المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌استعجال عباد الله المؤمنين - دروس للشيخ سفر الحوالي - جـ ٨٢

[سفر الحوالي]

الفصل: ‌استعجال عباد الله المؤمنين

‌استعجال عباد الله المؤمنين

وأما ما يتعلق بالمؤمنين فإن استعجالهم من نوع آخر، وهو استبطاء النصر من الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]، فهو قريب لكنهم يستعجلون.

{ولهذا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد في ظل الكعبة، فقالوا: يا رسول الله! ادع الله على قريش! وشكوا إليه ما وجدوا، فقال صلى الله عليه وسلم: والله ليتمن الله هذا الأمر حتى تسير الظعينة أو الراحلة من صنعاء إلى حضرموت، ولكنكم قوم تستعجلون} ، لا تستعجلوا، وقد أتم الله تعالى هذا الدين.

{جاء سراقة بن مالك وقد منَّى نفسه بالمائة ناقة، وتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن حدثت الآية العظيمة، وساخت قوائم فرسه، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر بسواري كسرى، يا سراقة أمن أجل الدنيا تأتي} .

فوعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بسواري كسرى، خيال!!! سواري كسرى! من يحلم أن يرى كسرى؟! من كان يطمع من العرب أن يذكر كلمة كسرى؟! وكسرى أين هو؟! شيء فوق الخيال! وهذا الأعرابي يُوعَد به.

وممن يُوعَد به؟!! يوعد به من رجل خرج خائفاً لينجو بنفسه صلوات الله وسلامه عليه، ومعه الصديق، خرجوا خشية أن يقتلهم الذين كفروا أو يثبتوهم، سبحان الله! في هذه الحالة! وهل أمنت على نفسك؟! هذا هو المنطق البشري، منطق الذين يقولون دائماً: الأمر حسابات، واعتبارات وخطط.

أنت الآن تريدني أن أرجع، حتى لا أقبض عليك، وحتى لا أدل قريشاً عليك، وتعدني مع ذلك بسواري كسرى! ولم يقل بعد جيل أو جيلين، انظروا إلى أين يؤدي ضعف الإيمان دائماً والاتكال على الأسباب المادية، وعلى النظرة المادية مهما كان عمق التخطيط، كما يظن، فلله تعالى حكم وسنن أعظم من ذلك كله، وفعلاً: لبس سراقة سواري كسرى.

الله أكبر! وعندما كان صلى الله عليه وسلم يحفر الخندق هو وأصحابه، بشرهم أيضاً بفتح كسرى، وإيوانه.

قال المنافقون: هذا محمد وأصحابه يعجز أحدهم أن يقضي حاجته، ويعدهم بقصور كسرى! انظروا ضعف الإيمان، وضعف الثقة بالله، والنفاق!! ومع ذلك حقق الله سبحانه وتعالى ذلك، كما تعلمون -والحمد لله- وصدق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم وبشارته:{إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل} .

لا تستعجلوا! الكنوز والحضارات التي تبنى، والمليارات التي يملكها الكفار، والذي نفسي بيده إن صدقنا مع الله لتنفقن في سبيل الله! هذه التي جمعت من حرام، أو ربما جمعها الكفار من أموال المسلمين، لا نستعجل:{والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل} ، فيكون الأمر عكس ما أملوا، جمعوها ليقاوموا بها الدين والإسلام، فالله عز وجل يجعلها غنيمة للإسلام والمسلمين.

يستعينون بها على الجهاد في سبيل الله.

لو خرج المسلمون يريدون أن يأكلوها أو يتمتعوا بها ما أُورثوها، ولذلك في هذا الحديث تنبيه للمؤمنين، {لتنفقن كنوزهما في سبيل الله} فإن قاتلنا فلله، وإن غضبنا فلله، وإن دعونا فلله، وإن رضينا فلله، الكل في سبيل الله، لو خرجوا يطلبون الغنائم، والمتاع الدنيوي ما أُعطوا شيئاً، أو لو كانوا عند أول غنيمة، اقتسموها واختصموا فيها، وما الذي وقع في بلاط الشهداء؟ أثقلوا بالغنائم حتى عجزوا عن حملها! وأقول: استعجال المؤمنين أو استبطاؤهم لنصر الله هذا -أيضاً- مما يجب أن يبين بالأدلة وفقه الدعوة الصحيح أنه مخالف لسنة الله سبحانه وتعالى، وإن كان هو حق قال تعالى:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف:110]، نعم يأتي اليأس، ويأتي الشعور بأن الأمر قد فرغ، وأنه لا حيلة بعد ذلك، وربما وقع في القلوب أن النصر قد تأخر ولكن نقول: لا يجوز للإنسان أن يفقد أمله في الله، وأن يستبطئ نصر الله ووعد الله سبحانه وتعالى.

ص: 4