يعبر ويؤوّل، وقيل ما ذكر من التعليل مناسب لتقليل الكثير لا لتكثير القليل، وأنت خبير بأن تكثير القليل بكون الملائكة عليهم الصلاة والسلام معهم ومن جانب الكفرة حقيقة فلا يحتاج إلى توجيه فيهما، وإنما المحتاج إليه تقليل الكثير ولذا اقتصر عليه، وترك الوجه الثاني لأنه في التكثير، وبه يتضح وجه الحصر، والاقتصار فافهم.
قوله: (لاختلاف الفعل المعلل به (وهو في الأوّل اجتماعهم بلا ميعاد، وهنا تقليلهم، ثم تكثيرهم. قوله: (حاربتم جماعة الخ (فسر اللقاء بالحرب لغلبته عليه كما ذكره، ولم يصف
الفئة بأنها كافرة لأنه معلوم غير محتاج إلى ذكره، وقيل ليشمل قتال البغاة ولا ينافيه خصوص سبب النزول، وقوله:(للقائهم) اللام للتوقيت أي في وقت لقائهم أي قتالهم، ومن الكلمات الواهية هنا ما قيل على المصنف إنّ الانقطاع معتبر في معنى الفئة لأنها من فاوتته رايته أي قطعته، والمنقطع عن المؤمنين إما كفار أو بغاة، ثم قال: مستسمنا ذا ورم ومن لم يقف على هذه الدقيقة الأنيقة قال لم يصفها لأنّ المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار، وهذا مما لا حاجة إلى ردّه، وكذا ما قيل الأولى حذف قوله مما لأنّ له نظار مشهورة كالنزال. قوله:(في مواطن الحرب داعين له الخ) وهذا يقتضي استحباب الدعاء والذكر في القتال، ومنه التكبير، وقيل يستحب إخفاؤه ولذا قيل المراد بذكره أخطاره بالقلب وتوقع نصره، وفي الحديث:" لا تمنوا لقاء العدوّ اسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله كثيرا فإن أجلبوا وضجوا فعليكم بالصمت () 1 (، وهذا من عدم الوقوف على كتب السنة، وفي كتاب الدعوات للبيهقي أدعية مأثورة في القتال كقوله: " اللهم أنت ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم ييدك فاقتلهم واهزمهم " وأحاديث أخر في معناه، وقوله: بشراشره: أي بجملته وكليته وبقيته، وهو جمع شرشرة بمعنى طرف فهو كقو لهم برّمته وأسره. قوله:(جواب النهي (أي منصوب بأن مقدرة في جوابه، أو هو معطوف عليه فيكون مجزوماً وما يدل عليه قراءة عيسى بن عمر ويذهب بباء الغيبة والجزم كما في الكشاف، ولعدم مدخلية القراءة بالياء في الدلالة على العطف اقتصر المصنف على الجزم، وقيل كان عليه ترك قيل لأنه على هذه القراءة مجزوم عند الكل لا عند البعض ومراده بقيل على غير قراءة الجزم لأنه في توجيه قراءة الجمهور. قوله: (والريح مستعارة للدولة) يعني استعير الريح للدولة لشبهها به في نفود أمرها، وتمشيته فيقال هبت رياج فلان إذا كانت له دولة قال الشاعر:
إذاهبت رياحك فاغتنمها فإنّ لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها فما تدري السكون متى يكون
وقيل في وجه الشبه إنه عدم ثباتها. قوله: (وقيل المراد بها الحقيقة الخ) يعني أن علامة النصر أن تهب ربح من جانب المقاتلين في وجوه الأعداء فيكون الريح لنصرة من تهب من جانبه، ولعدمه لمن قابلتة، وهذا مروقي عن قتادة كما ذكره الطيبي رحمه الله تال: لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدوّ، وقد أخرجه ابن أبي حاتم عن زيد بن عليّ رضي الله عنهما وهو مشهور الآن بين الناس فيكون حقيقة، أو كناية عن النصر، وكان النبيّ ع! ي! إذا لم يقاتل أوّل النهار انتظر حتى تميل الشمس، ومنهم من توهمه مطلقأ فينا في إهلاك عاد بالدبور فقال إهلاكهم كان نصرة لهود علي الصلاة والسلام، والصبا ريح تهبّ في المستوى من مطلع الشمس ويقابلها الدبور، والكلاءة بالمذ كالحراسة لفظاً ومعنى. قوله:(وفي الحديث نصرت بالصبا الخ () 1 (أخرجه البخاريّ، ومسلم عن ابن
عباس رضي الله عنهما. قوله: (بطرا فخراً وأشراً الخ (البطر والأشر بفتحتين النشاط للنعمة، والفرج بها ومقابلة النعمة بالتكبر، والخيلاء والفخر بها. قوله: (ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة الخ) جوّز في نصب بطراً وما عطف عليه أن يكون على أنه مفعول له، وأن يكون حالاً بتأويل بطرين مرائين، وكلامه هنا ظاهر في الأوّل! ، وما قيل إنّ الوجه أن يقال كما في بعض التفاسير إنهم خرجوا لنصرة العير بالقيان، والمعازف فنهى الله المؤمنين أن يكونوا مثل هؤلاء بطرين طربين مرائين بأعمالهم لا ما ذكره المصنف رحمه الله فإنه لا يصلح وجهاً لخروجهم من مكة بطرين مرائين، ولا مخالفة بينهما، والأمر فيه سهل فلا حاجة إلى التطويل بغير طائل، وقوله تعزف من العزف بعين مهملة مفتوحة وزاي معجمة ساكنة وفاء، وهو الطرق، والضرب بالدفوف، والقينات جمع قينة، وهي الجارية مطلقأ والمراد بها المغنية وقوله فوافوها أي فجاؤوا بدرأ، وسقوا كأس المنايا أي بدل الخمور، وناحت عليهم النوائح أي بدل المغنيات، وكانت أموالهم غنائم بدلاً عن بذلها وكون
الأمر بالشيء نهيا عن ضدّه محل الكلام عليه بالأصول، وقوله: (من حيث الخ (للتعليل فإنّ حيث في عباراتهم للإطلاق والتقييد والتعليل كما مرّ. قوله: (معطوف على بطرا الخ (أما إن كان حالاً بتأويل اسم الفاعل أو بجعله مصدر فعل هو حال فالعطف ظاهر لأن الجملة تقع حالاً من غير تأويل، وأما إن كان مفعولأ له والجملة لا تقع مفعولاً له فيحتاج إلى تكلف، وهو أن يكون أصله أن تصدوا فلما حذفت أن المصدرية ارتفع الفعل مع القصد إلى معنى المصدرية بدون سابك كقوله:
ألا أيهذا الراجزي أحضر الوغا
وهو شاذ ولم يذكره النحاة فالأولى جعله على هذا مستأنفا، ونكتة التعبير بالاسم أوّلاً،
ثم الفعل أنّ البطر والرياء دأبهم بخلاف الصد فإنه تجدد لهم في زمن النبوّة. قوله:) مقدّر باذكر (قيل الظاهر اذكروا لأنه معطوف على لا تكونوا وليس هذا بأمر لازم وأجيب بأنه بيان لنوع العامل لا هذا بخصوصه أي يقدر فعل من هذه الماذة، وهو اذكروا وقد مرّ الكلام عليه مفصلاً. قوله:) بأن وسوس الخ) ذكر الزمخشرقي في التزيين هنا وجهين، الأوّل أنّ الشيطان وسوس لهم من غير تمثيل في صورة إنسان فالقول على هذا مجاز عن الوسوسة والنكوص، وهو الرجوع استعارة لبطلان كيده، وهذا هو الذي اختاره المصنف رحمه الله، ولذا قدمه، والثاني أنه ظهر في صورة إنسان لأنهم لما أرادوا المسير إلى بدر خافوا من بني كنانة لأنهم كانوا قتلوا منهم رجلا، وهم يطلبون دمه فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم فتمثل إبليس اللعين في صورة سراقة الكناني، وقال أنا جاركم من بني كنانة فلا يصل إليكم مكروه منهم فقوله وقال أنا جاركم على الحقيقة وسيأتي هذا الوجه، وقال الإمام: معنى الجار هنا الدافع للضرر عن صاحبه كما يدفع الجار عن جاره، والعرب تقول أنا جار لك من فلان أي حافظ لك مانع منه، ولذا قال: مقالة نفسانية أي بالوسوسة، وعند من نفى الكلام النفسيّ كالزمخشريّ فالكلام تمثيل كما قيل، وفيه نظر والروع بضم المهملة القلب أو سويداؤه، وقوله وأوهمهم الخ أي ليس قوله إني جار على الحقيقة، ولكم خبر لأنه لو تعلق به كان مطؤلاً فينتصب لشبهه بالمضاف، وقد أجاز البغداديون فتحه فعلى هذا يصح تعلقه به ومن الناس حال من ضمير لكم لا من المستتر في غالب لما ذكرنا وجملة إني جار لكم تحتمل العطف والحالية،
وقوله مجير لهم إشارة إلى أنه من قبيلى الإسناد إلى السبب الداعي، وإذا كان صفة فالخبر محذوف أي لا غالب كائنا لكم موجود، وصلته بمعنى متعلق به. قوله:(تلاقي الفريقان (فالترائي كناية عن التلاقي لأنّ النكوص عنده لا عند الرؤية، وقوله: (رجع القهقرى (هو معنى النكوص، وعلى عقبيه حال مؤكدة، وقيل إنه مطلق الرجوع فتكون مؤسسة وقوله أجما بطل كيده يعني أنه استعارة تمثيلية شبه بطلان كيده بعد تزيينه بمن رجع القهقرى عما يخافه وقوله وعاد ما خيل إليهم مجهولاً، وعاد بمعنى صار أي انقلب إلى عكس ما تخيلوا. قوله: (تبرّأمنهم وخاف عليهم الخ) جعل قوله إني بريء الخ عبارة عن التبري منهم لأنه ليس منه قول حقيقة أما على القول الأول فظاهر، وأما على الثاني فلما سيأتي في بيانه، والتبري منهم إمّا بتركهم أو بترك الوسوسة لهم، وقال خاف عليهم قيل لأنه لا يخاف على نفسه لأنه من المنظرين وفيه نظر لما سيأتي، وقوله: (وقيل (عطف على قوله مقالة
نفسانية، والأحنة بالكسر للهمزة وحاء مهملة ونون معناها الحقد كما مرّ، وقوله يثنيهم أي يصرفهم للرجوع عن قصدهم، وقوله: أتخذ لنا أي تترك معاونتنا. قوله: (وعلى هذا يحتمل أن يكون معنى قوله الخ) أصل قوله يصيبني مكروها يصيبني الله بمكروه فمكروهأ منصوب على نزع الخافض، وليس تفعيلا منه كما قيل والحامل له عليه تعديته، وليس في اللغة تفعيل منه، واعترض على قوله أو يهلكني الخ بأنه لا اختصاص له بالتفسير الثاني، ولا بقوله إذ رأى الخ لظهور تمشيته على التفسير الأول، ولا يخفى أن قال على الأول بمعنى وسوس وهر لا يوسوس إليهم بخوفه على نفسه بل عليهم، ولذا قال: في الأول خاف عليهم وهو ظاهر، وقوله: إذ رأى فيه ما لم ير قبله كما في حديث الموطأ رحم الله مؤلفه: " ما رؤكط الشيطان يوماً هو فيه أصغر، وأدحر ولا أحقر وأغيظ منه في يوم عرفة لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاورّ الله عن الذنوب العظام إلا ما رؤي يوم بدر لما رأى جبريل والملائكة عليهم
الصلاة والسلام معه " (ا! (ومن العجيب (ما في كتاب التيجان أن إبليس قتل ببدر وابن بحر هو الجاحظ. قوله:) وأن يكون مستانفاً) قيل الظاهر أنه من كلامه إذ على كونه مستأنفا يكون تقريرا لمعذرته، ولا يقتضيه المقام فيكون فضلة من الكلام، وهو غير وارد لأنه بيان لسبب خوفه لأنه يعلم ذلك، وهذا على الوجه الأوّل وكونه من كلامه على الثاني فتدبر. قوله:(والذين لم يطمئنوا الخ (تفسير للذين في قلوبهم مرض فالمرض مجاز عن الشبهة، وهم المؤلفة قلوبهم، وعلى ما بعده المرض الكفر أو النفاق. قوله:) والعطف لتغاير الوصفين (قيل يجوز أن يكون صفة المنافقين، وتوسطت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف لأن هذه صفة للمنافقين لا تنفك عنهم قال تعالى:{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أو تكون الواو داخلة بين المفسر والمفسر نحو أعجبني زيد وكرمه، وقيل في الرذ عليه العطف باعتبار تغاير الوصفين أي يقول الجامعون بين صفتي النفاق ومرض القلوب، وجعل الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف أو من قبيل أعجبني زيد وكرمه وهم.
