المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة الانعام - روح البيان - جـ ٣

[إسماعيل حقي]

الفصل: ‌تفسير سورة الانعام

من تفسير روح البيان

‌تفسير سورة الانعام

وهى مكية وآيها مائة وخمس وستون وقيل ست آيات او ثلاث من قوله قُلْ تَعالَوْا مدينة ومن الله ارجوا تمامه بفضله وكرمه وهو قاضى الحاجات بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الانعام نزلت بمكة جملة واحدة ليلا معها سبعون الف ملك قد سدوا ما بين الخافقين ولهم زجل اى صوت بالتسبيح والتحميد والتمجيد حتى كادت الأرض ترتج فقال النبي صلى الله عليه وسلم (سبحان ربى العظيم سبحان ربى العظيم) وخر ساجد- وروى- عنه مرفوعا (من قرأ سورة الانعام يصلى عليه أولئك السبعون الف ملك ليله ونهاره) ثم دعا عليه السلام بالكتاب وامر بكتابتها من ليلته تلك- وروى- عنه عليه السلام مرفوعا (من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الانعام الى قوله تكسبون حين يصبح وكل الله به سبعين الف ملك يحفظونه وكتب له مثل أعمالهم الى يوم القيامة وينزل ملك من السماء السابعة ومعه مرزبة من حديد كلما أراد الشيطان ان يلقى فى قلبه شيأ من الشر ضربه بها وجعل بينه وبين الشيطان سبعين الف حجاب فاذا كان يوم القيامة قال الله تعالى يا ابن آدم امش تحت ظلى وكل من ثمار جنتى واشرب من ماء الكوثر واغتسل من ماء السلسبيل فانت عبدى وانا ربك لا حساب عليك ولا عذاب) كذا رواه الامام الواحدي فى الوسيط الْحَمْدُ لِلَّهِ الالف واللام فى الحمد لاستغراق الجنس واللام فى لله للاختصاص لانه تعالى قال بربهم يعدلون ودفع تسويتهم بربهم مما جعل مقصودا بالذات وفى التأويلات النجمية اللام لام التمليك يعنى كل حمد يحمده اهل السموات والأرض فى الدنيا والآخرة ملك له وهو الذي أعطاهم استعداد الحمد ليحمدوه بآثار قدرته على قدر استعدادهم واستطاعتهم لكن حمد الخلق له مخلوق فان وحمده لنفسه قديم باق فان قيل أليس شكر

ص: 2

المنعم واجبا مثل شكر الأستاذ على تعليمه وشكر السلطان على عدله وشكر المحسن على إحسانه قال عليه السلام (من لم يشكر الناس لم يشكر الله) فالجواب ان الحمد والتعظيم المتعلق بالعبد المنعم نظرا الى وصول النعمة من قبله وهو فى الحقيقة راجع اليه تعالى لانه تعالى لو لم يخلق نفس تلك النعمة ولو لم يحدث داعية الإحسان فى قلب العبد المحسن لما قدر ذلك العبد على الإحسان والانعام فلا محسن فى الحقيقة الا الله ولا مستحق للحمد الا هو تعالى وفى تعليق الحمد باسم الذات المستجمع لجميع الصفات اشارة الى انه المستحق له بذاته سواء حمده حامد او لم يحمده قال البغوي حمد الله نفسه تعليما لعباده اى احمدوه: وفى المثنوى

چونكه آن خلاق شكر وحمد جوست

آدمي را مدح جويى نيز خوست

خاصه مرد حق كه در فضلست چست

پر شود زان باد چون خيك درست

ور نباشد اهل زان باد دروغ

خيك بدريد است كى كيرد فروغ

الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ بما فيها من الشمس والقمر والنجوم وَالْأَرْضَ بما فيها من البر والبحر والسهل والجبل والنبات والشجر خلق السموات وما فيها فى يومين يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الأرض وما فيها فى يومين يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء. وفى تعليق الحمد بالخلق تنبيه على استحقاقه تعالى باعتبار أفعاله وآلائه ايضا وتخصيص خلق السموات والأرض بالذكر لانهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد وفيهما العبرة والمنافع لهم وجمع السموات دون الأرض وهى مثلهن لان طبقاتها مختلفة بالذات متفاوتة الآثار والحركات قالوا ما بين كل سماءين مسيرة خمسائة عام. السماء الدنيا موج مكفوف اى متصادم بعضه على بعض يمنع بعضه بعضا اى ممنوع من السيلان. والثانية مرمرة بيضاء. والثالثة حديدة. والرابعة نحاس او صفر. والخامسة فضة. والسادسة ذهب. والسابعة ياقوتة حمراء واما الأرض فهى تراب لا غير. والأكثرون على تفضيل الأرض على السماء لان الأنبياء خلقوا من الأرض وعبدوا فيها ودفنوا فيها وان الأرض دار الخلافة ومزرعة الآخرة وأفضل البقاع على وجه الأرض البقعة التي ضمت جسم الحبيب صلى الله تعالى عليه وسلم فى المدينة المنورة لان الجزء الأصلي من التراب محل قبره صلى الله عليه وسلم ثم بقعة الحرم المكي ثم بيت المقدس والشام منه ثم الكوفة وهى حرم رابع وبغداد منه وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ الجعل هو الإنشاء والإبداء كالخلق خلا ان ذلك مختص بالانشاء التكويني وفيه معنى التقدير والتسوية وهذا عام له كما فى الآية الكريمة وللتشريعى ايضا كما فى قوله ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ الآية اى ما شرع وما سن وجمع الظلمات لكثرة أسبابها فان سببها تخلل الجرم الكثيف بين النير والمحل المظلم وذلك التخلل يتكثر بتكثر الاجرام المتخللة بخلاف النور فان سببه ليس الا النار حتى ان الكواكب منيرة بناريتها فهى اجرام نارية وان الشهب منفصلة من نار الكواكب قال الحدادي وانما جمع الظلمات ووحد النور لان النور يتعدى والظلمة لا تتعدى- روى- ان هذه الآية نزلت تكذيبا للمجوس فى قولهم الله خالق النور والشيطان خالق الظلمات وفى التيسير انه رد على الثنوية فى اضافتهم خلق النور الى يزدان وخلق الظلمات الى أهرمن وعلى ذلك خلق كل خير

ص: 3

وشر ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ عطف على الجملة السابقة. وثم لاستبعاد الشرك بعد وضوح ما ذكر من الآيات التكوينية ببطلانه. والباء متعلقة بيعدلون وقدم المعمول على العامل للاهتمام وتحقيق الاستبعاد ويعدلون من العدل وهو التسوية يقال عدلت هذا بهذا إذا ساويته والمعنى انه تعالى مختص باستحقاق الحمد والعبادة باعتبار ما فصل من شؤونه العظيمة الخاصة به الموجبة لقصر الحمد والعبادة عليه ثم هؤلاء الكفرة لا يعملون بموجبه ويعدلون به سبحانه أي يسوون به غيره فى العبادة التي هى أقصى غايات الشكر الذي رأسه الحمد مع كون كل ما سواه مخلوقاله غير متصف بشىء من مبادى الحمد والاشارة ان الله تعالى خلق سموات القلوب وارض النفوس وجعل الظلمات فى النفوس وهى صفاتها البهيمية والحيوانية وأخلاقها السبعية والشيطانية والنور فى القلوب وهو صفاتها الملكية وأخلاقها الروحانية الباقية فمن غلب عليه النور وهو صفة الملكية الروحانية يميل الى عبودية الحق تعالى ويقبل دعوة الأنبياء ويؤمن بالله ورسوله ويتحلى بحلية الشريعة فالله تعالى يكون وليه فيخرجه من ظلمات الصفات الخلقية الحيوانية الى الصفات الملكية كقوله تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ومن غلب عليه الظلمات البشرية الحيوانية واتبع طاغوت الهوى واستلذ بشهوات الدنيا فالطاغوت يكون وليه فيخرجه من نور الصفات الروحانية الى ظلمات الصفات الحيوانية كقوله تعالى وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ فهذا معنى قوله تعالى ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ يعنى بعد ان خلق سموات القلوب وارض النفوس وجعل فيهن الظلمات النفسانية والنور الروحاني مال نفوس الكفار بغلبات صفاتها الى طاغوت الهوى فعبدوه وجعلوه عديلا لربهم كذا فى التأويلات النجمية- حكى- انه جاء جماعة من فقهاء اليمن الى الشيخ العارف بالله ابى الغيث ابن جميل قدس سره يمتحنونه فى شىء فلما دنوا منه قال مرحبا بعبيد عبدى فاستعظموا ذلك فلحقوا شيخ الطريقين وامام الفريقين أبا الذبيح اسمعيل بن محمد الحضرمي قدس سره فاخبروه بما قاله الشيخ ابو الغيث المذكور لهم فضحك وقال صدق الشيخ أنتم عبيد الهوى والهوى عبده

غلام همت آنم كه زير چرخ كبود

ز هر چهـ رنك تعلق پذيرد آزادست

هُوَ اى الله تعالى الَّذِي خَلَقَكُمْ اى ابتدأ خلقكم ايها الناس مِنْ طِينٍ اى تراب مخلوط بالماء فانه المادة الاولى للكل لما انه منشأ لآدم الذي هو اصل البشر قال السعدي بعث الله جبريل الى الأرض ليأتيه بطائفة منها فقالت الأرض انى أعوذ بالله منك ان تنقص منى فرجع جبرائيل ولم يأخذ شيأ قال جلال الدين رومى قدس سره فى المثنوى

معدن شرم وحيا بد جبرائيل

بست آن سوكندها بروى سبيل «1»

قال يا رب انها عاذت بك فبعث ميكائيل فاستعاذت كالمرة الاولى فرجع

خاك لرزيد ودر آمد در گريز

كشت اولا به وكنان أشك ريز «2»

رفت ميكائيل سوى رب دين

خالى از مقصود دست وآستين

گفت اسرافيل را يزدان ما

كه برو از ان خاك پر كن كف بيا «3»

(1) در اواسط دفتر پنجم در بيان حكايت ابتداى خلقت آدم عليه السلام إلخ

(2)

در اواسط دفتر پنجم در بيان فرمان آمدن بميكائيل إلخ

(3)

در اواسط دفتر پنجم در بيان فرستادن اسرافيل را إلخ

ص: 4

آمد اسرافيل هم سوى زمين

باز آغازيد خاكستان حنين

زود اسرافيل باز آمد بشاه

گفت عذر وماجرا نزد آله

فبعث ملك الموت فعاذت منه بالله فقال وانا أعوذ بالله ان أخالف امره فاخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء فلذلك اختلف ألوان ابن آدم ثم عجنها بالماء العذب والملح والمر فلذلك اختلف اخلاقهم فقال الله تعالى لملك الموت رحم جبرائيل وميكائيل الأرض ولم ترحمها لا جرم اجعل أرواح من اخلق من هذا الطين بيدك

گفت يزدان كه بعلم روشنم

من ترا جلاد اين خلقان كنم

- وروى- عن ابى هريرة خلق الله آدم من تراب وجعله طينا ثم تركه حتى كان حمأ مسنونا اى اسود متغيرا منتنا ثم خلقه وصوره وتركه حتى كان صلصالا كالفخار اى يابسا مصوتا كالمطبوخ بالنار ثم نفخ فيه من روحه وانما خلق من تراب لان مقام التراب مقام التواضع والمسكنة ومقام التواضع الرفعة والثبات ولذا ورد (من تواضع رفع الله) وكان دعاؤه صلى الله عليه وسلم (أحيني مسكينا وأمتني مسكينا) . وهو الحكمة فى تعذيب الإنسان بالنار لا بالماء لان الظرف المعمول من التراب إذا تنجس ببول او قذر آخر لا يطهر بالماء فالانسان المتنجس بنجاسة المعاصي لا يطهر الا بالنار. وهو الحكمة ايضا فى التيمم عند عدم الماء ويقبر كل جسد فى الموضع الذي أخذت منه طينته التي خمرت فى أول نشأة أبناء آدم عليه السلام قال الامام مالك لا اعرف اكبر فضل لابى بكر وعمر رضى الله عنهما من انهما خلقا من طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقرب قبرهما من حضرة الروضة المقدسة المفضلة على الأكوان بأسرها زادها الله تشريفا وتعظيما ومهابة ثُمَّ قَضى اى كتب لموت كل واحد منكم أَجَلًا خاصا به اى حدا معينا من الزمان يفنى عند حلوله لا محالة وثم للايذان بتفاوت ما بين خلقهم وبين تقدير آجالهم وَأَجَلٌ مُسَمًّى اى حد معين لبعثكم جميعا وهو مبتدأ خبره قوله عِنْدَهُ اى مثبت معين فى علمه لا يتغير ولا يقف على وقت حلوله أحد لا مجملا ولا مفصلا واما أجل الموت فمعلوم اجمالا وتقريبا بناء على ظهور اماراته او على ما هو المعتاد فى أعمار الإنسان وتسميته أجلا انما هى باعتبار كونه غاية لمدة لبسهم فى القبور لا باعتبار كونه مبدأ لمدة القيامة كما ان مدار التسمية فى الاجل الاول هو كونه آخر مدة الحياة لا كونه أول مدة الممات لما ان الاجل فى اللغة عبارة عن آخر المدة لا عن أولها قال حكماء الإسلام ان لكل انسان اجلين. أحدهما الآجال الطبيعية. والثاني الآجال الاخترامية. اما الآجال الطبيعية فهو الذي لو بقي الشخص على طبيعته ومزاجه ولم يعترضه العوارض الخارجية والآفات المهلكة لانتهت مدة بقائه الى ان تتحلل رطوبته وتنطفىء حرارته الغريزيتان. واما الآجال الاخترامية فهى التي تحصل بسبب من الأسباب الخارجية كالحرق والغرق ولدغ الحشرات وغيرها من الأمور المنفصلة قال بعض الأفاضل الاجل هو الوقت المضروب لطريان الزوال على كل ذى روح ولا يطرأ عليه إلا عند حلول ذلك الوقت لا يتأخر عنه ولا يسبقه كما يدل عليه قوله تعالى ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ فان قلت قوله تعالى وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ

ص: 5

مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى

صريح فى الدلالة على السبق على المسمى قلت تعدد الاجل انما هو بالنسبة إلينا واما بالنسبة اليه تعالى فهو واحد قطعا تحقيقه انه تعالى عالم فى الأزل كل الموجودات ومقدر لها حسبما شمله علمه فهو يقول فى الأزل مثلا ان فلانا ان اتقى وأطاع يبلغ الى اجله المسمى والمراد بالأجل هاهنا الاجل الثاني الأطول ووصفه بالمسمية ليس للتخصيص لان الاجل المسمى على كل حال وان لم يتق ولم يطع لم يبلغ هذه المرتبة لكن يعلم انه يفعل أحد الفعلين معينا فيقدر له الاجل المعين فيكون المقدر فى علم الله الاجل المعين وانا لعدم اطلاعنا فى علم الله تعالى لم نعلم ان ذلك الفلان أي الفعلين فعل وأيما الأجلين قضى له فاذا فعل أحدهما المعين وحل الاجل المرتب عليه علمنا ان ذلك هو المقدر المسمى فالتردد بالنسبة إلينا لا فى التقدير والا يلزم ان لا يكون علم الله تعالى بما فعل العبد قبل الوقوع وعلى هذا قول الله للكافر اسلم تدخل الجنة ولا تكفر تدخل النار مع علمه وتقديره عدم إسلامه فى

الأزل والأمر والنهى لاظهار الاطاعة او المخالفة فى الظاهر كمن يريد اظهار عدم إطاعة عبده له للحاضرين فيأمره بشىء وهو يعلم انه لا يفعله والعلم بعدم الاطاعة للحاضرين المترددين انما يحصل بامره وكذا صورة الطاعة وجميع المقدرات الالهية من افعال العباد الاختيارية من هذا القبيل فظهر ان التردد بالنسبة إلينا دون علم الله الا ان يطلعنا عليه باخباره الواقع فى علمه كما اطلع نبيه عليه السلام على بعض ما وقع من حال الكفار فى زمانه بقوله أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وقوله خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وقوله فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ فهذا اخبار بما فى علمه من انهم لا يختارون الايمان هذا غاية ما يقال فى هذا المقام والعلم عند الله الملك العلام ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ استبعاد لامترائهم فى البعث بعد ما تبين انه تعالى خالقهم وخالق أصولهم ومحييهم الى آجالهم فان من قدر على خلق المواد وجمعها وإبداع الحياة فيها وابقائها ما يشاء كان اقدر على جمع تلك المواد وإحيائها ثانيا والمرية هى الشك المجتلب بالشبهة أصلها من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها ليدر لبنها للحلب والمري استخراج اللبن من الضرع قال ابو السعود وصفهم بالامتراء الذي هو الشك وتوجيه الاستبعاد اليه مع انهم جازمون بانتفاء البعث مصرون على إنكاره كما ينبىء عنه قولهم أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ونظائره للدلالة على ان جزمهم المذكور فى أقصى مراتب الاستبعاد والاستنكار واعلم ان الإنسان وقت كونه نطفة ينكر صبرورته بشرا سويا فى الزمان الآتي وعند تصوره بصورة البشر يلزمه الحجة فانكاره الحشر انكار عين ما كان فيه: وفى المثنوى

پس مثال تو چوآن حلقه زنيست

كز درونش خواجه گويد خواجه نيست

حلقه زن زين نيست در يابد كه هست

پس ز حلقه بر ندارد هيچ دست

پس هم انكارت مبيّن ميكند

كز جماد او حشر صدفن ميكند

والاشارة ثُمَّ ان الله تعالى قَضى للروح من حكمته أَجَلًا لايام فراقه عن الحضرة وبعده عن وطنه الحقيقي وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ وهو أجل الوصلة بعد الفرقة فى مقام العندية كقوله فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ

ص: 6

فلاجل الفرقة مدى ومنتهى ولاجل الوصلة لامدى ولا منتهى وانما قال مسمى لان وقت الوصلة مسمى عنده وهو حين يجذبه اليه بجذبة ارجعي الى ربك ولايام الوصلة ابتداء وهو حين تطلع شمس التوحيد من مشرق القلوب الى ان تبلغ حد استواء الوحدة ثم تتسرمد فلا غروب لها ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ يا اهل الوصلة كما يمترى اهل الفرقة هذا محال جدا فعلى العاقل الاجتهاد قبل حلول الاجل والتهيؤ للوصول بحسن التوجه والعمل قال بعض المشايخ من ضيع حكم وقته فهو جاهل ومن قصر فيه فهو غافل وفى الحديث (ان لله خواص يسكنهم الرفيع من الجنان كانوا اعقل الناس كان هممهم المسابقة الى ربهم عز وجل والمسارعة الى ما يرضيه زهدوا فى الدنيا وفى فضولها وفى رياستها ونعيمها فهانت عليهم فصبروا قليلا واستراحوا طويلا) - روى- ان السرى السقطي قدس سره دخل عليه ابو القاسم الجنيد قدس سره وهو يبكى فقال له ما يبكيك قال جاءتنى البارحة الصبية فقالت يا أبت هذه ليلة حارة وهذا الكوز تعلقه هاهنا قال السرى فغلبتنى عيناى فنمت فرأيت جارية من احسن الخلق قد نزلت من السماء فقلت لمن أنت قالت لمن لا يشرب الماء المبرد فى الكيزان فتناولت الكوز وضربت به الأرض قال الجنيد فرأيت الخزف المكسور ولم يرفعه حتى عفا عليه التراب يا هذا انظر الى تركهم النعيم لم يرضوا لأنفسهم ان يشربوا ماء باردا او يأكلوا طعاما لذيذا فحين راقبوا الأوقات عوضهم الله حالات خارجة عن حسابات الساعات فلا انتهاء لاذواقهم أصلا وَهُوَ اى الله تعالى مبتدأ خبره قوله اللَّهُ باعتبار المعنى الوصفي اى المعبود ولذا تعلق به قوله فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ والمعنى وهو المعبود والمستحق للعبادة فيهما ولا يلزم من كونه تعالى معبودا فيهما كونه متحيزا فيهما فانه منزه عن الزمان والمكان- روى- ان امام الحرمين أستاذ الامام الغزالي نزل ببعض الأكابر ضيفا فاجتمع عنده العلماء والأكابر فقام واحد من اهل المجلس فقال ما الدليل على تنزهه عن المكان وهو قال الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فقال الدليل عليه قول يونس فى بطن الحوت لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فتعجب منه الناظرون فالتمس صاحب الضيافة بيانه فقال الامام ان هاهنا فقيرا مديونا بألف درهم ادعته دينه حتى أبينه فقبل صاحب الضيافة دينه فقال ان رسول الله لما ذهب فى المعراج الى ما شاء الله من العلى قال هناك (لا احصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) ولما ابتلى يونس عليه السلام بالظلمات فى قعر البحر ببطن الحوت قال لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فكل منهما خاطبه بقوله أنت وهو خطاب الحضور ولو كان هو فى مكان لما صح ذلك فدل ذلك على انه ليس فى مكان يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ خبر ثان اى ما اسررتموه وما جهرتم به من الأقوال وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ اى ما تفعلون لجلب نفع او دفع ضر من الأعمال المكتسبة بالقلوب او بالجوارح سرا وعلانية فيجازيكم على كل ذلك ان خيرا فخير وان شرا فشر وفى التأويلات النجمية وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ اى فى سموات الوجود وَفِي الْأَرْضِ اى فى ارض النفوس يَعْلَمُ سِرَّكُمْ الذي أودع فيكم وهو سر الخلافة الذي اختص به الإنسان لقبول الفيض الإلهي وَجَهْرَكُمْ اى ما هو

ص: 7

ظاهر منكم من الصفات الحيوانية والأحوال النفسانية وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ باستعمال الاستعداد السرى والجهرى فى المأمورات والمنهيات من الخير والشر وقد خص الإنسان بهذا الكسب ايضا دون الملك والحيوان فان الملك لا يقدر ان يكتسب من الصفات الحيوانية شيأ ولا الحيوان قادر على ان يكتسب من الصفات الملكية شيأ والإنسان متصرف فى هاتين الصفتين وله اكتساب التخلق بأخلاق الله بالتقرب الى الله بأداء ما افترض عليه والتزام النوافل واجتناب النواهي الى ان يصير من خير البرية وله ايضا ان يكتسب من الشر ما يصير به شر البرية انتهى قال حسين الواعظ الكاشفى فى تفسيره الفارسي [در نقد النصوص فرموده كه انسان مرآتيست ذات وجهين در يك رويش خصائص ربوبيت ودر روى ديگر نقايص عبوديت چون خصائص نكرى از همه موجودات بزرگوارتر و چون نقائص عبوديت شمارى از همه خوارتر وبيمقدارتر

چون در خود از أوصاف تو يابم اثرى

حاشا كه بود نكوتر از من دگرى

وآن دم كه فتد بحال خويشم نظرى

در هر دو جهان نباشد از من بتري

پس حق سبحانه وتعالى مى فرمايد كه من اسرار خصائص شما در تيه غيب ميدانم وآثار نقائص شما در عالم شهادت مى شناسم وديگر ميدانم آنچهـ شما ميكنيد از علا كه سبب ترقى باشد بر درجات انسانيه يا موجب تنزل بدركات حيوانيه ودانستن اين داناى سالك را بر ان دارد كه بإصلاح وتزكيه اعمال مشغول شده از حيز استيفاء حظوظ حيوانى بر ذروه استئناس با نعيم روحانى متصاعد گردد]

حيف باشد كه عمر انسانى

چون بهايم بخواب وخور گذرد

آدمي ميتواند از كوشش

كه مقام فرشته در گذرد

انتهى قال شيخنا العلامة ابقاء الله بالسلامة عند تأويل الحديث القدسي (سر الإنسان سرى وسرى سره) يعنى سره ظاهر سرى وصورة سرى وسرى باطن سره وحقيقة سره ثم قال واعلم ان سر الإنسان عبارة عن الحقيقة الانسانية الظاهرة على صورة الحقيقة الالهية كما قال عليه السلام (خلق الله آدم على صورته) ولما نزلت تلك الحقيقة الانسانية من مرتبة الغيب الى منزلة الشهادة وتجلى لها الحق سبحانه بجماله وجلاله أودع فى جانبها الشرقي نور جماله وجانبها الغربي ظلمة جلاله واقام فى الاول ملكا يهدى الى الحق وفى الثاني شيطانا يدعو الى الباطل والملك سادن قبضة الجمال ويد اللطف والشيطان خادم قبضة الجلال ويد القهر وإذا أراد الحق ان يصرف تلك الحقيقة الانسانية الى الحق يأمر الملك ان يلهمها إياه فتراه بالنور الإلهي الجمالي الذي فاض من تجلى الجمال فتتبعه وتقبله وتكون روحا مادام وتكون على الحق ثابتة ويصير قالبها الذي هو لوحه فى اثبات الحق قلبا ترتعى فى روضته ويتجلى لها الحق سبحانه بالتجليات الجمالية والألطاف الخالصة المورثة طمأنينتها وسكينتها وتكون على الاستسلام والطاعة والصبر والرضى وغير ذلك من الأخلاق الحميدة واما إذا أراد ان يصرفها الى الباطل فيخلى بينها وبين الشيطان فيلقنها إياه فلا تراه ولا تفهمه اى لا تعلم انه باطل يحجبها عن الحق لان الظلمة الحاصلة من تجلى الجلال تمنعها عن ذلك فلا تجتنبه بل تأخذه وتصير نفسا مظلمة بعد

