المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الأضرار العامة للمخدرات - الأضرار الناجمة عن تعاطي المسكرات والمخدرات

[عبد الكريم بن صنيتان العمري]

الفصل: ‌ الأضرار العامة للمخدرات

الفصل الثالث:‌

‌ الأضرار العامة للمخدرات

ذكرت فيما سبق أنواع المخدرات، وأضرارها الصحية، ويضاف إلى ما سبق ذكره من الأضرار، أن الإقدام على تعاطي المخدرات وإدمانها يؤدي بالشخص إلى الانسلاخ من أعز ما يملكه الإنسان في هذه الحياة، ألا وهو الدين والفطرة السليمة، لأن الدين هو الثروة الحقيقية التي ينال بها المرء سعادة الدنيا، ونعيم الآخرة، ولقد آلى الشيطان على نفسه أن يبذل ما يستطيع لإضلال الإنسان، وإبعاده عن عبادة ربه، وصرفه عما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة، غير أن الإنسان إذا حافظ على نعمة الإسلام، وحفظها، سلم- بإذن الله تعالى- من إضلال الشيطان وإغوائه، وإن قصر وضيع، وأتبع نفسه هواها، واستسلم لشيطانه، فسيكون لقمة سائغة له، يأتمر بأمره، ويأخذ بمشورته، فتضعف صلة المرء بربه جل وعلا، فيسلك طريق المخدرات، ويقع في شراكها، وبالتالي فإن كل شيء، يهون عليه إذا انخرط في عالم المخدرات، ذلك أنه زائل العقل، فاسد القلب، فاقد الإدراك، فهو يعيش في غيبوبة بعيدا عن واقعه الذي يعيشه منصرفا انصرافا كليا عن

ص: 49

التفكر بمخلوقات الله تعالى، وعن القيام بوظيفته الأساسية التي خلق من أجلها، فتنقطع علاقته بربه بالكلية، فيهجر المساجد، ويضيع الصلوات، ويرتكب المعاصي والمنكرات، ويصبح همه أن يشبع رغبات نفسه الأمارة بالسوء وكثيرا ما يداهم الموت أولئك وهم على تلك الحالة السيئة، فيختم لهم بسوء الخاتمة والعياذ بالله، فيخرج من دنياه دون أن يقدم في حياته عملا صالحا يقربه من ربه جل وعلا يوم القيامة.

كما أن تعاطي المخدرات يؤثر على الحياة الاجتماعية تأثيرا سلبيا، فانشغال المتعاطي بالمخدر، وطريقة الحصول عليه، وإهماله لنفسه، وأهله وعمله، يؤدي ذلك كله إلى اضطرابات شديدة في العلاقات الأسرية، والروابط الاجتماعية1. فكم مزقت المخدرات والمسكرات من علاقات وصلات، وفرقت من أخوة وصداقات، وشتت أسرا وجماعات، وأشعلث أحقادا وعداوات قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} 2، وإن جوا أسريا تنتشر فيه هذه المهلكات لهو جو

1 أضرار المسكرات، للدكتور/ جمال بلال: 22

2 الآية (19) من سورة المائدة.

ص: 50

يسوده القلق والتوتر، ويخيم عليه الشقاء والشقاق، وينتهي أمره إلى الخيبة والخسران والهلاك.

إن من يلقي بنفسه في سموم المسكرات يسهل عليه أن يبذل كل غال ونفيس، ويضحي بكل عزيز. من أجل الوصول إليها، والحصول عليها، حتى ولو كان ذلك من أضيق المسالك، وأخطر الطرق، فقد يسرق أو يختلس، بل ويتخلى عن جميع القيم والأخلاق ليحصل على المادة التي يصل، بها إلى ما يريد، ويسير في هذا المسلك الوعر إلى أن تضعف قواه الجسدية والعقلية، فيصبح غير قادر على العمل، فيكون عالة على أسرته ومجتمعه، وقد ينتهي به الحال إلى الإعاقة الكاملة، أو التشوه بعد أن يفقد كل مميزاته الإنسانية من عقل وخلق، ومقوماته الاجتماعية، من عمل مثمر، أو وظيفة نافعة، أو صناعة رابحة، كما يفقد أهله وعشيرته، وأصدقاءه، وأحبته، وفي ذلك ضياع للفرد الذي هو كيان الأسرة، ولبنة في قيام المجتمع، وإذا فقدت الأسرة كيانها حل بها التمزق، فيصبح بناء المجتمع هشا ضعيفا، لا يستطيع أن يقف أمام العواصف المعادية، والتيارات الوافدة، ويصير فريسة سهلة لأي عدو يتربص به الدوائر1.

1 حكم الشريعة الإسلامية في المسكرات للدكتور/ محمد الوائلي: 30- 31.

ص: 51

أما الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تعاطي المخدرات فهي كبيرة جدا، ذلك أن مدمني المسكرات والمخدرات يشكلون عائقا كبيرا في طريق التنمية والتقدم الاقتصادي، ويخلفون عبثا ثقيلا على عاتق الأمة بما يضيعون من ثروتها الأهلية، وما يجلبونه لها من المآسي1 والنكبات، فلقد أثبتت الدراسات التي قام بها الباحثون المتخصصون أن تعاطي وإدمان المخدرات يؤثران على إنتاجية الفرد في العمل، وذلك من خلال ما يطرأ على الفرد من تغييرات نتيجة للتعاطي أو الإدمان، وأن هذا التأثير يشمل كمَّ الإنتاج وكيفه.

