الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رمضان وتربية الأولاد
(1)
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رمضان شهرُ التربية، وشهر المحاسبة، وشهر المراجعة.
فالمؤمن يربي نفسه في رمضان، ويربي من تحت يده على الفضائل، ويحاسب نفسه، ويراجع حاله مع ربه، ومع الأمانات التي ائتمنه الله عليها.
وإن من أهم المهمات، وأوجب الواجبات على المؤمن رعايتَه لأولاده، وتربيتَه لهم.
وهذا الشهر الكريم فرصةٌ سانحة يقف الإنسان فيها مع نفسه، وينظر في حاله مع أولاده، فإن كان محسنًا حمد الله، وازداد إحسانًا، وإن كان مقصرًا نزع عن تقصيره، وتدارك ما فاته.
والحديث هاهنا سيكون حول تربية الأولاد، ومظاهر التقصير فيها، والسبل المعينة على تربيتهم.
أيها الصائمون الكرام: الأولاد أمانة في أعناق الوالدين، والوالدان مسؤولان عن تلك الأمانة.
قال الله-سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} .
وقال النبي-صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته» . رواه البخاري.
وقال: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» . متفق عليه.
فالبيت هو المدرسة الأولى للأولاد؛ فالولد قبل أن تربيه المدرسة أو المجتمع يربيه البيت والأسرة.
وهو مدين لأبويه في سلوكه الاجتماعي المستقيم، كما أن أبويه مسؤولان إلى حدٍّ كبيرٍ عن انحرافه الخُلقي.
قال ابن القيم رحمه الله: "وكم ممن أشقى ولده، وفِلْذَة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وتركِ تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه؛ ففاته انتفاعُه بولده، وفوَّت عليه حظَّه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قِبل الآباء". اهـ.
أيها الصائمون الكرام: التقصير في تربية الأولاد يأخذ صورًا شتى، ومظاهر عديدة؛ تتسبب في انحراف الأولاد وتمردهم، وإذا تأملت تلك الأنماط الخاطئة في التربية رأيتها ما بين إفراط وتفريط.
فمن الأخطاء في تربية الأولاد: تنشئتُهم على الجبن والهلع والخوف والفزع؛ فذلك يلاحظ على كثير من الناس؛ فتجدهم يخوفون أولادهم إذا بكوا أو أزعجوا؛ ليسكتوا، ويهدأوا؛ فتجد بعض الناس يخوفهم بالغول، أو الحرامي، أو العفريت، أو صوت الريح أو نحو ذلك.
وبعض الناس يخوفهم بالأستاذ، أو الطبيب أو المدرسة.
وإذا جرح الولد أو أصيب بأي مصيبة أخذت الأم تولول، وَتَلطِمُ وجهها، وتضرب صدرها، وهكذا ينشأ الولد جبانًا رِعديدًا يَفْرَقُ من ظله، ويخاف مما لا يخاف منه.
ومن الخطأ في التربية -أيضًا- تربيةُ الأولاد على التهور، وسلاطةِ اللسان، والتطاول على الآخرين، وتسميةِ ذلك شجاعةً، وهذا نقيض الأول، والحق إنما هو في التوسط.
ومن الخطأ في التربية: تربية الأولاد على الميوعة، والفوضى، وتعويدهم على البذخ، والترف، والإغراق في النعيم، وبسط اليد لهم، وإعطائهم ما يريدون.
فمثل هذه التربية تفسد فطرتهم، وتقضي على استقامتهم، ومروءتهم، وشجاعتهم.
وفي مقابل ذلك نجد من الوالدين من يأخذ أولاده بالشدة المتناهية، فتراه يقسو عليهم أكثر من اللازم، فيضربهم ضربًا مبرِّحًا إذا أخطأ ولو للمرة الأولى، ويبالغ في توبيخهم عند كل صغيرة وكبيرة، ويحرمهم من العطف والشفقة والحنان، ويقتِّر عليهم في النفقة؛ فلا ينفق عليهم إلا بشق الأنفس.
وهذا النمط من التربية يفسد الأولاد، ويقضي على إنسانيتهم، ويقودهم إلى البحث عن المال أو العطف خارج المنزل إما: بالسرقة، أو بسؤال الناس، أو الارتماء في أحضان رفقة السوء.
ومن الأخطاء في التربية: أن يقتصر اهتمام بعض الوالدين على المظاهر فحسب؛ فيرى أن التربيةَ مقتصرةٌ على توفير الطعام الطيب، والشراب الهنيء، والكسوة الفخمة، والدراسة المتفوقة، ولا يدخل عندهم تنشئةُ الأولاد على التدين الصادق، والخلق الكريم.
ومن الأخطاء في التربية: المبالغةُ في إحسان الظن بالأولاد؛ فتجد من الوالدين مَن لا يتفقَّد أولادَه، ولا يعرف عن أحوالهم، ولا أصحابهم شيئًا، وتراه لا يقبل بهم عذلًا، ولا عدلًا، ولا صرفًا، وذلك لفرط ثقته بأولاده، بل ربما دافع عنهم إذا شكاهم أحدٌ إليه.
