الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتآخي بين أتباع اليهودية، والمسيحية، والإسلام، يفقد الأساس المشترك في الإيمان. وإذن جماعة الإخاء الديني التي ينادي بها من وقت لآخر في السياسة المصرية ليست جماعة علمية دينية. ولا تصح أن تقوم على مشاركة الإسلام فيها.
* * *
هَلْ الإِخَاءِ الدِّينِي جَمَاعَةٌ سِيَاسِيَّةٌ
؟:
والسؤال الذي يطرح ثانيًا هو: هل جماعة الإخاء الإسلامي المسيحي القائمة الآن في المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين: بعث «جمعية الصداقة الإسلامية المسيحية» .. التي أنشأها القس (هوبكنز) في الخمسينات بتوجيه من المخابرات المركزية الأمريكية؟ واحتفل بميلادها في «بحمدون» بلبنان في أوائل الخمسينات؟.
إن (هوبكنز) هو مبشر أمريكي بروتستانتي حاول أن يؤلف فريقًا من المفكرين الإسلاميين، وفريقًا آخر من رجال المسيحية في إطار «الصداقة الإسلامية المسيحية» ووجه الدعوة إلى الفريقين في أول مؤتمر إسلامي مسيحي في لبنان. وأعلن الغاية من اجتماع الطرفين. وحددها بالوقوف في وجه الشيوعية الدولية، وفي وجه التأيييد السوفييتي لها فكان لقاء الطرفين لغاية سياسية. وهي الحد من النفوذ السوفييتي لصالح التوسع الأمريكي، واستمر يباشر رسالة هذه الجمعية حتى قتل في حادث سقوط إحدى الطائرات في الستينات.
وكان يظن أن تأليف هذه الجمعية من الطرفين ومشاركة كل منهما للآخر في هدف ضد الشيوعية، وضد السوفييت سيهيئ
الفرصة على الأقل لوجود مرحلة في علاقة الإسلام بالمسيحية. هي مرحلة كف المستشرقين من المسيحيين عن توجيه الهجوم والنقد غير العلمي ضد الإسلام، وضد مبادئه، وضد رسوله عليه السلام، إعلانًا عن النية الطيبة في صداقة المسيحيين المسلمين.
ولكن بالرغم من مرور فترة غير قصيرة على وجود «جمعية الصداقة الإسلامية المسيحية» فإن الهجوم على الإسلام من قبل المستشرقين لم ينقطع، وإن أسلوب النقد في مجافاته للذوق وللواقع ضد مبادئه لم يتوقف. مما يدل على أن الترابط بين علماء المسلمين وآباء الكنيسة من المسيحيين في هذه الجمعية كان لاستغلال الجانب الإسلامي في مواجهة الشيوعية الدولية، إذ الإعلان: أن مئات الملايين من المسلمين في العالم - عن طريق هذه المشاركة المصطنعة - تقف ضد النفوذ السوفييتي له أثره السلبي على السوفييت، وأثره الإيجابي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، في الحرب الباردة بين القوتين العظميين. والإسلام حينئذٍ سبيل للمحافظة على المصالح الأمريكية، أكثر منه طريقًا عقيديًا، لاستنكار الإلحاد، ودعوة لإشاعة القيم الإنسانية العليا في علاقات الناس بعضهم ببعض.
هل «سياسة الوفاق» بين هاتين القوتين قد اهتزت، بعد تغلغل السوفييت في أفريقيا، ومشاركته في السيادة في المحيط الهندي عند مدخل الخليج، وفي البحر الأحمر في جنوب شبه الجزيرة العربية وفي القرن الأفريقي في الحبشة؟. وهي كلها كانت تعتبر مناطق موالية للغرب، ولأمريكا بعد الإنجليز؟ ..
وعن اهتزاز سياسة الوفاق ابتدأت الحرب الباردة من جديد في خفاء، واحتاجت المصالح الأمريكية في أفريقيا والشرق الأوسط إلى إعلان:«تضامن الإسلام مع المسيحية» في مواجهة الإلحاد والشيوعية.
