الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[17] أحكام الرضاع
التحليل اللفظي
{والوالدات} : جمع والدة بالتاء، والوالد: الأب، والوالدة: الأم، وهما الوالدان كذا في «اللسان» ، قال في «البحر» : وكان القياس أن يقال: والد، لكن قد أطلق على الأب والد فجاءت التاء في الوالدة للفرق بين المذكر
والمؤنث من حيث الإطلاق اللغوي، وكأنه روعي في الإطلاق أنهما أصلان للولد فأطلق عليهما والدان.
{حَوْلَيْنِ} : أي سنتين من حال الشيء إذا انقلب، فالحول منقلبٌ من الوقت الأول إلى الثاني.
قال الراغب: والحول السنة اعتباراً بانقلابها ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها.
{المولود لَهُ} : أي الأب، لأن الأولاد ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات قال الشاعر:
فإنّما أمهاتُ الناسِ أوعيةٌ
…
مستودَعاتٌ وللآباء أبناء
{فِصَالاً} : فطاماً عن الرضاع، والفِصَال والفَصْلُ: الفطام، وإنما سمي الفطام بالفصال، لأن الولد ينفصل عن الاغتذاء بلبن أمه إلى غيره من الأقوات.
قال المبرّد: يقال: فصل الولد عن الأم فصلاً وفصالاً، والفصالُ أحسن، لأنه إذا انفصل عن أمه فقد انفصلت منه فبينهما فصال نحو القتال، والضراب ومنه سمي الفصيل لأنه مفصول عن أمه.
{وَتَشَاوُرٍ} : التشاور في اللغة: استخراج الرأي ومثله المشاورة والمشورة مأخوذ من الشور وهو استخراج العسل.
قال الراغب: والتشاور والمشاورة والمشورة: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم: شِرتُ العسل إذا استخرجته من موضعه.
{تسترضعوا} : أي تطلبوا الرضاع لأولادكم يقال: استرضع أي طلب الرضاع، مثل: استفتح طلب الفتح، واستنصر طلب النصر.
والمعنى: إذا أردتم أيها الآباء أن تسترضعوا المراضع لأولادكم أي تطلبوا لهم من يرضعهم فلا إثم عليكم ولا حرج.
{بالمعروف} : أي بالوجه المتعارف المستحسن شرعاً الذي أمركم به الدين.
{بَصِيرٌ} : أي مطلع على عمالكم، لا تخفى عليه خافية والمراد أنه مجازيكم عليها إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
المعنى الإجمالي
أمر الله تعالى الوالدات (المطلّقات) بإرضاع أولادهن مدة سنتين كاملتين إذا شاء الوالدان إتمام الرضاعة، وأنّ على الولد كفاية المرضع التي تقوم بإرضاع ولده، والإنفاق عليها لتقوم بخدمته حق القيام، وتحفظه من عاديات الأيام، وأن يكون ذلك الإنفاق بحسب المعروف والقدرة والطاقة لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
ثم حذّر تعالى كلاً من الوالدين أن يضارّ أحدهما الآخر بسبب الولد، فلا يحل للأم أن تمتنع عن إرضاع الولد إضراراً بأبيه، وأن تقول له مثلاً: اطلب له ظئراً غيري، ولا يحل للأب أن ينزع الولد منها مع رغبتها في إرضاعه، ليغيظ أحدهما صاحبه بسبب الولد.
ثمّ بيّن تعالى أن الوالدين إذا أرادوا فطام ولدهما بعد التشاور والتراضي قبل تمام الحولين فلا إثم ولا حرج إذا رأيا استغناء الطفل عن لبن أمه بالغذاء، فإن هذا التحديد إنما هو لمصلحة الطفل ودفع الضرر عنه، والوالدان أدرى الناس بمصلحته وأشفقهم عليه وإن أردتم - أيها الآباء - أن تطلبوا مرضعة لولدكم غير الأم بسبب إبائها، أو عجزها أو إرادتها الزواج، فلا إثم عليكم في ذلك، بشرط أن تدفعوا إلى هذه المرضعة ما اتفقتم عليه من الأجر، ولا
تبخسوها حقها، فإن المرضع إذا لم تكرم لا تهتم بالطفل ولا تُعنى بإرضاعه ولا بسائر شؤونه، فأحسنوا معاملتهن ليحسنّ أمور أولادكم، واتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أن الله مطلّع عليكم لا تخفى عليه خافية من شؤونكم وأنه مجازيكم عليها يوم الدين
{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] .
