الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعليق على بعضها حينما يقتضي ذلك التحقيق العلمي والنصح الديني وأعرضت عن ذكر بعضها إما لأنه مما لا ضرورة إليها أو لم يقم الدليل العلمي على صحتها.
والله أسأل أن يجزي المؤلف والمنفق على طبعه والقائم عليه خير الجزاء وأن ينفع به القراء إنه خير مسؤول.
حكم صلاة الجمعة
1:
1 -
الجمعة حق على كل مكلف واجبة على كل محتلم بالأدلة المصرحة بأن الجمعة حق على مكلف وبالوعيد الشديد على تاركها وبهمه صلى الله عليه وسلم بإحراق المتخلفين عنها2 وليس بعد الأمر القرآني
1 هذا العنوان وما يليه من عناوين ليست من المؤلف وإنما هي من وضعي.
2 قلت: قد ورد في الصحيحين مثل هذا الوعيد في المتخلفين عن صلاة الجماعة أيضا فهي واجبة أيضا على الأعيان...................=
المتناول لكل فرد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة 9] حجة بينة واضحة
وقد أخرج أبو داود من حديث طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة 1 إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض"
وقد صححه غير واحد من الأئمة
= وهو الراجع في مذهب الحنفية وغيرهم فيجب الاهتمام بها ولا يجوز التكاسل والالتهاء عنها.
1 سقطت هذه الزيادة من الأصل الموعظة وهي ثابتة عند أبي داود 1067 وهكذا ذكره المؤلف في الروضة 1/134 من طريق أبي داود بهذه الزيادة وستعلم أهمية هذه الزيادة في المسألة 3.
الإمام الأعظم
2 -
لا يشترط الإمام الأعظم للجمعة ولو كان مجرد إقامتها - به صلى الله عليه وسلم أو بمن هو من جهته - يستلزم اشتراط الإمام الأعظم فيها لكان الإمام الأعظم شرطا في سائر الصلوات لأنها لم تقم إلا به في عصره صلى الله عليه وسلم أو بمن يأمره بذلك واللازم باطل فالملزوم مثله
والحاصل أنه ليس على هذا الاشتراط أثارة من علم بل لم يصح ما يروى في ذلك عن بعض السلف فضلا عن أن يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن طول المقال في هذا المقام فلم يأت بطائل قط1
العدد في الجمعة:
3 -
صلاة الجماعة قد صحت بواحد مع الإمام وصلاة الجمعة هي صلا ة من الصلوات فمن اشترط فيها زيادة على ما تنعقد به الجماعة فعليه الدليل ولا
1 قلت ومما تقدم تعرف قيمة الشرط المذكور في صلاة العيدين أيضا.
دليل والعجب من كثرة الأقوال في تقدير العدد حتى بلغت إلى خمسة عشر قولا ليس على شيء منها دليل يستدل به قط إلا قول من قال: إنها تنعقد جماعة الجمعة بما تنعقد به سائر الجماعة كيف والشروط إنما تثبت بأدلة خاصة تدل على انعدام المشروط عند انعدام شرطه فإثبات مثل هذه الشروط بما ليس بدليل أصلا فضلا عن أن يكون دليلا على الشرطية مجازفة بالغة وجرأة على التقول على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى شريعته
لا أزال أكثر التعجب من وقوع مثل هذا للمصنفين وتصديره في كتب الهداية وأمر العوام والمقصرين باعتقاده والعمل به وهو على شفا جرف هاو ولم يختص هذا بمذهب من المذاهب ولا بقطر من الأقطار ولا بعصر من العصور بل تبع فيه الآخر الأول كأنه أخذه عن أم الكتاب وهو حديث خرافة
فيا ليت شعري ما بال هذه العبادة من بين العبادات تثبت لها شروط وفروض وأركان بأمور لا يستحل العالم المحقق بكيفية الاستدلال أن يجعل
أكثرها سننا ومندوبات فضلا عن فرائض وواجبات فضلا عن شرائط؟
والحق أن هذه الجمعة فريضة من فرائض الله سبحانه وشعار من شعائر الإسلام وصلاة من الصلوات فمن زعم أنه يعتبر فيها ما لا يعتبر في غيرها من الصلوات لم يسمع منه ذلك إلا بدليل
فإذا لم يكن في المكان إلا رجلان قام أحدهما يخطب واستمع له الآخر ثم قاما فصليا [فقد صليا] 1 صلاة الجمعة.
