الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
والله تعالى عز شأنه، قد فسر هذا الدعاء في مواضع أخرى بأنه عبادة محضة
، كقوله:{وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ} (1)
وقوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (2) والأنبياء والملائكة والصالحون كل معبود من هؤلاء داخل في عموم قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (3) كما هو سبب النزول.
وقوله عز شأنه: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} (4) فدعاؤهم آلهتهم هو عبادتهم لها، ولأنهم كانوا إذا جاءتهم
(1) سورة الشعراء آية 93،92.
(2)
سورة الأنبياء آية 98.
(3)
سورة الأنبياء آية 101.
(4)
سورة الكافرون آية 2.
الشدائد دعو الله وحده وتركوها، ومع هذا فهم يسألونها بعض حوائجهم بواسطة قربهم من الله ويطلبونها منهم بشفاعتهم لهم. فأمر الله العباد بإخلاص تلك العبادة له وحده، فلا يدعونهم ولا يسألونهم الشفاعة، فإن ذلك دين المشركين.
قال الله تعالى فيهم: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِير ٍوَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (1) وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} (2) وإنما ذكر الله تعالى ذلك عنهم لأنهم يدعون الملائكة والأنبياء ويصورون صورهم ليشفعوا لهم فيما دعوهم فيه وذلك بطرق مختلفة "ففرقة" قالت ليس لنا أهلية مباشرة دعاء الله ورجائه، بلا واسطة تقربنا إليه وتشفع لنا لعظمته.
(1) سورة سبأ آية 23،22.
(2)
سورة الإسراء آية 57،56.
"وفرقة" قالت الأنبياء والملائكة لهم وجاهة ومنزلة عند الله فاتخذوا صورهم من أجل حبهم لهم ليقربوهم إلى الله زلفى. "وفرقة" جعلتهم قبلة في دعائهم وعبادتهم.
"وفرقة" اعتقدت أن لكل صورة مصورة على صورة الملائكة والأنبياء وكيلاً موكلاً بأمر الله، فمن أقبل على دعائه ورجائه وتبتل إليه، قضى ذلك الوكيل ما طلب منه بأمر الله، وإلا أصابته نكبة بأمر الله تعالى.
فالمشرك إنما يدعوا غير الله بما لا يقدر عليه إلا هو تعالى ويلتجئ إليه فيه ويرجوه منه بما يحصل له في زعمه من النفع، وهو لا يكون إلا فيمن وجدت فيه خصلة من أربع:
اما أن يكون مالكاً لما يريد منه داعيه، فإن لم يكن مالكاً كان شريكاً، فإن لم يكن شريكاً كان ظهيراً، فإن لم يكن كان شفيعاً. فنفى الله سبحانه وتعالى هذه المراتب الأربع عن غيره، الملك، والشركة، والمظاهرة، والشفاعة التي لأجلها وقعت العداوة والمخاصمة بالآية المتقدمة وبقوله:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} (1) وقوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} (2)
(1) سورة الإسراء آية 111.
(2)
سورة آل عمران آية 26.
وقوله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (1) وقوله: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} (2) وقوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (3) وقوله: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً، يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} (4) وأثبت سبحانه وتعالى مالا نصيب فيه لمشرك البتة، وهي الشفاعة بإذنه لمن رضي عنه وهو سبحانه يعلم السر وأخفى ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
لهذا لما قالت الصحابة رضي الله عنهم: أربنا قريب فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ أنزل الله سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (5) وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ} (6)
(1) سورة غافر آية 16.
(2)
سورة الانفطار آية 19.
(3)
سورة الفاتحة آية 4.
(4)
سورة طه آية 109،108.
(5)
سورة البقرة آية 186.
(6)
سورة الزمر آية 43.