وجوه القراءات
1 -
قرأ الجمهور {لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة} وقرأ مجاهد (أن تَتمّ الرضاعةُ) بالتاء وبرفع الرضاعة، وقرأ أبو رجاء وابن أبي عبلة (الرّضاعة) بكسر الراء. قال الزجاج «الرّضاعة» بفتح الراء وكسرها والفتح أكثر.
2 -
قرأ الجمهور {لَا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (لا تضارّ) بالرفع على أن (لا) نافية.
3 -
قوله تعالى: {إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم} قرأ الجمهور {آتَيْتُم} بالمد، وقرأ ابن كثير {أتيتم} بالقصر.
وجوه الإعراب
أولاً - قوله تعالى: {وَعلَى المولود لَهُ رِزْقُهُنَّ} الجار والمجرور خبر مقدم، و (رزقهن) مبتدأ مؤخر وهو مضاف أي رزق المرضعات و (بالمعروف) متعلق بت (رزقهن) .
ثانياً - قوله تعالى: {لَا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} لا ناهية جازمة و (تضارّ)
أصلها (تضارر) سكنت الراء الأخيرة للجزم والراء الأولى للإدغام فالتقى ساكنان فحرك الأخير منهما بالفتح للتخلص من التقاء الساكنين و (والدة) فاعل والمفعول به محذوف تقديره: لا تضارّ والدة زوجها بسبب ولدها.
ثالثاً - قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تسترضعوا أَوْلَادَكُمْ} استرضع يتعدى لمفعولين الثاني بحرف الجر والمعنى: أن تسترضعوا المراضع لأولادكم، حذف المفعول الأول لاستغناء عنه.
وجه الارتباط في الآيات السابقة
مناسبة هذه الآية لما قبلها من الآيات، أنه تعالى لما ذكر جملة من الأحكام المتعلقة بالنكاح، والطلاق، والعدة، والرجعة، والعضل، ذكر في هذه الآية الكريمة حكم الرضاع، لأن الطلاق يحصل به الفراق، فقد يطلّق الرجل زوجته ويكون لها طفل ترضعه، وربما أضاعت الطفل أو حرمته الرضاع انتقاماً من الزوج وإيذاءً له، لذلك وردت هذه الآية لندب الوالدات المطلّقات إلى رعاية جانب الأطفال والاهتمام بشأنهم.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى: ورد الأمر بصيغة الخبر للمبالغة أي ليرضعن، والجملة
ظاهرها الخبر وحقيقتها الأمر كقول: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] والتعبير عنهن بلفظ (الوالدات) دون قوله: والمطلقات أو النساء المطلقات لاستعطافهن نحو الأولاد، فحصول الطلاق لهن لا ينبغي أن يحرمن عاطفة الأمومة.
اللطيفة الثانية: العدول عن قوله: وعلى الوالد إلى قوله: {وَعلَى المولود لَهُ} فيه لطيفة وهي أن الأولاد يتبعون الأب ويلتحقون بنسبه دون الأم، فالموجب المقتضي للإنفاق على الأمهات والمرضعات كون الأولاد لهم فعليهم تجب النفقة، واللفظ يشعر بالمنحة وشبه التمليك ولهذا أتى به دون لفظ الوالد.
قال الزمخشري: «فإن قلت: لم قيل (المولود له) دون الوالد؟ قلت: ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهم، لأن الأولاد للآباء ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات» .
اللطيفة الثالثة: قال أبو حيان: وصف الله تعالى الحولين بالكمال (حولين كاملين) دفعاً للمجاز الذي يحتمله ذكر الحولين، إذ يقال: أقمتُ عند فلان حولين وإن لم يستكملهما، وهي صفة توكيد كقوله تعالى:{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] .
اللطيفة الرابعة: قوله تعالى: {لَا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ} أضاف الولد في الآية إلى كل من الأبوين {وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} و {وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ} وذلك لطلب الاستعطاف والإشفاق، فالولد ليس أجنبياً عن الوالدين، هذه أمه وذاك أبوه، فمن حقهما أن يشفقا عليه، ولا تكون العداوة بينهما سبباً للإضرار بالولد.