والحاصل أن جميع الأمكنة صالحة لتأدية هذه الفريضة2 إذا سكن فيها رجلان مسلمان كسائر
1 زيادة على الأصل يقتضيها السياق.
2 قلت: ومن هذه الأمكنة القرى والبوادي والتلاع والمصايف ومواطن النزهة.
وقد روى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة أنهم كتبوا إلى عمر يسألونه عن الجمعة فكتب جمعوا حيثما كنتم.
وسنده صحيح وعن مالك قال:
كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في هذه المياه بين مكة والمدينة يجمعون.
الجماعات بل لو قال قائل: إن الأدلة الدالة على صحة صلاة المنفرد شاملة لصلاة الجمعة - لم يكن بعيدا عن الصواب1
1 قلت في هذا نظر ظاهر يتبين لمن تنبه لقوله صلى الله عليه وسلم: "في جماعة" في حديث طارق بن شهاب الذي تقدم في المسألة الأولى وقد تنبه له المؤلف رحمه تعالى في كتابه الآخر الروضة فقال 134 بعد أن ذكر نحو كلامه المذكور في الأعلى قال معقبا عليه:
"ولولا حديث طارق بن شهاب المذكور قريبا من تقييد الوجوب على كل مسلم بكونه في جماعة ومن عدم إقامتها صلى الله عليه وسلم في زمنه في غير جماعة لكان فعلها فرادى مجزئا كغيرها من الصلوات"
فهذا نص منه أنها لا تجزئ فرادى الحديث طارق وما ذكر معه وهو الصواب الذي نقطع به.
ولعل سبب عدم تنبه المؤلف هنا لما ذكرنا إنما هو سقوط كلمة "في جماعة" من الحديث من قلمه كما سبق أن نبهنا عليه هناك فلم يكن في الكتاب ما ينبهه ولا في الحافظة ما يذكره والله أعلم.........................=
تعدد الجمعة في البلد الواحد:
4 -
صلاة الجمعة صلاة من الصلوات يجوز أن تقام في وقت واحد جمع متعددة في مصر واحد كما تقام جماعات سائر الصلوات في المصر الواحد ومن زعم خلاف هذا كان مستند زعمه مجرد الرأي وليس ذلك بحجة على أحد وإن كان مستند زعمه الرواية فلا رواية
والحاصل أن المنع من جمعتين في مصر واحد إن كان لكون من شرط صلاة الجمعة أن لا يقع مثلها في موضع واحد أو أكثر فمن أين هذا؟ وما الذي دل عليه؟ فإن مجرد أنه صلى الله عليه وسلم لم يأذن بإقامة جمعة غير جمعته في المدينة وما كان يتصل بها من القرى فهذا مع كونه لا يصح الاستدلال على الشرطية المقتضية للبطلان بل ولا على الوجوب الذي هو دونها يستلزم
= ثم رأيت الصنعاني رحمه الله قد ذكر في سبيل السلام 2/74:
"إن صلاة الجمعة لا تصح إلا جماعة إجماعا".
أن يكون الحكم هكذا في سائر الصلوات الخمس1 فلا تصح الصلاة جماعة في موضع لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة الجماعة فيه وهذا من أبطل الباطلات. وإن كان الحكم ببطلان المتأخرة من الجمعتين2 إن علمت - وكلتيهما مع اللبس - لأجل حدوث مانع فما هو؟ فإن الأصل صحة الأحكام التعبدية في كل مكان وزمان إلا أن يدل الدليل على المنع وليس ههنا من ذلك شيء البتة3
1 قلت: وكذا صلاة العيدين بل الإلزام فيها أقوى لما هو معلوم من أنه لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد في المدينة إلا في مكان واحد وهو المصلى ومع هذا لم يقولوا بمنع التعدد فيها!.
2 قلت: وأما ما اشتهر على الألسنة في هذه الأزمنة وهو قولهم: "الجمعة لمن سبق" فلا أصل له في السنة وليس بحديث وإنما هو رأي لبعض الشافعية ظنه من لا علم عنده حديثا نبويا وإذا عرفت مستند القائلين بعدم جواز تعدد الجمعة في البلد الواحد تعرف حينئذ حكم صلاة الظهر بعد الجمعة التي يفعلها بعض الناس في بعض المساجد.
