الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قضية ولا أبا بكر لها.
إنها قضية العالم الإسلامي الكبرى، إنها مشكلة الأُمَّةِ الإسلامية الكبرى، رِدَّةٌ تنتشر وتغزو المجتمع الإسلامي ثم لا ينتبه لها أحد، ولا يفزع لها العلماء ورجال الدين، لقد قالو قديمًا:«قَضِيَّةٌ وَلَا أَبَا حَسَنٍ لَهَا» وأقول: «قَضِيَّةٌ وَلَا أَبَا بَكْرٍ لَهَا» .
إنها قضية لا تطلب حربًا ولا تطلب تهييج الرأي العام، ولا تطلب ثورة، ولا تطلب عُنْفًا، بل إن العنف يضرها وَيُهَيِّجُهَا، والإسلام لا يعرف محاكم التفتيش ولا يعرف الاضطهاد، إنها تطلب عزمًا وتطلب حكمة وتطلب صبرًا واحتمالاً وتطلب دراسة.
سِرُّ انْتِشَارِ هَذِِهِ الدِّيَانَةِ:
لماذا انتشرت هذه الديانة في الشرق الإسلامي؟
لماذا استطاعت أن تغزو المسلمين في عُقْرِ دارهم؟
ولماذا استطاعت أن تسيطر على العقول والنفوس هذه السيطرة القوية؟. إن كل ذلك يطلب التفكير العميق
الدقيق .. والدراسة الواسعة.
ضعف العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر المسيحي في الدعوة والعقيدة والعقلية والعلم وبدا عليه الإعياء والشيخوخة، والإسلام لا يعرف الشيخوخة والهرم، إنه جديد كالشمس وقديم كالشمس وشاب كالشمس ولكن المسلمين هم الذين شاخوا وضعفوا، فلا سعة في العلم ولا ابتكار في التفكير والانتاج، ولا عبقرية في العقل، ولا حماسة في الدعوة، ولا عرضًا جميلاً ومؤثرًا للإسلام ومزاياه ورسالته إلا النادر القليل.
ولا صلة بالشباب المثقف والتأثير في عقليتهم وهم أمة الغد والجيل المُرْتَجَى، ولا محاولة لاقناعهم بأن الإسلام هو دين الإنسانية والرسالة الخالدة، وأن القرآن هو الكتاب المعجز الخالد الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنفذ ذخائره ولا تَبْلَى جدته، وأن الرسول هو المعجزة الكبرى، ورسول الأجيال كلها وإمام العهود كلها، وأن الشريعة الإسلامية هي الآية في التشريع وهي الصالحة لمسايرة الحياة وقضاء مآربها الصالحة والإشراف عليها، وأن الإيمان والعقيدة والأخلاق والقيم الروحية هي أساس المدنية الفاضلة والمجتمع الكريم، وإن الحضارة الجديدة لا تملك إلا الوسائل والآلات، وإن تعاليم الأنبياء
هي مصادر العقيدة والخُلُقِ والغايات، ولا مطمع في المدنية الصالحة المتزنة إلا بالجمع بين الوسائل والغايات.
وفي هذه الساعة هجمت أوروبا بفلسفاتها التي تعب في تدوينها وتهذيبها كبار الفلاسفة ونوابغ العصر، وصبغوها بصبغة علمية فلسفية يخيل إلى الناظر أنها غاية ما يصل إليها التفكير الإنساني ومنتهى الدراسات والاختيارات ونتاج العقول البشرية وعصارة التأملات وكان فيها ما يقوم على الاختبار والمشاهدة وتصدقه التجربة، وما يقوم على الافتراض والتحكم والتخييل والتوهم، وفيها الحق والباطل والعلم والجهل والحقائق الراهنة والتخيلات الشعرية، وليس الشعر محصورًا في النظم والقوافي بل هو في الفلسفة والعلم أيضًا.
ووردت هذه الفلسفات مع الفاتحين الأوروبيين فخضعت لها العقول والنفوس البشرية وأذعنت لها وقبلتها الطبقة المثقفة في الشرق وفيها من يفهمها وهو القلة القليلة وفيها من لا يفهمها وهم الكثرة الكاثرة ولكن كل مؤمن بها مسحور بسحرها يرى الطرفة والكياسة في اعتقادها ويرى ذلك شعار المثقفين الأحرار.
وهكذا انتشر الإلحاد والارتداد في الأوساط الإسلامية من