قال العلامة أبو السعود: «إضافة الولد إلى كلٍ منهما لاستعطافهما إليه، وللتنبيه على أنه جدير بأن يتفقا على استصلاحه، ولا ينبغي أن يضرا به
أو يتضارّا بسببه» .
اللطيفة الخامسة: في قوله تعالى: {أَن تسترضعوا أَوْلَادَكُمْ} التفات من الغيبة إلى الخطاب، وتلوين في التعبير لأن الآية قبله {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً} جاء بضمير التثنية للغائب، وهنا جاء بضمير الجمع للمخاطب، وفائدة هذا الالتفات هز مشاهر الآباء إلى امتثال أمر الله في الأبناء.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول: ما المراد بالوالدات في الآية الكريمة؟
أ - قال بعضهم: لفظ الوالدات في الآية خاص بالمطلقات، وهو قول مجاهد والضحاك، والسدّي. واستدلوا بأن الآيات السابقة كانت في أحكام المطلقات وهذه وردت عقيبها تتمة لها، وبأن الله أوجب على الوالد رزقهن وكسوتهن، ولو كنّ أزواجاً لما كان هناك حاجة إلى هذا الإيجاب، لأن النفقة واجبة على الزوج من أجل الزوجة، ثم تعليل الحكم بالنهي على المضارّة بالولد يدل على أن المراد بالوالدات المطلقات، لأنّ التي في عصمة الزوجية لا تضارّ ولدها.
ب - وقال بعضهم: إنه خالص بالوالدات الزوجات في حال بقاء النكاح، وهو اختيار الواحدي كما نقله عنه الرازي والقرطبي، ودليلهم أن المطلّقة لا تستحق الكسوة، وإنما تستحق الأجرة فلما قال تعالى:{رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ}
دلّ على أن المراد بهن الأمهات الزوجات.
ج - وقال آخرون: المراد بالوالدات العموم أي جميع الوالدات سواءً كنّ مزوجات أو مطلقات، عملاً بظاهر اللفظ فهو عام ولا دليل على تخصيصه وهو اختيار القاضي أبو يعلى، وأبو سليمان الدمشقي مع آخرين، ولعل هذا القول هو الأرجح وقد ذهب إليه أبو حيان في «البحر المحيط» .
الحكم الثاني: هل يجب على الأم إرضاع ولدها؟
ذهب بعض العلماء إلى أنه يجب على الأم إرضاع ولدها لظاهر قوله تعالى: {والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} فهو أمر في صورة الخبر أي: (ليرضعن أولادهن) .
وهذا مذهب مالك أن الرضاع واجب على الأم في حال الزوجيّة فهو حق عليها إذا كانت زوجة، أو إذا لم يقبل الصبي ثدي غيرها، أو إذا عُدم الأب، واستثنوا من ذلك الشريفة بالعُرف، وأما المطلقة طلاق بينونة فلا رضاع عليها، والرضاع على الزوج إلاّ أن تشاء هي إرضاعه فهو أحق، ولها أجرة المثل.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأمر هنا للندب، وأنه لا يجب على الوالدة إرضاع ولدها إلاّ إذا تعينّت مرضعاً بأن كان لا يقبل غير ثديها، أو كان الوالد عاجزاص عن استئجار ظئر (مرضعة) ترضعه، أو قدر ولكنه لم يجد الظئر، واستدلوا بقوله تعالى:{وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أخرى} [الطلاق: 6] ولو كان الإرضاع واجباً لكلفها الشرع به، وإنما ندب لها الإرضاع لأن لين الأم أصلح للطفل، وشفقة الأم عليه أكثر.
الحكم الثالث: ما هي مدة الرضاع الموجب للتحريم؟
ذهب الجمهور الفقهاء (مالك والشافعي وأحمد) إلى أن الرضاع الذي يتعلق به حكم التحريم، ويجري به مجرى النسب بقوله عليه السلام:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» هو ما كان في الحولين واستدلوا بقوله تعالى: {والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} وبما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ قال: «لا رضاع إلاّ ما كان في الحولين» .
