الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما شارك في الرد على بشار أيضاً سليمان الأعمى_ أخو مسلم بن الوليد قائلاً:
لابدّ للأرض إن طابت وان خبثت
…
من أن تحيل إليها كلّ مغروس
وتربة الأرض إن جيدت وإن قحطت
…
فحملها أبداً في إثر منغوس
وبطنها بفلزّ الأرض ذو خبر
…
لكل جوهرة في الأرض مرموس
وكلّ آنية عمت مرافقها
…
وكل منتقد فيها وملبوس
وكل ما عونها كالملح مرفقة
…
وكلها مضحك من قول إبليس 1
(1) المرجع السابق ج1/41-43.
في ميدان الموعظة والحكمة:
ومن أبرز الشعراء الذين استخدموا الشعر التعليمي في الموعظة والحكمة أبو العتاهية الذي كانت له عدة قصائد تعليمية أسهم بها في ميدان نقل العلم والمعرفة للآخرين، و "
…
أخذت مكانها في تربية الذوق الإسلامي وتهذيب الناشئين 000" 1
…
ومن أبرز قصائده هذه أرجوزته المعروفة بذات الأمثال التي يقف فيها موقف المعلم من تلاميذه، أو الحكيم الواعظ الذي يوجه الناس ويريهم سبيل الرشاد من منبره
…
وهي أرجوزة مزدوجة ينفرد كل بيت فيها بقافية يشترك فيها شطران، ويذكر أبو الفرج أنها طويلة جداً 2. وفيها أربعة آلاف مثل 3 ولكنه لم يثبت منها في أغانيه إلاّ ثلاثة وعشرين بيتاً 4 إلاّ أن جمع ديوانه قد أورد منها ما يقرب من الخمسين بيتاً 5.
وأبو العتاهية في ذات الأمثال هذه يأتينا بحكم أخلاقية وأمثال سائرة سجّل فيها خلاصة تجاربه وآرائه في الحياة مصوغة صياغة مضغوطة مركزة في أخصر عبارة بحيث تبدو في صورة الأمثال السائرة- كما هو واضح من اسمها- فتخف على الألسنة، وتعلق بالذاكرة، فيسهل تداولها، ويسرع في الذهن استدعاؤها واستحضارها، ومن هنا يحتسبها من يحتسبها في الشعر التعليمي6، ويضعها من يضعها في أدب الحكمة!..
والقصيدة لا تعرض لموضوع واحد، أو لفكرة واحدة، ولكنها تعرض لعدة موضوعات، ولأفكار شتى، فكلّ بيت يعرض فكرة مستقلة، وقد تشترك عدة أبيات في عرض فكرة،
(1) دراسات في الأدب الإسلامي للأستاذ محمد خلف الله أحمد ص 109 مع ملاحظة أننا نتحفظ تجاه سلبيته وانعزاليته المبالغ في الدعوة إليهما.
(2)
الأغاني طبعة دار الشعب ص 1251.
(3)
المرجع السابق ص 1250.
(4)
المرجع نفسه ص 1250- 1251.
(5)
ديوانه نشر لويس شيخو ص493- 496.
(6)
دراسات في الأدب الإسلامي لمحمد خلف الله أحمد ص 109.
ولكن يظل كل بيت وحدة قائمة بذاتها، ترض جانبا مستقلا من جوانب الفكرة العامة 1. يقول أبو العتاهية:
حسبك ما تبتغيه القوت
…
ما أكثر القوت لمن يموت
الفقر فيما جاوز الكفافا
…
من اتّقى الله رجا وخافا
إن كان لا يغنيك ما يكفيكا
…
فكل ما في الأرض لا يغنيكا
إن القليل بالقليل يكثر
…
إن الصفاء بالقذى يكدّر
ومنها:
لكل شيء معدن وجوهر
…
وأوسط وأصغر وأكبر
وكل شيء لاحق بجوهره
…
أصغره متصل بأكبره
مازالت الدنيا لنا دار أذى
…
ممزوجة الصفو بألوان القذى
الخير والشر بها أزواج
…
لذا نتاج، ولذا نتاج
من لك بالمحصن وليس محصن
…
يخبث بعض ويطيب بعض
لكل إنسان طبيعتان
…
خير وشر وهما ضدان
والخير والشر إذا ماعدّا
…
بينهما بؤن بعيد جدا
وهكذا تمضي الأرجوزة التي يتضح فيها تعدد الموضوعات وتشتت الأفكار الذي رّبما كان السبب فيه أنها لم تنظم في وقت واحد، وإنما نظمت في أوقات متباينة متباعدة، كلما خطر للشاعر خاطر، وعنت له فكرة جديرة بالتسجيل أسرع إلى تسجيلها رجزاً وألحقها بدفتره2.
ومن شعره هذا مذكراً بالموت وسكراته، لائماً على نسيانه والسهو عنه:
حتى متى تصبو ورأسك أشمط
…
أحسبت أن الموت في اسمك يغلط
أو لست تحسبه عليك مسلّطا
…
ويلي، وربك إنه لمسّلط
ولقد رأيت الموت يفرس تارة
…
جثث الملوك وتارة يتخبط
(1) حياة الشعر في الكوفة للدكتور يوسف خليف ص569.
(2)
المرجع السابق ص561.
فتألف الخلان مفتقداً لهم
…
ستشط عمن تألفن وتشمط
وكأنني بك بينهم واهي القوى
…
نضواً تقلص بينهم وتبسط
وكأنني بك بينهم خفق الحشا
…
بالموت في غمراته يتشحظ
وكأنني بك في قميص مدرجاً
…
في ريطتين ملفف ومخيط
لا ريطتين كريطتي متنسم
…
روح الحياء ولا القميص مخيط 1
ويمكن النظر في هذه النصوص التي أوردناها من قبل لبشر بن المعتمر، وصفوان الأنصاري، وسليمان الأعمى- باعتبارها نماذج للحكمة والموعظة، بل هي من صميم ذلك دون ريب، كما يمكن اعتبار آداب وأشعار الوعاظ والزهاد من الأدب التعليمي في الصميم!..
(1) ديوان أبي العتاهية ص244.