ص: 8

كونها روحا نورانيا فتجريه فى قالبها الذي هو محل لذلك ويكون ذلك القالب طبيعة مظلمة بعد كونه قلبا نورانيا فيتجلى الحق تعالى بالتجليات الجلالية والأحوال القهرية التي تورث الاضطراب وعدم الاستسلام فتكون على المخالفة والاعراض وتتصف بالأوصاف الذميمة بعد الاتصاف بالحميدة هكذا الى آخر الأمر إذ ذلك سنته القديمة وعادته الازلية الى ما شاء الله تعالى فانه إذا أراد بعبده خيرا يفقهه فى الدين ويجذبه الى نفسه مما سواه ولا يسلط الشيطان عليه كما قال إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ بل للملائكة السادنة لقبضة الجمال عليهم سلطان بسلطانى عليهم واحكام القبضتين جارية فى العوالم فى الأنفس والآفاق على أيدي سدنتهما الى تمام الأمر والحكم فى التقلب للغالب انتهى كلام حضرة الشيخ قدس سره وهو الذي ما جاء مثله بعد الصدر القنوى والله اعلم اللهم اجعلنى من تابعيه حقيقة ومتبعيه شريعة وطريقة وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ ما نافية ومن الاولى مزيدة للاستغراق والثانية تبعيضية واقعة بمجرورها صفة لآية والمراد بالآيات اما الآيات التنزيلية فاتيانها نزولها. والمعنى ما ينزل الى اهل مكة آية من الآيات القرآنية إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ غير ملتفتين اى على وجه التكذيب والاستهزاء واما الآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وغيرها من تعاجيب المصنوعات فاتيانها ظهورها لهم. والمعنى ما يظهر لهم آية من الآيات التكوينية الدالة على وحدانية الله تعالى الا كانوا عنها معرضين تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدى الى الايمان بمكونها وعن متعلقة بمعرضين والجملة فى محل النصب على انها حال من مفعول تأتى ففيها دلالة على كمال مسارعتهم الى الاعراض وإيقاعهم له فى آن الإتيان كما يفصح عنه كلمة لما فى قوله تعالى فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فان الحق عبارة عن القرآن الذي اعرضوا عنه حيث اعرضوا عن كل آية منه وعبر عنه بذلك لكمال قبح ما فعلوا به فان تكذيب الحق مما لا يتصور صدوره عن أحد والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها لكن لا على انه شىء مغاير له فى الحقيقة واقع عقيبه او حاصل بسببه بل على ان الاول عين الثاني حقيقة وانما الترتيب بسبب التغاير الاعتباري كما فى قوله تعالى فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً بعد قوله تعالى وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فان ما جاؤه اى فعلوه من الظلم والزور عين قولهم المحكي لكنه لما كان مغايرا له مفهوما واشنع منه حالا رتب عليه بالفاء ترتيب اللازم على الملزوم تهويلا لامره كذلك مفهوم التكذيب بالحق لما كان اشنع من مفهوم الاعراض المذكور اخرج مخرج اللازم البطلان فرتب عليه بالفاء إظهارا لغاية بطلانه ثم قيد بذلك لكونه بلا تأمل تأكيدا لشناعته والمعنى انهم حيث اعرضوا عن تلك الآيات عند إتيانها فقد كذبوا بما لا يمكن تكذيبه أصلا من غير ان يتدبروا فى حاله ومآله فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ سوف لتأكيد مضمون الجملة والانباء جمع نبأ وهو الخبر الذي له عظم وشأن وما عبارة عن الحق المذكور وانباؤه عبارة عما سيحيق بهم من العقوبات العاجلة اى سيعلمون ما يؤول اليه عاقبة استهزائهم بالآيات فقتلهم الله يوم بدر بالسيف أَلَمْ يَرَوْا لما ذكر تعالى قبائحهم من الاعراض والتكذيب والاستهزاء اتبعه بما يجرى مجرى الموعظة فوعظهم بالقرون الماضية فقال الم يروا وهمزة الإنكار لتقرير الرؤية وهى

ص: 9

عرفانية مستدعية لمفعول واحد والضمير لاهل مكة اى ألم يعرفوا بمعاينة الآثار وسماع الاخبار كَمْ عبارة عن الاشخاص استفهامية كانت او خبرية أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ من متعلقة باهلكنا والمراد من قبل خلق اهل مكة او من قبل زمانهم على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه مِنْ قَرْنٍ مميز لكم عبارة عن اهل عصر من الاعصار سموا بذلك لاقترانهم برهة من الدهر كما فى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم (خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وأراد بالقرن الاول الصحابة وبالثاني التابعين وبالثالث تابع التابعين وقيل هو عبارة عن مدة من الزمان ثمانين سنة او سبعين او ستين او أربعين او ثلاثين او مائة فالمضاف على هذا محذوف اى من اهل قرن لان نفس الزمان لا يتعلق به الإهلاك مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ استئناف لبيان كيفية الإهلاك وتفصيل مباديه مبنى على سؤال نشأ من صدر الكلام كأنه قيل كيف كان ذلك فقيل مكناهم وتمكين الشيء فى الأرض

جعله قارا فيها ولما لزمه جعلها مقرا له ورد الاستعمال بكل منهما فقيل تارة مكنه فى الأرض واخرى مكن له فى الأرض حتى اجرى كل منهما مجرى الآخر ومنه قوله تعالى ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ بعد قوله تعالى مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ كأنه قيل فى الاول مكنا لهم وفى الثاني ما لم نمكن لكم وما نكرة موصوفة بالجملة المنفية بعدها والعائد محذوف محلها النصب على المصدرية اى مكناهم تمكينا لم نمكنه لكم ويحتمل ان يكون مفعولا به لمكناهم على المعنى لان معنى مكناهم أعطيناهم اى أعطيناهم ما لم نعطكم وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ اى المطر او السحاب عَلَيْهِمْ متعلق بأرسلنا مِدْراراً مغزارا اى كثير الدرور والصب وهو حال من السماء قال ابن الشيخ المدرار مفعال وهو من ابنية المبالغة للفاعل كامرأة مذكار ومئناث وأصله من در اللبن درورا وهو كثرة وروده على الحالب يقال سحاب مدرار ومطر مدرار إذا تتابع منه المطر فى اوقات الاحتياج اليه وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ اى صيرناها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ اى من تحت أشجارهم ومساكنهم وقصورهم والمعنى أعطيناهم من البسط فى الأجسام والامتداد فى الأعمار والسعة من الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا فى استجلاب المنافع واستدفاع المضار ما لم نعط اهل مكة ففعلوا ما فعلوا من الكفران والعصيان فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ اى أهلكت كل قرن من تلك القرون بسبب ما يخصهم من الذنوب فما اغنى عنهم تلك العدد والأسباب فسيحل بهؤلاء مثل ما حل بهم من العذاب وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ اى أحدثنا من بعد إهلاك كل قرن قَرْناً آخَرِينَ بدلا من الهالكين وهو لبيان كمال قدرته تعالى وسعة سلطانه وان ما ذكر من إهلاك الأمم الكثيرة لم ينقص من ملكه شيئا بل كلما أهلك امة انشأ بدلها اخرى يعمر بهم بلاده ومن عادته تعالى اذهاب اهل الظلم بعد الامهال ومجيئه باهل العدل والانصاف ونفى اهل الرياء والسمعة واثبات اهل الصدق والإخلاص ولن يزال الناس من اهل الخير فى كل عصر وعن ابى الدرداء رضى الله عنه انه قال ان لله عبادا يقال لهم الابدال لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة الصوم والصلاة والتخشع وحسن الحلية ولكن بلغوا بصدق الروع وحسن النية وسلامة الصدر والرحمة بجميع المسلمين اصطفاهم الله

ص: 10

بعلمه واستخلصهم لنفسه وهم أربعون رجلا على مثل قلب ابراهيم عليه السلام لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد انشأ من يخلفه واعلم انهم لا يسبون شيأ ولا يلعنون ولا يؤذون من تحتهم ولا يحقرونه ولا يحسدونه من فوقهم أطيب الناس خبرا وألينهم عريكة وأسخاهم نفسا لا تدركهم الخيل المجراة ولا الرياح العواصف فيما بينهم وبين ربهم انما قلوبهم تصعد فى السقوف العلى ارتباحا الى الله تعالى فى استباق الخيرات أولئك حزب الله ألا ان حزب الله هم المفلحون وهذا بعض كلامه وفى قوله تعالى فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ اشارة الى ان الهلاك مطلقا صوريا ومعنويا بدنيا وماليا انما هو بشؤم المعصية وكفران النعمة: ونعم ما قيل

شكر نعمت نعمتت افزون كند

كفر نعمت از كفت بيرون كند

فمن اعرض عن المعجزات والكرامات والإلهامات لاقباله على الدنيا وزينتها وشهواتها كأنهم الانعام بل هم أضل لان الانعام ما كذبت بالحق وهو قد كذب

دريغ آدمي زاده پر محل

كه باشد چوانعام بل هم أضل

وقوله تعالى فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ اى فى الدنيا والآخرة أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ اما فى الدنيا فمن استهزائهم بأقوال الأنبياء والأولياء وأحوالهم يصمهم الله ويعمى أبصارهم فلا يهتدون الى حق ولا الى حقيقة سبيلا واما فى الآخرة فيعذبهم بعذاب القطعية والبعد والحرمان والخلود فى النيران- حكى- ان امام الحرمين كان يدرس يوما فى المسجد بعد صلاة الصبح فمر عليه بعض شيوخ الصوفية ومعه أصحابه من الفقراء وقد دعوا الى بعض المواضع فقال امام الحرمين فى نفسه ما شغل هؤلاء الا الا كل والرقص فلما رجع الشيخ من الدعوة مر عليه وقال يا فقيه ما تقول فيمن صلى الصبح وهو جنب ويقعد فى المسجد ويدرس العلوم ويغتاب الناس فذكر امام الحرمين انه كان عليه غسل ثم حسن اعتقاده بعد ذلك فى الصوفية أقول وأول الأمر اعتقادهم ثم الاتباع بطريقتهم ثم الوصول الى مقاماتهم وقيل لابى القاسم الجنيد قدس سره ممن استفدت هذه العلوم فقال من جلوسى بين يدى الله تعالى ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة وأشار الى درجة فى داره فهذه الطريقة لا تنكشف اسرارها ولا تتلألأ أنوارها الا بعد اجتهاد تام وسلوك قوى والله الهادي وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ- روى- ان بعض المشركين قالوا يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه اربعة من الملائكة يشهدون انه من عند الله وانك رسوله فانزل الله تعالى قوله وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ اى مكتوبا فى رق فالكتاب بمعنى مفعول فَلَمَسُوهُ اى الكتاب بِأَيْدِيهِمْ بعد ما رأوه بأعينهم بحيث لم يبق لهم فى شأنه اشتباه فذكر اللمس لان التزوير لا يقع فيه فلا يمكنهم ان يقولوا انما سكرت أبصارنا اى سدت وذكر الأيدي مع ان اللمس لا يكون عادة الا بها لدفع التجوز فانه يتجوز به للتفحص كما فى قوله تعالى وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ اى تفحصنا لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا تعنتا وعنادا للحق بعد ظهوره كما هو دأب المحجوج اللجوج إِنْ هذا اى الكتاب إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ اى بين كونه سحرا على كل أحد ولا شك ان من حرم التوفيق وكذب بالحق غيبا وحدسا كذب به عيانا وحسا فلو ان اهل الإنكار رأوا الأولياء والصالحين

ص: 11

يطيرون فى الهواء لقالوا هذا سحر وهؤلاء شياطين وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ شروع فى قدحهم فى النبوة صريحا بعد ما أشير الى قدحهم فيها ضمنا ولولا تحضيضية بمعنى الأمر والضمير فى عليه للنبى عليه السلام اى هلا انزل عليه ملك بحيث نراه ويكلمنا انه نبى وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ولو أنزلنا ملكا على هيئة حسبما اقترحوه والحال انه من هول المنظر بحيث لا يطيق مشاهدته قوى الآحاد البشرية لقضى الأمر اى هلاكهم بالكلية ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ اى لا يمهلون بعد نزوله طرفة العين ومعنى ثم بعد ما بين الامرين قضاء الأمر وعدم الانظار وجعل عدم الانظار أشد من قضاء الأمر لان مفاجأة العذاب أشد من نفس العذاب وأشق وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً الهاء للمطلوب وهو ان يكون الشاهد على نبوته عليه السلام ملكا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا اى لمثلنا ذلك الملك رجلا لما مر من عدم استطاعة الآحاد لمعاينة الملك على هيكله وكان جبرائيل عليه السلام يأتى النبي عليه السلام فى صورة دحية الكلبي وجاء الملكان الى داود عليه السلام فى صورة رجلين مختصمين اليه وجاءت الملائكة الى ابراهيم فى صورة الضيفان فان القوة البشرية لا تقوى على رؤية الملك وصورته وانما رآهم كذلك الافراد من الأنبياء لقوتهم القدسية وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ جواب محذوف اى ولو جعلناه رجلا لخلطنا عليهم بتمثيله رجلا ما يَلْبِسُونَ على أنفسهم حينئذ بان يقولوا له انما أنت بشر ولست بملك والتعبير عن تمثيله تعالى رجلا باللبس لكونه سببا للبسهم وفيه تأكيد لاستحالة جعله ملكا كأنه قيل لو فعلناه لفعلنا ما لا يليق بشأننا من لبس الأمر عليهم من لبست الأمر على القوم البسه من باب ضرب إذا شبهت وجعلته مشكلا عليهم وأصله الستر بالثوب وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ برسل متعلق باستهزئ ومن ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع صفة لرسل وهو تسلية لرسول الله عليه السلام عما يلقاه من قومه اى وبالله لقد استهزىء برسل اولى شأن خطير وذوى عدد كثير كائنين من زمان قبل زمانك على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه فَحاقَ عقيبه اى أحاط او نزل او حل او نحو ذلك فان معناه يدور على الشمول واللزوم ولا يكاد يستعمل الا فى الشر والحيق ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ما موصولة اسمية والعائد الهاء فى به وبه متعلق بيستهزئون والموصول مع صلته فاعل حاق اى فاحاط بهم الذي كانوا يستهزئون به حيث اهلكوا لاجله فاسناد الإحاطة والإهلاك الى الرسل من قبيل الاسناد الى السبب والمعنى أحاط الله بهم واهلكهم بسبب استهزائهم بالرسل وقد أنجز الله ذلك يوم بدر أي انجاز قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ اى سافروا فى الأرض لتعرف احوال الأمم الماضية ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ اى تفكروا فى انهم كيف اهلكوا بعذاب الاستئصال وثم لتفاوت ما بين الواجبين فان وجوب السير ليس الا لكونه وسيلة الى النظر ومثله قوله توضأ ثم صل والعاقبة مصدر وهى منتهى الأمر ومآله اعلم ان الاستهزاء من شيم النفوس المتمردة بأرباب الدين من الأنبياء والأولياء فى كل زمان وحين- يروى- ان النبي عليه السلام كان جالسا فى المسجد الحرام مع جماعة من المستضعفين بلال وصهيب وعمار

ص: 12

وغيرهم فمر بهم ابو جهل فى ملا من قريش فقال يزعم محمد ان هؤلاء ملوك الجنة فاستهزأ بفقراء المسلمين وقد فعل الله به ما فعل يوم بدر فنال جزاء استهزائه وذلك محل العبرة لاولى الابصار: وفى المثنوى

نى ترا حفظ زبان از راز كس

نى نظر كردن بعبرت پيش و پس

پيش چهـ بود ياد مرك ونزع خويش

پس چهـ باشد مردن ياران ز پيش

- حكى- ان شيعيا يقال له ابن هيلان كان يتكلم بما لا ينبغى فى حق الصحابة فبينما هو يهدم خائطا إذ سقط عليه فهلك فدفن بالبقيع مقبرة المدينة فلم يوجد ثانى يوم فى القبر الذي دفن فيه ولا التراب الذي ردم به القبر بحيث يستدل بذلك لنبشه وانما وجدوا اللبن على حاله حسبما شاهده الجم الغفير حتى كان ممن وقف عليه القاضي جمال الدين وصار الناس يجيئون لرؤيته إرسالا الى ان اشتهر امره وعد ذلك من الآيات التي يعتبر بها من شرح الله صدره نسأل الله السلامة كذا فى المقاصد الحسنة للامام السخاوي. فعلم منه عاقبة الطعن والاستهزاء وان الله تعالى ينقل جيفة الفاسق من المحل المتبرك به الى المكان المتشأم منه كما ورد فى الحديث الصحيح (من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط نقله الله إليهم حتى يحشر معهم) كما فى الدرر المنتثرة للامام السيوطي وهذا صريح فى نقل جسده لان الحشر بالروح والجسد جميعا فكما ان الله تعالى ينقل أجساد الأشرار من مقام شريف الى محل وضيع كذلك ينقل أجسام الأخيار من مكان وضيع الى مقام شريف كالبقيع والحجون مقبرتى المدينة ومكة فان الله تعالى يسوق الأهل الى الأهل وهذا آخر الزمان وقلما يوجد فيه من هو متوجه الى القبلة فى الظاهر والباطن والحياة والممات ونعم ما قيل ذهب الناس وما بقي الا النسناس وهم الذين يتشبهون بالناس وليسوا بالناس وهم يأجوج ومأجوج او حيوان بحرى صورته كصورة الإنسان او خلق على صورة الناس أشبهوهم فى شىء وخالفوهم فى شىء وليسوا من بنى آدم وقيل هم من بنى آدم- روى- ان حيا من عاد عصوا رسولهم فمسخهم الله نسناسا لكل رجل منهم يد ورجل من شق واحد ينقز كما ينقز الطير ويرعون كما ترعى البهائم فأين الأخيار وابن أولوا الابصار مضوا والله ما بقي الا القليل: قال الحافظ قطعه

بدرين ظلمت سرا تا كى ببوى دوست بنشينم

كهى انكشت در دندان كهى سر بر سر زانوا

تناهى الصبر مذخلت بمأوى الأسد سرحان

وطار العقل إذ غنت بمغنى الورق غربان

بيا اى طائر فرخ بياور مژده دولت

عسى الأيام ان يرجعن قوما كالذى كانوا

اى كالوضع الذي كانوا عليه من الانتظام مطلقا قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ الجاء لاهل مكة الى الإقرار بان الكل من العقلاء وغيرهم لله خلقا وملكا وتصرفا كأنه يقول هل لكم سبيل الى عدم الإقرار بذلك مع كونه من الظهور بحث لا يقدر أحد على إنكاره وفى تصدى السائل للجواب قبل ان يجيب غيره ايماء الى ان مثل هذا السؤال لكون جوابه متعينا ليس من حقه ان ينتظر جوابه بل حقه ان يبادر الى الاعتراف بالجواب كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ جملة مستقلة داخلة تحت الأمر مسوقة لبيان انه تعالى رؤف بالعباد

ص: 13

لا يعجل عليهم بالعقوبة ويقبل منهم التوبة والانابة ومعنى كتب الرحمة على نفسه التزمها وأوجبها تفضلا وإحسانا لانه تعالى منزه عن ان يجب عليه شىء حقيقة وفى التعبير عن الذات بالنفس حجة على من ادعى ان لفظ النفس لا يطلق على الله تعالى لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ جواب قسم محذوف اى والله ليجمعنكم فى القبور مبعوثين او محشورين الى يوم القيامة فيجازيكم على شرككم وسائر معاصيكم وان أمهلكم بموجب رحمته ولم يعاملكم بالعقوبة الدنيوية لا رَيْبَ فِيهِ اى فى اليوم او فى الجميع الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ اى بتضييع رأس مالهم وهو الفطرة الاصلية والعقل السليم وهو مبتدأ وخبره قوله فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط والاشعار بان عدم ايمانهم بسبب خسرانهم فان ابطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك فى التقليد واغفال النظر أدى بهم الى الإصرار على الكفر والامتناع من الايمان والخروج عن دائرة الرحمة الخاصة قال القاضي والمراد بالرحمة ما يعم الدارين ومن ذلك الهداية الى معرفته والعلم بتوحيده بنصب الادلة وإنزال الكتب والامهال على الكفر وفى تفسير الكاشفى [مراد رحمت ذاتيه باشد كه رحمت مطلقه كونيد واين رحمتيست كه بر همه چيز فرا رسيده ونتيجه آن عطاء ادنيست بي سابقه سؤال واستدعا ورابطه حاجت واستحقاق چنانچهـ در مثنوى معنوى واردست]

در عدم ما مستحقان كى بديم

كه برين جان وبرين دانش زديم «1»

ما نبوديم وتقاضامان نبود

لطف تو نا كفته ما مى شنود «2»

قال الامام الأكمل فى شرح الحديث عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (جعل الله الرحمة مائة جزء فامسك عنده تسعة وتسعين وانزل فى الأرض جزأ واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حوافرها عن ولدها يمص ان تصيبه) فهذا مما يدل على كمال الرجاء والبشارة للمسلمين لانه حصل فى هذه الدار من رحمة واحدة ما حصل من النعم الظاهرة والباطنة فما ظنك بمائة رحمة فى الدار الآخرة وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال قدم على النبي عليه السلام سبى فاذا امرأة من السبي تحلب ثديها وتسعى قاذا وجدت صبيا فى السبي أخذته فالصقته ببطنها وارضعته فقال لنا النبي عليه السلام (أترون هذه طارحة ولدها فى النار) قلنا لا وهى قادرة على ان لا تطرحه فقال (الله ارحم بعباده من هذه بولدها) وفى المثنوى

آتش از قهر خدا خود ذره ايست

بهر تهديد لئيمان دره ايست «3»

با چنين قهرى كه زفت وفايقست

برد لطفش بين بر آتش سابقست

رحمت بيچون چنين دان اى پدر

نايد اندر وهم از وى جز اثر «4»

قال حضرة الشيح الأكبر قدس سره الأطهر فى الفتوحات المكية وجدنا آية الرحمة وهى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تتضمن الف معنى كل معنى لا يحصل الا بعد انقضاء حول ولا بد من حصول هذه المعاني التي تضمنها بسم الله الرحمن الرحيم لانه ما ظهر الا ليعطى معناه فلا بد من كمال الف سنة لهذه الامة اللهم ارحمنا إذا عرق الجبين وكثر الأنين وبكى علينا الحبيب ويئس منا الطبيب اللهم ارحمنا إذا وارانا التراب وودعنا الأحباب وفارقنا النعيم وانقطع النسيم

(1) در اواسط دفتر ششم در بيان انابت طالب كنج و پشيمانى او إلخ [.....]

(2)

در أوائل دفتر يكم در بيان اعتراض كردن مر مدان بر خلوت وزير إلخ

(3)

در اواخر دفتر چهارم در بيان باز التماس كردن ذو القرنين از كوه فاف إلخ

(4)

در اواخر دفتر سوم در بيان شناختن هر حيوان ببوى عدو خويش إلخ

ص: 14

اللهم ارحمنا إذا نسى اسمنا وبلى جسمنا واندرس قبرنا وانطوى ذكرنا اللهم ارحمنا يوم تبلى السرائر وتبدى الضمائر وتنشر الدواوين وتحشر الموازين اللهم يا حى يا قيوم يا رحمن يا رحيم برحمتك نستعين. هذه مناجاة حضرة الشيخ المذكور ولعمرى انها مناجاة شريفة ومناداة لطيفة وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ- روى- ان كفار مكة أتوا رسول الله فقالوا يا رسول الله قد علمنا انك ما يحملك على ما تدعونا اليه الا الفقر والحاجة فنحن نجمع لك من القبائل أموالا تكون أغنانا رجلا وترجع عما أنت عليه من الدعوة فانزل الله تعالى هذه الآية والمعنى ولله تعالى خاصة جميع ما استقر فيهما واشتملا عليه فان أراد يعطى رسوله مالا كثيرا ليكون اغنى الخلق نزل الملوان منزلة المكان فعبر عن نسبة الأشياء الزمانية إليهما بالسكنى فيهما وَهُوَ السَّمِيعُ المبالغ فى سماع كل مسموع الْعَلِيمُ المبالغ فى العلم بكل معلوم فلا يخفى عليه شىء من الأقوال والافعال وفى الخبر (ان الله تعالى خلق جوهرتين إحداهما مظلمة والاخرى مضيئة فاستخلص من المضيئة كل نور فخلق من نورها النهار ومن الباقي النار واستخلص من الظلمة كل ظلمة فخلق منها الليل وخلق من الباقي الجنة فالليل من الجنة والنار من النار) ولذلك كان الانس بالليل اكثر فالليل انس المحبين وقرة أعين المحبوبين وقدم الليل على النهار لان الليل لخدمة المولى والنهار لخدمة الخلق ومعارج الأنبياء كانت بالليل والقدر فى الليل خير من الف شهر وليس فى الأيام مثلها وكان بعض الأولياء يقول إذا جاء الليل جاء الخلق الأعظم يقول الفقير جامع هذه المجالس اما من حجب عن سر الليل وحلاوة المناجاة فيه وذوق الخلوة والوحدة فالمحبوب اليه النهار كعلماء الرسوم ألا ترى الى ثعلب النحوي يقول وددت ان الليل نهار حتى لا تنقطع عنى أصحابي وهذا حرص منه على الكثرة والالفة معها والأفكل معلم لم يكن أعلى حالا من المجتهدين ألا ترى ان امامنا الأعظم كان يدرس ويحيى الليل

هر كنج سعادت كه او داد بحافظ

از يمن دعاى شب وورد سحرى بود

وعلم من التقرير المذكور افضلية الليل على النهار واعلم ان الكل خلق الله تعالى ولكل منهما ملك موكل به وفى الخبر عن سلمان رضى الله عنه قال الليل موكل به ملك يقال له شراهيل فاذا حان وقت الليل أخذ خرزة سوداء فدلاها من قبل المغرب فاذا نظرت إليها الشمس وجبت فى اسرع من طرفة العين وقد أمرت ان لا تغرب حتى ترى الخرزة فاذا غربت جاء الليل وقد نشرت الظلمة من تحت جناحى ملك فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيىء ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء فيعلقها من قبل المطلع فاذا رأتها الشمس طلعت فى طرفة عين وقد أمرت ان لا تطلع حتى ترى الخرزة البيضاء فاذا طلعت جاء النهار فنشر النور من تحت جناحى ملك فلنور النهار ملك موكل ولظلمة الليل ملك موكل عند الطلوع والغروب كما وردت الاخبار قُلْ يا محمد لكفار مكة ونزلت حين دعوه الى الشرك ودين آبائه أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا اى معبودا بطريق الاستقلال او الاشتراك وقد اتخذني الله فى أزليته حبيبا كما قال عليه السلام (لو كنت متخذا خليلا غير الله لا تخذت أبا بكر خليلا

