الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواب عن الفقرة الثالثة
تحقيق موضع الأذان النبوي والعثماني
3 -
يفهم الجواب عن هذه الفقرة مما تقدم في الحديث: "أن الأذان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر كان على باب المسجد وأن أذان عثمان كان على الزوراء". فإن وجد السبب المقتضي للأخذ بأذانه حسبما تقم تفصيله وضع في في مكان الحاجة والمصلحة لا على الباب فإنه موضع الأذان النبوي ولا في المسجد عند المنبر فإنه بدعة أموية كما يأتي وهو غير محقق للمعنى المقصود من الأذان وهو الإعلام ونقل ابن عبد البر عن مالك:
إن الأذان بين يدي الإمام ليس من المر القديم" أي إنه بدعة
وقد صرح بذلك ابن عابدين في "الحاشية""1/362" وابن الحاج في "المدخل""2/208" وغيرهما ممن هو أقدم وأعلم منهما قال الشاطبي في
"الاعتصام""2/146 - 147" ما ملخصه:
قال ابن رشد: الأذان بين يدي الإمام في الجمعة مكروه لأنه محدث وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك فإنه نقل الأذان الذي كان بالزوراء إلى المشرفة ونقل الأذان الذي كان بالمشرفة بين يديه وتلا على ذلك من بعده الخلفاء إلى زماننا هذا قال: وهو بدعة والذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون بعده هو السنة. وذكر ابن حبيب أن الأذان عند صعود الإمام على المنبر كان باقيا في زمان عثمان رضي الله عنه موافق لما نقله أرباب النقل الصحيح وإن عثمان لم يزد على ما كان قبله إلا الأذان على الزوراء فصار إذن نقل هشام الأذان المشروع في المنارة إلى ما بين يديه بدعة في ذلك المشروع "
وينبغي أن يعلم: أنه لم ينقل البتة أن الأذان النبوي
كان بين يدي المنبر قريبا منه قال العلامة الكشميري1:
ولم أجد على كون هذا الأذان داخل المسجد دليلا عند المذاهب الأربعة إلا ما قال صاحب الهداية": إنه جرى به التوارث ثم نقله الآخرون أيضا ففهمت منه أنهم ليس عندهم دليل غير ما قاله صاحب "الهداية" ولذا يلجؤون إلى التوارث"
قلت: وليس يخفى على البصير أنه لا قيمة لمثل هذا التوارث لأمرين:
الأول: أنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده
والآخر: أن ابتداءه من عهد هشام لا من عهد الصحابة كما عرفت وقد قال ابن عابدين في الحاشية "1/769":
1 في فيض الباري 2/335 وهو من كبار فقهاء الحنفية المشتغلين بالحديث في الهند وهو يتبع الحديث ولو خالف المذهب في بعض الأحيان توفي سنة 1352هـ رحمه الله تعالى.
"ولا عبرة بالعرف الحادث إذا خالف النص لأن التعارف إنما يصلح دليلا على الحل إذا كان عاما من عهد الصحابة والمجتهدين كما صرحوا به"
فتبين مما سلف أن جعل الأذان العثماني على الباب والأذان المحمدي في المسجد بدعة لا يجوز اتباعها فيجب إزالتها من مسجد الجامعة إحياء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم
هل كانت المنارة في زمنه صلى الله عليه وسلم؟
هذا وقد مضى في كلام الشاطبي ومن نقل عنهم: "أن الأذان النبوي كان يوم الجمعة على المنارة"
وقد صرح بذلك ابن الحاج أيضا في "المدخل" فقال ما مختصره:
"إن السنة في أذان الجمعة إذا صعد الإمام على المنبر أن يكون المؤذن على المنارة كذلك كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وصدرا من خلافة عثمان ثم زاد عثمان أذانا آخر بالزوراء لما كثر الناس وأبقى
الأذان الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنارة والخطيب على المنبر إذا ذاك".