وذهب أبو حنيفة إلى أن مدة الرضاع المحرّم سنتان ونصف لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وفصاله ثلاثون شَهْراً} [الأحقاف: 15] .
قال العلامة القرطبي: «والصحيح الأول لقوله تعالى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} وهذا يدل على أن لا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين، ولقوله عليه السلام:» لا رضاع إلا ما كان في الحولين «وهذا الخبر مع الآية والمعنى ينفي رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له، وقد روي عن عائشة القول به، وبه يقول: (الليث بن سعد) وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يرى رضاع الكبير، وروي عنه الرجوع عنه» .
الحكم الرابع: كيف تقدر نفقة المرضع؟
دل قوله تعالى: {وَعلَى المولود لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف} على
وجوب النفقة للمرضع على الزوج، والنفقة تكون على قدر حال الأب من السعة والضيق لقوله تعالى:{لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَاّ وُسْعَهَا} وقد دل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ الله} [الطلاق: 7] وأخذ الفقهاء من آية البقرة {وَعلَى المولود لَهُ رِزْقُهُنَّ} وجوب النفقة الولد على الوالد، لأن الله أوجب نفقة المطلقة على الوالد في زمن الرضاع لأجل الولد، فتجب نفقته على أبيه ادام صغيراً لم يبلغ سن التكليف.
قال الجصاص في تفسيره «أحكام القرآن» : وقد حوت الآية الكريمة الدالة على معنيين:
أحدهما: أن الأم أحقّ برضاع ولدها في الحولين، وأنه ليس للأب أن يسترضع له غيرها إذا رضيت بأن ترضعه.
والثاني: أن الذي يلزم الأب في نفقة الرضاع إنما هو سنتان.
وفي الآية دلالة على أن الأب لا يشارك في نفقة الرضاع لأن الله أوجب هذه النفقة على الأب للأم، وهما جميعاً وارثان، ثم جعل الأب أولى بإلزام ذلك من الأم مع اشتراكهما في الميراث، فصار ذلك أصلاً في اختصاص الأب بإلزام النفقة دون غيره، كذلك حكمه في سائر ما يلزمه من نفقة الأولاد الصغار، والكبار الزمني، يختص هو بإيجابه عليه دون مشاركة غيره فيه لدلالة الآية عليه «.
الحكم الخامس: ما المراد من قوله تعالى: {وَعَلَى الوارث مِثْلُ ذلك} ؟
واختلف المفسّرون في المراد من لفظ {الوارث} في الآية الكريمة على أقوال:
أ - قال بعضهم: المراد وارث المولود أي وارث الصبي لو مات، وهو
قول عطاء ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقد اختلف أصحاب هذا القول فقال بعضهم وارثه من الرجال خاصة هو الذي تلزمه النفقة، وقال آخرون: وارثه من الرجال أو النساء وهو قول (أحمد) وإسحاق، وقال آخرون: وارثه كل ذي رحم محرم من قرابة المولود، وهو قول (أبي حنيفة) وصاحبيه.
ب - وقال بعضهم: المراد بالوارث هو وارث الأب وهو مروي عن الحسن، والسُدّي.
ج - وقال بعضهم: المراد بالوارث الباقي من والدي الولد بعد وفاة الآخر وهو قول سفيان الثوري.
د - وقال آخرون: المراد بالوارث الصبي نفسه فتجب النفقة عليه في ماله إن كان له مال.
وقد رجح الطبري الرأي الأخير واختاره من بين بقية الأقوال والله أعلم بالصواب.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
1 -
على الأمهات إرضاع الأبناء، لأن لبن الأم أصلح وشفقتها على ولدها أكمل.
2 -
نسب الأولاد للآباء، والآباءُ أحق بالتعهد والحماية والإنفاق.
3 -
النفقة على قدر طاقة الوالد عسراً ويسراً ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
4 -
نفقة الصغير تجب على وارثه عند فقد أبيه لأن الغُرْم بالغنم.
5 -
فطام الطفل قبل عامين ينبغي أن يكون بمشورة ورضى الأبوين.
