المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بعض أدلة الجرح والتعديل - ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر

[مقبل بن هادي الوادعي]

الفصل: ‌بعض أدلة الجرح والتعديل

‌بعض أدلة الجرح والتعديل

الناس يستغربون في هذا الزمن إذا رأوا في كتبنا انتقاد بعض أهل العلم، ذلك لأنّهم جهلوا فنًا عظيمًا ألا وهو علم الجرح والتعديل الذي قام به علماؤنا الأقدمون رحمهم الله، المتبعون لكتاب ربّهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والجرح هو الذي يستغربون، وأما التعديل عندهم فليس له حد، يطلقون تلك الألقاب الضخمة التي ما كان سلفنا رحمهم الله يطلقونها، وأنا ذاكر لك بعض أدلة الجرح لأنه المستنكر عندهم كما قال تعالى: بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه (1)، وقال تعالى: وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم (2).

وأنا أسألك أيها المعترض، أعلي الطنطاوي خير أم أبوحاتم الرازي؟ والجواب معروف، أن أباحاتم الرازي إمام متفق على جلالته، إمام من أئمة الجرح والتعديل، وعلي الطنطاوي لا يساوي كلامه فلسًا، بل لا يساوي هو بعرةً، عرفته بالحرم المكي، وهو فاسق حالق اللحية لا يتقيّد بدليل، لا أكثر الله في علماء المسلمين من أمثاله.

(1) سورة يونس، الآية:39.

(2)

سورة الأحقاف، الآية:11.

ص: 65

وهكذا لابد لأهل السنة من أن يتميّزوا من هذا المجتمع الجاهلي، ولست أعني أنه كافر، ولكن لابد لهم من بيان أحوال الفسقة الذين يلبسون الحق بالباطل، ويفتن بهم المجتمع فيظن أنّهم من أهل العلم، وهم مفتونون فاتنون، وإليك بعض الأدلة على جواز جرح من يستحق الجرح:

1 -

عن أنس رضى الله عنه عن النبيصلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إنّ الله حجب التّوبة عن كلّ صاحب بدعة حتّى يدع بدعته)). رواه ابن أبي عاصم.

في هذا الحديث جرح أصحاب البدع.

2 -

عن سلمة بن عمرو بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشماله فقال: ((كلْ بيمينك)) قال: لا أسْتطيع. قال: ((لا استطعت ما منعه إلاّ الكبر)) قال: فما رفعها إلى فيه. رواه مسلم.

3 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب بطنها وهي حامل، فقتلت ولدها الّذي في بطنها، فاختصموا إلى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقضى أنّ دية ما في بطنها غرّة عبد أو أمة، فقال وليّ المرأة الّتي غرمت: كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهلّ، فمثل ذلك يطلّ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((إنّما هذا من إخوان الكهّان)). متفق عليه. زاد مسلم: من أجْل سجعه الّذى سجع.

4 -

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنّ امرأةً قتلت ضرّتها بعمود فسطاط، فأتي فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقضى على عاقلتها بالدّية وكانت حاملاً، فقضى في الجنين بغرّة، فقال بعض عصبتها: أندي من لا طعم ولا شرب ولا صاح فاستهلّ، ومثل ذلك يطلّ، قال: فقال: سجع كسجع

ص: 66

الأعراب)). رواه مسلم.

5 -

عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في مرضه: ((مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس))، قالت عائشة: فقلت: إنّ أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع النّاس من البكاء، فمر عمر فليصلّ بالنّاس، فقال:((مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس))، فقالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي له إنّ أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع النّاس من البكاء، فمر عمر فليصلّ بالنّاس، ففعلت حفصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((إنّكنّ لانتنّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس)) فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرًا. متفق عليه.

6 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسألون عن عبادة النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فأصلّي اللّيل أبدًا. وقال الآخر: وأنا أصوم الدّهر ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((أنتم الّذين قلتم كذا وكذا، أما والله إنّي لاخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي)). متفق عليه.

7 -

عن ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((هلك المتنطّعون)). قالها ثلاثًا. رواه مسلم.