(قلت (جعله وهما تحامل منه، فإنه لا مانع منه صناعة ولا معنى، وقد ذكره القائل على
وجه التجويز بناء على مذهب الزمخشرقي فانظر وجه الوهم فيه، فإن كان وجهه أنّ المنافقين جار على موصوف مقدر أي القوم المنافقون، فلا نسلم أنه متعين، ولأنه قد يقول إنه أجرى هنا مجرى الأسماء، مع أن الصفة لا مانع من أن توصف. قوله:) حين تعرّضوا لما لا يدي لهم الخ) يدي مثنى يد بمعنى القدرة أي لا طاقة لهم به، وهذا التركيب سمع من العرب بهذا المعنى، وحذفت نون التثنية منه كما أثبتت الألف في لا أباً لك لتقدير الإضافة فيه، وبه احتج يونس على أنه بمنزلة المضات كما فصل في مطوّلات كتب النحو، وزهاء بضم الزاي المعجمة والمد بمعنى قريب سواء كانوا أقل أو أكثر، والمراد بما يستبعده العقل نصرة قوم قليلي العدد والعدد على من تم لهم ذلك، وفسره به لاقتضاء المقام له. قوله: (ولو ترى ولو رأيت فإنّ لو تجعل المضارع الخ (قال النحرير: لا بد أن يحمل معنى المضيّ هنا على الفرض! ، والتقدير كأنه قيل قد مضى هذا المعنى، ولم تره ولو رأيته لرأيت أمراً فظيعا والا فظاهر أنه ليس المعنى
هاهنا على حقيقة المضيّ قيل والنكتة فيه القصد إلى تصوير أنّ رؤية المخاطب حال الكفار وقت ذلك مستمرّة الامتناع في الماضي استمرارا تجددياً وقتاً بعد وقت فالقصد إلى استمرار امتناع الرؤية وتجدده (وفيه بحث الأنه لا مانع من كون الرؤية في الماضي لأنه ليس المراد بها رؤية واقعة حتى يتأتى ما ذكروه، والمضيّ في الحقيقة للرؤية الممتنعة بل لامتناع الرؤية الماضية في الدنيا فما الداعي إلى هذه التكلفات فتأمّل. قوله: (والملائكة فاعل يتوفى) ولم يؤنث لأنه غير حقيقيّ التأنيث وحسنه الفصل بينهما، وقوله:(الفاعل ضمير الله) أي فاعلى يتوفى والملائكة على هذا مبتدأ خبره جملة يضربون والجملة الاسمية مستأنفة، وعند المصنف رحمه الله حالية واعترض عليه بأنه ذكر في أوّل الأعراف أنه لا بد في الاسمية من الواو وتركها ضعيف، وقد مرّ الكلام فيه. قوله:(وهو على الأوّل الخ) أي يضربون ويحتمل الاستئناف أيضاً والمراد بالأوّل الوجه الأوّل، وهو كون الملائكة فاعل يتوفى، وهو إئا حال من الفاعل أو المفعول أو منهما لاشتماله على ضميريهما، وهي مضارعية يكتفي فيها بالضمير. قوله:(ظهورهم وأستاههم) يعني الدبر ما أدبر وهي كل الظهر أو بعضه
كما اختص به في عرف اللغة، ولعل المراد بذكرهما التخصيص بما لأنه أشد نكالاً واهانة كما ذكره الزمخشرفي، أو المراد التعميم على حد قوله:{بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [سورة الأعراف، الآية: 205] لأنه أقوى ألما. قوله: (بإضمار القول أي ويقولون ذوقوا الخ أليس التقدير لمجرّد الفرار من عطف الإنشاء على الخبر بل لأنّ المعنى يقتضيه لأنه من قول الملائكة قطعا قيل، ويحتمل أن يكون من كلام الله عز وجل، كما مرّ في آل عمران ونقول ذوقوا عذاب الحريق فقول البحر قطعاً فيه نظر، وعندي أنه لا وجه له فإنّ السياق يعين ما قاله، وبينهما وبين تلك الآية فرق ظاهر، وجعل بشارة لأنّ المراد به عذاب الآخرة فإن أريد به ما أحرقوا به حالة الضرب فهو للتوبيخ وقوله بشارة تهكم إشارة إلى أن قوله ذوقوا من التهكم لأنّ الذوق يكون في المطعومات المستلذة غالبا وفيه نكتة أخرى، وأنه قليل من كثير يعقبه، وأنه مقدمة كأنموذج الذائق، وبهذا الاعتبار يكون فيه المبالغة وإن أشعر الذوق بقلته. قوله: (وجواب لو محذوف لتفظيع الأمر وتهويله) إشارة إلى أنه يقدّر لرأيت أمراً فظيعا كما اشتهر تقديره به، وقدره الطيبي رحمه الله لرأيت قوّة أوليائه ونصرهم على
أعدائه. قوله: (بسبب ما كسبتم الخ) إشارة إلى أن الباء سببية وأق تقديم الأيدي مجاز عن الكسب، والفعل وقوله عطف على ما فهي موصولة والعائد محذوف. قوله:(للدلا لة على أن السببية مقيدة الخ) جعل في الكشاف كلاً منهما سبباً بناء على مذهبه في وجوب الأصلح، ولذا عدل عنه المصنف رحمه الله وأشار إلى ردّه بأنّ السبب هو الأوّل وهذا قيد له وضميمة بها يتم، ووجه كونه ضميمة بقوله إذ لولاه الخ فقوله لا أن لا يعذبهم بذنوبهم معطوت على قوله أن يعذبهم، والمعنى أن سبب هذا القيد دفع احتمال أن يعذبهم بغير ذنوبهم لا احتمال أن لا يعذبهم بذنوبهم فإنه أمر حسن عقلاً وشرعا فقوله للدلالة على أنّ السببية وفي نسخة سببيته الخ أي تعيينه للسببية إنما يحصل بهذا التقييد إذ بإمكان تعذيبهم بغير ذنب، يحتمل أن يكون سبب الت! ذيب إرادة العذاب بلا ذنب فحاصل معنى الآية أنّ عذابكم له إنما نشأ من ذنوبكم لا من شيء آخر فلا يرد عليه ما قيل كون تعذيب الله العباد بغير ذنب ظلماً لا يوافق مذهب أهل السنة، لا يقال هذا يخالف ما قاله في سورة آل عمران من أنّ سببيته للعذاب من حيث إن نفي الظلم يستلزم العدل المقتضى إثابة المحسن، ومعاقبة المسيء، لأنا نقول لنفي الظلم معنيان، أحدهما ما ذكر من آثابة المحسن الخ والآخر عدم التعذيب بلا ذنب، وكل منهما يؤول إلى معنى العدل فلا تدافع بين كلاميه كما قيل، وأما جعله هناك سببا وهنا قيداً للسبب فلا يوجب التدافع أيضا فإن المراد بالسبب الوسيلة المحضة، فهو وسيلة سواء اعتبر سببا مستقلا أو قيداً للسبب، ومنه تعلم سقوط ما قيل على المصنف رحمه الله أنّ إمكان تعذيبه تعالى لعبده بغير ذنب، بل وقوعه لا ينافي تعذيب هؤلاء الكفرة المعينة بسبب ذنوبهم حتى يحتاج إلى اعتبار عدمه لعدم الاطلاع على مراده، ثم قال: لو كان المذعي أنّ جميع تعذيباته تعالى بسبب ذنوب المعذبين لاحتيج إلى ذلك، وهذا أيضا من عدم الوقوف على مراده فإن الاحتياج إلى ذلك القيد في كل من الصورتين إنما هو لتبكيت المخاطبين في الاعتراف بتقصيرهم بأنه لا سبب للعذاب إلا من قبلهم فالقول بالاحتياج في صورة عموم الخطاب لجميع المعذبين، وبعدمه في صورة خصوصه ركيك جداً، وقيل في بيانه إنه يريد أنّ سببية الذنوب للعذاب تتوقف على انتفاء الظلم منه تعالى، فإنه لو جاز صدوره عنه لأمكن أن يعذب عبيده بغير ذنوبهم، فلا يصلح أن يكون الذنب سبباً للعذاب لا في هذه الصورة ولا في غيرها، فان قلت لا يلزم من هذا إلا نفي انحصار السبب للعذاب في الذنوب، لا نفي سببيتها له والكلام فيه إذ يجوز أن يقع العذاب في الصورة المفروضة بسبب غير الذنوب، ولا ينافي هذا كونها سببا له في غير هذه الصورة كما في أهل بدر فلا يتم الترتيب، قلت السبب المفروض! في الصورة المذكورة، إن أوجب استحقاق العذاب يكون ذنبا لا محالة والمفروض خلافه، وان لم يوجبه فلا يتصوّر أن يكون سبباً إذ لا معنى لكون شيء سبباً إلا كونه مقتضياً لاستحقاقه فإذا انتفى هذا ينتفي ذلك،
وبالجملة فمآل كون التعذيب من غير ذنب إلى كونه بدون السبب لانحصار السبب فيه ا!.