ثم ذكر قصة نقل هشام للأذان نحو ما تقدم نقله عن الشاطبي
قلت: ولم أقف على ما يدل صراحة أن الأذان النبوي يوم الجمعة كان على المنارة إلا ما تقدم في الحديث أنه كان على باب المسجد فإن ظاهره أنه على سطحه عند الباب ويؤيد هذا أن من المعروف أنه لبلال - وهو الذي كان يؤذن يوم الجمعة - شيء يرقى عليه المؤذن "صحيح" ففي "صحيح البخاري""4/110" عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها:
"إن بلالا كان يؤذن بليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"
قال القاسم: "ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى هذا وينزل ذا"
فلعله كان هناك عند الباب على السطح شيء مرتفع يشبه بالمنارة وقد يشهد لهذا ما أخرجه ابن سعد في "الطبقات""8/307" بإسناده عن أم زيد بن ثابت قالت:
كان بيتي أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد وقد رفع له شيء فوق ظهره.
لكن إسناده ضعيف.
وقد رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن دون قوله: "وقد رفع له شيء فوق ظهره" والله أعلم
والذي تلخص عندي في هذا الموضوع أنه لم يثبت أن المنارة في المسجد كانت معروفة في عهده صلى الله عليه وسلم1 ولكن من المقطوع به أن الأذان كان حينذاك في
1 ولا ينافي هذا قول عبد الله بن شقيق التابعي:
"من السنة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد وكان.................=
مكان مرتفع على المسجد يرقى إليه كما تقدم ومن المحتمل أن الرقي المذكور إنما هو إلى ظهر المسجد فقط1 ومن المحتمل أنه إلى شيء كان فوق ظهره كما في حديث أم زيد وسواء كان الواقع هذا أو ذاك فالذي نجزم به أن المنارة المعروفة اليوم ليست من السنة في شيء غير أن المعنى المقصود منها - وهو التبليغ - أمر مشروع بلا ريب فإذا كان التبليغ لا يحصل إلا بها فهي حينئذ مشروعة لما تقرر في علم الأصول: أن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب ولكن ترفع بقدر الحاجة.
= عبد الله يفعله"
أخرجه ابن أبي شيبة 1/86/1 بسند صحيح عنه وذلك لما تقرر في علم الأصول أن قول التابعي: من السنة كذا ليس في حكم المرفوع بخلاف ما إذا قال ذلك صحابي فإنه في حكم المرفوع.
1 كما في حديث عروة بن الزبير قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أن يؤذن يوم الفتح فوق الكعبة أخرجه ابن أبي شيبة 1/86/1 بسند صحيح عنه إلا أنه مرسل.
غير أن من رأيي أن وجود الآلات المكبرة للصوت اليوم يغني عن اتخاذ المأذنة كأداة للتبليغ لا سيما وهي تكلف المبالغ الطائلة فبناؤها والحالة هذه مع كونه بدعة - ووجود ما يغني عنه - غير مشروع لما فيه من إسراف وتضييع للمال ومما يدل دلالة قاطعة على أنها صارت اليوم عديمة الفائدة أن المؤذنين لا يصعدون إليها البتة مستغنين عنها بمكبر الصوت.
لكننا نعتقد أن الأذان في المسجد أمام المكبر لا يشرع لأمور منها التشويش على من فيه من التالين والمصلين والذاكرين ومنها عدم ظهور المؤذن بجسمه فإن ذلك من تمام هذا الشعار الإسلامي العظيم "الأذان"
لذلك نرى أنه لابد للمؤذن من البروز على المسجد والتأزين أمام المكبر فيجمع بين المصلحتين وهذا التحقيق يقتضي اتخاذ مكان خاص فوق المسجد يصعد إليه ويوصل إليه مكبر الصوت فيؤذن أمامه وهو ظاهر للناس
ومن فائدة ذلك أنه قد تنقطع القوة الكهربائية ويستمر المؤذن على أذانه وتبليغه إياه إلى الناس من فوق المسجد كما هو ظاهر
ولا بد من التذكير هنا بأنه لابد للمؤمنين من المحافظة على سنة الالتفاف يمنة ويسرة عند الحيعلتين فإنهم كادوا أن يطبقوا على ترك هذه السنة تقيدا منهم باستقبال لاقط الصوت ولذلك نقترح وضع لاقطين على اليمين وعلى اليسار قليلا بحيث يجمع بين تحقيق السنة المشار إليها والتبليغ الكامل.
ولا يقال: إن القصد من الالتفاف هو التبليغ فقط وحينئذ فلا داعي إليه مع وجود المكبر لأننا نقول: إنه لا دليل على ذلك فيمكن أن يكون في المر مقاصد أخرى قد تخفى على الناس فالأولى المحافظة على هذه السنة على كل حال