المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌33 - من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وإرسال ملك الموت إلى موسى عليهما السلام - الأحاديث القدسية - جـ ٢

[جمال محمد علي الشقيري]

الفصل: ‌33 - من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وإرسال ملك الموت إلى موسى عليهما السلام

‌33 - من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وإرسال ملك الموت إلى موسى عليهما السلام

301 -

(حديث من أحب لقاءَ الله أَحب الله لقاءَه).

أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، عن أبي هريرة بلفظ صريح في نسبته إلى الله تعالى، فيكون نصًّا على أنه حديث قدسي، ففيه بعد السند:

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائي، أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَإذَا كَرِهَ لِقَائي كَرهْتُ لِقَاءَهُ» .

وأخرجه البخاري في كتاب الرقاق ج - 9 قسطلاني ص 295 من باب: (من أحب لقاءَ الله أحب الله لقاءَه) فقَالَ:

302 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَن أَنَس، عَن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ قَالَ:«منْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهِ اللَّهُ لِقاءَهُ» - قَالَتْ عائِشَةُ: - أَوْ بَعْضُ أَزْواجِهِ -: إنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ المؤمِنَ إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، بُشِّرَ بِرِضْوانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا أَمامَهُ، فَأَحَبَّ لقاءَ اللَّهِ، وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإنَّ الْكافِرَ إذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعذَابِ اللَّهِ

ص: 302

وعُقُوبَتِهِ، فلَيْسَ شيءٌ أَكْرَهَ إلَيْهِ مِمَّا أمامَهُ، كَرهَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».

ثم قال البخاري رحمه الله اختصره أبو داود، وعمرو - أي ابن مرزوق - عن شعبة - وقال سعيد: عن قتادة، عن سعد، عن عائشة، عن النبي.

ثم أخرجه البخاري بعد ذلك بسنده عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

303 -

(عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

«مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» .

وليس في هاتين الروايتين تصريح بنسبة الحديث إلى الله تعالى، وظاهر ذلك أنه ليس حديثا قدسيًّا.

وأخرج مسلم هذا الحديث في صحيحه في الدعوات. - باب - (من أحب لقاءَ الله، أحب الله لقاءَه) بروايات عدة:

فأخرجه بسنده إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مختصرا، كما ذكره البخاري هنا عنه، - وأخرجه كذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه مقتصرا على هذا اللفظ وأخرجه عن عائشة رضي الله عنها بثلاث روايات:(أَوسطها).

304 -

عَنْ شُرَيْح بْنِ هَانىء، عَن عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ

ص: 303

قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «من أَحَبَّ لِقاءَ الله أَحبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لِقاءَ اللَّهِ، كَرِهَ اللَّهَ لِقاءَهُ، والْمَوْتُ قَبلَ لِقَاءِ اللَّهِ» .

والرواية الأولى لمسلم قال فيها بسنده: عن سعد بن هشام.

305 -

عَنْ عَائشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لقاءَ الله، أَحَبَّ اللَّهُ لقاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله، كَرِهَ اللَّهُ لقاءَهُ» ، فقلُتُ: يا نبيَّ اللَّهِ، أَكَراهِيَةَ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنا نَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ:«لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ المُؤمِنَ إذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوانِهِ وَجِنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ، وَإنَّ الكَافِرَ إذَا بُشِّرَ بِعذَابِ اللَّهِ وسَخطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقاءَهُ» .

والرواية الثالثة. قال فيها بسنده.

306 -

عن شريح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِقاءَ اللَّهِ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقاءَ اللَّهِ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» .

قالَ - أَي شريح -: فأَتَيْتُ عائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ: يَا أُمَّ المُؤمِنين، سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ عَن رَسُولِ اللَّهِ حَدِيثا، إن كان كذلِك فقدْ هلكْنا فقالَتْ: إنْ الْهَالِكَ مَنْ هَلَكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ. وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لقَاءَ الله، أَحَبَّ

ص: 304

اللَّهُ لِقاءَهُ، ومَنْ كَرهَ لِقاءَ اللَّهِ، كَرِهَ اللَّهُ لِقاءَهُ،» - ولَيْسَ مِنَّا أَحدٌ إلَاّ وَهُوَ يَكْرَهُ المَوْتَ، فقالَتْ: قَدْ قالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ بالَّذِي تَذْهَبُ إلَيْهِ، ولكِنْ إذَا شَخَصَ الْبَصَرُ، وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ، وَاقْشَعَرَّ الجِلْدُ، وتَشنَّجَتِ الأصَابِعُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ: مَنْ أَحَبَّ لِقاءَ اللَّهِ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ، ومَنْ كَرهَ لِقاءَ اللَّهِ، كَرِهَ اللَّهُ لِقاءَهُ».

قال القسطلاني - رحمه الله تعالى -: وحديث الباب أخرجه مسلم في الدعوات، والترمذي في الزهد والجنائز، والنسائي فيها. اه -.

307 -

وأخرجه مالك في الموطأ بلفظ:

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: إذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائي، أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَإنْ كَرِهَ لِقَائِي، كَرِهْتُ لِقَاءَهُ» .

من كتاب الجنائز.

ص: 305

(حديث إرسال ملك الموت إلى موسى عليهما السلام

أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق - باب وفاة موسى عليه السلام ج - 5 قسطلاني ص 387 فقال:

308 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُس، عَنْ أَبيه، عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أُرْسلَ مَلكُ الْمَوْتِ إلَى مُوسَى عليهما السلام فلمَّا جاءَهُ صَكَّهُ، فرَجَع إلى رَبِّه، فقَالَ: أَرْسَلْتني إلَى عَبْد لا يُريدُ الْمَوْت، قَالَ: ارْجَعْ إلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ يَضَعْ يَدَهُ عَلى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِما غَطَّتْ يَدُهُ، بِكُلِّ شَعْرَةِ سَنَةٌ، قَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ ماذا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ قَالَ: فَالآنَ، قَالَ: فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَر، قالَ أَبُو هرَيْرَةَ رضي الله عنه فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحتَ الْكَثِيبِ الأحْمَرِ» .

قال عبد الرزاق: وأخبرنا معمر، عن همَّام، قَالَ: حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي نحوه. فصرح في هذه الرواية بنسبته إلى النبي، ورفعه إليه، كما ذكر في كل الروايات: (قال أبو هريرة رضي الله عنه فقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لو كنت ثَمَّ لأَريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر» .

ص: 309

وأخرجه البخاري أيضا في كتاب الجنائز. (باب من أحب أن يدفن في الأرض المقدسة) ج - 2 ص 435 قسطلاني حدثنا محمود، حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس - عبد الله - عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: أُرْسِلَ مَلكُ الْمَوْتِ إلَى مُوسَى عليهما السلام فلمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فرجَعَ إلى رَبِّهِ، فَقَالَ: أَرْسَلْتَني إلى عَبْد لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، فَرَدَّ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجع وقُلْ له: يضع يده على متن ثور فَلَه بكل ما غَطت يده، بكلِّ شعرة سنة، قَالَ: أَيْ ربِّ، ثم ماذا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ: فالآن، فَسَأَل الله أنْ يُدْنيَهُ مِنَ الأَرض المقدسة رَميةً بحجرٍ، قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فلو كنت ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبَرْهُ إلى جانِبِ الطَّرِيقِ عِندَ الكَثِيبِ الأحْمَرِ» .

وأخرجه مسلم في باب: (من فضائل موسى) ج - 9 ص 224 هامش القسطلاني فقال:

309 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع - وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْد: (قال عبْدٌ): أخبرنا وقال ابن رافع: حدثنا عبدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبيهِ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إلَى مُوسَى عليه السلام، فَلَمَّا جاءَهُ صَكَّهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَرَجَعَ إلى رَبِّه، فقَالَ: أَرْسَلْتَني إلى عَبْد لَا يُريدُ المَوْتَ قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ إلَيه عَيْنَهُ، وقَالَ: ارْجَعْ إلَيه، وقُلْ لَهُ: يَضَعْ يَدَهُ عَلى مَتْنِ ثَورٍ، فلَهُ بمَا غَطَّتْ يَدُهُ، بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةً قَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ:

ص: 310

ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ: فَالآنَ، فسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدنيَهُ منَ الأَرْضِ المُقَدَّسَة رَمْيَةً بِحَجَرٍ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَلَوْ كُنْتَ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلى جانبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الكَثِيبِ الأحمَرِ» اه -.

وأخرجه مسلم برواية أخرى فقال:

310 -

حدثنا محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بْن مُنَبِّه، قَالَ: هذا ما حَدَّثَنَا أَبو هُرَيْرَةَ عَن رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَر أَحادِيثَ، مِنْها: وَقَالَ: «جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إلَى مُوسَى عليه السلام فقالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ، قَالَ: فَلَطَمَ مُوسَى عليه السلام عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَها، قَالَ: فَرَجَعَ الْمَلَكُ إلى الله تَعالى، فقَالَ: إنَّكَ أَرْسَلْتَني إلى عَبْد لَا يُريدُ المَوْت، وَقَدْ فَقَأَ عَيْني، قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ إلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إلى عَبْدي، فقُلِ: الْحَيْاةَ تُرِيدُ؟ فَإنْ كُنتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَما تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَة، فإنَّكَ تَعِيشُ بِها سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ تَموتُ، قَالَ: فالآنَ مِنْ قَريبٍ، رَبِّ أَمِتْني مِنَ الأَرْضِ المُقَدَّسَةَ رَميَةَ بِحَجَر قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: واللَّهِ لَو أَنِّي عِنْدَه لأَرَيْتُكمُ قَبْرَهِ إلى جانبِ الطَّرِيقِ عِندَ الكَثِيبِ الأحْمَرِ» .

ثم قال مسلم: حدثنا أبو إسحاق، حدثنا محمد بن يحيى،

ص: 311

حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر بمثل هذا الحديث.

وأخرجه النسائي في باب التعزية ج - 4 ص 118 بلفظ قريب من رواية مسلم الثانية.

ص: 312

24 -

ما جاء في الحشر وأهواله، وحديث:(يقبض الله الأرض)

حديث: (إنَّكُمْ تُحْشَرُونَ جُفَاة عُرَاة غرْلاً).

