الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذن بقاء الطرف المسيحي في جماعة «الإخاء الديني» على اعتقاده بألوهية المسيح يبعد هذا الطرف تمامًا عن أن تكون له أدنى مشاركة أو أدنى علاقة مع المؤمنين برسالة الرسول محمد بن عبد الله في أخوة إيمانية ودينية.
* * *
القُرْآنُ لَهُ مَنْزِلَةُ الفَصْلِ فِي الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ السَّابِقَةِ:
فرسالة القرآن تختلف عما هو في التوراة والإنجيل الآن، إذ ما في التوراة والإنجيل لم يعد معبرًا عن رسالة الله للإنسان. ولذا كان القرآن وحده هو الذي يعبر عن هذه الرسالة تعبيرًا صادقًا. ونيط به تصحيح ما اختلف فيه اليهود، والنصارى، عن رسالة الله {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (1) ..
فبينما يعرف القرآن أهل الكتاب ما ابتعدوا فيه عن رسالة الله ينطوي في ذاته على الهداية الإلهية والرحمة للمؤمنين. وهذه وتلك مضمون الرسالة الإلهية للإنسان على هذه الأرض.
إن التوراة قد طرأ عليها من التغيير بفعل بعض الزعماء من اليهود: ما يجعلها الآن غير جديرة بأن تكون نورًا وهدى للناس، كما أنزلت في ألواح موسى، ويشير إلى ذلك قول الله تعالى:{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} (2) .. والقرآن يحكي هذا التغيير في قول الله تعالى:
(1)[النمل: 76، 77].
(2)
[الأعراف: 154].
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (أي ما أعطى مشركو مكة الله جل جلاله التقدير الواجب أن يعطى له، عندما يدعون ادعاءات واضحة البطلان تتصل به سبحانه) إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ (كأن يقولوا إن الله لم يرسل رسولاً بشرًا ويوحى له برسالة من عنده) قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} [الأنعام: 91]. فيكفي في وضوح البطلان لهذا الادعاء: أن يوجه إلى أصحاب هذا الادعاء السؤال الآتي: من أنزل التوراة إذن وهي الكتاب الذي جاء به موسى؟. فهم لا يستطيعون عندئذٍ إلا الصمت عَيًّا عن الجواب).
{تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} [الأنعام: 91] .. وتتجه الآية في الوقت نفسه إلى اليهود لتقص عليهم أنهم بما فعلوه في التوراة أخرجوها عن أن تكون مصدر هداية ورحمة للناس كما هي رسالة الله الصادقة. وما فعلوه فيها هو أنهم قسموها إلى أجزاء أظهروا البعض منها وهو القليل، وأخفوا الكثير منها بعد ذلك. ولذا لم تعد صالحة لأن تعبر عن رسالة الله. ومن أجل ذلك كانت هناك حاجة ماسة بين الناس: أن ينزل القرآن هدى ورحمة لهم، ومصدقًا لما بين يديه من رسالة الله وهي الرسالات السابقة) (1). والآية التالية بعد هذه الآية تخبر بالغاية من نزول القرآن في قول الله تعالى:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (2).
(1)[الأنعام: 91].
(2)
[الأنعام: 92].
وإذا كان من وظيفة القرآن أن يصحح ما وقع من أهل الكتاب بفعل زعمائهم فيه فليس إذن مساوغًا لأي كتاب سبق ويوجد بينهم الآن. وبالتالي ليس هناك تآخ اليوم وغدًا بين المسيحيين من جانب، والمؤمنين برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم في جانب آخر، سوى ذلك النوع الذي يجب أن يقوم على الإيمان بالقرآن وحده.
وعلى نحو ما صنع أهل الكتاب من اليهود في التوراة صنع أهل الكتاب من النصارى في الإنجيل، بحيث أصبح الإنجيل كذلك بعيدًا عن أن يكون هدى من الله ورحمة للناس يقص ذلك القرآن الكريم في قول الله تعالى:{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ (أي في الإيمان بوحدة الألوهية) فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ (أي أغفلوا نصيبًا وافرًا مما أخذ عليهم ميثاق به. ومن بين ما أغفلوه: الإيمان بوحدة الألوهية) فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 14](فنشأ عن نسيان بعض ما أخذ عليهم ميثاق به: أ، أولعوا بعداوة بعضهم لبعض، بعد أن انقسموا إلى يعاقبة .. وملكانيين، يقولولن مَعًا بالتثليث، .. ونساطرة يؤمنون في مواجهة الفريقين السابقين بالوحدة في الألوهية. وتوزعوا إلى الكنائس الثلاث: الأرثوذكسية .. والكاثوليكية .. والنسطورية. وسيظل هذا الإنقسام إلى يوم القيامة (1).
(1)[المائدة: 14].
وأصبح من وظيفة القرآن بالنسبة للإنجيل كذلك: أن يصحح للنصارى ما أخفاه زعماؤهم عليهم من كتاب الله ورسالته. ولذا يوجههم القرآن بنداء الله لهم في قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ (ويقصد بهم أهل الإنجيل) قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا (وهو محمد عليه السلام) يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ (وهو الإنجيل) وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (وهو القرآن) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (1).
ومما أخفاه بعض زعماء النصارى: طلب الإيمان بوحدة الألوهية وعدم الشرك بالله سبحانه. وعندما رفع بعضهم المسيح إلى مستوى الألوهية كشف القرآن كرسالة مصححة لأخطاء أهل الكتاب عامة من كفر الاعتقاد بذلك. فيقول جل جلاله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} (2).
* * *
وهكذا التوراة في حاضرها .. والإنجيل في حاضره لا يساوق أي منهما القرآن في منزلته ووظيفته. فلم يزل القرآن وحده هو صاحب الفضل في شأن الرسالة الإلهية: ما هو حق وصحيح .. وما هو محرف منها .. وما هو مبعد عنها.
(1)[المائدة: 15، 16].
(2)
[المائدة: 17].