الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَكَذَا ذكر ابْن نوعى خَبره فِي ذيله التركي وَذكره البوريني فِي تَارِيخه وَأثْنى عَلَيْهِ قَالَ فِي تَرْجَمته كَانَت لَهُ مُعَارضَة مَعَ الْعِمَاد الْحَنَفِيّ السَّمرقَنْدِي الباياسوني النعماني وَكَانَ أهل النّظر لَا يرونه أَهلا لمعارضة الْعِمَاد وطالت بَينهمَا الْمُعَارضَة والمحاورة حَتَّى أَنَّهُمَا لم يجتمعا فِي مجْلِس لَكِن كَانَت السفار بَينهمَا غير مندفعة حَتَّى أَن المنلا توفيق لقب الْعِمَاد بقوله هُوَ كَيفَ الدّين لِأَنَّهُ كَانَ يتَنَاوَل شَيْئا من الأفيون فَأرْسل الْعِمَاد إِلَيْهِ قَائِلا الدّين مَاله كَيفَ بل لَهُ زائر وضيف فَأَنت يَا توفيق ضيف الدّين وَذَلِكَ لِأَنَّك كنت كيلانيا وَأهل كيلان زيديون وهم قسم من الشِّيعَة يرَوْنَ الْإِمَامَة لزيد بن الْحسن فَكَأَنَّهُ لما ترك تِلْكَ الْبِلَاد وَصَارَ حنفيا فِي بِلَاد آمد صَار ضيفا للدّين لِأَنَّهُ نزيل أهل السّنة وشاعت بَينهمَا أَمْثَال هَذِه الْأَقَاوِيل ثمَّ رَحل الْعِمَاد إِلَى دمشق ورحل توفيق إِلَى الرّوم فَتوفي بهَا فِي سنة عشر وَألف
(حرف الْجِيم)
جَار الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْقُدسِي الْمَعْرُوف بِابْن أبي اللطف الحصكفي الأَصْل مفتي الْحَنَفِيَّة ومدرس الْمدرسَة العثمانية بالقدس تولاها بعد موت عَمه عمر وَتوجه إِلَى الرّوم بعد موت عَمه الْمَذْكُور وتقرر فِي هَذِه المناصب وَله رحْلَة سَابِقَة إِلَى مصر أَخذ بهَا الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه عَن عُلَمَاء ذَلِك الْعَصْر وَأخذ عَن عَمه شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد وَكَانَ يُحِبهُ جدا حَتَّى أَنه زوجه ابْنَته قَالَ الْحسن البوريني حكى لي ولد مُحَمَّد الْمَذْكُور وَهُوَ الشَّيْخ كَمَال الدّين مُحَمَّد بن أبي اللطف الْآتِي ذكره أَن وَالِده كَانَ قد زعم أَن يُزَوّج ابْنَته الْمَذْكُورَة بِابْن أَخ آخر لَهُ فرأت امْرَأَة صَالِحَة فِي دَارهم وَالِد الشَّيْخ مُحَمَّد وَهُوَ شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد شمس الدّين وَهُوَ يَقُول هَذِه الْبِنْت لَا يُعْطِيهَا مُحَمَّد لفُلَان بل يُعْطِيهَا لِجَار الله وَهَكَذَا رأى هَذَا الْمَنَام بِعَيْنِه رجل صَالح ضَاعَ عني اسْمه فَلَزِمَ أَنه أَعْطَاهَا لِجَار الله كَمَا حكم وَالِده فِي الرُّؤْيَا وَأصَاب فِي ذَلِك فَإِن ابْن أَخِيه الآخر مَاتَ سَرِيعا وَلم ينْتج وأنتج جَار الله وَكَانَ عَالما فَاضلا سخيا طلق الْكَفّ طلق الْوَجْه مبذول الْقرى قَرَأت بِخَط الْعَلامَة مُحَمَّد بن نعْمَان الأيجي الدِّمَشْقِي فِي مَجْمُوع لَهُ ذكر فِيهِ بعض وفيات قَالَ توفّي جَار الله مفتي الْقُدس فِي أَوَائِل شعْبَان سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف وَورد خبر مَوته إِلَى دمشق فِي أواسط شعْبَان وَكَانَت وَفَاته فَجْأَة من غير عِلّة وَسَيَأْتِي وَلَده على
مفتي الْقُدس رَحمَه الله تَعَالَى
جَعْفَر الصادقبن بن عَليّ بن زين العابدين بن عبد الله بن شيخ بن عبيد الله بن شيخ ابْن الشَّيْخ عبد الله العيدروس اليمني الشَّافِعِي الشريف الْفَائِق الْأَجَل الْمولى الْعلي الْقدر ولد بِمَدِينَة تريم وَصَحب أَبَاهُ ولازمه مُدَّة فِي فنون عديدة وَحفظ الْقُرْآن وجوده وَحفظ الْإِرْشَاد والمحلة والقطر وَغَيرهَا وَأخذ عَن ابْن عَمه عبد الرَّحْمَن السقاف ابْن مُحَمَّد العيدروس وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب وَالشَّيْخ زين بن حُسَيْن بَافضل وَأبي بكر الشلي باعلوي وبرع فِي التَّفْسِير وَالْفِقْه والْحَدِيث والتصوف والعربية والحساب والفلك والفرائض وَكَانَ ناضر الْعَيْش رخى البال وأتحفه الله بِحسن الْفَهم وجمال الصُّورَة وَكَمَال الْخلقَة ورزقه قبولا تَاما وَكَانَ بيغا فِي نظمه وإنشائه ثمَّ حج وَأخذ بالحرمين عَن جمَاعَة ثمَّ عَاد إِلَى تريم وَلم يدْخل إِلَى بلد إِلَّا وأكرمه واليها غَايَة الْإِكْرَام وَلما قرب من تريم خرج النَّاس للقائه وَدخل فِي جَمِيع لم يتَّفق لأحد من أهل بَيته وَكَثُرت مزاحمة الرِّجَال وأرباب الدفوف والشبابات بَين يَدَيْهِ والمداح تمدحه وَتثني عَلَيْهِ وَسبب ذَلِك أَن أَبَاهُ كَانَ مُتَوَلِّيًا أَمر الإشراف وَكَانَ لَهُ إِلَيْهِ محبَّة زَائِدَة وَأقَام بتريم مُدَّة ثمَّ رَحل إِلَى الْهِنْد لطلب الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة فَدخل بندر سورت للأخذ عَن عَمه الشريف مُحَمَّد ثمَّ قصد إقليم الدكن فاتصل ثمَّة بالوزير الْأَعْظَم الْملك عنبر فنظمه فِي سلك ندمائه وناظر الْعلمَاء بِحَضْرَتِهِ فَظهر عيهم ثمَّ تصدر للتدريس واعتنى