وفي مقابل ذلك تجد من يبالغ في إساءة الظن بأولاده؛ فتراه يتهم نياتِهم، ولا يثق بهم البتة، ويشعرهم بأنه وراءهم في كل صغيرة وكبيرة، دون أن يتغاضى عن شيء من هفواتهم أو زلاتهم.
ومن مظاهر الخطأ في تربية الأولاد: التفريقُ بينهم، سواءٌ كان ذلك ماديًّا، أو معنويًّا؛ فهناك من يُفرِّق بين أولاده في العطايا، والهدايا، والهبات وهناك من يفرق بينهم بالملاطفة والمزاح، والمحبة، إلى غير ذلك من صور التفريق، التي تسبب شيوع البغضاء، وتبعث على النفور والتنافر.
ومن مظاهر الخطأ في تربية الأولاد: تركُ المبادرة في تزويج الأبناء مع الحاجة والقدرة، وتأخيرُ تزويج البنات، والمتاجرة بهن، وتزويجهن بغير الأكْفَاء.
وهذا من إضاعة الأمانة، والتسبب في شقاء الأولاد.
ومن مظاهر التقصير في حق الأولاد: تسميتهم بأسماءٍ سيئة، أو مخالفة، فمن الناس من لا يأبه بذلك، فمنهم من يسمي ولده بالاسم القبيح؛ بحجة أن جدَّه فلانًا أو جدَّته فلانة تسميا بهذا الاسم؛ فهو يرى أن من البر أن يسمي بأسمائهم، ولو كانت غير مناسبة.
ومن الأخطاء التي تقع في تسمية المواليد تسميتهم بالأسماء الممنوعة شرعًا؛ كتسميتهم بأسماء الله المختصة به مثل أن يُسمي الولد: بالأحد، أو الله، أو الرحمن، أو الخالق.
ومن ذلك تسميتهم بالأسماء المعبدة لغير الله مثل: عبد النبي، أو عبد علي، أو عبد الحسين.
وكذلك تسميتهم بالأسماء الأجنبية، الخاصة باليهود والنصارى؛ لأن هذا يجر ولو على المدى البعيد إلى موالاتهم.
ومن الخطأ في التسمية تسميتهم بأسماء الجبابرة، والطواغيت.
ومن ذلك تسميتهم بالأسماء التي يظن أنها من أسماء الله كالتسمية بـ"عبد المقصود، وعبد الموجود، وعبد الستار".
ومن ذلك تسميتهم بالأسماء المكروهة أدبًا وذوقًا، كالأسماء التي تحمل في ألفاظها تشاؤمًا أو معانيَ تكرهها النفوس.
ومن ذلك تسميتهم بالأسماء التي تسبب الضحك والسخرية، أو التي توحي بالتميع، والغرام، وخدش الحياء.
ومن صور التقصير في تربية الأولاد: مكثُ الوالدِ طويلًا خارجَ المنزل؛ خصوصًا إذا كان ذلك لغير حاجة؛ فهذا يعرِّض الأولاد للفتن، والمصائب، والانحراف، ويَحْرِمُ الأولادَ من النفقة والرعاية.
ومن الخطأ في تربية الأولاد: الدعاءُ عليهم، قال النبي-صلى الله عليه وسلم:«لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاءً؛ فيستجيب لكم» رواه مسلم.
ومن مظاهر الخطأ في تربية الأولاد: تربيتهم على سفاسف الأمور، وسيئ العبارات، ومرذول الأخلاق، ومن ذلك: فعل المنكرات أمام الأولاد، وجلب المنكرات لهم في المنزل، والعهد للخادمات والمربيات بتربية الأولاد؛ خصوصًا إذا كُنَّ غيرَ مسلمات.
ومما يتسبب في ضياع الأولاد وانحرافهم: كثرة المشكلات بين الوالدين، وترك البنات يذهبن للسوق بلا محرم، وبلا حاجة، وإهمالُ الهاتف وترك مراقبته، والغفلةُ عما يقرؤه الأولاد، وقلةُ الاهتمام باختيار مدارس الأولاد، وقلةُ التعاون مع مدارسهم أو انعدامه بالكلية.
ومن الخطأ في تربية الأولاد: احتقارُهم، وتركُ تشجيعهم؛ فبعض الناس يَسْخَرُ كثيرًا بأولاده، ويشنِّع عليهم إذا أخطأوا، ويسكتهم إذا تكلموا؛ مما يجعل الولد عديم الثقة بنفسه.