أخرجه البخاري من كتاب بدء الخلق - باب - قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} والقسطلاني ج - 5 ص 342.

311 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِير، أَخْبَرَنا سُفْيان، حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمان، قَالَ: حَدَّثنِي سَعيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما عَنِ النَّبيِّ قَالَ: «إنَّكُمْ تُحْشَرُونَ حُفَاة عُراة غُرْلاً، ثُمَّ قَرأَ {كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَومَ القِيامَة إبْراهيمُ عليه السلام وَإنَّ أُنَاسا منْ أَصْحابِي يُؤخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَال، فأقُولُ: أصْحابِي أَصْحَابي، فيُقالُ: إنَّهُمْ لَمْ يَزالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقابِهِم مُنذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقولُ كَما قالَ العَبْدُ الصَّالِحُ:{وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ}

إلى قوله: {العَزِيزُ الحَكِيمُ} ».

وأخرجه البخاري في الرّقاق - باب - (كيف الحشر؟) بلفظ:

312 -

عن ابن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: قامَ فِينا النَّبيُّ يَخطُبُ فقالَ: «إنَّكُم مَحْشُورونَ حُفاةً عُراة غرلاً»

الحديث.

ص: 315

وأخرجه في التفسير، وفي أحاديث الأنبياء.

وأخرجه مسلم في صفة القيامة ج - 1 ص 311 هامش القسطلاني فقال بعد السند:

313 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيبا بِمَوْعِظَةٍ، فَقَالَ: «يَأَيُّها النَّاسُ، إنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إلى اللَّهِ حُفاةً عُراةً غُرْلاً

» الحديث.

314 -

وأخرجه الترمذي بلفظ قريب من رواية مسلم ج - 2 ص 100 وقال عنه: حديث حسن صحيح.

ص: 316

حديث (يحشر العباد فيناديهم ربهم: أنا الملك)

أخرجه البخاري في كتاب التوحيد - والقسطلاني ج - 10 ص 429.

قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري - رحمه الله تعالى - في باب قول الله تعالى: (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أَذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العليّ الكبير).

315 -

وَيَذْكُرُ عَن جابِرٍ - أي ابن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما عَن ابنِ أُنَيْس رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «يَحْشُرُ اللَّهُ العِبادَ، فَيُنادِيهِمْ بِصَوْت يَسْمَعُهُ مَن بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّان» .

ص: 318

حديث يقال يوم القيامة لآدم عليه السلام: (اخرج بعث النار من ذريتك).

أخرجه البخاري من سورة الحج - باب - (وترى الناس سكارى) ج - 7 ص 97.

316 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أبُو صَالِح، عن أبي سعيدِ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قالَ النَّبيُّ: «يَقُولُ اللَّهُ عز وجل يَوْمَ القِيامَةِ: يَا آدَمُ، يَقولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيكَ فَيُنادي بِصَوْت: إنَّ اللَّهَ يَأمُرُك أنْ تُخْرِجَ مِن ذُرِّيَّتِكَ بَعْثا إلى النَّار، قَالَ: يَا رَبِّ، وَما بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلف - أُراهُ قَالَ: تِسْعَمَائَةٍ وَتِسْعَةً وتِسْعِينَ، فحينئِذ تَضَعُ الحامِلُ حَمْلَهَا، ويَشِيبُ الَوِليدُ، وتَرَى الناسَ سُكَارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى ولكِنَّ عذابَ اللَّهِ شَديدٌ» ، فَشَقَّ ذَلِكَ على النَّاسِ، حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجوهُهُم، فقالَ النَّبيُّ:«مِن يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعمائَةِ وتِسعَةً وتِسْعينَ، ومِنكُم واحِدٌ، ثُمَّ أنْتُم في النَّاسِ كالشَّعَرَةِ السَّوداءِ في جَنْب الثَّورِ الأبْيَض، أو كالشَّعْرَةِ البَيْضاءِ في جَنْبِ الثَّور الأسْوَدِ، وإنِّي لأَرْجو أن تكُونُوا رُبُعَ أَهْل الجَنَّةِ» ، فَكَبَّرنا، «ثمَّ ثُلُثَ أَهلِ الجَنَّةِ» ، فكَبَّرنا، «ثُمَّ شَطْرَ أَهلَ الجَنَّةِ» ، فَكَبَّرْنا.

ص: 321

وقال أبو أُسامة، عن الأعمش:(تَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى) وقَالَ: (مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمائَة وَتِسْعَةً وَتسْعينَ).

وأخرجه البخاري أيضا في ذكر الأنبياءِ بعد قصة يأجوج ومأجوج، وذكره في آخر كتاب الرقاق وأخرجه مسلم في باب (بيان كون هذه الأمة نصف أهل الجنة) بلفظ قريب من لفظ البخاري.

وأخرجه الإمام الترمذي بروايتين في باب (سورة الحج) ج - 2 ص 199 - 200 فقال:

317 -

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَتْ: {يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}

إلى قوله: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} - قَالَ: أُنْزِلتْ عَليْهِ هذِهِ وَهُوَ في سَفرٍ، فقالَ:«أَتدْرُون أَيُّ يَوْم ذلك» ؟ فقالوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:«ذَلِكَ يَوْمُ يَقُولُ اللَّهِ لآدَمَ: ابْعَثْ بَعْثَ النَّار، فَقَالَ: يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّار؟ قَالَ: تِسْعُمائَةِ وتِسْعَةٌ وتِسْعُونَ إلَى النَّارِ، وَوَاحِدٌ إلَى الْجَنَّةِ» ، فَأَنْشَأَ المُسْلِمُونَ يَبْكُونَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَارِبُوا وسَدِّدُوا، فَإنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ

ص: 322

قَطُّ، إلَاّ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهَا جَاهِلِيَّةً، قَالَ: فَيُؤخَذُ الْعَدَدُ مِنَ الجاهِلِيَّةِ، فَإنْ تَمَّتْ وَإلَاّ كَمُلَتْ مِنَ الْمُنافِقِينَ، وَما مَثَلُكُمْ وَالأُمَم إلَاّ كَمَثَلِ الرَّقَمَةِ في ذِرَاع الدَّابَّةِ، أَوْ كالشَّامَةِ في جَنْبِ الْبَعِيرِ، ثُمَّ قَالَ: إنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَكَبَّرُوا، ثُمَّ قالَ:«إنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ، فَكَبَّرُوا، قَالَ: لَا أَدْرِي قَالَ: الثُّلُثَيْنِ أَمْ لَا.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

والرواية الثانية للترمذي، قال أيضا:

318 -

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ في سَفَرٍ، فَتَفَاوَتَ بَعْضُ أَصْحابِهِ في السَّيْرِ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَوْتَهُ بِهَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ:{يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}

إلَى قَوْلِهِ: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ حَثُّوا الْمَطيَّ، وعَرَفُوا أَنَّهُ عِنْدَ قَوْلِ يَقُولُه، قَالَ: «ذَلِكَ يَوْمٌ يُنادِي اللَّهُ فيهِ آدَمَ، فَيُنادِيِ رَبُّهُ، فَيَقُولُ: يَا آدَمُ، ابْعَثْ بَعْثَ النَّار، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمائَةٍ وتِسْعَةٌ وتِسعُونَ في النَّارِ،

ص: 323

34 -

حديث (يقبض الله الأرض .. ثم يقول: أنا الملك)

أخرجه البخاري من كتاب التفسير - سورة الزمر - {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ج - 6 ص 126.

319 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّموَاتِ بِيَمِينِه، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ» ؟.

أخرجه البخاري بهذا اللفظ عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب التفسير - سورة الزمر - قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} وفي كتاب الرقاق كذلك عنه.

وأخرجه البخاري أيضا في كتاب التوحيد عن عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما بلفظ:.

320 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «إنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ الأَرْضَ - أَو الأَرَضِينَ - وَتَكُونُ السَّموَاتُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ» .

وأخرجه البخاري أيضا في كتاب التوحيد بروايتين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وفي رواية منهما:

«ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا المَلِكُ» .

ص: 328

وفي رواية له من كتاب التفسير - سورة الزمر - بأطول من ذلك كله، قَالَ:

321 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُور، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عبيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَار إلى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّموَاتِ عَلَى إصْبَع، والأَرْضِينَ عَلَى إصْبَع، والشَّجَرَ عَلَى إصْبَع، وَالْمَاءَ والثَّرَى عَلَى إصْبَع، وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبيُّ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، تَصْدِيقا لِقَوْل الْحَبْر، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:{وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .

322 -

وأخرج مسلم حديث الحبر، في باب (صفة القيامة والجنة والنار) بلفظ: (فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ - أَوْ يا أَبَا الْقَاسِمِ، إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّموَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إصْبَع

إلى أن قال: ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، وَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ).

ص: 329

ثم أخرجه مسلم برواية أخرى، ولم يذكر فيها:(ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ)، ثم أعاده بروايات قريبة من ذلك.

323 -

وزاد في بعض الروايات بعد قوله: (فَرَأَيْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ، حَتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ) - قَالَ: (تَصْدِيقا لَهُ، تَعَجُّبا لِما قَالَ) - ثم أخرج مسلم حديث أبي هريرة مثل لفظ البخاري المذكور هنا.

ثم أخرجه مسلم بروايات أخرى بزيادات، وهي عن عبد الله بن مسعود. فقال:

324 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَني عَبْدُ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَطْوِي اللَّهُ عز وجل السَّموَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الأَرْضَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ» ؟.

ص: 330

325 -

وقال مسلم أيضا:

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يعني ابن عبد الرحمن - حَدَّثَنَا أَبُو حَازِم، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُقَسِّم، أَنَّهُ نَظَرَ إلى عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما كَيْفَ يَحْكي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَأْخُذُ اللَّهُ سَموَاتِهِ وَأَرَاضِيهِ بِيَدَيْهِ، وَيَقُولُ أَنَا اللَّهُ، ويقبض أصابعه ويبسطها - أَنا الْمَلِكُ، حَتَّى نَظَرْتُ إلى الْمِنْبَر يَتحَرَّك مِنْ أَسْفل شيءٍ مِنْهُ، حَتَّى إنِّي لأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هو بِرَسُولِ اللَّهِ» ؟.