بِلِسَان الْفرس فحصله فِي مُدَّة يسيرَة وَلما رأى بعض الْعَجم العقد النَّبَوِيّ لجده الامام شيخ بن عبد الله طلب مِنْهُ أَن يترجمه لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ فترجمه بِأَحْسَن عبارَة وَلم يزل حَتَّى مَاتَ الْملك عنبر وأقيم وَلَده فتخ خَان مقَامه فَزَاد فِي إجلال صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى أَن قدر الله تَعَالَى على تِلْكَ الدولة مَا قدر من نفادها وتشتت أَرْبَابهَا فَعَاد الصَّادِق إِلَى بندر سورت وَقرر على مَا كَانَ عَلَيْهِ عَمه مُحَمَّد العيدروس من الْمَعْلُوم والغلال وزادوه كثيرا من الْأَرَاضِي فَكَانَ ينفقها على الْوَارِد وَألقى بالبندر عَصَاهُ واشتهر أمره وطنت حصاته وَكَانَ لَهُ من الْولَايَة نصيب وافر وَله كرامات ومكاشفات مِنْهَا مَا حدث بِهِ بعض الثِّقَات من أهل مَكَّة قَالَ أردْت السّفر لى وطني وَأَنا ببندر سورت فَدخلت عَلَيْهِ أودعهُ وأسأله الدُّعَاء بالوصول إِلَيْهَا سالما فَقَالَ لي تسْعَى بَين الصَّفَا والمروة فِي الْيَوْم الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ من هَذَا الْيَوْم قَالَ فَلَمَّا وصلتها بَيْنَمَا أَنا أسعى إِذْ سَأَلَني رجل عَن السَّيِّد الْمَذْكُور فتذكرت قَوْله لي وحسبت الْأَيَّام
فَإِذا الْأَمر كَمَا قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من خِيَار الْقَوْم وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن فِي مشْهد عَمه مُحَمَّد العبدروس وقبره مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى
جَعْفَر أَبُو الْبَحْر بن مُحَمَّد بن حسن بن عَليّ بن نَاصِر بن عبد الإِمَام الشهير بالخطي البحراني الْعَبْدي أحد بني عبد الْقَيْس بن شقّ بن قصي بن دعمة بن جديلة بن أَسد بن ربيعَة بن نزار بن معد بن عدنان ذكره فِي السلافة فَقَالَ فِي وَصفه ناهج طرق البلاغة والفصاحة الزاخر الباحة الرحيب الساحة البديع الْأَثر والعيان الْحَكِيم الشّعْر السَّاحر الْبَيَان ثقف بالبراعة قداحه وأدار على المسامع كؤسه وأقداحه فَأتى بِكُل مُبْتَدع مطرب ومخترع فِي جنسه مغرب وَمَعَ قرب عَهده قد بلغ ديوَان شعره من الشُّهْرَة الدى وَسَار بِهِ من لَا يسير مشمرا أَو غنى بِهِ من لَا يُغني مغردا وَكَانَ قد دخل الديار العجمية فقطن مِنْهَا بِفَارِس وَلم يزل وَهُوَ لرياض الْأَدَب جَان وغارس حَتَّى اختطفته أَيدي الْمنون فعرس بِفنَاء الفناء وخلد عرائس الْفُنُون وَلما دخل أَصْبَهَان اجْتمع بالشيخ بهاء الدّين مُحَمَّد العاملي وَعرض عَلَيْهِ أدبه فاقترح عَلَيْهِ مُعَارضَة قصيدته الَّتِي أَولهَا قَوْله
(سرى الْبَرْق من جد فهيج تذكاري
…
عهودا بجدوى والعذيب وَذي قار)
فعارضه بقصيدة مطْلعهَا
(هِيَ الدَّار تستسقيك مد مَعَك الْجَارِي
…
فسقيا وَخير الدمع مَا كَانَ للدَّار)
(وَلَا تستضع دمعا تريق مصونه
…
لعزته مَا بَين نور أَحْجَار)
(فَأَنت امْرُؤ بالْأَمْس قد كنت جارها
…
وللجار حق قد علمت على الْجَار)
(عشوت على اللَّذَّات فِيهَا على سنا
…
سناء شموس مَا يغبن وأبكار)
(فَأَصْبَحت قد أنفقت أطيب مَا مضى
…
من الْعُمر فِيهَا بَين عون وأقمار)
(نواصع بيض لَو أفضن على الدجى
…
سناهن لاستغنى عَن الْكَوْكَب الساري)
(خرائد يبصرن الْأُصُول بأوجه
…
تغص بأمواه النضارة أَحْرَار)
(معاطير لم تغمس يَد فِي لطيمة
…
لَهُنَّ وَلَا استعبقن جونة عطار)
(أبحنك مَمْنُوع الْوِصَال نواز لَا
…
على حكم ناه كَيفَ شَاءَ وأمار)
(أذابت تستقي الثغور مدامة
…
أتتك فحيتك الخدود بأزهار)
(أموسم لذاتي وسوق مآربي
…
ومجني لباناتي ومنهب أوطاري)
صفّين بلَاء حسنا فروى أَنهم فِي بعض أَيَّامهَا حِين استجر الْقَتْل وَرَأَوا فرار النَّاس عَمدُوا إِلَى غمود سيوفهم فكسروها وعقلوا أنفسهم بعمائمهم وجثوا اللركب وبركوا للْقَتْل فَقَالَ فيهم أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه وَرَضي عَنهُ
(لهمدان أَخْلَاق وَدين يزينها
…
وبأس إِذْ لاقوا وَحسن كَلَام)
(فَلَو كنت بوابا على بَاب جنَّة
…
لَقلت لهمدان ادخُلُوا بِسَلام)
وَقَالَ فيهم يَوْم الْجمل لَو تمت عدتهمْ ألفا لعبد الله حق عِبَادَته وَكَانَ إِذا رَآهُمْ تمثل بقول الشَّاعِر
(ناديت هَمدَان والأبواب مغلقة
…
وَمثل هَمدَان سني فَتْحة الْبَاب)
(كالهندواني لم تقلل مضار بِهِ
…
وَجه جميل وقلب غير وجاب)
ذكره ابْن عبد ربه فِي العقد وهمدان بِسُكُون الْمِيم وَبعدهَا ذال مُهْملَة وَأما همذان بِفَتْح الْمِيم والذل الْمُعْجَمَة فبلد من بِلَاد الْعَجم وَهِي أول عراق الْعَجم وإليها ينْسب بديع الْجمال الهمذاني صَاحب المقامات الَّذِي اقتفى الحريري أَثَره فِيهَا وَتَمام القصيدة مَوْجُود فِي ديوَان صَاحب التَّرْجَمَة وَقد قرظ لَهُ عَلَيْهَا الشَّيْخ بهاء الدّين تقريظا حسنا ذكره فِي السلافة وَذكر لَهُ بعض أشعار أوردت مِنْهَا قِطْعَة فِي النفخة الَّتِي ذيلت بهَا على الريحانة ومطلعها
