الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهمية الرغبة والرهبة في الدعاء
أقول أيها الأحبة: إن الله عز وجل قال في شأن هؤلاء الأنبياء: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] فجمعوا بين المسارعة والرغبة في الجنة والخوف من النار والخضوع والذلة والإخبات والانكسار إلى الله عز وجل، ولو خرجنا عن موضوعنا قليلاً لاستفدنا من هذه الآية فائدة عظيمة وهي ردٌ على طائفة من طوائف الضلالة وهم غلاة الصوفية الذي يسمون بأصحاب مدرسة الحب الإلهي الذين يقولون: إننا عبدنا الله حباً في ذات الله لا خوفاً من عذابه ولا طمعاً في ثوابه وإنما حباً في ذاته، فنقول لهؤلاء: كذبتم وخبتم وخسئتم وخسرتم، لن تكونوا أمثل وأكمل وأفضل وأجل نهجاً وسمتاً وهدياً من خيرة خلق الله الذين اصطفاهم من سائر خلقه وهم الأنبياء والرسل ومع ذلك يقول الله عز وجل عنهم:{وَيَدْعُونَنَا رَغَباً} [الأنبياء:90] يطمعون في الجنة {وَرَهَباً} [الأنبياء:90] أي: خوفاً من النار {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90].
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرح بذلك لما جاءه أعرابيٌ فقال: (يا محمد! إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، ولكني أسأل الله الجنة، وأستعيذ به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أعرابي أنا ومعاذ حولها ندندن) ما أنا وما معاذٌ وما الصحابة إلا وهم في دعائهم في صلاتهم وعبادتهم إلا يسألون الله الجنة، ويستعيذون بالله من النار، لكن الجنة تحتاج إلى مسابقة، وتحتاج إلى مبادرة ولذا قال تعالى:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [الحديد:21] فالذي يريد الجنة بنومٍ عن صلاة الفجر، ويريد الجنة بنومٍ عن شهود الصلاة مع الجماعة، وبإعطاء النفوس شهواتها، ويريد الجنة بالبخل عن الإنفاق في سبيل الله، وبالقعود عما أمر الله به، ويريد الجنة وقد أسلم لنفسه زمامها في شهواتها وغفلاتها ومعاصيها وإصرارها على المعصية ثم بعد ذلك يقول: أنا أريد جنة عرضها السماوات والأرض، الجنة تريد مسابقة.
تسألني أم الوليد جملا يمشي رويداً ويجيء أولا
تريد جنة عرضها السماوات والأرض وأنت إذا قيل: حي على الفلاح، انقلبت على الجنب الآخر لا تريد أن تسمع بقية الأذان؟! تريد جنة عرضها السماوات والأرض وأنت إذا دعيت لتنفق في سبيل الله من مالك أصبح الإنفاق على شهوتك ولذتك وشهوات أولادك أحب إليك من الإنفاق في سبيل الله؟! تريد جنة عرضها السماوات والأرض وأنت قد أعطيت النفوس زمامها وأسلمت لها العنان وأطلقت لها الأمر فما اشتهت من شيء إلا وطئته حلالاً كان أو حراما؟! ثم إذا قيل هذا لا يرضي الله وهذا يسخط الله، وهذا لا يجوز وهذا لا ينبغي؛ أتيت بحججٍ وأقاويل وتأويل، وربما وكيف وأين ولعل ويمكن وقيل وسمعنا وروي، تتعلل في الهروب معللاً لنفسك فعل الحرام، وتتلون في الفرار مبادراً أو مسارعاً بالفرار عن المسابقة إلى مرضاة الله، ثم تقول: إني أريد جنة عرضها السماوات والأرض.