وأشدُّ صورِ السخرية أن يسخرَ بالولد إذا استقام على أمر الله، فتجد من الآباء من يَسْخَرُ بابنه إذا رآه مستقيمًا، مطبقًا للسنة، مقبلًا على العلم؛ فهذه السخرية قد تسبب انحراف الولد، فيكون عالة على والده، وسببًا لجر البلايا إليه، وما علم ذلك الوالد أنه هو الرابح الأول من صلاح ابنه في الدنيا والآخرة.
ومن الخطأ في التربية: قلةُ العناية بتربية الأولاد على تحمل المسؤولية، وعدم إعطائهم فرصةً للتصحيح والتغيير للأفضل.
وهكذا ينشأ الولد وهو يشعر بالنقص، وقلة الثقة بالنفس.
هذه بعض مظاهر التقصير في تربية الأولاد، فماذا نؤمل بعد هذا الإهمال؟ وماذا سنحصد من جرّاء هذا التقصير؟
ومن هنا نعلم أي جناية نجنيها على الأولاد حين نقذف بهم إلى معترك الحياة في جو هذه التربية الخاطئة!
ثم ما أسرعنا إلى الشكوى إذا رأيناهم عاقين متمردين، ونحن قد غرسنا بأيدينا بذور الانحراف!
أيها الصائمون: للحديث بقيةٌ-إن شاء الله-حيث سيكون حول السبل المعينة على تربية الأولاد وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
رمضان وتربية الأولاد (2)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد مرّ سالفًا حديثٌ حولَ تربية الأولاد وأهميته، وأن شهرَ رمضانَ فرصةٌ عظيمةٌ لأن يقفَ الإنسانُ مع نفسه وحالِه مع الأولاد، ومرّ ذكرٌ لبعض مظاهر التقصير في تربية الأولاد.
والحديث في هذه الليلة-إن شاء الله-سيكون في السبل والأسباب المعينة على تربية الأولاد، والتي تَكْفُلُ -بإذن الله- لمن أخذ بها أن يعان، ويوفق، وأن يجد الآثار الطيبة عاجلًا أو آجلًا.
فمن تلك السبل: العنايةُ باختيار الزوجةِ الصالحة؛ فالزوجة أمُّ الأولاد، ولها الأثرُ الأكبر عليهم وعلى زوجها؛ فحري بالإنسان إذا أراد الزواج أن يستشير، ويستخير، ويبحثَ عن ذات الدين، والخلق القويم.
قال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: "قد أحسنت إليكم صغارًا وكبارًا، وقبل أن تولدوا".
قالوا: "وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ " قال: "اخترت لكم من الأمهات من لا تُسبُّون بها".
وأنشد الرياشي:
فأول إحساني إليكم تخيُّري
…
لماجدةِ الأعراقِ بادٍ عفافُها
ومن السبل المعينة على تربية الأولاد سؤالُ الله الذريةَ الصالحة، وسؤاله الإعانةَ على تربية الأولاد، وكثرةُ الدعاء للأولاد بالصلاح، والحذرُ كلَّ الحذر من الدعاء عليهم، أو تركُ الدعاء لهم إذا رأى الوالد منهم تماديًا في الشر؛ فإجابة الدعاء قد تتأخر لحكمة، وقد يُقْصِرون عن بعض الشر بسبب الدعاء، وقد يصلحون بعد حين، أو بعد فراق الوالد الدنيا، وهكذا
…
ومن أعظم ما يعين على صلاح الأولاد، أن يغرس الوالدُ الإيمانَ، والعقيدةَ الصحيحةَ في نفوس الأولاد وهم صغار، وأن يتعاهد ذلك بالسقي والرعاية، فيلَقِّن الوالدُ أولادَه منذ الصغر النطق بالشهادتين، ويعلمهم بأن الله رَبُّهم، والإسلامَ دينُهم، ومحمدًا صلى الله عليه وسلم-نبيهم.
وينمي في قلوبهم محبة الله عز وجل ومراقبتَه، وأنه في السماء، وأنه سميعٌ بصيرٌ إلى غير ذلك من أمور العقيدة المُيَسَّرة الملائمة لسن الأولاد.
ومن أعظم ما يعين على صلاحهم-أيضًا-غرسُ الأخلاق الحميدة والخلال الكريمة في نفوس الأولاد، وتجنيبُهم الأخلاقَ الرذيلة وتقبيحُها إليهم، فيحرصُ الوالد على تربيتهم على التقوى، والعفة، والحلم والصدق، والصبر والبر، والصلةِ، والعلم، والجهاد، والدعوة، ويكرِّه إليهم في الوقت نفسه أضرارَ تلك الأخلاق، فيكرّه إليهم الفجورَ، والكذبَ، والخيانةَ، والحسدَ، والغِيبةَ، والنميمةَ، والعقوقَ، والقطيعةَ، والجبنَ، والأَثَرة، وغيرَها من سَفْساف الأخلاق، ومرذولها.
وإذا سار بهم على هذه السُّنَّةِ شبوا متعشقين للبطولة، محبين لمكارم الأخلاق، نافرين عن مرذولها.
