المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التواضع عند ابن المبارك - دروس للشيخ سفر الحوالي - جـ ٤٧

[سفر الحوالي]

فهرس الكتاب

- ‌نماذج من خوف السلف

- ‌نماذج من خوف الصحابة

- ‌خائف يفرق منه الشيطان

- ‌أبرار يخافون على أنفسهم النفاق

- ‌فقيه من الصحابة يخشى الله

- ‌نماذج من خوف التابعين

- ‌هرم بن حيان

- ‌وصايا مطرف

- ‌حكيم التابعين الحسن البصري

- ‌وصية المحاسبة

- ‌بكر المزني وعظمة التواضع

- ‌من علامات الخائفين

- ‌الاشتغال بعيوب النفس

- ‌عن اللغو معرضون

- ‌حب العبادة

- ‌المعصية سبب للهوان على الله

- ‌منزلة الأخوة عند السلف

- ‌إصلاح القلوب

- ‌لربهم يرهبون

- ‌عمر بن عبد العزيز والهمة العالية

- ‌الورع وابن المبارك

- ‌التواضع عند ابن المبارك

- ‌الأسئلة

- ‌الهوان على الله

- ‌خشية الرياء من علامة التقوى

- ‌التفكر في صفات الله

- ‌التآخي في الله والبغض لأعداء الله

- ‌العلمانية وضوابط التكفير

- ‌التفكر في آثار الصفات

- ‌أرتيريا المسلمة

- ‌نماذج من النشرات التنصيرية، وكيفية التعامل معها

- ‌الهدي النبوي في الضحك

- ‌معنى التطرف عند الغربيين

- ‌خادمات أم أخدان

- ‌حكم تداول العهود السبعة

- ‌الظلم التعسفي

- ‌التعامل مع بيوت الربا

الفصل: ‌التواضع عند ابن المبارك

‌التواضع عند ابن المبارك

ومن عجيب كلامه ما نقله عنه عبد الله بن خبيب 'قيل لابن المبارك: ما التواضع؟ قال: التكبر على الأغنياء'.

ولا يعني أن الإنسان يظلمهم أو ينظر أنه أفضل منهم، إنما الحكمة واضحة ومقصودة، وهو أن تشعر أنك بما عندك من إيمان وتقوى وعبادة خير من هؤلاء، فهذه حقيقة التواضع، وليس أن الإنسان إذا رأى أحداً من هؤلاء فإنه ينبغي له أن يتواضع، فليس التواضع أمام الأغنياء أو أمام الكبراء في كلمة الحق أمراً مرغوباً فيه شرعاً، بل قد يكون هذا التواضع داخلاً في باب آخر في باب الخوف من غير الله أو في باب محبة الدنيا؛ فلو رآك أهل الدنيا ومن لا خير فيهم تتواضع أمامهم، لقالوا: هذا يطمع فيما عندنا، وهذا يريد المال، وهذا يريد شيئاً! لكن لو رآك الأغنياء وأهل الدنيا وأنت تتكبر عليهم بأن يدعوك فلا تذهب، فإذا دعاك فقير طالب مسكين، لا يملك شيئاً من حطام الدنيا وأجبته، وذاك يرى ويسمع، لعلم أنك متكبر عليه، فهذا هو المقصود، وليس التكبر هنا أنك تغمطه فضله أو حقه، بل أن يعلم أنك لا تنظر إلى جاهه ولا إلى منصبه ولا إلى أي شيء، خاصةً إذا كان من أهل الدنيا الذين لا يريدون الله واليوم والآخر.

وليس كل من آتاه الله مالاً فهو كذلك، ليس هذا هو المقصود، إنما المقصود أن يرى الناس فيك هذه الصفة.

جيء إلى سعيد بن المسيب ، والخطبة ابنته لولي عهد المملكة والخلافة الوليد بن عبد الملك ، فـ عبد الملك خطبها لابنه الوليد فرفض وأبى، وَزَوَّجَها من ذلك المسكين طالب الحديث، ورفض أن يعطيها لـ ابن عبد الملك بن مروان الذي كان يحكم الدنيا من شرقها إلى غربها.

إذاً: فهذا هو التكبر على أهل الدنيا، وهذا هو التواضع.

وهذه حقيقة التواضع حتى لا يفهم بعض الناس من سير هؤلاء الأجلة والعلماء أن التواضع هو ما فهمه الصوفية من الاستخذاء والاستجداء، فهؤلاء لو راح الواحد منهم يريد أن يعمل دعوة، فأول ما يبدأ بالأغنياء، ويطرق بيوت الكبار؛ حتى لو أرادوا عملاً من أعمال الخير ولو كان موعظة أو تدريساً في مسجد فإنهم لا يذهبون إلا إلى مساجد الأغنياء وإلى مجالس المترفين! نسأل الله العفو والعافية، وهذا فهم الصوفية الذين تنقطع قلوبهم من حب الدنيا، وفي نفس الوقت يدعون أنهم من أهل الله، أما المؤمنون الصادقون الذين يؤثرون حقيقة الآخرة على الدنيا، فإنهم لا يبالون بهؤلاء، وإنما ينظرون إلى الإنسان من جهة إيمانه وتقواه، فيحبون لله ويوالون فيه {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22].

ص: 22