ولما كان إنتاج المجتمع حصيلة مجموع إنتاج اللأفراد، فإنه يتأثر تأثرا مباشرا باعتلال إنتاج الفرد وهبوطه، فضلا عن ما ينفق من الأموال والجهود في سبيل مكافحة المسكرات والمخدرات، ومنع تهريبها وتداولها وتعاطيها، من حيث تخصيص إدارات خاصة بمكافحة المخدرات والقضاء عليها، وما يتبع ذلك من إنفاق الأموال الطائلة عليها، وتكليف الكثير من الكفاءات للعمل بها، وكان يمكن أن توجه تلك الأموال وأن تصرف تلك الجهود إلى

1 حكم الشريعة الإسلامية في المسكرات للدكتور/ محمد الوائلي: 34.

ص: 52

أعمال نافعة، ومهام أخرى، تسهم في توفير كثير من الخدمات الأخرى للمجتمع1.

ولو نظرنا إلى انتشار الجرائم وتفشيها في المجتمعات، لوجدنا أن تعاطي المسكرات والمخدرات يشكل أحد الأسباب الرئيسة في ظهورها، ذلك أن المدمن عادة مايكون فاشلا في مجتمعه، عاجزا عن القيام بأي عمل ينفعه، كما أنه يصبح خاليا من الشعور بالمسؤلمية، لفقده ما يؤهله لذلك من دين أو عقل نتيجة تعاطيه لتلك السموم، ومن كان هذا شأنه فإنه سيقدم على طلب المال، وتحصيله من أي مصدر، وبأي وسيلة، حتى لو استدعى ذلك منه ارتكاب الجرائم بشتى صورها.

كذلك فإن تهريب المسكرات والمخدرات، وترويجها، وتعاطيها، كل ذلك يؤدي إلى تحريك النزعات العدوانية والإجرامية لدى كل من يتعامل معها، فالمهرب لا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم في الحصول عل منفذ لإيصال ما لديه من سموم إلى المكان المقصرد، كما أن المروج لا يتوقف عن إنتاج أسوأ الطرق والوسائل، للوصول إلى فريسته، ولعل تأثيره على

1 انظر المصدرين السابقين، وأثر المخدرات على الأمة، للدكتور أحمد عطية:23.

ص: 53

الأطفال وحديثي السن كبير جدا لما يقدمه لهم من إغراءات، ولعدم وعيهم الكافي عن أضرار المخدرات، وعدم معرفتهم بالشخصية التي ينتحلها ذلك المروج ليوقعهم في وحل التعاطي والإدمان مما قد يضطر أولئك- بعد تناولها والإدمان عليها- إلى ارتكاب جرائم السرقات والسطو للحصول على المال الذي يمكنهم من شرائها والاستمرار على تعاطيها، وفي ذلك زعزعة لأمن واستقرار المجتمع، إضافة إلى إخلال المتعاطي بالأمن العام عند تواجده في الأماكن العامة، كما أن قيادته للسيارة تحت تأثير المخدر يشكل خطرا عليه وعلى الآخرين، كما أن مهربي المخدرات لا يتورعون عن التعاون مع أي جهة حتى لو كانت من الأعداء في سبيل تحقيق أهدافهم ومآربهم، وتحصيل مكاسبهم غير المشروعة1.

إن غرس الإيمان بالله تعالى، واليوم الآخر، وبكتاب الله تعالى، وبرسوله حد في النفوس، هو أساس الصلاح والوقاية من كل فساد وخطر يهدد المجتمع بأسره، فيجب على كل فرد مسلم أئا كان عمله، وفي أي مكان وجد نفسه، أن يغرس ذلك الإيمان في نفوس الأفراد، والأسر، والمجتمعات لتخليص الشعوب الإسلامية من اقتراف المنكرات كلها، وقيامها بطاعة الله تعالى على

1 عوامل تحقيق الأمن الاجتماعي: 46.

ص: 54

كل حال، وهذا هو منطلق مكافحة المسكرات والمخدرات. إن الاسقامة على شرع الله تعالى، ومنهجه القويم، وتعميق روع الإيمان في النفوس، والاستجابة لأوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، والمسارعة إلى تلبية نداء الباري جل وعلا، والتأدب بالأداب الإسلامية الفاضلة والتحلي بلأخلاق الحسنة، والسير على منهج السلف الصالح، والاتصاف بصفات أهل الإيمان، كل ذلك يحفظ المرء المسلم، ويجنبه من الوقوع في أوحال المسكرات والمخدرات، ويحميه من سلوك طريقها، ويمنعه من الاستجابة لدعوات أصحابها فيكفل له السعادة في الدنيا والآخرة، ويفوز بموعود الله تعالى، الذي وعد به عباده المؤمنين المستقيمين، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} 1

1 الآيتان (30) ، (31) من سورة فصلت.

ص: 55