ص: 15

ولكن الله اتخذ صاحبكم خليلا) اى لا اتخذ فالمنكر هو اتخاذ غير الله وليا لا نفس اتخاذ الولي لكن قدم المفعول لكونه مناط الإنكار فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مبدعهما اى خالقهما ابتداء لا على مثال سبق وهو بدل من الجلالة وَهُوَ اى والحال انه يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ اى يرزق الخلق ولا يرزق وتخصيص الطعام بالذكر لشدة الحاجة اليه قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وجهه لله مخلصاله لان النبي امام أمته فى الإسلام وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اى وقيل لى لا تكونن من المشركين به تعالى فى امر من امور الدين ومعناه أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك وحقيقة الإسلام الإخلاص من حبس الوجود وما خلص منه غيره عليه السلام بالكلية ولهذا يقول الأنبياء نفسى نفسى وهو يقول أمتي أمتي قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي اى بمخالفة امره ونهيه أي عصيان كان عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ اى عذاب يوم القيامة مفعول أخاف وفيه قطع لاطماعهم وتعريض بانهم عصاة مستوجبون للعذاب العظيم مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ اى من يصرف عنه العذاب فى ذلك اليوم العظيم ويومئذ ظرف للصرف فَقَدْ رَحِمَهُ اى نجاه وأنعم عليه وَذلِكَ الصرف الْفَوْزُ الْمُبِينُ اى النجاة الظاهرة وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ دليل آخر على انه لا يجوز للعاقل ان يتخذ غير الله وليا اى ببلية كمرض وفقر ونحو ذلك والباء للتعدية وترجمته بالفارسية [واگر برساند خدا بتو سختى] فَلا كاشِفَ لَهُ اى فلا قادر على كشف ذلك الضر ورفعه عنك إِلَّا هُوَ تعالى وحده وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ من صحة ونعمة ونحو ذلك فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فكان قادرا على حفظه وادامته فلا يقدر غيره على رفعه كقوله فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال اهدى الى النبي عليه السلام بغلة أهداها كسرى فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه ثم ساربى مليا ثم التفت الى فقال (يا غلام) فقلت لبيك يا رسول الله فقال (احفظ الله بحفظك احفظ الله تجده امامك تعرّف الى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فقد مضى القلم بما هو كائن فلو جهد الخلائق ان ينفعوك بما لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه ولو جهدوا ان يضروك بما لم يكتب الله عليك ما قدروا عليه فان استطعت ان تعمل بالصبر مع اليقين فافعل فان لم تستطع فاصبر فان فى الصبر على ما تكره خيرا كثيرا واعلم ان النصر مع الصبر وان مع الكرب الفرج وفَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً فان قلت قد يتصور ان يكشف الإنسان عن صاحبه كربة من الكرب قلت كاشف الضر فى الحقيقة هو الله تعالى اما بواسطة الأسباب او بغيرها: قال الحافظ

كر رنج پيشت آيد وكر راحت اى حكيم

نسبت مكن بغير كه اينها خدا كند

وكذا الاستعانة فى الحقيقة من الله تعالى فالاستعانة من الأنبياء والأولياء انما هى استشفاع منهم فى قضاء الحاجة والموحد لا يعتقد ان فى الوجود مؤثرا غير الله تعالى وَهُوَ الْقاهِرُ اى القادر الذي لا يعجزه شىء مستعليا فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ فى كل ما يفعله ويأمر به الْخَبِيرُ بأحوال عباده وخفايا أمورهم. صور قهره تعالى وعلو شانه بالعلو الحسى فعبر عنه بالفوقية بطريق الاستعارة التمثيلية فقوله وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ عبارة عن كمال القدرة

ص: 16

كما ان قوله وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ عبارة عن كمال العلم قال المولى الفنارى فى تفسيره الفوقية من حيث القدرة لا من حيث المكان لعلو شأنه تعالى عن ذلك فانه تعالى قاهر للممكنات معدومة كانت او موجودة لانه يقهر كل واحد منهما بضده فيقهر المعدومات بالإيجاد والتكوين والموجودات بالافناء والإفساد وفى التأويلات النجمية وقد عم قهره جميع عباده فقهر الكفار بموت القلوب وحياة النفوس إذا اخطأهم النور المرشش على الأرواح فى بدء الخلقة فضلوا فى ظلمات الطبيعة وما اهتدوا الى نور الشريعة وقهر نفوس المؤمنين بانوار الشريعة فاخرجهم من ظلمات الطبيعة بالقيام على طاعته وقهر قلوب المحبين بلوعات الاشتياق فآنسها بلطف مشاهده وقهر أرواح الصديقين بسطوات تجلى صفات جلاله وبالجملة لا ترى شيأ سواه الا وهو مقهور تحت اعلام عزته وذليل فى ميادين صمديته فعلى العبد ان يعرف مولاه ويشتغل بعبوديته وهو الله تعالى الذي خلق كل شىء وأوجده وقهره- وحكى- عن الشيخ عبد الواحد بن زيد قدس سره قال كنت فى مركب فطرحتنا الريح الى جزيرة وإذا فيها رجل يعبد صنما فقلنا له يا رجل من تعبد فاومأ الى الصنم فقلنا له ان آلهك هذا مصنوع عندنا من يصنع مثله ما هذا بآله يعبد قال فانتم من تعبدون قلنا نعبد الذي فى السماء عرشه وفى الأرض بطشه وفى الاحياء والأموات قضاؤه تقدست أسماؤه وجلت عظمته وكبرياؤه قال ومن أعلمكم بهذا قلنا وجه إلينا رسولا كريما فاخبرنا بذلك قال ما فعل الرسول فيكم قلنا لما ادى الرسالة قبضه الملك اليه واختار له ما لديه قال فهل ترك عندكم من علامة قلنا نعم ترك عندنا كتابا للملك قال فارونى كتاب الملك فانه ينبغى ان تكون كتب الملوك حسانا فاتيناه بالمصحف فقال ما اعرف هذا فقرأنا عليه سورة فلم يزل يبقى حتى ختمنا السورة فقال ينبغى لصاحب هذا الكلام ان لا يعصى ثم اسلم وحسن إسلامه ثم مات بعد ايام على احسن حال والحمد لله الملك المتعال فى الغدو والآصال انه هو المعبود المقصود واليه يأول كل امر موجود قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً- روى- ان قريشا قالوا لرسول الله يا محمد لقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا ان ليس لك عندهم ذكر ولا صفة فارنا من يشهد انك رسول الله فانهم انكروك فانزل الله تعالى هذه الآية امر حبيبه عليه السلام بان يقول لهم أي شىء أعظم من جهة الشهادة قُلِ اللَّهُ اى الله اكبر شهادة فشهادته اكبر من شهادة الخلق فان شهادة الخلق وعلومهم لا تحيط بحقائق الأشياء كلها والحق سبحانه هو الذي يحيط علمه بجميع حقائق الأشياء امر له عليه السلام بان يتولى الجواب بنفسه للايذان بتعينه وعدم قدرتهم على ان يجيبوا بغيره شَهِيدٌ اى هو شهيد بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على صدقى وَأُوحِيَ إِلَيَّ من جهته تعالى هذَا الْقُرْآنُ الشاهد بصحة رسالتى لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ اى أخوفكم بما فيه من الوعيد ايها الموجودون وقت نزول القرآن وَمَنْ بَلَغَ عطف على ضمير المخاطبين اى بلغه القرآن من الانس والجن الى يوم القيامة قال محمد بن كعب القرطبي من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا عليه السلام وسمع منه أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ الجاء لهم الى الإقرار باشراكهم إذ لا سبيل لهم الى إنكاره لاشتهارهم به والاستفهام فيه للانكار والتوبيخ والمعنى بالفارسية [آيا شماييد كه

ص: 17

گواهى ميدهيد] أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لهم لا أَشْهَدُ بذلك وان شهدتم به فانه باطل صرف قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ تكرير الأمر للتأكيد اى بل انما اشهد انه تعالى لا اله الا هو اى متفرد بالالوهية وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ به من الأصنام الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ جواب عما سبق من قولهم لقد سألنا عنك اليهود والنصارى والمراد بالموصول اليهود والنصارى وبالكتاب الجنس المتنظم للتوارة والإنجيل يَعْرِفُونَهُ اى محمدا عليه السلام بحليته ونعوته فى كتابهم كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ بحلاهم المعينة لهم- روى- ان رسول الله لما قدم المدينة قال عمر رضى الله عنه لعبد الله بن سلام انزل الله تعالى على نبيه هذه الآية فكيف هذه المعرفة فقال يا عمر لقد عرفته فيكم حين رأيته كما اعرف ابني ولأنا أشد معرفة بمحمد منى با بنى لانى لا أدرى ما صنع النساء واشهد انه حق من الله تعالى فقال عمر وفقك الله يا ابن سلام الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ اى غبنوا أنفسهم من اهل الكتابين والمشركين بان ضيعوا فطرة الله التي فطر الناس عليها واعرضوا عن البينات الموجبة للايمان بالكلية وهو مبتدأ خبره قوله فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ لما انهم مطبوع على قلوبهم والفاء السببية تدل على ان تضييع الفطرة الاصلية والعقل السليم سبب لعدم الايمان قال البغوي وذلك ان الله تعالى جعل لكل آدمي منزلا فى الجنة ومنزلا فى النار فاذا كان يوم القيامة جعل الله للمؤمنين منازل اهل النار فى الجنة ولاهل النار منازل اهل الجنة فى النار وذلك هو الخسران وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً

لوصفهم النبي المنعوت فى الكتابين بخلاف أوصافه عليه السلام فانه افتراء على الله تعالى وبقولهم الملائكة بنات وقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله ونحو ذلك اى لا أحد اظلم منه أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ كأن كذبوا بالقرآن وبالمعجزات وسموها سحرا وحرفوا التوراة وغيروا نعوته عليه السلام فان ذلك تكذيب بآياته وكلمة او للايذان بان كلا من الافتراء والتكذيب وحده بالغ غاية الافراط فى الظلم كيف وهم قد جمعوا بينهما فاثبتوا ما نفاه الله تعالى ونفوا ما أثبته إِنَّهُ اى الشان لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ اى لا ينجون من مكروه ولا يفوزون بمطلوب وإذا كان حال الظالمين هذا فما ظنك بمن فى الغاية القاصية من الظلم وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا يوم منصوب على الظرفية بمضمر مؤخر قد حذف إيذانا بضيق العبارة عن شرحه وبيانه والحشر جمع الناس الى موضع معلوم والضمير للكل وجميعا حال منه والمعنى ويوم نحشر الناس كلهم ثم نقول للمشركين خاصة للتوبيخ والتقريع على رؤس الاشهاد ما نقول كان من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به دائرة المقال والعطف بثم للتراخى الحاصل بين مقامات يوم القيامة فى المواقف فان فيه مواقف بين كل موقف وموقف تراخ على حسب طول ذلك اليوم أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ اى آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله فالاضافة مجازية باعتبار اثباتهم الشركة لآلهتهم الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ اى تزعمونها شركاء شفعاء والزعم القول الباطل والكذب فى اكثر الكلام ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا الفتنة مرفوع على انه اسم تكن والخبر الا ان قالوا والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء وفتنتهم اما كفرهم مرادا به عاقبته اى لم تكن عاقبة كفرهم الذي التزموه مدة

ص: 18

أعمارهم وافتخروا به شيأ من الأشياء إلا جحوده والتبري منه بان يقولوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ واما جوابهم عبر عنه بالفتنة لانه كذب وانما يقولون مع علمهم بانه بمعزل من النفع رأسا من فرط الحيرة والدهش كما يقولون ربنا أخرجنا منها وقد أيقنوا بالخلود انْظُرْ يا محمد كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ بانكار صدور الإشراك عنهم فى الدنيا وتعجب من كذبهم فانه امر عجيب وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ عطف على كذبوا داخل فى حيز انظر اى كيف زال وذهب وبطل افتراؤهم فانهم كانوا يفترون فى حق الأصنام انها شفعاؤهم عند الله تعالى فبطل ذلك بالكلية يوم القيامة وفى الآيات امور. الاول اطلاق لفظ الشيء على الله تعالى لكن بمعنى شاىء لا بمعنى مشيىء وجوده فهو الشائي المريد. والثاني انه يلزمه التبري من الشرك عقيب التوحيد قال المولى الشهير بأخي چلبى فى حواشى صدر الشريعة اسلام اليهود والنصارى مشروط بالتبري من اليهودية والنصرانية بعد الإتيان بكلمتي الشهادة وبدون التبري لا يكونان مسلمين ولواتيا بالشهادتين مرارا لانهما فسرا قولهما بانه رسول الله إليكم لكن هذا فى الذين اليوم بين ظهرانى اهل الإسلام اما إذا كان فى دار الحرب وحمل عليه رجل من المسلمين فاتى بالشهادتين او قال دخلت دين الإسلام او فى دين محمد عليه السلام فهذا دليل توبته انتهى قال فى الدر المختصر فى صفة الايمان ان يقول ما أمرني الله تعالى به قبلته وما نهانى عنه انتهيت عنه فاذا اعتقد ذلك بقلبه وأقر بلسانه كان ايمانا صحيحا وكان مؤمنا بالكل انتهى وايمان المقلد صحيح عند الامام الأعظم الا انه يأثم بترك النظر والاستدلال وفى فصل الخطاب من نشأ فى بلاد المسلمين وسبح الله تعالى عند رؤية صنائعه فهو خارج عن حد التقليد. والثالث ان قوله تعالى كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ يشير الى ان الآباء قد تحقق عندهم انهم مصادر الأبناء ومبدأ وجود الأبناء منهم فكذلك اهل المعرفة تحقق عندهم ان الله تعالى مصدرهم ومبدأ وجودهم منه: قال الحافظ

در مكتب حقائق و پيش اديب عشق

هان اى پسر بكوش كه روزى پدر شوى

خواب وخورت ز مرتبه خويش دور كرد

آنكه رسى بخويش كه بي خواب وخور شوى

فالوصول الى المبدأ القديم بعد العبور من جسر الوصف الحادث. والرابع ان النافع هو الايمان والتوحيد والصدق والإخلاص دون الشرك والكذب- يروى- ان المشركين إذا رأوا يوم القيامة مغفرة الله تعالى وتجاوزه عن اهل التوحيد قال بعضهم لبعض تعالوا نكتم الشرك لعلنا تنجو مع اهل التوحيد فيقولون والله ربنا ما كنا مشركين فيختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم بالكفر فلا يفلحون. وكذا اهل الرياء من اهل التوحيد يزعمون انهم على اليقين وكمال الإخلاص وأفعالهم الصادرة عن جوارحهم تدل على خلاف ذلك فانما خلق الله جهنم لتطهير اهل الشرك مطلقا لكن اهل الكفر مخلدون فافهم المقام واعلم ان الله تعالى واحد وكل شىء يشهد على وحدته وعلى هذه الوحدة يعرفه ويشاهده اهل المعرفة والمشاهدة فان كثرة الآثار لا تنافى الوحدة كالنواة مع الشجرة: قال الحافظ

تا دم وحدت زدى حافظ شوريده حال

خامه توحيد كش بر ورق اين وآن

وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ إذا قرأت القرآن- روى- انه اجتمع ابو سفيان

ص: 19

والوليد والنضر وعتبة وشيبة وابو جهل واضرابهم يستمعون تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر وكان صاحب اخبار يا أبا قتيلة ما يقول محمد فقال والذي جعلها بيته ما أدرى ما يقول الا انه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية فقال ابو سفيان انى ارى بعض ما يقول حقا فقال ابو جهل كلا فنزلت فالضمير للمشركين وَجَعَلْنا اى انشأنا عَلى قُلُوبِهِمْ الضمير راجع الى من باعتبار المعنى أَكِنَّةً اى اغطية كثيرة لا يقادر قدرها خارجة مما يتعارفه الناس. جمع كنان بالكسر وهو ما يستر به الشيء أَنْ يَفْقَهُوهُ مفعول له بحذف المضاف اى كراهة ان يفقهوا ما يستمعون من القرآن المدلول عليه بذكر الاستماع وَجعلنا فِي آذانِهِمْ وَقْراً اى صمما وثقلا كراهة ان يستمعوه حق الاستماع وهذا تمثيل معرب عن كمال جهلهم بشؤون النبي عليه السلام وفرط نبوّ قلوبهم عن فهم القرآن الكريم ومج أسماعهم له وهذا دليل على ان الله تعالى يقلب القلوب فيشرح بعضها للهدى ويجعل بعضها فى اكنة فلا تفقه كلام الله ولا تؤمن كما هو مذهب اهل السنة وفى الآية اشارة الى ان مكافاة من يستمع الى كلام الله تعالى او الى حديث النبي عليه السلام او الى كلمات ارباب الحقائق بالإنكار ليأخذوا عليها ويطعنوا فيها ان يجعل الله تعالى حجابا على قلوبهم وسمعهم حتى لا يصل إليهم أنوارها ولا يجدون حلاوتها ولا يفهمون حقائقها: قال المولى الجامى

عجب نبود كه از قرآن نصيبت نيست جز حرفى

كه از خورشيد جز كرمى نبيند چشم نابينا

وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ من الآيات القرآنية اى يشاهدوها بسماعها لا يُؤْمِنُوا بِها اى كفروا بكل واحدة منها وسموها سحرا وافتراء وأساطير لفرط عنادهم واستحكام التقليد فيهم حَتَّى ابتدائية ومع هذا لا مانع من ان تفيد معنى الغاية اى بلغ بهم ذلك المنع من فهم القرآن الى انهم إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ اى حال كونهم مجادلين لك يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا اى لا يكتفون بمجرد عدم الايمان بما سمعوا من الآيات الكريمة بل يقولون إِنْ هذا اى ما هذا القرآن إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اى أباطيلهم وأكاذيبهم. جمع اسطورة بالضم كالاضاحيك والأعاجيب جمع اضحوكة واعجوبة: وفى المثنوى

چون كتاب الله بيامد هم بران

اين چنين طعنه زدند آن كافران «1»

كه أساطير است وافسانه نژند

نيست تعميقى وتحقيقي بلند

تو ز قرآن اى پسر ظاهر مبين

ديو آدم را نبيند غير طين «2»

وَهُمْ اى الكفار يَنْهَوْنَ الناس عَنْهُ اى عن القرآن والايمان به وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ اى يتباعدون عنه بانفسهم إظهارا لغاية نفورهم منه وتأكيد لنهيهم عنه فان اجتناب الناهي عن المنهي عنه من متممات النهى ولعل ذلك هو السر فى تأخير النأى عن النهى. والنأى البعد وَإِنْ يُهْلِكُونَ اى ما يهلكون بالنهى والنأى إِلَّا أَنْفُسَهُمْ لان ضرره عليهم وَما يَشْعُرُونَ اى والحال انهم ما يعلمون اى لا باهلاك أنفسهم ولا باقتضاء ذلك عليها من غير ان يضروا بذلك شيأ من القرآن والرسول والمؤمنين وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ الخطاب

(1) در اواخر دفتر سوم در بيان ذكر بداند بشيدن قاصر فهمان إلخ

(2)

در اواخر دفتر سوم در بيان حديث ان للقرآن ظهرا وبطنا إلخ

ص: 20

اما لرسول الله صلى الله عليه وسلم او لكل أحد من اهل المشاهدة والعيان. والوقف الحبس وجواب لو ومفعول ترى محذوف اى لو تراهم حين يوقفون على النار حتى يعاينوها لرأيت ما لا يساعده التعبير فَقالُوا يا للتنبيه لَيْتَنا نُرَدُّ الى الدنيا وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا القرآنية وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بها العاملين بمقتضاها حتى لا نرى هذا الموقوف الهائل ونصب الفعلين على جواب التمني بإضمار ان بعد الواو وإجرائها مجرى الفاء والمعنى ان رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ اى ليس الأمر على ما قالوه من انهم لوردوا الى الدنيا لآمنوا فان التمني الواقع منهم يوم القيامة ليس لاجل كونهم راغبين فى الايمان بل لانه ظهر لهم فى موقفهم ذلك ما كانوا يخفون فى الدنيا وهى النار التي وقفوا عليها والمراد بإخفائها تكذيبهم لها فان التكذيب بالشيء كفر به وإخفاء له محالة وَلَوْ رُدُّوا الى الدنيا فرضا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ من الشرك ونسوا ما عاينوه بالكلية لاقتصار انظارهم على الشاهد دون الغائب كابليس قد عاين من آيات الله تعالى ثم عاند فلاراد لما قضاه الله تعالى ولا مبدل لما حكم فى الأزل وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ اى لقوم ديدنهم الكذب فى كل ما يأتون وما يذرون وبهذه الآية يفتى بقتل اهل البغي والفساد إذ لا يؤمن من ان يعودوا لما نهوا عنه: وفى المثنوى

آن ندامت از نتيجه رنج بود

نه ز عقل روشنى چون كنج بود

چونكه شد رنج آن ندامت شد عدم

مى نيرزد خاك آن توبه وندم

ميكند او توبه و پير خرد

بانكه لوردوا لعادوا ميزند

وَقالُوا عطف على عادوا داخل فى حير الجواب إِنْ هِيَ اى ما الحياة فالضمير للحياة فان من الضمائر ما يذكر مبهما ولا يعلم ما يرجع اليه لا بذكر ما بعده إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ بعد ما فارقنا هذه الحياة كأن لم يروا ما رأوا من الأحوال التي أولها البعث والنشور وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ اى حبسوا للسؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدى سيده للعتاب والجواب محذوف اى لرأيت امرا عظيما قالَ لهم على لسان الملائكة موبحا وهو استئناف أَلَيْسَ هذا البعث والحساب بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا انه لحق قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ الذي عاينتموه بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ اى بسبب كفركم فى الدنيا بذلك. وخص لفظ الذوق للاشارة الى ان ما يجدونه من العذاب فى كل حال هو ما يجده الذائق لكون ما يجدون بعده أشد من الاول قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ اى قد غبن الذين كذبوا بالبعث بعد الموت حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ غاية لتكذيبهم لا لخسرانهم فانه أبدى لاحد له بَغْتَةً حال من فاعل جاءتهم اى باغتة مفاجئة والبغت والبغتة مفاجأة الشيء بسرعة من غير ان يشعر به الإنسان حتى لو كان له شعور بمجيئه ثم جاءه بسرعة لا يقال فيه بغتة والوقت الذي تقوم فيه القيامة يفجأ الناس فى ساعة لا يعلمها أحد الا الله تعالى فلذلك سميت ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم وسميت الساعة ساعة لسعيها الى جانب الوقوع ومسافته الأنفاس والمعنى انهم قد كذبوا الى ان ظهرت الساعة بغتة فان قيل انما يكذبون الى ان يموتوا

ص: 21

والجواب ان زمان الموت آخر زمان من ازمنة الدنيا وأول زمان من ازمنة الآخرة فمن انتهى تكذيبه الى هذا الوقت صدق انه كذب الى ان ظهرت الساعة بغتة ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (من مات فقد قامت قيامته) قالُوا جواب إذا يا حَسْرَتَنا الحسرة هى شدة الندم والتألم ونداؤها مجاز لان الحسرة لا يتأتى منها الإقبال وانما المعنى على المبالغة فى شدة التحسر كأنهم نادوا الحسرة وقالوا ان كان لك وقت فهذا أوان حضورك ومثله يا ويلتنا والمقصود التنبيه على خطأ المنادى حيث ترك ما أحوجه تركه الى نداء هذه الأشياء عَلى ما فَرَّطْنا فِيها اى على تفريطنا فى شان الساعة وتقصيرنا فى مراعاة حقها والاستعداد لها بالايمان بها واكتساب الأعمال الصالحة فعلى متعلق بالحسرة وما مصدرية والتفريط التقصير فى الشيء مع القدرة على فعله وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ حال من فاعل قالوا. والأوزار جمع وزر وهو فى الأصل الحمل الثقيل يقال وزرته اى حملته ثقيلا ومنه وزير الملك لانه يتحمل أعباء ما قلده الملك من مؤونة رعيته وحشمه سمى به الإثم والذنب لغاية ثقله على صاحبه والحمل من توابع الأعيان الكشفية لا من عوارض المعاني فلا يوصف به العرض الا على سبيل التمثيل والتشبيه وذكر الظهور كذكر الأيدي فى قوله تعالى فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فان المعتاد حمل الأثقال على الظهور كما ان المألوف هو الكسب بالأيدي. والمعنى انهم يتحسرون على ما لم يعملوا من الحسنات والحال انهم يحملون أوزار ما عملوا من السيئات أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ اى بئس شيأ يزرون اى يحملون وزرهم قال السدى وغيره ان المؤمن إذا خرج من قبره استقبله احسن شىء صورة وأطيبه ريحا فيقول هل تعرفنى فيقول لا فيقول انا عملك الصالح فاركبنى فقد طالما ركبتك فى الدنيا فذلك قوله تعالى يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً اى ركبانا. واما الكافر فيستقبله أقبح شىء صورة وأنتنه ريحا فيقول هل تعرفنى فيقول لا فيقول انا عملك الخبيث طالما ركبتنى فى الدنيا وانا اليوم أركبك فهو معنى قوله تعالى وَهُمْ يَحْمِلُونَ إلخ فيكون الحمل على حقيقته لان للاعمال صورا تظهر فى الآخرة وان كان نفسها إعراضا واعلم ان الأوزار كثيرة لكن ذنب الوجود فوق الكل إذ هو الباعث على سائر الأوزار وهو ثقل مانع عن السلوك فعلى السالك ان يتوب عن الكل ويفنى فى طريق الحق فناء كليا: قال الحافظ

فكر خود ورأى خود در عالم رندى نيست

كفرست درين مذهب خود بينى وخود رأيى

قال بعضهم لا يمكن الخروج من النفس بالنفس وانما يمكن الخروج من النفس بالله تعالى قال الشيخ ابو عبد الله محمد بن على الترمذي الحكيم قدس

سره ذكر الله تعالى يرطب القلب ويلينه فاذا خلا عن الذكر أصابته حرارة النفس ونار الشهوات فقسا ويبس وامتنعت الأعضاء من الطاعة فاذا مددتها انكسرت كالشجرة إذا يبست لا تصلح الا للقطع وتصير وقودا للنار أعاذنا الله منها فالذكر والتوحيد والاتباع الى اهله هو اصل الأصول- حكى- عن على بن الموفق انه قال حججت سنة من السنين فى محمل فرأيت رجالا فاحببت المشي معهم فنزلت واركبت واحدا فى المحمل ومشيت معهم فتقدمنا الى البرية وعدلنا عن الطريق فنمنا