وأخرج ابن ماجة حديث ابن عمر الثاني المرويِّ في مسلم، بلفظ:

326 -

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: «يَأْخُذُ الْجَبَّارُ سَمَّواتِهِ وَأَرْضِيهِ بِيَدِهِ - وَقَبَضَ بِيَدِهِ، فَجَعَلَ يَقْبِضُها وَيَبْسُطُهَا ثُمَّ يَقُولُ: «أَنا الْجَبَّارُ، أَيْنَ الْجَبَّارُون؟ أَيْن الْمُتكبِّرُون» ؟ وَيَتمثَّلُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، حَتَّى نظرتُ الْمِنْبَرَ يَتحرَّكُ مِنْ أَسْفل شَيءٍ مِنْهُ، حَتَّى إنِّي أَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ج - 1 من سنن ابن ماجة ص 45 باب (فيما أنكرت الجهمية).

ص: 331

35 -

(ما جاء من أحاديث الشفاعة)

أولاً: روايات البخاري أخرجه البخاري من كتاب بدءِ الخلق ج - 4 ص 134 - من باب - قول الله تعالى: {إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

328 -

حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْد، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ في دَعْوَةٍ، فَرُفِعَ إلَيْهِ الذِّراعُ، - وكَانَتْ تَعّجِبُهُ - فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، وقَالَ:«أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هَلْ تَدْرُونَ بِمَ؟» -: يَجْمَعُ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ في صَعِيد وَاحِدٍ، فيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَقُولُ بَعضُ النَّاسِ: أَلَا تَرَوْنَ إلَى مَا أَنتُمْ فِيهِ؟ إلَى مَا بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ إلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَبُوكُمْ آدَمُ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ، أَلَا تشْفَعُ لَنَا إلَى رَبِّكَ؟ أَلَا تَرَى ما نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ غَضَبا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ،

ص: 338

وَنَهَاني عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إلَى غَيْري، اذْهبُوا إلى نْوح، فَيأْتُون نُوحا، فَيَقولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْت أَوَّلُ الرُّسُلِ إلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وسَمَّاك اللَّهُ عَبْدا شَكُورا، أَمَا تَرَى إلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إلى ما بَلَغَنا؟ أَلا تشْفعُ لنا إلَى رَبِّك؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسي، نَفْسي، ائْتُوا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فيَأْتُوني، فَأَسْجُدُ تَحْتَ العَرْش، فيُقالُ: يا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَك، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ».

قال محمد بن عُبَيْدٍ: لا أَحْفَظُ سائِرَهُ.

ص: 339

وأخرجه البخاري من كتاب التفسير - سورة البقرة - باب {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَآءَ كُلَّهَا} ج - 6 ص 17 - 18.

329 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهيمَ، حَدَّثَنَا هشامٌ، حَدَّثَنَا قَتادَةُ، عَن أَنسٍ - هو ابن مالك رضي الله عنه، عن النَّبيِّ قال أبو عبد الله أي البخاري وقال لي خليفة: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع، حَدَّثَنَا سعيدٌ، عَن قَتادَةَ، عَن أَنس رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ قَالَ: «يَجْتَمِعُ المُؤمِنونَ يَومَ القِيامَةِ فَيَقولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنا إلَى رَبِّنا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: أَنتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِه، وَأَسْجَدَ لَكَ ملائِكَتَهُ، وعَلَّمَكَ أَسْماءَ كُلّ شَيءٍ، فَاشْفَعْ لَنا عِندَ رَبِّكَ، حَتَّى يُرِيحَنا مِن مَكانِنا هُنا، فَيقُولُ: لَستُ هُناكُم، ويَذْكُرُ ذَنبَهُ، فَيَسْتَحْيِي، ائتوا نوحا، فإنَّه أَوَّلُ رسولٍ بعثَهُ اللَّهُ إلى أهْلِ الأَرْضِ، فَيَأتونَه، فَيقولُ: لَستُ هُناكُمْ. ويَذْكُرُ سُؤالَهُ رَبَّهُ ما لَيْس لَهُ بِه عِلْمٌ. فَيَسْتَحْيِي، فَيَقولُ: ائْتُوا خَلِيلَ الرَّحمنِ، فَيأتُونَهُ، فَيقُولُ: لَستُ هُناكُم، ائُتُوا مُوسَى، عَبْدا كَلَّمَهُ اللَّهُ، وأعطاهُ التَّوراةَ، فَيَأتونَهُ، فيَقولُ: لَستُ هُناكُمْ، ويَذْكُرُ قَتلَ النَّفسِ بِغيرِ نَفْسٍ، فيَسْتَحْيِي مِن ربِّهِ، فيقول: ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ ورَسُولهُ، وكلِمَة اللَّهِ ورُوحَهُ، فيَأتونهُ، فيَقولُ: لسْتُ هُناكُمْ، ائْتُوا مُحَمَّدا عَبْدا غَفَرَ اللهُ لَهُ ما تقَدَّمَ

ص: 342

مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ، فيَأْتُونَني، فأنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتأذِنَ عَلَى رَبِّي فَيُؤذَنُ، فَإذَا رَأيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدا، فَيَدَعُني مَا شَاءَ الله، ثُمَّ يُقالُ: ارْفَعْ رَأسَكَ، وسَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُهُ بِتَحْميدٍ يُعَلِّمُنيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدَّ لي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمْ الجَنَّةَ، ثمَّ أَعُودَ إلَيهِ، فَإذَا رَأيْتُ رَبي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فأقُولُ: مَا بَقِيَ في النَّارِ إلَاّ مَنْ حَبَسَهُ القُرآنُ، وَوَجَبَ علَيْهِ الْخُلُودُ».

قال أبو عبد الله - أَي البخاري: (إلَاّ مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ) يعني قول الله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا} .

ص: 343

وأخرج البخاري الحديث في كتاب الرقاق - باب - صفة الجنة والنار ج - 8 ص 116 قال أبو عبد الله البخاري:

330 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَس - هو ابن مالك رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ: لَو اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبَّنا، حَتَّى يُرِيحَنا مِنْ مَكانِنا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِه، وأَمَرَ المَلَائِكَةَ فَسَجدُوا لَكَ، فَاشْفَعْ لَنا عِنْدَ رَبِّنا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ويَذْكُرُ خَطيئَتَهُ، ويَقولُ: ائْتُوا نُوحا، أَوَّلَ رَسُول بَعَثَهُ اللَّهُ، فَيَأْتُونَهُ، فَيَقولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، ائْتُوا إبْراهِيمَ الَّذِي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلاً، فَيَأْتُونَهُ، فيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، ائْتُوا مُوسَى، الَّذي كَلَّمَهُ اللَّهُ، فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُ: لَستُ هُناكُمْ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، ائْتُوا عِيسَى فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ ائْتُوا مُحَمَّدا فَقَدْ غُفِرَ لَهُ ما تقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ، فَيَأْتُوني، فَأَسْتَأْذِنُ عَلى رَبِّي، فإذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدا، فَيَدَعُني ما شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُقالُ: ارْفَعْ رَأسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأسِي، فأحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيد يُعَلِّمُني، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لي حَدًّا، ثُمَّ أُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ، فَأَقَعُ

ص: 345

سَاجِدا مِثْلَهُ، في الثَّالِثَةِ، أَوْ الرَّابِعَةِ، حَتَّى ما بَقِيَ في النَّارِ إلَاّ مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ».

قال أبو عبد الله البخاري رحمه الله: وكان قتادة يقول عند هذا: أَي وجب عليه الخلود. اه -.

ص: 346

وأخرج البخاري من كتاب الرقاق - باب: (الصراط جسر جهنم) ج - 8 ص 117 وَما بعدها.

331 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَان، أَخْبَرَنا شُعَيْبٌ، عَن الزُّهْرِي، أَخْبَرَني سَعِيد وعَطَاءُ بْنُ يَزيدَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَخْبَرَهُما، عَن النَّبيِّ وقال البخاري رحمه الله:

وَحَدَّثَني مَحْمودُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثي، عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ أُناسٌ: يا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيامَة؟ فَقَالَ:«هَلْ تُضَارُّونَ في الشَّمْسِ، لَيْسَ دُونَها سَحابٌ» ؟ قالُوا: لا، يا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«هَلْ تُضَارُونَ في الْقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ» ؟ قَالُوا: لَا، يا رَسُولَ الله، قال: «فَإنَّكمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ كانَ يَعْبُدُ شَيْئا فَلْيَتَّبِعْهُ فيَتَّبعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ (أَي الشمس) ويَتَّبِعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ (أَي القمر) ويَتَّبِعُ مَن كانَ يَعْبُدُ الطَّواغيت (أي الطواغيت)، وتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ، فِيها مُنافِقُوها، فَيأْتِيهِمُ اللَّهُ في غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، هَذَا مَكانُنا حَتَّى يَأتِينَا رَبَّنَا، فَإذَا أَتَانا رَبُّنَا عَرَفْناهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ في الصُّورَةِ الَّتي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنا، فَيَتَّبِعُونَهُ، وَيُضْرَبُ

ص: 348

جِسْرُ جَهَنَّمَ»، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فأَكُونُ أوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، ودُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلمْ، سَلِّمْ، وَبِهِ كلَالِيبُ مِثْلُ شوْكِ السَّعْدانِ أَمَا رَأَيْتُمْ شوْك السَّعْدانِ؟» قالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فإنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدانِ، غَيْرَ أَنَّها لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِها إلَاّ اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمالِهِمْ: فَمِنْهُمْ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ: مِمَّنْ كانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلهَ إلَاّ اللَّهُ، أَمَرَ المَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ، فيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرِجُوَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ - يُقالُ لَهُ: مَاءُ الْحَياةِ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّة في حَمِيلِ السَّيْلِ، ويَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلى النارِ، فَيقُولُ: يا رَبِّ، قَدْ قَشَبَني رِيحُها، وأحْرَقَني ذَكَاؤهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَلا يَزَالُ يَدْعُو الله، فَيَقولُ: لَعَلَّكَ إنْ أعْطَيْتُكَ أنْ تَسْالَني غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لَا، وَعِزَّتُكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ، قَرِّبْني إلَى بابِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَلَسْتَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسألَني غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ، فَلَا يَزالُ يَدْعُو، فَيَقُولُ: لَعَلَّي إنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُني غَيْرَهُ، فَيَقولُ: لَا، وَعِزَّتِكَ، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيُعطِي اللَّهَ مِنْ عَهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إلَى بابِ الْجَنَّةِ، فَإذَا رَأَى ما فِيهَا سَكَتَ ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ

ص: 349

يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقولُ: رَبِّ، أَدْخِلْني الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَقُولُ: - أَي اللَّهُ -: أوَ لَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَني غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ يا ابْنَ آدَمَ، ما أَغْدَرَكَ، فَيقُولُ: يَا رَبِّ، لَا تَجْعَلني أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ، أَي الله تعالى، فَإذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذنَ لَهُ بِالدُّخول فيهَا، فَإذَا دَخَلَ فيهَا قيلَ لَهُ: تَمَنَّ مِن كَذا، فَيَتَمَنَّى، ثمَّ يُقالُ لهُ: تَمَنَّ مِن كذَا. فيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِه الأَمانيَّ، فَيَقُولُ لَهُ: هَذَا لَكَ ومثْلُهُ مَعَهُ.

قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: وَذَلكَ الرَّجُلُ آخرُ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً.

قَالَ: وأبُو سَعيد الخُدْرِيُّ جالسٌ مَعَ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما لا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيئا مِنْ حَديثِهِ، حَتَّى انْتَهَى إلى قَوْلِهِ:(هَذَا لَكَ وَمِثْلِهُ مَعَهُ) - قالَ أبُو سَعِيد: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: هَذَا لَكَ وعَشَرَةُ أمْثالِهِ قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: حَفِظْتُ: (مِثْلُهُ مَعَهُ).

ص: 350

وأخرجه أبو عبد الله البخاري في كتاب التوحيد - باب قول الله تعالى: (لما خلقت بيدي) ج - 9 ص 121 وما بعدها:.

332 -

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فُضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَن قَتَادَةَ، عَنْ أَنَس - هو ابن مالك رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ المُؤمِنِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوْ اسْتَشْفَعْنا إلَى رَبِّنا، حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُون؛ يَا آدَمُ، أَمَا ترَى النَّاسَ؟ خلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّنَا، حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكَ، ويَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتي أَصَابَ، وَلكن ائْتُوا نُوحا، فإنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إلى أهْل الأَرْض، فَيَأْتُونَ نُوحا، فَيَقولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي أَصَابَ، وَلكِن ائْتُوا إبْراهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمن. فَيَأْتُونَ إبْراهِيمَ، فيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطايَاهُ الَّتي أصابَها، ولكِنْ ائْتُوا مُوسَى، عَبْدا آتاهُ اللَّهُ التَّوْراةَ، وكَلَّمَهُ تَكْلِيما، فَيَأتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ويَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتي أَصَابَ، ولكِنْ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ، وَرَسُولَهُ، وكَلِمَتَهُ ورُوحَهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ولكِنْ ائْتُوا مُحَمَّدا: عَبْدا غُفِرَ لَهُ ما تقَدَّمَ مِنْ ذنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ، فيَأْتُونني فأَنْطَلِقُ، فأَسْتَأذِنُ عَلَى رَبِّي، فيُؤذنُ لي علَيْهِ، فإذا رَأَيْتُ رَبِّي وقَعْتُ سَاجدا، فيَدَعُني ما شاءَ اللَّهُ

ص: 354

أَنْ يَدَعَني، ثُمَّ يُقالُ لي: ارْفَعْ مُحَمَّدا، وَقُلْ يُسْمَعْ، وسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشفَّعْ، فأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ علَّمَنِيها، ثُمَّ أَشْفعُ فيَحُدُّ لي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمْ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعْ فإذَا رَأَيْتُ رَبِّي، وَقَعْتُ ساجِدا، فَيَدَعُني مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَني، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مَحُمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبِّي، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجَعُ، فَإذَا رَأَيْتُ رَبِّي وقَعت سَاجِدا، فَيَدَعُني ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَني، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، قُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبي، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدًّا. فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجَعُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، ما بَقِيَ في النَّارِ إلَاّ مَن حَبَسَهُ القُرآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ».

قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إلهَ إلَاّ اللَّهُ، وَكانَ في قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قالَ: لَا إلهَ إلَاّ اللَّهُ، وَكانَ في قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قَالَ: لَا إلهَ إلَاّ اللَّهُ، وَكانَ في قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنَ الْخَيْرِ ذَرَّةً» .

ص: 355

من روايات حديث الشفاعة من البخاري

وقال أبو عبد الله البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد - باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ج - 9 ص 127 وما بعدها:

333 -

حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ قَيْس بن أبي حَازِم، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - هو البجلي رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْبَدْر، فَقَالَ:«إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُّونَ في رُؤيَتِهِ» .

334 -

وقال البخاريُّ - رحمه الله تعالى -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْد، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثيِّ، عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تُضَارُّونَ في القَمَر لَيْلَةَ الْبَدْر؟ قَالُوا: لا، يا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ في الشَّمْس لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فإنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ. يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كانَ يَعْبُدُ شَيْئا فَلْيَتْبَعْهُ: فَيَتْبَعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ - الشَّمْسَ، ويَتْبَعُ مَنْ كانَ يَعْبد الْقَمَرَ - الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ الطَّواغِيتَ - الطَّوَاغِيتَ، وتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا شَافِعُوها -

ص: 357

أَوْ مُنافِقُوها - شَكَّ إبْراهِيمُ - أَي ابْنُ سَعْد - فَيَأْتِيهُمُ اللَّهُ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: هَذا مَكانُنَا، حَتَّى يَأْتِينَا رَبُّنا، فإذَا جاءَ رَبُّنَا عَرَفْناهُ، فَيَأْتِيهُمُ اللَّهُ في صُورَتِهِ الَّتي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنا، فَيَتَّبِعُونَهُ - ويُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فأَكُونَ أَنا وَأُمَّتي أوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إلَاّ

الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُل يَوْمَئِذٍ: اللَّهمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ، وَفي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَان غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عظَمهَا إلَاّ اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمالِهِمْ: فَمِنْهُمْ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ - أَوْ الْمُوثَقُ بِعَمَلِهِ - (أَوْ فَمِنْهُمُ المُؤمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ - أوْ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ) وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ، أَو الْمُجَازَى أوْ نَحْوُهُ، ثُمَّ يَتَجَلَّى، حَتَّى إذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضاءِ بَيْنَ الْعِبادِ، وأرَادَ أنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أرَادَ مِنْ أهْلِ النَّارِ، أمَرَ المَلَائِكَةَ أنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَن كانَ لَا يُشْرِكُ باللَّهِ شَيْئا، مِمَّنْ أرادَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَشْهَدُ لَا إلهَ إلَاّ اللَّهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ في النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ ابنَ آدَمَ، إلَاّ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ ماءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ تَحْتَهُ، كَما تَنْبُتُ الحَبَّةُ في حَمِيل السَّيْل، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَينَ العِبادِ، ويَبْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بَوَجْهِهِ علَى النَّار، هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ، اصْرفْ وَجْهي عَنِ النَّارِ، فإنَّهُ قَدْ قَشَبَني رِيحُها، وأَحْرَقَني

ص: 358

ذَكاؤهَا، فَيَدْعُو اللَّهَ، بِما شاءَ أَنْ يَدْعُوهُ، ثمَّ يَقولُ اللَّهُ: هَلْ عَسَيْتَ إنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسألَني غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لَا، وعِزَّتُكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي رَبَّهُ مِن عُهُود ومَواثِيقَ ما شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَن النَّار، فإذَا أَقْبلَ عَلى الجَنَّةِ وَرآها، سَكَتَ ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، قَدِّمْني إلى بَابِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ ألَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلني غَيْرَ الَّذي أُعْطِيتَ أَبَدا؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، ما أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، ويَدْعُو اللَّهَ، حَتَّى يَقُولَ: هَلْ عَسَيْتَ - إنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ لا وَعِزتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي ما شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمِهُ إلى بَابِ الجَنَّةِ، فإذا قامَ إلَى بَابِ الجَنَّةِ انْفقهتْ لهُ الجَنَّةُ، فرَأَى ما فِيها مِن الْحَبْرَةِ والسُّرُور، فيَسْكُتُ ما شاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُت، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْني الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ، وَيْلَكَ يا ابْن آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ لَا أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِك، فَلَا يَزالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنهُ، فإذا ضَحِكَ مِنْهُ قالَ لَهُ: ادْخل الجَنَّةَ، فإذَا دَخَلَهَا قالَ اللَّهُ: تَمَنَّهْ، فَسَأَلَ رَبَّهُ وَتَمَنَّى، حَتَّى إنَّ الله لَيُذَكِّرُهُ، وَيَقُولُ لَهُ، تَمَنَّ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِ الأمَانيُّ، قالَ اللَّهُ:

ص: 359

ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ». قالَ عَطاءُ بْنُ يَزِيدَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ مَعَ أَبي هُرَيْرَةَ، لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِه شَيْئا، حَتَّى إذَا حَدَّثَ أبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ: ذَلِكَ لَكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ - قالَ أبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: وَعَشْرَةُ أمْثَالِهِ مَعَهُ، يَا أَبا هُرَيْرَةَ، قالَ أبُو هُرَيْرَةَ ما حَفِظْت إلَاّ قَوْلَهُ: ذَلِكَ لكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، قالَ أبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: أَشْهَد أَنِّي حَفِظْتُ مِن رَسُولِ اللَّهِ: ذَلِكَ لَكَ، وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ، قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ.