وردّ بأنّ قوله وان لم يوجبه فلا يتصوّر أن يكون سبباً ممنوع فإن
السبب الموجب ما
يكون مؤثراً في حصول شيء سواه كان عن استحقاق أو لا، ألا ترى أنّ الضرب والقتل بظلم سبب للإيلام والموت مع أنه ليس عن استحقاق، فاعتراض! السائل واقع في موقعه، ولا يمكن التقصي عنه إلا بما قرّرنا. من أنّ معنى الآية ذلك العذاب بكسب أيديكم لا لشيء آخر من إرادة التعذيب بلا ذنب فانه تعالى ليس بظلام فالمقام مقام تعيين السببية، وتخصيصها للذنوب وذلك لا يحصل إلا بنفي صدور العذاب بلا ذنب منه تعالى، ومن هنا علم أنّ قوله وبالجملة الخ ليس بسديد فإنّ مبناه كون الاستحقاق شرطا للسببية، وقد مرّ ما فيه لمختار أجلة المفسرين من كون نفي الظلم سبباً آخر للتعذيب لأنّ سببية نفي الظلم موقوفة على إمكان إرادة التعذيب بلا ذنب، وكونها سبباً للعذاب فكيف يكون مآل كون التعذيب بلا ذنب كونه بدون سبب فتأمّل. قوله:(ينتهض الخ) قيل هذا ينافي ما ذكر في آل عمران، وقد علصت جوابه، وقيل إنه قد يتحقق بالعفو إذ ليسا بطرفي نقيض عندنا فلا يتم ما ذكره، وقد عرفت ما فيه، ثم إنه قيل ما في آل عمران ظاهر البطلان فإنّ ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا ولا عقلاً لينتهض نفي الظلم سببا للتعذيب، ومنشؤه عدم الفرق بين السبب، والعلة الموجبة والفرق واضح، فإن السبب وسيلة غير موجبة لحصول المسبب بخلاف العلة، والعدل اللازم من نفي الظلم سبب العذاب المستحق، وإن لم توجبه فالاستدلال بعدم الإيجاب على عدم المسبب فاسد، ولبعض أهل العصر فيه كلام تركناه خوف الإطالة ثم إن قول المصنف رحمه الله ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم لا ينتهض على المعتزلة إلا أن يقال إنه كلام تحقيقي وان لم يسلموه فتأمل. قوله:(وظلام للتكثير الخ) جواب ما قيل إنّ نفي نفس الظلم أبلغ من نفي كثرته ونفي الكثرة لا ينفي أصله بل ربما يشعر بوجوده، ورجوع النفي للقيد بأنه نفي لأصل الظلم، وكثرته باعتبار آحاد من ظلم كأنه قيل ظالم لفلان، ولفلان وهلمّ جزاً فلما%! مع هؤلاء عدل إلى ظلام لذلك أي لكثرة الكمية فيه، وقد أجيب بوجوه منها أنه إذا انتقى الظلم الكثير انتفى الظلم القليل لاًنّ من يظلم يظلم للانتفاع بالظلم، فإذا ترك كثيره مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع، والضر كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركا وبأنّ ظلام للنسب كعطار أي لا ينسب إليه الظلم أصلا وبأنّ كل صفة له تعالى في أكمل المراتب فلو كان تعالى ظالماً كان ظلاما فنفي اللازم لنفي الملزوم، وبأنّ نفي الظلام لنفي الظالم ضرورة أنه إذا انتفى الظلم انتفى كماله فجعل نفي المبالغة كناية عن نفي أصله انتقالأ من اللازم إلى الملزوم، فإن قلت لا يلزم من كون صفاته تعالى في أقصى مراتب الكمال كون المفروض ثبوته كذلك بل الأصل في صفات النقص على تقدير ثبوتها أن تكون ناقصة، قلت إذا فرض! ثبوت صفة له تعالى يفرض! بما يلزمها من الكمال، والقول بأنّ هذا في صفات الكمال إنما يوجب عدم ثبوتها لا ثبوتها ناقصة، وأجيب
أيضا بأنّ استحقاقهم العذاب بلغ الغاية بحيث لولاه لكان تعذيبهم غاية الظلم، وهو الذي ارتضاه في الكشاف وأيده في الكشف وأيضاً لو عذب تعالى عبيده بدون استحقاق، وسبب لكان ظلماً عظيما لصدوره عن العدل الرحيم. قوله:(أي دأب هؤلاء الخ) الدأب إدامة السير، والدأب العادة المسمرة، وهو المراد هنا كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى وأشار إلى أنه خبر مبتدأ مقدر وهو دأب هؤلاء وتفسير الكاف بمثل لا يقتضي أنها اسم كما قيل. قوله:(تفسير لدأبهم) أي للدأب المشبه، والمشبه به لأنه لبيان وجه الشبه كما سيأتي فتكون الجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب، وقيل إنها مستأنفة استئنافا نحويا أو بيانياً، وقيل حالية بتقدير قد. قوله:) كما أخذ هؤلاء) المقصود بيان اشتراكهما في الأخذ لا التشبيه حتى يقال إنه تشبيه مقلوب. قوله: (لا يغلبه في دفعه شيء) تفسير للقوى المضموم إليه شديد العقاب أي لا يغلبه غالب فيدفع عقابه عمن أراد معاقبته وما حل بهم هو الانتقام بتعذيبهم، وقوله مبدلاً إشارة إلى أنه تغيير خاص بتبديل إلى ضدّه فإنّ التغيير شامل لغيره، وقوله ما بهم إشارة إلى أنّ المراد بالأنفس الذوات. قوله:(1 لى حال أسوأ كتغيير قريش الخ) في الكشاف في دفع السؤال بأنهم لم يكن لهم حال مرضية غيروها إلى حال مسخوطة إنه كما تغير الحال المرضية إلى المسخوطة تغير الحال المسخوطة إلى أسخط منها، وأولئك كانوا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم
كفرة عبدة أصنام فلما بعث-لمجي! إليهم الآيات البينات فكذبوه وعادوه، وتحزبوا عليه ساعين في إراقة دمه غيروا حالهم إلى أسوأ مما كانت فغير الله ما أنعم به عليهم من الإمهال، وعاجلهم بالعذاب، والمصنف رحمه الله اختصر كلامه فورد عليه أن أسوأ لا حاجة إليه فإن صلة الرحم والكف عن تعرض! الآيات والرسل ليست بحال سيئة، وهي التي غيروها إلا أن يقال قوله في صلة الرحم، والكف ليس بياناً للحال بل الحال هي الكفر ولكن لاقترانها بما ذكر لم تكن أسوأ بل سيئة، وقيل إنهم لما كانوا متمكنين من الإيمان، ثم لم يؤمنوا كان ذلك كأنه حاصل لهم فغيروه كما قيل في قوله أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى وهو وجه حسن.