(عاطنيها قبل ابتسام الصَّباح)
وَكَانَت وَفَاته سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى
جَعْفَر باشا الْوَزير الخطير صَاحب الْيمن ذكره الإِمَام الطَّبَرِيّ فِي تَارِيخه وَقَالَ سَمِعت من لفظ وَالِدي قَالَ تباحثت أَنا وإياه فِي خَمْسَة عُلُوم التَّفْسِير والْحَدِيث والمعاني وَالْبَيَان والقراآت فَوَجَدته فِي كل مِنْهَا كَامِلا وَذكر مُحَمَّد بن كاني الرُّومِي فِي تَارِيخه أَنه كَانَ حَاكم بِلَاد الْحَبَشَة فأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بِبِلَاد الْيمن فوصل إِلَى بندر الصليف من حُدُود الْيمن فِي تَاسِع عشر شهر ربيع الآخر سنة سِتّ عشرَة وَألف وَدخل مَدِينَة صنعاء فِي رَابِع عشرى شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ جَامعا بَين محَاسِن الْخِصَال ومراتب الْكَمَال وَكَانَ عَالما عَاملا وَفِيه من الدّيانَة والتهجد مَا هُوَ كثير على امثاله وَكَانَ خليقا بِكُل وصف حسن إِلَّا أَنه كَانَ يحب الْفَخر وَفِيه من التبه شَيْء لطيف وَمن نظر إِلَيْهِ فِي بعض مجَالِس أنسه وَكَثْرَة انبساطه ظن أَنه يَعْتَرِيه الجذب وَلَو أَمن من سفك الدِّمَاء فِي آخر مَجِيئه إِلَى الْيمن لَكَانَ مِمَّن ملك الْقُلُوب وَهُوَ مَعْذُور فِي هَذَا الْأَمر فَإِنَّهُ لما دخل صنعاء تصفح أَحْوَال الْبِلَاد فَرَأى أَن تقوى الإِمَام الْقَاسِم بمساعدة عبد الرَّحِيم بن المطهر وَذَلِكَ بِسَبَب عزم سِنَان باشا
فَاسْتحْسن مصالحة الإِمَام فَصَالحه يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشري ذِي الْحجَّة سنة سِتّ عشرَة وَألف على جِهَات مَعْلُومَة وَهِي بِلَاد الأهتوم وبلاد عَدو والقصمات ووادعة وبلاد برض وَشرط الإِمَام خُرُوج أَوْلَاده ومكالفه وَأَصْحَابه من حصن كوكبان فَأَطْلَقَهُمْ الْوَزير الْمَذْكُور وَأحسن إِلَيْهِم إِلَى وَلَده السَّيِّد مُحَمَّد وتوجهت العساكر على عبد الرَّحِيم فَأسرهُ وأرسله إِلَى العتبة السُّلْطَانِيَّة فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان عشرَة وَألف وواجهه أَخُوهُ الْأَمِير أَحْمد والأمير مُحَمَّد فأكرمهما بصنجقين وسلطانيين وَفتح بِلَاد حجَّة والشرف وبلاده وحصونه وَفتح بِلَاد نبوه وصاب وَشرع فِي نظام الْبِلَاد وَسَار سيرة مرضية فوصلت الْأَخْبَار إِلَى الْيمن أَنَّهَا تَوَجَّهت إِلَى ضَابِط الْجند الْوَزير إِبْرَاهِيم فَخرج الْوَزير جَعْفَر قَاصِدا إِلَى الْأَبْوَاب فِي حادي عشر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَوصل الْوَزير إِبْرَاهِيم إِلَى بندر الصليف فِي سلخ صفر وَخرج إِلَى الْبر غرَّة شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين فطلع من الْيمن مُتَوَجها إِلَى صنعاء فَمَال إِلَيْهِ الْأَمِير عبد الله كتخدا الْوَزير جَعْفَر وانضم إِلَيْهِ وَلم يرع لوَلِيّ نعْمَته حُرْمَة وَلَا راقب فِيهِ ذمَّة فعين الْوَزير إِبْرَاهِيم مَعَه عسكراً جراراً وعينه عَلَيْهِم وعَلى من بصنعا من العساكر أمره بالتقدم قبله إِلَى صنعاء فَتقدم ونهض الْوَزير إِبْرَاهِيم إِلَيْهَا فوصل إِلَى زمار وَهُوَ مَرِيض ثمَّ نَهَضَ مِنْهَا فَلَمَّا وصل إِلَى منقذة وَهِي على مرحلة من زمارٍ مَاتَ وَفِي سَبَب مَوته أقاويل وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشري جُمَادَى الأولى من السّنة وَقد كَانَ الْوَزير جَعْفَر وصل إِلَى زبيد وَاسْتقر بهَا لأجل تَكْمِيل مهمات يحْتَاج إِلَيْهَا فِي الطَّرِيق فوصلت إِلَيْهِ الْأَخْبَار بِمَوْت خَلفه فَرجع قَاصِدا صنعاء لما أرسل إِلَيْهِ أَعْيَان الْبِلَاد المجتمعون فِي مَدِينَة زمار خَارِجا عَمَّن كَانَ مَعَ الْأَمِير عبد الله لِأَنَّهُ كَانَ وَزِير السُّلْطَان وَأولى النَّاس بِالْولَايَةِ لأجل الْحِفْظ حَتَّى يرى السُّلْطَان فِي ذَلِك بِرَأْيهِ فَلَمَّا بلغ الْأَمِير عبد الله رُجُوع الْوَزير جَعْفَر ضَاقَتْ نَفسه لجراءته وأحاطت بِهِ الأوهام فَاجْتمع الَّذين أساؤوا إِلَيْهِ من الْأُمَرَاء والجند فتشاجروا وتحاوروا على الْخلاف وَكَانَ الْأَمِير عبد الله يعدهم ويمنيهم بِالَّذِي يُوَافق أهويتهم فساعده بَقِيَّة الْعَسْكَر وَكَانَ فيهم من يُنكر فعلهم وَأظْهر الِاسْتِقْلَال بِالْأَمر الْأَمِير عبد الله وَلما وصل الْوَزير جَعْفَر إِلَى زمار أرسل إِلَيْهِ كتابا بالصفح وَالْعَفو فَتعذر بالعسكر الَّذين نصبوه كرها وحذره من الْوُصُول فَلَمَّا ترددت الرُّسُل مَا زَاد هُوَ وَمن مَعَه إِلَّا عُدْوانًا فعين الْوَزير كتخداه الْأَمِير حيدر سرداراً على الْعَسْكَر وأرسلهم فَلَمَّا تراآى
