المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل يجب الإطعام على من فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر - رخصة الفطر في سفر رمضان وما يترتب عليها من الآثار - جـ ٥٨

[أحمد علي طه ريان]

الفصل: ‌هل يجب الإطعام على من فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر

خلال شهر رمضان. ولما وجد كثرة النصوص التي تثبت صيام النبي صلى الله عليه وسلم وصيام أصحابه ، قام بثنى عنان كل هذه النصوص ،على أن الصيام الثابت فيها لم يكن عن رمضان الحاضر ، بل كان عن غيره ، من نذر أو تطوع أو قضائه لرمضان السابق وهكذا. غفر الله لنا وله..

ص: 135

‌هل يجب الإطعام على من فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر

؟

أكثر أهل العلم على أن المسافر الذي أخذ بالرخصة فأفطر في سفره خلال شهر رمضان - كله أو بعضه - ثم استمر في سفره - أو شغل عنه بمرض ونحوه من الأعذار القاهرة - حتى أدركه رمضان الثاني ، فإنه لا يجب عليه الإطعام وإنما يلزمه بعد انتهاء سفره أو الشفاء من مرضه أن يقضي رمضان السابق ثم التالي له بالترتيب.

وقد نقل هذا الرأي عن طاوس والحسن البصري والنخعي وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي ومالك وإسحاق وأحمد وأبي حنيفة والمزني ودواد

وقد اختار هذا الرأي البيهقي واستدل له بقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 1..

وقد حكى عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير وقتادة ، أن مثل هذا الشخص: يصوم رمضان الحاضر عن الحاضر ويفي عن الغائب بإطعام كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه 2.

ولم أجد مستندا لهذا القول. وعموم قوله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يرد عليه: إذ عموم الآية يوجب القضاء في أيام أخر ولم يعين وقتاً لهذه الأيام الأخر فهي تشمل العمر كله

أما من أقام بعد انتهاء سفره ولم يقض الأيام التي أفطرها خلال سفره حتى أدركه رمضان الآخر ، فجمهور الفقهاء على أنه يجب عليه حينما يقضي هذه الأيام - من رمضان السابق - أن يطعم مع كل يوم مسكينا وقد قال بذلك: ابن عباس وأبو هريرة وعطاء بن أبي رباح والقاسم بن محمد والزهري والأوزاعي ومالك والثوري وأحمد وإسحاق إلا أن الثوري: قال بوجوب مدين عن كل يوم. وقد نقلت بذلك نصوص كثيرة من الصحابة والتابعين في المصنف والسنن الكبرى 3..

1 السنن الكبرى ج 4 ص 253. المجموع ج 6 ص 336 والمصنف ج 4 ص 234 ص 236. الزرقاني على مختصر خليل ج 2 ص 216.

2 المجموع ج 6 ص 336. والمصنف ج 4 ص 235.

3 المجموع ج 6 ص 336. الزرقاني عن خليل ج 2 ص 216. والمصنف ج 4 ص 234 ، 236 ، 237. والسنن الكبرى ج 4 ص 253.

ص: 135

والحكمة من قول وجوب الإطعام؟ أن مثل هذا الشخص يعتبر مفرطا في القضاء في الأيام التي يجب عليه القضاء فيها والتي تنتهي بنهاية شهر شعبان التالي له أو هي ما بين الرمضانين ، لذلك استحق أن يجازي بإطعام كل يوم مسكينا مع القضاء بالصيام

ويرى الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة والمزني وداود: أن عليه القضاء بالصيام فقط ولا فدية عليه 1.. وقد نقل عن داود قوله في هذا الصدد: من أوجب الفدية على كل من أخر ليس معه حجة من كتاب ولا سنة ولا إجماع 2.

وهو كما قال: إلا أنه يقال أيضاً: أن من نفى وجوب الفدية عليه ليس له مستند من كتاب أو سنة أو إجماع؟.

أما العموم المستفاد من قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فهو يفيد جواز القضاء في أي أيام أخر قبل رمضان التالي أو بعده ليس إلا. أما الطعام فهو أمر زائد على القضاء فلا تثنيه الآية ولا تنفيه..

وإذا تساوى القولان من هذه الناحية؟ فإنه ينظر إلى الآثار المروية عن الصحابة رضي الله عنهم، إذ هم قريبو العهد بالتنزيل وأدرى بمواقع النصوص. فقد روى البيهقي بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في رجل أدركه رمضان وعليه رمضان آخر؟ قال يصوم هذا ويطعم عن ذاك كل يوم مسكينا ويقضيه..

كما روى أيضا بسنده إلى أبي هريرة: أنه قال: في رجل تتابع عليه رمضانان ففرط فيما بينهما ، يصوم الذي حضر ويقضي الآخر ويطعم لكل يوم مسكينا 3

والواقع أن الموقف الذي اتخذه جمهور الفقهاء هنا بالتفرقة بين شخصين: أحدهما شغل عن القضاء بالسفر أو المرض حتى أدركه رمضان الآخر فجعلوه معذورا يكتفي منه بالقضاء فقط. والآخر الذي كانت لديه فسحة من الوقت ولم ينتهزها وفرط في القضاء ولم يهتم بالإسراع لأداء الواجب الذي شغلت به ذمته حتى وافاه رمضان الآخر ، فأوجبه عليه الإطعام مع القضاء لرمضان الأول. هذا الموقف يتفق مع النصوص الشرعية ولا يتعارض معها ، وهو وإن لم يكن فيه نص صريح في الموضوع لكن نصوص الشريعة متوافرة في التفرقة بين المحسن

1 صحيح البخاري ج 11 ص 54 مع عمدة القارىء. المجموع ج 6 ص 336. فتح القدير ج 2 ص 354. السنن الكبرى ج 4 ص 253.

2 الجوهر النقي مع السنن الكبرى ج 4 ص 252.

3 السنن الكبرى ج 4 ص 253.

ص: 136