قوله: (وليس السبب عدم تنيير الله ما أنعم الخ (لما كان منطوق الآية أنّ سبب ما حل
بهم عدم تغيير ما أنعم الله به على قوم حتى يغيروا وانتفاء تغيير الله حتى يغيروا لا يقتضي تحقق
تغييره إذا غيروا، والعدم ليس سببا للوجود هنا وأيضا عدم التغيير صارف عما حل بهم لا مر جب له بحسب الظاهر أشار إلى أنّ السبب ليس منطوق الآية بل مفهومها، وهو تغيير نعمة من غير، وإنما آثر التعبير بذلك لأنّ الأصل عدم التغيير من الله لسبق إنعامه ورحمته لأنّ الأصل فيهم الفطرة، وأما جعله عادة جارية فبيان لما استقرّ عليه الحال من ذلك لا أنّ كونه عادة له دخل في السببية فتدبر. قوله:(وأصل يك الخ) شبه النون بحروف العلة أنها من الزوائد وحروف العلة تحذف من آخر المجزوم فلذا حذفت هذه، وهو مختص بهذا الفعل لكثرة استعماله. قوله:(تكرير للتثيد ولما نيط به الخ) أي لم علق بالثاني تعليقا معنو أي ذكر معه، والحاصل أنّ الدأب المشبه والمشبه به هنا فأما الأوّل أو مغاير له فعلى الأوّل يكون تكريراً للتأكيد وليس تكريراً صرفا لما فيه من الزيادة، والتغيير لأنه يدلّ على أنهم كفروا نعمه، وهو مربيهم المنعم عليهم بجميع النعم كما يدل عليه لفظ الرب، ولذا لم يقل كذبوا ولا بآياته وفيه بيان للأخذ بالإهلاك والإغراق وقيل لأنّ الآيات نعم فتكذيبها كفران بها وأيضاً الرب مفيض النعم فتكذيب آياته كفران لنعمه والأوّل أولى فتدبر. قوله:(وقيل الآوّل لتشبيه الكفر والأخذ الخ) فيتغاير التشبيهان ولا يكون تأكيداً، قال في الفرائد هذا ليس بتكرير لأنّ معنى الأوّل حال هؤلاء كحال آل فرعون في الكفر فأخذهم، وآتاهم العذاب ومعنى الثاني حال هؤلاء كحال آل فرعون في تغييرهم النعم، وتغيير الله حالهم بسبب ذلك التغيير، وهو أنه أغرقهم بدليل ما قبله، وقيل إن النظم يأباه لأنّ وجه التشبيه في الأوّل كفرهم المترتب عليه العقاب فينبغي أن يكون وجهه في الثاني قوله كذبوا الخ لأنه مثله إذ كل منهما جملة مبتدأة بعد تشبيه صالحة لأن تكون وجه الشبه فتحمل عليه، كقوله تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [سورة آل عمران، الآية: 59] وأما قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً} [سورة الأنفال، الآية: 53] الخ فكالتعليل لحلول النكال معترض بين التشبيهين غير مختص بقوم فجعله وجا للتشبيه بعيد عن الفصاحة، وهذا وجه تمريضه فتأمّل. قوله:(وكل من الفرق المكذبة الخ) يعني المراد كل من كفر وكذب بآيات الله أو المراد به آل فرعون وكفار تريش لأنّ ما قبله في تشبيه دأب كفرة قريش بدأب آل فرعون صريحاً وتعييناً، ويكفي مثله قرينة لذلك فلا يرد ما قيل إنه لا وجه للتخصيص مع أنّ السياق يقتضي شموله للمشبه والمشبه به، أو للمشبه به، وهم آل
فرعون ومن قبلهم فتأمّل، وقوله أنفسهم إشارة إلى تقدير المفعول، ولو عممه لكان له وجه. قوله:(أصروا على الكفر الخ (فسره به لأنّ مجرّد الكفر لا يخبر عن المتصف به بأنه لا يؤمن. قوله: (ولعله إخبار عن قوم مطبوعين الخ) تبع الزمخشري أوّلا في تفسير لا يؤمنون بلا يتوقع منهم الإيمان، ثم ذكر وجها آخر، وهو أن معنى لا يؤمنون أنهم مطبوعون على الكفر مصرون عليه، ولا يظهر الفرق بينهما، وقوله والفاء للعطف على الوجهين، ووجه التنبيه المذكور جعله مترتباً ترتب المسبب على سببه ولو جعل من تتمة الثاني لترتب عدم الإيمان على الطبع لا على الإصرار لأنه عينه كان أوجه. قوله:(بدل من الذين كفروا الخ) جوّزوا في هذا الموصول الرفع على البدلية من الموصول قبله أو على النعت له فيخص الموصول الأوّل وحينئذ يصح أن يكون بدل كل أيضا ما قيل إنه لا وجه له غير صحيح أو عطف البيان والرفع على الابتداء، والخبر والنصب على الذمّ، ومعنى يمالؤوا يعاونوا
ويساعدوا وأصل معناه يصيرون من ملئهم وقومهم، وقوله كعب بن الأشرف قيل المعاهد إنما هو كعب بن أسد سيد بني قريظة، وهذا منقول عن البغوي وخطأ ما وقع هنا، وحالفهم بالحاء المهملة أي عاهدهم على حربه ع! ب!. قوله:) ومن لتضمن المعاهدة معنى الأخذ) وفي نسخة لتضمين وهو التضمين المصطلح أي عاهدت آخذاً منهم والا فالمعاهد متعذية بنفسها، وقيل المعنى إنه في ضمنه لاشتهار أخذ عليه عهداً فلكونه من لوازمه جعل متضمنا له ولا حاجة إليه، وقال أبو حيان رحمه الله من تبعيضية وقيل زائدة على كون المراد بالمرّة مرة المعاهدة المراد التي بعدها، وعلى كون المراد المحاربة يكون النقض واقعا فيها. قوله:(سبة الغدو) السبة بضم السين المهملة وباء موحد مشددة العار الذي يسب به، والمغبة بالفتح العاقبة من الغب بالإعجام، والغدر نقض العهد وضمير فيه لنقض العهد. قوله:(فإما تصادفنهم وتظفرن بهم) الثقف يفسر الإدراك والمصادفة وبالظفر والظفر إنما يكون بعد الملاقاة فأشار إلى أن المراد به الظفر المترتب على الملاقاة لأنه الذي يترتب عليه التشريد، وفلا يقال حق التعبير أو الفاصلة لتغاير المعنيين كما في كتب اللغة، وقوله عن مناصبتك بالصاد المهملة والباء الموحدة أي معاداتك ومحاربتك، ومنه الناصبة ونكل بالتشديد
بمعنى أوقع النكال وبقتلهم تناعه فرق، ونكل وقوله على اضطراب أي مع إزعاج. قوله:(وقرىء شرذ بالذال المعجمة) وهو بمعنى المهملة، واختلف في هذه الماذة فقال ابن جني إنها مهملة لا توجد في كلام العرب فلذا قيل إنه إبدال لتقارب مخرجيهما، وقيل: إنه قلب من شذر ومنه شذر مذر للمتفرق، وذهب بعض أهل اللغة إلى أنها موجودة ومعناها التنكيل ومعنى المهمل التفريق كما قاله قطرب لكنها نادرة، وقوله ومن خلفهم أي قرىء من خلفهم بكسر الميم، وهي من الجارّة. قوله:(والمعنى واحد) أي في قراءتي الكسر والفتح، وهو منزل منزلة اللازم كما أشار إليه بقوله فعل التشريد وجعل الوراء ظرفا فالتقارب معنى من وفي تقول اضرب زيدا من وراء عمرو ووراء عمرو بمعنى في ورائه، وليس هذا من قبيل يجرح في عراقيبها إذ ليس الظرف مفعولاً به في الأصل إلا في مجرّد تنزيله منزلة اللازم والحاصل أنّ التشريد وراءهم كناية عن تشريدهم في الوراء فتوافق القراءتان وقوله لعل المشرّدين بصيغة المفعول وهم من صادفهم أو هم من خلفهم. قوله:(معاهدين الخ) المعاهدة تؤخذ من الخيانة والنبذ الطرج وهو مجاز عن إعلامهم بأن لا عهد بعد اليوم فشبه العهد بالشيء الذي يرمي لعدم الرغبة فيه، وأثبت النبذ له تخييلا ومفعوله محذوف وهو عهدهم. قوله:(على عدل وطريق قصد الخ) على سواء إمّا حال من الفاعل أي أنبذها وأنت على طريق قصد أي مستقيم أي ثابتا على عهدك فلا تبغتهم بالقتال بل أعلمهم به، وإمّا حال من الفاعل أو المفعول بالواسطة أو منهما معاً أي كائنين على استواء أي مساواة في العلم بذلك أو في العداوة، وسواء صفة موصوت محذوف أي على طريق سواء والطريق مجاز عن الحال التي هم عليها، وقوله ولا تناجزهم أي تعاجلهم في المحاربة بأن تحاربهم قبل أن تظهر إليهم نبذ العهد، وقوله على الوجه الأوّل أي كونه بمعنى عدل، وقوله أو منه أي النابذ ولزوم ذلك إذا لم تنقض مدة العهد أو يظهر نقضهم للعهد، ولذلك غز النبيّ صلى الله عليه وسلم أهل مكة من غير نبذ ولم يعلمهم لأنهم كانوا انقضوا العهد بمعاونتهم بني كنانة على قتل خزاعة حلفاء النبيّ كيرو كما ذكره الجصاص (قلت) وقوله تخافن صريح فيه أي والسواء ورد في كلامهم بمعنى العدل كقوله:
حتى يجيبوك إلى السواء
والمراد بالخوف خوف إيقاع الحرب ونقض العهد فلا وجه لما قيل إن الأولى تركه.
قوله:) تعليل للأمر بالنبذ الخ) ويحتمل أن يكون طعناً في الخائنين الذين عاهدهم الرسول لمجح وعلى طريقة الاستئناف متعلق بقوله تعليل. قوله: (خطاب للنبئ صلى الله عليه وسلم أو لكل سامع والذين كفروا سبقوا مفعولاه على قراءة الخطاب وهي ظاهرة وأمّا القراءة با اسياء للغيبة فضعفها الزمخشرفي، وقال: إنّ القراءة التي تفرد بها حمزة غير نيرة أي واضحة، وقد ردوا عليه ذلك بوجهين الأوّل أنّ حمزة لم ينفرد بها بل ترأها حمزة وحفص وغيرهما، واليه أشار المصشف رحمه الله
