المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل يجب التتابع في قضاء كل من الأيام التي أفطرها في سفره - رخصة الفطر في سفر رمضان وما يترتب عليها من الآثار - جـ ٥٨

[أحمد علي طه ريان]

الفصل: ‌هل يجب التتابع في قضاء كل من الأيام التي أفطرها في سفره

لكن ما قاله صاحب التحفة عن موقف النسائي من هذا الحديث؟ يحتاج إل وقفة: فقد أورد النسائي أربع روايات متصلة مرفوعة عن ابن عمر عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أورد له ست روايات عن ابن عمر عن حفصة ، ثم رواية عن حفصة وعائشة برواية ابن شهاب عنهما ثم أورد له روايتين عن ابن عمر1 فلا أدري لماذا اختار أن يعبر عن موقف النسائي من الحديث: بأنه اختار صحة الوقف على ابن عمر مع كل هذه الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن حفصة؟

وقال الترمذي تعليقاً على الحديث السابق ، وإنما معنى هذا عند بعض أهل العلم لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر في رمضان ، أو في صيام نذر ، إذا لم ينوه من الليل لم يجزه 2.

لذلك كله أقول: إن المختار: هو رأي هذا الفريق الذي يرى ضرورة إجماع النية على الصيام من طلوع الفجر ، فإذا ما وصل المسافر بعد طلوع الفجر إلى دار الإقامة فلا يجب عليه الإمساك بقية يومه ، بل له ان يستمر مفطرا حنى انتهاء هذا اليوم الذي وصل فيه ، كما أن له إن يفطر على ما شاء مما أحله الله له والله أعلم.

بيان الآثار المترتبة على الأخذ بهذه الرخصة:

اتفق أهل العلم على أن المسافر إذا اجتمعت لديه شروط الأخذ بالرخصة - حسب ما بيناه سابقا - وأفطر تبعا ، فإنه يجب عليه قضاء الأيام التي أفطر فيها ، إلا أنهم اختلفوا في عدد من المسائل المتعلقة بذلك

وفيما يلي بيان بأهم المسائل المختلف فيها وآرائهم حولها ومستند كل رأي ، بيان مدى قربه أو بعده من السنة المطهرة. ونعقد لذلك عدداً من المطالب نبدؤها بالمطلب الأول فنقول:

1 سنن النسائي ج 4 ص 196 ، 197 ، 189.

2 سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي ج 3 ص 427.

ص: 129

‌هل يجب التتابع في قضاء كل من الأيام التي أفطرها في سفره

هل يجب التتابع في قضاء الأيام الني أفطرها في سفره:

اختلف أهل العلم في وجوب التتابع في قضاء الأيام التي أفطرها المسلم أثناء سفره عملا بالرخصة. على فريقين:

ص: 129

الفريق الأول: يرى وجوب التتابع في القضاء. وقد حكى هذا الرأي ، عن ابن عمر وعائشة والحسن البصري وعروة ابن الزبير والنخعي وداود الظاهري..

وقد نقل عن داود قوله: هو - أي التتابع - واجب غير شرط ، بمعنى أن تاركه يأثم لكن مع ذلك يعتد بما صامه شرعا 1..

وأهم الأدلة التي استدل بها لهذا الفريق ما يلي:

1-

عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه"2.

وقد نوقش هذا الاستدلال ، بما نقله البيهقي عن يحيى بن معين والنسائي والدارقطني من تضعيفهم لعبد الرحمن بن إبراهيم أحد رجال هذا الحديث 3..

وقد رد على هذه المناقشة بما نقل عن بعض أصحاب الحديث من توثيقهم لعبد الرحمن هذا ، فقد وثقه البخاري في تاريخه كما وثقه ابن معين. ونقل عن أحمد بن حنبل ، أنه قال: لا بأس به ، وقال أبو زرعة: لا بأس به أحاديث مستقيمة ، وعن الدارقطني ، أنه وثقه في هذا الحديث وقال ابن عدي: لم يتبين في حديثه ورواياته حديث منكر فأذكره به ، وقال ابن القطان: هو مختلف فيه والحديث من روايته حسن4. وأخيراً قال فيه الحافظ ابن حجر: ثقة حافظ متقن 5.

2-

عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: نزلت {فعدة من أيام أخر متتابعات} فسقطت متتابعات 6..

فهذا اللفظ (متتابعات) الذي نزل متعلقا بأيام أخر يوضح الحالة التي ينبغي أن يكون عليها قضاء هذه الأيام الأخر وهي: أن يكون القضاء متتابعا..

1 السنن الكبرى ج 4 ص 259. المجموع ج 6 ص 158.

2 السنن الكبرى ج 4 ص 259.

3 السنن الكبرى ج 4 ص 259.

4 الجوهر النقي ج 4 ص 259 على هامش السنن الكبرى.

