الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وإذا كان السفر المشروع لقصد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه دخلت زيارة القبر تبعاً لأنها غير مقصودة استقلالاً
، وحينئذ فالزيارة مشروعة مجمع على استحبابها بشرط عدم فعل محذور عند القبر، كما تقدم عن مالك.
وما حكاه الغزالي رحمه الله ومن وافقه من متأخري الفقهاء من السفر لأجل زيارة القبر فمرادهم السفر المجرد عن فعل العبادة من الصلاة والدعاء عنده، بل يصلي ويسلم عليه ويسأل له الوسيلة، ثم يسلم على أبي بكر، ثم عمر.
ولا يقصد الصلاة عند القبر للعنه صلى الله عليه وسلم المتخذين قبور أنبيائهم مساجد، واللعنة في كلام الله، وكلام رسوله لا تجامع إلا الحرمة والإثم لا مجرد الكراهة ولقوله:"اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد. اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
قال ابن حجر رحمه الله في "الامداد الموسوم بشرح "
…
" ينوي الزائر المتقرب السفر إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وشد الرحل إليه، لتكون زيارة القبر تابعة، انتهى.
واتخاذ قبور الأنباء والصالحين مساجد هو الموقع لكثير من الأمم، إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك الأصغر، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين،
كوَدّ، وسواع، ويغوث، وتماثيل طلاسم الكواكب ونحو ذلك يزعمون أنها تخاطبهم وتشفع لهم.
والشرك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم أو الرجل المعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أوبحجر. ولهذا تجد أهل الشرك كثيراً ما يتضرعون ويخشعون عندها مالا يخشعون لله في الصلاة، ويعبدون أصحابها بدعائهم ورجائهم، والاستغاثة بهم، وسؤال النصر على الأعداء وتكثير الرزق، وإيجاده، والعافية، وقضاء الديون، ويبذلون لهم النذور لجلب ما أملوه، أو دفع ما خافوه، مع اتخاذهم أعياداً، والطواف بقبورهم، وتقبيلها واستلامها وتعفير الخدود على تربتها، وغير ذلك من أنواع العبادات، والطلبات التي كان عليها عباد الأوثان يسألون أوثانهم ليشفعوا لهم عند مليكهم، فهؤلاء يسأل كل منهم حاجته وتفريج كربته، ويهتفون عند الشدائد باسمه كما يهتف المضطر بالفرد الصمد، ويعتقدون أن زيارته موجبة للغفران، والنجاة من النيران وانها تجب ما قبلها من الآثام، بل قد وجد هذا الاعتقاد في الأشجار والغيران، يهتفون باسمها، واسم من ينسبونها إليه من المعتقدين بما لا يقدر عليه إلا رب العالمين، وأكثر ما يكون ذلك عند الشدائد.