المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أخي: المعاصي شر ما ألفها قلب فأفلح - داء النفوس وسموم القلوب المعاصي

[أزهري أحمد محمود]

الفصل: ‌أخي: المعاصي شر ما ألفها قلب فأفلح

أخي: أما دريت أن: «في كتاب الله دليل على أن ترك المعصية أفضل من أعمال الطاعة؛ لأن الله تعالى قد اشترط في الحسنة المجيء بها إلى الآخرة، وفي ترك الذنب لم يشترط شيئًا سوى الترك، وقال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، وقال تعالى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}، والهوى أصل كل ذنب، وقد اشترط في الطاعات والشرائط الكثيرة والأوقات وغيرها، ثم بعد ذلك إن شاء قبل وأدخله الجنة برحمته وفضله، وإن شاء رد ولم يشترط في ترك الذنوب إلا الترك، وواعده دخول الجنة فقال: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريما» ؛ وهو: الجنة. [نصر بن محمد السمرقندي].

أخي المسلم: هل علمت أن من أعظم آفات المعاصي استحقارها واستهوانها؛ فيعمل العبد المعصية، ولا يلقى بها بالاً.

‌أخي: المعاصي شر ما ألفها قلب فأفلح

، وكم كان الصالحون يخافون الذنب وإن صَغُر، فتلك أخي همم الصالحين .. وصفات أولياء الله المتقين .. هذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول:«إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الموبقات» . [رواه البخاري].

قال بلال بن سعيد: «لا تنظر في صغر الخطيئة؛ ولكن انظر من عصيت؟ ! » .

أخي المسلم: وقد ضرب لك النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً بديعًا في صغائر الذنوب؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه» .

ص: 9

وضرب لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً: «كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم؛ فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجئ بالعود حتى جمعوا سوادًا وأججوا نارًا فأنضجوا ما قذفوا فيها» [رواه أحمد].

قال عوام بن حوشب: «أربع بعد الذنب شر من الذنب: الاستصغار والاغترار، والاستبشار، والإصرار» .

أخي: كم كان الصالحون يستعظمون الذنب وإن قلَّ، أما سمعت بقصة كهمس بن الحسن؛ فقد قال عن نفسه:«أذنبت ذنبًا وأنا أبكي عليه منذ أربعين سنة! » .

قيل: ما هو يا عبد الله؟ !

قال: «زارني أخ لي فاشتريت له سمكًا فأكل ثم قمت إلى حائط جاري فأخذت منه قطعة طين فغسلت بها يدي! ! » .

فلله در الصالحين إذا ارتفعوا في العلياء .. سموا حتى استحت منهم الجوزاء .. فعلوا حتى جاوزوا الثريا في أفق السماء! !

أخي المسلم: ألا أنبئك أن الصبر عن المعاصي من أرفع درجات الصبر؟ ! ما بلغه عبد إلا وأصبح رأسًا في التقوى .. ونورًا في جبين الهدى .. عن الفرج بن مزيد: «طوبى لمن غلب بتقواه هواه، وبصبره الشهوات» .

وقال ميمون بن مهران: «الصبر صبران الصبر على المصيبة حسن، وأفضل من ذلك الصبر عن المعاصي» .

أخي: وفي موقف من مواقف الإيمان الجياشة بالصدق، وحرارة الإخلاص، يحكي لنا مسمع بن عاصم قال: قال لي عبد الواحد بن زيد: «من نوى الصبر على طاعة الله صبَّره الله عليها، وقواه لها،

ص: 10

ومن عزم على الصبر عن معاصي الله أعانه الله على ذلك وعصمه عنها».

قال: وقال لي: «يا سيار أتُراك تصبر لمحبته عن هواك فَيُخيِّب صبرك؟ ! لقد أساء بسيده الظن من ظن به هذا وشبهه» قال: ثم بكى عبد الواحد حتى خفت أن يغشى عليه.

ثم قال: «بأبي أنت يا مسمع نعمه رائحة وغادية على أهل معصيته فكيف ييأس من رحمته أهل محبته؟ ! » .

أخي المسلم: إن العبد يرتفع بالصبر عن المعاصي الدرجات العاليات .. ويعلو بها على البَريَّات .. فعاقبة الصابرين عن المعاصي إلى فلاح .. وسعيهم إلى نجاح .. وبكورهم ورواحهم إلى رباح ..

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب؛ فصبره عن المعصية صبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس؛ ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة؛ فإنه كان شابًا؛ وداعية الشباب إليها قوية، وعزبًا؛ ليس له ما يعوضه ويرد شهوته، وغريبًا؛ والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه مَنْ بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكًا؛ والمملوك أيضًا ليس له وازعه كوازع الحر، والمرأة جميلة وذات منصب وهي سيدته، وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها والحريصة على ذلك أشد الحرص، ومع ذلك توعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار، ومع هذه الدواعي كلها صبر اختيارًا وإيثارًا لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه؟ ! » .

أخي في الله: جاهد نفسك على شهواتها وصابرها عسى أن

ص: 11

تكون من المفلحين .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران].

أخي: للمعاصي عشر من العيوب، كاف كل واحد منها أن يردك إلى رشدك:

أولها: إن العبد إذا عمل السيئة فقد أسخط خالقه على نفسه وهو قادر عليه في كل وقت.

الثاني: إنه أدنى من هو أبغض إليه وهو إبليس عدو الله وعدوه.

الثالث: يتباعد من أحسن المواضع وهو الجنة.

الرابع: تقربه إلى شر المواضع وهو جهنم.

الخامس: إنه جفا مَنْ أحب إليه وهي نفسه.

السادس: نجَّس نفسه وقد خلقها الله طاهرة.

السابع: آذى أصحابه الذين لا يؤذونه وهم الحفظة.

الثامن: أحزن النبي صلى الله عليه وسلم في قبره.

التاسع: أشهد على نفسه الأرض والليل والنهار وآذاهم بذلك وأحزنهم.

العاشر: أنه خان جميع الخلائق من الآدميين وغيرهم؛ فأما خيانته للآدمييين؛ لو كان لأحد عنده شهادة فإنه لا تقبل شهادته لأجل ذنبه؛ فيبطل حق صاحبه لأجل ذنبه، وأما الخيانة لجميع الخلائق فإنه يقل المطر إذا أذنب؛ فكان في ذلك خيانة لجميع الخلائق؛ فإياك والذنب؛ فإن في الذنب هذه العيوب، وفي ذلك كله ظلم نفسه بمعصيته». [نصر بن محمد السمرقندي].

أخي المسلم: إياك أن تكون من المبارزين لمولاك تعالى بالمعاصي .. وعندها لا تحمد غبَّ عاقبتك؛ فإن للمعاصي آثارها

ص: 12