المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثم هم حين يأتون إلى مرحلة النظر في الأدب العربي - حول الشعر التعليمي - جـ ٥٢

[صالح آدم بيلو]

الفصل: ثم هم حين يأتون إلى مرحلة النظر في الأدب العربي

ثم هم حين يأتون إلى مرحلة النظر في الأدب العربي منذ جاهليته، وهل حوى نماذج من الشعر التعليمي، يذهبون تلك المذاهب التي أشرنا إليها فيما تقدم!.

ص: 210

‌رأينا:

ومع أن ما في الشعر التعليمي- في عمومه- من مآخذ وعيوب أكثر مما فيه من حسنات وفضائل (وأن ما فيه من مثالب ونقائص لا يدعو إلى الدفاع عنه، والتحمس للقول بأن العرب قد عرفوه في أدبهم، نقرر أن الأدب العربي منذ جاهليته قد شارك في هذا اللون من الفن بكل أقسامه التي قدمناها:

(1)

فبالنسبة للتاريخ وذكر القرون الخالية والأمم البائدة، قد امتلأ الأدب العربي بشعر الشعراء في ذلك، وقد كان ذلك أحد المنطلقات التي انطلق منها جماعة من الشعراء خصوصاً أولئك الذين كانوا على شيء من الثقافة الدينية والعلمية كأمية بن أبي الصلت، وعدي بن زيد

1 الخ من ذلك قصيدة عدي في منشأ الخلق وقصته خلق آدم وحواء وهبوطهما من الجنة التي يقول فيها:

اسمع حديثاً كما يوماً تُّحدثه

عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا

أن كيف أبدى إله الخلق نعمته

فينا، وعرّفنا آياته الأُولا

كانت رياح وماءٌ ذو عرانية

وظلمة لم تدع فتقاً ولا خللا

فأمر الظلمة السوداء فانكشفت

وعزل الماء عما كان قد سفلا

وبسط الأرض بسطاً ثمّ قدّرها

تحت السماء سواء مثل ما فعلا

وجعل الشمس مصراً لا خفاء به

بين النهار وبين الليل قد فصلا

قضى لستة أيام خليقته

وكان أخرها أن صوّر الرجلا

وعاه آدم صوتاً فاستجاب له

بنفحة الروح في الجسم الذي جبلا

ثم استمر الشاعر يتحدث عن خلق حواء وإسكانها مع زوجها الجنة، ونهيهما عن أكل الشجرة، إلى أن أخذ يتحدث عن العقاب الذي أنزل بالحية جزاء ما أغوت آدم وزوجه، فيقولن:

فلاطها الله إذ أغوت خليفته

طول الليالي ولم يجعل لها أجلا

تمشي على بطنها في الدهر ما عمرت

والترب تأكله حزناً وأن سهلا 2

(1) انظر عدي بن زيد للدكتور محمد علي الهاسمي ص 133-177.

(2)

الحيوان للجاحظ بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون ج4 ص197-199.

ص: 210

وينظم عدي قصة الزّباء وجذيمة وقصير، تلك القصة التاريخية المشهورة:1

ألا يا أيها المثرى المرجّى

ألم تسمع بخطب الأولينا

دعا بالبقة الأمراء يوماً

جذيمةُ حين ينجوهم ثبينا

فطاوع أمرهم وعصى قصيراً

وكان يقول- لو تبع- اليقينا

ودست في صحيفته إليه

ليملك بضعها ولأن تدينا

فأردته ورغب النفس يرد

ويبدي للفتى الحَين المبينا

وخبّرت العصا الأنباء عنه

ولم أرمثل فارسها هجينا

وقدمت الأديم لراهشيه

وألفى قولها كذباً ومنينا

ومن خدر الملاوم والمخازي

وهن المنديات لمن منينا

أَطفّ لأنفه الموسي قصير

ليجدعه، وكان به ضنينا

فأهواه لمارنه فأضحى

طلاب الوتر مجدوعاً مشينا

وصادفت امرءاً لم تخش منه

غوائله وما أمنت أمينا 2

وهكذا تسير القصيدة في تصوير الحادثة وقصها

الخ.