الْجَمْعَانِ انْخَذَلَ بعض الْعَسْكَر وَجَاء إِلَى جَانب السردار وَثَبت بَعضهم لِلْقِتَالِ فَتقدم بِمن مَعَه عَلَيْهِم فَهَزَمَهُمْ وَلما بلغ عبد الله هزيمَة أعوانه تحصن فِي حصن صنعاء وَوصل السردار وَحط بِحَمْرَاء علب قرب صنعاء فَأرْسل إِلَى الْأُمَرَاء ووانسهم فطلبوا الْأمان فَأرْسل لَهُم بالأمان فَخَرجُوا إِلَى حَمْرَاء علب وتقدموا إِلَيْهِ فَمَا وسع الْأَمِير عبد الله إِلَّا النُّزُول إِلَيْهِ فَلَمَّا وصل شَاهد السردار أشقياء الْعَسْكَر يتزايدون ويتناقضون فِي الْكَلَام فحسم مواد الْفِتَن بِقطع رَأسه وخمدت نيران الْفِتْنَة وَذَلِكَ فِي أَوَائِل شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَوصل الْوَزير جَعْفَر إِلَى صنعاء وَكَانَ نُزُوله فِي الْبُسْتَان قبال بَاب السَّبي وَهُوَ أحد أَبْوَاب صنعاء فِي الْيَوْم الرَّابِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر وَصَامَ شهر رَمَضَان فِي قصر صنعاء وتتبع من كَانَ سَببا للفتن وساعد الْأَمِير عبد الله فَقطع دابرهم وَعَفا عَن بَعضهم وَكَانَ الإِمَام الْقَاسِم قد اغتنم الفرصة مُدَّة هَذِه الْفِتْنَة فَبسط يَده على أَكثر بِلَاد الْقبْلَة والمغارب وتقوت شوكته فَجمع الْوَزير جَعْفَر جَيْشًا وَعين كتخداه حيدر سرداراً عَلَيْهِم فَتوجه فظفر بالسيد الْحسن بن الْقَاسِم فِي عرة الأشمور فَقبض عَلَيْهِ وأرسله إِلَى الْوَزير ثمَّ كَانَت الْحَرْب بعد ذَلِك سجالاً وَفِي آخر الْأَمر حصل الْحَرْب الأكيد فَقتل من الْجَانِبَيْنِ عَالم كثير فِي أَمَاكِن مُتعَدِّدَة وبينت عَن قتل السَّيِّد عَليّ بن الْقَاسِم فَكَانَ سَببا لإطفاء نيران الْحَرْب من الطَّرفَيْنِ وَفِي خلال ذَلِك وصلت الْأَخْبَار بِأَن ولَايَة الْيمن قد تَوَجَّهت إِلَى الْوَزير حاجي مُحَمَّد باشا فَاخْتَارَ الصُّلْح لاشتغالهما بأنفسهما فانعقد الصُّلْح بَين الْوَزير جَعْفَر وَبَين الإِمَام الْقَاسِم بِأَن لكل مِنْهُمَا مَا تَحت يَده من الْبِلَاد وَالْخيَار لمُحَمد باشا بعد وُصُوله إِلَى صنعاء فِي تَمام الصُّلْح وَعَدَمه وَخرج الْوَزير جَعْفَر من صنعاء مُتَوَجها إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة يَوْم تَاسِع عشري شعْبَان سنة خمس وَعشْرين وَألف وَكَانَ أول دولته حَرْب وَنصر وأوسطها سلم وراحة وَآخِرهَا حَرْب وفتنة ومحنة وحقد انْتهى وَقد ذكر تَتِمَّة خَبره من هُنَا النَّجْم الْغَزِّي فِي ذيله فَقَالَ دخل دمشق مُنْفَصِلا عَن الْيمن يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة سبع وَعشْرين وَألف وَكَانَ دخل مصر وَأقَام بهَا مُدَّة قَالَ وَاجْتمعت بِهِ فِي الميدان الْأَخْضَر فَوَجَدته من أَفْرَاد الدَّهْر ينْطق بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيّ الفصيح وَهُوَ عَالم مُتَمَكن فِي الْعَرَبيَّة وَالتَّفْسِير إِمَام فِي علم الْكَلَام وَمَعْرِفَة مَذَاهِب الْفرق وَيحسن الرَّد عَلَيْهِم بالأدلة الْعَقْلِيَّة عَارِف بِالْخِلَافِ بَين الْمذَاهب شَدِيد التعصب على الْمُعْتَزلَة وَالرَّوَافِض
والزيدية لَا يمل من الْبَحْث وَلَا يفتر عَنهُ حاذق الفكرة جيد الذكاء ثمَّ سَافر من دمشق هُوَ وقاضي قُضَاة مصر السَّيِّد مُحَمَّد الشريف فِي يَوْم السبت حادي عشر أَو ثَانِي عشر رَجَب ثمَّ عَاد من الرّوم إِلَى الشَّام فِي أَوَاخِر سنة سبع وَعشْرين وَألف مُتَوَلِّيًا نِيَابَة مصر قَالَ وَاجْتمعت بِهِ فرأيته على حَالَته لم يتَغَيَّر عَنْهَا ثمَّ سَافر إِلَى مصر وعزل عَنْهَا وَتُوفِّي بهَا مطعوناً فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف انْتهى وَوجدت فِي تَارِيخ الْبكْرِيّ الَّذِي أَلفه فِي الْخُلَفَاء والسلاطين وذيله بنواب مصر وقضاتها عِنْد ذكر جَعْفَر باشا أَنه كَانَت تَوليته لمصر فِي نَهَار الْأَرْبَعَاء تَاسِع ربيع الأول سنة ثَمَان وَعشْرين وعزل يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشري شعْبَان من هَذِه السّنة فَكَانَت مُدَّة استيلائه خَمْسَة أشهر وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا قَالَ وَكَانَ من أجلاء الْعلمَاء لَهُ الْيَد الطُّولى فِي غَالب الْعُلُوم خُصُوصا التَّفْسِير وَوَقع فِي زَمَنه الفناء الْعَظِيم فَكل من مَاتَ فِي زَمَنه وَله ولد أعْطى علوفته لوَلَده أَو أَبِيه فَإِن لم يكن لَهُ ولد وَلَا أَب أعْطى ذَلِك لأقاربه مَعَ البشاشة وَكَانَ ابْتِدَاء الفناء فِي أَوَاخِر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَعشْرين وانتهاؤه فِي أَوَاخِر جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ غَالب من يَمُوت فِيهِ عمره مَا بَين الْخَمْسَة عشر سنة إِلَى خمس وَعشْرين سنة وَحصر من توفّي مضبوطاً من الحوانيت يَوْمًا بِيَوْم فَكَانَ من ابْتِدَائه إِلَى انتهائه مائَة ألف وخمساً وَثَلَاثِينَ ألفا هَذَا مَا أخرج من الحوانيت وَمَا عدا ذَلِك فَهُوَ كثير وَتُوفِّي جَعْفَر باشا فِي آخِره انْتهى قلت وَقد ولي الشَّام فِي جيلنا سميه الْوَزير جَعْفَر باشا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَوَقع فِي زَمَنه طاعون بِالشَّام لم يعْهَد مثله فِي الْكَثْرَة وَبلغ عدد الْجَنَائِز بِدِمَشْق يَوْمًا بِيَوْم ألفا وينوف وَاسْتمرّ سِتَّة أشهر وَإِنَّمَا ذكرت ذَلِك لمناسبة اسْم هذَيْن الوزيرين مَعَ أَن تَرْجَمَة هَذَا الثَّانِي مِمَّا يتَعَيَّن لكني لم أظفر بِخَبَر وَفَاته فَلهَذَا ذكرته بِهَذِهِ الْمُنَاسبَة واكتفيت بذلك عَن تَرْجَمته
الشَّيْخ جلال بن أدهم بن عبد الصَّمد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن أدهم وَلَيْسَ هُوَ إِبْرَاهِيم بن أدهم السُّلْطَان الْوَلِيّ الْمَشْهُور وَإِن كَانَ نسب جلال مُتَّصِلا بِهِ لَكِن لم أَقف على تَتِمَّة نسبه وأصل آبَائِهِ من التركمان وَسَكنُوا مَدِينَة عكار وَكَانَ لَهُم بهَا أَمْلَاك دارة ومريدون وزاوية ورد مِنْهُم عبد الصَّمد إِلَى دمشق قبل الْأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وتوطنها وَكَانَ مَعَه حكم سلطاني بإفتاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وتدريس التقوية فنفذ حكمه قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين بن الفرفور وصيره مفتياً ومدرساً بِالْمَدْرَسَةِ
الْمَذْكُورَة وَكَانَ فَقِيها شَدِيد الْوَرع وَكَانَ يتَرَدَّد فِي السُّكْنَى بَين مدرستين فيسكن فِي الشتَاء بِالْمَدْرَسَةِ العادلية الْمُقَابلَة للظاهرية وَفِي الصَّيف بِالْمَدْرَسَةِ الجمالية بسفح قاسيون وطالت مدَّته وَهُوَ يُفْتِي إِلَى أَن مَاتَ نَهَار الْإِثْنَيْنِ ثامن رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَخَلفه ابْنه أدهم فدرس بالعادلية وَكَانَ صَالحا غير متكلف يلْبسهُ ومعيشته على أسلوب التركمان واتصل بالوزير الإعظم سِنَان باشا وَصَارَ لَهُ معلما ونال مِنْهُ خيرا كثيرا وَله مَعَه مكاشفات ووقائع سَيَأْتِي مِنْهَا شَيْء فِي تَرْجَمَة سِنَان باشا وَكَانَ بعد وَفَاته ولي سِنَان باشا حُكُومَة الشَّام بعد الوزارة الْعُظْمَى فصير ابْنه جلالا مُعْتَمدًا على جَامعه الَّذِي عمره خَارج بَاب الْجَابِيَة فاقتنى من ذَلِك أملاكا عَظِيمَة وأموالا جزيلا وَبنى بَيْتا خلف حمام العقيقي كَانَ حَماما مَوْقُوفا على أَمَاكِن كَثِيرَة مِنْهَا حِصَّة مَوْقُوفَة على أَئِمَّة الْجَامِع الْأمَوِي وَلم يهنأ عيشه بِهِ وَلَا اطْمَأَن خاطره فِيهِ وَبنى بالصالحية بَيْتا وقصرا وغرس بستانا لطيفا على نهر يزِيد قلت وَهُوَ الْقصر الْمَعْرُوف الْآن ببني عماد الدّين وَكَانَ جلال فَاضلا حسن الْعشْرَة وقصة توليهه بمملوكه مستفيضة وافتتانه فِيهِ شهيرة وَقد ذكرهَا البوريني فِي تَرْجَمته فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى إيرادها وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْأَحَد ثامن رَجَب سنة إِحْدَى عشرَة بعد الْألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى
الشَّيْخ جمال الدّين بن شمس الدّين مُحَمَّد الْمَشْهُور وَالِده بالعجمي الْقُدسِي الْوَاعِظ وَهُوَ وَالِد عبد الْغفار مفتي الْقُدس وأخيه الْحَافِظ القَاضِي الشَّاعِر الْآتِي ذكرهمَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَانَ وَالِده مُحَمَّد رجلا واعظا ذكيا حضر مَعَ السُّلْطَان سُلَيْمَان بن عُثْمَان فتح رودس وَحصل لَهُ مِنْهُ إكرام ثمَّ قدم الْقُدس وَاسْتمرّ بهَا يعظ النَّاس إِلَى أَن توفّي وَدفن بماملا بقبته الَّتِي أَنْشَأَهَا بجوار البسطامية شمَالي الكبكبية وَلم تكمل الْقبَّة بل مَاتَ قبل إكمالها وَنَشَأ وَلَده جمال الدّين هَذَا ورحل إِلَى مصر وَصَحب الزين المرصفي ثمَّ عَاد إِلَى الْقُدس فِي حُدُود سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة تَقْرِيبًا وَلزِمَ شيخ الصلاحية الشَّيْخ عفيف الدّين بن جمَاعَة ثمَّ تقرر فِي قِرَاءَة المولد والمعراج بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عَن الشَّيْخ أبي الْفَتْح بن فتيَان إِمَام الصَّخْرَة ثمَّ قرر فِي تدريس دَار الحَدِيث الَّتِي تجاه دَار الْقُرْآن السلامية وَشر فِي الْمدرسَة الظافرية وَكَانَت متهدمة فعمر بهَا عمَارَة وَجمع مجموعا لَهُ فِي الْوَعْظ رَأَيْت بِخَط الإِمَام الْمُحدث الشَّمْس مُحَمَّد الدَّاودِيّ الْمَقْدِسِي ثمَّ الدِّمَشْقِي فِي أوراق كتب فِيهَا تراجم