3 قلت: هذا صحيح ولكن من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق عمليا بين صلاة الجمعة والصلوات الخمس فإنه ثبت أنه كان في.........................=
من فاتته الجمعة ماذا يصلي؟
5 -
الجمعة فريضة من الله عز وجل فرضها على عباده فإذا فاتت لعذر فلا بد من دليل يدل على وجوب صلاة الظهر وفي حديث ابن مسعود
= في المدينة عدة مساجد تقام فيها صلاة الجماعة ومن الأدلة على ذلك أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي صلاة العشاء وراء النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم إماما صلاة العشاء هي له تطوع ولهم فريضة وأما الجمعة فلم تكن لتتعدد بل كان أهل المساجد الأخرى كلهم يأتون إلى مسجده صلى الله عليه وسلم فيجمعون فيه فهذا التفريق العملي منه صلى الله عليه وسلم بين الجماعة والجمعة لم يكن عبثا فلا بد إذن من النظر إليه بعين الاعتبار وهو وإن كان لا يقتضي الحكم بالشرطية التي صب المؤلف كلامه كله في نفيها فإنه على الأقل يدل على أن تعدد الجمعة بدون ضرورة خلاف السنة وإذا كان الأمر كذلك فينبغي الحيلولة دون تكثير الجمع والحرص على توحيدها ما أمكن اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده وبذلك تتحقق الحكمة من مشروعية صلاة الجمعة وفوائدها أتم تحقق ويقتضي على التفرق الحاصل بسبب إقامتها في كل المساجد كبيرها وصغيرها وحتى إن بعضها ليكاد أن يكون متلاصقا في بعض البلاد الأمر الذي لا يمكن ان يقول بجوازه من شم رائحة الفقه الصحيح.
"ومن فاتته الركعتان فليصل أربعا"1.
فهذا دليل على أن من فاتته الجمعة صلى ظهرا
وأما ما ذكره أهل الفروع من فوائد الخلاف في هذه المسألة فلا أصل لشيء من ذلك
1 قلت رواه ابن أبي شيبة في المصنف 1/126/1 والطبراني في الكبير 3/38/2 واللفظ له من طريق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود وبعض طرقه صحيح وحسنه الهيثمي في المجمع 2/192 ولعل استدلال المؤلف بحديث ابن مسعود مع أنه موقوف إنما هو بسبب أنه لا يعرف له مخالف من الصحابة ومؤيد بمفهوم حديث أبي هريرة الآتي قريبا.
ويشهد له ما في المصنف 1/206/1 بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب قال:
خرجت مع الزبير مخرجا يوم الجمعة فصلى الجمعة أربعا.
وعبد الرحمن هذا هو ابن عبد الله بن أبي ذؤيب ذكره ابن حبان في الثقات 6/122 وقال:
"كان يتيما في حجر الزبير بن العوام"
وفي حديث ابن مسعود إشارة إلى أن الظهر هي الأصل وأنها هي الواجبة على من لم يصل الجمعة ويؤيد ذلك أمور............................=
...............................................................................
= الأول: ما معلوم يقينا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون يوم الجمعة الظهر إذا كانوا في سفر ولكنهم يصلونها قصرا فلو كان الأصل يوم الجمعة صلاة الجمعة لصلوها جمعة.
الثاني: قال عبد الله بن معدان عن جدته قالت قال لنا عبد الله ابن مسعود:
"إذا صليتن يوم الجمعة مع الإمام فصلين بصلاته وإذا صليتن في بيوتكن فصلين أربعا"
أخرجه ابن أبي شيبة 1/207/2 وإسناده صحيح إلى جدة ابن معدان وأما هي فلم أعرفها والظاهر أنها تابعية وليست صحابية لكن يشهد له قول الحسن في المرأة تحضر المسجد يوم الجمعة أنها تصلي بصلاة الإمام ويجزيها ذلك وفي رواية عنه قال:
"كن النساء يجمعن مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقال: "لا تخرجن إلا تفلات يوجد منكن ريح طيب".
وإسنادهما صحيح وفي أخرى من طريق أشعث عن الحسن قال:
"كن نساء المهاجرين يصلين الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يحتسبن بها من الظهر".
قلت: فمن زعم أن الأصل يوم الجمعة إنما هو صلاة الجمعة وأن من فاتته أو لم تجب عليه – كالمسافر والمرأة – إنما.................=
بماذا تدرك الجمعة:
6 -
أخرج النسائي من حديث أبي هريرة بلفظ:
من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة
ولهذا الحديث اثنا عشر طريقا صحح الحاكم ثلاثا منها. قال في "البدر المنير":
هذه الطرق الثلاث أحسن طرق هذا الحديث والباقي ضعاف
وأخرجه النسائي وابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عمر وله طرق.
