المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جواز استخدام الكلمات الشديدة عند الحاجة - دروس للشيخ مصطفى العدوي - جـ ١٧

[مصطفى العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌أدب التخاطب

- ‌فقه التخاطب مع الناس

- ‌لفت النظر بتكرار الكلمات عند مخاطبة الناس

- ‌إثارة كوامن الخير عند الناس

- ‌ضرورة اجتناب أهل الفحش والبذاءة والجهل ومداراتهم

- ‌جواز التغيير في الألفاظ المعتادة عند التعبير عما في النفس بما يؤدي الغرض

- ‌ضرورة التأدب مع الكبار عند التخاطب معهم

- ‌عدم ذكر مرتكبي الأخطاء بأسمائهم في المجامع الكبرى إلا لضرورة

- ‌ضرورة انتقاء الألفاظ الحسنة عند التخاطب مع الناس

- ‌ضرورة إمعان النظر في الكتاب والسنة للاستفادة من آدابهما

- ‌ضرورة التجاوز عن الزلات عند التخاطب مع الناس

- ‌ضرورة مخاطبة الناس على قدر عقولهم

- ‌ضرورة التواضع والطلاقة عند مخاطبة الناس

- ‌الإتيان بمقدمات واعتذارات بين يدي التخاطب مع الناس عند الحاجة

- ‌ضرورة الإمساك عن الكلام إلا الكلام الحسن

- ‌جواز استخدام الكلمات الشديدة عند الحاجة

- ‌مراقبة الله في الأقوال

- ‌الأسئلة

- ‌خطبة العيدين واحدة بلا جلوس أثنائها

- ‌حكم من أراد أن يكتب لبعض أولاده بشيء من المال

- ‌حكم قراءة القرآن بدون وضوء

- ‌ضعف حديث: من قرأ آيات خواتم الحشر في ليلة

الفصل: ‌جواز استخدام الكلمات الشديدة عند الحاجة

‌جواز استخدام الكلمات الشديدة عند الحاجة

فلا يسعك حينئذ إذا أردت الكلام إلا أن تتكلم بالكلم الطيب، الذي به يرضى الله سبحانه وتعالى عنك، ولكن أحياناً يحتاج الأمر إلى شدة في الألفاظ، وأنت حين تشتدّ ينبغي أن تكون كالطبيب المعالج، فالطبيب الذي يعطي للمريض الإبرة يعلم تمام العلم أن الإبرة تؤلمه وتوجعه، والطبيب الذي يقضي ببتر ساق المريض يعلم أن بتر الساق يؤلم؛ ولكنه لدفع شر أعظم، واتجهوا إلى هذا العلاج إذا لم يكن ثَمّ وسائل أخر تقوم مقامه، ثم يقلع عن هذا النوع من الدواء إذا ارتفع المرض، وكذلك الكلمات، الأصل استعمال الكلم الطيب؛ لقوله تعالى:{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83]، ولقوله تعالى:{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:53]، فهذا الأصل في التعاملات مع الناس وفي التخاطبات معهم، لكن إذا احتاج الأمر منك إلى لفظ لاذع وشديد فبحسبه، يستعمل اللفظ اللاذع والشديد ثم يقلع عنه إذا ارتفع الداء، وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من ذلك، فقال:(من تعزى بعزاء الجاهلية فعضوه بهن أبيه)، وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه ل عروة بن مسعود الثقفي: اذهب فامصص بظر اللات.

إذاً: يجوز استعمال كلمات شديدة في هذا الباب، على ألا تكون ديدناً متبعاً في كل الأحيان، بل عند وجود المرض فقط، إذا كان الذي أمامك لا ينزجر إلا بكلمة شديدة فاشتدّ حينئذ حتى ينزجر ثم ارجع إلى مقامك الأول من حسن الخلق وطيب الكلام.

جاءت غنائم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيها سيفاً، فقال: (نفلنيه يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ضعه.

ثم غلبت سعداً نفسُه، فقال: نفلنيه يا رسول الله! قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ضعه.

ثم غلبته نفسه كذلك، فقال: نفلنيه يا رسول الله! قال: فحد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته، فقال: ضعه من حيث أخذته)، واشتدّ الرسول في اللفظ، وهكذا سلك الخضر مع موسى عليهما السلام لما قال موسى له -وكان قد أخذ عليه العهد ألا يسأله عن شيء إذا أراد اتباعه-:{قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف:71 - 72] ثم لما رجع موسى إلى السؤال مرة ثانية، {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف:74] فاشتدد له الخضر في الكلام، فاستعمل كلمة زائدة عن الكلام الأول {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} [الكهف:75]، فأدخل كلمة (لك) التي تفيد الشدة في اللفظ، فينتقل الأسلوب ويتغير على حسب حال من هو أمامك، إذا احتاج إلى شدة استعملت معه، وإلا رجعنا إلى أصلنا من الكلم الطيب والحديث الحسن العذب.

ص: 16