ومن ذلك تعليمُهم الأمورَ المستحسنةَ، وتدريبُهم عليها، كتشميت العاطس، والأكلِ باليمين وآداب قضاء الحاجة، وآدابِ السلام وردِّه، وآدابِ الرد على الهاتف، واستقبال الضيوف، ونحو ذلك.
فإذا تدرب الولد على هذه الأخلاق منذُ الصغر أَلِفَها، وأصبحت سجيّة له؛ فالصغير يقبل التعليم والتوجيه، وَيَشِبُّ على ما عُوِّد عليه كما قيل:
وينشأ ناشئُ الفتيانِ منا
…
على ما كان عوَّده أبوه
ومما ينبغي للوالدين مراعاتُه أن يحرصا في مخاطبة الأولاد على انتقاء العبارات الحسنة المقبولة الطيبة، وأن يربآ بأنفسهم عن السب، والشتم واللجاج، وغير ذلك من العبارات البذيئة المقذعة، وبذلك تعف ألسنة الأولاد، وتنأى عن السباب، والفحش.
ومن أجلِّ ما يمكن أن يقوم به الوالدان تجاه الأولاد: أن يحرصا على تحفيظهم كتاب الله-عز وجل-لما في ذلك من الأجر العظيم وحفظ الوقت، وحماية الأولاد من الانحراف، وغير ذلك من الفضائل التي لا تعد ولا تحصى.
ومن المسائل المهمة في التربية: مسألةُ التربية بالقدوة؛ فينبغي للوالدين أن يكونا قدوةً للأولاد في الصدق، والاستقامة، والبر، وأن يتمثلا كل ما يقولانه، ويأمران به.
ومن الأمور المستحسنة في ذلك: أن يقوم الوالدان أو أحدُهما، بالصلاة أمام الأولاد؛ حتى يتعلموا الصلاة عمليًّا من الوالدين.
ولعل هذا من أسرار مشروعية أداء السنة الراتبة في البيت، وكونِ الصلاةِ في البيت أفضلَ من الصلاة في المسجد إلا المكتوبة.
ومما تحصل به القدوة - أيضًا - كظمُ الغيظِ، وحسنُ استقبال الضيوف، وبرُّ الوالدين، والوفاءُ بالعهد والوعد.
ومما يجب على الوالد تجاه أولاده أن يحميهم من المنكرات، وأن يطهرَ بيته منها، حتى يحافظَ على سلامة فطرهم، وعقائدهم وأخلاقهم.
ويجدر به - أيضًا - أن يوجدَ لهم البدائل المناسبة المباحة التي تجمع بين المتعة والفائدة، وبذلك يجد الأولاد ما يشغلون به فراغهم.
ومما يجب على الوالدين - أيضًا - أن يجنبا أولادهم أسباب الانحراف الجنسي، وذلك بحمايتهم من مطالعةِ القصص الغراميةِ، والمجلاتِ الخليعةِ، والأغاني الماجنة والكتبِ الجنسية وغيرِها، وتجنيبهم الزينةَ الفارهةَ، والميوعةَ القاتلة؛ فَيُمْنَعَ الولد من الإفراط في التجمّل، والمبالغة في التأنق والتطيب، وينهى عن التعري، والتكشف؛ لأن هذه الأعمالَ تتسبب في فساد طباعهم، وتقودهم إلى إغواء الآخرين وفتنتهم، وتدعو إلى جرّ الأولاد إلى الرذيلة؛ خصوصًا إذا كانوا صغارًا أو ذوي مرأًى حسن.
بل يحسن بالوالد أن يعوِّدَ أولاده على الرجولة، والخشونة، والجد، وأن يجنبهم الكسل، والبَطالة، والراحة، والدعة؛ فإن للكسل والبَطالة عواقبَ سوءٍ، ومغبةَ ندمٍ، وللجد والتعب عواقب حميدة؛ فأروحُ الناسِ أتعبُ الناس، وأتعبُ الناسِ أروحُ الناس؛ فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى لا يوصل إليها إلا على جسرٍ من التعب؛ فالراحة تعقب الحسرة، والتعب يعقب الراحة.
ومما يحسن في هذا الصدد أن يعوِّد الوالدُ أولاده الانتباه آخر الليل؛ فإنه وقت الغنائم، وتفريق الجوائز، فمستقلٌّ، ومستكثر، ومحروم؛ فمن اعتاده صغيرًا سَهُل عليه كبيرًا.
ومما يحسن بالوالد - أيضًا - أن يجنب أولاده فضولَ الكلام، والطعام، والمنام، ومخالطة الأنام؛ فإن الخسارة في هذه الفضلات، وهي تفوِّت على العبد خيرَ دنياه وآخرته، ولهذا قيل: من أكل كثيرًا، شَرِب كثيرًا، فنام كثيرًا، فخسر كثيرًا.