وقال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام ":
"إسناده صحيح [لكن قوى] 1 أبو حاتم إرساله".
= يصلون ركعتين جمعة فقد خالف هذه النصوص بدون حجة.
ثم رأيت الصنهاني ذكر 2/74 نحو هذا وأن الجمعة إذا فاتت وجب الظهر إجماعا فهي البدل عنه قال وقد حققناه في رسالة مستقلة.
1 الأصل "وأقر" وهو خطأ صححته من بلوغ المرام.
فهذه الأحاديث تقوم بها الحجة"1
حكم الجمعة في يوم العيد:
7 -
ظاهر حديث زيد بن أرقم عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ:
"أنه صلى الله عليه وسلم صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: "من شاء أن يصلي فليصل". يدل على أن الجمعة تصير بعد صلاة العيد رخصة لكل الناس2 فإن تركها
1 يريد المصنف بذلك الرد على من قال من العلماء – وهم الهادوية – إن إدراك شيء من الخطبة شرط لا تصح الجمعة بدونه وهذا الحديث حجة عليهم كما قال الصنعاني في سبل السلام.
وأما ما رواه ابن أبي شيبة 1/126/1 عن يحيى بن أبي كثير قال:
حدثت عن عمر بن الخطاب أنه قال إنما جعلت الخطبة مكان الركعتين فإن لم يدرك الخطبة فليصل أربعا فلا يصح لأنه منقطع بين يحيى بن أبي كثير وعمر.
2 أي الذين صلوا صلاة العيد دون من لم يصلها وبذلك خصصه الصنعاني 2/73.
الناس جميعا فقد عملوا بالرخصة وإن فعلها بعضهم فقد استحق الأجر وليست بواجبة عليه من غير فرق بين الإمام وغيره
وهذا الحديث قد صححه ابن المديني وحسنه النووي. وقال ابن الجوزي:
هو أصح ما في الباب1
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم عن وهب بن كيسان قال:
اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب فأطال الخطبة ثم نزل فصلى ولم يصل الناس يومئذ الجمعة فذكر ذلك لابن عباس رضي الله عنهما فقال: أصاب السنة.
1 قلت وهو صحيح بلا شك فقد ذكر له في الأصل وغيره شواهد ومنها: حديث ابن الزبير الآتي عقبه وفيه فائدة هامة وهي أن صلاة العيد واجبة أيضا كصلاة الجمعة ولولا ذلك لم تسقط بها صلاة الجمعة انظر الأصل 43.
ورجاله رجال الصحيح.
وأخرجه أيضا أبو داود عن عطاء بنحو ما قال وهب ابن كيسان ورجاله رجال الصحيح1
وجميع ما ذكرناه يدل على أن الجمعة بعد العيد رخصة لكل أحد وقد تركها ابن الزبير في أيام خلافته كما تقدم ولم ينكر عليه الصحابة ذلك.
1 وقلت في هذا التخريج شيء فإن الحديث لم يره أبو داود من طريق وهب بن كيسان إطلاقا وإنما أخرجه النسائي 1/236 والحاكم 1/296 ولفظه:
فقال أصاب ابن الزبير السنة فبلغ ابن الزبير فقال: رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا وقال
صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي
وإنما هو على شرط مسلم فقط وفي طريق عطاء وهو ابن أبي رباح زيادة بلفظ:
"ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا"
ورجاله رجال الصحيح كما قال المؤلف لكن فيه عنعنة الأعمش.