ص: 360

حديث الشفاعة من البخاري

وأخرجه البخاري في كتاب التوحيد، من باب قول الله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ج - 9 ص 129 وما بعدها:

335 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْد، عَنْ خَالِد بْن يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْن أبي هِلَال، عَنْ زَيْد - هو ابن أسلم - عَن عَطاءِ بْن يَسَار عَن أبي سَعِيد الخُدْريِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيامَةِ؟ قَالَ: «هَلْ تُصَارُّونَ فِي رُوْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَر، إذَا كَانَتْ صَحْوا» ، قُلْنَا: لَا، قالَ:«فإنَّكُمْ لَا تُضَارُّونَ في رُؤيَةِ رَبِّكُمْ يَومَئذٍ، إلَاّ كما تُضارُّونَ في رُؤيَتِهِما» ، ثُمَّ قَالَ: «يُنَادي مُناد: ليَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إلَى ما كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أصْحَابُ الصَّليبِ مَعَ صَلِيبهِمْ، وأصْحابُ الأوْثانِ مَعَ أوْثانِهِمْ، وأصحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَع آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ برٍّ أوْ فاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٍ مِن أهْلِ الكِتابِ، ثُمَّ يُؤتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كأنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقالُ للْيَهُودِ: ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرا ابْنَ اللَّهِ، فيُقالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُن للَّهِ صاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قالُوا: نُرِيدُ أنْ تَسْقِينا، فيُقالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ في جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ للنَّصَارَى: ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فيُقالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ للَّهِ صاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ،

ص: 363

فَما تُريدُونَ؟ فيَقُولُونَ: نُرِيدُ أنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ في جَهَنَّمَ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِن بِرٍّ أوْ فَاجِرٍ، فَيُقالُ لَهُمْ: مَا يَحْسِبُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْناهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إلَيْهِ الْيَوْمَ، وإنَّا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْم بِما كَانُوا يَعْبُدُونَ، وإنَّما نَنْتَظِرُ رَبَّنا، قَالَ: فَيَأتِيهِمُ الجَبَّارُ في صُورَةٍ غَيْرَ صُورَتِهِ الَّتي رَأَوْهُ فيها، أوَّلَ مرَّة، فيَقُولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أنْتَ رَبُّنا، فَلَا يُكَلِّمُهُ إلَاّ الأَنْبِياءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلَّ مُؤمِنٍ، وَيَبْقَى مَن كانَ يَسْجُدُ للَّهِ رِيَاءً وسُمْعَةً، فَيَذْهَب كَيْمَا يَسْجُدُ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقا وَاحِدا، ثُمَّ يُؤتَى بِالْجِسْرِ، فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: «مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ، وكَلَالِيبُ وحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ، لَها شَوْكَةٌ عُقَيْقَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقالُ لَهُ السَّعْدَانُ، المُؤمِنُ عَلْيهَا كَالطَّرْفِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ والرِّكَابِ: فَنَاج مُسَلَّمٌ، وَنَاج مَخْدُوشٌ ومَكْدُوسٌ في نارِ جَهَنَّم، حَتَّى يَمُرُّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبا، فمَا أَنْتُمْ بِأشَدَّ لي مُناشدَةً في الحَقِّ قدْ تبيَّنَ لَكُمْ مِن المُؤمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، إذا رَأَوْا أَنَّهُمْ قدْ نجَوْا في إخْوانِهِمْ، يَقُولُون: رَبَّنا إخْوَانُنا، كانُوا يُصَلُّونَ مَعَنا، ويَصُومُون مَعَنا، ويَعْمَلُون مَعَنا، فيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينارٍ مِنْ إيمان فَأَخْرَجُوهُ، وَيُحَرِّمُ

ص: 364

اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّار، فَيَأْتُونَهُمْ وبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ في النَّارِ إلَى قَدَمِه، وإلَى أَنْصَافِ سَاقَيْه، فيَخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودونَ فَيَقُولُ: اذْهَبوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِه مثْقالَ نصْف دينارٍ فأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا، فمَنْ وَجَدْتُمْ في قلْبه مِثقالَ ذرَّةٍ مِنْ إيمانٍ، فأَخْرِجُوهُ، فيُخْرِجُون مَنْ عَرَفُوا».

قالَ أبُو سَعيد: فإنْ لمْ تُصَدِّقُوا فاقْرَءُوا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} فيَشْفعُ النَّبِيُّونَ والمَلَائكَةُ والمُؤمِنُونَ، فيَقُولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتي، فيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أَقْواما قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ في نَهرٍ بِأَفْواهِ الجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ في حَافَتَيْهِ، كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ في حَمِيل السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إلَى جَانِب الصَّخْرَةِ: إلى جَانِب الشَّجَرَةِ، فَمَا كانَ إلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كانَ أَخْضَرَ، وَما كانَ مِنْها إلى الظِّلِّ كانَ أبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كأَنَّهُمْ اللُّؤلُوُ، فيُجْعَلُ في رِقابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمنِ، أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيُقالُ لَهُم: لَكُمْ ما رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ.

ص: 365

حديث الشفاعة من البخاري

أخرجه البخاري من كتاب التوحيد - باب - قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ج - 9 ص 131 وما بعدها.

وقال أبو عبد الله البخاري رحمه الله تعالى:.

336 -

وقال حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَال، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَن أنَس رضي الله عنه أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُحْبَسُ الْمُؤمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يُهِمُّوا بِذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَو اسْتَشْفَعْنا إلَى رَبِّنا فَيُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنا، فَيَأتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: أنتَ آدَمُ، أبُو النَّاس، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِه، وَأْسْكَنَك جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أسماءَ كُلَّ شَيْءٍ، لِتَشْفَعْ لَنا عِنْدَ رَبِّكَ حتَّى يُرِيحَنا مِنْ مَكَانِنا هَذَا، قَالَ: فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، قالَ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي أصَابَ: أَكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْها، وَلكن ائْتُوا نُوحا، أَوَّلَ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إلى أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ التي أصابَ: سُؤالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْم، وَلكن ائْتُوا إبرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمنِ، قَالَ: فَيَأْتُونَ إبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: إنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ ثَلَاثَ كَلِمَات كَذَبَهُنَّ، وَلكن ائْتُوا مُوسَى عَبْدا آتاهُ اللَّهُ التَّوْراةَ، وكَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا، قَالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: إنِّي لَسْتُ هُناكُمْ، ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، الَّتي أصَابَ: قَتْلَهُ النَّفْسَ؛ ولَكن ائُتُوا عِيسَى، عَبْدَ الله ورَسُولَهُ، ورُوحَ

ص: 369

الله وكَلِمَتَهُ، قَالَ: فَيَأْتُونَ عِيسَى، فيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ولَكن ائْتُوا مُحَمَّدا عَبْدا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِي، فَأْسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي في دَارِهِ، فَيُوْذَنُ لي عَلَيْهِ، فَإذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدا، فَيَدَعُني ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَني، فَيَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ، قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدًّا، فَأَخْرُجُ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ»، قالَ قَتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ أيضا يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي في دَارِهِ، فَيُوْذَنُ لي عَلَيْهِ، فَإذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدا، فَيَدَعُني مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَني، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ، قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأسِي، فأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ، يُعَلِّمُنِيهِ، قَالَ: ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لي حَدًّا، فَأَخْرُجُ، فأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، قَالَ قَتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ أيْضا يَقُولُ: فَأَخْرُجُ، فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ، فأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي في دَارِهِ، فَيُوْذَنُ لي عَلَيْهِ، فإذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ ساجِدا، فَيَدَعُني ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَني، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ قَالَ: فَأرْفَعُ رَأسي، فَأُثْني عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيد يُعَلِّمُنِيهِ،

ص: 370

قَالَ: ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيُحَد لي حَدًّا، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ»، قَالَ قَتَادَةُ، وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخرِجُهُمْ مِنَ النَّار وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، حَتَّى ما يَبْقَى في النَّارِ إلَاّ مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ. أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ - قَالَ: ثم تَلَا هَذِه الآيَةَ:

{عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} » قَالَ: وَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ.

ص: 371

وأخرجه البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد - باب (كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء) ج - 9 ص 146 وما بعدها:

337 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاش، عَنْ حُمَيْدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسا رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، شُفِّعْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، أَدْخِلْ الْجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِه خَرْدَلَةٌ، فَيَدْخُلُونَ، ثمَّ أَقُولُ: أَدْخِل الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ» فقالَ أنَسٌ رضي الله عنه كأنِّي أَنظُرُ إلى أصَابِع رَسُولِ اللَّهِ.

ص: 373

حديث الشفاعة من البخاري

أخرجه أبو عبد الله البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد - باب (كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياءِ وغيرهم) ج - 9 ص 146 وما بعدها:

338 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْد، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَال الْعَنَزِيُّ، قَالَ: اجْتَمَعْنا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، فَذَهَبْنا إلَى أَنَسِ بْنِ مالِك رضي الله عنه وذَهَبْنا مَعَنَا بِثابت الْبُنانيِّ إلَيْهِ، يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفاعَةِ، فَإذَا هُوَ في قَصْرِهِ، فَوَافَقْناهُ يُصَلِّي الضُّحَى، فَاسْتَأذَنَّا، فأَذِنَ لَنا وَهُوَ عَلى فِراشِهِ. فقُلْنا لِثابِتٍ لَا تَسأَله عن شيْءٍ أوَّلَ مِن حَديثِ الشَّفاعَةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَؤلَاءِ إخْوانُكَ مِن أهْل البَصْرَةِ جَاءُوكَ، يَسْأَلُونَكَ عَن حَدِيثِ الشَّفاعَةِ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: «إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ في بَعْض، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنا إلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَها ولَكنْ عَلَيْكُمْ بإبْراهِيمَ، فإنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمنِ، فَيَأْتُونَ إبراهيمَ، فيَقُولُ: لَستُ لَها، ولَكِنْ عَلَيْكُمْ بِموسَى، فإنَّهُ كَلِيمُ الله، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَها، ولَكِنْ عَلَيْكُمْ بعِيسَى؛ فإنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فيَقُولُ: لَسْتَ لَها، ولكن عَلَيْكُم بِمُحَمَّد، فَيَأْتُونَني،

