الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُجيَّة خبر الآحاد في العقائد والأحكام
إعداد الدكتور: عامر حسن صبري أُستاذ الحديث النبوي وعلومه بجامعة الإمارات العربية المتحدة
بسم الله الرحمن الرحيم
ال
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن من رحمة الله عز وجل بخلقه أن أرسل سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأنزل عليه القرآن دستوراً ونوراً للأمة ومنهاجاً يضيء طريقها، وجعل رسولَهُ صلى الله عليه وسلم في مقام الشارح للكتاب والمبيِّن له. ولقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خير قيام، فتولى تفصيل مجمله وتقييد مطلقه وتخصيص عامه، وربما ذهب في البيان إلى ما لم يتناولْهُ كتاب الله عز وجل مما يدخل في نطاق مهمته الربانية رسولاً يوجه الأمة إلى الخير، سبيله في ذلك عليه الصلاة والسلام قول يخاطب به الصحابة معبرِّاً فيه عن قصده، أو فعل يوضح لهم به مراده، أو موقف بدا منه على الرضا عن قول أو فعل صدر من أصحابه أو بلغه عنهم فيقرهم عليه برضاه عن ذلك القول أو الفعل وسكوته عليه، فهذه الممارسات الثلاث من رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي يُعبرَّ عنها بالسنة أو بالحديث النبوي (1) .
ومن هنا تتحدد طبيعة العلاقةِ القائمة بين الكتاب والسنة؛ فالسنة النبوية تفصِّل مجمل القرآن، وتقيِّد مطلقه، وتخصص عامَّه، وتشرح وتبين ما يحتاج منه إلى بيان، وذلك مصداقاً لقول الله عز وجل:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] .
(1) هذا هو تعريف الأصوليين للسنة، أما عند المحدثين فهي:(ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خُلقية سواء أكان ذلك قبل البعثة أم بعدها) .
والله عز وجل اختار نبيه عليه الصلاة والسلام للرسالة وحمله الأمانة وعصمه من الزلل فيما بلغه عن ربه من قرآن، وفيما نطق به من قول، أو صدر عنه من فعل، أو أَقَرَّ عليه أصحابه مما يدخل في مجال التشريع؛ لأن كل ذلك من عند الله:{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3،4] . ولذلك أوجب طاعته وقرنها تعالى بطاعته، فقال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59] .
وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54] .
ورتب على طاعته الجزاء الوفير فقال سبحانه: {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71] . وحذر الله من مغبة المخالفة لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] .
وتوعد على معصيته وأخبر بعقوبة من عصاه فقال: {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 14] . وقال: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} [الأحزاب: 66] .
ونبه عباده أن يكونوا عند أمر الرسول ونهيه فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7] .
وأقسم الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ألا يكون المؤمنون مؤمنين حقاً حتى يرتضوه حكماً فيما بينهم، وأن يتلقوا حكمه بغاية الإذعان الذي لا تكلف فيه ولا تصنع، وإنما هو نابع عما انعقد عليه القلب من ولاء وتسليم، فقال عز وجل:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء:65] . وقد أجمع العلماء على أن هذا التحاكم يكون بعده إلى سنته. فمن هذا المنطلق وبهذا الاعتبار نقرر أن السنة النبوية الصحيحة مع القرآن الكريم في مرتبة واحدة من حيث الاحتجاج بهما في الأحكام الشرعية، فإنها وحي مثله، فيجب القول بعدم تأخرها عنه في الاعتبار (1) .
وقد قام الأئمة بخدمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قيام، وأولوه الرعاية والعناية، وبذلوا أقصى ما في الوسع الإنساني احتياطاً لدينهم وشريعتهم أن يدخل فيها ما ليس منها، وكان من نتاج ذلك وضع قواعد مصطلح الحديث، وقواعد علم الجرح والتعديل؛ تلك القواعد التي كفلت لهم التمييز بين الصحيح وغيره، وهذه القواعد نجدها مبثوثة في كتب أصول الرواية وعلوم الحديث وتاريخ الرجال.
وكان من أهم موضوعات علم مصطلح الحديث: تقسيم الحديث من حيث طرق وصوله إلينا إلى قسمين رئيسين، هما: المتواتر والآحاد. وسنتكلم على هذين القسمين وأنواعهما، وحجية كل نوع. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
(1)
انظر كتاب ((حجية السنة)) للشيخ عبد الغني عبد الخالق رحمه الله، فقد أكد هذا المعنى وأجاد في إثباته أيّما إجادة.