خاتمة البحث:
حكمة التشريع
حث الله تعالى الأمهات على إرضاع الأبناء، وحدّد مدة الرضاع بعامين كاملين، لأن هذه المدة يستغني بها الطفل عن ثدي أمه، ويبدأ بالتغذي بعدها عن طريق تناول الطعام والشراب. . وليس هناك لبن يعادل لبن الأم، فهو أفضل غذاء باتفاق الأطباء فالولد قد تكوّن من دمها في أحشائها، فلما برز إلى الوجود تحوّل الدم إلى لبنٍ يتغذى منه، فهو اللبن الذي يلائمه ويناسبه لأنه قد انفصل من الأم، وقد قضت الحكمة الإلهية أن تكون حالة لبن الأم في التغذية ملائمة لحال الطفل بحسب درجات سنه، فإذا أرضعته مرضع لضرورة وجب التدقيق في صحتها، ومعرفة أخلاقها وطبائعها، لأن لبنها يؤثر في جسم الطفل وأخلاقه وآدابه، إذ هو يخرج من دمها ويمتصه الولد، فيكون دماً له ينموا به اللحم، ويُنشز العظم، فيؤثر فيه جسمياً وخلقياً، وقد لوحظ أن تأثير انفعالاتها النفسية والعقلية أشد من تأثير صفاتها البدنية فيه، فما بالك بآثار عقلها وشعورها وملكاتها النفسية؟!
والأم حين ترضع ولدها لا ترضعه اللبن فحسب، بل ترضعه العطف والرحمة والحنان، فينشأ مجبولاً على الرحمة، محباً للخير، وعلى العكس حال أولئك الذين يحرمون عطف وحنان أمهاتهم، يكونون معقّدين، وتفتعل في نفوسهم نوازع القسوة والشر والانتقام، وقد فطن علماء التربية والتهذيب
في الأمم الراقية إلى هذا الأمر، حتى كان نساء القياصرة يرضعن أولادهن بأنفسهن، ولا يرضين تسليمهم إلى المراضع.
فأين هذا مما نراه اليوم من التهاون في رضاعة الأولاد وسائر شؤونهم!! حتى الأمهات اللواتي فطرهن الله تعالى على التلذذ بإرضاع أولادهن والغبطة به، قد صار نساء الأغنياء منهن في هذا الزمان يرغبن عنه ترفعاً وطمعاً في السمن وبقاء الجمال وكل هذا مقام لسنة الفطرة، ومفسد لتربية الأولاد، ولسنا نرى ديناً تعرض لمحاسن تربية النشء مثل ما تعرض له الإسلام، فاللهم وفقنا للاهتداء بهديه الكريم إنك سميع مجيب الدعاء.
التحليل اللفظي
{يُتَوَفَّوْنَ} : أي يموتون ويُقبضون قال تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] وأصل التوفي: أخذ الشيء وافياً كاملاً، فمن مات فقد استوفى عمره ورزقه.
قال أبو السعود: «أي تقبض أرواحهم بالموت، فإن التوفي هو القبض يقال: توفيت مالي أي قبضته» .
وقال الإمام الفخر: «يقال: توفىّ فلان، وتُفي إذا مات، فمن قال: تُوفّى كان معناه قُبض وأخذ، ومن قال: تَوفّى كان معناه أجله واستوفى عمره» .
{وَيَذَرُونَ} : أي يتركون، وهذا الفعل لا يستعمل منه الماضي ولا المصدر، ومثله (يدع) ليس له ماضٍ ولا مصدر، يقال: فلان يَدع كذا ويَذر، ويأتي منهما الأمر يقال: دعْهُ وذرْه قال تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} [المدثر: 11] .
{أَزْوَاجاً} : الأزواج هاهنا: النساء، والعرب تسمي الرجل زوجاً وامرأته زوجاً له، وربما ألحقوا بها الهاء فقالوا: زوجة وهو خلاف الأفصح.
{يَتَرَبَّصْنَ} : التربص الانتظار ومنه قوله تعالى: {حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24] وقد تقدم.
{بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} : الأجل: المدة المضروبة للشيء، ويقال للمدة المضروبة لحياة الإنسان: أجل قال تعالى: {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ
…
} [الأعراف: 34] والمراد هنا: انقضاء العدة.