حكم غسل الجمعة:
8 -
الأحاديث الصحيحة الثابتة في "الصحيحين" وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة قاضية بوجوب الغسل للجمعة ولكنه ورد ما يدل على عدم الوجوب أيضا عند أصحاب "السنن" يقوي بعضه بعضا فوجب تأويله على أن المراد ب "الوجوب" تأكيد المشروعية جمعا بين الأحاديث وإن كان لفظ "واجب" لا يصرف عن معناه إلا إذا ورد ما يدل على صرفه كما نحن بصدده لكن الجمع متقدم على الترجيح ولو كان بوجه بعيد1
1 قلت لا شك أن الجمع مقدم على الترجيح ولكن الجمع إذا كان بعيدا كهذا الذي جمع به المؤلف بين الحديثين لم تطمئن النفس إليه ونظرت لعلها تجد ما هو أقرب إلى الاطمئنان وقد كنت قرأت قديما كلاما لبعض الأئمة اطمأنت إليه نفسي وانشرح له قلبي فها أنا أنقله إلى القارئ ليتأمل فيه ثم يتبع ما اطمأنت له نفسه من الجمعين:
قال ابن حزم في المحلى 2/14 بعد أن ساق حديث: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" وما في معناه مما أشار إليه المصنف:.........................................=
واعلم أن حديث "إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل" يدل على أن الغسل لصلاة الجمعة وأن من فعله لغيرها لم يظفر بالمشروعية سواء فعله في أول اليوم أو في وسطه أو في آخره
ويؤيد هذا ما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما مرفوعا:
"من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل" زاد ابن خزيمة:
= لو صحت لم يكن فيها نص ولا دليل على أن غسل الجمعة ليس بواجب وإنما فيها أن الوضوء نعم العمل وأن الغسل أفضل وهذا لا شك فيه وقد قال الله تعالى {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} فهل دل هذا اللفظ على أن الإيمان والتقوى ليس فرضا؟ حاشا الله من هذا ثم لو كان في جمع هذه الأحاديث نص على أن غسل الجمعة ليس فرضا لما كان في ذلك حجة لأن ذلك كان يكون موافقا لما كان عليه الأمر قبل قوله عليه السلام "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" وهذا القول منه عليه السلام حكم زائد ناسخ للحالة الأولى بيقين لا شك فيه ولا يحل ترك الناسخ بيقين والأخذ بالمنسوخ.
"ومن لم يأتها فليس عليه غسل"
يقول ملخصه لكن الحديث بهذه الزيادة وذكر النساء فيه – شاذ لا يصح والمحفوظ بدونها كما رواه الشيخان وغيرهما وقد حققت ذلك في الضعيفة 3958.
حكم خطبة الجمعة:
9 -
قد ثبت ثبوتا يفيد القطع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك الخطبة في صلاة الجمعة التي شرعها الله سبحانه في كتابه العزيز بالسعي إلى ذكر الله عز وجل والخطبة من ذكر الله إذا لم تكن هي المرادة بالذكر فالخطبة سنة لا فريضة
وأما كونها شرطا من شروط الصلاة فلا فإنا لم نجد حرفا من هذا في السنة المطهرة بل لم نجد فيها قولا يشتمل على الأمر بها الذي يستفاد منه الوجوب فضلا عن الشرطية وليس هناك إلا مجرد أفعال محكية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خطب وقال في خطبته كذا وقرأ
كذا. وهذا غاية ما فيه أن تكون الخطبة قبل صلاة الجمعة سنة من السنن المؤكدة لا واجبة فضلا عن أن تكون شرطا للصلاة. والفعل الذي وقعت المداومة عليه لا يستفاد منه الوجوب بل يستفاد منه أنه سنة من السنن المؤكدة. فالخطبة في الجمعة سنة من السنن المؤكدة وشعار من شعائر الإسلام لم تترك منذ شرعت إلى موته صلى الله عليه وسلم1
1 قلت: في هذا الكلام شيء من التناقض والبعد عن الصواب لا بد من بيانه فأقول:
ذكر في أول البحث أن الله أمر بالسعي إلى ذكر الله والخطبة هي من ذكر الله إذا لم تكن هي المرادة بالذكر.
قلت: فإذا كان كذلك فقد ثبت الأمر بها في كتاب الله فأغنى ذلك عن وروده في السنة وثبوت الأمر بالسعي إليها يتضمن الأمر بها من باب أولى لأن السعي وسيلة إليها فإذا وجبت الوسيلة وجب المتوسل إليه بألأحرى وهذا الدليل مما استدل به المصنف نفسه على وجوب صلاة العيدين فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالخروج إلى صلاة العيد فقال المؤلف 42:
والأمر بالخروج يستلزم الأمر بالصلاة لمن لا غذر له بفحوى الخطاب لأن الخروج وسيلة إليها ووجوب الوسيلة يستلزم وجوب................=
........................................................................................................
= المتوسل إليه.
قلت فلماذا لا يقال مثل هذا في الأمر بالسعي على ما بينا؟ وكأن المؤلف رحمه الله تنبه لهذا المعنى الذي أوردنا في كتابه الروضة ولذلك أورد هو على نفسه سؤالا يشعر بذلك فقال 137:
فإن قيل: إنه لما وجب السعي إليها كانت واجبة بالأولى فيقال: ليس السعي لمجرد الخطبة بل إليها وإلى الصلاة ومعظم ما وجب السعي لأجله هو الصلاة فلا تتم هذه الأولوية.