5 تقريب التهذيب ج 1 ص 471 دار المعرفة - بيروت.

6 السنن الكبرى ج 4 ص 258.

ص: 130

ولكن يناقش هذا الاستدلال بأن السند الذي روى به هذا القول عن عائشة رضي الله عنها ، وهو عبد الرزاق ، عن ابن جريح ، عن ابن شهاب ، وعن عروة ، روى به أيضا تأويل قولها "سقطت ": بأنها تريد: نسخت. لا يصح له تأويل وغير ذلك.1

ويرد على هذه المناقشة ، بأن النسخ قد يكون نسخا للتلاوة مع بقاء الحكم ، وقد يكون النسخ للتلاوة والحكم معا ، وليس في هذه الرواية ما يدل على إرادة أحد هذين الأمرين.

3-

ما روى من قول علي رضي الله عنه: من أن " قضاء رمضان متتابعا"2.

ويناقش هذا ، بأنه من رواية الحارث الأعور ، وهو ضعيف بل وروى عن طريقه أيضاً عن علي رضي الله عنه" أنه كان لا يرى به متفرقا بأسا "3.

4-

مشابهة القضاء للأداء: أي بما أن الأداء لا يصح الا متتابعا ، فالقضاء كذلك ، إذ لا فرق بين الأداء والقضاء ، كما هو في قضاء الصلاة..

ويناقش هذا الاستدلال ، بالفرق بين الأمر الصادر من المشروع بالأداء وبين الأمر الصادر بالقضاء ، حيث جاء الأمر بالأداء مقرونا ببيان تحديد الوقت الذي يجب فيه الصيام تحديدا واضحا. قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} .

أما الأمر الصادر بالقضاء فقد جاء بصيغة النكرة الواقعة في سياق الإثبات قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . وهذه الأيام الأخر مطلقة.فيجوز القضاء في أي وقت مفرقا أو متتابعا..

كما أنه يفارق الصلاة؟ لأن الصلاة ملاحظ فيها دائما ، في الأداء والقضاء قوله صلى الله عليه وسلم:" صلوا كما رأيتموني أصلي ".

كما أن الصلاة إذا تركها المرء عددا قليلا من الأوقات كخمس أوقات فأقل فكثير من الفقهاء يوجب الترتيب بينها ، أما أكثر من ذلك فلا ، وهذا موضع مختلف فيه بين الفقهاء.

1 السنن الكبرى ج 4 ص 258.

2 السنن الكبرى ج 4 ص 259.

3 السنن الكبرى ج 4 ص 260.

ص: 131

الفريق الثاني:

نقل عدم وجود التتابع عن عدد كبير من الصحابة والتابعين والفقهاء ، منهم علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وابن عباس وأنس وأبة هريرة والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور.1

أهم الأدلة التي استدل بها لهذا الفريق ما يلي:

1-

قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .

وقد أوضحنا وجه الدلالة من هذه الآية قريبا ويتخلص في: أن الله سبحانه وتعالى قد أمر بقضاء أيام الفطر بسبب المرض والسفر في أيام أخر بعد انتهاء رمضان دون قيد..

ويرد على هذا الاستدلال ، بما جاء من قول عائشة رضي الله عنها السابق من أن هذه الاية كانت (فعدة من أيام أخر متتابعات) فسقط لفظ متتابعات..

ويجاب ، بأن السقوط ، قد فسر بالنسخ ، والنسخ محتمل لنسخ الحكم والتلاوة معا ولنسخ التلاوة دون الحكم ، ومعلوم أن الدليل إذا تطرق غليه الاحتمال سقط به الاستدلال.

وعل ذلك فبقيت الآية محكمة ، وقد فهمها الصحابة على هذا النحو:

أ – فقد سئل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه عن قضاء رمضان ، فقال: إن الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه فأحصى العدة واصنع ما شئت 2..

ب - وسئل معاذ بن جبل رضي الله عنه عن قضاء رمضان ، فقال: أحصي العدة وصم كيف شئت. وقد نقل مثل هذا القول وبهذا اللفظ عن ابن محيريز 3..

ج - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: يقضيه متفرقا ، فإن الله قال:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 4.

د - وعن أنس بن مالك ، أنه كان لا يرى به بأسا ويقول: إنما قال الله {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 5 ونقل مثل هذا القول عن ابن عباس 6..

1 المغني ج 3 ص 158 والزرقاني علي خليل ج 2 ص 215 وفتح القدير ج 2ص 354. والمجموع ج 6 ص 326.

2 السنن الكبرى ج 4 ص 258.

3 السنن الكبرى ج 4 ص 258 ج 4 ص 244.

4 السنن الكبرى ج 4 ص 258 والمصنف ج 4 ص 243.

5 السنن الكبرى ج 4 ص 258 والمصنف ج 4 ص 243.

6 صحيح البخاري ج 11 ص 53 مع عمدة القارىء.

ص: 132