{خَبِيرٌ} : الخبير العالم بالأمور خفيّها وجليّها الذي لا تخفى عليه خافية.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه: الذين يموتون من رجالكم، ويتركون أزواجهم بعد الموت، على هؤلاء الزوجات أن ينتظرن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرة أيام، يمكثن في العدة حداداً على أزواجهن، فلا يتعرضن للخُطَّاب،
ولا يتزينن ولا يتطيّبن، ولا يخرجن من بيوت أزواجهن ما دُمْن في العدة فإذا انقضت عدتهن فلا جناح ولا إثم عليكم أيها الأولياء في تركهنّ أن يتزوجن، ويفعلن ما أباحه لهن الشرع من الزينة والتطيب، والله عليم بأعمالكم. خبير بأفعالكم، لا تخفى عليه خافية فاتقوه وأطيعوه في ما أمركم به، ومنه الحداد على الأزواج.
وجوه الإعراب
قوله تعالى: {والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} في إعرابه وجهان:
أحدهما أن {والذين} مبتدأ، و {يُتَوَفَّوْنَ} مضارع مبني للمجهول، والخبر محذوف تقديره: فيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون.
والثاني: أن المبتدأ محذوف و (الذين) قام مقامه تقديره: وأزواج الذين يتوفون منكم، ودل على المحذوف قوله:{وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} والخبر {يَتَرَبَّصْنَ} .
قال الطبري: «فإن قال قائل: فأين الخبر عن الذين يتوفون؟ قيل: متروك لأنه لم يقصد الخبر عنهم، وإنما قصد الخبر عن الواجب على المعتدات في وفاة أزواجهن، فصرف الخبر عنهم إلى الخبر عن أزواجهم، وهو نظير قول الشاعر:
لعلّي إنْ مالتْ بي الريحُ ميلة
…
على ابن أبي زبّان أن يتندما
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى: الفصيح المستعمل في التعبير عن الموت أن يقال: تُوفي فلان، بالبناء للمفعول، والتعبير باسم الفاعل يعده البعض لحناً، لأنه مقبوضٌ لا قابض، وقد روي عن أبي الأسود الدؤلي أنه كان خلف جنازة، فقال له رجل: من المُتَوفّي؟ فقال:» اللهُ تعالى «وكان هذا من أسباب وضع أحكام النحو.
اللطيفة الثانية: الزوج يطلق على الذكر والأنثى، وهو في الأصل العدد المكّون من اثنين، وسمي كل من الرجل والمرأة (زوجاً) لأن حقيقة الزوج مكونة من شيئين اتحدا فصارا شيئاً واحداً، ولهذا وضع لهما لفظ واحد، فهما في الظاهر شيئان، وفي الباطن شيء واحد، ومقتضى الزوجية أن يتحدا حتى يكون كل منهما كأنه عين الآخر.
اللطيفة الثالثة: روى ابن جرير الطبري عن أم سلمة رضي الله عنها، أن امرأة توفي عنها زوجها، واشتكت عينها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم َ تستفتيه في الكحل فقال لها:«لقد كانت إحداكنّ تكون في شر أحلاسها، فتمكث في بيتها في بيتها حولاً إذا توفي زوجها، فيمر عليها الكلب فترميه بالبعرة، أفلا أربعة أشهر وعشراً؟!» اللطيفة الرابعة: الحكمة في تحديد عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر أيام،
هي أن الغاية الأصلية معرفة براءة الرحم، والجنين يتكون في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين يوماً علقه، ثم أربعين يوماً مضغة، كما دل على ذلك الحديث الصريح الصحيح، فهذه مائة وعشرون يوماً، ثم تنفخ فيه الروح بعد هذه المدة، فزيدت العشر لذلك، وقد سئل أبو العالية: لم ضمت العشر إلى الأربعة أشهر؟ فقال: لأن الروح فيها تنفخ.
الحكم الأول: هل الآية ناسخة لآية الاعتداد بالحول؟
ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله عز وجل: {والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الحول غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] فقد كانت العدة حولاً كاملاً، ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر، وهذه الآية وإن كانت متقدمة في (التلاوة) على آية الاعتداد بالحول، إلاّ أنها متأخرة في (النزول) فإن ترتيب المصحف ليس على ترتيب النزول بل هو توقيفي فتكون ناسخة، وذهب بعضهم إلى أنه ليس في الآية نسخ، وإنما هو نقصان من الحول كصلاة المسافر لما نقصت من أربع إلى اثنين لم تكن نسخاً وإنما كانت تخفيفاً.
