المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من يقبل منه الجرح والتعديل - ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر

[مقبل بن هادي الوادعي]

الفصل: ‌من يقبل منه الجرح والتعديل

‌من يقبل منه الجرح والتعديل

قال الله سبحانه وتعالى: ياأيّها الّذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (1).

وقال سبحانه وتعالى: وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم (2).

وقال سبحانه وتعالى: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (3).

وقال سبحانه وتعالى: ياأيّها الّذين ءامنوا إنّ كثيرًا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل الله (4).

وقال سبحانه وتعالى: فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله

(1) سورة الحجرات، الآية:6.

(2)

سورة النساء، الآية:83.

(3)

سورة البقرة، الآية:75.

(4)

سورة التوبة، الآية:24.

ص: 59

يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلاّ الحقّ ودرسوا ما فيه والدّار الآخرة خير للّذين يتّقون أفلا تعقلون (1).

وقال تعالى: واتل عليهم نبأ الّذي ءاتيناه ءاياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشّيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنّه أخلد إلى الأرض واتّبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الّذين كذّبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلّهم يتفكّرون (2).

وقال تعالى: مثل الّذين حمّلوا التّوراة ثمّ لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا بئس مثل القوم الّذين كذّبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظّالمين (3).

وفى "مسند الإمام أحمد" برقم (143) بتحقيق أحمد شاكر من حديث عمر، والبزاركما في "كشف الأستار" (ج1 ص97) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّ أخْوف ما أخاف على أمّتي كلّ منافق عليم اللّسان))، أو بهذا المعنى.

وقال اللكنوى رحمه الله فى "الرفع والتكميل" ص (52): إيقاظ: في شرط الجارح والمعدل.

يشترط في الجارح والمعدل: العلم والتقوى والورع والصدق والتجنب عن التعصب ومعرفة أسباب الجرح والتزكية، ومن ليس كذلك لا يقبل منه

(1) سورة الأعراف، الآية:169.

(2)

سورة الأعراف، الآية:176.

(3)

سورة الجمعة، الآية:5.

ص: 60

الجرح ولا التزكية.

قال التاج السبكي: من لا يكون عالمًا بأسبابهما -أي الجرح والتعديل- لا يقبلان منه لا بإطلاق ولا بتقييد. انتهى.

وقال البدر بن جماعة: من لا يكون عالمًا بالأسباب، لا يقبل منه جرح ولا تعديل لا بإطلاق ولا بالتقييد. انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر فى "شرح نخبته": إن صدر الجرح من غير عارف بأسبابه لم يعتبر به. وقال أيضًا: تقبل التزكية من عارف بأسبابها لا من غير عارف، وينبغى أن لا يقبل الجرح إلا من عدل متيّقظ. انتهى.

وقال الذهبى فى ترجمة (أبي بكر الصديق) من كتابه "تذكرة الحفاظ": حق على المحدث أن يتورع فيما يؤديه وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته، ولا سبيل الى أن يصير العارف الذى يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذًا إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى العلماء والإتقان وإلا تفعل:

فدع عنك الكتابة لست منها

ولوسودت وجهك بالمداد

فإن آنست من نفسك فهمًا وصدقًا ودينًا وورعًا، وإلا فلا تفعل، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب، فبالله لا تتعب، وإن عرفت أنك مخلّط مخبّط مهمل لحدود الله فأرحنا منك. انتهى.

وقال الحافظ الذهبي فى ترجمة علي بن عبد الله بن المديني (ج3 ص140) ردًا على العقيلي حيث ذكر ابن المديني فى "الضعفاء" وقد بدت منه هفوة (يعني القول بخلق القرآن) ثم قال الإمام الذهبي: وهذا أبوعبد الله

ص: 61

البخاري وناهيك به، وقد شحن "صحيحه" بحديث علي بن المديني، وقال: ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن المديني، ولو تركت (1)