الثاني أنّ قوله إنها غير واضحة ليس كما زعم فإنها أنور من الشمس في وسط النهار لأنّ فاعل يحسبن ضمير أي لا يحسبن هو أي قبيل المؤمنين أو الرسول أو الحاسب أو من خلفهم أو أحد لأنه معلوم من الكلام فلا يرد عليه أنه لم يسبق له ذكر، وأمّا حذف الفاعل فلا يخطر بالبال كما توهم، وعليه فمفعولاه الذين كفروا سبقوا، وقيل الفعل مسند إلى الذين كفروا والمفعول الأوّل محذوف، وسبقوا هو الثاني أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سابقين وإلى هذا أشار المصنف رحمه الله بقوله أنفسهم أي مفعوله المقدر أو أنّ التقدير لا يحسبنهم لكنه ليس بتقدير مضاف لأنّ أفعال القلوب يجوز أن يتحد فيها الفاعل والمفعول وحذف أحد مفعوليها جوزه الزمخشريّ في غير موضع ولا يضرّ الإضمار قبل الذكر لتأخر رتبته، وقيل تقديره أن سبقوا وأن وما بعدها ساد مسد المفعولين، ويؤيده قراءة أنهم سبقوا ولا يخفى ما فيه، وقيل سبقوا حال وأنهم لا يعجزون ساد مسد المفعولين في قراءة من قرأ بالفتح، ولا على هذا مزيدة وقوله للتكرار أي لكونه عين الفاعل، وقوله: الأنّ أن المصدرية الخ) قد أجيب عن قول المصنف رحمه الله أن المصدرية الخ بأن أن قد يقال إنها ليست مصدرية بل مخففة، ومراده بالمصدرية التي تنصب الفعل لأنها المتبادرة عند الإطلاق، فلا يرد عليه أنه لا مانع من أن يريد المصنف بأن المصدرية المخففة لأنها مصدرية كما صرّج به النحاة نعم إطراد حذفها غير مسلم، وقوله فلا تحذف أي حذفا مطرداً فإنه نادر أو شاذ في غير المواضع المعروفة كما في قوله تسمع بالمعيدي ونحوه، وقول النحرير: الوجوه لا تخلو من تمحل لا ينبغي من مثله إلا أن يريد بيان ما في الكشاف. قوله: (بالفتح على قراءة ابن عامر) ردّ على الزمخشري حيث ذكره في توجيه قراءة حمزة وتفرده، ومثله في تفسير الفراء والزجاج والتخصيص بالذكر لا يفيد الحصر،، قوله صلة أي زائدة لأنّ الزائد يسمى صلة في القرآن تأدّباً لأنه صلة لتزيين اللفظ، وتقويته ويؤيده أنه قرىء بحذفها، وقوله مفلتين أي هاربين. قوله: (والأظهر أنه تعليل للنهي
الخ) أي على هذه القراءة هو تعليل بتقدير اللام المطرد حذفها في مثله، وأفلت وتفلت خلص، وأعجز. الشيء فإنه، وأعجزت الرجل وجدته عاجزا، واليهما أشار المصنف رحمه الله تعالى وقوله:(أو لا يجدون) بأو ووقع في نسخة بالواو والصحيح هو الأوّل لأنهما معنيان متغايران، وقوله:(استئناف) أي نحوي أو بيانيّ. قوله: (ولعل الآية إزاحة لما يحذر به الخ) أي الآية لإزالة ما يحذر به المؤمنون من أنّ في نبذ العهد إيقاظ الأعداء، وتحريك الشر فمن بيانية أو صلة يحذر، ونبذ مصدر، وفل بفتح الفاء وتشديد اللام المنهزم يقع على الواحد وغيره، وقوله لنا قضي العهد الذي يقتضيه السياق أو للكفار مطلقا كما يقتضيه ما بعده، وقوله ما يتقوى به في الحرب أي فأطلق عليه القوّة مبالغة، وإنما ذكر لأنه لم يكن لهم في بدر استعداد تامّ فنبهوا على أن النصر من غير استعداد لا يتأتى في كل مكان. قوله:(وعن عقبة بن عامر رضي الله عته) أخرجه مسلم أي الرمي بالنشاب والقسيّ فحص بالذكر لأنه أقوى ما يتقوى به كقوله الحج غرفة والمراد خصه الله به على تفسيره به أو خصه النبىّ صلى الله عليه وسلم بتسميته قوّة فلا يرد عليه أنه يخالف ما سيذكر في عطف الرباط على القوة مع أنّ الرباط منها لأن فضله على غيره في القوّة، ويحتاج إلى الجواب بأنه أقوى بالنسبة لما عدا الرباط من آلات الحرب وكونه أفضل وأقوى بالنسبة إلى الكل. قوله:(اسم للخيل التي تربط الخ) قيل يلزم عليه إضافة الشيء لنفسه حينئذ، وردّ بأن المراد أنّ الرباط بمعنى المربوط مطلقاً إلا أنه استعمل في الخيل، وخص بها فالإضافة اعتبار عموم المفهوم الأصلي، وقيل إنّ قوله اسم للخيل التي تربط تفسير لمجموع رباط الخيل لا للرباط وحده فلا يحتاج إلى توجيه وهذا بالآخرة يرجع إلى ما ذكره المجيب، وليس غيره كما توهم، وقيل الرباط مشترك بين معان آخر كانتظار الصلاة وغيره فإضافته لأحد معانيه للبيان كعين الشمس، ومنه يعلم أنه يجوز إضافة الشيء لنفسه إذا كان مشتركاً وإذا كان من إضافة المطلق للمقيد فهو على معنى من التبعيضية وفيه ما مرّ وقوله:(مصدر الخ) يعني هو مصدر للثلاثي أو للمفاعل سمي به المفعول، وخصه الزمخشرفي بالثاني لأنه المقيس فيه فعال. قوله:(وعطفها على القوّة الخ) أي على معناها الأصلي
وتفسيره الأوّل على تفسيره بالرمي وقيل إنه
جزم به، والزمخشرفي جوزه لأنه ذكر للقوّة معاني، ما يتقوى به والرمي والحصون، وكونه كذلك على الأوّل فقط والمصنف رحمه الله لم يذكر الحصون وأوّل الرمي بكونه الأقوى فلذا جزم به، وقيل المطابق للرمي أن يكون الرباط مصدرأ وعلى تفسير القوّة بالحصون يتم التناسب بينه وبين رباط الخيل لأنّ العرب سمت الخيل حصونا وهي الحصون التي لا تحاصر كما في قوله:
ولقد علمت على تجنبي الردى
أنّ الحصون الخيل لا مدر القرى
وحصني من الأحداث ظهر حصاني
ومنه أخذ المتنبي قوله:
أعز مكان في الدنيا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب
قوله: (تخوفون به الخ) هذه الجملة حال من أعدوا وفيه إشارة إلى عدم تعين القتال لأنه
قد يكون لضرب الجزية ونحوه، وقوله من غيرهم فسرها بغير لأنها ليست للظرفية الحقيقية. قوله:(لا تعرفونهم بأعيانهم) جعل العلم بمعنى المعرفة لتعديه لواحد، وقد جوز أن يكون على أصله ومفعوله الثاني محذوف أي لا تعلمونهم محاربين لكم أو معادين وهو تكلف، وقال بأعيانهم لأنّ المعرف تتعلق بالذوات، وقوله يعرفهم أطلق العلم على الله، وهو بمعنى المعرفة والمعرفة لا يجوز إطلاقها على الله على ما عليه الأكثر ولا حاجة إلى أن يقال إنه للمشاكلة لما قبله فلا يرد ما اعترض به عليه وان ذهب إليه في الدر المصون مع أنه وقع إطلاق العارف على الله في نهج البلاغة، ووجهه ابن أبي الحديد في شرحه كما مرّ، وقوله يوف إليكم أي يؤذي بتمامه والمؤذي جزاؤه لا هو فلذا ذكره المصنف رحمه الله إشارة إلى التقدير، أو التجوّز في الإسناد وتضييع العمل إحباطه وعدم الثواب به يعني أنّ الظلم عبارة عما ذكره وان كان له ذلك فإنه يفعل ما يشاء فله تعذيب المطيع فضلاً عما ذكر فتدبر، وقوله ومنه الجناح أي سمي به لأنه يتحرك ويميل، والسلم له معان منها الاستسلام للطاعة. قوله: (وتأنيث الضمير لحمل السلم
على نقيضها فيه) المراد بالنقيض الضد وهو الحرب لأنها مؤنثة سماعية، وقوله فيه أي في التأنيث. قوله: (السلم تأخذ الخ (لم أر من عزاه، ومعناه أن السلم أمر مرضيّ ينبغي الاستكثار منه، وأمّا المحاربة فتجتنب الإلداع فتدخل على مقدار الحاجة، وشبهها بمشرب غير طيب يكتفي بقليله لدفع العطش، وأنفاس جمع نفس بفتحتين وأصله من التنفس، وهو إخراج الهواء من الجوف، والمراد به مجازا المزة من الشرب كما في قول جرير:
تعلل وهي ساغته بفيها بأنفاس من الشبم القراج
وجرع بالراء والعين المهملتين جمع جرعة بتثليث أوله، وهي حسوة من ماء وهو من المجاز كما يقال تجرع الغيظ كما ذكره في الأساس فمن ظنه جمع جزعة بكسر الجيم، وضمها والزاي المعجمة وهي القليل من الماء وقال: إنه صحح في النسخ فقد أساء الرواية والدراية، وقراءة فاجنح بضم النون على أنه من جنح يجنح كقعد يقعد، وهي لغة قيس قراءة شاذة قرأها الأشهب العقيلي والفتح لغة تميم وهي الفصحى، وقوله خداعا أي في السلم والصلح. قوله:) والآية مخصوصة بأهل الكتاب الخ (أهل الكتاب هم يهود بني قريظة، وهم المعنيون بقوله الذين عاهدت إلى هنا إن كان قوله وأعدّوا لهم لنا قضي العهد كما مر أحد الوجهين فقوله لاتصالها مبنيّ عليه فان كان للكفار مطلقا تكون هذه الآية عامّة منسوخة بآية السيف لأنّ مشركي العرب ليس لهم إلا الإسلام، أو السيف بخلاف غيرهم فإنه يقبل منهم الجزية فالقولان راجعان للتفسيرين على اللف والنشر المرتب وقيل إنه عليهما واتصال بقصتهم لأن ما بينهما اعتراض! في حكم المتأخر. قوله: (محسبك وكافيك) يعني أنه صفة مشبهة بمعنى اسم الفاعل، وقال الزجاج: إنه اسم فعل بمعنى كفاك فالكاف في محل نصب، وعلى الأوّل في محل جرّ وخطأه فيه أبو حيان لدخول العوامل عليه واعرابه في نحو بحسبك درهم ولا يكون اسم فعل هكذا، ولم يثبت في موضع كونه اسم فعل. قوله: (قال جرير الخ (تبع فيه الكشاف وشراحه فإنهم قالوا إنه من قصيدة لجرير وأنشدوه هكذا:
إني وجدت من المكارم حسبكم أن تلبسوا حر الثياب وتشبعوا
واذا تذكرت المكارم صزة في مجلس أنتم به فتقنعوا
لكن المذكور في شرح شواهد الكتاب أن هذين البيتين لعبد الرحمن بن حسان، وقيل لسعد بن عبد الرحمن بن حسان ورواه أني رأيت من المكارم الخ وجعل أن تلبسوا أحد مفعولي رأيت وحسبكم المفعول الثاني، وكانت بنو أمية بن عمرو بن س! د بن العاصي لما زوّجوا أختهم من سليمان بن عبد الملك وحملوها إلى الشأم، وهو معهم وعدوه بالقيام بأمره