قلت وهذا مع كونه مخالفا لما مال إليه في أول المسألة من أن الخطبة هي المراد بذكر الله فإنه لا ينفي أنها مرادة به ولو بدرجة دون درجة الصلاة وعليه فالأمر بالسعي إلى الذكر لا يزال شاملا للخطبة وإذا كان الأمر كذلك فيرد ما ذكره أنه إذا وجب السعي إليها كانت واجبة بالأولى ويضعف الجواب الذي ذكره إن شاء الله تعالى.
على أن هناك طريقة أخرى لإثبات وجوب الخطبة وهي استحضار أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما الذي استمر عليه إذا كان صدر بيانا لأمر قرآني أو نبوي فهو دليل على وجوب هذا الفعل وهذا النوع من الاستدلال مقرر في علم الأصول معروف عند العلماء الفحول ومنهم المؤلف نفسه رحمه الله تعالى فقد استدل بهذا الدليل ذاته على وجوب مسألة أخرى تتعلق ببعض صفات الخطبة لا................=
صفة الخطبة وما يعلم فيها:
10 -
اعلم أن الخطبة المشروعة هي ما كان يعتاده صلى الله عليه وسلم من ترغيب الناس وترهيبهم فهذا في الحقيقة هو روح الخطبة الذي لأجله شرعت وأما اشتراط الحمد لله أو الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قراءة شيء من القرآن فجميعه خارج عن معظم المقصود من شرعية الخطبة واتفاق مثل ذلك في خطبه صلى الله عليه وسلم لا يدل على أنه
= الخطبة نفسها فقال بعد أن ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام.....الخ ما يأتي في آخر المسألة التالية ص 99 – 100.
وظاهر محافظته على ما ذكر في الخطبة وجوب ذلك لأن فعله صلى الله عليه وسلم بيان لما أجمل في أية الجمعة وقد قال صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي"
قلت أفلا بدل هذا الدليل بعينه على وجوب الخطبة نفسها بلى بل هو به أولى وأحرى كما لا يخفى على أولي النهي.
ثم رأيت الشوكاني قد صرح بهذا في السيل الجرار 1/298. ثم قال:
"وأما كونها شرطا من شروط الجمعة فلا".
مقصود متحتم وشرط لازم ولا يشك منصف أن معظم المقصود هو الوعظ دون ما يقع قبله من الحمد والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. وقد كان عرف العرب المستمر أن أحدهم إذا أراد أن يقوم مقاما ويقول مقالا شرع بالثناء على الله والصلاة على رسوله وما أحسن هذا وأولاه ولكن ليس هو المقصود بل المقصود ما بعده
والوعظ في خطبة الجمعة هو الذي إليه يساق الحديث فإذا فعله الخطيب فقد فعل الفعل المشروع إلا أنه إذا قدم الثناء على الله والصلاة على رسوله أو استطرد في وعظه القوارع القرآنية كان أتم وأحسن وأما قصر الوجوب بل الشرطية على الحمد والصلاة وجعل الوعظ من الأمور المندوبة فقط فمن قلب الكلام وإخراجه عن الأسلوب الذي تقبله الاعلام
والحاصل: أن روح الخطبة هو الموعظة الحسنة من قرآن أو غيره. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي في خطبته بالحمد لله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم1
1 قلت تبع المؤلف الشوكاني في السيل الجرار 1/ 299 لكن المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر اسمه الشريف في الشهادة في الخطبة وأما أنه كان يأتي بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فمما لا أعرفه في حديث صريح وانظر المنتقى 3/224 بشرح الشوكاني.
بالشهادتين بسورة كاملة والمقصود الموعظة بالقرآن وإيراد ما يمكن من زواجره وذلك لا يختص بسورة كاملة
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم ويقول:
"أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة".
أخرجه مسلم وفي رواية له:
"كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته"
"وفي أخرى له":
"من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له"1.
وللنسائي عن جابر:
"وكل ضلالة في النار" 2 أي بعد قوله: "كل بدعة ضلاله". والمراد بقوله: "كل بدعة ضلالة". والمراد بقوله: "وكل بدعة ضلالة" صاحبها
والبدعة لغة ما عمل على غير مثال والمراد هنا ما عمل من دون أن سبق له شرعية من كتاب أو سنة
وفي الحديث دلالة على ضلالة كل بدعة وعلى أن قوله هذا ليس عاما مخصوصا كما زعم بعضهم
1 قلت هذه قطعة من خطبة الحاجة التي كان صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه والتي تشرع بين يدي كل خطبة وخاصة خطبة الجمعة ولي في خطبة الحاجة رسالة خاصة مطبوعة.