ص: 374

فأَقُولُ: أنَا لَها، فأَسْتَأْذِنُ علَى رَبِّي، فَيُؤذَنُ لي، وَيُلْهِمُني مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِها، لَا تَحْضُرُني الآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحَامِدِ، وأَخِرُّ لَهُ ساجِدا، فيُقالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعُ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتي أُمَّتي، فَيَقولُ: يا مُحَمَّدُ، انْطَلِقْ، فأَخْرِجْ مِنهَا مَنْ كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ شَعِيرَة مِنْ إيمَان، فأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلْ، ثُمَّ أَعُودُ، فأَحْمَدْهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ سَاجِدا، فَيُقَالُ: يا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتي، أُمَّتي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مِنْها مَنْ كانَ في قَلْبِهِ مِثقالُ ذَرَّة - أَوْ خَرْدَلَة مِن إيمَان، فَأَنْطَلِقُ، فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ سَاجِدا، فَيَقُولُ: يا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتي، أُمَّتي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مَن كانَ في قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى مِثْقالَ حَبَّةِ خَرْدَل مِن إيمان»، فأخْرِجْهُ مِنَ النَّار، فأنْطَلِقُ فأَفْعَلُ»، - فلَمَّا خَرَجْنا مِنْ عِنْدِ أنَس رضي الله عنه قُلتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنا: لَوْ مَرَرْنا بِالْحَسَنِ، وَهُوَ مُتَوَارٍ في مَنْزِلِ أبي خَلِيفَةَ، فَحَدَّثْناهُ بِمَا حَدَّثَنا أَنَسُ بْنُ مَالِك. فَأَتَيْنَاهُ، فَسلَّمْنا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنا، فَقُلْنا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيد، جِئْناكَ مِنْ عِنْدَ أخِيك أنَسِ بْن مالِك، فلَمْ نَرَ مِثْلَ ما حَدَّثَنَا في الشَّفاعَة، فَقَالَ: هِيهِ، فَحَدَّثْناهُ بِالحَدِيثِ، فَانْتَهَى إلى هَذَا الْمَوْضِع،

ص: 375

فَقَالَ: هيه، فَقُلْنا لَهُ: لَمْ يَزِدْ عَلى هَذا، فَقَالَ: لَقَدْ حَدَّثَني - وهُوَ جَمِيعٌ - مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فلَا أَدْرِي: أَنِسِيَ، أَمْ كَرهَ أَن تَتَّكِلُوا، فَقُلْنا: يا أَبَا سَعِيد، فَحَدِّثْنا، فَضَحِكَ، وَقَالَ: خُلِقَ الإنْسَانُ عَجُولاً، ما ذَكَرْتُهُ إلَاّ وَأَنا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ، حَدَّثَني كَما حَدَّثَكُمْ بِهِ، قَالَ:«ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدا، فَيُقالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وسَلْ تعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأقُولُ: يَا رَبِّ، ائْذَنْ لي فِيمَنْ قَالَ: لَا إلهَ إلَاّ اللَّهُ، فَيقُولُ: وَعِزَّتي وَجَلَالي، وكِبْرِيائي وعَظَمَتي: لأُخْرِجَنَّ مِنْها مَن قالَ: لَا إلهَ إلَاّ اللَّهُ» .

ص: 376

بسم الله الرحمن الرحيم

(ثانيا) وهذه روايات حديث الشفاعة من صحيح الإمام مسلم باب (إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى الباب ص 105، الحديث ص 207 ج - 2 هامش القسطلاني.

339 -

حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبي، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَن عَطاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثي، أَنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَخْبَرَهُ أنَّ ناسا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«هَلْ تُضَارُّونَ - (أَوْ هَلْ تُضَامُّونَ) في القَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟» قالُوا: لا، يا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«هَلْ تُضَارُّونَ في الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَإنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيامَةِ، فَيَقُولُ: مَن كانَ يَعْبُدُ شَيئا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتَّبِعُ مَن كانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ - الشَّمْسَ، ويَتَّبعُ مَن كانَ يَعْبُدُ القَمَرَ - الْقَمَرَ، وَيَتَّبعُ مَن كانَ يَعْبُدُ الطَّواغِيتَ - الطَّوَاغِيتَ، وتَبْقَى هَذِه الأُمَّةُ، فِيها مُنافِقُوها، فَيأْتِيهِمُ اللَّهُ تبارك وتعالى، في صُورة غَيْر صُورَتِهِ التي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، هَذا مَكانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنا رَبُّنا، فَإذَا جَاءَ رَبُّنا عَرَفْناهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ في صُورتِهِ الَّتي

ص: 378

يَعرْفُونَ، فَيقُولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أنْتَ رَبُّنا، فيَتَّبِعُونَهُ - ويُضْرَبُ الصِّراطُ بَينَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فأكُونَ أنَا وأُمَّتي أَوَّلَ مَنْ نُجِيزُ، وَلا يَتَكَلَّمُ يَومَئذٍ إلَاّ الرُّسُلُ، ودَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وفي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ، مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدان، هَلْ رأيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدانِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فإنَّها مِثْلُ شوْكِ السَّعْدان، غيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ما قَدْرُ عِظْمِها إلَاّ اللَّهُ، تخْطفُ النَّاسَ بأعْمالِهِمْ، فمِنْهُمْ المُؤمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ المُجَازَى حَتَّى يَنْجَى، - حَتَّى إذَا فَرَغ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبادِ، وأرَاد أنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَن أرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ المَلَائِكةَ أنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كانَ لَا يُشْرِكُ باللَّهِ شَيْئا، مِمَّن أرادَ أَنْ يَرْحَمَهُ، ممَّنْ يقولُ: لَا إلهَ إلَاّ اللَّهُ، فَيَعْرِفونَهُمْ في النَّارِ، ويَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُود، تَأْكُلُ النَّارُ منَ ابن آدَمَ، إلَاّ أَثَرَ السُّجُود، حَرَّم اللَّهُ عَلى النَّار أَنْ تَأْكُلَ أثَر السُّجُود، فَيُخْرَجُونَ مِنَ النَّار، قَد امْتَحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ ماءُ الحَياةِ، فَيَنْبُتُونَ منهُ، كمَا تَنْبُتُ الحبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْل، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ الْقضاءِ بَيْنَ العِبَادِ، ويَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلُ بوَجْهِهِ عَلى النَّارِ، وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ، فيَقُولُ: أيْ رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فإنَّهُ قَدْ قَشَبَني رِيحُها وأحْرَقَني ذَكاؤهَا، فَيَدْعُو اللَّهَ ما شاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: هَلْ عَسَيْتُ إنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَني

ص: 379

غَيْرُهُ؟ فَيَقُولُ: لا أَسْأَلُكَ غَيْرَه، ويُعْطِي رَبَّهُ من عُهُودٍ ومَوَاثِيقَ ما شَاءَ اللَّهُ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّار، فَإذَا أَقْبَلَ عَلى الجَنَّةِ وَرَآها، سَكَتَ ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتُ ثُمَّ يَقُولُ: أيْ رَبِّ، قَدِّمْني إلى بَابِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَيْسَ قدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَموَاثِيقَكَ، لَا تَسْأَلني غَيْرَ الَّذي أَعْطَيْتُكَ؟ وَيْلَكَ يا ابْن آدَمَ، ما أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ، ويَدْعُو الله، حَتَّى يَقولَ لَهُ: فَهَلْ عَسَيْتَ إنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تسألَ غيرَهُ؟ فيَقُولَ: لَا، وعِزَّتِك، فيُعْطِي رَبَّهُ ما شاءَ مِن عُهُود ومَوَاثيقَ، فيُقدِّمُهُ إلى بابِ الجَنَّةِ، فإذا قامَ عَلَى بابِ الجَنَّةِ، انْفقهتْ لهُ الجنَّةُ، فرَأى ما فِيها مِن الحُيْرِ والسُّرُور، فيَسْكُتُ ما شَاءَ اللَّهُ، أَنْ يَسْكُت، ثمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْني الجَنَّة، فيَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى لَهُ: أَلَيْسَ قدْ أَعْطيْت عُهُودَك ومَوَاثِيقك أنْ لَا تَسألَ غيرَ ما أَعْطيْت؟ ويْلَك يا ابْن آدَمَ، مَا أَغْدَرَك، فيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لَا أَكُونُ أَشْقى خَلْقِك، فَلا يَزالُ يَدْعُو اللَّهَ، حَتَّى يَضْحَك اللَّهُ عز وجل مِنْهُ، فإذا ضحِك اللَّهُ مِنْهُ، قَالَ: ادْخُل الجَنَّة، فإذَا دَخَلَهَا قالَ اللَّهُ لَهُ: تَمَنَّهْ، فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى، حَتَّى إنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ مِن كَذَا وَكَذا، حَتَّى إذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمانيُّ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ».

ص: 380

قَال عَطاءُ بْنُ يزِيد: وأبُو سعِيد مع أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما لَا يُردُّ علَيْهِ مِنْ حَدِيثِه شَيْئا، حَتَّى إذَا حَدَّثَ أبُو هُرَيْرَةَ أنَّ اللَّهَ عز وجل قالَ لِذَلِكَ الرَّجُل: وَمِثْلُهُ مَعَهُ، قالَ أبُو سَعِيد:(وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ، يا أَبَا هُرَيْرَةَ) قالَ أبو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إلَاّ قَوْلَهُ: (ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعهُ) قالَ أبُو سَعِيد: أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قَوْلَهُ: (ذَلِكَ لَكَ، وعَشَرَةُ أمْثالِهِ) - قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ.

ص: 381

بقية روايات مسلم في حديث الشفاعة

340 -

قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَن هَمَّام بْن مُنَبِّه، قَالَ: هَذا مَا حَدَّثَنَا أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وذكر أحاديث، منها:

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى، وَيَتَمَنى، فَيَقُولَ لَهُ: هَلْ تَمَنَّيْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ لَهُ: فَإنَّ لَكَ مَا تَمَنَّيْتَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ» .