حديث علي وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق، وعثمان بن أبى شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان، وأبان العطار، وإسرائيل، وأزهر السمان، وبهز ابن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبد الحميد، لغلقنا الباب وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجال، أفما لك عقل ياعقيلي، أتدرى فيمن تتكلم وإنما تبعناك فى ذكر هذا النمط لنذب عنهم ولنزيّف ما قيل فيهم: كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم فى كتابك، فهذا مما لا يرتاب فيه محدث، وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذى ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له وأكمل لرتبته، وأدل على اعتنائه بعلم الأثر وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه فى الشيء، فيعرف ذلك، فانظر أول شيء إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلمالكبار والصغار ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة، فيقال له: هذا الحديث لا يتابع عليه، وكذلك التابعون كل واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم، وما الغرض هذا، فإن هذا مقرر على ما ينبغي فى علم الحديث، وإن تفرد الثقة المتقن يعد صحيحًا غريبًا، وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرًا، وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظًا أو إسنادًا يصيّره متروك الحديث، ثم كل أحد فيه بدعة أو له هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من

(1) كذا، والظاهر: ولو ترك ..

ص: 62

شرط الثقة أن يكون معصومًا من الخطايا والخطأ، ولكن فائدة ذكْرنا كثيرًا من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة، أو لهم أوهام يسيرة فى سعة علمهم، أن يعرف أن غيرهم أرجح منهم وأوثق إذا عارضهم أو خالفهم، فزن الأشياء بالعدل والورع.

وأما علي بن المدينى فإليه المنتهى فى معرفة علل الحديث النبوي مع كمال المعرفة بنقد الرجال وسعة الحفظ والتبحر في هذا الشأن، بل لعله فرد زمانه في معناه. وقد أدرك حماد بن زيد وصنف التصانيف وهو تلميذ يحيى ابن سعيد القطان، ويقال: لابن المديني نحو مائتي مصنف. اهـ

وقال الإمام الذهبي رحمه الله فى ترجمة موسى بن إسماعيل أبوسلمة التبوذكي المنقري: قلت: لم أذكر أبا سلمة للين فيه، ولكن لقول ابن خراش فيه: صدوق وتكلّم الناس فيه. قلت: نعم تكلموا فيه بأنه ثقة ثبت يارافضي. اهـ

وقال الحافظ الذهبي أيضًا فى ترجمة أبان بن إسحاق المدني: قال ابن معين وغيره: ليس به بأس، وقال أبوالفتح الأزدي: متروك. قلت: لا يترك فقد وثقه أحمد والعجلي، وأبوالفتح يسرف فى الجرح وله مصنف كبير إلى الغاية فى المجروحين جمع فأوعى، وجرح خلقًا بنفسه لم يسبقه أحد إلى التكلّم فيهم، وهو المتكلم فيه وسأذكره في المحمدين. اهـ

وهكذا التصحيح والتضعيف لا يقبلان إلا ممن توفّرت فيه هذه الشروط التي ذكرها الإمام الذهبي واللكنوي، وزيادة معرفة المصطلح، ومن أهمه معرفة المعل والشاذ، وهكذا أيضًا علم الرجال، ويبنغى أن يعلم المصحح والمضعف أنه إذا لم يتحرّ فهو بتصحيح الموضوع وما لا أصل له يدخل في

ص: 63

شرع الله ما ليس منه، وبتضعيفه الصحيح بالهوى يبطل شرع الله، وكلا الأمرين من أكبر الكبائر، قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفْتروا على الله الكذب (1).

وقال سبحانه وتعالى: قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون (2).

وقال سبحانه وتعالى: فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (3).

ومن علامة أصحاب الأهواء وأصحاب البدع، أنّهم يصحّحون الحديث إذا كان موافقًا لأهوائهم، ويضعفونه إذا كان مخالفًا لأهوائهم، وقد قرأت كثيرًا في كتب الشيعة وفي "كشاف" الزمخشري فوجدت هذا بخلاف أهل السنة، فإنّهم يحكمون على الحديث بما تقتضيه الصناعة الحديثية، فرب حديث يكون مندرجًا تحت أصل ولا يمنعهم هذا من أن من أن يحكموا على الحديث بأنه ضعيف أو موضوع، وربّ راو يكون رأسًا في السنة فلا يمنعهم هذا من القول بتضعيفه إذا كان ضعيفًا، فرحمهم الله وجزاهم الله خيرًا على نصحهم وإنصافهم واتباعهم الحق أينما وجدوه.

(1) سورة النحل، الآية:116.

(2)

سورة الأعراف، الآية:33.

(3)

سورة النساء، الآية:65.

ص: 64