ومن الأمور النافعة المجدية في التربية مراقبةُ ميول الولد، وتنميةُ مواهبه، وتوجيهُه لما يناسبه.
وبهذا يجد الولد في المنزل ما ينمِّي مواهبَه، ويصقلُها، ويُعِدُّها للبناء.
قال ابن القيم رحمه الله: "ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مستعد له من الأعمال، ومهيأٌ له منها، فيعلمَ أنه مخلوقٌ له، فلا يَحْمِله على غير ما كان مأذونًا فيه شرعًا؛ فإنه إنْ حَمَلَه على غير ما هو مستعد له لم يفلحْ فيه، وفاته ما هو مهيأٌ له؛ فإذا رآه حسنَ الفهمِ جيدَ الحفظ واعيًا؛ فهذه علامات قبوله، وتَهيُّئه للعلم؛ لينقشه على لوح قلبه ما دام خاليًا، وإن رآه ميالًا للتجارة والبيع والشراء، أو لأي صنعةٍ مباحةٍ فليمكِّنْه منها؛ فكلٌّ ميسر لما خلق له" اهـ.
ومن الأمور النافعة في التربية: إشباعُ عواطف الأولاد، وإشعارُهم بالعطف والرحمةِ، والنفقةُ عليهم بالمعروف، والعدلُ بينهم، والقيامُ على حوائجهم، وإشاعةُ روحِ الإيثار بينهم؛ فذلك مما يشعرهم بالمحبة، ويقضي على كثير من المشكلات.
ومن أسس التربية الناجحة: أن يكون التفاهمُ قائمًا بين الزوجين؛ فعليهما أن يحرصا كل الحرص على تجنّب الوسائل المفضية للشقاق أمام الأولاد وأن يبتعدا عن العتاب أمامهم؛ حتى يسود الهدوء البيت، وتشيع الألفة فيه، فيجد الأولاد فيه الراحة والسكن، والأنس والسرور.
ومما يحسن بالوالدين إذا لم يُقَدَّر بينهما وفاقٌ، وحصل الطلاق أن يتقيا الله عز وجل-وأن يكون التسريح بإحسان، وألا يجعلا الأولاد ضحية لعنادهما، وشقاقهما، وألا يغري كل واحد منهما بالآخر.
بل عليهما أن يعينا الأولاد على البر، وأن يوصي كلُّ واحدٍ منهما الأولاد ببر الآخر بدلًا من التحريش، وإيغار الصدور، وتبادل التهم، وتأليب الأولاد؛ فإن اتقيا الله في حال الطلاق لم يعرضا الأولاد للاضطراب والتمرد، وإن كانت الأخرى فإن الوالدين هما الخاسر الأول، وإن الأولاد سيعقّون الوالدين.
ومما يحسن التنبيه عليه في تربية البنات-على وجه الخصوص-أن يعلمهن ما يَحْتَجْن إليه من أمور دينهن ودنياهن، فكم من الناس من فرط في هذا الحق، وكم من النساء من يجهلن -على سبيل المثال- أحكامَ الحيض والنفاس ومسائل الدماء عمومًا بالرغم من أنه يتعلق بها ركنان من أركان الإسلام وهما الصلاة والصيام، بل والحج.
وكم من النساء من تجهل إقامة الصلاة على الوجه المطلوب، وهكذا
…
فينبغي للوالد - أبًا أو أمًّا - أن يُعنى بتعليم بناته أمور دينهن، كما ينبغي حَمْلُهن على الحشْمة، والعفاف والستر، وأن يعلِّمهن-أيضا -أمور حياتهن الخاصة من كيٍّ وغسيلٍ، وطبخٍ، وخياطةٍ، وتدبيرٍ للمنزل وغير ذلك؛ حتى يكُنَّ على أتم استعداد للحياة الزوجية.
ومما يجب على الوالد تجاه أولاده: أن يمنع البنين من التشبه بالبنات، وأن يمنع البناتِ من التشبه بالبنين، وأن يمنع الأولادَ من التشبه بالكفار والكافرات، وأن يمنع البنات من الخروج من المنزل وحدهن، سواء للسوق أو الطبيب، أو غير ذلك، بل لا بد من وجود المحرم معهن، وألا يخرجن إلا للحاجة الملحة.
كما عليه أن يمنع البنين من الاختلاط بالنساء، ويمنعَ البناتِ من الاختلاط بالرجال، كما عليه أن يحرص كلَّ الحرص على تزويج أبنائه إذا بلغوا سن الرشد عند المقدرة والحاجة، وأن يحرص على تزويج بناته إذا تقدم لهن من يرضى دينه وخلقه.
ومما يحسن بالوالدين أن يرعياه أن يعتنيا بصحة الأولاد خصوصًا وهم صغار؛ لأن كثيرًا من العاهات تبدأ مع الأولاد في ذلك السن؛ فإذا أهمل علاجها لازمت الأولاد طيلة أعمارهم.