في "النهاية" في مادة (نطع): هم المتعمّقون المغالون في الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم، مأخوذ من النطع، وهو الغار الأعلى من الفم، ثم استعمل

ص: 67

في كل تعمق قولاً وفعلاً. اهـ

في هذه الأحاديث جرح لمن ترك السنن وأقبل على البدع والأهواء.

8 -

عن المعرور بن سويد قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال: إنّي ساببت رجلاً فعيّرته بأمّه، فقال لي النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((يا أبا ذرّ أعيّرته بأمّه، إنّك امرؤ فيك جاهليّة، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم)). متفق عليه.

9 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلّي مع النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمّ يأتي قومه فيصلّي بهم الصّلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوّز رجل فصلّى صلاةً خفيفةً، فبلغ ذلك معاذًا، فقال: إنّه منافق، فبلغ ذلك الرّجل، فأتى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله إنّا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي نواضحنا، وإنّ معاذًا صلّى بنا البارحة فقرأ الْبقرة، فتجوّزت، فزعم أنّي منافق، فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((يا معاذ أفتّان أنت؟ ثلاثًا، اقرأ: والشّمْس وضحاها وسبّح اسم ربّك الأعلى، ونحوها)). متفق عليه.

وهذا فى حق هذين الصحابيّين الجليلين ومن شابههما المراد به الأدب لا التجريح، وإنما ذكرنا هذا ليدل على جواز إطلاق مثل هذا على من يحتاج إلى تأديب.

10 -

وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنّ رجلاً خطب عند النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال

ص: 68

رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله)). رواه مسلم.

11 -

وعن بريدة رضي الله عنه أنّ رجلاً نشد في المسجد فقال: ((من دعا إلى الجمل الأحمر فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا وجدْت، إنّما بنيت المساجد لما بنيتْ له)). رواه مسلم.

12 -

وعن جابر رضى الله عنه أنّ عبْدًا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشْكو حاطبًا، فقال: يارسول الله ليدخلنّ حاطب النّار، فقال رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((كذبت لا يدخلها، فإنّه شهد بدْرًا والحديبية)). رواه مسلم.

13 -

عن أنس رضي الله عنه قال: مرّوا بجنازة فأثْنوا عليها خيرًا، فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((وجبتْ)) ثمّ مرّوا بأخرى فأثْنوا عليها شرًّا، فقال:((وجبتْ)) فقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: ما وجبتْ؟ قال: ((هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنّة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا فوجبت له النّار، أنتم شهداء الله في الأرض)). متفق عليه.

14 -

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال:((لا)) فقلت: فالشّطر يا رسول الله؟ فقال: ((لا)) قلت: فالثلث يا رسول الله؟ قال: ((الثّلث، والثّلث كثير أو كبير، إنّك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالةً يتكفّفون النّاس، وإنّك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتّى ما تجعل في في امرأتك)) فقلت: يا رسول الله أخلّف بعد أصحابي؟ قال: ((إنّك لن تخلّف فتعمل عملاً تبتغي

ص: 69

به وجه الله إلا ازددت به درجةً ورفعةً، ولعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون، اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة)) يرثي له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن مات بمكّة. متفق عليه.

15 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال له في شأن الشّيطان: ((أما إنّه قد صدقك وهو كذوب)). رواه البخاري.

16 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لا تقوم السّاعة حتّى يبعث دجّالون كذّابون قريب من ثلاثين كلّهم يزعم أنّه رسول الله)). متفق عليه واللفظ لمسلم.

17 -

وعن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((إنّ بيْن يدي السّاعة كذّابين)). رواه مسلم.

ففي هذه الأدلة دليل على الجرح، وأما أدلة التعديل فأكثر من أن تحصى ولم ينازع فيها العصريون فلم نوردها، وإن كان إيرادها يقوى أدلة الجرح ويثبتها على أن أدلة الجرح كافية. والحمد لله.

وقد ذكرت جملة من أدلة الجرح والتعديل في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين"، وفي "نشر الصحيفة في كلام أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة".

ص: 70