فقصروا فقال: الشعر يهجوهم، ومعنى الشعر أني نظرت في أحوالكم فوجدتكم اكتفيتم من المكارم باللبس واكل ولا همة لكم تدعوكم إلى الكرم ومعالي الأمور فإن وقع في مجلس المذاكرة في المكارم فغطوا رؤوسكم واستتروا لأنكم لستم من أهلها وليس فيكم رائحة من المكارم التي عدوها، وحرّ بالحاء المهملة المضمومة والراء المهملة بمعنى أحسنها والحز من كل شيء ما يختار منه، ويروى خز بخاء معجمة مفتوحة وزاي معجمة والخز الإبريسم، وقيل إنه يطلق على الصوف أيضاً، والمعروف الأوّل. توله:(مع ما فيهم من العصبية الخ) العصبية بمعنى التعصب والضغينة كالضغن الحقد، وتوله حتى صاروا كنفس واحد متعلق بألف يعني أن العرب ناس لشدة أنفتهم وتعصبهم ولما ركز في طباعهم من الحقد قلما تصفو قلوبهم وتخلص مودّتهم فتأليفه لهم، وجعلهم متصافين لا كدر بينهم من آياته مجقيرو كما في الكشاف، وضعف القول بأنّ المراد بهم الأوس والخزرج لما كان بينهم في الجاهلية لأنه ليس في السياق قرينة عليه. قوله:(لو أنفق منفق الخ) يعني أن الخطاب لغير معين بل لكل واقع عليه لأنه لا مبالغة في انتفائه من منفق معين، وذات البين العداوة وقوله والإصلاج أي إصلاج ذات البين، وقوله المالك للقلوب إشارة إلى حديث قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. قوله:(لا يعصى عليه ما يريده) أي لا يتخلف شيء عن إرادته ولا يقع شيء بدون إرادته وهو استعارة تبعية أو تمثيلية. قوله: (يعلم أنه كيف ينبغي أن يفعل ما يريده الخ (أي يعلم ما يليق بتعلق الإرادة به فيوجده بمفتضى حكمته، واحن بالمهملة بوزن عنب جمع أحنة، وهي الحقد، وقوله: (وصاروا أنصارا) أي طائفة واحدة متناصرين مسمين بذلك متبعين على قلب واحد في نصرة النبىّ صلى الله عليه وسلم ودينه. قوله: (إما في محل النصب على المفعول معه اليئ (وقال الفراء إنه يقدر نصبه على موضع الكاف أيضاً واختاره ابن عطية وردّه السفاقسي بأن إضافته حقيقية لا لفظية فلا محل له، اللهم إلا أن يكون من عطف التوهم، وكونه مفعولا معه ذكره الزجاح: فقول أبي حيان رحمه الله إنه مخالف لكلام سيبويه رحمه الله فإن جعل زيداً في قولهم
حسبك وزيداً درهم منصوباً بفعل مقدر أي، وكفى زيداً درهم، وهو من عطف الجمل عنده لا يضرنا وذكره الفراء في تفسيره. قوله:(فحسبك والضحاك سيف مهند) أوله:
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا
وفي رواية واشتجر القنا وانشقاق العصا عبارة عن التفرّق والعداوة، واشتجار القنا بمعنى اشتباك الرماج والمراد به التحام الحرب أي إذا كان الحرب والتحم القتال أو وقع الخلاف بينكم فحسبك مع الضحاك سيف هندي، وقال ابن يسعون في شرح شواهد الإيضاح. إن الضحاك يروي بالنصب والرفع والجرّ، فالرفع على أنه مبتدأ خبره سيف، وخبر حسبك محذوف لدلالة الكلام عليه أو لا خبر له لأنه في معنى الأمر اي فلتكتف والضحاك سيفك الأوثق، والنصب على أنه مفعول، وحسبك متبدأ وسيف خبره أي كافيك سيف مع صحبة الضحاك أي حضوره، وحضور هذا السف مغن عما سواه، والجرّ على أن الواو واو القسم أو بالعطف على الكاف والمعنى ليس عليه، والهيجاء الحرب. قوله:(أو الجر عطفاً على المكني الخ) أي محلة الجرّ بالعطف على المكني أي الضمير لأنه مكني به وتسميه النحاة كناية والعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ منعه البصريون، وأجازه الكوفيون وحجة المانعين أنه كجزء الكلمة فلا يعطف عليه. قوله:(أو الرفع الخ) عطفا على فاعل الصفة، وضعف في الهدى النبوي رفعه عطفا على اسم الله، وقال: إنما هو عطف على الكاف فإنّ المعنى عليه، ولا وجه له فإن الفراء والكسائي رجحاه وما قبله وما بعده يؤيده، وقوله:(كفاك الخ) بيان لحاصل المعنى لا أنه بمعنى
الفعل حتى يكون اسم فعل كما قيل، وقوله نزلت بالبيداء أي في الصحراء في سفره عحلى والقرآن منه سفرقي وحضرفي، وهل هو مكي أو مدنيّ أو واسطة الكلام فيه مشهور، وعلى القول بأنها نزلت في إسلام عمر رضي الله عنه تكون هذه الآية وحدها مكية فإنه قد يكون في السور المدنية آيات مكية ويكون في قوله في أوّل السورة مدنية تغليبا فإن كان المراد بمن اتبعك هو فمن تبعيضية، وعلى غيره هي بيانية، وقد جوّز فيه أن يكون مبتدأ محذوف الخبر أي كذلك أو خبر مبتدأ محذوف.
قوله: (بالغ في حثهم عليه الخ) حرض بمعنى حض وحث فهو بمعنى الحث لا المبالغة
فيه والمبالغة ذكرها الزجاج إذ قال تأويل التحريض في اللغة أن يحث الإنسان على شيء حتى يعلم منه أنه حارض أي مقارب للهلاك، وفي الدرّ المصون أنه مستبعد منه، وقد تبعه
الزمخشري والمصنف رحمه الله، وقال الراغب الحرض يقال لما أشرف على الهلاك والتحريض الحث على الشيء بكثرة التزيين، وتسهيل الخطب فيه كأنه في الأصل إزالة الحرض نحو قذيته أزلت عنه القذى، وأحرضته أفسدته نحو أقذيته إذا جعلت فيه القذى، ومنه تعلم وجه المبالغة فيه ونهكه المرض بمعنى أضعفه وأضناه، ويشفي مضارع أشفى على كذا إذا أشرف عليه وقاربه، وقرئ حزص من الحرص المهملى وهو ظاهر. قوله تعالى: إلى {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ} [4 / 290 {صابِرُونَ} الخ في البحر انظر إلى فصاحة هذا الكلام حيث أثبت قيداً في الجملة الأولى، وهو صابرون وحذف نظيره من الثانية، وأثبت قيداً في الثانية، وهو من الذين كفروا وحذفه من الأولى، ولما كان الصبر شديد المطلوبية أثبت في جملتي التخفيف، وحذف من الثانية لدلالة السابقة عليه، ثم ختم بقوله:{وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} مبالغة في شدة المطلوبية، ولم يأت في جملتي التخفيف بقيد الكفر اكتفاء بما قبله (قلت) هذا نوع من البديع يسمى الاحتباك، وبقي عليه أنه ذكر في التخفيف بإذن الله وهو قيد لهما، وقوله والله مع الصابرين إشارة إلى تأييدهم وأنهم منصورون حتما لأنّ من كان الله معه لا يغلب، وبقي فيها لطائف فلله درّ التنزيل ما أحلى ماء فصاحته، وأنضر رونق بلاغته. قوله: (شرط في معنى الأمر الخ (أي هذه الجملة الخبرية لفظا إنشائية معنى لأن المراد ليصبرنّ الواحد لعشرة، ولذا وقع النسخ فيه لأن النسخ في الخبر فيه كلام في الأصول، وخالف الزمخشرقي إذ جعلها خبراً ووعدا لهم، فالظاهر أن يقول المصنف رحمه الله أو الوعد فإنه على الخبر كما صرّج به الشارح، وقال الإمام: الدليل على كونه بمعنى الأمر أنه لو كان خبر الزم أن لا يغلب قط مائتان من الكفار عشرين من المؤمنين، وليس كذلك بدليل قوله: والله مع الصابرين، فإنه ترغيب على الثبات في الجهاد، وقيل عليه إنّ التعليق الشرطي يكفي فيه ترتيب الجزاء على الشرط في بعض الزمان لا في كله، ولولا ذلك لزم تحلف وعده بذلك لانتفاء الكلية، وقوله:{وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} لا يقتضي الإنشائية.
(وفيه بحث الأن تعليق الغلبة على الصبر وجعله سببا لها يقتضي وجودها كلما وجد، والترغيب في الشيء يقتضي أنه قد يتخلف عنه ولذا ركب فيه وهذا أمر خطابي يكتفي فيه بمثله، ثم أن العلامة قال في الآية إشارة إلى علة غلبة المؤمنين عشرة أمثالهم من الكفار، وهي أمران أحدهما جهلهم بالمعاد حتى يقاتلون من غير احتساب كالبهائم بخلاف المؤمنين فإنهم يؤمنون بالمعاد فيقدمون على الجهاد على بصيرة طلبا للثواب، ويقاتلون بعزم صحيح وقلب قويّ، فلذا كفي القليل منهم الكثير، والثاني جهلهم بالمبدأ فيعولون على شوكتهم وقوّتهم، والمؤمنون يستعينون بالله فيستوجبون نصرته فيغلبونهم لا محالة، فأشار إلى الأوّل بقوله يقاتلون على غير احتساب، والى الثاني بقوله ويعزمون بالله اهـ. وقد أشار المصنف رحمه الله إلى
جهلهم بالمبدأ بقوله جهلة بالله، وبالمعاد بقوله وباليوم الآخر فلا وجه لما قيل أنّ المصنف رحمه الله اكتفى بذكر المعاد لاستلزامه للمبدأ، وترك قوله في الكشاف كالبهائم وهو في غاية الحسن فإنّ الجزار لا يضره كثرة الغنم، وقوله بعون الله وتأييده هو معنى قوله بإذن الله إشارة إلى أنّ الأوّل مقيد به أيضا كما مرّ، وقوله تكن بالتاء في الآيتين اعتبار التأنيث اللفظي والبصريان أبو عمرو ويعقوب قرآ فإن تكن في الآية الثانية بالتأنيث لقوّته بالوصف المؤنث بقوله صابرة، وإما أن يكن منكم عشرون فبالتذكير عند الجميع إلا في قراءة شاذة عن الأعرج، فقول المصنف رحمه الله وان تكن سهو في التلاوة لأنّ أبا عمرو قرأها في قوله:{وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ} بالفاء. قوله: (بسبب إنهم جهلة بالله الخ (فقه بمعنى فهم وعلم، والمعنى أنهم لا يعتقدون أمور الآخرة فإنّ من اعتقدها وعلم أنه على الحق هان عليه الموت، كما قال عليّ كرم الله وجهه لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت عليّ، وقوله: (رجاء الثواب) مفعول له علة لثبات المؤمنين، وقوله قتلوا أو قتلوا أي إن قتلوا رجوا ثواب الغزو، وان قتلوا رجوا منازل الشهداء وثوابهم، ولأنّ من أنكر الآخرة ولم يعلم إلا هذه الدار شح بنفسه غاية الشح فجبن، ومن علم انتقاله إلى أعلى منها هانت عليه نفسه وأحب لقاء الله، وقوله:(ولا يستحقون) عطف على لا يثبتون أي لجهلهم بالله لا يثبتون، ولا يستحقون إلا الخذلان وعدم النصرة والظفر. قوله:(لما أوجب على الواحد مقاومة العشرة الخ) الجمهور على انّ هذه الآية ناسخة للتي قبلها، وذهب مكيّ إلى أنها مخففة لا ناسخة كتخفيف الفطر للمسافر، وثمرة الخلاف أنه لو قاتل واحد عشرة فقتل هل يأثم أو لا، فعلى الأوّل يأثم، وعلى الثاني لا يأثم، وكلام المصنف رحمه الله محتمل لهما، وعلى النسخ نزول هذه الآية متراخ عن نزول الأولى، قال النحرير: تقييد التخفيف بقوله الآن ظاهر، وأما تقييد علم الله ففيه خفاء، وتوضيحه أنّ علم الله متعلق بقوله الآن، أما قبل وقوعه فبأنه سيقع، وحال الوقوع بأنه يقع، وبعد الوقوع بأنه وقع، وقال الطيبي رحمه الله: معناه الآن خفف الله عنكم لما ظهر متعلق علمه تعالى أي كثرتكم الموجبة لضعفكم بعد ظهور قلتكم وقوّتكم. قوله: (وقيل كان فيهم قلة فأمروا بذلك ثم لما كثروا خفف عنهم) تغاير الوجهين بتغاير سبب التخفيف فإن قلت كيف يستقيم هذا مع قوله: {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} فإنّ التحويل من القلة إلى الكثرة يزيد القوّة لا الضعف، قلت لما كان موجب القوّة اعتمادهم على الله وتوكلهم عليه لا على الكثرة كما في بدر أوجب أن يقاوم واحد منهم عشرة، ولذا علل مقابله بقوله بأنهم لا يفقهون كما عرفت، ثم لما كثروا