كما يحسن بالوالدين أن يقوما بشؤون الأولاد إذا أصيبوا بعاهات مزمنة، أو إذا ولدوا معاقين أو مصابين ببعض التشوهات الخِلقية، أو ما شاكل ذلك؛ فحريٌّ بالوالدين أن يقوما برعاية الأولاد، وأن يحسنا تربيتهم، وأن يشعروهم بمكانتهم، كما يحسن بهما أن يحتسبا الأجر، وأن يحذرا من التسخط، بل عليهم أن يحمدا الله، وأن يتحرَّيا الخيرة؛ فربما كان الخير في ذلك البلاء، وربما رحم الله الأسرة جميعها، وأدرَّ عليهم الأرزاق، ودفع عنهم صنوف البلاء، بسبب هؤلاء المساكين.
معاشر الصائمين: للحديث صلة في الليلة القادمة -إن شاء الله تعالى- وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
رمضان وتربية الأولاد (3)
الحمد لله، والصلاة والسلام على النبي رسول الله، أما بعد:
فقد كان الحديث سالفًا يدور حول السبل المعينة على تربية الأولاد، والحديث هاهنا إكمال لما مضى.
فمما يعين على تربية الأولاد ونُضجهم: أن ينمي الوالد الشجاعةَ الأدبيةَ في نفس الولد؛ وذلك بإشعاره بقيمته، وزرع الثقة في نفسه، حتى يعيش كريمًا شجاعًا صريحًا جريئًا في إبداء آرائه في حدود الأدب واللياقة؛ بعيدًا عن الإسفاف والصفاقة؛ فهذا النمطُ من التربيةِ يشعره بالطمأنينة، ويكسبه القوةَ والاعتبارَ، ويزيل عنه الترددَ، والخوفَ، والهوانَ، والصَّغارَ.
ومما يحسن بالوالد في هذا الصدد: أن يستشير أولادَه في بعض الأمور؛ كأن يستشيرَهم فيما يتعلقُ بالمنزل، أو لونِ السيارة التي سيشتريها، أو أن يأخذ رأيهم في مكان الرحلة أو زمانها، ثم يوازن بين آرائهم، ويستخرج ما لديهم من أفكار، ويطلب من كل واحد منهم أن يبدي مسوغاته، وأسباب اختياره لهذا الرأي وهكذا؛ فكم في مثل هذا العمل من زرع للثقة في نفوس الأولاد، وإشعار لهم بقيمتهم، وكم فيه من تدريب لهم على تحريك أذهانهم، وشحذ قرائحهم، وكم فيه من تعويد لهم على التعبير عن آرائهم.
ومن الأساليب الطيبة في التربية: تعويد الولد على القيام ببعض المسؤوليات؛ كالإشراف على المنزل في حال غياب ولي الأمر، وكالتعويد على الصرف والاستقلالية المالية، وذلك بمنحه مصروفًا ماليًّا كل شهر أو أسبوع؛ ليقوم بالصرف على نفسه، وعلى حاجات المنزل، وكمنحه الثقة في استقبال الضيوف، وإعداد اللازم لهم، وكتعويده على المشاركة الاجتماعية إما بالدعوة إلى الله، أو إغاثة الملهوفين، أومساعدة الفقراء والمحتاجين، أو التعاونِ مع جمعيات البر، أو غيرها.
ومن الأساليبِ النافعةِ في التربية: تدريبُ الأولادِ على اتخاذ القرار؛ كأن يَعْمَدَ الوالدُ إلى وضع الولد في مواضع التنفيذ، وفي المواقف المحرجة التي تحتاج إلى حسم الأمر، والمبادرةِ في اتخاذ القرار، وتَحَمُّل ما يترتب عليه؛ فإن أصاب شجَّعه، وشد على يده، وإن أخطأ قوَّمه، وسدَّده بلطف؛ فهذا مما يعوِّده على مواجهة الحياة، والتعامل مع المواقف المحرجة.
ومما يحسن بالوالد: أن يُقَدِّر مراحل العمر التي يمر بها الأولاد؛ فالولد يَكْبُرُ، ويَكْبُرُ معه تفكيرُه؛ فلا بد أن تكونَ معاملتُه ملائمةً لسنه وتفكيره، واستعدادِه، وألا يُعامل دائمًا على أنه صغير.
كما يحسن بالوالد: أن يتلافى مواجهةَ الأولادِ مباشرةً قدر المستطاع، خصوصًا في مرحلة المراهقة؛ بل يحسن به إذا لاحظ منهم خطأً أن يُعرِّض لهم، وأن يقودهم بزمام الحجة، والإقناع، والمناقشة الحرة.
ومما ينبغي للأب- مهما كان له من شغل- أن يخصص وقتًا يجلس فيه مع الأولاد، يؤنسهم فيه، ويعلمهم ما يحتاجون إليه، ويقصُّ عليهم القصصَ الهادفةَ؛ لأن اقترابَ الوالدِ من أولاده ضروريٌّ جدًّا، وله آثارهُ الواضحةُ، حيث تستقر أحوالُ الأولاد، وتهدأ نفوسُهم، وتستقيم طباعهم.