(2)

فإذا انتقلنا إلى لون آخر من الشعر التعليمي في الجاهلية، وهو ذلك الذي أسموه (حقائق الفنون والعلوم والصناعات) وجدنا له مثالاً صارخاً للشاعر الجاهلي (الأخنس بن شهاب)

وهذه القصيدة يذكر فيها سكنى قبائل نجد قبيلة قبيلة، فهي من هذه الناحية تدخل في علم تقويم البلدان- أو ما يسمى بالجغرافية- فمما جاء في هذه القصيدة:-

فمن يكُ أمسى في بلاد مقامه

يسائل أطلالا بها لا تجاوب

فلا بنة حطّان بن قيس منازل

كما نمّق العنوان في الرّق كاتب

لكل أناس من معدِ عمارة

عروض إليها يلجؤون وجانب

لكيز لها البحران والسِّيف دونه

وإن يأتهم ناس من الهند هارب

تطاير من أعجاز حوش كأنها

جهام أراق ماءه فهو آيب

وبكر لها برُّ العراق وإن تخف

يحل دونها من اليمامة حاجب

وصارت تميم بين قفٍ ورملة

لها من جبال منتأى ومذاهب

وكلب لها خبّ، فرملة عالج

إلى الحرة الرجلاء حيث تحارب

(1) انظر القصة في تاريخ الطبري ج2/31_36 ومروج الذهب للمسعودي طبعة دار التحرير ج2/290 ومجمع الأمثال للميداني، ودائرة المعارف الإسلامية مادة (تدمر) .

(2)

انظر بقية القصيدة في الشعر والشعراء لابن قتيبة بتحقيق الشيخ أحمد شاكر ص 227.

ص: 211

وغسّان حيّ عزّهم في سواهم

يجالد عنهم خسّر وكتائب

وبهراء حيّ قد علمنا مكانهم

لهم شرك حول الرصافة لاحب

وغارت إياد في السّواد ودونها

برازيق عجم تبتغي من تحارب

ونحن أناس لا حجاز بأرضنا

مع الغيث ما نلقى ومن هو غالب

ترى رائدات الخيل حول بيوتنا

كمعزى الحجاز أعوزتها الزّرائب 1

فالقصيدة- كما ترى- من الشعر التعليمي دون ريب؛ ذلك لأن المقصود منها هو بيان مساكن هذه القبائل في جزيرة العرب والعراق وما إليهما.

(3)

أما القسم الثالث من الشعر التعليمي، وهو الذي يتناول العقائد والأخلاق، فهو في الشعر الجاهلي أكثر من أن يحصى عدداً، خصوصاً عند هؤلاء الشعراء من أمثال أمية بن أبي الصلت وعدي، وزهير

فإذا جئنا إلى العصر الأموي، وجدنا هذا الضرب من الشعر قد تمثل بوضوح في عدة موضوعات، أولها: أنه نظمت به الكيمياء- أو الصنعة كما كانوا يسمونها..-ِ فلقد روى المسعودي أن حكيم آل مروان- خالد بن يزيد بن معاوية الذي اشتهر باهتمامه بالكيمياء قد وضع منظومة في هذه الصناعة، ذكر فيها طريقة تحويل المعدن الخسيس إلى جوهر نفيس، يقول فيها:

