الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: المتواتر
ما يفيده المتواتر:
…
أولاً: المتواتر
وهو: ما رواه جمع تحيل العادة تواطؤَهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه، وشروط التواتر ما يلي:
1-
عدد كثير تحيل العادة اجتماعهم على الكذب.
2-
أن تكون هذه الكثرة في جميع طبقات السند.
3-
أن يكون مستند خبرهم الحس، كقوله سمعنا أو أخبرنا، أما إذا كان مستندهم العقل كحدوث العالم مثلا، فلا.
فإذا اختل شرط من شروط التواتر، في أي طبقة من طبقات السند فلا يسمى متواتراً، وإنما هو آحاد.
والمتواتر قسمان:
1-
لفظي، وهو: ما تواتر لفظه ومعناه. ومن أمثلته:
حديث "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" فقد رواه نحو مائة من الصحابة كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1) ، ونقله عنه السخاوي في فتح المغيث (2) . وقد جمع طرقه ابن الجوزي في مقدمة كتابه «الموضوعات» فجاوز تسعين طريقاً.
2-
معنوي، وهو: ما تواتر معناه وإن لم يتواتر لفظه. ومن أمثلته:
أحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أكثرُ من خمسين
(1) فتح الباري 1 / 203.
(2)
فتح المغيث 3 / 41 – 42.
حديثاً فيه رفع يديه في الدعاء لكنها في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك منها - وهو الرفع عند الدعاء – تواتر باعتبار المجموع، وقد جمع طرقها الإمام السيوطي في كتاب سماه (فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء) .
ما يفيده المتواتر:
اتفقت كلمة العلماء على أنه يفيد العلم القطعي الضروري لا النظري، لذا لا يصح إنكاره ولا البحث عن استدلاله لأنه ثابت قطعاً.
قال الإمام الغزالي في المستصفى: ((أما إثبات كون المتواتر مفيداً للعلم فهو ظاهر، خلافاً للسُّمنِيَّة (1) حيث حصروا العلم في الحواس وأنكروا هذا. وحصرهم باطل
…
أما بطلان مذهب الكعبي حيث ذهب إلى أن هذا العلم نظري، فإنا نقول: النظري هو الذي يجوز أن يعرض فيه الشك وتختلف فيه الأحوال، فيعلمه بعض الناس دون بعض
…
ونحن لا نجد أنفسنا شاكّين في وجود مكة ووجود الشافعي رحمه الله
…
)) (2) الخ كلامه. وقال الشوكاني في إرشاد الفحول: ((وقد اختلف في العلم الحاصل بالتواتر هل هو ضروري أو نظري؟ فذهب الجمهور إلى أنه ضروري، وقال الكعبي وأبو الحسين البصري: إنه نظري
…
والحق قول الجمهور
…
)) (3) إلى آخر كلامه.
(1) في القاموس: السمنية (كعُرَنِيَّة) ، قوم بالهند دهريون قائلون بالتناسخ أهـ.
وجاء في كتاب ((القول الأصيل فيما في العربية من الدخيل)) للدكتور ف. عبد الرحيم ص: 12: ((أن كلمة سمن لقب لبوذا، وضبطت الكلمة بضم وفتح كعُرنية في القاموس. وصوابها: بفتحتين كعَرَنية. وهو كذلك في بعض نسخ القاموس كما ذكر الزبيدي في تاج العروس)) .
(2)
المستصفى 1 / 132 – 133.
(3)
إرشاد الفحول ص 46.
قلت: والكعبي وأبو الحسين البصري هما من المعتزلة.
وقال الحافظ ابن حجر في شرح نخبة الفكر: ((المتواتر، وهو المفيد للعلم اليقيني
…
واليقين: هو الاعتقاد الجازم المطابق، وهذا هو المعتمد: أن الخبرَ المتواتر يفيدُ العلم الضروري، وهو الذي يضطر الإنسان إليه، بحيث لا يمكنه دفعه، وقيل: لا يفيد العلم إلا نظرياً؛ وليس بشيء؛ لأن العلم المتواتر حاصل لمن ليس له أهلية النظر كالعامي، إذ النظر: ترتيب أمور معلومة أو مظنونة يتوصل بها إلى علوم أو ظنون، وليس في العامي أهلية ذلك، فلو كان نظرياً لما حصل لهم، ولاح بهذا التقرير الفرق بين العلم الضروري والعلم النظري، إذ الضروري يفيد العلم بلا استدلال، والنظري يفيده ولكن مع الاستدلال على الإفادة، وأن الضروري يحصل لكل سامع، والنظري لا يحصل إلا لمن فيه أهلية النظر
…
)) (1) إلى آخر كلامه.
وبهذا يتبين أن المتواتر يفيد العلم الضروري اليقيني عند عامة المسلمين خلافاً لبعض المعتزلة، وبعض الفرق الضالة، وهذه الإفادة اتفق عليها علماء الحديث والفقه والأصول والعقيدة وغيرهم.
(1) شرح نخبة الفكر ص 65.