ومما يجدر بالوالد إذا تحدث إليه ولدُه-خصوصًا الصغير-أن يصغي له تمامًا، وأن يبدي اهتمامَه بحديثه، كأن تظهرَ عليه علاماتُ التعجبِ، أو أن يبدي بعضَ الأصواتِ التي تدل على الإصغاء والاهتمام والإعجاب، كأن يقول: رائع، حسن، صحيح، أو أن يقومَ بالهمهمة، وتحريك الرأس، وتصويبه، وتصعيده، أو أن يجيبَ على أسئلته، أو غير ذلك.
فمثل هذا العملِ له آثار إيجابيةٌ كثيرةٌ؛ فهو يعلِّم الولدَ الطلاقةَ في الكلام، ويساعدُه على ترتيب أفكاره وتسلسلها، ويدربه على الإصغاء، وفهمِ ما يسمعه من الآخرين، كما أنه ينمي شخصيةَ الولد، ويصقلُها، ويقوي ذاكرتَه، ويعينُه على استرجاع ما مضى، ويزيدُه قربًا من والده.
ومما يحسن بالوالد: أن يتفقد أحوالَ أولاده، وأن يراقبهم من بعد؛ فيلاحظهم في أداء الشعائر التعبدية من صلاة، ووضوء، ونحوه، ويراقب الهاتف المنزلي أحيانًا، وينظر في جيوبهم وأدراجهم من حيث لا يشعرون؛ كأن ينظر فيها إذا ناموا، أو أن ينظر في أدراجهم إذا ذهبوا للمدرسة، وإذا رأى ما لا يرضى تصرف بما يراه مناسبًا.
هذا إذا كان يرى الأولاد على حالة لا تُرضى، أما إذا كانوا صُلحاء؛ فلا يلزم أن يقوم بمثل هذا العمل.
ومما يحسن بالأب: أن يربطَ ولده بالصحبة الطيبة، وأن يكرم أصحاب ولده الطيبين الصالحين، وأن يحثَّه على ملازمتهم، وأن يُحْسِنَ الوالدُ استقبالَ أصحابِ ولده إذا زاروا الولد؛ بل يَحْسُنُ به أن يحثَّ ولدَه على استزارتهم.
وإذا زاروا الولد فإنه يجدر بالأب أن يفرحَ بذلك، وأن ييسر لهم ما يستطيع، وأن يقابلهم بالبشر، ولا بأس أن يجلس معهم ولو قليلًا، ويتجاذب معهم أطراف الحديث، ويسألهم عن أحوالهم، وأحوال ذويهم؛ فهذا الصنيع يشعر الولد بقيمته، ويحفزه على طاعة والديه، والتمسك بصحبته.
أما النفور من الصحبة الصالحة للولد، والجفاء في معاملتهم فلا يليق بالأب؛ لأنه يشعرُ الولدَ بعدم قبولهم، فيسعى لمقاطعتهم، أو التخفي في علاقته بهم، أو أن يتركهم؛ فيقع فريسة لأصحاب السوء.
وإذا بُلي الولد بصحبة سيئة فعلى الوالد أن يراعيَ الحكمةَ في إنقاذه منهم، فلا يبادرَ إلى استعمال العنف منذ البداية، ولا يسارعَ إلى إهانتهم أمام ولده، أو طردهم إذا زاروه أول مرة، لأن الولد متعلق بهم، ومقتنع بصحبتهم.
بل ينبغي للوالد أن يتدرج في ذلك؛ فيبدأ بإقناع ولده بسوء صحبته، وأن عليه أن يفارقهم، وأن يبحثَ عن أصحاب خيرٍ منهم، ثم يقومَ بعد ذلك بتهديده، وإشعاره بأنه ساعٍ لتخليصه منهم، وأنه سيذهب إلى أولياء أمورهم، كي يبعدوا أولادهم عنه؛ فإذا حَذَّر الولدَ، وسلك معه ما يستطيع، وأعيته الحيلة، ورأى أن بقاءه معهم ضررٌ محققٌ فهناك يسعى إلى تخليصه منهم بما يراه مناسبًا.
ومما ينبغي للوالدين أن لا يضخموا أخطاء الأولاد، بل عليهم أن ينزلوها منازلها، وأن يدركوا أنه لا يخلو بيت من الأخطاء، فمقل ومستكثر.
