المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العلم الخشية أعظم ثمرة في الإسلام للعلم وللمعرفة وللثقافة وللاطلاع: خشية - دروس الشيخ عائض القرني - جـ ٣٤٦

[عائض القرني]

فهرس الكتاب

- ‌الرجل الممتاز

- ‌شائعة تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه

- ‌عمر يستأذن للدخول على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌عمر يتأكد من الخبر

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم ينفي هذه الشائعة

- ‌من فوائد حديث هجر النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته

- ‌الحرص على طلب العلم

- ‌فضل عمر رضي الله عنه وكراماته

- ‌سبب قلة مرويات عمر مع وفور علمه

- ‌الرحلة في طلب العلم

- ‌استطراد

- ‌جوانب من عظمة عمر

- ‌علمه

- ‌هيبة عمر رضي الله عنه

- ‌فوائد في الحديث تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌التشديد في كتمان العلم

- ‌سبب نزول الآية وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه

- ‌حياة النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لكل مسلم

- ‌ما قال الأعداء في النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌جواز احتجاب صاحب السلطان لمصلحة

- ‌ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من شظف العيش

- ‌فوائد مستنبطة من الحديث

- ‌تعجيل الطيبات للكفار في الدنيا

- ‌الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوماً

- ‌كفارة اليمين

- ‌العلم الخشية

الفصل: ‌ ‌العلم الخشية أعظم ثمرة في الإسلام للعلم وللمعرفة وللثقافة وللاطلاع: خشية

‌العلم الخشية

أعظم ثمرة في الإسلام للعلم وللمعرفة وللثقافة وللاطلاع: خشية الله عز وجل، فالذي لا يخشى الله عز وجل؛ فليس لعلمه ولا لثقافته ولا لاطلاعه نفع ولا فائدة، وإنما يزيده كثرة العلم عمى وضلالة كما زاد اليهود والنصارى، فالذي لا يستفيد من علمه ولا من تحصيله واطلاعه، ولا من ثقافته ومعرفته، ولا من شهادته خشية لله عز وجل فكأنه يتأخر، وكأنه ينقطع من حبل الله عز وجل، وكأنه نقض الميثاق مع الله عز وجل، ولذلك يقول جل ذكره:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فالذي لا يخشى الله ليس بعالم ولو كان يحفظ نصوص الدنيا، ولذلك يوجد منافقون في هذه الأمة يحفظون القرآن كالماء، كما ذكر ذلك ابن تيمية وغيره.

يوجد من المستشرقين الكفرة من يحفظ القرآن، حفظوا القرآن ليعرفوا الثقافة الشرقية ويردوا على رسالة الإسلام، ويوجد بعض الفسقة والفجار يحفظون القرآن والحديث؛ لكن أثر الخشية المطلوب ليس فيهم؛ لأنهم لا يريدون الاستقامة، ويوجد في أهل الصلاح وفي أهل الخير وولاية الله عز وجل من الذين هم السابقون الأبرار من لا يحفظ إلا سوراً من القرآن، ولذلك يذكر ابن القيم: أن حفظ القرآن هو العمل به، وهو أعظم مدلول للحفظ ولو لم تحفظ نصوصه، وأن أعظم تضييع له هو تضييع العمل به، لأن ابن مسعود رضي الله عنه يقول كما في الموطأ:[[إنكم في زمان كثير فقهاؤه، قليل خطباؤه، كثير من يعطي، قليل من يسأل، يحفظون حدود القرآن ويضيعون حروفه، وسوف يأتي زمان كثير خطباؤه، قليل فقهاؤه، كثير من يسأل، قليل من يعطي، يحفظون حروف القرآن ويضيعون حدوده]].

ولذلك تجد من بعض الناشئة من يحفظ كثيراً من القرآن أو كل القرآن ولا يصلي مع الناس في المسجد، وتجد منهم من يحفظ كثيراً من القرآن ويعق والديه، ويقطع رحمه، ويلعن ويشتم، ويتعدى حدود الله، ويقترف المعاصي والذنوب بلا حدود ولا انتهاء، فثمرة العلم هي الخشية.

وإنما قلت هذا لأن أعظم ما يجعلنا نسوق قصص السلف الصالح سلام الله عليهم أننا نأخذ منهم أنهم عملوا بعلمهم، وقصصهم بلسم للقلوب ودواء وشفاء بإذن الله وراحة، مثل عمر وابن عباس يوم ذكرناهما رضي الله عنهما، العامل الكبير الذي يقدمهم على كثير من الناس هو الخشية لله عز وجل وليس كثرة العلم.

تصور عمر بن الخطاب يوم يظلم عليه الليل وهو في الليل الدامس فيأتي رضي الله عنه وأرضاه -كما تقول عاتكة بنت زيد: [[فلا ينام الليل، يأخذ عنده تور من ماء فيغسل وجهه كلما ضمه النوم كالطائر، ثم يهلل ويكبر حتى ينتصف الليل فيقوم يصلي ويبكي حتى الصباح، فتقول له زوجته: يا أمير المؤمنين لو ارتحت! أفي النهار مكدود متعوب وفي الليل مكدود متعوب؟ قال: لو نمت النهار لضاعت رعيتي ولو نمت الليل لضاعت نفسي]]

عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمع سورة الصافات من أبي بن كعب وهو يقرأ على الناس: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:25 - 26] فيهوي على وجهه حتى يحمل من المسجد ويبقى شهراً كاملاً، يقول ابن كثير: فيزار في البيت.

يقول عطاء: [[والله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت ابن عباس جفناه كالشراكين الباليين من كثرة البكاء، ولقد رأيته ليلة من الليالي يصلي من صلاة العشاء إلى الفجر وهو يبكي ويردد قوله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123]]

فأعظم ما نستفيد منه في هذه الجلسات ومن الدراسة والمحاضرات ومن الاطلاع في الكتب الخشية، وإلا فوالله لو كان الأمر فقط بزيادة معلومات فلقد غلبتنا أمم كثيرة عندهم ثقافات ويقرأون من الكتب أكثر مما نقرأ، ولذلك تجد بعض الأمم كالأمريكان يقرأون الساعات الطويلة، العجوز منهم يركب الحافلة والطائرة والقطار وهو يقرأ كتاباً في يده، ينتظر زميله وهو يقرأ كأنه يعد للجنة بينما هو يعد للنار ويهوي في النار على وجهه، ونحن أمة الرسالة والمعرفة والتي أراد الله أن نكون أمة الخشية والإنابة ليس هناك إلا من رحم ربك سبحانه وتعالى، فالذي ندعو أنفسنا وإياكم إليه أن تكون ثمرة هذا الجلوس والتراجم والأحاديث والندوات والدروس خشية لله سبحانه وتعالى، واتصال به، وزيادة في العمل الصالح وتوبة من السيئات وإنابة إليه.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتني وإياكم على الحق، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يتولانا وإياكم في الدارين، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، ربنا تقبل منا أحسن ما عملنا، وتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

ص: 26