بعض معاصريه وألحقها بِبَعْض وقائع قَالَ ذكر لنا وَلَده عبد الْغفار وَلما قدم إِلَى دمشق بعد وَفَاته أَنه يشْتَمل على ألف مجْلِس وَتُوفِّي فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَألف وَكَانَ سنة ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَسنة وَخلف ثَلَاثَة أَوْلَاد ذُكُور وبنتين رحم الله الْجَمِيع برحمته وَالله أعلم
جمال الدّين بن مجب الدّين الْمَعْرُوف بالجنيد الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي وشهرة أَهله ببني الكوكية وَيَنْتَهِي نسبهم إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رضي الله عنه وَكَانُوا بِدِمَشْق من انتحار المياسير وَلَهُم مآثر وخيرات وَلَهُم أقَارِب بِمَكَّة وهم أَيْضا أَصْحَاب إدرارات وشهرة وجمال الدّين هَذَا خرج من بَينهم كَامِل الأدوات حسن الْآدَاب لطيف المطارحة حُلْو الحَدِيث صَاحب نكات ونوادر وَرِوَايَة وَاسِعَة فِي الْأَخْبَار والأشعار وَالْأَحَادِيث وَعمر كثيرا وَلَقي أساطين الْعلمَاء وَجَالسهمْ والنقط من فوائدهم وروى عَنْهُم ولازم الذّكر والأوراد من ابْتِدَاء عمره واشتغل بِالْعبَادَة وَلذَلِك لقب بالجنيد وَفِيه يَقُول الأديب الباهر مُحَمَّد بن يُوسُف الكريمي
(أَنْت يَا شيخ الطَّرِيقَة
…
فِيك وَالله حقيقه)
(لم يفتها من مزايا
…
جامعي الْفضل دقيقة)
(أَنْت وَالله جُنَيْد الْوَقْت
…
فِي كل حقيقه)
(أَنْت من يرشد أَرْبَاب النهى
…
خير طَرِيقه)
(لَك أَخْلَاق بتقريض
…
المجيدين خليقه)
(لَو غَدا للفضل شخص
…
فِي الورى كنت شقيقه)
(إِنَّمَا أَنْت بأخلاقك
…
روض أَو حديقة)
(فلعمري أَنْت بدر
…
فازمن كنت رَفِيقه)
وَكَانَ يَحْكِي عَن نَفسه إِنَّه لم يتَّفق لَهُ مُدَّة عمره صَلَاة من قعُود وَكَانَ مواظبا على السّنَن والرواتب وَله صدقَات سَرِيَّة وَكتب الْكثير من الْكتب بِخَطِّهِ وَكَانَ خطه حسنا وَضَبطه بَينا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من مُفْرَدَات وقته وحسنات عصره وَذكره وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَارِيخه وترجمته هُوَ شويخ نسر لُقْمَان عِنْده فريخ عمر إِلَى أَن فَاتَ حد الماية وَلَقي الْقرن بعد الْقرن والغاية بعد الْغَايَة وعاشر الوزراء ونادم الكبراء وَتردد إِلَى الْأَعْيَان وهام فِي الغيد الحسان حَتَّى صَار شيخ الغرام ونقيب الوجد والهيام فَهُوَ صَغِير كَبِير وكبير صَغِير إِذا خالط الْكِبَار يكبر
وَإِذا خالط الصغار يصغر مَحْبُوب قُلُوب الْأَنَام لَهُ فِيهَا التَّصَرُّف التَّام لَا يرَاهُ أحد من النَّاس إِلَّا وَيَوَد أَن يكون لَهُ من الندماء والجلاس يحب التلاق وبكره الْفِرَاق لَا يودع مُسَافِرًا وَلَا يعود مَرِيضا وَلَا يشيع جَنَازَة إِلَّا نَادرا وَكَانَت أوقاته مستغرقة فِي النزهات وَكَانَ لَهُ بعض ثروة وَيتَعَاطَى صَنْعَة القماش وَحج مرَّتَيْنِ متتابعتين وسافر إِلَى الْقُدس وحلب وَكَانَ يُورد قصصا وحكايات كَثِيرَة وَرُبمَا شَاهد غالبها بِالْعينِ وَكَانَ فِي ذَلِك تَارِيخا برحلين وَكَانَ مُفْرد وقته فِي لعب الشطرنج وَلم يكن فِي عصره مثله فِي مَعْرفَته وَالنَّاس يضْربُونَ بِهِ الْمثل فَيَقُولُونَ لمن يحسن لعبه فلَان يلْعَب مثل الْجُنَيْد وَرُبمَا كَانَ يمازحه بَعضهم بِأَنَّهُ أدْرك وَاضعه لكبر سنه ومهارته فِيهِ وَمِمَّا قيل فِيهِ وَكَانَ كَمَا وصف أصفر اللِّحْيَة
(رب شخص بلحية نارنجي
…
قَدمته نضيلة الشطرنج)
وَكَانَ يكتم سنه فَإِذا ألح عَلَيْهِ فِي السُّؤَال ملح لم يزده على أَن سني عظم ويتمثل كثيرا بقول أبي الْعَلَاء الْبَغْدَادِيّ
(احفظ لسَانك لَا تبح بِثَلَاثَة
…
سنّ وَمَال مَا اسْتَطَعْت وَمذهب)
(فعلى الثَّلَاثَة تبتلى بِثَلَاثَة
…
بمكفر وبفاضح ومكذب)
وَكَانَ يجْرِي لأدباء دمشق مَعَه مداعبات ومطارحات من أنفس مَا يسامر بِهِ فَمن ذَلِك مَا قَالَه فِيهِ الأديب إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الأكرمي الْمُقدم ذكره وَكَانَ لَهُ رَفِيق يلقب بالقطب
(الشَّام أضحت أحوالها عجبا
…
فِي دَهْرنَا والأمور أَسبَاب)
(القطب فِيهَا بالعشق مشتهر
…
لَا يستحي والجنيد دباب)
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا هَذِه الأبيات وفيهَا إِشَارَة إِلَى مَا كَانَ فِيهِ من الشره فِي الْأكل وَيخرج مِنْهَا لفظ جُنَيْد بطرِيق النعمية
(وَذي شَره مغرم بِالطَّعَامِ
…
يسير على بَطْنه أَي سير)
(ترَاهُ إِذا مد زاهي الطَّعَام
…
وصف بأنواع لطف وَخير)
(يمد يداجن من قبلهَا
…
ويخلط كل الطَّعَام بِغَيْر)
وَنقل عَنهُ أَنه حضر فِي ضِيَافَة عِنْد أحد الْأَعْيَان بِدِمَشْق فخلط فِي الطَّعَام على عَادَته فَأنْكر فعله بعض من كَانَ فِي الْمجْلس فَلَمَّا تنبه لإنكاره أنْشدهُ قَول الحريري