أيها الصائمون الكرام: ومن الأمور المعينة في التربية اصطناعُ المرونة، فإذا اشتدت الأم على الولد لانَ الأب، وإذا عنَّف الأب لانَت الأم؛ فمثلًا قد يقع الولد في خطأ ما، فيؤنِّبه والده تأنيبًا يجعله يتوارى عن الأعين؛ خوفًا من العقاب، فتأتي الأم، وتطيِّبُ نفسَ الولد، وتوضِّح له خطأَه برفق؛ عندئذ يشعر الولد بأنهما على صواب، وأنه على خطأ، فيقبل من أبيه تأنيبَه، ويحفظُ لأمهِ معروفَها، والنتيجة أنه سيتجنب الخطأ مرة أخرى.
ومن السبل النافعةِ في التربية: التربيةُ بالعقوبة؛ فالأصل أن يأخذَ الإنسان باللين والرفق في معاملته لأولاده؛ إلا أن العقوبة قد يحتاج إليها بشرط ألا تكون ناشئة عن سورة جهل، أو ثورة غضب، وألا يَلجأ إليها إلا في أضيق الحدود، وألا يؤدب الولدَ على خطأ ارتكبه مرة واحدة، وألا يؤدبه على خطأ أحدث له ألمًا، وألا يكون أمام الآخرين.
ولا يفهم من ذلك أن العقوبةَ قاصرةٌ على الألم البدني فحسب، بل هناك أنواع أخرى كالعقاب النفسي؛ كقطع المديح عنه، أو إشعاره بعدم الرضا أو توبيخه، أو حرمانه من الجائزة، وهكذا
…
ومن أنواع العقوبة العقاب البدني الذي يؤلمه، ولا يضره.
ومما ينبغي للوالد مراعاته في التربية: أن يعطي أولادهَ فرصةً للتصحيح إذا أخطأوا، وألا يأخذ موقفًا واحدًا من أحد أولاده فيجعلَه ذريعةً لوَصْمِهِ، وعيبه؛ كأن يسرق مرة، أو يكذب فيناديه باسم السارق أو الكذاب.
ومما يجدي كثيرًا في عملية التربية: أن يكون للوالد مكتبةٌ منزلية ميسرة تحتوي على كتب، وأشرطة ملائمة لسنهم ومداركهم، وأن يقيم الوالد الحلقات العلمية داخل المنزل، وأن يجري المسابقات الثقافية بين أولاده.
ومما يجدي -أيضًا- أن يصطحب أولاده معه لمجالس الذكر، ودروس العلم.
ومن الأمور المستحسنة في التربية الرحلةُ مع الأولاد، إما إلى مكة المكرمة، أو المدينة النبوية أو غيرهما من الأماكن المباحة؛ فبذلك يُجِمُّهُم، ويشرح صدورهم، ويكسبهم معارفَ جديدةً، إلى غير ذلك من فوائد السفر التي لا تخفى.
ومن أنفع السبل المعينة على تربية الأولاد أن يربطهم بالسلف الصالح، حتى يسيروا على خطاهم، ويجدوا فيهم القدوة الحسنة.
ومما ينبغي مراعاته في عملية التربية عدم استعجال النتائج؛ بل على الوالد أن يبذل مُستطاعَه، ويستمر في تربيته ودعائه؛ فلربما استجاب الولد بعد حين، وادّكر بعد أمَّة.
وإذا رأى الوالدُ من ولده نفورًا أو تماديًا؛ فعليه ألا ييأس من صلاحهم واستقامتهم، فالنصحُ والتربيةُ النافعة يؤتيان أكلَهما بإذن اللهِ، فهما بمثابة البذر الذي يوضع في الأرض، والله عز وجل يتولى رعايته ونماءه، {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} .
فبسبب التربية الحسنة، يستقيم الأولاد، ويُقْصِرون عن التمادي في الباطل، ويُعْذِرُ الإنسان إلى الله.
وكما أن برَّ الوالدين واجب بكلِّ حال فإن على الوالدين أن يعينا الأولاد على البر، وأن يشجعاهم، ويشكراهم، بل على الوالدين أن يغضّا الطرف عن بعض ما يصدر من الأولاد، وعليهما أن يتنازلا عن بعض حقوقهما، خصوصا إذا رأيا من الولد إقبالًا على العلم، وجِدًّا في الطلب، ومصاحبةً للأخيار خصوصًا في بداية عمره، فعلى الوالدين أن يشجعاه، وأن يعذراه على بعض التقصير.
تقول أم سفيان الثوري لابنها سفيان: "يا بني ، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي".
فكانت تغزل وتبيع وتصرف على سفيان، وتُفَرِّغه لطلَب العلم، فأصبح الإمامَ المتبوعَ، وأمير المؤمنين في الحديث مع أنه نشأ يتيمًا.
ومن الأمور المعينة على التربية استشارةُ من لديه خبرة بالتربية، وقراءة الكتب المفيدة في التربية، واستحضار فضلِ التربية في الدنيا والآخرة، واستحضار عواقب الإهمال والتفريط.
وخلاصة القول في تربية الأولاد: أن يسعى الوالدُ في جلب ما ينفع الأولاد، ودفع ما يضرُّهم في دينهم ودنياهم.
{وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} ، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.