الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرَّ بعضهم بسكة من السكك فإذا بباب فُتحَ وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه، ودخلت، فذهب الصبي غير بعيد، ثم وقف مفكرًا، فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ولا من يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب، حزينًا، فوجد الباب مرتجًا، فتوسده ووضع خده على عتبة الباب، ونام فخرجت أمه، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه، والتزمته تقبله وتبكي، وتقول: يا ولدي أين تذهب عني؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم أقل لك: لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك، والشفقة عليك، وإرادتي الخير لك؟ ثم أخذته ودخلت.
أخي: «فتأمل قول الأم: لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: «لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها» وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟ ! فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد استدعى منه صرف تلك الرحمة عنه، فإذا تاب إليه فقد استدعى منه ما هو أهله وأولى له». [الإمام ابن القيم].
أخي في الله: غرقنا في بحر الذنوب .. وأخذ الماء بالكَظَم .. ولا منجي ولا ملجأ إلا إلى الرحيم واسع الكرم.
أخي: فها هي التوبة معروضة
.. وما أسهل منالها في سوق مكسودة .. فبادر .. ثم بادر .. والعجل .. العجل .. قبل زوال النعم .. وحلول النِّقَم .. فهنالك لا تقال العثرات .. ولا تستدرك الزلات .. قد حضر الجميع أمام ملك عادل .. وحَكَم فاصل .. ميزانه منصوب .. وقد دنت الكروب .. وجفت القلوب .. فآهٍٍ يومها من
زلات المذنبين! .. وسقطات الخاطئين .. أَتُرى أخي إلى أي فريق أنت من الصائرين؟ ! أإلي الجنان، وخور عين؟ أم إلى النيران، وطعام من غسلين؟ .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم].
أخي: آهٍ .. ثم آهٍ على التوبة النصوح .. ما أعزها وأغلاها في هذا الزمان .. زمان لبس الناس فيه جلود الذئبان، وانتحلوا صورة بني الإنسان.
أخي في الله: أتدري ما هي هذه البضاعة العزيزة .. والسلعة النفيسة؟ ! فاسمع معي في ذلك كلام العارفين .. وتعريف الصالحين .. قالوا: التوبة النصوح: (يذنب العبد ثم يتوب فلا يعود فيه)[عمر بن الخطاب رضي الله عنه].
* التوبة النصوح: (ألا يعود صاحبها لذلك الذنب الذي يتوب منه)[ابن عباس رضي الله عنهما].
* التوبة النصوح: (الرجل يذنب الذنب ثم لا يعود فيه)[ابن مسعود رضي الله عنه].
* التوبة النصوح: (ما تنصحون بها أنفسكم)[سعيد بن المسيب].
* التوبة النصوح: (هي الصادقة الناصحة)[قتادة].
* التوبة النصوح: (يستغفرون ثم لا يعودون)[مجاهد].
* التوبة النصوح: (أن تتحول عن الذنب ثم لا تعود له أبدًا)[الضحاك].
أخي المسلم: أرأيت كيف اجتمعت معانيهم .. وائتلفت مراميهم .. فإنه نور النبوة الهادي .. ومشكاة الحق الحادي.
شَهْد طاب طعمه .. وصفا لونه .. وزكى ريحه ..
أخي: إن من الناس (من لا يوفق لتوبة نصوح بل يُيَسَّرُ له عمل السيئات من أول عمره إلى آخره حتى يموت مصرًا عليها وهذه حالة الأشقياء، وأقبح من ذلك من يُسِرَ له في أول عمره عمل الطاعات، ثم ختم له بعمل سيئ، حتى مات عليه .. )[الإمام ابن رجب].
أخي في الله: (فينبغي للتائب أن يجعل أجله بين عينيه لكي يثبت على التوبة، ويتفكر فيما مضى من ذنوبه، ويكثر الاستغفار ويشكر الله تعالى على ذلك، وعلى ما رزقه من التوبة، ووفقه لذلك، ويتفكر في ثواب يوم القيامة، فإن من تفكر في ثواب الآخرة رغب في الحسنات، ومن تفكر في العقاب انزجر عن السيئات)[نصر بن محمد السمرقندي].
أخي: أتدري ما الذي حجب الناس عن التوبة؟ !
(الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل، وعلامة التائب إسبال الدمعة، وحب الخلوة، والمحاسبة للنفس عند كل همَّة)[يحيى بن معاذ].
وقال بعض الحكماء: (إنما تعرف توبة الرجل في أربعة أشياء:
أحدها: أن يمسك لسانه من الفضول، والغيبة، والكذب.
والثاني: أن لا يرى لأحد في قلبه حسدًا ولا عداوة.
والثالث: أن يفارق أصحاب السوء.
والرابع: أن يكون مستعدًا للموت، نادمًا، مستغفرًا لما سلف.