2 قلت وإسناده صحيح وكذلك رواه البيهقي في الأسماء والصفات.
وفيه دليل على أنه يستحب للخطيب أن يرفع بالخطبة صوته ويجزل كلامه ويأتي بجوامع الكلم من الترغيب والترهيب. ويأتي بقول: "أما بعد"
وظاهره أنه كان صلى الله عليه وسلم يلازمها في جميع خطبه. وذلك بعد الحمد والثناء والتشهد كما تفيدها الرواية المشار إليها بقوله: "وفي رواية له" الخ.
وفيه إشارة إلى أنه كان صلى الله عليه وسلم يلازم قوله: "أما بعد فإن خير الحديث" الخ في جميع خطبه1
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال:
"كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء" 2
1 قلت ومما يؤسف له أن هذا الحديث قد أصبح اليوم نسيا منسيا فلا أحد من الخطباء والمدرسين والمرشدين في سوريا ومصر والحجاز وغيرها يقوله بين يدي خطبته ودرسه إلا من عصم الله وقليل ما هم فأنا أذكرهم بهذا {فإن الذكرى} وأدعوهم إلى إحياء هذه السنة كما أحيى بعضهم خطبة الحاجة التي سبقت الإشارة إليها والله الموفق.
2 رواه أبو داود وأحمد وهو في الصحيحة رقم 169.
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض أمر أو نهي كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين ويذكر معالم الشرائع في الخطبة والجنة والنار والمعاد فيأمر بتقوى الله ويحذر من غضبه ويرغب في موجبات رضاه وقد ورد قراءة آية ففي حديث مسلم:
"كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس ويحذر"
وظاهر محافظته على ما ذكر في الخطبة وجوب ذلك لأن فعله بيان لما أجمل في آية الجمعة وقد قال صلى الله عليه وسلم:
"صلوا كما رأيتموني أصلي"1.
وقد ذهب إلى هذا الشافعي. وقال بعضهم: مواظبته صلى الله عليه وسلم دليل الوجوب. قال في "البدر التمام":
1 رواه البخاري وأحمد.
"وهو الأظهر". والله أعلم1
قصر الخطبة وإطالة الصلاة:
11 -
وعن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه".
رواه مسلم
أي مما يعرف به فقه الرجل. وكل شيء دل على شيء فهو مئنة له.
وإنما كان قصر الخطبة علامة على ذلك لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني وجوامع الألفاظ فيتمكن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة ولذلك كان
1 قلت: تأمل هذا فإن فيه حجة على حجة على المؤلف في ذهابه إلى أن خطبة الجمعة من أصلها غير واجبة وهذا الدليل الذي ذكره هنا يدل على وجوبها وهو الحق كما سبق ببيانه في التعليق على المسألة السابقة ص 92.
من تمام رواية هذا الحديث:
"فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وإن من البيان لسحرا"
والمراد من طول الصلاة الطول الذي لا يدخل فاعله تحت النهي وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ب "الجمعة" و"المنافقين" كما عند مسلم عن ابن عباس وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه:
"كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة ب {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} 1 وذلك بالنسبة إلى خطبته وليس بالطول المنهي عنه.
وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت:
"ما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إلا من لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس"
1 رواه مسلم وأبو داود.
رواه مسلم.
وفيه دليل على مشروعية قراءة سورة أو بعضها في الخطبة كل جمعة. وكان محافظته صلى الله عليه وسلم على هذه السورة اختيارا منه لما هو أحسن في الوعظ والتذكير وفيه دلالة على ترديد الوعظ في الخطبة.
أحكام متفرقة:
12 -
وكان إذا عرضت له حاجة أو سأله سائل قطع خطبته وقضى الحاجة وأجاب السائل ثم أتمها.
وكان إذا رأى في الجماعة فقيرا أو ذا حاجة أمر بالتصدق وحرض على ذلك.
وكان إذا ذكر الله تعالى أشار بالسبابة.
قلت: كأنه يشير إلى حديث عمارة بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة.