ص: 22

فرأيت فى منامى جوارى معهن طشوت من ذهب وأباريق من فضة يغسلن ارجل المشاة فبقيت انا فقالت إحداهن لصواحبها أليس هذا منهم قلن هذا له محمل فقالت بلى هو منهم لانه أحب المشي معهم فغسلن رجلى فذهب عنى كل تعب كنت أجده هذه حال من مشى مع ولى باعتقاد صحيح فكيف مع نبى فلو ان كفار مكة ومشركى العرب استمعوا الى النبي عليه السلام واتبعوا الذكر الذي انزل اليه لنجوا واسقطوا كل حمل عن ظهورهم ومشوا الى جنة الفردوس لكن الله تعالى يهدى من يشاء وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا على حذف المضاف اى ما اعمال الدنيا اى الأعمال المتعلقة بها من حيث هى هى إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ يلهى الناس ويشغلهم بمنفعته الزائلة عن الايمان والعمل الصالح المؤدى الى اللذة الدائمة واللعب عما يشغل النفس وينفرها عما تنتفع به واللهو صرفها عن الجد الى الهزل وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ التي هى محل الحياة الاخرى خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكفر والمعاصي لان منافعها خالصة عن المضار ولذاتها غير منغصة بالآلام مستمرة على الدوام أَفَلا تَعْقِلُونَ الفاء للعطف على مقدر اى أتغفلون فلا تعقلون أي الامرين خير. وسميت الدنيا بالدنيا لدنوها قبل الآخرة او لدناءتها. وسميت الآخرة بالآخر لتأخرها عن خلقها وانما جعل الله الآخرة غائبة عن الابصار لانها لو كانت حاضرة لما جحدوها ولارتفعت التكاليف والمحن فجعل ما على الأرض زينة للابتلاء وحقيقة الدنيا ما يشغلك عن ربك قال اهل التحقيق السموات والأرضون وما فيهما من عالم الكون والفساد يدخل فى حد الدنيا. واما العرش والكرسي وما يتعلق بهما من الأعمال الصالحة والأرواح الطيبة والجنة وما فيها فمن حد الآخرة وفى الخبر القدسي لما خلق الله الدنيا خاطبها بقوله (يا دنيا اخدمي من خدمنى وأتعبي من خدمك) ولهذا كانت الدنيا تجيىء لبعض أوليائه وتكنس داره فى صورة العجوز ولبعض أوليائه تجيىء كل يوم برغيف فان قلت ان الله تعالى خلق هذه الدنيا للمؤمن فلم امر بالزهد فيها قلت السكر إذا نثر على رأس الختن لا يلتقطه لعلو همته ولو التقطه لكان عيبا وفى الحديث (جوعوا أنفسكم لوليمة الفردوس) والضيف إذا كان حكيما لا يشبع من الطعام رجاء الحلواء- حكى- ان قاضيا من اهل بغداد كان مارا بزقاق كلخان مع خدمه وحشمه كالوزير فطلع الكلخانى وهو يهودى فى صورة جهنمى كأن القطران يقطر من جوانبه فأخذ بلجام بغلة القاضي فقال أيد الله القاضي ما معنى قول نبيكم (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) أما ترى ان الدنيا جنة لك وأنت مؤمن محمدى والدنيا سجن لى وانا كافر يهودى والحديث دلالته بالعكس فاجاب القاضي وكان من فضلاء الدنيا وما ترى من زينتها وحشمتها سجن لى بالنسبة الى ما وعد الله فى الجنة وجنة لك بالنسبة الى الدركات المعودة فى النيران قيل مثل الدنيا والآخرة مثل رجل له امرأتان ان ارضى إحداهما أسخط الاخرى واحتضر عابد فقال ما تأسفى على دار الآخرة والغموم والخطايا والذنوب وانما تأسفى على ليلة نمتها ويوم افطرته وساعة غفلت فيها عن ذكر الله تعالى

نه عمر خضر بماند نه ملك إسكندر

نزاع بر سر دنياى دون مكن درويش

ص: 23

فالدنيا لا تبقى والآخرة خير وأبقى- يحكى- ان جعفر بن سليمان رحمه الله قال مررت انا ومالك ابن ذينار رضى الله عنه بالبصرة فبينما ندور فيها مررنا بقصر يعمر وإذا بشاب حسن يأمر ببناء القصر ويقول افعلوا واصنعوا فدخلنا عليه وسلمنا فرد السلام قال مالك كم نويت ان ننفق على هذا القصر قال مائة الف درهم قال ألا تعطينى هذا المال فاضعه فى حقه واضمن لك على الله تعالى قصرا خيرا من هذا القصر بولدانه وخدمه وقبابه وخيمه من ياقوتة حمراء مرصع بالجوهر ترابه الزعفران ملاطه المسك لم تمسه يدان ولم يبينه بان قال له الجليل سبحانه كن فكان فاثر فى الشاب كلامه فاحضر البدر ودعا بدواة وقرطاس ثم كتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما ضمن مالك بن دينار لفلان بن فلان انى ضمنت لك على الله قصرا بدل قصرك صفته كما وصفت والزيادة على الله واشتريت لك بهذا المال قصرا فى الجنة افسح من قصرك فى ظل ظليل بقرب العزيز الجليل ثم طوى الكتاب ودفعه الى الشاب

وأنفق ما اخذه من المال على الفقراء وما اتى على الشاب أربعون ليلة حتى مات ووصى ان يجعل الكتاب بين كفنه وبدنه ووجد مالك ليلة وفاته كتابا موضوعا فى المحراب فاخذه ونشره فاذا هو مكتوب بلا مداد هذه براءة من الله العزيز الحكيم مالك بن دينار وفينا الشاب القصر الذي ضمنته له وزيادة سبعين ضعفا: وفى المثنوى

هر كه پايان بين ترا ومسعود تر

جدترا وكارد كه افزون ديد بر «1»

زانكه داند كين جهان كاشتن

هست بهر محشر وبرداشتن

آخرت قطار اشتران بملك

در تبع دنياش همچون بشم و پشك «2»

پشم بگزينى شتر نبود ترا

وربود اشتر چهـ قيمت پشم را

يعنى ان اخترت الدنيا التي هى كصفوف الجمل وآثرتها على الآخرة التي هى كنفس الجمل تكون محروما من الآخرة كما ان من اختار الصوف يحرم من الجمل بخلاف من كان الجمل ملكا فانه لا قيمة عنده لصوفه ولا زغبه وقال قدس سره فى محل آخر

باز كونه اى أسيران جهان

نام خود كرديد أميران جهان «3»

اى تو بنده اين جهان محبوس جان

چند كويى خويش را خواجه جهان

تخته بندست آنكه تختش خوانده

صدر پندارى وبر در مانده «4»

پادشاهى نيستت بر ريش خود

پادشاهى چون كنى بر نيك وبد

بي مراد تو شود ريشت سپيد

شرم دار از ريش خود اى كژ اميد

افتخار از رنك وبو واز مكان

هست شادى وفريب كودكان «5»

كون ميكويد بيا من خوش پى أم

وان فسادش كفته رو من لا شى أم «6»

اى ز خوبىء بهاران لب كزان

بنكر آن سردى وزردىء خزان

روز ديدى طلعت خورشيد خوب

مرك او را ياد كن وقت غروب

بدر را ديدى برين خوش چار طاق

حسرتش را هم ببين وقت محاق

كودكى از حسن شد مولاى خلق

بعد فردا شد خرف رسواى خلق

(1) در اواخر دفتر چهارم در بيان كفتن خليل مر جبرئيل را إلخ

(2)

در اواخر دفتر چهارم در بيان اختيار كردن پادشاه دختر درويش إلخ

(3)

در أوائل دفتر چهارم در بيان قصه عطارى كه سنك ترازوى او كل سر إلخ

(4)

در أوائل دفتر چهارم در بيان دلدارى كردن ونواختن سليمان عليه السلام رسولان بلقيس را إلخ

(5)

در اواخر دفتر چهارم در بيان شرح كردن موسى عليه السلام وعده سيم را با فرعون

(6)

در اواسط دفتر چهارم در بيان نصيحت دنيا اهل دنيا ريزبان حال

ص: 24

اى بديده لونها چرب وخيز

فضله آنرا ببين در آب ريز

مر خبث را كو كه آن خوبيت كو

بر طبق آن زوق وآن نغزى وبو

پس انامل رشك استادان شده

در صناعت عاقبت لرزان شده

نركس چشم خمار همچوجان

آخر اعمش بين وآب از وى چكان

حيدرى كاندر صف شيران رود

آخر او مغلوب موشى ميشود

زلف جعد مشكبار عقل بر

آخر آن چون ذنب زشت خنك وخر

خوش ببين كونش ز أول با كشاد

وآخر آن رسواييش ببين وفساد

والاشارة الحياة التي تكون بالتمتعات الدنيوية النفسانية كلعب الصبيان ولهو اهل العصيان تزيد فى الحجب والسير من البشرية الى الروحانية بترك الشهوات والاعراض عن غير الحق والإقبال على الله خير للذين يتقون عما سوى الله بالله أفلا تعقلون ان الله تعالى خلقكم لهذا الشأن لا لغيره كما قال وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اللهم احفظنا من تضييع العمر واهدنا الى حقيقة الأمر انك أنت الوهاب الهادي قَدْ نَعْلَمُ قد هنا للتكثير والمراد بكثرة علمه تعالى كثرة نعلقه إِنَّهُ اى الشان لَيَحْزُنُكَ يا محمد الَّذِي يَقُولُونَ فاعل يحزنك والعائد محذوف اى الذي يقوله كفار مكة وهو ما حكى عنهم من قولهم إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ونحو ذلك فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ اى لا تعتد بما يقولون وكله الى الله تعالى فانهم فى تكذيبهم آيات الله لا يكذبونك فى الحقيقة وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ اى ولكنهم يكذبون بآيات الله وينكرونها فما يفعلون فى حقك فهو راجع الىّ فى الحقيقة لانك فان عما سوى الله باق بالله وانا انتقم منهم لا محالة أشد انتقام والمراد بالظلم جحودهم والجحود عبارة عن الإنكار مع العلم بخلافه والباء متعلقة بالفعل والتقديم للقصر يقال جحد حقه وبحقه إذا أنكره وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فان البلية إذا عمت طابت اى وبالله لقد كذبت من قبل تكذيبك رسل أولوا شأن خطير وذوا عدد كثير او كذبت رسل كانوا من زمان قبل زمانك فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا اى على تكذيبهم وإيذائهم حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا اى كان غاية صبرهم نصرالله تعالى إياهم فتأس بهم واصطبر على مانا لك من قومك والنصر الموعود للصابرين يحتمل ان يكون بطريق اظهار الحجج والبراهين ويحتمل ان يكون بطريق القهر والغلبة او باهلاك الأعداء: قال الحافظ

اى دل صبور باش ومخور غم كه عاقبت

اين شام صبح كردد واين شب سحر شود

وقال ايضا

كرت چونوح نبى صبر هست برغم طوفان

بلا بگردد وكام هزار ساله بر آيد

وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ اى مواعيده بالنصرة والغلبة كما قال تعالى وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ اى من خبرهم ما يسكن به قلبك وهو نصره تعالى إياك وقال المولى ابو السعود والجار

ص: 25

والمجرور فى محل الرفع على انه فاعل اما باعتبار مضمونه اى بعض نبأ المرسلين او بتقدير الموصوف اى بعض من نبأ المرسلين وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ اى عظم عليك وشق اعراضهم عن الايمان بما جئت به من القرآن وعدم عدهم له من قبيل الآيات وأحببت ان تحبيبهم الى ما سألوا اقتراحا لحرصك على إسلامهم فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً اى سربا ومنفذا فِي الْأَرْضِ تنفذ فيه الى جوفها قال ابن الشيخ النفق سرب فى الأرض له مخلص الى مكان آخر ومنه نافقاء اليربوع لان اليربوع يخرق الأرض الى القعر ثم يصعد من ذلك الى وجه الأرض من جانب آخر أَوْ سُلَّماً مصعدا فِي السَّماءِ تعرج به فيها فَتَأْتِيَهُمْ منها بِآيَةٍ مما اقترحوه والجواب محذوف اى فافعل وجملة الشرطية الثانية جواب للشرطية الاولى والمقصود بيان حرصه البالغ على اسلام قومه وانه لو قدر ان يأتيهم بآية من تحت الأرض او من فوق السماء لاتى بها رجاء لايمانهم وإيثار الابتغاء على الاتخاذ ونحوه للايذان بان ما ذكر من النفق والسلم مما لا يستطاع ابتغاؤه فكيف باتخاذه وَلَوْ شاءَ اللَّهُ هدايتهم لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى ولكن لم يشأ ذلك لعدم صرف اختيارهم الى جانب الهدى مع تمكنهم منه ومشاهدتهم للآيات الداعية اليه فلم يؤمنوا فلا تتهالك عليه فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ بالحرص على ما لا يكون والجزع فى مواطن الصبر فان ذلك من دأب الجهلة بدقائق شؤونه تعالى التي من جملتها ما ذكر من عدم تعلق مشيئته تعالى بايمانهم. وفى الآية تربية وتأديب للنبى عليه السلام من الله تعالى كما قال عليه السلام (ان الله أدبني فاحسن تأديبى) لئلا يبالغ فى الشفقة على غير أهلها إِنَّما يَسْتَجِيبُ اى يقبل دعوتك الى الايمان الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ما يلقى إليهم سماع فهم وتدبر دون الموتى الذين هؤلاء منهم: قال الحافظ

كوهر پاك ببايد كه شود قابل فيض

ور نه هر سنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود

وَالْمَوْتى اى الكفار شبههم بهم فى عدم السماع يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ من قبورهم ثُمَّ إِلَيْهِ تعالى لا الى غيره يُرْجَعُونَ اى يردون للجزاء فحينئذ يستجيبون واما قبل ذلك فلا سبيل اليه وَقالُوا اى رؤساء قريش لَوْلا تحضيضية بمعنى هلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ كالناقة والعصا والمائدة من الخوارق الملجئة الى الايمان قُلْ لهم إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً كما اقترحوا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ان نزولها بلاء عليهم لوجوب هلاكهم ان جحدوها اعلم ان الناس فى الأديان على اربعة اقسام. سعيد بالنفس والروح فى لباس السعادة وهم الأنبياء واهل الطاعة. والثاني شقى بالنفس فى لباس الشقاوة وهم الكفار والمصرون على الكبائر. والثالث شقى بالنفس فى لباس السعادة مثل بلعم بن باعورا وبر صيصا وإبليس. والرابع سعيد بالنفس فى لباس الشقاوة كبلال وصهيب وسلمان فى أوائل أمرهم ثم بدل لباسهم بلباس التقوى والهداية فان قلت ما الحكمة فى ان الله تعالى خلق الخلق سعيدا وشقيا وقال وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ قلنا قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ان الله تعالى علم فى الأزل ان فلانا فى خلقه يعصى لعدم سبق استعداده للسعادة فجعله شقيا لسبق القضاء عليه بمقتضى استعداده فى الأعيان الثابتة ومظهرية

ص: 26

استعداده لشؤون الجلال كأنه سأل بلسان الاستعداد كونه شقيا يسأله من فى السموات والأرض بلسان القال والحال والاستعداد كل يوم هو فى شأن يفيض ويعطى كل شىء ما يستعد من السعادة والشقاوة على حسب الاستعدادات فى الأعيان الثابتة الغيبية العلمية وعلم سبحانه وتعالى ان عبده يطيع فجعله سعيدا اى بمقتضى استعداده للسعادة الإجمالي والقابلية المودعة فى النشأة الانسانية بقوله أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فتلك الاجابة منهم تدل على الاستعداد السعادى الأزلي فلو لم يكن ذلك لما صح عليهم التكليف والخطاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب فاذا عرفت ان الإنسان سعيد وشقى فاستعداد السعيد لا يعطى الا الأقوال المرضية والافعال الحسنة والأخلاق الحميدة التي تورث الانبساط واستعداد الشقي لا يعطى الا التي تورث الانقباض فلذا امر الله تعالى حبيبه بالصبر وتحمل الإيذاء من اهل الشقاوة والقهر والجلال والابتلاء فى الدنيا سبب للغفران وتكميل الدرجات التي لا تنال فى الجنان الا على قدر البلاء وفى الخبر (ان فى الجنة مقامات معلقة فى الهواء يأوى إليها اهل البلاء كالطير الى وكره ولا ينالها غيرهم) وان الرجل يبتلى على حسب دينه فان كان فى دينه صلابة اشتد بلاؤه وان كان فى دينه رقة ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى وما عليه خطيئة والبلاء سوط الله على عباده كيلا يركنوا الى الدنيا ولا يشغلوا بها ويفروا الى الله من ضرب سوطه كما يفر الخيل الى مستقره والآخرة هى دار القرار

ما بلا را بكس عطا نكنيم

تا كه نامش ز أوليا نكنيم

وبالجملة فمن ابتلى بشىء من المصائب والبلايا فالعاقبة حميدة فى الصبر وبالصبر يكون من الامة المرحومة حقيقة ويدخل فى اثر النبي عليه السلام وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ من زائدة لتأكيد الاستغراق وفى متعلقة بمحذوف هو وصف الدابة اى وما فرد من افراد الدواب يستقر فى قطر من أقطار الأرض وَلا طائِرٍ من الطيور فى ناحية من نواحى الجوّ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ كما هو المشاهد المعتاد. فقيد الطيران بالجناح تأكيد كما يقال نظرت بعيني وأخذت بيدي او هو قطع لمجاز السرعة لانه يقال طار فلان فى الأرض اى اسرع إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ محفوظة أحوالها مقدرة أرزاقها وآجالها ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ يقال فرط فى الشيء ضيعه وتركه اى ما تركنا فى القرآن شيأ من الأشياء المهمة التي بينا انه تعالى مراع فيها لمصالح جميع مخلوقاته على ما ينبعى بل قد بينا كل شىء اما مفصلا او مجملا اما المفصل فكقوله تعالى أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ واما المجمل فكقوله تعالى ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا- روى- ان الامام الشافعي كان جالسا فى المسجد الحرام فقال لا تسألونى عن شىء الا أجيبكم فيه من كتاب الله تعالى فقال رجل ما تقول فى المحرم إذا قتل الزنبور فقال لا شىء عليه فقال اين هذا فى كتاب الله فقال قال الله تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ الآية ثم ذكر اسنادا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي) ثم ذكر اسنادا الى عمر رضى الله انه قال (للمحرم قتل الزنبور) ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ اى الأمم يُحْشَرُونَ يوم القيامة الى ربهم لا الى غيره فيقضى

ص: 27

بينهم وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا اى القرآن صُمٌّ لا يسمعونها سمع تدبر وفهم فلذلك يسمعونها أساطير الأولين ولا يعدونها من الآيات ويقترحون غيرها. وهو جمع أصم والمقصود تشبيه حالهم بحال الأصم لكن حذف حرف التشبيه للمبالغة وَبُكْمٌ لا يقدرون على ان ينطقوا بالحق ولذلك لا يستجيبون دعوتك. وهو جمع ابكم فِي الظُّلُماتِ اى ظلمات الكفر خبر ثالث للمبتدأ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ إضلاله اى ان يخلق فيه الضلال يُضْلِلْهُ اى يخلقه فيه لكن لا ابتداء بطريق الجبر من غير ان يكون له دخل ما فى ذلك بل عند صرف اختياره الى كسبه وتحصيله وَمَنْ يَشَأْ هدايته يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لا يضل من ذهب اليه ولا يزل من ثبت قدمه عليه وفى الآيات امور الاول ان غير الإنسان من الأمم ايضا وفى الحديث (لولا ان الكلاب امة لامرت بقتلها فاقتلوا منها كل اسود بهيم) وذلك لان الكلب الأسود شيطان لكونه اعقر الكلاب واخبثها وأقلها نفعا وأكثرها نعاسا ومن هذا قال احمد بن حنبل لا يخل الصيد به والاشارة ان ما يدب فى ارض البشرية ويتحرك كالسمع والبصر واللسان والأعضاء كلها والنفس وصفاتها وكذا ما يطير بجناحي الشريعة والطريقة كالقلب والروح وصفاتها امم أمثالكم فى السؤال عن أفعالهم وأحوالهم يدل عليه قوله تعالى إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا والثاني ان الحشر عام كما قال ابو هريرة رضى الله عنه يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شىء فيأخذ للجماء من القرناء كما فى الحديث (لتؤدن الحقوق الى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) اى يقتص للشاة التي لا قرن لها من التي لها قرن قال ابن ملك وفيه دلالة على حشر الوحوش كما قال الله تعالى وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ لكن القصاص فيها قصاص مقابلة لا قصاص تكليف انتهى. ثم يقال للبهائم والوحوش والطيور كونى ترابا فتكون ترابا مثل تراب ارض ذلك العالم وعند ذلك يتمنى الكافر ويقول الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً

قال الحدادي والمراد بهذا الافناء للبهائم بعد ان أحياها انه إفناء لا يكون فيه الم والثالث ان الذين ختم الله على قلوبهم فهم كالاصم والأبكم الاصليين ومن خاصة الأبكم ان يكون أصم: كما قال فى المثنوى

دائما هر كرا صلى كنك بود

ناطق آنكس شد كه از مادر شود «1»

چون سليمان سوى مرغان سبا

يك صفيرى كرد بست آن جمله را «2»

جز مكر مرغى كه بد بي جان و پر

يا چوماهى كنك بود از اصل كر

نى غلط كفتم كه كركر سر نهد

پيش وحي كبريا سمعش دهد

فقلوب الخلق بيد الله تعالى يصرفها كيف يشاء- روى- ان كفار مكة اجتمعوا على قتل النبي عليه السلام فبينما هم كذلك إذ دخل عليهم إبليس فقال لماذا اجتمعتم فاخبروه بالقصة فقال لابى جهل يا أبا الحكم لو انك حملت صنمك وآلهك الذي تعبده ووضعته بين يدى محمد وسجدت له ربما يسمع محمد منه شيأ وكان صنمه مرصعا بالجوهر والياقوت فحمل ابو جهل صنمه ووضعه بين يدى النبي عليه السلام وسجد له. وقال الهى نعبدك ونتقرب إليك هذا محمد شتمنا بسببك ونطمع منك ان تنصرنا وتشتم محمدا فاخذ الصنم يتحرك ويتكلم ويشمّ

(1) در أواخر دفتر چهارم در بيان آنكه روح حيوانى وعقل جز دمى إلخ.

(2)

در أوائل دفتر چهارم در بيان آزاد شدن بلقيس از ملك إلخ.

ص: 28

فدخل فى قلب النبي عليه السلام شىء ورجع الى بيت خديجة فلم يلبث ان دق الباب فاذا شاب دخل وبيده سيف فسلم وقال مرنى يا رسول الله حتى امتثل أمرك فقال عليه السلام (من أنت) قال انا من الجن قال (كم تبلغ قوتك) قال اقدر ان اقلع جبلى حراء وابى قبيس وارميهما فى البحر قال (من اين أقبلت الساعة) قال كنت فى جزيرة البحر السابع إذ أتاني جبرائيل فقال أدرك فلانا الشيطان دخل فى الصنم وشتم النبي عليه السلام فاقتله بهذا السيف فادركته فى الأرض الرابعة فقتلته فقال له عليه السلام (ارجع فانى استعين بربي من عدوى) وقال الشاب لى إليك حاجة هى ان ترجع الى مكان كنت فيه أمس فانهم يستخبرون ذلك الصنم ثانيا فرجع فى الغد ومعه أبو بكر الصديق فجاء ابو جهل مع صنمه ففعل كما فعل بالأمس فاخذ الصنم يتحرك ويقول لا اله الا الله محمد رسول الله وانا صنم لا انفع ولا أضر ويل لمن عبدنى من دون الله فلما سمعوا ذلك قام ابو جهل وكسر صنمه وقال ان محمدا سحر الأصنام فظهر ان الله تعالى يقول الحق من ألسنة المظاهر ولكن لا يسمع المنافق والكافر قُلْ يا محمد لاهل مكة أَرَأَيْتَكُمْ الكاف حرف خطاب أكد به ضمير الفاعل المخاطب لتأكيد الاسناد لا محل له من الاعراب كالكاف فى إياك وذلك الكاف يدل على احوال المخاطب من الافراد والتذكير ونحوها فهو يطابق ما يراد به والتاء تبقى على حالة واحدة مفردة مفتوحة ابدا نحو أرأيتك أرأيتكما أرأيتكم ومبنى التركيب وان كان على الاستخبار عن الرؤية قلبية كانت او بصرية لكن المراد به الاستخبار عن متعلقها اى أخبروني فجعل العلم او الابصار الذي هو سبب الاخبار مجازا عن الاخبار وجعل الاستفهام الذي للتبكيت والإلجاء الى الإقرار مجازا عن الأمر بجامع الطلب إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ فى الدنيا كما اتى من قبلكم من الأمم أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ اى القيامة المشتملة على ذلك العذاب وهو العذاب الأخروي. والساعة اسم لوقت تقوم فيه القيامة سمى بها لانها ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ هذا مناط الاستخبار ومحط التبكيت إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ جواب الشرط محذوف اى ان كنتم صادقين فى ان أصنامكم آلهة كما انها دعواكم المعروفة فاخبرونى أغير الله تدعون ان أتاكم عذاب الله فان صدقهم بهذا المعنى من موجبات اخبارهم بدعائهم غيره سبحانه بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ عطف على جملة منفية كأنه قيل لا غيره تعالى تدعون بل إياه تدعون فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ اى الى كشفه عطف على تدعون اى فيكشف اثر دعائكم إِنْ شاءَ كشفه فقبول الدعاء تابع لمشيئته تعالى فقد يقبله كما فى بعض دعواهم المتعلقة بكشف العذاب الدنيوي وقد لا يقبله كما فى بعض آخر منها وفى جميع ما يتعلق بكشف العذاب الأخروي الذي من جملته الساعة فانه تعالى لا يغفر ان يشرك به فلا يشاء فى الآخرة وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ عطف على تدعون ايضا اى تتركون ما تشركون به تعالى من الأصنام تركا كليا لما ركز فى العقول انه القادر على كشف العذاب دون غيره فالنسيان هنا بمعنى الترك لا بمعنى الغفلة وَلَقَدْ أَرْسَلْنا اى وبالله لقد أرسلنا رسلا إِلى أُمَمٍ كثيرة مِنْ قَبْلِكَ اى كائنة من زمان قبل زمانك فمن لابتداء الغاية فى الزمان على مذهب الكوفية مثل نمت