اعتمدوا على كثرتهم بعض اعتماد كما في حنين فخفف الله عنهم بعض ذلك، وقال الإمام الكفار إنما يعوّلون على قوّتهم وشوكتهم، والمسلمون يستعينون بالدعاء والتضرّع، فلذا حق لهم النصر والظفر، وعن النصر أباذي أنّ هذا التخفيف كان للأمّة دون الرسول عشب! ، وهو الذي يقول بك أصول وبك أجول، ومن كان كذا لا يثقل عليه شيء حتى يخفف. قوله:(وتكرير المعنى الواحد الخ) أي وجوب ثبات الواحد للعشرة في الأوّل، وثبات الواحد للاثنين في الثاني، فكفاية عشرين لمائتين تغني عن كفاية مائة لألف، وكفاية مائة لمائتين تغني عن كفاية ألف لألفين، ووجهه بأنه للدلالة على عدم تفاوت القلة والكثرة فإن العشرين قد لا تغلب المائتين، وتغلب المائة الألف وأما الترتيب في المكرر فعلى ذكر الأقل ثم أكثر على الترتيب الطبيعي، فلا يرد عليه أنه لو عكس الترتيب في الآية لما كان لما ذكر وجه كما قيل. قوله:(بذكر الأعداد المتناسبة) الأعداد المتناسبة عند الحساب والمهندسين هي التي يكون الأوّل منها للثاني، والثالث للرابع أضعافاً متساوية أو جزءاً أو أجزاء بعينها وهو المراد هنا. قوله:(والضعف ضعف البدن الخ) يعني الضعف الطارئ عليهم بالكثرة الموجب للتخفيف عدم القوّة البدنية على الحرب لأنّ منهم الشيخ والعاجز ونحوه، فلو أوجب ذلك عليهم جميعا لم يتيسر لهم بخلافهم قبل ذلك، ف! نهم كانوا طائفة منحصرة معلومة قوّتهم وجلادتهم، أو المراد ضعف البصيرة والاستقامة وتفويض النصرة إلى الله فإن فيهم قوما حديث عهدهم بالإسلام ليسوا كذلك، وهذا مبني على أن الضعف بالفتح والضم بمعنى واحد فيكونان في الرأي والبدن، وقيل بينهما فرق فبالفتح في الرأي والعقل، وبالضم في البدن، وهو منقول عن الخليل بن أحمد رحمه الله وقد قرئ بهما وهو يؤيد كونهما بمعنى، وقرئ ضعفاء بصيغة الجمع، وقوله: بالنصر والمعونة يعني المراد بصحبته صحبة نصره وتأييده وإلا فهو معكم أينما كنتم. قوله: (ما كان لنبئ الخ) التنكير قراءة الجمهور والتعريف قراءة أبي الدرداء رضي الله عنه، وأبي حيوة والمراد على كل حال نبينا صلى الله عليه وسلم، وإنما نكر تلطفاً به صلى الله عليه وسلم حتى لا يواجه بالعتاب، ولذا قيل إنه على تقدير مضاف أي أصحاب النبيّءتج! هـ
صفحة ناقصة
بدليل قوله تعالى: {تُرِيدُونَ} ولو قصد بخصوصه لقيل تريد، ولأنّ الأمور الواقعة في القصة كما سيأتي صدرت منهم لا منه صلى الله عليه وسلم، وكلام المصنف رحمه الله صريح في أنه المراد لأنه سيذكر الاستدلال بها على اجتهاد النبيّ لمجر وهو يقتضي ذلك، وتأنيث تكون لتأنيث الجمع، وقرئ أسارى تشبيها لفعيل بفعلان ككسلان وكسالى، أو
هو جمع أسرى فيكون جمع الجمع. قوله: (بكثر القتل ويبالغ فيه الخ (أصل معنى الثخانة الغلط والكثافة في الأجسام، ثم استعير للمبالغة في القتل والجراحة لأنها لمنعها من الحركة صيرته كالثخين الذي لا يسيل، والحطام بالضم ما تكسر من يبسه كالهشيم من الحطم وهو الكسر، وهو يستعمل للمحقرات والعرض! ما لا ثبات له ولو جسما، ويقال الدنيا عرض حاضر أي لا ثبات لها ومنه استعار المتكلمون العرض المقابل للجوهر، ويطلق على مقابل النقد من المتاع وليس بمراد هنا، وقوله: في الأرض للتعميم. قوله تعالى: {وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} المراد بالإرادة هنا الرضا وعبر به للمشاكلة فلا يرد أنّ الآية تدل على عدم وقوع مراد الله تعالى، وهو خلاف مذهب أهل السنة. قوله:) يريد لكم ثواب الآخرة الخ (زاد لفظ لكم لأنه المراد وجعله مما حذف فيه المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه، وسبب نيل الآخرة التقوى والطاعة، وذكر نيل لتوضيحه لا لتقدير مضافين. قوله:) وقرئ بجر الآخرة) قرأها سليمان بن جماز المدني، وخرجت على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جره، وقدروه عرض! الآخرة فقيل إنه لا يحسن لأنّ أمور الآخرة دائمة مستمرة، فلا يطلق عليها العرض، فإن جعل مجازاً عن مطلق ما فيها فتكلف، ودفعه الزمخشرقي بأنه قدر كذلك لمشاكلة عرض الدنيا، والمراد ما قدره بعضهم من أعمال أو ثواب وهو أحد التأويلين في البيت وقيل-: إنه من العطف على معمولي عاملين مختلفين. قوله:
) قوله أكل مرئ تحسبين امرأ وشار توقد بالليل نارا)
اختلف في قائله فقيل هو أبو داود وقيل حارثة ابن حمران الأيادي من أبيات منها:
ودار يقول لها الرائدون ويلمّ دار الحذاقيئ دارا
يصف أيام تغذيه بالنعم ئم مصيره إلى حال أنكرت عليه امرأته فأنباً ها بجهلها بمكانه، وأنه لا
ينبغي أن تغتر بأمر من غير امتحانه، لكن قال: اين يعيش سيبويه رحمه الله يحمل قوله ونار على حذف مضاف تقديره وكل نارأ لا أنه حذف وقدر موجودا، وأبو الحسن يحمله على العطف على معمول عاملين فيخفض ناراً بالعطف على امرئ المخفوض بإضافة كل، وينصب ناراً بالعطف على امرأ المنصوب، وهذا من أوكد شواهده، وروي وناراً الأول بالنصب فلا شاهد فيه، وفي كامل المبرد نسبة هذا البيت إلى عدقي بن زيد، وتحسبين خطاب لامرأته لا لنفسه كما قيل، وأصل توقد تتوقد. قوله:) يغلب أولياءه الخ (من التغليب أو الغلبة لأن القوقي العزيز يكون كذلك من اتبعه فجعله كناية عن هذا المعنى بقرينة المقام، وقوله: ويخصه بها أي ما يليق بالحال اللائقة له.
فإنّ للزند حليا ليس للعنق
وقوله: (وخير بيته وبين المن (حيث قال ة {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء} [سورة محمد،
الآية: 4] وقوله: (فاستشار فيهم) أي شاور أصحابه، وفيه دليل على جواز الاجتهاد بحضرته عحييه، وقول أبي بكر رضي الله عنه قومك وأهلك بالنصب على الاشتغال، أو بتقدير ارحم، وقول عمر رضي الله عنه أئمة الكفر أي رؤساء الكفر، وقوله:(مكني (أي خلج بيني وبينه، ويقال مكنته من الشيء وأمكنته منه إذا أقدرته عليه فتمكن واستمكن، والمراد الإذن والرخصة، وقوله: (لنسيب) أي قريب النسب منه، وقوله:(فلم يهو ذلك) أي لم يرضه ويحبه، وقوله:(ألين من اللين (تمثيل لطيف وفيه إشارة إلى أنه لين خير ورحمة لألين ضعف، وفي قوله: (أشدّ (دون أقسى لطف لا يخفى، وقوله: (قال الخ (بيان لوجه الشبه على حذ، وقوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [سورة آل عمران، الآية: 59] وفي قوله: {لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [سورة نوح، الآية: 26] دقيقة وهي الإشارة إلى ما وقع في خلافته من تطهير أرض الحجاز من الكفرة، وقوله: (أدنى من هذه الشجرة) أي أقرب منها يراه ويشاهده، قيل والمراد به ما وقع بأحد واستشهد منهم سبعون، كما وقع في الحديث:" إن شئتم فأديتموهم واستشهد منكم بعدّتهم ") 1 (كما في
الكشاف
وهذا الحديث أخرجه) 1 (أحمد وابن جرير وابن مردوية عن ابن مسعود رضي الله عنه ومسلم عن ابن عباس) 2 رضي الله عنهما بنحوه. قوله:) والآية دليل الخ) قيل إنما تدل عليه لو لم يقدر في ما كان لنبيّ لأصحاب نبيّ، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر مع أن الإذن لهم فيما اجتهدوا فيه اجتهاد منه، إذ لا يمكن أن يكون تقليداً، لأنه لا يجوز له التقليد، وأما إنها إنما تدل على اجتهاد النبيئ-لمج! لا اجتهاد غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قيل، فليس بوارد لأنه إذا جاز له فلغيره بالطريق الأولى، ووجه كونه خطأ وأنه لم يقرّ عليه ظاهر من هذه القصة. قوله:(لولا حكم من الله سبق الخ) يعني المراد بالكتاب الحكم، وأنّ إطلاقه عليه لأنه مكتوب في اللوح، وذلك الحكم هو ما ذكره، وقيل: المراد لولا حكم الله بغلبتكم ونصركم لمسكم عذاب عظيم من أعدائكم بغلبتهم لكم وتسليطهم عليكم يقتلون ويأسرون وينهبون، وفيه نظر. قوله:(أو أن لا يعذب أهل بدر الخ (استشكل هذا الإمام بأنه يقتضي عدم كونهم ممنوعين عن الكفر والمعاصي، وعدم كونهم مهددين بترتب العقاب عليه، وهل هذا إلا قول بسقوط التكليف عنهم ولا يتفوّه به عاقل اص. وهذا غريب منه فإنّ هذا بعينه في حديث البخاري لا إنّ الله اطلع على أهل بدر فقال: يا أهل بدر اصنعوا ما شئتم فقد غفرت لكم ") 3 (وأما ما ذكره من سقوط التكليف فلا يصدر إلا عمن سقط عنه التيهليف، لأن معناه - 9402 من طرق عن عبيدة السلماني مرسلَا، وهو أصح من الموصول، لمجيئه من طرق.