فالسياسة الأمريكية عندما كان «الوفاق» قائمًا وصلبًا في السياسة الأمريكية السوفييتية لم تسأل عن «الإسلام» بين المسلمين وهو يطارد في باكستان الشرقية من الهند بمساعدة الروس، في حرب ديسمبر سنة 1970 التي باشرتها الهند ضد باكستان حتى انتصرت العلمانية وأعلنت «بنجلادش» فصل الإسلام عن الدولة تحقيقًا لهدف السوفييت أولاً. وهو تأمين الحدود المجاورة في القوقاز من الاتحاد السوفييتي، وإبعاد أمل القوقازيين في عودتهم إلى الإسلام، الذي كان إلى الأمس قريبًا منهم بين إخوان لهم في باكستان الشرقين. وكذلك كان فصل الإسلام عن الدولة في «نظام» مجيب الرحمن غاية لحزب المؤتمر في الهند، لأن المسلمين في الهند يسيرون فيه إضعافًا لهم، ويأسًا من أن تكون لهم حرية العبادة طبقًا للإيمان به، فتمسكهم به بين الهندوس يسبب لهم مشاكل ومتاعب عديدة كل يوم تقريبًا.
وباكستان - في الشرق والغرب - كانت عضوًا في الحلف المركزي، وهو حلف ضد الشيوعية والنفوذ السوفييتي ومكون من: إنجلترا .. وتركيا .. وإيران .. وباكستان. وكانت أمريكا عضوًا مراقبًا فيه. أي كانت على صلة الترابط في حلف عسكري مع باكستان. ومع ذلك لم تساعد باكستان، كما لم تحل دون المساعدة الروسية وهي آتية من أسوان بمصر إلى الهند وموجهة ضد باكستان في الحرب الهندية الباكستانية.
وهكذا كشفت الحرب الهندية الباكستانية عن «قيمة الإسلام» في نظر السياسة الأمريكية فهي تنظر إليه على أنه: العدو اللدود للصليبية الدولية. وطالما يضرب الإسلام من غير الصليبيين فاليد الأمريكية لا تمتد إلى الدفاع عنه. وعندما تحتاج المصالح الأمريكية في أرض المسلمين إلى إعلان مساندة «الإسلام» كقوة إيمانية بين ملايين المسلمين في العالم فلا مانع من أن تؤسس «جمعية للصداقة بين المسلمين والمسيحيين» تعلن التعاون بين الطرفين الوقوف في وجه الإلحاد والكفر.
• تركت السياسة الأمريكية في سنة 1970 اعتداء الهند وروسيا ضد باكستان الحليفة للأمريكان.
• وعملت السياسة الأمريكية على أن يستباح الوطن الأندونيسي وإيمان المسلم بالإسلام. هناك للتبشير في صورته الظاهرة والخفية.
• وتتغاضى السياسة الأمريكية في الفلبين عن اضطهاد السلطة الصليبية القائمة للإسلام والمسلمين في بعض جزر هذه الدولة.
• وحرضت جنرالات الجيش التركي على الانقلاب في تركيا في سنة 1980 كي يقف المد الإسلام ويعود الوضع إلى علمانية «أتاتورك» التي نفذها لصالح الروس والأمريكان معًا.
• وتركت السياسة الأمريكية الحرب بين إيران والعراق في سنة 1980 تدمر كل شيء في البلدين، حتى تأتي على آخر فلس
من المدخرات في كلا البلدين منذ سنة 1973 أي منذ زيادة أسعار البترول وحتى تضعف ثورة إيران لا يمتد أثرها إلى العراق.
• وتركت الأحباش ومعهم السوفييت يطاردون المسلمين في أريتريا بعد أن سعت هذه السياسة من قبل لدى هيئة الأمم المتحدة لضم أريتريا إلى الحبشة وباركت عمل الإمبراطور هناك في تنصير المسلمين بالإكراه عن طريق الحاجة للقمة العيش. ورضيت الآن بالوجود السوفييتي الإلحادي هناك.
تركت هذا .. وذاك .. لأن في كل ما تركته: ما يضعف الإسلام أو يطرده خارج ديار المسلمين .. والمبدأ الرئيسي في السياسة الأمريكية: إضعاف الإسلام والمسلمين في أراضيهم وإن كانت قد تتذرع بسياسة الوفاق بين القوتين العظميين.
وإذن قيام «الإخاء الديني» في المركز العام للشبان المسلمين بالقاهرة لا يرجى منه الخير للإسلام. وإن ان ينتظر أن يكون سبيلاً للاستغلال السياسي لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.
وربما من يقف على تاريخ الدار التي أسسها الدكتور عبد الحميد سعيد لتكون المركز العام للشبان المسلمين، يأسف لأن تتخذ الآن مقرًا للإخاء الإسلامي المسيحي في يومنا الحاضر، فنشاط مثل هذه الجمعية يساوق على الأقل نشاط نوادي «الروتاري» في الشرق