المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عبارات موهمة في أثر الحديث الصحيح: - خبر الواحد الصحيح وأثره في العمل والعقيدة

[نور الدين عتر]

فهرس الكتاب

- ‌ شروط الحديث الصحيح

- ‌الشَّرْطُ الأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رُوَاةِ الحَدِيثِ عَدْلاً:

- ‌الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي ضَابِطاً لِمَا يَرْوِيهِ:

- ‌الشَّرْطُ الثَّالِثُ: الاِتِّصَالُ:

- ‌الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَلَاّ يَكُونَ الحَدِيثُ شَاذًّا:

- ‌الشَّرْطُ الخَامِسُ: أَلَاّ يَكُونَ الحَدِيثُ مُعَلاًّ:

- ‌تَقْسِيمُ الخَبَرِ مِنْ حَيْثُ عَدَدِ رُوَّاتِهِ:

- ‌القِسْمُ الأَوَّلُ: الخَبَرُ المُتَوَاتِرُ:

- ‌القِسْمُ الثَّانِي: خَبَرُ الوَاحِدِ أَوْ الآحَادِ:

- ‌أَثَرُ خَبَرِ الآحَادِ الصَّحِيحِ فِي العَمَلِ:

- ‌اشْتِبَاهُ تَرْكِ الفَقِيهِ لِلْحَدِيثِ:

- ‌أَثَرُ الخَبَرِ الآحَادِي الصَّحِيحِ فِي العَقِيدَةِ:

- ‌عِبَارَاتٌ مُوهِمَةٌ فِي أَثَرِ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ:

- ‌أَثَرُ الخَبَرِ الصَّحِيحِ المُجَرَّدِ فِي العَقِيدَةِ:

- ‌أَثَرُ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ المُحْتَفِّ بِالقَرَائِنِ فِي العَقِيدَةِ:

- ‌الفَرْقُ بَيْنَ العِلْمِ القَطْعِيِّ وَالعِلْمِ النَّظَرِيِّ:

- ‌حُكْمُ العِلْمِ النَّظَرِيِّ:

- ‌أَنْوَاعٌ مِنَ الحَدِيثِ تُفِيدُ العِلْمَ النَّظَرِيَّ:

الفصل: ‌عبارات موهمة في أثر الحديث الصحيح:

وحاصله أنه لم يَدْرِ كَمْ يَسْتَمِرُّ المَجْلِسُ، فلو توقف الملك على التفرق لأدى إلى الغرر، وقد ثبت تحريم بيع الغرر بالسنن الصحيحة والإجماع. لذلك قالوا: إن المراد من الحديث إلا أن يتفرقا بأقوالهما، وذلك بأن يتم الإيجاب والقبول، ولفظ الحديث يتحمل هذا المعنى فعملوا بالحديث عليه للأدلة التي عرفتها، وهذا لا يجوز أن يجعل تَرْكًا لِلْسُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.

‌أَثَرُ الخَبَرِ الآحَادِي الصَّحِيحِ فِي العَقِيدَةِ:

نمهد لهذا البحث ببيان مراتب العلم الذي يستفاد من الدليل المعمول به في الشريعة: وهي ثلاث مراتب:

1 -

العلم اليقيني القطعي: وهو ما ثبت بالأدلة القطعية اليقينية، كنص القرآن الكريم والحديث المتواتر، والحكم العقلي الذي لا يقبل رَدًّا، لكونه مِنَ المُسَلَّمَاتِ، مثل:«الثَّلَاثَةُ أَكْثَرُ مِنَ الاثْنَيْنِ» ، وكون «الاثْنَيْنِ نِصْفُ الأَرْبَعَةِ» . وهذا النوع يعرفه كل متعقل، ولو لم يكن من أهل الاختصاص العلمي في المسألة.

والدليل الذي يثبت هذا العلم يجب قبوله والاعتقاد به وَيُكَفَّرُ جَاحِدُهُ، لأنه لفرط ظهور قطعيته صار مِنَ المُسَلَّمَاتِ المَقْطُوعِ بِهَا. وصارت الوسائط كأن لم تكن، وصار المطلع عليه كالسامع من النبي نفسه سواء بسواء، فيكون منكره مُكَذِّبًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

2 -

العلم النظري: وهو علم يقيني، لكن ليس ضروريًا، أي ليس ظاهرًا لكل أحد، إنما هو علم نظري استدلالي، لا يحصل إلا للعالم المتبحر في العلم، لتبحر الباحث في علم الحديث وفي أحوال الرواة والعلل

3 -

علم غلبة الظن، والمراد بها: إدراك رجحان صدق القضية ووقوع ذلك في القلب موقع القبول، وذلك في كل قضية دَلَّ دليل صحيح على ثبوتها، لكن بقي احتمال مغلوب بعدم الثبوت، لم يقطع الدليل ذلك الاحتمال، فهذا الاحتمال لا يمنع من القبول، وربما يظنه بعض الناس ولا سيما العوام يَقِينًا، لعدم تفريقهم بين الأمرين، وإنما هو علم قائم على الشعور القوي بصحة القضية، وهذا يجب العمل به والأخذ بمقتضاه في الأحكام، كما أوضحنا فيما سبق، وهو في الواقع نوع من العلم، كما قال بعض الأصوليين. إنه إدراك الطرف الراجح. وهو ملزم أَيْضًا، لكن العلماء نَبَّهُوا على هذا الاحتمال الضعيف الذي في هذا النوع والذي لا يلتفت إليه، ليأخذ حكمه المناسب، بإزاء المرتبتين السابقتين.