(سامح أَخَاك إِذا خلط
…
)
فذيل لَهُ الْمُنكر هَذَا المصراع بقوله فِي الرز والزردا فَقَط والرز لُغَة فِي الْأرز وَيُقَال رز وأرز مثل كتب وزرنز وَحكى لي وَالِدي المرحوم أَنه
حضر سماطا وإمامه الْجُنَيْد فَبَالغ فِي النهمة وَكَانَ فِي الْمجْلس بعض الأدباء فَأَنْشد قَول أبي مُحَمَّد الْقزْوِينِي الضَّرِير فِي رجل أكول
(وَصَاحب لي بَطْنه كالهاوية
…
كَانَ فِي أمعائه مُعَاوِيَة)
قَالَ لي الْوَالِد وَهَذَا الْبَيْت قد ذكره الثعالبي فِي اليتيمية وإستجاد وجازه لَفظه وَوُقُوع الأمعاء إِلَى حنب مُعَاوِيَة لمزية ثَالِثَة وَهِي كَون الَّذِي أنْشد فِيهِ من نسل مُعَاوِيَة وَحضر لَيْلَة فِي دَعْوَة كَانَ فِيهَا حَافظ الْمغرب أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الْمقري وَأحمد بن شاهين الْمُقدم ذكرهمَا فَلَمَّا قدم الطَّعَام قَامَ الْجُنَيْد وَتَوَضَّأ وَصلى بعض رَكْعَات فَقَالَ الْمقري مستجيزا
(قَامَ الْجُنَيْد يُصَلِّي
…
وَنحن نَأْكُل عَنهُ)
فَأَجَابَهُ ابْن شاهين
(تقبل الله منا
…
وَلَا تقبل مِنْهُ)
وقصيدة مُحَمَّد الكريمي الَّتِي قَالَهَا فِي هجائه مَشْهُورَة وَهِي طَوِيلَة فَنَذْكُر بَعْضًا مِنْهَا فَإِنَّهَا من رائق الْكَلَام وَسبب انشائها أَن بعض أدباء دمشق وَمِنْهُم الْجُنَيْد كَانُوا مُجْتَمعين فِي مَحل وَبَين يديهم رمان يَأْكُلُون فطلع عَلَيْهِم الكريمي فَقَامَ الْقَوْم كلهم إِلَّا الْجُنَيْد فَأَنْشَأَ الكريمي هَذِه القصيدة ومطلعها
(تزهو بشاشك أَو بِمَالك
…
وَكِلَاهُمَا من حَظّ مَالك)
(فَم كم تنام وَفِي الْهوى
…
مِنْهَا لكايا سوء حالك)
(كَيفَ الْقيام لناسك
…
إِنِّي لَا عجب من محالك)
مِنْهَا
(إِن الْمُعظم نَفسه
…
يَا شيخ فِي بَحر المهالك)
(يَا عير قَامَ الْقَوْم لي
…
إِلَّا حمارا من مثالك)
(لَكِن عذرك وَاضح
…
فالأكل من أقوى اشتغالك)
(هَذَا عتاب لاهجا
…
وعظيم أَنْفك مَعَ سبالك)
(حررته مُسْتَغْفِرًا
…
إِذْ كدت أَدخل فِي وبالك)
(هَذَا وَمَا عهد الْقيام
…
من الجماد فدم بحالك)
وَمِنْهَا
(صدقت استاذي الْعِمَادِيّ
…
فِي شَهَادَته بذلك)
(بقصيدة الْكرْدِي والأغنام
…
فاجعلها ببالك)
(فاشكر صنيعي إِن عقلت
…
وَإِن ترم خُذْهَا بفالك)
(إِنِّي رَأَيْتُك قد مقت
…
بعيد زهوك واختيالك)
(واغتضت بالدنيا عَن الْأُخْرَى
…
فراقب نَار مَالك)
(ارْفُقْ بِنَفْسِك قد كَبرت
…
وَزَاد هولك عَن مجالك)
(وَأعد صَلَاتك مَا اسنطعت
…
وعد عَن ماضى دلالك)
(فَأَرَاك لَا تفرق ريالك
…
فِي النَّجَاسَة من مبابك)
(وَالْحق أَنَّك جَاهِل
…
وتعد نقصك من كمالك)
وَقَوله بقصيدة الْكرْدِي والأغنام إِشَارَة إِلَى أَن الأبيات الَّتِي نظمها فِيهِ الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي والشاهيني وَعبد اللَّطِيف بن المنقار من بَاب المساجلة بَينهم ومطلع هَذِه القصيدة
(عذرتك يَا حلا حل بالجنيد
…
وَقلت لَهُ سماعك بالمعيدي)
وحلا حل هَذَا كَانَ رجلا كثير المجون واسْمه عَليّ وَسَيَأْتِي ذكره وَكَانَ كثير الْحَط على الْجُنَيْد شَدِيد الإزراء بِهِ وَله مَعَه نكايات ووقائع شَتَّى وَكَانَ الْجُنَيْد بِمُجَرَّد ذكره يتألم ويحنق لما كَانَ يلْحقهُ مِنْهُ من الأذية خُصُوصا فِي مجَالِس الْكِبَار والأعيان من الْعلمَاء وَغَيرهم وتتمة الأبيات
(لَهُ شال بشابه عارضيه
…
صفارا فَوق وَجه كالقريد)
(ببادر للمآكل حِين يدعى
…
ويشتم الروائح من بعيد)
(ترَاهُ يمصمص الأعظام جوعا
…
كَانَ أَبَاهُ بغدادي زبيدي)
(ينكش سنه من شرب مَاء
…
بإصبعه وطورا بالعويد)
(وَيُصْبِح هائشا يَبْغِي طَعَاما
…
يطوف على الْمنَازل كالجعيدي)
(على الطَّحَّان يعتب كل آن
…
وَيضْرب باليماني الهنيدمي)
(وَمثل النَّحْل بِأَكْل كل شَيْء
…
ويجني اللسع مَعَ عدم الشَّهِيد)
(وتشكو ثقل فستقة حشاه
…
ويزلط كل خرفان الكريدي)
(وينكح بنت شَهْوَته طَعَاما
…
وَيُعْطى مهرهَا نحل النقيد)
(ويلبس فَرْوَة من جلد نمر
…
يَقُول لبستها خوف الْبَرِيد)
(بِمَوْت قد تلقب فِي البرايا
…
وَبَين النَّاس يدعى بالصميدي)
(على الْأَصْحَاب يطْرَح كل شاش
…
بأَرْبعَة من الذَّهَب النقيدي)
(بِرَأْس المَال يُخْبِرهُمْ كذوبا
…
ويفترس الْأَنَام كَمَا الفهيد)
(وَلما جِئْت مَا أهديت شَيْئا
…
بعثت إِلَيْك هجوا من عنيدي)
(وَإِن تنكر قوافيها فسامح
…
فَإِن الشّعْر من ملامجيد)
وملامجيد الْمَذْكُور كَانَ روميا نزل دمشق وقطن بهَا وَكَانَ ينظم أشعارا على