خذ الطّلْق مع الأشْقِ

وما يوجد في الطرق

وشيئاً يشبه البرقا

فدبِّره بلا حرق

فإن أحببت مولاكا

فقد سوِّدت في الخلق 2

كما استخدم هذا الشعر في تعليم غريب اللغة كما قدمنا في صدر هذا الحديث عند الكلام عن الأرجوزة الأموية، التي أسهمت في إبراز صورة الشعر التعليمي العباسي، وفي المقامة في جانب النثر فيما بعد.. ولقد وقعت محاولة لاستخدام هذا اللون في شرح فروع الدين - في رأي عبد الملك بن مروان - من أحد شعراء العصر، فوقف عبد الملك في سبيلهِ..وذلك فيما يروى من أن الشاعر الأموي (الراعي النميري) قد أنشد عبد الملك بن مروان قصيدته التي يشكو فيها السعادة وهم يأخذون الزكاة، حتى إذا بلغ قوله:

أخليفة الرحمن إنّا معشر

حنفاء نسجد بكرة وأصيلا

(1) المفضليات للضبي بتحقيق الشيخ أحمد شاكر والأستاذ عبد السلام هارون ص 203 وحماسة أبي تمام طبع سعيد الرافعي ج1/299 ببعض اختلاف.

(2)

مروج الذهب للمسعودي طبع دار التحرير بالقاهرة ج2/514.

ص: 212

عرب نرى لله في أموالنا

حق الزكاة منزلا تنزيلا

قال عبد الملك: ليس هذا شعراً، هذا شرح إسلام وقراءة آية 1!

وهكذا استمر الأمر، نرى شيئا من الشعر التعليمي في هذا الموضع أو ذاك، حتى إذا جاء العصر العباسي، رأينا الشعراء ينظمون به في جملة موضوعات ومسائل علمية وتاريخية وقصصية إظهاراً للبراعة، ودلالة على قدرتهم على التجديد والابتكار، وتدليلاً على أنهم قد ألموا بمعارف العصر، وثقافات الأمم الأخرى التي نقلت إلى العربية.. وأنهم قد صاروا على شيء من هضم هذا الذي ترجم، فهم يسهمون بدورهم في نقله وإيصاله إلى الآخرين عن طريق هذا اللون من الشعر!.. ومن أوائل هؤلاء الشعراء الذين أخذوا من هذا الفن بطرف السيد الحميري (105- 173 هـ) الذي كان مفتوناً مغرماً بنظم القصص والمناقب والأخبار التي تروي عن علي وأبنائه. من ذلك ما يروى من أنه سمع محدثاً يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ساجداً، فركب الحسن والحسين على ظهره، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" نعم المطيّ مطيكما!.." فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولنعم الراكبان هما"!.. فانصرف السيد الحميري من فوره، فقال في ذلك:

أتى حسن والحسين النبي

وقد جلسا حجره يلعبان

فغدّاهما، ثم حيّاهما

وكانا لديه بذاك المكان

فراحا وتحتهما عاتقاه

فنعم المطية والراكبان

وليدان أمّهما بَرَّة

حَصان مطهّرة للحصان

وشيخهما ابن أبى طالب

فنعم الوليدان والوالدان 2

ومن ذلك ما يروى من أن علياً كرم الله وجهه. عزم على الركوب، فلبس ثيابه وأراد لبس خفيه فلبس أحدهما، ثم أهوى إلى الآخر ليأخذه، فانقض عقاب من السماء فأخذ الخف وحلّق به ثم ألقاه، فسقط منه أسود- ثعبان- وانساب فدخل جحراً، فلبس الخف، وحين سمع السيد ذلك قال في سرعة:

ألا يا قوم للعجب العجاب

لخف أبي الحسين وللحباب

أتى خفاً له وانساب فيه

لينهش رجله منه بناب

فخرّ من السماء له عقاب

من العقبان أو شبه العقاب

(1) الموشح للمرزباني بتحقيق الأستاذ البجاوي-لجنة البيان العربي ص249 وانظر خزانة الأدب للبغدادي الطبعة السلفية بالقاهرة ج2/134 وجمهرة أشعار العرب ص172.

(2)

الأغاني (دار الكتب) ج1/259.

ص: 213