بعد هذا البيان لمراتب العلم فإني أرى أَيْضًا استكمال التمهيد بأن أقسم خبر الواحد الصحيح إلى قسمين:

القسم الأول: خبر الواحد الصحيح من حيث هو. أي لم تحتف به قرائن تقويه.

القسم الثاني: خبر الواحد الصحيح الذي احتف بقرائن تقويه، وترتفع به عن غلبة الظن.

وهذا التمهيد في الواقع مُهِمٌّ جِدًّا لتسهيل فهم البحث على القارئ ووضوح الرؤية فيه، كي لا يتوهم من البحث ما لا يقصد من سياق العبارات.

‌عِبَارَاتٌ مُوهِمَةٌ فِي أَثَرِ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ:

وقع في بعض النشرات التي صدرت في بيان حكم الحديث الصحيح عِبَارَاتٌ مُوهِمَةٌ، تحتاج إلى تحرير المراد منها، نسوق للقارئ بعض النماذج منها فيما يلي:

ص: 169

1 -

«فكما كان لا يجوز للصحابي مثلاً أن يرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في العقيدة بحجة أنه خبر آحاد سمعه عن صحابي مثله عنه صلى الله عليه وسلم، فكذلك لا يجوز لمن بعده أن يرده بالحجة نفسها ما دام أن المخبر به ثقة عنده، وهكذا ينبغي أن يستمر الأمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد كان الأمر كذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين، كما سيأتي النص بذلك عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.

ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا السنة النبوية وأهملوها، بسبب أصول تبناها بعض علماء الكلام وقواعد زعمها بعض علماء الأصول والفقهاء المقلدين».

2 -

«إن القائلين بأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة يقولون في الوقت نفسه بأن الأحكام الشرعية تثبت بحديث الآحاد، وهم بهذا قد فرقوا بين العقائد والأحكام

».

3 -

«لقد عرضت لهم شبهة ثم صارت لديهم عقيدة! وهي أن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن، ويعنون به الظن الراجح طَبْعًا، والظن الراجح يجب العمل به في الأحكام، اتفاقًا ولا يجوز الأخذ به عندهم في الأخبار الغيبية، والمسائل العلمية، وهي المراد بالعقيدة» .

4 -

ذكروا تحت عنوان: فساد قياس الخبر الشرعي على الأخبار الأخرى في إفادة العلم:

قال ابن القيم - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - (2/ 368):

«وَإِنَّمَا أُتِيَ مُنْكِرُ إِفَادَةِ خَبَرِ الوَاحِدِ لِلْعِلْمِ مِنْ جِهَةِ القِيَاسِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّهُ قَاسَ المُخْبِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَرْعٍ عَامٍّ لِلأُمَّةِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى عَلَى خَبَرِ الشَّاهِدِ عَلَى قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَيَا بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا! فَإِنَّ المُخْبِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ كَذَبَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَلَمْ يَظْهَرْ مَا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ لَزِمَ عَلَى ذَلِكَ إِضْلَالُ الخَلْقِ، إِذِ الكَلَامُ فِي الخَبَرِ الذِي تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالقَبُولِ وَعَمِلَتْ [بِمُوجَبِهِ]» .

5 -

سبق قبل هذا قولهم: «والحق الذي نراه ونعتقده أن كل حديث أحادي صحيح تلقته الأمة بالقبول من غير نكير منها عليه أو طعن فيه، فإنه يفيد العلم واليقين، سواء كان في أحد " الصحيحين " أو في غيرهما» .

6 -

وفي نشرة أخرى يقولون: «إن دعوى اتفاق الأصوليين على ذلك القول دعوى باطلة، وجرأة زائدة، فإن الاختلاف معروف في كتب الأصول وغيرها، وقد نص على أن خبر الواحد يفيد العلم الإمام مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي وأصحابه كابن حزم

».

7 -

نقلوا عن الشيخ أبي اسحاق الشيرازي من فقهاء الشافعية قوله: «وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول يوجب العلم والعمل، سواء عمل به الكل أو البعض» . ونقلوا قول القاضي أبي يعلى الحنبلي: «خبر الواحد يوجب العلم إذا صح سنده، ولم تختلف الرواية فيه، وتلقته الأمة بالقبول، وأصحابنا يطلقون القول فيه وأنه يوجب العلم وإن لم تتلقه الأمة بالقبول» . قال: «والمذهب على ما حكيت لا غير» .

ففي هذه العبارات إيهامات لغير الحق منها:

1 -

إيهام أن المتأخرين من علماء المذاهب لم يأخذوا بالحديث الآحادي الصحيح في العقائد، كما قد يفهم من العبارتين رقم / 1 و 2/ وأنهم خالفوا مذاهب أئمتهم، في هذا الأمر، وأسلوب العبارة قد يؤخذ منه

ص: 170