المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحلم من صفات عباد الرحمن وضده الغضب - دروس الشيخ أسامة سليمان - جـ ١٣

[أسامة سليمان]

فهرس الكتاب

- ‌تأملات في صفات عباد الرحمن

- ‌صفات عباد الرحمن الواردة في سورة الفرقان

- ‌التواضع من صفات عباد الرحمن وضده الكبر

- ‌أشد أنواع الكبر: الكبر على الله عز وجل

- ‌الكبر على رسل الله عز وجل

- ‌الكبر على العباد

- ‌الحلم من صفات عباد الرحمن وضده الغضب

- ‌الأسئلة

- ‌السنن المؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حكم مس الجنب لشريط الكاسيت المحتوي على القرآن ودخول الحمام به

- ‌حكم إيصال المرأة المتبرجة إلى حاجتها بسيارة

- ‌حكم الجمع في النية بين نوافل الصلاة والنوافل الأخرى

- ‌أدعية الاستفتاح الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام

- ‌حكم إخراج الفدية عن الست من شوال لمن لم يصمها

- ‌حكم انتقال العامل من شركة إلى أخرى وضوابط ذلك

- ‌حكم منع الزوج لزوجته من الاعتكاف في العشر الأواخر

- ‌حكم الاشتراك في النقابات التي تودع الاشتراكات في البنوك ليأخذها الموظف بصورة راتب بعد التقاعد

- ‌حكم كتابة الوالدة ميراثها لبعض أبنائها دون البعض

- ‌حكم القنوت في صلاة الجمعة

- ‌إدراك تكبيرة الإحرام في صلاة الجمعة

- ‌حكم الصوم عن غير القادر على الصيام

- ‌حكم مقاطعة الأخ لأخيه العاصي

- ‌حكم تصوير كتب الكلية أو غيرها من كتب العلم

- ‌حكم لبس المرأة للسراويل تحت جلبابها

- ‌حكم رفع اليدين عند الدعاء في يوم الجمعة

- ‌حكم خروج الموظف من وظيفته قبل انتهاء وقت العمل

- ‌حكم تعدد الجماعات في المسجد الواحد

- ‌حكم من نام عن صلاة الفجر حتى تشرق الشمس

- ‌حكم الكذب في عقود الزواج

- ‌حكم الولد الذي جاء من المرأة المخطوبة قبل العقد بها

- ‌حكم شراء سلعة بالتقسيط عن طريق البنك

- ‌حكم قراءة المأموم للفاتحة والسورة في السر مع الإمام

- ‌حكم لبس الدبلة

- ‌حكم الأرباح المتولدة عن إيداع المال في البورصة

- ‌حكم أخذ نسبة من الربح الناتج عن استثمار مال الأمانة

- ‌حكم التدخين أثناء الوضوء

الفصل: ‌الحلم من صفات عباد الرحمن وضده الغضب

‌الحلم من صفات عباد الرحمن وضده الغضب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فإن من صفات عباد الرحمن بعد التواضع الحلم، قال تعالى:{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63]، وصفة الحلم بينها ربنا في قوله:{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]، مر نفر من اليهود بعيسى عليه السلام فسبوه ولعنوه، فأحسن لهم القول فسئل: يسبونك وتحسن إليهم! فقال: كل إناء ينضح بما فيه، فهذا دأبهم وهذا دأبي، وانظر أيضاً إلى حلم خير الأنام عليه الصلاة والسلام، ففي سنن أبي داود والحديث عند البخاري أيضاً في كتاب العلم:(أن رجلاًَ دخل المسجد فبال فيه، فاجتمع الصحابة عليه لينهروه وليزجروه، فقال صلى الله عليه وسلم: دعوه حتى يكمل بولته -أي: لا تقطعوا عليه بولته- ثم أريقوا عليه سجلاً من ماء).

يقول ابن حجر في الفتح: انظر إلى حلم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عندما اختار أقل المفاسد؛ لأنه حينما يتبول في المسجد فإنه سيصيب مكاناً واحداً، لكن حينما يمنع ويزجر فسيفر من بين يدي الصحابة ويصيب المسجد كله، فهذه الأولى، والثانية: أنه ربما يصاب بأذى نظراً لحبس البول في جوفه فاختار عليه الصلاة والسلام أقل المفاسد، ثم قال لأصحابه:(إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)، وألان عليه الصلاة والسلام الحديث للرجل وعلمه، حتى إن بعض الروايات جاء فيها:(خرج الرجل وهو يقول: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد سوانا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أيها الأعرابي لقد حجرت واسعاً)، وأنا أسأل: لو فعل رجل جاهل اليوم هذه الفعلة في أي مسجد من مساجدنا ماذا سنصنع به؟! يحمل مباشرة إلى خشبة غسله، فيغسل مع أهل القبور! لعدم الحلم من الناس، وما دخل العنف في شيء إلا شانه، وما دخل الرفق في شيء إلا زانه.

عطس رجل عند عبد الله بن المبارك ولم يقل: الحمد لله، فقال له ابن المبارك: أخي في الله ماذا يقول المسلم بعد أن يعطس؟ قال: يقول: الحمد لله، قال: إذاً يرحمك الله، لكن لو أن واحداً منا عطس ولم يحمد الله لقال له آخر: تعلم يا جاهل! عطست دون أن تحمد الله، لكن الأدب الإسلامي أن تعلمه برفق، وتأمل وانظر إلى إبراهيم وهو يقول لأبيه:{يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم:42 - 45]، يقول الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: انظر إلى التلطف في العبارة فقد كرر لفظ: (يَا أَبَتِ) أربع مرات؛ ليستحث عند أبيه مشاعر الأبوة، وفي المقابل انظر إلى غلظة الأب:{أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي} [مريم:46] ولم يقل: يا بني ولكن قال: {يَا إِبْراهِيمُ} [مريم:46]، وكأنه يتنكر لبنوته، {يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم:46 - 48]، يا له من حلم من إبراهيم عليه السلام، فالحلم من صفات عباد الرحمن عز وجل، فإياك إياك أن تجهل لجهل سفيه عليك، فإن معك ملكاً يرد على السفيه حتى إذا رددت عن نفسك رحل الملك وتركك معه.

وهذا موقف آخر يحكي لنا حلم النبي عليه الصلاة والسلام: (ففي حنين عندما وزع الغنائم بين المسلمين قال له رجل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله عز وجل! فقال: رحم الله أخي موسى لقد أوذي أكثر من ذلك فصبر) فقد قالوا عن موسى عليه السلام كما عند البخاري في كتاب الغسل: أنه آدر، يعني: به انتفاخ في الخصيتين، وقالوا: موسى لا يغتسل معنا عرياناً، وكان في شريعتهم أنه يجوز للرجل أن يغتسل عرياناً مع الرجال، فقد أخرج البخاري في كتاب الغسل، باب: من اغتسل عرياناً وحده: أن بني إسرائيل قالوا: إن موسى لا يغتسل معنا عرياناً، فهو مريض بكذا، وأشاعوا ذلك، فنزل يوماً يغتسل وترك ملابسه على حجر، فإذا بالحجر ينطلق بملابسه، فخرج موسى من البح

ص: 7