ص: 29

من أول الليل وصمت من أول الشهر الى آخره وقال المحشى سنان چلبى من زائدة على قول من جوز زيادتها فى الموجب واما عند غيره فهى بمعنى فى كما فى قوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَخَذْناهُمْ الفاء فصيحة تفصح ان الكلام مبنى على اعتبار الحذف اى فكذبوا رسلهم فأخذناهم بِالْبَأْساءِ اى بالشدة والفقر وَالضَّرَّاءِ اى الضر والآفات وهما صيغتا تأنيث لا مذكر لهما لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ اى لكى يدعوا الله فى كشفها بالتضرع والتذلل ويتوبوا اليه من كفرهم ومعاصيهم فَلَوْلا هلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا عذابنا تَضَرَّعُوا اى لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضى له فلولا يفيد اللوم والتنديم وذلك عند قيام الداعي الى الفعل وانتفاء العذر فى تركه وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ استدراك على المعنى اى لم يتضرعوا ولكن يبست وجفت قلوبهم ولو كان فى قلوبهم رقة وخوف لتضرعوا وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى حسن لهم الكفر والمعاصي بان أغواهم ودعاهم الى اللذة والراحة دون التفكر والتدبر ولم يخطر ببالهم ان ما اعتراهم من البأساء والضراء ما اعتراهم الا لاجله فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ عطف على مقدر اى فانهمكوا فيه ونسوا ما ذكروا به من البأساء والضراء فلما نسوه فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ من فنون النعماء على منهاج الاستدراج حَتَّى ابتدائية ومع ذلك غاية لقوله فتحنا إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا اى صاروا معجبين بحالهم. فالفرح فرح البطر كفرح قارون بما أصابه من الدنيا أَخَذْناهُمْ بالعذاب بَغْتَةً اى فجأة ليكون أشد عليهم وقعا وأفظع هو لا كما قال اهل المعاني انهم انما أخذوا فى حال الراحة والرخاء ليكون أشد تحسرهم على ما فاتهم من حال السلامة والعافية فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ متحسرون غاية الحسرة آيسون من كل خير راجون فاذا للمفاجأة. والإبلاس بمعنى اليأس من النجاة عند ورود المهلكة والمعنى الحسرة والحزن فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا اى آخرهم بحيث لم يبق منهم أحد فالدابر يقال للتابع للشىء من خلفه كالولد للوالد يقال دبر فلان القوم يدبر دبرا ودبورا إذا كان آخرهم قال البغوي معناه انهم استؤصلوا بالعذاب فلم يبق منهم باقية ووضع الظاهر موضع الضمير للاشعار بعلة الحكم فان هلاكهم بسبب ظلمهم الذي هو وضع الكفر موضع الشكر واقامة المعاصي مقام الطاعات وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ على إهلاكهم فان هلاك الكفار والعصاة من حيث انه تخليص لاهل العرض من شؤم عقائدهم الفاسدة وأعمالهم الخبيثة نعمة جليلة يحق ان يحمد عليها لا سيما مع ما فيه من إعلاء كلمة الحق التي نطقت بها رسلهم عليهم السلام وفى الآيات امور. منها ان الله تعالى هو المرجع فى كل امر حال الاختيار والاضطرار والعاقل لا يلتجىء الى غيره تعالى لان ما سوى الله آلات واسباب والمؤثر فى الحقيقة هو الله تعالى فشأن المؤمن هو النظر الى بابه والاستعداد من جنابه حال السراء والضراء بخلاف الكافر فانه يفتح عينيه عند نزول الشدة والمقبول هو الرجوع اختيارا فان العبد المطيع لا يترك باب سيده على كل حال. ومنها ان الله تعالى يقلب الإنسان تارة من البأساء والضراء الى الراحة والرخاء وانواع الآلاء والنعماء واخرى يعكس الأمر كما يفعله الأب المشفق بولده

ص: 30

يخاشنه تارة ويلاطفه اخرى طلبا لصلاحه وإلزاما للحجة وازاحة للعلة ففى هذه المعاملة تربية له وفائدة عظيمة فى دينه ودنياه ان تفطن: قال الصائب

نهاد سخت تو سوهان بخرد نمى كيد

وكر نه پست وبلند زمان سوهانست

ومنها ان الهلاك بقدر الاستدراج ونعوذ بالله تعالى من المكروه وفى الحديث (إذا رأيت الله تعالى يعطى عبدا فى الدنيا على معصية ما يحب فان ذلك منه استدراج) ثم قرأ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ الآية وفى التأويلات النجمية فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ اى من البلاء فى صورة النعماء لارباب الظاهر بالنعمة الظاهرة من المال والجاه والقبول والصحة وأمثالها ولارباب الباطن بالنعمة الباطنة من فتوحات الغيب واراءة الآيات وظواهر الكرامات ورؤية الأنوار وكشف الاسرار والاشراف على الخواطر وصفاء الأوقات ومشاهدة الروحانية وأشباهها مما يربى به أطفال الطريقة فان كثيرا من متوسطى هذه الطائفة تعتريهم الآفات فى أثناء السلوك عند سآمة النفس من المجاهدات وملالتها من كثرة الرياضات

فيوسوسهم الشيطان وتسول لهم أنفسهم انهم قد بلغوا فى السلوك رتبة قد استغنوا بها عن صحبة الشيخ وتسليم تصرفاته فيخرجون من عنده ويشرعون فى الطلب على وفق أنفسهم فيقعون فى ورطة الخذلان وسخرة الشيطان فيريهم الأشياء الخارقة للعادة وهم يحسبون انها من نتائج العبادة وكان بعضهم يسير فى البادية وقد أصابه العطش فانتهى الى بئر فارتفع الماء الى رأس البئر فرفع رأسه الى السماء وقال اعلم انك قادر ولكن لا أطيق هذا فلو قيضت لى بعض الاعراب يصفعنى صفعا ويسقينى شربة ماء كان خيرا لى ثم انى اعلم ان ذلك الرفق ليس من جهته وقال الشيخ ابو عبد الله القرشي قدس سره من لم يكن كارها لظهور الآيات وخوارق العادات منه كراهية الخلق لظهور المعاصي فهى حجاب فى حقه وسترها عنه رحمة. ومنها ان العجب مذموم مهلك وفى الحديث (ثلاث مهلكات شح مطاع وهى متبع وإعجاب المرء بنفسه

مرد معجب ز اهل دين نبود

هيچ خود بين خداى بين نبود

بيخبر از جهان ومست يكيست

خويشتن بين وبت پرست يكيست

وعلاجه رؤية التوفيق من الله تعالى. ومنها ان النعمة لا بد لها من الحمد والشكر وفى الخبر الصحيح (أول من يدعى الى الجنة الحامدون لله على كل حال) ولما حمد نوح عليه السلام بقوله الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وجد السلامة حيث قال تعالى يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا فلا بد من الحمد على السلامة سواء كانت من جهة الدين او من جهة الدنيا إذ كل منهما نعمة ودخل رجل على سهل بن عبد الله فقال ان اللص دخل دارى وأخذ متاعى فقال اشكر الله لو دخل اللص قلبك وهو الشيطان وأفسد التوحيد ماذا كنت تصنع يقول الفقير جامع هذه المجالس الشريفة سئلت فى المنام عن معنى الحمد فقلت الحمد اظهار الكمال بتهيئة أسبابه فقال السائل وهو واحد من سادات المشايخ ما تهيئة الأسباب فقلت ان ترفع يديك الى السماء وتنظر الى جانب الملكوت وتظهر الخضوع والخشوع وان تثنى على الله تعالى ثناء حقا كما ينبغى

ص: 31

ثم استيقظت فجاء التفسير بحمد الله تعالى مشيرا الى مراتب الشكر: كما قال بعضهم الشكر قيد للنعم. مستلزم دفع النقم. وهو على ثلاثة قلب يد فاعلم وفم والحمد لله تعالى ولى الانعام على الاستمرار والدوام قُلْ يا محمد لاهل مكة أَرَأَيْتُمْ اى أخبروني ايها المشركون فان الرؤية بصرية كانت او علمية سبب الاخبار كما سبق إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ اى اصمكم وَأَبْصارَكُمْ اى اعماكم بالكلية وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ بان غطى عليها ما يزول به عقلكم وفهمكم بحيث تصيرون مجانين مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ من استفهامية مبتدأ واله خبره وغير صفة له يَأْتِيكُمْ بِهِ اى بما اخذه منكم وهى صفة اخرى له والجملة متعلق الرؤية ومناط الاستخبار اى أخبروني ان سلب الله عنكم اشراف اعضائكم من أحد غير الله يأتيكم بها ومن المعلوم انه لا يقدر عليه الا الله سبحانه فهو المستحق للعبادة والتعظيم وهو احتجاج آخر على المشركين انْظُرْ يا محمد وتعجب كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ اى نكررها ونقررها مصروفة من اسلوب الى اسلوب تارة بترتيب المقدمات العقلية وتارة بطريق الترغيب والترهيب وتارة بالتنبيه والتذكير بأحوال المتقدمين قال الحدادي التصريف توجيه المعنى فى الجهات التي تظهرها أتم الإظهار ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ اى يعرضون عنها فلا يؤمنون وثم لاستبعاد صدفهم اى اعراضهم عن تلك الآيات بعد تصريفها على هذا النمط البديع الموجب للاقبال عليها قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ اى أخبروني ايها المشركون إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً اى ليلا او نهارا لما ان الغالب فيما اتى ليلا البغتة اى الفجأة وفى ما اتى نهارا الجهرة وهو المناسب لما فى سورة الأعراف من قوله تعالى أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ والقرآن يفسر بعضه بعضا وهو اللائح بالبال هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ الاستفهام بمعنى النفي ومتعلق الاستخبار محذوف اى أخبروني ان أتاكم عذابه العاجل الخاص بكم بغتة او جهرة كما اتى من قبلكم من الأمم ماذا يكون الحال ثم قيل بيانا لذلك هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ اى ما يهلك بذلك العذاب الخاص بكم الا أنتم ووضع المظهر موضع المضمر إيذانا بان مناط هلاكهم ظلمهم الذي هو وضعهم للكفر موضع الايمان وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ حالان مقدرتان من المرسلين اى ما نرسلهم الا مقدرا تبشيرهم وإنذارهم ففيهما معنى العلة الغائية قطعا اى لم نرسلهم لان يقترح عليهم الآيات ويتلهى بهم بل لان يبشروا قومهم بالثواب على الطاعة وينذروهم بالعقاب على المعصية التبشير الاخبار بالخبر السار والانذار الاخبار بالخبر الضار فَمَنْ آمَنَ بهم وَأَصْلَحَ عمله او دخل فى الصلاح فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من العذاب الذي انذروه دنيويا كان اواخر ويا وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ بفوات ما بشروا به من الثواب العاجل والآجل وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وهى ما ينطق به الرسل عليهم السلام عند التبشير والانذار ويبلغونه الى الأمم يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ الأليم وأسند المس الى العذاب مع ان حقه ان يسند الى الاحياء لكونه من الافعال المسبوقة بالقصد والاختيار على طريق الاستعارة بالكناية فجعل كأنه حى يطلب إيلامهم والوصول إليهم بِما كانُوا يَفْسُقُونَ اى بسبب فسقهم المستمر الذي هو الإصرار على الخروج عن

ص: 32

التصديق والطاعة وفى الآيات ترغيب وترهيب: وفى الكلمات القدسية (يا ابن آدم لا تأمن مكرى حتى تجوز على الصراط) - روى- ان الله تعالى قال يا ابراهيم ما هذا الوجل الشديد الذي أراه منك فقال يا رب كيف لا اوجل وآدم ابى كان محله القرب منك خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأمرت الملائكة بالسجود له فبمعصية واحدة أخرجته من جوارك فاوحى الله تعالى اليه يا ابراهيم اما عرفت ان معصية الحبيب على الحبيب شديدة «وعن مالك ابن دينار قال دخلت جبانة البصرة فاذا انا بسعدون المجنون فقلت كيف حالك وكيف أنت قال يا مالك كيف يكون حال من امسى وأصبح يريد سفرا بعيدا بلا اهبة ولا زاد ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد ثم بكى بكاء شديدا فقلت ما يبكيك فقال والله ما بكيت حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت والبلى لكن بكيت ليوم مضى من عمرى لم يحسن فيه عمل

كارى كنيم ور نه خجالت بر آورد

روزى كه رخت جان بجهان دكر كشيم

أبكاني والله قلة الزاد وبعد المفازة والعقبة الكؤود ولا أدرى بعد ذلك أصير الى الجنة أم الى النار فسمعت منه كلام حكمة فقلت ان الناس يزعمون انك مجنون فقال ما بي حنة ولكن حب مولاى خالط قلبى واحشائى وجرى بين لحمى ودمى وعظامى

در ره منزل ليلى كه خطرهاست درو

شرط أول قدم آنست كه مجنون باشى

كاروان رفت وتو در خواب وبيابان در پيش

كى روى ره ز كه پرسى چهـ كنى چون باشى

وعلى تقدير الزلة فليبادر العاقل الى التوبة والاستغفار حتى يتخلص من عذاب الملك القهار كما قال تعالى فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا إلخ- روى- ان الملائكة تعرج الى السماء بسيئات العبد فاذا عرضوها على اللوح المحفوظ يجدون مكانها حسنات فيخرون على وجوههم ويقولون ربنا انك تعلم اننا ما كتبنا عليه الا ما عمل فيقول الله تعالى صدقتم ولكن عبدى ندم على خطيئته واستشفع الىّ بدمعته فغفرت ذنبه وجدت عليه بالكرم وانا أكرم الأكرمين فالايمان وإصلاح العمل والندم على الزلل سبب النجاة فى الدنيا والآخرة قال بعض الكبار ان الايمان والإسلام يمكن ان يكونا شيأ واحدا فى الحقيقة ولكن خص كل منهما بنوع مجازا عرفيا فكل ما كان فيه التصديق القلبي اطلق عليه الايمان لوجود اصل معناه فيه كمالا يخفى قُلْ يا محمد للكفرة الذين يقترحون عليك تارة تنزيل الآيات واخرى غير ذلك لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ اى لا ادعى ان خزائن مقدوراته تعالى مفوضة الىّ أتصرف فيها كيف أشاء استقلالا واستدعاء حتى تقترحوا علىّ تنزيل الآيات او إنزال العذاب او قلب الجبال ذهبا او غير ذلك مما لا يليق بشأنى فالخزانن جمع خزينة بمعنى مخزونة قال الحدادي وليس خزائن الله مثل خزائن العباد وانما خزائن الله تعالى خزائن مقدوراته التي لا توجد الا بتكوينه إياها ويجوز ان يكون جمع خزانة وهى اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء وخزن الشيء إحرازه بحيث لا تناله الأيدي وكانوا يقولون ان كنت رسولا من عند الله تعالى فوسع علينا منافع الدنيا وخيراتها فالمعنى لا ادعى ان مفاتح الرزق بيدي فاقبض وابسط وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ عطف على محل عندى خزائن الله ولا مزيده مذكرة للنفى اى ولا ادعى ايضا انى اعلم الغيب من أفعاله تعالى حتى تسألونى عن وقت

ص: 33

الساعة او وقت نزول العذاب او نحوهما وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ من الملائكة حتى تكلفونى من الأفاعيل الخارقة للعادات ما لا يطيق به البشر من الرقى الى السماء ونحوه او تعدوا عدم اتصافى بصفاتهم قادحا فى امرى كما ينبىء عنه قولهم مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ والمعنى انى لا ادعى شيأ من هذه الأشياء الثلاثة حتى تقترحوا علىّ ما هو من آثارها وأحكامها وتجعلوا عدم إجابتي الى ذلك دليلا على عدم صحة ما أدعية من الرسالة التي لا تعلق لها بشىء مما ذكر قطعا بل انما هى عبارة عن تلقى الوحى من جهته عز وجل والعمل بمقتضاه فحسب حسبما ينبىء عنه قوله تعالى إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ اى ما افعل الا اتباع ما يوحى الىّ من غير ان يكون لى مدخل ما فى الوحى او فى الموحى بطريق الاستدعاء او بوجه آخر من الوجوه أصلا والوحى ثلاثة. ما ثبت بلسان الملك والقرآن من هذا القبيل. وما تبت باشارة الملك من غير ان يبينه بالكلام واليه الاشارة بقوله عليه السلام (ان روح القدس نفث فى روعى ان نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها) . والثالث ما تبدى لقلبه اى ظهر لقلبه بلا شبهة إلهاما من الله تعالى بان أراه الله بنور من عنده كما قال لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وابى الاشعرية واكثر المتكلمين ان يحكم عليه السلام بالاجتهاد كما تدل عليه الآية إذ ثبت بها انه لا يتبع الا الوحى والجواب انه جعل اجتهاده عليه السلام وحيا باعتبار المآل فان تقريره عليه السلام على اجتهاده يدل على انه هو الحق كما إذا ثبت بالوحى ابتداء قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ مثل للضال والمهتدى فانه عليه السلام لما وصف نفسه بكونه متبعا للوحى الإلهي لزم منه ان يصف نفسه بالاهتداء ويصف من عانده واستبعد دعواه بالضلال فالعمل بغير الوحى يجرى مجرى عمل الأعمى والعمل بمقتضى الوحى يجرى مجرى عمل البصير أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ اى ألا تسمعون هذا الكلام الحق فلا تتفكرون فيه فتهتدوا باتباع الوحى والعمل بمقتضاه فمناط التوبيخ عدم الامرين معا اى الاستماع والتفكر وَأَنْذِرْ بِهِ اى خوف من العذاب بما يوحى الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ اى يبعثوا ويجمعوا الى ربهم اى الى موضع لا يملك أحد فيه نفعهم ولا ضرهم الا الله تعالى. وقيل يخافون يعلمون لان خوفهم انما كان من علمهم لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ قريب ينفعهم وَلا شَفِيعٌ يشفع لهم وجملة النفي اى ليس فى موضع الحال من ضمير يحشرون فان المخوف هو الحشر على هذه الحال. وقوله من دونه حال من اسم ليس اى متجاوزا لله تعالى والمراد بالموصول المؤمنون العاصون كما فى اكثر التفاسير وانما نفى الشفاعة لغيره مع ان الأنبياء والأولياء يشفعون كما هو مذهب اهل السنة لانهم لا يشفعون الا باذنه فكانت الشفاعة فى الحقيقة من الله تعالى وقال المولى ابو السعود رحمه الله المراد بالموصول المجوزون من الكفار للحشر سواء كانوا جارمين بأصله كاهل الكتاب وبعض المشركين المعترفين بالبعث المترددين فى شفاعة آبائهم الأنبياء كالاولين او فى شفاعة الأصنام كالآخرين او مترددين فيهما معا كبعض الكفرة الذين يعلم من حالهم انهم إذا سمعوا بحديث البعث يخافون ان يكون حقا واما المنكرون للحشر رأسا والقائلون به القاطعون بشفاعة آبائهم او بشفاعة الأصنام فهم خارجون ممن امر بانذارهم انتهى فالكلام على هذا ظاهر لان الظالمين ليس لهم من حميم ولا شفيع يطاع لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ تعليل للامر اى

ص: 34

انذرهم لكى يتقوا الله باقلاعهم عما هم فيه وعمل الطاعات او يتقوا الكفر والمعاصي والاشارة ان الله تعالى امر نبيه عليه السلام ان يكلم الكفار على قدر عقولهم فقال قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ على انها عندى ولكن لا أقول لكم وهى علم حقائق الأشياء وماهياتها وقد كان عنده فى اراءة سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم وفى اجابة قوله عليه السلام (أرنا الأشياء كما هى) فى قوله (أوتيت جوامع الكلم) وما امره الله تعالى الا ان قل ليس عندى خزائن الله قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر «ولا تبذر الاسرار» يعنى بيان الحقائق الذي هو غذاء القلب والروح كالسمراء يعنى الحنطة للجسم «فى ارض عميان» يعنى فى ارض استعداد هؤلاء الطوائف الذين لا يبصرون الحق ولا يشاهدونه فى جميع الأشياء كما فى شرح الفصوص للمولى الجامى قدس سره: قال السعدي قدس سره

دريغست بأسفله كفت از علوم

كه ضايع شود تخم در شوره بوم

ولا اعلم الغيب فانه صلى الله عليه وسلم كان يخبر عما مضى وعما سيكون باعلام الحق وقد قال عليه السلام ليلة المعراج (قطرت فى حلقى قطرة علمت ما كان وما سيكون) فمن قال ان نبى الله لا يعلم الغيب فقد اخطأ فيما أصاب ولا أقول لكم انى ملك وان كنت قد عبرت عن مقام الملك حين قلت لجبرائيل تقدم فقال لو دنوب انملة لا حرقت: كما قال السعدي قدس سره

شبى بر نشست از فلك بر كذشت

بتمكين وجاه از ملك در كذشت

چنان كرم در تيه قربت براند

كه در سدره جبريل ازو باز ماند

ان اتبع الا ما يوحى الى يعنى لا أخبركم عن مقاماتى وأحوالي مما لى مع الله وقد لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل الا عما يوحى الى ان أخبركم وكيف أخبركم عما أعمى الله بصائركم عنه وانا به بصير فلا يستوى الأعمى والبصير ثم قال وانذر به يعنى اخبر بهذه الحقائق والمعاني الذين يخافون اى يرجعون ان يحشروا الى ربهم بجذبات العناية ويتحقق لهم ليس لهم فى الوصول الى الله من دونه ولى يعنى من الأولياء ولا شفيع يعنى من الأنبياء لان الوصول لا يمكن الا بجذبات الحق لعلهم يتقون عما سوى الله بالله فى طلب الوصول قال السرى السقطي قدس سره خرجت يوما الى المقابر فاذا ببهلول فقلت له أي شىء تصنع هنا قال أجالس قوما لا يؤذوننى وان غبت لا يغتابوننى فقلت له تكون جائعا فولى وانشأ يقول

تجوّع فان الجوع من عمل التقى

وان طويل الجوع يوما سيشبع

قيل مثل الصالحين وما زينهم الله به دون غيرهم مثل جند قال لهم الملك تزينوا للعرض على غدا فمن كانت زينته احسن كانت منزلته عندى ارفع ثم يرسل الملك فى السر بزينة عنده ليس عند الجند مثلها الى خواص مملكته واهل محبته فاذا تزينوا بزينة الملك فخروا سائر الجند عند العرض على الملك فهذا مثل من وفقهم الله تعالى للاعمال الصالحة والأحوال الزكية ولا حاجة لهم ان يصفوا ما عندهم الى عامة الناس فان علمهم بذلك كاف وسيظهر يوم العرض الأكبر وعند الكثيب الأحمر

أولئك خدام كرام وسادة

ونحن عبيد السوء بئس عبيد

وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ- روى- ان رؤساء قريش قالوا لرسول الله

ص: 35

صلى الله عليه وسلم حين رأوا فى مجلسه الشريف فقراء المؤمنين مثل صهيب وعمار وخباب وبلال وسلمان وغيرهم لو طردت هؤلاء الأعبد وأرواح جبابهم وكان عليهم جباب صوف لا غير لجالسناك وحادثناك فقال عليه السلام (ما انا بطارد المؤمنين) فقالوا فاذا نجن جئناك فاقمهم عنا حتى يعرف العرب فضلنا فان وفود العرب تأتيك فنستحيى ان ترانا مع هؤلاء فاذا قمنا عن مجلسك فاقعدهم معك ان شئت فهم عليه السلام ان يفعل ذلك طمعا فى ايمانهم فانزل الله تعالى هذه الآية يعلمه انه لا يحب ان تفضل غنيا على فقير ولا شريفا على وضيع لان طريقه فيما أرسل به الدين دون احوال الدنيا. والطرد الابعاد وبالفارسية [مزان از مجلس خود آن درويشانرا كه ميخوانند پروردگار خود را وذكر او ميكنند بامداد وشبانكاه] والمراد بذكر الوقتين الدوام ومن دام ذكره دام جلوسه مع الله كما قال (انا جليس من ذكرنى) يُرِيدُونَ بذكرهم وعبادتهم وَجْهَهُ تعالى ورضاه لا شيأ من اغراض الدنيا. حال من ضمير يدعون اى يدعونه تعالى مخلصين له وقيد الدعاء بالإخلاص تنبيها على انه ملاك ملاك الأمر

عبادت بإخلاص نيت نكوست

وكرنه چهـ آيد ز بي مغز پوست

واشعارا بانه من أقوى موجبات الإكرام المنافى للابعاد ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ لما لم يقتصر المشركون فى طعن فقراء المسلمين على وصفهم بكونهم موالى ومساكين بل طعنوا فى ايمانهم ايضا حيث قالوا يا محمد انهم انما اجتمعوا عندك وقبلوا دينك لانهم يجدون عندك مأكولا وملبوسا بهذا السبب والا فهم عارون عن دينك والايمان بك دفع الله تعالى ما عسى يتوهم كونه مسوغا لطردهم من أقاويلهم فقال ما عَلَيْكَ اى ليس عليك الا اعتبار ظاهر حالهم وهو اتسامهم بسمة المتقين وان كان لهم باطن غير مرضى كما يقوله المشركون فمضرة حساب ايمانهم لا ترجع الا إليهم لا إليك لان المضرة المرتبة على حساب كل نفس عائدة إليها لا الى غيرها فالمقصود منه دفع طعن الكفار وتثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على تربية الفقراء وادنائهم. وضمير حسابهم. وعليهم للذين يدعون ربهم وكلمة من فى قوله من شىء زائدة وهو فاعل عليك وعليهم لاعتمادها على النفي ومن حسابهم ومن حسابك صفة لشىء ثم قدمت فصارت حالا قال المولى ابو السعود وذكر قوله تعالى وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ مع ان الجواب قدتم بما قبله للمبالغة فى بيان انتفاء كون حسابهم عليه عليه السلام بنظمه فى سلك ما لا شبهة فيه أصلا وهو انتفاء كون حسابه عليه السلام عليهم على طريقة قوله تعالى لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ فَتَطْرُدَهُمْ جواب النفي نحو ما تأتينا فتحدثنا بنصب فتحدث على ان يكون المعنى انتفاء التحديث لانتفاء سببه الذي هو الإتيان والآية الكريمة من هذا القبيل فانه لو كانت مضرة حسابهم مستقرة على المخاطب لكان ذلك سببا لابعاد من يتوهم الوهن فى إيمانه فحكم بان هذا السبب غير واقع حتى يقع مسببه الذي هو الطرد فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ جواب النهى وهو وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ الآية وَكَذلِكَ فَتَنَّا ذلك اشارة الى مصدر ما بعده من الفعل الذي هو عبارة عن تقديمه تعالى

ص: 36

لفقراء المؤمنين فى امر الدين بتوفيقهم للايمان مع ما هم عليه فى امر الدنيا من كمال سوء الحال والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الاشارة من الفخامة والمعنى ذلك الفتون الكامل البديع فتنا اى ابتلينا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ اى بعض الناس ببعضهم لافتون غيره حيث قدمنا الآخرين فى امر الدنيا على الأولين المتقدمين عليهم فى امر الدنيا تقدما كليا لِيَقُولُوا اللام للعاقبة اى ليكون عاقبة أمرهم ان يقول البعض الأولون مشيرين الى الآخرين محقرين لهم نظرا الى ما بينهما من التفاوت الفاحش الدنيوي وتعاميا عما هو مناط التفضل حقيقة أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا بان وفقهم لاصابة الحق ولما يسعدهم عنده تعالى من دوننا ونحن المتقدمون والرؤساء وهم العبيد والفقراء وغرضهم بذلك انكار وقوع المن رأسا على طريقة قولهم لو كان خيرا ما سبفونا اليه لا تحقير الممنون عليهم مع الاعتراف بوقوعه بطريق الاعتراض عليه تعالى قال الكلبي ان الشريف إذا نظر الى للوضيع قد اسلم قبله استنكف وانف ان يسلم وقال قد سبقنى هذا بالإسلام فلا يسلم أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ رد لقولهم ذلك

