الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثال توضيحي للقاعدة
فنجد في قصة هذا الأعرابي ما يشهد بهاتين القاعدتين: القاعدة الأولى: تحمل أهون المفسدتين لدرء أعظمهما.
والثانية: إن الجاهل لا يكون الإنكار عليه كالإنكار على العالم وعلى ذي الشأن.
فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزجر الصحابة وينههم عندما ثاروا عليه ليزجروه عن البول في المسجد، لانتشر البول في أجزاء كثيرة نتيجة فزع الأعرابي وهربه، بل وسينتثر البول في ملابسه، وربما لا يعود إلى المسجد وإلى الإيمان.
إذاً نتحمل المفسدة من أجل أن ندفع مفسدة أكبر منها، فهذا شيء.
والأمر الآخر أن هذا الإنسان جاهل، والجاهل نرفق به، كما منع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يضربوه، وأمر أن يغير المنكر، بصب دلو من الماء على البول وانتهت النجاسة.
فالآن قضينا على النجاسة، وبقي أن نقضي على ما في قلب هذا الرجل، والرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال معاوية بن الحكم السلمي:{والله ما كهرني ولا نهرني، بأبي وأمي ما رأيت قبله ولا بعده معلماً مثله صلى الله عليه وسلم} فلا يوجد معلم أرفق من النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحكم، فلما رأى الأعرابي هذا الرفق وهذه المعاملة ممن كان يظن أنه أكثر الناس شدة -ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أكثر الناس محافظة على بيوت الله، وأكثر الناس قوة في الحق، لكنه كان يوازن بين المصالح والمفاسد صلى الله عليه وسلم لما رأى منه اللطف واللين صلى فقال:{اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحد} .
وذلك لأن القلب ما تزال فيه ضغينة لهؤلاء الذين ثاروا عليه، وأظهروه مظهر الإنسان الذي لا يليق، ولكن دعا أن يرحم الله محمداً صلى الله عليه وسلم وهذا هو المطلوب، وهو أن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم وكان ذلك، ولكن أيضاً نحن لا ينبغي أن نجفو قلوب الناس عنا، فالجاهل نعلمه ونترفق به، ونبين له.
وكما ينقل في سيرة الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما أنهما كانا ذاهبين إلى المسجد، فدخل رجل يتوضأ فلم يحسن الوضوء، وهما صبيان صغيران فقالا له: أيها الشيخ! نحن طفلان صغيران واختلفنا كيف نتوضأ، فاحكم بيننا لترى أي منا يتوضأ أحسن من الآخر، فتوضأ الأول كما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأ الآخر كما يتوضأ الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قالا له: احكم، فقال: أحكم بأنكما توضأتما على السنة وأنا لا أحسن الوضوء.
فعلماه كيف أنه يجب على الإنسان أن يتوضأ، وهو بنفسه عرف خطأه.
فإذا استطعنا أن نعرَّف الإنسان خطأه بنفسه فهذا مكسب لنا، ونكون قد كسبنا قلبه ومع ذلك عرف الحق، وسيتبعه بإذن الله تبارك وتعالى.