الحكم الثاني: ما هي عدة الحامل المتوفي عنها زوجها؟
عدة الحامل المتوفي عنها زوجها (وضع الحمل) لقوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ
الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فالآية هذه قد خصّصت العموم الوارد في قوله تعالى: {والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ
…
} وهذا قول جمهور العلماء.
وروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما أن الحامل تعتدّ بأبعد الأجلين، بمعنى أنها إذا كانت حاملاً فوضعت الحمل ولم تنته مدة العدة (أربعة أشهر وعشر) تبقى معتدة حتى تنتهي المدة، وإذا انتهت المدة ولم تضع الحمل تنتظر حتى وضع الحمل، فإذا قعدت أبعد الأجلين فقد عملت بمقتضى الآيتين، وإن اعتدت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدة الوفاة، والجمع أولى من الترجيح.
قال القرطبي: وهذا نظرٌ حسن لولا ما يعكر عليه من حديث (سبيعة الأسلمية) وهو في الصحيح.
حجة الجمهور:
استدل الجمهور على أن عدة الحامل وضع الحمل بالكتاب والسنة:
أ - أما الكتاب فقوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ، فهذه عامة في المطلّقة والمتوفى عنها زوجها، وقد جعل الله العدة فيها بوضع الحمل.
ب - وأما السنة فما روي عن (سُبيعة الأسلمية) أنها كانت تحت (سعد بن خولة) وهو ممن شهد بدراً، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنْشبْ (أي تلبث) أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلّت من نفاسها (أي طهرت من دم النفاس) تجمّلت للخُطّاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال لها: ما لي أراك متجملة، لعلّك ترجِّينَ النكاح؟ والله ما أنت بناكح حتى يمرّ عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعتُ عليّ ثيابي حين أمسيتُ، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم َ فسألته عن ذلك فأفتاني
بأني قد حللْتُ حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي «.
قال ابن عبد البر:» وقد روي أن ابن عباس رجع إلى حديث (سُبيْعة) لمّا احتُج به عليه، قال: ويصحّح ذلك أن أصحابه أفتوا بحديث سُبيْعة كما هو قول أهل العلم قاطبة «.
وقال القرطبي:» فبيّن الحديثُ أن قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] محمول على عمومه في المطلقات، والمتوفّى عنهن أزواجهن، وأن عدة الوفاة مختصة بالحائل من الصنْفين، ويعتضد هذا بقول ابن مسعود:«من شاء باهلته، إن آية النساء القصرى نزلت بعد آية عدة الوفاة» .
الحكم الثالث: ما هو الإحداد، وكم تحد المرأة على زوجها؟
أوجبت الشريعة الغراء أن تحد المرأة على زوجها المتوفى مدة العدة وهي (أربعة أشهر وعشر) ويجوز لها أن تحد على قريبها الميت ثلاثة أيام، ويحرم عليها أن تحد عليه فوق ذلك، لما روي في «الصحيحين» عن زينب بنت أم سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة حين توفي أبو سفيان (أبوها) فدعت أم حبيبة بطيبٍ فيه صفرة خلوق وغيره فدهنت منه جارية ثم مسّت بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم َ يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشراً» .
معنى الإحداد: والإحداد هو ترك الزينة، والتطيب، والخضاب، والتعرض
لأنظار الخاطبين، وهو إنما وجب على الزوجة وفاءٌ للزوج، ومراعاة لحقه العظيم عليها، فإن الرابطة الزوجية أقدس رباط، فلا يصح شرعاً ولا أدباً أن تنسى ذلك الجميل، وقد كانت المرأة تحد على زوجها حولاً كاملاً تفجعاً وحزناً على زوجها، فنسخ الله ذلك وجعله أربعة أشهر وعشراً.
روى البخاري ومسلم «عن أم سلمة أن امرأة قالت يا رسول الله:» إنّ ابنتي تُوفّي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال: لا، مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول: لا! ثم قال: إنما هي أربعة أشهر، وقد كانت إحداكنّ في الجاهلية تمكث سنة «قالت زينب بنت أم سلمة: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً، ولبست شر ثيابها، ولم تمسّ طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تؤتى بدابة حمارٍ أو شاة فتفتضّ بها، فقلما تفتضّ بشيء إلا مات.