341 -

حَدَّثَني سُوَيْدُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَني حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَن زَيْد بْن أَسْلَمَ، عَن عَطاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ ناسا في زَمَن رَسُولِ اللَّهِ - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«نَعَمْ، قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ في رُؤيَةِ الشَّمْسِ بالظَّهِيرَة صَحْوا لَيْسَ مَعَها سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ في رُؤيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ صَحْوا، لَيسَ فِيها سَحَابٌ؟» قالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَا تُضَارُّونَ في رُؤيَةِ اللَّهِ تبارك وتعالى إلَاّ كَما تُضَارُّونَ في رُؤيَةِ أحَدِهِما، إذَا كانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أَذَّنَ مُوذِّنٌ: لِيتْبَعْ كُلَّ أُمَّة ما كانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا

ص: 385

يَبْقَى أَحَدٌ كانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ: مِنَ الأَصْنامِ والأَنْصَابِ إلَاّ يَتَسَاقَطُونَ في النَّارِ، حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ إلَاّ مَنْ كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ: مِنْ بَرٍّ وفَاجِرٍ، وَغُبَّرِ أهلِ الكِتابِ، فَتُدْعَى الْيَهُودُ، فيُقالُ لَهُمْ: ما كُنْتُمْ تَعْبُدونَ؟ قالُوا: نَعْبُدُ عُزَيْرا ابْنَ الله، فيُقالُ: كَذَبْتُمْ، ما اتَّخَذَ اللَّهُ من صاحبة ولَا وَلَد، فَماذَا تبْغُونَ؟ قالُوا: عَطشْنا يا رَبَّنا فَاسْقنا، فَيُشَارُ إلَيْهِمْ: أَلَا تَردُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إلَى النَّار، كأنَّها سَرَابٌ، يَحْطِمُ بَعْضَهَا بَعْضا، فَيَتَسَاقَطُونَ في النَّار، ثُمَّ تُدْعَى النصَارَى، فيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالُوا: كُنا نَعْبُدُ المَسيحَ ابْنَ الله، فيُقالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، ما اتَّخَذَ اللَّهُ منْ صاحِبَةٍ وَلَا وَلَد، فيُقالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنا يا رَبَّنا، فَاسْقِنا، قَالَ: فَيُشارُ إلَيْهِمْ: أَلَا تَردُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ، كأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُها بَعْضا، فَيَتَسَاقَطُونَ في النَّار، حَتَّى إذَا لَم يَبْقَ إلَاّ مَنْ كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بِرٍّ وَفاجِرٍ، أَتاهُمُ رَبُّ العَالَمِينَ سبحانه وتعالى في أَدْنَى صُورَة مِنَ الَّتي رَأَوْهُ فِيها، قَالَ: فَمَاذَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أمَّة ما كانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يا رَبَّنَا، فَارَقْنا النَّاسَ في الدُّنْيَا أَفْقَرَ ما كُنَّا إلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبَّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، لَا نُشْرِكُ باللَّهِ شَيْئا، مَرَّتَيْن أَوْ ثَلَاثا - حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكادُ أَنْ يَنقَلِبَ، فَيَقُولُ: هَل بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ، فَتَعْرِفُونَه بِها؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ، فَلَا يَبْقَى مَنْ كانَ يَسْجُدُ للَّهِ مِنْ تِلْقَاء نَفْسِهِ، إلَاّ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ،

ص: 386

وَلَا يَبْقَى مَنْ كانَ يَسْجُدُ اتِّقاءً وَرِيَاءً، إلَاّ جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُوُوسَهُمْ، وقَدْ تَحَوَّلَ في صُورَتِهِ الَّتي رَأَوْهُ فِيها أَوَّلَ مرَّةٍ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، فيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ، وحَسَكَةٌ تَكُونُ بِنَجْد، فِيها شُوَيْكَةٌ، يُقالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرَّ المُؤمِنُونَ: كَطَرْفِ الْعَيْن، وكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ، وكأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ والرِّكابِ: فَنَاج مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَل، وَمَكْدُوشٌ في نار جَهَنَّمَ، حَتَّى إذَا خَلَصَ الْمُؤمِنُونَ مِنَ النَّارِ - فَوالَّذي نَفْسي بِيَده مَا مِنْ أَحَد منْكُمْ بِأَشَدَّ مُناشَدَةً للَّهِ في اسْتِقْصاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤمِنِينَ للَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لإخْوانِهِمْ الَّذِينَ في النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنا، كانُوا يَصُومونَ مَعَنا، ويَصُلُّونَ ويَحُجُّونَ، فيُقالُ لهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ، فتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّار، فيُخْرِجُونَ خَلْقا كَثيرا، قدْ أخذتِ النَّارُ إلى نصْف سَاقيْهِ، وإلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، ما بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، فيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ، فأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقا كَثِيرا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدا مِمَّنْ أَمَرْتَنا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَار مِنْ خَيْر، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرجُونَ خلْقا كثِيرا، ثُمَّ

ص: 387

يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرا»، وكانَ أَبُو سَعِيد الْخُدْريُّ يَقُولُ: إنْ لَمْ تُصَدِّقُوني بِهَذَا الحَدِيثِ، فَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ:

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} - «فيقُولُ اللَّهُ عز وجل شَفَعَتِ المَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إلَاّ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّار فَيخْرجُ مِنْهَا قَوْما لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَما فَيُلْقِيهِمْ في نَهَر في أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: نهَرُ الْحَياةِ، فَيَخْرُجُونَ، كَما تَخرُجُ الحِبَّةُ في حَمِيل السَّيْل، أَلَاّ تَرَوْنَهَا تَكُونُ إلَى الْحَجَر - أو الشَّجَر، ما يَكُونُ إلَى الشَّمْس أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ، وَمَا يَكُونُ إلَى الظِّلِّ يَكونُ أبْيَضَ» ، فقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، كأنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بالبَادِيَةِ، قَالَ:«فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤلؤ، في رِقابهمُ الْخَوَاتِمُ، يعْرِفُهُمْ أهْلُ الْجَنَّةِ، هَؤلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ، الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنا، أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحدا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَيُقَالُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِن هَذا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنا، أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضايَ، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدا» .

وزاد في رواية: (بِغَيْرِ عَمَل عَمِلُوهُ، ولَا قَدَم قَدَّمُوهُ، فَيُقالُ لَهُم: لَكُمْ ما رَأَيْتُمْ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ) اه -.

ص: 388

وقال الإمام مسلم في باب إثبات الشفاعة، وإخراج الموحّدين من النار ج - 2 ص 128 هامش القسطلاني.

342 -

حَدَّثَني هَارُونُ بنُ سَعِيد الأَيْلي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ وَهْبٍ أَخْبَرَني مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَمْرو بْن يَحْيَى بْنِ عِمَارَةَ، قالَ أَخْبَرَني أبي، عَنْ أبي سعِيد الْخُدريِّ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:«يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الجَنَّةِ - الْجَنَّةَ، يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ برَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّار - النَّارَ - ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّة مِنْ خَرْدَل مِنْ إيمَان، فَأَخْرجُوهُ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَما، قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ في نَهْرِ الْحَيَاةِ - أَو الْحَيَا، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ، كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إلى جَانِب السَّيْل، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً» .

ص: 392

أخرجه مسلم في الباب نفسه ص 131 من هامش القسطلاني ج - 2.

343 -

قال الإمام مسلم - رحمه الله تعالى:

وَحَدَّثَني نَصْرُ بنُ عَليٍّ الجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا بشْرٌ - يَعني ابن مُفَضَّل - عَن أبي مَسْلَمَةَ، عَنْ أبي نَضْلَةَ، عَنْ أبي سَعِيد رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُها، فإنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، ولكِن نَاسٌ أَصابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ - أوْ قَالَ: بِخَطَايَاهُمْ - فَأَمَاتَهُمْ إمَاتَةً، حَتَّى إذَا كَانُوا فَحْما، أُذِن بالشَّفَاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ، ضَبَائِرَ، فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: يا أَهْلَ الْجَنَّةِ، أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ، تَكُونُ في حَمِيل السَّيْل» ، فقالَ رَجُلٌ: كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كانَ بالبَادِيَةِ.

ص: 394

344 -

وقال الإمام مسلم - رحمه الله تعالى في الباب نفسه ص 133 هامش القسطلاني.

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ وإسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ جَريرٍ: قالَ عُثْمانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصورٍ، عَن إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْل النَّارِ خُرُوجا مِنْهَا، وآخِرَ أَهْل الجَنَةِ دُخُولاً الجَنَّةَ: رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبوا، فَيَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى لَهُ: اذْهَبْ، فَادْخُل الْجَنَّةَ، قَالَ: فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّها مَلأَى، فَيَرْجعُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلأَى، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: اذْهَب، فَادْخُل الْجَنَّةَ، قَالَ: فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى، فَيَرْجعُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلأَى، فَيَقُولُ اللَّهُ لهُ: اذْهَبْ، فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَإنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا، - أَوْ إنَّ لَكَ عَشَرَةَ أَمْثال الدُّنْيا، قَالَ: فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بي - أَوْ أَتَضْحَكُ بي، وَأَنْتَ الْمَلِكُ» قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ضَحِكَ، حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: فَكانَ يُقالُ: «ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزَلَةً» .

345 -

وفي رواية أُخرى عن ابن مسعود مثل ذلك، إلا أنه قال: «رَجُلٌ يَخْرُجُ منها زَحْفا، فيُقَالُ لَهُ: انْطَلِقْ، فَادْخُلْ الجَنَّةَ، فَيَذْهَبُ

ص: 396

فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ، فَيَجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذوا المَنازِلَ، فيُقَالُ لَهُ: أَتَذْكُرُ الزَّمانَ الَّذي كُنْتُ فِيهِ؟ فَيَقولُ: نَعَمْ، فَيُقالُ لَهُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى، فَيُقالُ لَهُ: لك الَّذي تَمَنَّيْتَ، وعَشَرَةُ أَضعافِ الدُّنْيا، قَالَ: فيقُولُ: تَسْخَرُ بي، وأنْتَ المَلِكُ؟» قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُوُلُ اللَّهِ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.