وابطال له اى أليس الله بأعلم بالشاكرين لنعمه حتى تستبعدوا انعامه عليهم. وفيه اشارة الى ان أولئك الضعفاء عارفون لحق نعمة الله تعالى فى تنزيل القرآن والتوفيق للايمان شاكرون له تعالى على ذلك وتعريض بان القائلين بمعزل من ذلك كله قال فى التأويلات النجمية وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يعنى الفاضل بالمفضول والمفضول بالفاضل فليشكر الفاضل وليصبر المفضول فان لم يشكر الفاضل فقد تعرض لزوال الفضل وان صبر المفضول فقد سعى فى نيل الفضل والمفضول الصابر يستوى مع الفاضل الشاكر كما كان سليمان فى الشكر مع أيوب فى الصبر فان سليمان مع كثرة صورة اعماله فى العبودية كان هو وأيوب مع عجزه عن صورة اعمال العبودية متساويين فى مقام نعم العبدية فقال لكل واحد منهما نِعْمَ الْعَبْدُ ففتنة الفاضل للمفضول رؤية فضله على المفضول وتحقيره ومنع حقه عنه فى فضله وفتنة المفضول فى الفاضل حسده على فضله وسخطه عليه فى منع حقه من فضله عنه فانه انقطع بالخلق او رأى المنع والعطاء من الخلق وهو المعطى والمانع لا غير فعلى العاقل ان يختار ما اختاره الله ولا يريد الا ما يريده قال الكاشفى فى تفسيره الفارسي [در كشف الاسرار آورده كه أرادت بر سه وجه است. أول أرادت دنياى محض كما قال تعالى تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا ونشان آن دو چيز است در زيادتىء دنيا بنقصان دين راضى بودن واز درويشان ومسلمانان اعراض نمودن. ودوم أرادت آخرة محض كما قال تعالى وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وآن نيز دو علامت دارد در سلامتىء دين بنقصان دنيا رضا دادن ودر مؤانست والفت بروى درويشان كشادن. سوم أرادت حق محض كما قال تعالى يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ونشان آن پاى بر سر كونين نهادن است واز خود وخلق آزاد كشتن]

ما را خواهى خطى بعالم در كش

در بحر فنا غرقه شو ودم در كش

فهم يريدون وجهه تعالى فكل يريدون منه وهم يريدونه ولا يريدون منه كما قيل

وكل له سؤل ودين ومذهب

ووصلكمو سؤلى ودينى رضاكمو

ص: 37

وتكلم الناس فى الارادة فاكثروا وتحقيقها اهتياج يحصل فى القلب يسلب القرار من العبد حتى يصل الى الله تعالى فصاحب الارادة لا يهدأ ليلا ولا نهارا ولا يجد من دون وصوله اليه سكوتا ولا قرارا كما فى التأويلات النجمية وفى الآية الكريمة بيان فضل الفقراء وعن ابى سعيد الخدري قال جلست فى نفر من ضعفاء المهاجرين وكان بعضهم يستتر ببعض من العرى وقارئ يقرأ علينا إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا فلما قام سكت القارئ فسلم رسول الله وقال (ما كنتم تصنعون) قلنا يا رسول الله كان قارئ يقرأ علينا وكنا نستمع الى كتاب الله تعالى فقال رسول الله (الحمد لله الذي جعل من أمتي من امر بي ان اصبر نفسى معهم) قال ثم جلس وسطنا ليعدل نفسه فينا ثم قال بيده هكذا فتحلقوا وبرزت وجوههم له قال فما رأيت رسول الله عرف منهم أحدا غيرى فقال (ابشروا يا معاشر صعا ليك المهاجرين بالفوز التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم) وذلك مقدار خمسمائة سنة وفى الحديث (يؤتى بالعبد الفقير يوم القيامة فيعتذر الله عز وجل اليه كما يعتذر الرجل الى الرجل فى الدنيا فيقول وعزتى وجلالى ما زويت الدنيا عنك لهوانك علىّ ولكن لما اعددت لك من الكرامة والفضيلة اخرج يا عبدى الى هذه الصفوف وانظر الى من أطعمك او كساك وأراد بذلك وجهى فخذ بيده فهو لك والناس يومئذ قذ الجمهم العرق فيتخلل الصفوف وينظر من فعل به ذلك فى الدنيا فيأخذه بيده ويدخل الجنة) قال الحافظ

توانكرا دل درويش خود بدست آور

كه مخزن زر وگنج ودرم نخواهد ماند

برين رواق زبر جد نوشته اند بزر

كه چز نكوى اهل كرم نخواهد ماند

وفى الحديث (لكل شىء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء) الصبر هم جلساء الله يوم القيامة: قال الشيخ العطار قدس سره

حب دريشان كليد جنت است

دشمن ايشان سزاى لعنت است

اللهم اجعلنا من الأحباب ولا تطردنا خارج الباب وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا- روى- ان قوما جاؤا الى النبي عليه السلام فقالوا انا أصبنا ذنوبا عظاما فما تدارك الاستغفار وتدبير الاعتذار فسكت عنهم ولم يرد عليهم شيأ فانصرفوا مأيوسين فنزلت قال الامام كل من آمن بالله دخل هذا التشريف فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ من كل مكروه وآفة والسلام بمعنى التسليم اى الدعاء بالسلامة فمعنى سلام عليكم سلمنا عليكم سلاما اى دعوت بان يسلمكم الله من الآفات فى دينكم ونفسكم وانما امره بان يبدأهم بالسلام مع ان العادة ان الجائى يسلم على القاعد حتى ينبسط إليهم بالسلام عليهم لئلا يحتشموا من الانبساط اليه هذا هو السلام فى الدنيا واما فى الآخرة فتسلم عليهم الملائكة عند دخول الجنة كقوله سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ والله يبتدىء بالسلام عليهم بقوله سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ وقوله فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ يشير الى السلام الذي سلمه الله على حبيبه عليه السلام ليلة المعراج إذ قال له (السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته) فقال فى قبول السلام (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) والذي تاب من بعد ظلمه منتظم فى سلك اهل الصلاح فمورد

ص: 38

الآية لا ينافى هذا المعنى كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ اى قضاها وأوجبها على ذاته المقدسة بطريق التفضل والإحسان قال ابن الشيخ كلمة على تفيد الإيجاب وإذا اجتمعا تأكد الإيجاب وهو لا ينافى كونه تعالى فاعلا مختارا بل هو عبارة عن تأكيد وبيان لفضله وكرمه اه قال فى التأويلات النجمية قال فى حديث ربانى للجنة (انما أنت رحمتى ارحم بك من أشاء من عبادى) فيرحم بجنته من شاء من عباده ويرحم بذاته من شاء من عباده أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بدل من الرحمة والتقدير كتب على نفسه انه من عمل إلخ فان مضمون هذه الجملة لا شك انه رحمة والسوء بالفارسية [كار بد] بِجَهالَةٍ حال من فاعل عمل اى عمله ملتبسا بجهالة حقيقة بان يفعله وهو لا يعلم ما يترتب عليه من المضرة والعقوبة او حكما بان يفعله عالما بسوء عاقبته فان من عمل ما يؤدى الى الضرر فى العاقبة وهو عالم بذلك او ظان فهو فى حكم الجاهل فهو حال مؤكدة لانها مقررة لمضمون قوله مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً لان عمل السوء لا ينفك عن الجهالة حقيقة او حكما قال اهل الاشارة يشير بقوله مِنْكُمْ الى ان عامل السوء صنفان. صنف منكم ايها المؤمنون المهتدون. وصنف من غيركم وهم الكفار الضالون. والجهالة جهالتان جهالة الضلالة وهى نتيجة اخطاء النور المرشش فى عالم الأرواح وجهالة الجهولية وهى التي جبل الإنسان عليها فمن عمل من الكفار سوأ بجهالة الضلالة فلا توبة له بخلاف من عمل سوأ من المؤمنين بجهالة الجهولية المركوزة فيه فان له توبة كما قال تعالى ثُمَّ تابَ اى رجع عنه مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد عمله وَأَصْلَحَ اى ما أفسده والإصلاح هو ان لا يعود ولا يفسد فَأَنَّهُ خبر مبتدأ محذوف اى فامره ان الله تعالى غَفُورٌ له رَحِيمٌ به قال الكاشفى فى تفسيره الفارسي [امام قشيرى رحمه الله فرموده كه اگر ملك بر تو ذلت مى نويسد ملك براى تو رحمت مى نويسد پس ترا دو كتابت است يكى ازلى ويكى وقتى مقررست كه كتابت وقتى كتابت ازلى را باطل نمى تواند ساخت مضمون اين آيت شريف شفاست بيماران بيمارستان كناه را وشفا بشرط پرهيزست: يعنى توبه واستغفار]

دردمندان كنه را روز وشب

شربتى بهتر ز استغفار نيست

آرزومندان وصال يار را

چاره غير از نالها وزار نيست

وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ الكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الاشارة من الفخامة وذلك اشارة الى مصدر الفعل الذي بعده اى هذا التفصيل البديع نفصل الآيات القرآنية ونبينها فى صفة اهل الطاعة واهل الاجرام المصرين منهم والأوابين ليظهر الحق ويعمل به وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ اى تظهر طريقتهم فيجتنب عنها. ورفع سبيل على انه فاعل فانه يذكر فى لغة بنى تميم ويؤنث فى لغة اهل الحجاز ووجه الاستبانة والإيضاح ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة فعلى العاقل ان يسلك طريق الفوز والفلاح ويصل الى ما وصل اليه اهل الصلاح. وأول الطريق هو التوبة والاستغفار قال العلماء تذكر اولا قبح الذنوب وشدة عقوبة الله ثم تذكر ضعفك وقلة حيلتك فى ذلك فمن لا يتحمل قرص نملة وحر شمس كيف يتحمل نار جهنم ولسع حيات فينبغى ان تجتهد فى الخروج من الذنوب على أقسامها التي بينك وبين عباد الله

ص: 39

بالاستحلال ورد المظالم. واما التي هى من ترك الواجبات من صلاة وصيام وزكاة فتقضى ما أمكن منها. واما التي بينك وبين الله كشرب الخمر وضرب المزامير وأكل الربا فتندم على ما مضى منها وتوطن قلبك على ترك العود الى مثلها ابدا فاذا أرضيت الخصوم بما أمكن وقضيت الفوائت بما تقدر عليه وبرأت قلبك من الذنوب فينبغى ان ترجع اليه بحسن الابتهال والضراعة ليكفيك ذلك بفضله فتذهب فتغتسل وتغسل ثيابك فتصلى ركعتين كما فى الحديث الصحيح (ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقول فيصلى ركعتين ثم يستغفر الله الا غفر له) وفى حديث آخر (أيما عبد او امة ترك صلاته فى جهالته فتاب وندم على تركها فليصل يوم الجمعة بين الظهر والعصر اثنتي عشرة ركعة يقرأ فى كل منها الفاتحة وآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين مرة لا يحاسبه الله تعالى يوم القيامة ووجد صحيفة سيآته حسنات) ذكره فى مختصر الاحياء يقول الفقير جامع هذه الفوائد ان هذا الحديث على تقدير صحته لا ينفهم منه ان هذه الصلاة تكون قضاء لجميع ما فات منه وتقوم بدله كيف وقد ذكر فى اوله التوبة والندامة ومن مقتضاها قضاء ما سلف كمامر آنفا فمعنى ان الله تعالى لا يحاسبه يوم القيامة لا يقول له لم أخرت الصلاة التي فرضت عليك عن أوقاتها وذلك ببركة هذه الصلاة الشريفة التي هى تأكيد لتوبته وزيادة فى اعتذاره وقد عرف فى الشرع ان العبد كما يحاسب على ترك الصلوات كذلك يحاسب على تأخيرها عن أوقاتها وبهذا البيان انحل ما أشكل على بعض من مواظبة الناس على قضاء صلوات يوم وليلة فى آخر جمعة من شهر رمضان بين الظهر والعصر فان ما يصلونه هى الصلاة المذكورة عند الحقيقة لكنهم يغلطون فى زعمهم وفى الكيفية والله اعلم وفى كتاب الترغيب والترهيب انه جاء رجل الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال وا ذنوباه وا ذنوباه مرتين او ثلاثا فقال له عليه السلام (قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبى ورحمتك أرجى عندى من عملى) فقالها ثم قال (عد) فعاد ثم قال (عد) فعاد ثم قال (قم فقد غفر الله لك) ومن استغفر للمؤمنين كل يوم كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة وما الميت فى قبره الا كالغريق المنتظر ينتظر دعوة تلحقه من اب او أم او أخ صديق فاذا ألحقته كانت أحب اليه من الدنيا وما فيها وان الله تعالى ليدخل على اهل القبور من دعاء اهل الأرض أمثال الجبال وان هدية الاحياء الى الأموات الاستغفار لهم ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب فانك مرجع كل تواب وأواب قُلْ إِنِّي نُهِيتُ كان كفار قريش يدعونه عليه السلام الى دين آبائه فنزلت اى صرفت وزجرت بما نصب لى من الادلة وانزل علىّ من الآيات فى امر التوحيد أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ اى عن عبادة ما تعبدونه مِنْ دُونِ اللَّهِ كائنا ما كان قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ اشارة الى الموجب للنهى كأنهم قالوا لم نهيت عما نحن فيه ولم تمتنع عن متابعتنا أجاب بان ما أنتم عليه هوى وليس بهدى فكيف اتبع الهوى واترك الهدى قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً اى ان اتبعت أهواءكم فقد ضللت اى تركت سبيل الحق وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ من الذين سلكوا طريق الهدى عطف على ما قبله قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ كائنة مِنْ رَبِّي والبينة الحجة الواضحة التي تفصل بين الحق والباطل يقال انا على بينة من هذا الأمر وانا على يقين منه إذا كان ثابتا عندك بحجة واضحة وشاهد صدق والمراد بها

ص: 40

القرآن والوحى وَكَذَّبْتُمْ بِهِ جملة مستأنفة سيقت للاخبار بذلك والضمير المجرور للتنبيه والتذكير باعتبار البيان والبرهان والمعنى انى على بينة عظيمة كائنة من ربى وكذبتم بها وبما فيها من الاخبار التي من جملتها الوعيد بمجىء العذاب ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ- روى- ان رؤساء قريش كانوا يستعجلون العذاب بقولهم مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بطريق الاستهزاء او بطريق الإلزام حتى قام النضر بن الحارث فى الحطيم وقال اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ والمعنى ليس ما تستعجلون به من العذاب الموعود فى القرآن وتجعلون تأخره ذريعة لتكذيبى فى حكمى وقدرتى حتى أجيء به واظهر لكم صدقه اى ليس امره بمفوض الى إِنِ الْحُكْمُ اى ما الحكم فى ذلك وغيره تعجيلا وتأخيرا إِلَّا لِلَّهِ وحده من غير ان يكون لى دخل ما فيه بوجه من الوجوه يَقُصُّ الْحَقَّ اى يقول الحق ويتبعه فى بيان جميع أحكامه ولا يحكم الا بما هو حق فتأخير العذاب حق ثابت جار على حكمة بليغة واصل الحكم المنع فكأنه يمنع الباطل عن معارضة الحق او الخصم عن التعدي على صاحبه وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله مشير الى ان قص الحق هاهنا بطريق خاص هو الفصل بين الحق والباطل قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي اى فى قدرتى ومكنتى ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب الذي ورد به الوعيد بان يكون امره مفوصا الى من جهته عز وجل لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ اى بان ينزل ذلك عليكم اثر استعجالكم بقولكم متى هذا الوعد ونظائره. وفى بناء الفعل للمفعول من الإيذان بتعين الفاعل الذي هو الله سبحانه وتهويل الأمر ومراعاة حسن الأدب ما لا يخفى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ اى بحالهم وبانهم مستحقون للامهال بطريق الاستدراج لتشديد العذاب ولذلك لم يفوض الأمر الىّ فلم يقض الأمر بتعجيل العذاب فعابد الأصنام سواء أمهل او لا يذوق العذاب ولا يتخلص منه أصلا وكذا عابد الدنيا والنفس والشيطان والهوى فان ذلك فى نار الجحيم وهذا فى نار الفراق العظيم فعلى العاقل ان لا يتبع الهوى كما امر الله تعالى فقال قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قال بعضهم جزت مرة ببلاد السواد فرأيت شيخا جالسا فى الهواء فسلمت عليه فرد السلام على فقلت له بم جلست فى الهواء قال خالفت الهوى فاسكنت فى الهواء وجاء جماعة من فقهاء اليمن الى الشيخ الكبير ابى الغيث قدس سره يمتحنونه فى شىء فلما دنوا منه قال مرحبا بعبيد عبدى فاستعظموا ذلك فلحقوا شيخ الطرفين وامام الفريقين العالم العارف أبا الذبيح إسماعيل بن محمد الحضري فأخبروه بما قال الشيخ ابو الغيث لهم فضحك الشيخ وقال صدق الشيخ أنتم عبيد الهوى والهوى عبده وانما يتخلص المرء من الهوى بالتقوى: وفى المثنوى

چونكه تقوى بست دو دست هوا

حق كشايد هر دو دست عقل را

پس حواس پيره محكوم تو شد

چون خرد سالار ومخدوم تو شد

واعلم ان الهوى من أوصاف النفس فالآيات متعلقة بإصلاح النفس ومن كان على بينة من ربه وهى فى الحقيقة النور الذي ينشرح به الصدر يكون على الهدى لاعلى الهوى وله علامات

ص: 41

كما لا يخفى- حكى- ان بعض الصالحين كان يتكلم على الناس ويعظهم فمر عليه فى بعض الأيام يهودى وهو يخوفهم ويقرأ قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا فقال اليهودي ان كان هذا الكلام حقا فنحن وأنتم سواء فقال له الشيخ لا ما نحن سواء بل نحن نرد ونصدر وأنتم تردون ولا تصدرون ننجو نحن منها بالتقوى وتبقون أنتم فيها جثيا بالظلم ثم قرأ الآية الثانية ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا فقال اليهودي نحن المتقون فقال له الشيخ كلا بل نحن وتلا قوله تعالى وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ الى قوله تعالى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ فقال اليهودي هات برهانا على صدق هذا فقال له الشيخ البرهان حاضر يراه كل ناظر وهو ان تطرح ثيابى وثيابك فى النار فمن سلمت ثيابه فهو الناجي منها ومن أحرقت ثيابه فهو الباقي فيها فنزعا ثيابهما فاخذ الشيخ ثياب اليهودي ولفها ولف عليها ثيابه ورمى الجميع فى النار ثم دخل النار فاخذ الثياب ثم خرج من الجانب الآخر ثم فتحت الثياب فاذا ثياب الشيخ المسلم سالمة بيضاء قد نطفتها النار وأزالت عنها الوسخ وثياب اليهودي قد صارت حراقة مع انها مستورة وثياب الشيخ المسلم ظاهرة للنار فلما رأى ذلك اسلم والحمد لله فهذه الحكاية مناسبة لما ذكر من الآيات إذ كفار قريش كانوا من اهل الظلم والهوى فلم ينفعهم دعواهم فصاروا الى العذاب والمؤمنون كانوا من اهل العدل والبينة والهدى فانتج تقواهم ووصلوا الى جنات مفتحة لهم الأبواب ومن سلم لباسه من النار سلم وجوده بالطريق الاولى بل الثوب فى الحقيقة هو الوجود الظاهري الذي استتر به الروح الباطني فلا بد من تطهيره المؤدى الى تطهير الباطن يسره الله وَعِنْدَهُ اى الله تعالى خاصة مَفاتِحُ الْغَيْبِ اى خزائن غيوبه. جمع مفتح بفتح الميم وهو المخزن والكنز والاضافة من قبيل لجين الماء وهو المناسب للمقام كما فى حواشى سعدى چلبى المفتى ويجوز ان يكون جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح اى آلة الفتح فالمعنى ما يتوصل به الى الغيب شبه الغيب بالخزائن المستوثق بها بالاقفال واثبت لها مفاتح على سبيل التخييل ولما كان عنده تلك المفاتح كان المتوصل الى ما فى الخزائن من المغيبات هو لا غير كما فى حواشى ابن الشيخ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ تأكيد لمضمون ما قبله قال فى تفسير الجلالين وهى الخمسة التي فى قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية رواه البخاري قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (مفأتح الغيب خمس لا يعلمها الا الله لا يعلم ما فى الأرحام الا الله ولا يعلم ما فى غد الا الله ولا يعلم متى يأتى المطر الا الله ولا يدرى بأى ارض تموت النفس الا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة الا الله) وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ من الموجودات مفصلة على اختلاف أجناسها وأنواعها وتكثير افرادها وهو بيان لتعلق علمه تعالى بالمشاهدات اثر بيان تعلقه بالمغيبات تكملة له وتنبيها عن ان الكل بالنسبة الى علمه المحيط سواء فى الجلاء وَما تَسْقُطُ مِنْ زائدة وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها يريد ساقطة وثابتة يعنى يعلم عدد ما يسقط من ورق الشجر وما يبقى عليه وهى مبالغة فى احاطة علمه بالجزئيات وَلا حَبَّةٍ عطف على ورقة وهى بالفارسية [دانه] فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ اى كائنة فى بطونها لا يعلمها قال الكاشفى [مراد تخميست كه

ص: 42

در زمين افتد] وَلا رَطْبٍ عطف على ورقة ايضا وهو بالفارسية [تر] وَلا يابِسٍ بالفارسية [خشك] اى ما يسقط من شىء من هذه الأشياء الا يعلمه قال الحدادي الرطب واليابس عبارة عن جميع الأشياء التي تكون فى السموات وفى الأرض لانها لا تخلو من احدى هاتين الصفتين انتهى فيختصان بالجسمانيات إذا الرطوبة واليبوسة من أوصاف الجسمانيات إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ هو اللوح المحفوظ فهو بدل اشتمال من الاستثناء الاول او هو علمه تعالى فهو بدل منه بدل الكل. وقرىء ولا رطب ولا يابس بالرفع على الابتداء والخبر الا فى كتاب وهو الأنسب بالمقام لشمول الرطب واليابس حينئذ لما ليس من شأنه السقوط قال الحدادي فان قيل ما الفائدة فى كون ذلك فى اللوح مع ان الله تعالى لا يخفى عليه

شىء وان كان عالما بذلك قبل ان يخلقه وقبل ان يكتبه لم يكتبها ليحفظها ويدرسها قيل فائدته ان الحوادث إذا حدثت موافقة للمكتوب از دادت الملائكة بذلك علما ويقينا بعظيم صفات الله تعالى يقول الفقير ان الملائكة ليست من اهل الترقي والتنزل فقصر الفائدة على ذلك مما لا معنى له بل نقول ان اللوح قلب هذا التعين كقلب الإنسان قد انتقش فيه ما كان وما سيكون وهو من مراتب التنزلات فقد ضبط الله فيه جميع المقدورات الكونية لفوائد ترجع الى العباد يعرفها العلماء بالله: قال الحافظ

معرفت نيست درين قوم خدايا سببى

تا برم كوهر خود را بخريدار ديكر

والاشارة فى الآية ان الله تعالى جعل لكل شىء من المكونات شهادة تناسب ذلك الشيء وغيبا مناسبا له وجعل لغيب كل مفتاحا يفتح به باب غيب ذلك الشيء وشهادته فينفعل ذلك الشيء كما اراده الله فى الأزل وقدره وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ ذلك الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ لانه لا خالق الا هو ليس لنبى ولا لولى مدخل فى علم هذه المفاتح ولا فى استعمالها لانه مختص بالخالق فقط وسأضرب لك مثلا تدرك به هذه الحقيقة وذلك مثل نقاش للصورة فان لكل صورة مما ينقشه شهادة هى هيئتها وغيبا هو علم التصوير ومفتاحا يفتح به باب علم التصوير على هيئة الصورة لتنفعل الصورة كما هى ثابتة فى ذهن النقاش هو القلم والقلم بيد النقاش لا مدخل لتصرف غيره فيه فالله تعالى هو النقاش المصور والصور هى المكونات المختلفة الغيبية والشهادية وشهادة كل صورة منها خلقتها وتكوينها وقلم تصويرها الذي هو مفتاح يفتح به باب علم تكوينها على صورتها وكونها هو الملكوت فبقلم ملكوت كل شىء يكون كون كل شىء وقلم الملكوت بيد الله تعالى كما قال فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وكما ان الأشياء مختلفة فالملكوتيات مختلفات وملكوت كل شىء من الجماد والنبات والحيوان والإنسان والملك مناسب لصورته ولهذا جمع المفاتح ووحد الغيب وقال وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لان الغيب هو علم التكوين وهو واحد فى جميع الأشياء وفى الملكوت كثرة كما فى أقلام المصور فافهم جدا وَبعلم التكوين يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لان به كوّن البر وهو عالم الشهادة والصورة والبحر وهو عالم الغيب والملكوت يدل على هذا المعنى قوله لا عالم الغيب والشهادة وَبهذا العلم ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها لانه مكونها ومثبتها ومسقطها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ اى حبة الروح فى ظلمات

ص: 43

صفات ارض النفس وايضا ولا حبة فى ظلمات الأرض اى ارض القلب وظلمات صفات البشرية الا وهو ركبها ويعلم كمالها ونقصانها وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ الرطب هو الموجود فى الحال واليابس هو المعدوم فى الحال وسيكون موجودا. وايضا الرطب الروحانيات واليابس الجماديات وايضا الرطب المؤمن واليابس الكافر. وايضا الرطب العالم واليابس الجاهل. وايضا الرطب العارف واليابس الزاهد. وايضا الرطب اهل المحبة واليابس اهل السلوة. وايضا الرطب صاحب الشهود واليابس صاحب الوجود. وايضا الرطب الباقي بالله واليابس الباقي بنفسه إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ وهو أم الكتاب كذا فى التأويلات النجمية قدس سره مؤلفها العزيز الشريف وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ الخطاب عام للمؤمن والكافر اى ينيمكم فى الليل ويجعلكم كالميت فى زوال الاحساس والتمييز ومن هنا ورد (النوم أخ الموت) والتوفى فى الأصل قبض الشيء بتمامه وعن على رضى الله عنه يخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعه فى الجسد فبذلك يرى الرؤيا فاذا انتبه من النوم عادت الروح الى الجسد بأسرع من لحظة يعنى ان الذي يرى الرؤيا هو الروح الإنساني وانه يرى فى عالم البرزخ ما صدر عن الروح الحيواني من القبيح والحسن وهو ظل الروح الإنساني والتعبير بالحيوانى والإنساني اصطلاح الحكماء واما اهل السلوك فيعبرون عنها بالروح وتنزله وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ اى ما كسبتم فيه وجوارح الإنسان أعضاؤه التي يكسب بها الأعمال خص الليل بالنوم والنهار بالكسب جريا على العادة ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ اى يوقظكم فى النهار عطف على يتوفاكم وتوسيط قوله ويعلم بينهما لبيان ما فى بعثهم من عظيم الإحسان إليهم بالتنبيه على انه بعد علم ما يكتسبونه من السيئات مع كونها موجبة لا بقائهم على التوفى بل لاهلاكهم بالمرة يفيض عليهم الحياة ويمهلهم كما ينبىء عنه كلمة التراخي كأنه قيل هو الذي يتوفاكم فى جنس الليل ثم يبعثكم فى جنس النهار مع علمه بما ستجرحون فيه لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى اى ليبلغ المتيقظ آخر اجله المسمى له فى الدنيا وقضاء الاجل فصل الأمر على سبيل التمام فمعنى قضاء الاجل فصل مدة العمر من غيرها بالموت والاجل آخر مدة الحياة ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ اى رجوعكم بالموت لا الى غيره أصلا ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بالمجازاة بأعمالكم التي كنتم تعملونها فى تلك الليالى والأيام وَهُوَ الْقاهِرُ مستعليا فَوْقَ عِبادِهِ اى المتصرف فى أمورهم لا غيره يفعل بهم ما يشاء إيجادا واعداما واحياء واماتة وتعذيبا واثابة الى غير ذلك ويجوز ان يكون فوق خبرا بعد خبر وليس معنى فوق معنى المكان لاستحالة اضافة الأماكن الى الله تعالى وانما معناه الغلبة والقدرة ونظيره فلان فوق فلان فى العلم اى اعلم منه: وفى المثنوى