وقد استنبط بعض العلماء وجوب الإحداد من قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ} أي من زينةٍ وتطيب، فيفيد تحريم ذلك في العدة وهو استنباط حسن دقيق، وقال بعضهم: الإحداد يكون بالتربص عن الأزواج والنكاح خاصة وهو ضعيف.
قال ابن كثير:» والإحداد هو عبارة عن ترك الزينة من الطيب، ولبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثياب وحلي وغير ذلك، وهو واجب في عدة الوفاة قولاً واحداً، ولا يجب في عدة الرجعية قولاً واحداً، وهل يجب في عدة البائن فيه قولان، ويجب الإحداد على جميع الزوجات المتوفى عنهن أزواجهن، سواء في ذلك الصغيرة، والآيسة، والحرة، والأمة، والمسلمة،
والكافرة لعموم الآية «.
الحكم الرابع: لماذا شرعت العدة على المرأة؟
ذكر العلماء لحكمة مشروعية العدة وجوهاً عديدة نجملها فيما يلي:
أ - معرفة براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض.
ب - للتعبد امتثالاً لأمر الله عز وجل حيث أمر بها النساء المؤمنات.
ج - إظهار الحزن والتفجع على الزوج بعد الوفاة اعترافاً بالفضل والجميل.
د - تهيئة فرصة للزوجين (في الطلاق) لإعادة الحياة الزوجية عن طريق المراجعة.
هـ - التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لا يتم إلا بانتظار طويل، ولولا ذلك لأصبح بمنزلة لعب الصبيان، يتم ثم ينفك في الساعة.
خاتمة البحث:
حكمة التشريع
فرض الله العدة على المسلمة، حفاظاً على كرامة الأسرة، ورعاية لها من التحلل والتفكك واختلاط الأنساب، وإحداداً على الزوج بإظهار التفجع والحزن عليه بعد الوفاة، احتراماً للرابطة المقدسة (رابطة الزواج) واعترافاً بالفضل والجميل لمن كان شريكاً في الحياة، وقد كانت العدة في الجاهلية حولاً كاملاً، وكانت المرأة تحد على زوجها شرّ حداد وأقبحه، فتلبس شرّ ملابسها، وتسكن شر الغُرف وهو (الحفش) وتترك الزينة والتطيب والطهارة، فلا تمسّ ماءًن ولا تقلّم ظفراً، ولا تزيل شعراً، ولا تبدو للناس في مجتمعهم،
فإذا انتهى العام خرجت بأقبح منظر، وأنتن رائحة، فتنتظر مرور كلب لترمي عليه بعرة احتقاراً لهذه المدة التي قضتها، وتعظيماً لحق زوجها عليها.
فلما جاء الإسلام أصلح هذه الحال، فجعل الحداد رمز (طهارة) لا رمز (قذارة) ، وجعل العدة على نحو الثلث مما كانت عليه، ولم يحرّم إلا الزينة والطيب والتعرض لأنظار الخاطبين من مريدي الزواج، دون النظافة والطهارة فإنهما شعار المسلم، وأباح له الجلوس في كل مكان من البيت، كما أباح لها الاجتماع مع النساء والمحارم من الرجال. ونساء المسلمين اليوم لا يسرن على هدي الإسلام في الحداد، فمنهن من تغالي في الحداد، وتغرق في النوح والندب، والخروج على المألوف من العادات، في اللباس والطعام والشراب، ولا يخصصن الزوج بما خصه به الشرع، بل ربما حددن على آبائهن أو أولادهن السنة والسنتين، وربما تركن الحداد على الزوج بعد الأربعين.
فالخير كل خير في إصلاح هذه العادات الرديئة في الحداد، إذ لا فائدة فيها إلاّ إفناء المال في تغيير اللباس والأثاث والرياش، وفساد آداب المعاشرة، ولا سبيل إلاّ بالعودة لأحكام الشرع بالحداد ثلاثة أيام على القريب، وأربعة أشهر وعشراً على الزوج، وجعل الحداد مقصوراً على ترك الزينة والطيب والخروج من المنزل.