على طَرِيق المجون وَكَانَ أدباء دمشق كالمولى أَحْمد بن زين الدّين المنطقي وَابْن شاهين والأمير المنجكي ينظمون الْأَشْعَار الهزلية على لِسَانه وينسبونها إِلَيْهِ من نَوَادِر الْجُنَيْد أَنه لما وَصله خير الأبيات من الكريمي اجْتمع بِهِ واستنشده أياها فَلَمَّا أتم قرَاءَتهَا نظر إِلَيْهِ ينظر المستهزئ بِهِ وَلم يزده على أَن قَالَ لَهُ أَيْن الْأُم المشفقة الَّتِي تبْكي عَلَيْك وَهَذِه كِتَابَة عَن سوء حَاله فَإِن الكريمي ورث من أَبِيه مَالا كثيرا فأتلفه فِي مُدَّة جزئية وساء حَاله بعد ذَلِك وَحكى عَن الكريمي أَنه قابلني بِكَلِمَة لَو صرفت عمري فِي هجوه مَا وفيت بهَا وللجنيد نكات مَقْبُولَة ومقولات رائقة فَمن ذَلِك قَوْله لَا تسمع غناء الْأَمْن فَم تشْتَهي أَن تقبله وَمن لطائفه تَسْمِيَة فرع الْأَمْرَد بعريشة الْحسن وَقد نظمها الْأَخ الْفَاضِل إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد السّفر جلاني أبقاه الله تَعَالَى فِي مَقْطُوع فأجاد حَيْثُ قَالَ
(قَالَ صف فرعي الَّذِي قد تدلى
…
فَوق خدي إِن كنت من واصفيه)
(قلت مَاذَا أَقُول فِي وصف روض
…
قد تدلت عريشة الْحسن فِيهِ)
وَمن غرائب وقائعه الَّتِي تسند إِلَى حسن عشرته وتحمله وَتَقْدِيم النشاط على غَيره أَنه مَاتَ لَهُ ولدان وَجِيء إِلَيْهِ بخبرهما وَهُوَ مَعَ جمَاعَة فِي بُسْتَان بالصالحية يلْعَب بالشطرنج فَلم يشْعر أحدا وَقَامَ وَأعْطى الْمخبر دَرَاهِم وفوض إِلَيْهِ أَمر يجهيزهما وَعَاد إِلَى مَا كَانَ يه وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من نَوَادِر الزَّمن وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْأَرْبَعَاء ثامن عشرى ربيع الأول سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى وَقد أرخ بَعضهم وَفَاته بقوله
(مَا الدَّهْر دهر جَدِيد
…
كَذَا تكون العبيد)
(وَمَا سوى الله فَإِن
…
وَأَيْنَ من لَا يبيد)
(وَعمر هَذَا قصبر
…
وَعمر هَذَا مديد)
(وللفريقين يَوْم
…
لَا بُد يَأْتِي شَدِيد)
(أما سَمِعت المنايا
…
تَقول مَاذَا يُفِيد)
(طير الفنا أَن تؤرخ
…
صَحَّ مَاتَ مَاتَ الْجُنَيْد)
السَّيِّد جمال الدّين بن نور الدّين بن أبي الْحسن الْحُسَيْنِي الدِّمَشْقِي الأديب الشَّاعِر الذيق كَانَ ألطف أَبنَاء وقته دماثه خلق وَخلق حسن معاشر لطيف الصُّحْبَة سهي النُّكْتَة والنادرة قَرَأَ بِدِمَشْق وَحصل وَحضر مجَالِس الْعَلامَة السَّيِّد
مُحَمَّد بن حَمْزَة نقيب الْأَشْرَاف فَأخذ عَنهُ من المعارف مَا تنافست عَلَيْهِ بِهِ الآراء ثمَّ هاحر إِلَى مَكَّة وَأَبوهُ ثمَّة فِي الْأَحْيَاء فجاور بهَا مُدَّة ثمَّ دخل الْيمن أَيَّام الإِمَام أَحْمد بن الْحسن فَعرف حَقه من الْفضل وراجت عِنْده بضاعته ومدحه بِهَذِهِ القصيدة
(خليلي عود إِلَى فيا حبذا المطل
…
إِذا كَانَ يُرْجَى فِي عواقبه الْوَصْل)
(خليلي عودا وأسعد إِنِّي فأنتما
…
أَحَق من الأهلين بل أَنْتُمَا الْأَهْل)
(فقد طَال سيري واضمحلت جوارحي
…
وَقد سئمت فرط السرى العيس وَالْإِبِل)
(فعادا وَقَالا صَحَّ مَا بك من جوى
…
وَفِي بعض مَا لاقيته شَاهد عدل)
(وَلَكِن طول السّير لَيْسَ بضائر
…
وغايته كنز الندى أَحْمد الشبل)
مِنْهَا
(أبانت بِهِ الْأَيَّام كل عَجِيبَة
…
يسير بهَا الركب الْيَمَانِيّ والقفل)
(فنيران بَأْس فِي بحار مَكَارِم
…
وَمن فعله وصل وَفِي قَوْله فصل)
(أرانا عيَانًا ضعف أَضْعَاف سمعنَا
…
وَعَن جودة قد صَحَّ بِالنّظرِ النَّقْل)
وَمِنْهَا
(أَقُول وَقد طفت الْبِلَاد وَأَهْلهَا
…
بلوتهم قولا يصدقهُ الْفِعْل)
(إِذا مَا جرى ذكر الْبِلَاد وحسنها
…
فَتلك فروع وَالْغِرَاس هِيَ الأَصْل)
(وَإِن عد ذُو فضل ومجد مؤثل
…
فَأَحْمَد من بَين الْأَنَام لَهُ الْفضل)
(فَلَا غروان قصرت طول مدائحي
…
فَفِي الْبعد قصر الْفَرْض جَاءَ بِهِ النَّقْل)
(إِلَيْك صفي الدّين مني خريدة
…
فريدة حسن لَا يصاب لَهَا مثل)
(وَأعظم مَا ترجو الْقبُول فَإِنَّمَا
…
قبُول الثنا بَاب يتم بِهِ السُّؤَال)
(فحقق رجاها واحل عاطل جيدها
…
بِمَا أَنْت يَا نجل الْكِرَام لَهُ أهل)
ثمَّ فَارق الْيمن وَدخل الْهِنْد فوصل إِلَى حيدر آباد وصاحبها يَوْمئِذٍ الْملك أَبُو الْحسن فاتخذه نديم مَجْلِسه وَأَقْبل عَلَيْهِ بكليته وَهَذَا الْملك كَمَا بَلغنِي فِي هَذَا الْعَصْر الْأَخير من أَفْرَاد الدُّنْيَا وفور كرم وميلا للأدب وَأَهله فَأَقَامَ عِنْده فِي بلهنية عَيْش وصفاء عشرَة حَتَّى طرقت أَبَا الْحسن النكباء من طرف سُلْطَان الْهِنْد الْأَعْظَم السُّلْطَان محيي الدّين مُحَمَّد الشهير بأورنك زيب وَقبض عَلَيْهِ وحبسه وأحسب أَنه الْآن لم يزل مَحْبُوسًا هُنَاكَ فَانْقَلَبَ الدَّهْر على السَّيِّد جمال الدّين فبقى مُدَّة فِي حيدر آباد وَقد ذهب أَنه إِلَى أَن مَاتَ بهَا فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف كَمَا أَخْبرنِي بذلك أَخُوهُ روح الْأَدَب السَّيِّد عَليّ بِمَكَّة المشرفة حرسها الله تَعَالَى