دست شد بالاى دست اين تا كجا

تا بيزدان كه اليه المنتهى

كان يكى درياست بي غور وكران

جمله درياها چوسيلى پيش آن

حيلها و چارها كر اژدهاست

پيش الا الله آنها جمله لاست

وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً عطف على الجملة الاسمية قبلها اى يرسل عليكم خاصة ايها المكلفون ملائكة تحفظ أعمالكم وهم الكرام الكاتبون والحكمة فيه ان المكلف إذا علم ان

ص: 44

اعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الاشهاد كان از جر عن المعاصي وان العبد إذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المطلعين عليه: قال الكاشفى

نه انديشى از ان روزيكه در وى

چكرها خون ودلها ريش بينى

دهندت نامه اعمال وكويند

بخوان تا كردهاى خويش بينى

مكن ور ميكنى بارى در ان كوش

كه اندر نامه نيكى پيش بينى

ورد فى الخبران على كل واحد منا ملكين بالليل وملكين بالنهار يكتب أحدهما الحسنات والآخر السيئات وصاحب اليمين امير على صاحب الشمال فاذا عمل العبد حسنة كتبت له بعشر أمثالها وإذا عمل سيئة فاراد صاحب الشمال ان يكتب قال له صاحب اليمين امسك فيمسك عنه ست ساعات او سبع ساعات فان هو استغفر الله لم يكتب عليه وان لم يستغفر كتب سيئة واحدة فان قلت هل تعرف هؤلاء الملائكة العزم الباطن كما يعرفون الفعل الظاهر قلت نعم لان الحفظة تنتسخ من السفرة وهى من الخزنة التي وكلت باللوح وقد كتب فيه احوال العوالم وأهاليها من السرائر والظواهر فبعد وقوفهم على ذلك يكتبون ثانيا من أول اليوم الى آخره ومن أول الليل الى آخره حسبما يصدر عن الإنسان وقيل إذا همّ العبد بحسنة فاح من فيه رائحة المسك فيعلمون بهذه العلامة فيكتبونها وإذا هم بسيئة فاح منه ريح النتن فان قلت والملائكة التي ترفع عمل العبد فى اليوم أهم الذين يأتون عدا أم غيرهم قلت قال بعض العلماء الظاهر انهم هم وان ملكى الإنسان لا يتغيران عليه مادام حيا وقال بعض المشايخ من جاء منهم لا يرجع ابدا مرة اخرى ويجيىء آخرون مكانهم الى نفاد العمر واختلف فى موضع جلوس الملكين وفى الخبر النبوي (نقوا أفواهكم بالخلال فانها مجلس الملكين الكريمين الحافظين وان مدادهما الريق وقلمهما اللسان وليس عليهما شىء امر من بقايا الطعام بين الأسنان) ولا يبعد ان يوكل بالعبد ملائكة سوى هذين الملكين كل منهم يحفظه من أذى كما جاء فى الروايات حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حتى هى التي يبتدأ بها الكلام وهى مع ذلك تجعل ما بعدها من الجملة الشرطية غاية لما قبلها كأنه قيل ويرسل عليكم حفظة يحفظون أعمالكم مدة حياتكم حتى إذا انتهت مدة أحدكم كائنا من كان وجاء اسباب الموت ومباديه تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا الآخرون المفوض إليهم ذلك وهم ملك الموت وأعوانه وانتهى هناك حفظ الحفظة وَهُمْ اى الرسل لا يُفَرِّطُونَ اى لا يقصرون فيما يؤمرون بالتواني والتأخير طرفة عين واعلم ان القابض لارواح جميع الخلق هو الله تعالى حقيقة وان ملك الموت وأعوانه وسائط ولذلك أضيف التوفى إليهم وقد يكون التوفى بدون وساطتهم كما نقل فى وفاة فاطمة الزهراء رضى الله عنها وغيرها وأعوان ملك الموت اربعة عشر ملكا سبعة منها ملائكة الرحمة وإليهم يسلم روح المؤمن بعد القبض وسبعة منهم ملائكة العذاب وإليهم يسلم روح الكافر بعد الوفاة قال مجاهد قد جعلت الأرض لملك الموت كالطشت يتناول من حيث يشاء يقول الفقير ليس على ملك الموت صعوبة فى قبض الأرواح وان كثرت وكانت فى امكنة مختلفة وكيفية لا تعرف بهذا العقل الجزئى كما لا تعرف كيفية وسوسة الشيطان فى قلوب

ص: 45

جميع اهل الدنيا- روى- فى الحبر ان رسول الله دخل على مريض يعوده فرأى ملك الموت عند رأسه فقال (يا ملك الموت ارفق به فانه مؤمن) فقال ملك الموت يا محمد ابشر وطب نفسا وقرعينا فانى بكل مؤمن رفيق انى لاقبض روح المؤمن فيصرخ اهله فاعتزل فى جانب الدار فاقول مالى من ذنب وانى مأمور وان لى لعودة فالحذر الحذر وما من اهل بيت مدر ولا وبر فى بر وبحر الا وانا أتصفحهم فى كل يوم خمس مرات حتى انى لا علم بصغيرهم وكبيرهم منهم بانفسهم والله لو أردت ان اقبض روح بعوضة لما قدرت عليها حتى يأمرنى الله تعالى بقبضها قال العلماء الموت ليس بعدم محض ولافناء صرف وانما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته وحيلولة بينهما وتبذل حال وانتقال من دار الى دار ولما خلق الله الموت على صورة كبش أملح قال له اذهب الى صفوف الملائكة على هيئتك هذه فلم يبق ملك إلا غشي عليه الفى عام ثم أفاقوا فقالوا يا ربنا ما هذا قال الموت قالوا لمن ذلك قال على كل نفس قالوا لم خلقت الدنيا قال ليسكنها بنوا آدم قالوا لم خلقت النساء قال ليكون النسل قالوا من يسلط عليه هذا هل يشتغل بالنساء والدنيا قال ان طول الأمل ينسيهم الموت حتى يكون منهم أخذ الدنيا وشهوة النساء ولذلك قيل الموت من أعظم المصائب وأعظم منه الغفلة عنه ثُمَّ رُدُّوا عطف على توفته والضمير للكل المدلول عليه بأحدكم اى ردوهم الملائكة بعد البعث إِلَى اللَّهِ اى الى حكمه وجزائه فى موقف الحساب فالرد الى الله ليس على ظاهره لكونه تعالى متعاليا عن المكان والجهة بل هو عبارة عن جعلهم منقادين لحكم الله تعالى مطيعين لقضائه بان يساقوا الى حيث لا مالك ولا حاكم فيه سواه مَوْلاهُمُ اى مالكهم الذي يملك أمورهم على الإطلاق واما قوله تعالى وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ فالمولى فيه بمعنى الناصر فلا تناقض وهو بدل من الجلالة الْحَقِّ الذي لا يقضى الا بالعدل وهو صفة للمولى أَلا اى اعلموا وتنبهوا لَهُ الْحُكْمُ اى القضاء بين العباد يومئذ لاحكم لغيره فيه بوجه من الوجوه وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ يحاسب جميع الخلائق فى اسرع زمان وأقصره لا يشغله حساب عن حساب ولا شأن عن شأن لا يتكلم بآلة ولا يحتاج الى فكرة وروية وعقد يد ومعنى المحاسبة تعريف كل واحد ما يستحقه من ثواب وعقاب قال بعض العلماء المحاسبة لتقدير الأعمال والوزن لاظهار مقاديرها فيقدم الحساب على الميزان ولهذا لا ميزان لمن يدخل الجنة بلا حساب واعلم ان الحشر والحساب لا يكون على وجه الأرض وانما يكون فى الأرض المبدلة وهى ارض بيضاء كالفضة لم يسفك فيهادم ولم يظلم عليها أحد فاذا ثبت الحشر والحساب وان الله تعالى هو المحاسب وجب على العاقل ان يحاسب نفسه قبل ان يناقش فى الحساب لانه هو التاجر فى طريق الآخرة وبضاعته عمره وربحه صرف عمره فى الطاعات والعبادات وخسرانه صرفه فى المعاصي والسيئات ونفسه شريكه فى هذه التجارة وهى وان كانت تصلح للخير والشر لكنها أميل واقبل الى المعاصي والشهوات فلا بد له من مراقبتها ومحاسبتها: قال السعدي قدس سره

تو غافل در انديشه سود ومال

كه سرمايه عمر شد بايمال

قُلْ يا محمد لاهل مكة مَنْ استفهام يُنَجِّيكُمْ اى يخلصكم ويعطى لكم نجاة

ص: 46

مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ من شدائدهما وأهوالهما فى اسفاركم استعيرت الظلمة للمشقة لمشار كتهما فى الهول وابطال الابصار فقيل لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب اى اشتدت ظلمته حتى صار كالليل فى ظلمته بناء على ان الليل إذا لم يستنر بنور القمر ظهرت الكواكب صغارها وكبارها وكلما اشتدت ظلمته اشتد ظهور الكواكب تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً اى معلنين ومسرين على ان يكون تضرعا وخفية مصدرين فى موضع الحال من فاعل تدعونه وتدعون حال من فاعل ينجيكم اى داعين إياه تعالى والتضرع اظهار الضراعة وهى شدة الفقر والحاجة الى الشيء لَئِنْ أَنْجانا حال من فاعل تدعون ايضا على ارادة القول اى تدعونه قائلين والله لئن خلصنا مِنْ هذِهِ الظلمات والشدائد لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ اى الراسخين فى الشكر المداومين عليه لاجل هذه النعمة. والشكر الاعتراف بالنعمة مع القيام بحقها وحق نعمة الله ان يطاع منعمها ولا يعصى فضلا عن ان يشرك به ما لا يقدر على شىء أصلا قُلِ لهم اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ اى غم سواها والكرب غاية الغم الذي يأخذ بالنفس ثُمَّ أَنْتُمْ بعد ما تشاهدون من هذه النعم الجليلة تُشْرِكُونَ بعبادته تعالى غيره. والمناسب لقولهم لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ان يقال ثم أنتم لا تشكرون اى لا تعبدون لكن وضع تشركون موضعه تنبيها على ان الإشراك بمنزلة ترك الشكر رأسا قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً لاجل اشراككم مِنْ فَوْقِكُمْ اى عذابا كائنا من جهة الفوق كما فعل بقوم نوح عليه السلام بحيث اهلكهم بان أرسل عليهم الطوفان والصاعقة والريح والصيحة وأهلك قوم لوط واصحاب الفيل بان أمطر عليهم حجارة أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ اى من جهة السفل كما أغرق فرعون وخسف بقارون. وقيل من فوقكم ملوككم وأكابركم ورؤسائكم ومن تحت أرجلكم عبيدكم السوء وسفلتكم وسفهائكم وكلمة او لمنع الخلو دون الجمع فلا منع لما كان من الجهتين معا كما فعل بقوم نوح أَوْ يَلْبِسَكُمْ من لبست عليه الأمر اى خلطته من باب ضرب واما لبست الثوب فمن باب علم ومصدر الاول اللبس بالفتح والثاني بالضم والمعنى او يخلطكم شِيَعاً منصوب على انه حال من مفعول يلبسكم وهو جمع شيعة كسدرة وسدر. والشيعة كل قوم اجتمعوا على امر اى يخلطكم حال كونكم فرقا متجزئين على أهواء شتى ومذاهب مختلفة كل فرقة مشايعة لامام فينشب بينكم القتال اى يهيج ويظهر فهذا الخلط هو خلط اضطراب لا خلط اتفاق وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ يقاتل بعضكم بعضا ومن سنة الله تعالى ان يذيق الكافرين بأس المؤمنين وبالعكس وان يذيق بعض الكافرين بأس بعض وبعض المؤمنين بأس بعضهم كما هو فى اكثر الأزمان والاعصار على حسب التربية المبنية على جماله وجلاله تعالى وفى الحديث (سألت ربى ثلاثا فاعطانى اثنتين ومنعنى واحدة سألت ربى ان لا يهلك أمتي بالسنة فاعطانيها فسألته ان لا يهلك أمتي بالغرق فاعطانيها وسألته ان لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها) أراد بالسنة قحطا يعم أمته وبالغرق بفتح الراء ما يكون على سبيل العموم كطوفان نوح عليه السلام قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى البر وسوى تأثير طوفان نوح عليه السلام يظهر فى كل ثلاثين سنة مرة واحدة لكن على الخفة فيقع مطر

ص: 47

كثير ويغرق بعض القرى والبيوت من السيل اه كلامه وأراد عليه السلام بالبأس الحرب والفتن وفى الحديث (فناء أمتي بالطعن والطاعون) وفى آخر (إذا وضع السيف فى أمتي لم يرفع منها الى يوم القيامة) وفيه معجزة للنبى عليه السلام حيث كان الأمر كما أخبره. والبأس الشدة فى الحرب وسبب دخول البأس عدم حكم الائمة بكتاب الله تعالى وسبب تسلط العدو نقض عهد الله وعهد رسوله كما جاء فى بعض الأحاديث انْظُرْ يا محمد كَيْفَ نُصَرِّفُ لهم الْآياتِ القرآنية من حال الى حال بالوعد والوعيد اى نبين لهم آية على اثر آية ونوردها على وجوه مختلفة من أول السورة الى هنا لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ كى يفقهوا ويقفوا على جلية الأمر فيرجعوا عما هم عليه من المكابرة والعناد وَكَذَّبَ بِهِ اى بالعذاب الموعود او القرآن المجيد الناطق بمجيئه قَوْمُكَ اى المعاندون منهم وَهُوَ الْحَقُّ اى والحال ان ذلك العذاب واقع لا محالة او انه الكتاب الصادق فى كل ما نطق قُلْ لهم لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ بحفيظ وكل الى أمركم لا منعكم من التكذيب وأجبركم على التصديق انما انا منذر وقد حرجت من العهدة حيث أخبرتكم بما سترونه لِكُلِّ نَبَإٍ اى خبر من اخبار القرآن مُسْتَقَرٌّ اسم زمان اى وقت يقع فيه ويستقر زمن عذابكم وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عند وقوعه فى الدنيا او فى الآخرة او فيهما معا فعلى العاقل ان يتضرع الى الله تعالى فى دفع الشدائد ولا يصر على ذنبه فانه سبب للابتلاء وكل ظلمة انما تجيء من ظلمات النفس الامارة: كما قال فى المثنوى

هر چهـ بر تو آيد از ظلمات غم

آن ز بي شرمى وكستاخيست هم

قال الصائب:

چرا ز غير شكايت كنم كه همچوحباب

هميشه خانه خراب هواى خويشتنم

والاشارة ان البر هو الأجسام والبحر هو الأرواح فالارواح وان كانت نورانية بالنسبة الى الأجسام لكن بالنسبة الى الحق ونور ألوهيته ظلمانية كما قال عليه السلام (ان الله خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليهم من نوره) فمعناه إذا خلقتكم فى ظلمة الخليقة فمن ينجيكم من ظلمات بر البشرية وظلمات بحر الروحانية إذ تدعونه تضرعا اى بالجسم وخفية اى بالروح لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ حين تجلى لكم نور من أنوار صفاته فبعضكم يشرك ويقول انا الحق وبعضكم يقول سبحانى ما أعظم شأنى قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ حين تقولون انا الحق وسبحان عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ بان يرخى حجابا بينه وبينكم يعذبكم به عزة وغيرة أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ اى حجابا من أوصاف بشريتكم باستيلاء الهوى عليكم أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً يجعل الخلق فيكم فرقا فرقة. يقولون هم الصديقون وفرقة يقولون هم الزنادقة وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ بالقتل والصلب وقطع الاعراق كما فعل بابن منصور قالوا وكان قد جرى من الحلاج قدس سره كلام فى مجلس جامد بن عباس وزير المقتدر بحضرة القاضي ابى عمر فافتى بحل دمه وكتب خطه بذلك وكتب معه من حضر المجلس من الفقهاء وقال له الحلاج ظهرى حمى ودمى حرام وما يحل لكم ان تتأولوا علىّ

ص: 48

بما يبيحه وانما اعتقادي الإسلام ومذهبى السنة وتفضيل الائمة الاربعة الخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة رضى الله عنهم ولى كتب فى السنة موجودة فى الوراقين فالله الله فى دمى ولم يزل يردد هذا القول وهم يكتبون خطوطهم الى ان استكملوا ما احتاجوا اليه وانفضوا من المجلس وحمل الحلاج الى السجن وكتب الوزير الى المقتدر يخبره بما جرى فى المجلس فعاد جواب المقتدر بان القضاة إذا كانوا قد أفتوا بقتله فليسلم الى صاحب الشرطة وليتقدم بضربه الف سوط فان مات والا فيضرب الف سوط آخر ثم ليضرب عنقه فسلمه الوزير الى الشرطي وقال له ما رسم به المقتدر وقال ايضا ان لم يتلف بالضرب يقطع يده ثم رجله ثم يحز رأسه وتحرق جثته وان خدعك وقال لك انا اجرى لك الفرات ودجلة ذهبا وفضة فلا تقبل منه ذلك ولا ترفع العقوبة عنه فتسلمه الشرطي ليلا وأصبح يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذى الحجة من سنة تسع وثلاثمائة فاخرجه الى باب الطاق وهو يتبختر فى قيوده واجتمع من العامة خلق لا يحصى عددهم وضربه الجلاد الف سوط ولم يتأوه ولما فرغ من ضربه قطع أطرافه الاربعة ثم حز رأسه ثم أحرقت جثته ولما صار رمادا ألقاه فى دجلة ونصب الرأس ببغداد على الجسر وادعى بعض أصحابه انه لم يقتل ولكن القى شبهه على عدو من اعداء الله تعالى كما وقع فى حق عيسى عليه السلام والأولياء ورثة للانبياء يقول الفقير لهذا التشبيه والتخييل نظائر فى حكايات المشايخ يجدها من تتبع ومرادى بيان جوازه لا اعتقاد انه كان كذلك فان قلت من حق ولاية الحلاج ان لا يحترق ولا يكون رمادا قلت ذلك غير لازم فان الأجساد مشتركة فى قبول العوارض والآفات ألا ترى الى حال أيوب ويحيى وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام وقد ذكر اهل التفسير فى اصحاب الرس انهم قتلوا الأنبياء المبعوثين إليهم وأكلوا لحومهم تمردا وعنادا ورسوا بئرهم بعظامهم نعم قد يكون فى هذه النشأة امور خارجة عن العادة خارقة كاحوال بعض الأنبياء والأولياء الذين قتلوا مثلا ثم أحياهم الله تعالى واما فى القبر فقد ثبت ان الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء ومن يليهم وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا إذا منصوب بجوابه وهو فاعرض والمراد بالخطاب النبي عليه السلام وأمته. والخوض فى اللغة الشروع فى الشيء مطلقا الا انه غلب فى الشروع فى الشيء الباطل والآيات القرآن. والمعنى إذا رأيت الذين يشرعون فى القرآن بالتكذيب والاستهزاء به والطعن فيه كما هو دأب كفار قريش فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ بترك محالستهم والقيام عنهم عند خوضهم فى الآيات حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ اى استمر على الاعراض الى ان يشرعوا فى حديث غير آياتنا فالضمير الى الآيات والتذكير باعتبار كونها حديثا او قرآنا وَإِمَّا أصله ان ما فادغمت نون ان الشرطية فى ما المزيدة يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ اى ما أمرت به من ترك مجالستهم فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى اى بعد ان تذكره فهو مصدر بمعنى الذكر ولم يجىء مصدر على فعلى غير ذكرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الذين وضعوا التكذيب والاستهزاء موضع التصديق والتعظيم وهذا الانساء محض احتمال يدل عليه كلمة ان الشرطية فلا يلزم وقوعه مع ان العلماء قد اتفقوا على جواز السهو والنسيان على الأنبياء عليهم السلام والمراد بالشيطان إبليس او واحد من أكابر جنوده لان الذي

ص: 49

هو قرينه عليه السلام اسلم فلا يأمره إلا بخير بخلاف قرين كل واحد من الامة وفى الحديث (فضلت على آدم بخصلتين كان شيطانى كافرا فاعاننى الله عليه فاسلم وكان أزواجي عونا لى وكان شيطان آدم وزوجته عونا على خطيئته) ولما قال المسلمون لئن كنا نقوم كلما استهزؤا بالقرآن لم نستطع ان نجلس فى المسجد الحرام ونطوف بالبيت لانهم يخوضون ابدا رخص الله تعالى فى مجالستهم على سبيل الوعظ والتذكير فقال وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ الضمير فى حسابهم للخائضين ومن زائدة وشىء فى محل الرفع على انه مبتدأ للخبر المقدم وهو على الذين اى وما على المؤمنين الذين يجتنبون عن قبائح اعمال الخائضين وأقوالهم شىء مما يحاسبون عليه من الجرائم والآثام وَلكِنْ ذِكْرى اى ولكن عليهم ان يذكروهم ذكرى ويمنعوهم عن الخوض وغيره من القبائح بما أمكن من العظة والتذكير ويظهروا لهم الكراهة والنكير فنصب ذكرى على المصدرية والواو للعطف. ولكن خالص للاستدراك فلا يلزم الجمع بين حرفى العطف كما ان اللام مع سوف تخرج عن كونها للحال وتخلص للتأكيد لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ اى يجتنبون الخوض حياء وكراهة لمساءتهم وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً المراد بالموصول الكفار الخائضون فى الآيات ودينهم هو الذي كلفوه وأمروا باقامة مواجبه وهو دين الإسلام ومعنى اتخاذه لعبا ولهوا انهم سخروا به واستهزؤا. واللعب عمل يشغل النفس وينفرها عما تنتفع به. واللهو صرفها عن الجد الى الهزل وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا واطمأنوا بها حتى زعموا ان لاحياة بعدها ابدا والمعنى اعرض عنهم واترك معاشرتهم وملاطفتهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ولا تشغل قلبك بهم وليس المراد ان يترك إنذارهم لانه تعالى قال وَذَكِّرْ بِهِ اى بالقرآن من يصلح للتذكر أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ اى لئلا تسلم الى الهلاك وترهن بِما كَسَبَتْ بسبب ما عملت من القبائح. واصل البسل والابسال المنع ولذا صح استعمال الابسال فى معنى الإسلام الى الهلاك لان الإسلام الى الهلاك يستلزم المنع فانه إذا اسلم أحد الى الهلاك كان المسلم اليه وهو الهلاك يمنع المسلم وهو الشخص من الخروج عنه والخلاص منه وفى التفسير الفارسي للكاشفى [تا تسليم كرده نشود بهلاك يا رسوا نكرده نفس هر كافرى بسبب آنچهـ كرده است از بديها] لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ استئناف مسوق للاخبار بذلك والأظهر انه حال من نفس كأنه فى قوة نفس كافرة او نفوس كثيرة كما فى قوله تعالى عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ ومن دون الله حال من ولى اى ليس لتلك النفس غيره تعالى من يدفع عنها العذاب وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ اى تفد تلك النفس كل فداء بان جاءت مكانها بكل ما كان فى الأرض جميعا لا يُؤْخَذْ مِنْها اى لا يقبل فقوله كل عدل نصب على المصدر فالعدل هاهنا ليس بمعنى ما يفتدى به كما فى قوله تعالى لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ بل المراد المعنى المصدري فان قلت الاخذ يتعلق بالأعيان لا بالمعنى قلت نعم الا ان الامام قال الاخذ قد يستعمل بمعنى القبول كما فى قوله تعالى وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ اى يقبلها وإذا حمل الاخذ فى هذه الآية على القبول جاز اسناده الى المصدر بلا محذور والمقصود من هذه الآية بيان ان وجوه الخلاص منسدة على تلك النفس ومن أيقن بهذا كيف لا ترتعد فرائصه

ص: 50

إذا اقدم على المعصية أُولئِكَ المتخذون دينهم لعبا ولهوا المغترون بالحياة الدنيا الَّذِينَ أُبْسِلُوا اى اسلموا الى العذاب بِما كَسَبُوا بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة وفى التفسير الفارسي [آن كروه آن كسانند كه سپرده شده اند بملائكه عذاب بسبب آنچهـ كرده اند از قبائح افعال] قال ابو السعود أولئك الذين اسلموا الى ما كسبوا من القبائح انتهى وهو جعل معنى الباء كما فى قوله مررت بزيد لَهُمْ شَرابٌ كأنه قيل ماذا لهم حين ابسلوا بما كسبوا فقيل لهم شراب مِنْ حَمِيمٍ اى من ماء مغلى يتجرجر فى بطونهم وتتقطع به امعاؤهم وَعَذابٌ أَلِيمٌ بنار تشتعل بأبدانهم بِما كانُوا يَكْفُرُونَ اى بسبب كفرهم المستمر فى الدنيا واعلم ان التكذيب بايات الله تعالى والاستهزاء بها هو الكفر وعاقبة الكفر هو العذاب الأليم وكذا الإصرار على المعاصي يجر كثيرا من عصاة المؤمنين الى الموت على الكفر والعياذ بالله وعن ابى اسحق الفزاري