وله علة أخرى فهناك اضطراب في المتن في ألفاظه فتارة يذكر فيه جبريل، وتارة لا يذكر.
وقد قال العلامة التوربشتي كما فيإ شرح المشكاة " 4 / 251 هذا الحديث مشكل جدأ لمخالفة ما يدل
على ظاهر التنزيل، ولما صح من الأحاديث أن أخذ الفداء يوم بدر كان رأياً رأوه فعوتبوأ عليه، ولو
كان هناك تخيير بوحي سماوي لم تتوجه المعاتبة عليه في هذه الآية اهـ باختصار. وانظر مزيد الكلام
على ذلك في تفسير ابن كثير بتجريجي عند هذه الآية.
ا! من حضرها من المؤمنين يغفر الله له ذنبه ويوفقه لطاعته، لأنها أوّل وقعة أعر الله بها الإسلام، وفاتحة للفتوج، والنصر من الله عليه بأن غفر له ما يصدر عنه من المعاصي لو صدرت، وملأ صدره إيمانا ووهبه ثباته إلى الموافاة، فكيف يتوهم ما ذكره، وأغرب منه ما قيل في دفعه إن هذا معنى الآية مع احتمال المعاني الأخر التي ذكروها فهو غير مقطوع به، ونظيره احتمال المغفرة بدون التوبة فكما أنّ احتمال هذه لا يوجب كونهم غير ممنوعين عن المعاصي، ولا عدم تهديدهم بالوعيد عليها كذلك احتمال هذا، وليت شعري لو كان فيما ارتكبه معنى يساوي عناءه. قوله:(أو أنّ الفدية التي أخذوها ستحل (أي تصير حلالاً لهم، وفي نسخة سيحل لهم ما استحقوا به العذاب، وما استحقوا به العذاب أخذ بالفدية قبل أن يحل لهم ثم عفى لأنه سيحل عن قريب ولم ينهوا عنه قبل ذلك، وإن كانت الفدية تعذ من الغنائم وهي لم قحل لأحد قبل، وإنما كانت توضع في مكان فما قبل منها نزلت نار من السماء أحرفته، وقوله لنا لكم أي وقع بكم. قوله: (روي الخ (أخرجه ابن جرير عن محمد بن إسحق بلفظ: " لو أنزل من السماء عذاب لما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بق معاد لقوله: كان الإثخان في القتل أحبّ إيي ") 1 (وأخرجه ابن مردوية عن ابن عمر لكن لم يذكر فيه سعد بن معاذ، وهذا يدذ على أن المراد بالعذاب عذاب في الدنيا غير القتل مما لم يعهد، لقوله: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء} وأما أنهم يستشهد منهم بعدتهم فالشهادة لا تسمى عذإبأ. قوله: (وقيل امسكوا عن الغنائم فنزلت (أي امتنعوا من الأكل والصرف منها تزهداً لا ظنأ لحرمتها، حتى يقال إنه علم حلها مما مرّ في قوله: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم} أسورة الأنفال، الآية: 41] الخ ولذا قيل إنه لتأكيد حلها واندراج مال الفداء في عمومها، فما غنمتم هنا إما الفدية لأنها غنيمة أو مطلق الغنائم، والمراد بيان حكم ما اندرج فيها من الفدية، وجعل الفاء عاطفة على سبب مقدر قد يستغنى عنه بعطفه على ما قبله لأنه بمعناه، أي لا أؤاخذكم بما أخذ من الفداء فكلوه هنيئأ مريا. قوله:) وبنحوه تشبث الخ (أي تمسك والتعبير بالتشبث الذي هو بمعنى التعلق يشعر بضعفه لأن الإباحة ثبتت هنا بقرينة أن الأكل إنما أمر به لمنفعتهم، فلا ينبغي أن يثبت على وجه تتقلب المنفعة مضرة، أي يجب عليهم فيشق. قوله:
(حال من المغنوم (أي هو حال من ما الموصولة أو من عائدها المحذوف، ولذا قال من المغنوم ليشملهما، ومن قال إنه حال من العائد المحذوف فقد ضيق ما اتسع إذ لا مانع منهما، وقوله:) وفائدته (أي فائدة التقييد بقوله حلالاً، وقوله:) أو حرمتها) عطف على تلك المعاتبة، والأوّلين جمع أوّل والمراد بهم من قبلنا من الأمم هانما كان سبباً لإمساكهم لاحتمال انها حرمت ثانيا، أو أنها مكروهة لهم، فلا يقال بعدط- أحلت صريحا كيف يتوهم شيء آخر حتى يزاج.!!
تنبيه: قوله عز وجل: {لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ} اختلف فيه على أقوال: أحدها أنه لا يعذب قوما قبل تقديم ما يبين لهم
أمرأ أو نهيا، الثاني أنه عهد أن لا يعذبهم ومحمد لمج! فيهم، الثالث أنه سبق في علمه تعالى حل الغنائم لهم، لكنهم استعجلوا قبل بيانه، فإن قلت هذه أؤل غزاة لرسول الله كج، فكيف يقال إنّ الغنائم أحلت لهم، وما في علم الله قبل البيان لا دليل فيه، قلت قال: في كتاب الأحكام أؤل غنيمة في الإسلام حين أرسل رسول الله! لى عبد الفه ابن جحش رضي الله تعالى عنه لبدر الأولى ومعه ثمانية رهط من المهاجرين رضي الله عنهم، فأخذوا عيراً لقريش وقدموا بها على النبيئ ك! رو، فاقتسموها واً قزهم على ذلك. قوله:) أنها نزلت في العباس رضي الله عنه الخ () 1 (أخرجه الحاكم عن عائشة رضي الله تعالى عنها وصححه وقيل إنها نزلت في جملة الأسارى، وهو أقرب لكونه بصيغة الجمع، وإن قيل سبب نزول الآية العباس رضي الله عنه لكنه عام، فلذا جمع لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب،
وقوله: (تركتني) أي صيرتني فقيراً أتكفف أي أسأل الناس وأمذ كفي إليهم، وكان فداء كل أسير عشرين وقية من الذهب كما فصل في الكشاف، وقوله:(ما بقيت (أي إلى آخر عمري، وأمّ الفضل زوجته كنيت بابن لها، وقوله: (في وجهي (أي في توجهي هذا، وعبد الله ومن بعده أولاده، وسواد الليل ظلمته الشديدة المانعة من الرؤية، وقول العباس رضي الله عنه: فأبدلني الله خيراً من ذلك إشارة إلى ما في قلبه من الخير وأنّ الله حقق ما وعد، وقوله. اليضرب) أي يتجر من ضرب في الأرض. قوله: (نقض ما عاهدوك الخ) هو إعطاء الفدية أو أن لا يعودوا لمحاربته ع! فه ولا إلى معاضدة المشركين وجعل الزمخشري المعهود هنا هو الإسلام ونقضه الكفر لأنها قسيم لما قبلها، والخير فيها بمعنى الإيمان كما مرّ، فالخيانة الكفر والارتداد بقرينة التقابل، وقوله:(المأخوذ بالعقل (الميثاق المأخوذ بالعقل هو ما سبق في قوله: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ} [سورة الأعراف، الآية: 172] على أحد الوجهين فيها، وفي نسخة بالعقد بالدال بدل اللام، والأولى أصح وان كان تأويل الثانية ما ذكر. قوله: (فأمكنك منهم (أي أقدرك عليهم، وأشار إلى أنّ مفعوله محذوف تقديره ما ذكر ولا التفات فيه، وقوله: (فإن أعادوا (الخ بيان لحاصل المعنى، واشارة إلى أن قوله فقد خانوا لازم للجزاء، وأقيم مقامه والجواب فيسمكنك منهم في الحقيقة. قوله: (أوطانهم الخ (وهم المهاجرون الأوّلون ومن يعدهم هجروا أوطانهم وتركوها لأعدائهم في الله لله، وفيها مع ذلك بذل المال والضياع والدور والكراع بالضم، الخيل والمحاويج جمع محووج بمعنى محتاج ومفرده مقدر. قوله: (في الميراث الخ (قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: آخى الرسول عشي! بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم فكان المهاجريّ يرثه أخوه الأنصاري إذا لم يكن له بالمدينة ولي مهاجرقي، ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجرفي، واستمر أمرهم على ذلك إلى فتح مكة، ثم توارثوا بالنسب بعد إذ لم تكن هجرة، والولي القريب والناصر، لأن أصله في القرب المكاني، ثم جعل للمعنوي كالنسب والدين والنصرة، فقد جعل صلى الله عليه وسلم في أوّل الإسلام التناصر الديني أخوّة، وأثبت لها أحكام الأخوّة الحقيقية من التوارث، فلا وجه لما قيل إنّ هذا التفسير لا تساعده اللغة، فالولاية على هذا الوراثة المسببة عن القرابة الحكمية. قوله: (أو بالنصرة والمظاهرة) عطف
على قوله في الميراث أي الولاية في الميراث كما مرّ، فتكون منسوخة أو الولاية بالنصرة، والمظاهرة أي المعاونة فتكون محكمة. قوله: (اي من توليتهم في الميراث (لم يجز هنا حمله على النصرة والمظاهرة لأنها لازمة لكل حال لكلا الفريقين، كما قال الله تعالى:{وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [سورة الأنفال، الآية: 72] وبهذا ظهر أنّ التفسير في الآية السابقة هو هذا، ولذا قدمه المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (وقرأ حمزة ولا يتهم بالكسر الخ (جاء في اللغة الولاية مصدراً بالفتح والكسر فقيل هما لغتان فيه بمعنى واحد، وهو القرب الحسي والمعنوي، وقيل بينهما فرق فالفتح ولاية مولى النسب ونحوه، والكسر ولاية السلطان قاله أبو عبيدة، وقيل: الفتح من النصرة والنسب، والكسر من الإمارة قاله الزجاج، وخطأ الأصمعي قراءة الكسر وهو المخطئ لتواترها، واختلفوا في ترجيح إحدى القراءتين، ولما قال المحققون من أهل اللغة إنّ فعالة بالكسر في الأسماء لما يحيط بشيء ويجعل فيه كاللفافة والعمامة، وفي المصادر يكون