رواه مسلم 3/13 وغيره
وله شاهد من حديث من حديث سهل بن سعد نحوه وقال: وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام
رواه أبو داود بإسناد حسن
وهما مخرجان في الإرواء 3/77
وكان إذا اجتمعت الجماعة خرج للخطبة وحده ولم يكن بين يديه حاجب ولا خادم ولم يكن من عادته لبس الطرحة ولا الطيلسان ولا الثوب الأسود المعتاد
وكان إذا دخل المسجد سلم على الحاضرين لديه وإذا صعد المنبر أدار وجهه إلى الجماعة وسلم ثانيا ثم قعد1
1 قلت هذه الهيئة مما لا أعرفه في السنة وهي الجمع بين السلام عند الدخول والسلام بعد الصعود ثم رأيتها في حديث ضعيف خرجته في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة برقم 4194 وإنما المعروف الثاني فقط وقد قال المؤلف في مكان آخر ص 24: وروى عنه صلى الله عليه وسلم التسليم على الحاضرين قبل الشروع في الخطبة من طرق يقوى بعضها بعضا
تحية المسجد أثناء الخطبة:
13 -
حاصل ما يستفاد من الأدلة أن الكلام منهي عنه حال الخطبة نهيا عاما وقد خصص هذا بما يقع من الكلام في صلاة التحية من قراءة وتسبيح وتشهد ودعاء والأحاديث المخصصة لمثل ذلك صحيحة فلا محيص لمن دخل المسجد حال الخطبة من صلاة ركعتي التحية إن أراد القيام بهذه السنة المؤكدة والوفاء بما دلت عليه الأدلة فإنه صلى الله عليه وسلم أمر سلكيا الغطفاني لما وصل إلى المسجد حال الخطبة فقعد ولم يصل التحية بأن يقوم فيصلي فدل هذا على كون ذلك من المشروعات المؤكدة بل من الواجبات
ومن جملة مخصصات صلاة التحية حديث "صحيح":
"إذا جاء أحدكم [يوم الجمعة] والإمام يخطب فليصل ركعتين" 1
1 متفق عليه من حديث جابر بلفظ فليركع وزاد مسلم في رواية: "وليتجوز فيهما".
وهو حديث صحيح متضمن للنص في محل النزاع
وأما ما عدا صلاة التحية من الأذكار والأدعية والمتابعة للخطيب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأت ما يدل على تخصيصها من ذلك العموم
والمتابعة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وإن وردت بها أدلة قاضية بمشروعيتها فهي أعم من أحاديث منع الكلام حال الخطبة من وجه وأخص منها من وجه فيتعارض العمومان وينظر في الراجح منهما وهذا إذا كان اللغو المذكور في حديث: "ومن لغا فلا جمعة له" 1 يشمل جميع أنواع الكلام وأما إذا كان مختصا بنوع منه وهو
1 رواه أحمد وأبو داود وله شواهد كثيرة يتقوى بها وقد جاء تفسيره في حديث آخر بلفظ: "ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا".
ما لا فائدة فيه فليس مما يدل على منع الذكر والدعاء والمتابعة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
يقول ملخصه محمد ناصر الدين:
والأرجح من الاحتمالين الأول بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة: أنصت فقد لغوت"
أخرجه الشيخان وغيرهما
فإن قول القائل: أنصت لا يعد لغة من اللغو لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومع ذلك فقد سماه عليه الصلاة والسلام: لغوا لا يجوز وذلك من باب ترجيح الأهم وهو الإنصات لموعظة الخطيب على المهم وهو الأمر بالمعروف في أثناء الخطبة وإذا كان الأمر كذلك فكل ما كان في مرتبة الأمر بالمعروف فكيف إذا كان دونه في الرتبة فلا شك أنه حينئذ بالمنع أولى وأحرى وهي من اللغو شرعا
وأما قول المصنف "ص 27" وفي الروضة "140":
ويمكن أن يقال: إن ذلك الذي قال: "أنصت" لم يؤمر في ذلك الوقت بأن يقول هذه المقالة. فكان كلامه لغوا حقيقة من هذه الحيثية"
فأقول وكذلك شأن الأذكار التي تردد المؤلف في حكمها هي مما لم يؤمر بها في ذلك الوقت فكانت لغوا أيضا. والله أعلم
وبهذا ينتهي تلخيص هذه المسائل من "الموعظة الحسنة" مع ما تيسر من التعليق عليها وكان الفراغ من ذلك مساء السبت الثاني عشر من صفر سنة 1382 هـ
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين
محمد ناصر الدين الألباني