ص: 397

تابع حديث الشفاعة وآخر من يدخل الجنة من صحيح مسلم قال الإمام مسلم - رحمه الله تعالى:

346 -

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ ابْن مَسْعُودٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهُوَ يَمْشِي مَرَّةً، وَيَكْبُو مَرَّةً، وتَسْفَعُهُ النَّارُ مرَّةً، فإذَا ما جَاوَزَها الْتَفَتَ إلَيْها، فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذي نَجَّاني مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطاني اللَّهُ شَيْئا ما أَعْطاهُ أَحَدا مِنَ الأَوَّلينَ والآخَرِينَ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِني مِن هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فلأَسْتَظلَّ بِظِلِّها، وَأَشْرَبَ مِنْ مائهَا، فَيَقولُ اللَّهُ عز وجل: يَا ابْنَ آدَمَ، لَعَلِّي إنْ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَني غَيْرَها، فيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، ويُعَاهدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَها، وَرَبُّهُ تَعَالَى يَعْذُرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى ما لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنيه منها فَيَسْتَظِلُّ بِظِّلهَا، ويَشْرَبُ مِن مائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِني مِن هَذِهِ الشَّجَرَةِ، لأَشْرَبَ مِنْ مائِهَا، وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَها، فَيَقُولُ: يا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْني أَنْ لَا تَسْأَلَني غَيْرَها؟ فَيَقُولُ لعَلِّي إن أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا، تَسْأَلُني غَيْرَها. ورَبُّهُ تَعَالَى يَعْذُرُهُ، لأنَّهُ يَرَى ما لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِن مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، هِيَ أَحْسَنُ مِنْ الأَوَلَييْن، فيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِني مِن الشَّجَرَةِ، لأَسْتَظِلِّ بِظِلِّهَا،

ص: 399

وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْني أَنْ لَا تَسْأَلَني غَيْرَهَا؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَبِّ، هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ تَعَالَى يَعْذُرُهُ، لأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ منْهَا، فَإذَا أَدْنَاهُ منْها فَيَسْمَعُ أصْواتُ أهْل الجَنَّة، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخلْنيها، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَا يَصْرِيني منكَ؟ أَيُرْضيكَ أَنْ أُعْطيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلهَا مَعَهَا؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَتَسْتَهْزِىءُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبّ العَالَمِينَ»؟ فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُود رضي الله عنه.

فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُوني ممَّ أَضْحَكُ؟ قالُوا: ممَّ تَضْحَكُ؟ قَالَ: هَكَذَا ضَحكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مِنْ ضَحِكَ رَبِّ الْعَالَمِينَ» ، حِينَ قَالَ: أَتَسْتَهْزِىءُ مِنِّي، وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ»؟.

فَيَقُولُ: «إنِّي لَا أَسْتَهْزِىءُ مِنْكَ، وَلكنِّي عَلى ما أَشَاءُ قَادرٌ» .

أقول: إلى هنا - قد نقلت معظم الروايات التي ذكرها الإمام مسلم، في صحيحه، وبقي فيه روايات كثيرة، غالبها ليس فيه كبير تغيير عما نقلته هنا، فلذلك اكتفيت بهذا القدر.

مع العلم بأن في غالب ما ذكرته من الروايات زيادات، أو مخالفة في الأسلوب لا يغني عنه غيره - وهذا هو السبب في تكثير هذه الروايات هنا.

ص: 400

ثالثا - حديث الشفاعة من سنن النسائي

باب زيادة الإيمان - ج - 8 ص 112 - 113.

347 -

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ في الْحَقِّ يَكُونُ لَهُ في الدُّنْيَا، بِأَشَدَّ مُجَادَلَةً مِنَ الْمؤمِنِينَ لِرَبِّهِمْ في إخْوَانِهِمُ الَّذِينَ أُدْخِلُوا النَّارَ، قَالَ: يَقُولُونَ: رَبَّنَا، إخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَحُجُّونَ مَعَنَا، فأَدْخَلْتَهُمُ النَّارَ، قَالَ: فَيَقُولُ: اذْهَبُوا، فَأَخْرجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ، قَالَ: فَيَأْتُونَهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إلَى كَعْبَيْهِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنا قَدْ أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنا، قَالَ: وَيَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ كانَ في قَلْبِهِ وَزْنُ دِينَارٍ مِنَ الإيمَانِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ كانَ في قَلْبِهِ وَزْنُ نِصْفِ دِينَارٍ، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ كانَ في قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرةٍ» . قالَ أَبُو سَعِيد: فَمَنْ لَمْ يُصَدِّق فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الآيَةَ:

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} اه -.

ص: 403

رابعا: حديث الشفاعة من صحيح الترمذي

(باب ما جاءَ في الشفاعة) ج - 2 ص 70 وما بعدها:

348 -

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:

أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَحْم، فَرُفع إليه الذّراع، فَأَكَلَهُ - وكَانَتْ تُعْجبُهُ - فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، ثمَّ قَالَ: «أَنَا سَيِّدُ النَّاس يَوْم القِيامَةِ، هَلْ تَدْرُونَ لِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ: الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ في صَعِيد وَاحِد، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ، فَبلَغَ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ والْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَلَا يَحْتَمِلُون، فيقُولُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمُ بِآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ، وَأَمَرَ المَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى ما قَدْ بَلَغَنا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ آدَمُ إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسي، نَفْسي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إلَى نُوح، فَيَأْتُونَ نُوحا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدا شَكُورا، اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إلَى ما نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى

ص: 405

إلَى مَا قَدْ بَلَغَنا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ نُوحٌ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنَّهُ قَدْ كانَتْ لي دَعْوَةٌ دَعَوْتُها عَلَى قَوْمي، نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبوا إلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إلَى إبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إبْرَاهِيمُ، أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنِّي قَدْ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذَباتٍ - فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ في الحَدِيث - نَفْسي، نَفْسي، نَفْسي، اذْهبُوا إلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إلَى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ رَسُولُ الله، فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِه وَبِكَلَامِهِ عَلَى الْبَشَرِ، اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى ما نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسا، لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِها، نَفْسي، نَفْسي، نَفْسي، اذْهَبُوا إلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إلَى عِيسَى، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ في الْمهْدِ، اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبا، لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ دَنْبا نَفْسي، نَفْسي، نَفْسي، اذْهبُوا إلَى غَيْري، اذْهَبوا إلَى مُحَمَّدٍ قَالَ: فَيَأْتونَ

ص: 406

مُحَمَّدا، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَخِرُّ سَاجِدا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ الثَّناءِ عَلَيْهِ شَيْئا، لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَد قَبْلي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتي، يَا رَبِّ، أُمَّتي، يَا رَبِّ، أُمَّتي، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ، مِنَ الْبابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاس فِيمَا سوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذي نَفْسي بِيَدِهِ، مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيع الْجَنَّةِ، كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ، وَكَما بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى».

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ص: 407

خامسا: حديث الشفاعة من سنن الإمام ابن ماجة

من الجزء الأول - باب في الإيمان ص 16:

349 -

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا خَلَّصَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ، وَأَمِنُوا - فَمَا مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ لِصاحِبهِ في الحَقِّ يَكونُ لَهُ في الدُّنْيا - أَشدَّ مُجادَلَةً، مِنَ المُؤمِنِينَ لِرَبِّهِمْ في إخْوانِهِمُ، الَّذينَ أُدْخِلُوا النارَ، قَالَ: يَقُولونَ: رَبَّنا، إخْوَانُنا، كانُوا يُصَلُّون مَعَنا، وَيَصُومُونَ مَعَنا، ويَحُجُّونَ مَعَنا، فَأَدْخَلْتَهُمُ النَّارَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا، فأَخْرِجُوا مَنْ عَرَفتُمْ منْهُمْ، فَيَأْتُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرهمْ، لَا تَأْكُلُ النَّارَ صُوَرَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إلى أَنْصَافِ سَاقَيْه، ومِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إلَى كَعْبَيْه، فَيُخْرِجُونَهُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنا، قَدْ أَخْرَجْنَا مَنْ قَدْ أَمَرْتَنَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَخْرِجُوا مَن كان في قَلْبِهِ وَزْنُ دِينارٍ مِنَ الإيمان، ثُمَّ مَنْ كانَ في قَلْبِهِ وَزْنُ نِصْفِ دِينارٍ، ثُمَّ مَن كان في قَلْبِهِ مِثقالُ حَبَّة مِن خَرْدَل» .

قالَ أَبو سَعِيدٍ: فَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ هَذا، فَلْيَقْرَأْ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} .

ص: 408

تابع حديث ابن ماجه في الشفاعة

أخرجه ابن ماجه ج - 2 ص 302 - ص 303:

350 -

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك رضي الله عنه أَن رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُلْهَمُونَ - أوْ يَهُمُّونَ - شَكَّ سَعِيدٌ - يَقُولُونَ: لَوْ تَشَفَّعَنَا إلى رَبِّنَا، فَأَرَاحَنَا مِنْ مَكاننَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ آدَمُ، أَبُو النَّاس خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ، يُرِحْنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ وَيَشْكُو إلَيْهِمْ ذَنْبَهُ، الَّذِي أَصَابَ، فَيَسْتَحْيي من ذَلِكَ، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحا، فإنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ سُوَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَيَسْتَحْيي مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنِ ائْتُوا خَليلَ الرَّحْمنِ: إبْرَاهيمَ، فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلكنِ ائْتُوا مُوسَى: عَبْدا: كَلَّمهُ اللَّهُ، وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ، فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ قَتْلَهُ النَّفْسَ بِغَيْرِ النَّفْس، وَلكِن ائْتُوا عِيسَى: عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحُهُ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدا عَبْدا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: فَيَأْتُوني، فَأَنْطَلِقُ، فَأَمْشِي بَيْنَ السِّماطَيْنِ مِنَ الْمُؤمِنِينَ (السِّماط بكسر السين: الصف من الناس) فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُوْذَنُ لي، فَإذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجدا، فَيَدَعُني مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَني، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ يَا مُحَمَّدُ، وَقُلْ تُسْمَعُ، وَسَلْ

ص: 410

تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لي حَدًّا، فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الثَّانِية، فإذا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدا فيَدَعُني مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَني، ثُمَّ يُقالُ لي: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، قُلْ تُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشْفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدهُ بِتَحْمِيد يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لي حَدًّا، فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ، فَإذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدا، فَيَدَعُني مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَني، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، قُلْ تُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُهُ بتَحْمِيد يُعَلِّمنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لي حَدًّا فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِيَ إلَاّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ».

ص: 411