المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العبادة وكذلك العبادة، فإنما خلق الإنسان لعبادة الله تبارك وتعالى، ولا - دروس الشيخ محمد الدويش - جـ ٤١

[محمد الدويش]

فهرس الكتاب

- ‌غياب الاعتدال

- ‌الاعتدال سنة الله في خلقه

- ‌الوسطية والاعتدال سمة التشريع الإسلامي

- ‌مجالات يغيب فيها الاعتدال في حياة بعض الناس

- ‌الاعتقاد والتوحيد

- ‌العبادة

- ‌السلوك الشخصي

- ‌تقويم الأشخاص والمشروعات والهيئات والجماعات

- ‌الأفكار والمشروعات

- ‌الآراء الشخصية

- ‌الاختيارات الفقهية

- ‌الظواهر الاجتماعية

- ‌الظواهر والأحداث السياسية

- ‌التعامل مع المخالف

- ‌عوامل وأسباب نشأة الغلو وفقد الاعتدال

- ‌الإيغال في التخصص

- ‌التكوين الشخصي

- ‌البيئة الاجتماعية

- ‌غياب منهج التفكير الموضوعي

- ‌الرؤية الجزئية

- ‌التربية

- ‌طغيان العاطفة

- ‌غياب الرأي الآخر

- ‌غياب الحوار

- ‌ردة الفعل

- ‌غياب النسبية

- ‌الأسئلة

- ‌الموقف من خطأ كثير الخير

- ‌مكانة العلماء والموقف من زلاتهم

- ‌غاية التحذير لا تبرر وسيلة المبالغة

- ‌الوسطية المطلوبة في العلاقات الأخوية

- ‌كيفية الاعتدال في جلب ما يحمل الخير والشر

- ‌ضرر الحديث في مسائل الدين بغير علم

- ‌حكم الإسراع بالصلاة في المسجد خشية الرياء

- ‌الوسطية في تقويم آراء الأشخاص

- ‌المراد بالاعتدال في المسائل الاجتهادية

- ‌ميزان الاعتدال

- ‌الموقف من اشتغال الدعاة بإخوانهم وترك ما هو أهم

- ‌الفرق بين الغلو والتطرف

- ‌صلة الاعتدال بالبحث عن النوايا حال تحليل المواقف

- ‌منزلة الجهاد

الفصل: ‌ ‌العبادة وكذلك العبادة، فإنما خلق الإنسان لعبادة الله تبارك وتعالى، ولا

‌العبادة

وكذلك العبادة، فإنما خلق الإنسان لعبادة الله تبارك وتعالى، ولا يلام الإنسان على العبادة أبداً، تلاوة القرآن، الصلاة، الصيام، قيام الليل، الإنفاق، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، من الذي يقول: إن العبادة شر أو: إن فيها شراً؟ لكن هذه العبادة أيضاً لها قدر محدود إذا جاوزه الإنسان فشق على نفسه فقد خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يبين ذلك حين جاء طائفة من أصحابه، فسألوا عن عبادته فتقالوها، فشعروا أنها قليلة، وقالوا: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه؟ فقال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال الآخر: لا أتزوج النساء، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المسلك وقال:(أنا أتقاكم لله وأخشاكم له)، وحين تزوج عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه امرأة من قريش وكان قد عمر ليله بالقيام ونهاره بالصيام أتى والده عمرو رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي حاله، فدعاه صلى الله عليه وسلم فسأله:(كيف تختم القرآن؟ قال: كل ليلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بحسبك أن تختم كل أربعين، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: كل ثلاثين يوماً، كل جمعة، إلى أن قال: في كل ثلاث، ثم سأله عن صيامه، فكان يصوم كل يوم، فقال: بحسبك أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر) إلى أن أوصله إلى أن يصوم يوماً ويفطر آخر، ثم قال له صلى الله عليه وسلم:(إن لنفسك عليك حقاً، ولزورك -أي: ضيفك- عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه)، وحين رأى صلى الله عليه وسلم حبلاً ممدوداً بين ساريتين، قال:(لمن هذا؟ قالوا: لـ زينب، تصلي فإذا فترت تعلقت به، فقال: مه، ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد)، وحين حدثته عائشة رضي الله عنها عن امرأة رآها عندها، فكانت تذكر من صلاتها، قال صلى الله عليه وسلم:(عليكم من الأعمال ما تطيقون)، والشواهد على ذلك كثيرة.

إن العبادة والصلاة وتلاوة القرآن -أيها الإخوة الكرام- من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه، لكن تحتاج إلى اعتدال، فلا يشق الإنسان على نفسه ولا يشق المرء على نفسه، وإذا شق على نفسه جاوز القدر المشروع وخالف سنة أعبد الناس وأتقاهم لربه صلى الله عليه وسلم.

ومن المجالات التي قد يشدد بعض الناس ويبالغ فيها في العبادة: مبالغة بعض الناس في الحديث عن شروط العبادة، وشروط أعمال القلوب والتشديد فيها، إنك حين تسمع بعض من يتحدث عن الصلاة وعن الخشوع فيها، فيتحدث ويشدد هذا الأمر حتى كأن المصلي نادر، فيقول: إن هؤلاء الذين يصلون يندر فيهم من يخشع في صلاته، يندر فيهم من تقبل صلاته، يندر فيهم من يصلي كما أمر الله عز وجل إلى آخره، كأن الناس هؤلاء كلهم لا يؤدون هذه الصلاة وهذه الفريضة، والبعض حين يتحدث عن بعض أعمال القلوب قد يكلف الناس ما لا يطيقون، قد يتحدث البعض عن الإخلاص، وهو أمر عزيز، لكن يتحدث عنه بأنه نادر جداً، ومن النادر أن تجد الإنسان المخلص.

إذاً: وما شأن بقية الناس؟! وهل هذا هو الدين الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسر)؟! أين هذا من نصوص القرآن المحكمة الواضحة ونصوص النبي صلى الله عليه وسلم؟ إذاً -أيها الإخوة-: التشديد والمبالغة ومجاوزة القدر حتى ولو كان في عبادة الله عز وجل؛ إذا جاوز الإنسان القدر الشرعي القدر الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وجاء في كتاب الله، فإنه يصبح أمراً مذموماً.

ص: 6