قال كان رجل يكثر الجلوس إلينا ونصف وجهه مغطى فقلت له انك تكثر الجلوس إلينا ونصف وجهك مغطى اطلعنى على هذا فقال وتعطينى الامان قلت نعم قال كنت نباشا فدفنت امرأة فاتيت قبرها فنبشت حتى وصلت الى اللبن ثم ضربت بيدي الى الرداء ثم ضربت بيدي الى اللفافة فمددتها فجعلت تمدها هى فقلت أتراها تغلبنى فجيت على ركبتى فجررت اللفافة فرفعت يدها فلطمتنى وكشف وجهه فاذا اثر خمس أصابع فقلت له ثم مه قال ثم رددت عليها لفافتها وإزارها ثم رددت التراب وجعلت على نفسى ان لا انبش ما عشت قال فكتبت بذلك الى الأوزاعي فكتب الى الأوزاعي ويحك سله عمن مات من اهل السنة ووجهه الى القبلة فسألته عن ذلك فقال أكثرهم حول وجهه عن القبلة فكتبت بذلك الى الأوزاعي فكتب الىّ انا لله وانا اليه راجعون ثلاث مرات اما من حول وجهه عن القبلة فانه مات على غير السنة وأراد بالسنة ملة الإسلام نسأل الله تعالى العفو والمغفرة والرضوان: قال الحافظ قدس سره

يا رب از ابر هدايت برسان بارانى

پيشتر ز انكه چوكردى ز ميان بر خيزم

وفى الآيات اشارة الى انه لا يصلح للطالب الصادق المجالسة مع الذين يخوضون فى احوال الرجال ولا حظ لهم منها سوى التزيي بزيهم واللبس لخرقتهم لان الطبع من الطبع يسرق

نفس از هم نفس بگيرد خوى

بر حذر باش از لقاى خبيث

باد چون بر فضاى بد كذر

بوى بد كيرد از هواى خبيث

فلا بد من الصحبة مع الأخيار والاتعاظ بكلمات الكبار وعن عبد الله بن الأحنف قال خرجت من مصر أريد الرملة لزيادة الرود بادى قدس سره فرآنى عيسى بن يونس المصري فقال لى هل ادلك قلت نعم قال عليك بصور فان فيها شيخا وشابا قد اجتمعا على حال المراقبة فلو نظرت إليهما نظرة لاغنتك باقى عمرك قال فدخلت عليهما وانا جائع عطشان وليس على ما يسترنى من الشمس فوجدتهما مستقبلين القبلة فسلمت عليهما وكلمتهما فلم يكلمانى فقلت أقسمت عليكما بالله ألا ما كلمتمانى فرفع الشيخ رأسه وقال يا ابن الأحنف ما اقل شغلك حتى تفرغت إلينا ثم اطرق فاقمت بين يديهما حتى صلينا الظهر والعصر فذهب عنى الجوع والعطش فقلت

ص: 51

للشاب عظنى بشىء انتفع به فقال نحن اهل المصائب ليس لنا لسان العظة فاقمت عندهما ثلاثة ايام بلياليها لم نأكل فيها شيأ ولم نشرب فلما كان عشية اليوم الثالث قلت فى قلبى لا بد من سؤالهما فى وصية انتفع بها باقى عمرى فرفع الشاب رأسه الىّ وقال عليك بصحبة من يذكرك الله بنظره ويعظك بلسان فعله لا بلسان قوله ثم التفت فلم أرهما وانشد لسان الحال

شدوا المطايا قبيل الصبح وارتحلوا

وخلفونى على الاطلال ابكيها

ثم ان النصيحة سهلة والمشكل قبولها ومن أراد الله تعالى هدايته وسبقت منه له عناية يجذبه لا محالة الى باب ناصح له فى ظاهره وباطنه فبهتدى بنور العظة والتذكير الى مسالك الوصول الى الله الخبير فيترقى من حضيض هوى النفس التي تلعب كالصبيان الى اوج هدى الروح الذي له وقار واطمئنان وعلو شأن فهذه الآيات الكريمة تنادى على داء النفس ودوائها ومن الله الاعانة فى إصلاحها قُلْ أَنَدْعُوا أنعبد والاستفهام للانكار مِنْ دُونِ اللَّهِ اى متجاوزين عبادة الله تعالى ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا اى ما لا يقدر على نفعنا إذا عبدناه ولا على ضرنا إذا تركناه وهو الأصنام والقادر على النفع والضر هو الله تعالى وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا جمع عقب بالفتح وكسر القاف موخر القدم اى نرجع من الإسلام الى الشرك بإضلال المضل بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ الى الإسلام وأنقذنا من الشرك كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ حال من فاعل نرد اى أنرد على أعقابنا مشبهين بالذي ذهبت به مردة الجن الى المهامة وأضلته فِي الْأَرْضِ متعلق باستهوته حَيْرانَ حال من هاء استهوته وهو صفة مشبهة مؤنثه حيرى والفعل منه حاريحار حيرة اى متحيرا ضالا عن الطريق لَهُ أَصْحابٌ الجملة صفة حيران اى لهذا المستوي رفقة يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى اى يهدونه الى الطريق المستقيم وسماه هدى تسمية للمفعول بالمصدر مبالغة كأنه نفس الهدى ائْتِنا على ارادة القول على انه بدل من يدعونه اى يقولون له ائتنا شبه الله تعالى من أشرك وعبد غير الله مع قيام البرهان الفاصل بين الحق والباطل بشخص موصوف بثلاثة أوصاف الاول استهوته مردة الجن والغيلان فى المهامة والمفاوز والثاني كونه حيران تائها ضالا عن الجادة لا يدرى كيف يصنع والثالث ان يكون له اصحاب يدعونه قائلين له ائتنا فقد اعتسفت المهامة وضللت عن الجادة وهو لا يجيبهم ولا يترك متابعة الجن والشياطين. والجن أجسام لطيفة تتشكل باشكال مختلفة وتقدر على ان تنفذ فى بواطن الحيوان نفوذ الهواء فى خلال الأجسام المتخلخلة قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ الذي هدانا اليه وهو الإسلام هُوَ الْهُدى وحده وما عداه ضلال محض وغى بحت وَقل ايضا أُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ اى بان نسلم فاللام بمعنى الباء والعرب تقول امرتك لتفعل وان تفعل وبان تفعل وَأَنْ اى بان أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ تعالى فالاسلام رئيس الطاعات الروحانية والصلاة رئيس الطاعات الحسمانية والتقوى رئيس ما هو من قبيل التروك والاحتراز عن كل ما لا ينبغى وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ يجمعون يوم القيامة للحساب وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ اى العلويات والسفليات وما فيهما بِالْحَقِّ حال من فاعل خلق اى قائما بالحق والحكمة وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ يوم ظرف

ص: 52

لمضمون جملة قوله الحق والواو بحسب المعنى داخل عليها والمعنى وامره المتعلق بكل شىء يريد خلقه من الأشياء فى حين تعلقه به لا قبله ولا بعده من افراد الأحيان الحق اى المشهود له بالحقية المعروف بها وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ لا ملك فيه لغيره ولو مجازا كما فى الدنيا عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ اى هو عالم ما غاب وما شوهد وَهُوَ الْحَكِيمُ فى كل ما يفعله الْخَبِيرُ بجميع الأمور الجلية والخفية وفى الحديث (لما فرغ الله من خلق السموات والأرض خلق الصور فاعطاه اسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص ببصره الى العرش متى يؤمر) قال ابو هريرة رضى الله عنه قلت يا رسول الله ما الصور قال (القرن) قلت كيف هو قال (عظيم والذي نفسى بيده ان عظم دائرة فيه كعرض السماء والأرض) ويقال ان فيه من الثقب على عدد أرواح الخلائق قالوا ان النفخة ثلاث. أولاها نفخة الفزع فانهم إذا سمعوا النفخة يعلمون انهم يموتون يقينا ولم يبق من ايام

الدنيا شىء فيأخذهم الفزع لاجل العرض والحساب والعذاب. والنفخة الثانية الصعق وهو موت الخلائق أجمعين حتى لا يبقى الا الله تعالى كل شىء هالك الا وجهه. والنفخة الثالثة نفخة البعث من القبور ومن النفخة الى النفخة أربعون عاما فعند موت جميع الخلائق تجعل أرواحهم فى الصور وليس من الإنسان شىء الا يبلى الا عظما واحدا لا تأكله الأرض ابدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة ويجمع الله ما تفرق من أجساد الناس من بطون السباع وحيوانات الماء وبطن الأرض وما أصاب النيران منها بالحرق والمياه بالغرق وما أبلته الشمس وذرته الرياح وذلك بعد ما انزل ماء من تحت العرش يقال له الحيوان فتمطر السماء أربعين سنة حتى يكون من الفوق اثنى عشر ذراعا ثم يأمر الله الأجساد فتنبت كنبات البقل فاذا جمعها وأكمل كل بدن منها ولم يبق الا الأرواح يحيى حملة العرش ثم يحيى جبرائيل وميكائيل واسرافيل فينفخ فى الصور فتخرج الأرواح من ثقب الصور كامثال النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول الله تعالى ليرجعن كل روح الى جسده فتدخل الأرواح فى الأرض الى الأجساد ثم تدخل فى الخياشيم فتمشى فى الأجساد مشى السم فى اللديغ ثم تنشق الأرض فاول من يخرج منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الامة شبابا كلهم أبناء ثلاث وثلاثين واللسان يومئذ بالسريانية سراعا الى ربهم هذا فى المؤمنين المخلصين. واما الكافرون فيقولون هذا يوم عسير فيوقفون خفاة عراة مقدار سبعين عاما لا ينظر الله إليهم فتبكى الخلائق حتى تنقطع الدموع ثم تدمع دما حتى يبلغ منهم الأذقان ويلجمهم ثم يفعل الله فيهم ما يشاء فعليك بالإسلام الحقيقي والتسليم حتى تنجو وهو ترك الوجود كالكرة فى ميدان القدر مستسلما لصولجان القضاء لمجارى احكام رب العالمين وهو انما يحصل بمحض فضل الله تعالى لكن الأنبياء والأولياء وسائط: كما أشار اليه صاحب المثنوى فقال

سازد اسرافيل روزى ناله را

جان دهد پوسيده صد ساله را

أوليا را در درون هم نغمهاست

طالبانرا زان حياة بي بهاست

نشنود آن نغمها را كوش حس

كز ستمها كوش حس باشد نجس

ص: 53

هين كه اسرافيل وقتند أوليا

مرده را زيشان حياتست ونما

نغمهاى اندرون أوليا

اولا كويد كه اى اجزاى لا

هين زلاى نفى سرها بر زنيد

اين خيال ووهم يكسو افكنيد

اى همه پوسيده در كون وفساد

جان باقيان نروئيد ونزاد

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ اعلم ان ابراهيم عليه السلام لما سلم قلبه للعرفان ولسانه لاقامة البرهان على فساد طريق اهل الشرك والطغيان وسلم بدنه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان ثم انه سأل ربه وقال وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ وجب فى كرم الله تعالى انه يجيب دعاءه ويحقق مطلوبه فاجاب دعاءه وجعل جميع الطوائف واهل الأديان والملل معترفين بفضله حتى ان المشركين ايضا يعظمونه ويفتخرون بكونهم من أولاده ولما كانوا معترفين بفضله لا جرم جعل الله تعالى مناظرته مع قومه حجة على مشركى العرب اى واذكر يا محمد لاهل مكة وقت قول ابراهيم لابيه آزر اى موبخاله على عبادة الأصنام فان ذلك مما يبكتهم وآزر عطف بيان لابيه وهو تارح بفتح الراء وسكون الحاء المهملة علمان لاب ابراهيم كاسرائيل ويعقوب او آزر لقبه وتارح اسم له وكان من قرية من سواد الكوفة يقال لها كوثى أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً اى أتجعلها لنفسك آلهة على توجيه الإنكار الى اتخاذ الجنس من غير اعتبار الجمعية وانما أريد صيغة الجمع باعتبار الوقوع إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ الذين يتبعونك فى عبادتها فِي ضَلالٍ عن الحق مُبِينٍ اى بين كونه ضلالا لا اشتباه فيه. والرؤية اما علمية فالظرف مفعولها الثاني واما بصرية فهو حال من المفعول والجملة تعليل للانكار والتوبيخ ثم اعلم ان عبادة الأصنام كفر فدلت الآية على ان آزر كان كافرا وذلك لا يقدح فى شأن نسب نبينا صلى الله عليه وسلم واما قوله عليه السلام (لم ازل انقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات) فذلك محمول على انه ما وقع فى نسبه من ولد من الزنى ونكاح اهل الجاهلية صحيح كما يدل عليه قوله عليه السلام (ولدت من نكاح لا من سفاح) اى زنى وقوله (لما خلق الله تعالى آدم اهبطنى فى صلبه الى الأرض وجعلنى فى صلب نوح فى السفينة وقذفنى فى صلب ابراهيم ثم لم يزل تعالى ينقلنى من الأصلاب الكريمة والأرحام حتى أخرجني بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط) - وروى- ان حواء لما وضعت شيتا انتقل النور المحمدي من جبهتها الى جبهته ولما كبر وبلغ مبلغ الرجال أخذ آدم عليه العهود والمواثيق ان لا يودع هذا السر الا فى المطهرات المحصنات من النساء ليصل الى المطهرين من الرجال فانتقل ذلك النور الى يانش ويقال انوش ثم الى قنان ثم الى مهلائيل ثم الى يرد ثم الى خنوخ على وزن ثمود وهو إدريس عليه السلام ويقال أخنوخ ثم الى متوشلح ثم الى لملك ثم الى نوح عليه السلام ثم الى سام ابو العرب ثم الى ارفخشذ ثم الى شالخ ثم الى عابر على وزن ناصر ويقال عيبر على وزن جعفر ثم الى فالخ ويقال فالغ ثم الى ارغو ويقال راغو ثم الى شاروخ ثم الى ناخود ثم الى تارح وهو آزر ثم الى ابراهيم عليه السلام ثم الى اسمعيل عليه السلام وفيه لغة اخرى وهى اسمعين

ص: 54

بالنون على ما حكاه النوى ثم الى قندار ثم الى حمل ثم الى النبت ثم الى سلامان ثم الى يشجب على وزن ينصر ثم الى يعرب على وزن ينصر ايضا ثم الى الهميسع ثم الى اليسع ثم الى أدد ثم الى أدو الى هنا اختلف فى اسماء اهل النسب بخلاف ما بعده ثم الى عدنان ثم الى معد ثم الى نزار ثم الى مضر ثم الى الياس بفتح الهمزة فى الابتداء والوصل وقيل بكسر الهمزة ضد الرجاء ثم الى مدركة ثم الى خزيمة ثم الى كنانة ثم الى النضر ثم الى مالك ثم الى فهر ثم الى غالب ثم الى لوى ثم الى كعب ويجتمع عمر رضى الله عنه مع النبي عليه السلام فى النسب فى كعب ثم الى مرة ويجتمع ابو بكر مع النبي عليه السلام فى النسب فى مرة ثم الى كلاب ثم الى قصى ثم الى عبد مناف ثم الى هاشم ثم الى عبد المطلب ثم الى عبد الله اب السر المصون والدر المكنون محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يرض بعض اهل العلم بما اشتهر بين الناس من عبادة قريش صنما استدلالا بقوله تعالى حكاية عن ابراهيم عليه السلام وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ فى سورة ابراهيم وقوله تعالى فى حق ابراهيم وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ فى حم الزخرف والجواب ان الآية الاولى تدل بظاهرها على الأبناء الصلبية ولو سلم دلالتها على الأحفاد ايضا كما تدل على كل ولد من ذريته. ومعنى الآية الثانية وجعل الله كلمة التوحيد كلمة باقية فى نسله وذريته على انه لا تخلو سلسلة نسبه عن اهل التوحيد والايمان فلا تدل على ايمان كل أعقابه وأحفاده وهو اللائح بالبال والله اعلم بحقيقة الحال والاشارة فى الآية ان الله تعالى اظهر قدرته فى إخراج الحي من الميت بقوله وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً دون الله إذ الأصل منهمك فى الجحود لموت قلبه والنسل مضمحل فى الشهود لحياة قلبه والأصنام ما يعبد من دون الله إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ بما أراني الله ملكوت الأشياء كما فى التأويلات النجمية ومن بلاغات الزمخشري كم يحدث بين الخبيثين ابن لا يؤبن والفرث والدم يخرج من بينهما اللبن: قال السعدي

چوكنعانرا طبيعت بي هنر بود

پيمبر زادگى قدرش نيفزود

هنر بنماى اگر دارى نه كوهر

كل از خارست وابراهيم از آزر

وقال [خاكستر اگر چهـ نسب عالى دار كه آتش جوهر علويست وليكن بنفس خود چون هنرى ندارد با خاك برابر است قيمت شكر نه از نى است كه آن خاصيت وى است] فظهر ان الله تعالى من شأنه القديم إخراج الحي من الميت ولا يختص به نسب وكذا امر العكس ومن الله التوفيق وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ ذلك اشارة الى الاراءة التي تضمنها قوله نرى لا الى اراءة اخرى يشبه بها هذه الاراءة كما يقال ضربته كذلك اى هذا الضرب المخصوص والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الاشارة من الفخامة. والمعنى كذلك التبصير نبصره عليه السلام مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى ربوبيته تعالى ومالكيته لهما وسلطانه القاهر عليهما وكونهما بما فيهما مربوبا ومملوكا له تعالى لا تبصيرا آخر ادنى منه والملكوت مصدر على زنة المبالغة كالرهبوت والجبروت ومعناه الملك العظيم والسلطان القاهر والأظهر مختص بملك الله عز سلطانه وهذه الاراءة من الرؤية البصرية المستعارة للمعرفة ونظر البصيرة اى عرفناه

ص: 55

وبصرناه وصيغة الاستقبال حكاية للحال الماضية لاستحضار صورتها فان قيل رؤية البصيرة حاصلة لجميع الموحدين كرؤية البصر ومقام الامتنان يأبى ذلك والجواب انهم وان كانوا يعرفون اصل دليل الربوبية الا ان الاطلاع على آثار حكمة الله تعالى فى كل واحد من مخلوقات هذا العالم بحسب أجناسها وأنواعها واشخاصها وأحوالها مما لا يحصل الا لاكابر الأنبياء ولهذا كان عليه السلام يقول فى دعائه (أرنا الأشياء كما هى) قال فى التأويلات النجمية اعلم ان لكل شىء من العالم ظاهرا. يعبر عنه تارة بالجسماني لما له من الابعاد الثلاثة من الطول والعرض والعمق ولتحيزه وقبول القسمة والتجزى. وتارة بالدنيا لدنوها الى الحس. وتارة بالصورة لقبول التشكل ولادراكه بالحس. وتارة بالشهادة لشهوده فى الحس. وتارة بالملك لتملكه والتصرف فيه بالحس. وباطنا يعبر عنه تارة بالروحانى لخلوه عن الابعاد الثلاثة وعن التحيز والتجزى فى الحس. وتارة بالآخرة لتأخره عن الحس. وتارة بالمعنى لتعريه عن التشكل وبعده عن الحس. وتارة بالغيب لغيبوبته عن الحس. وتارة بالملكوت لملاك عالم الملك والصورة به فان قيام الملك بالملكوت وقيام الملكوت بقدرة الحق كما قال الله تعالى فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ اى من طريق الملكوت والملكوت من الاوليات التي خلقها الله تعالى من لا شىء بامركن إذ كان الله ولم يكن معه شىء يدل عليه قوله أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فنبه على ان الملكوت لم يخلق من شىء وما سواه خلق من شىء وقد سمى الله تعالى ما خلق بالأمر امرا وما خلق من الشيء خلقا فقال أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فالله تعالى ارى ابراهيم ملكوت الأشياء والآيات المودعة فيها الدالة على التوحيد انتهى وقد اطلق العلماء الملك على ما يدرك بالبصر والملكوت على ما يدرك بالبصيرة فالملكوت لا ينكشف لارباب العقول بل لاصحاب القلوب فان العقل لا يعطى الا الإدراك الناقص بخلاف الكشف وتلك المكاشفة لا تحصل الا لاهل المجاهدة فانها ثمرة المجاهدة وهى مما يعز منا له جدا اللهم اجعلنا من اهل العيان دون السامعين للاثر وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ اللام متعلقة بمحذوف مؤخر والجملة اعتراض مقرر لما قبلها اى ليكون من زمرة الراسخين فى الإيقان البالغين درجة عين اليقين من معرفة الله تعالى فعلنا ما فعلنا من التبصير البديع المذكور لا لامر آخر فان الوصول الى تلك الغاية القاصية كمال مترتب على ذلك التبصير لا عينه وليس القصر لبيان انحصار فائدته فى ذلك كيف لا وارشاد الخلق والزام المشركين من فوائده بل لبيان انه الأصل الأصيل والباقي من مستتبعاته فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ اى ستره بظلامه رَأى كَوْكَباً جواب لما فان رؤيته انما تحقق بزوال نور الشمس عن الحس وهذا صريح فى انه لم يكن فى ابتداء الطلوع بل كان غيبته عن الحس بطريق الاضمحلال بنور الشمس والتحقيق انه كان قريبا من الغروب قيل كان ذلك هو الزهرة وقيل هو المشترى وكلاهما من الكواكب السبعة السيارة قالَ كأنه قيل فماذا صنع عليه السلام حين رأى الكوكب فقيل قال على سبيل الموافقة مع الخصم هذا رَبِّي وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والكواكب واستدل على فساد قول يحكيه على رأى خصمه ثم يكر عليه بالابطال فَلَمَّا أَفَلَ اى غرب

ص: 56

قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ اى الأرباب المنتقلين من مكان الى مكان المتغيرين من حال الى حال المحتجبين بالأستار فانهم بمعزل عن استحقاق الربوبية قطعا فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً اى مبتدئا فى الطلوع اثر غروب الكوكب قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ كما أفل النجم قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي الى جنابه لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ تعريض لقومه بانهم على ضلال ولعله عليه السلام كان إذ ذاك فى موضع كان من جانبه الغربي جبل شامخ يستتر به الكواكب والقمر وقت الظهر من النهار او بعده بقليل وكان الكواكب قريبا منه وافقه الشرقي مكشوف والا فطلوع القمر بعد أفول الكوكب ثم أفوله قبل طلوع الشمس مما لا يكاد يتصور فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً اى مبتدئة فى الطلوع قالَ هذا الجرم المشاهد رَبِّي هذا أَكْبَرُ من الكوكب والقمر وهو تأكيد لما رامه من اظهار النصفة بقوله لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا أَفَلَتْ كما أفل الكوكب والقمر وقويت عليهم الحجة ولم يرجعوا قالَ مخاطبا للكل صادعا بالحق بين أظهرهم يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ بالله تعالى من الأصنام والاجرام المحتاجة الى محدث فقالوا له ما تعبد قال إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ اى أخلصت دينى وعبادتى وجعلت قصدى لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ اى لله الذي خلقهما حَنِيفاً اى مائلا عن الأديان الباطلة كلها الى الدين الحق ميلا لا رجوع فيه وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ به تعالى فى شىء من الافعال والأقوال وهذه حال من كملت صقالة مرآة قلبه عن طبع الطبع وتنزهت عن ظلمة هوى النفس وشهواتها فانه لا يلتفت الى الاجرام والأكوان بل الى اليمين والشمال لان شوق الخلة الى الحضرة نصبه فى محاذاة ذاته المقدسة عن الجهة: قال فى المثنوى

آفتاب از امر حق طباخ ماست

ابلهى باشد كه كوئيم او خداست

آفتاب كر بگيرد چون كنى

آن سياهى زو تو چون بيرون كنى

نى بدرگاه خدا آرى صداع

كه سياهى را ببر داده شعاع

كر كشندت نيم شب خورشيد كو

تا بنالى يا أمان خواهى ازو

حادثات اغلب بشب واقع شود

وان زمان معبود تو غائب شود

سوى حق گر راستانه خم شوى

وارهى از اختران محرم شوى

وَحاجَّهُ قَوْمُهُ اى جادلوه فى دينه وهددوه بالأصنام ان تصيبه بسوء ان تركها قالَ أَتُحاجُّونِّي بنون ثقيلة أصله أتحاجونني بنونين اولاهما نون الرفع والثانية نون الوقاية فاستثقل اجتماعهما فادغم الاولى فى الثانية اى أتجادلونني فِي اللَّهِ اى فى شأنه تعالى ووحدانيته وَقَدْ هَدانِ اى والحال ان الله تعالى هدانى الى الحق وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ اى ما تشركون به تعالى من الأصنام ان يصيبنى بسوء لعدم قدرتها على شىء إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً استثناء متصل والمستثنى منه وقت محذوف والتقدير لا أخاف معبوداتكم فى وقت من الأوقات الا وقت مشيئته تعالى شيأ من إصابة مكروه بي من جهتها وذلك انما يكون من جهته تعالى من غير دخل لآلهتكم فيه أصلا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً كأنه تعليل

ص: 57

للاستثناء اى أحاط بكل شىء علما فلا يبعد ان يكون فى علمه نعالى ان يحيق به مكروه من قبلها بسبب من الأسباب لا بالطعن فيها أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ اى أتعرضون عن التأمل فى ان آلهتكم جمادات غير قادرة على شىء ما من نفع ولا ضر فلا تتذكرون انها غير قادرة على اضرارى وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ بالله من الأصنام وهى لا تضر ولا تنفع والاستفهام انكار الوقوع ونفيه بالكلية وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ حال من ضمير أخاف بتقدير مبتدأ اى وكيف أخاف انا ما ليس فى حيز الخوف أصلا وأنتم لا تخافون غائلة ما هو أعظم المخوفات وأهولها وهو اشراككم بالله الذي ليس كمثله شىء فى الأرض ولا فى السماء ما هو من جملة مخلوقاته وانما عبر عنه بقوله ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اى باشراكه عَلَيْكُمْ سُلْطاناً اى حجة وبرهانا على طريقة التهكم مع الإيذان بان الأمور الدينية لا يعول فيها الا على الحجة المنزلة من عند الله تعالى فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ أنحن أم أنتم قال المولى ابو السعود المراد بالفريقين الفريق الآمن فى محل الأمن والفريق الآمن فى محل الخوف إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ من أحق به فاخبرونى الَّذِينَ آمَنُوا اى أحد الفريقين الذين آمنوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ اى لم يخلطوه بِظُلْمٍ اى بشرك كما يفعله الفريق المشركون حيث يزعمون انهم يؤمنون بالله تعالى وان عبادتهم للاصنام من تتمات ايمانهم وأحكامه لكونها لاجل التقريب والشفاعة كما قالوا ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى وهذا معنى الخلط أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ فقط من العذاب وَهُمْ مُهْتَدُونَ الى الحق ومن عداهم فى ضلال مبين وَتِلْكَ اشارة الى ما احتج به ابراهيم على قومه من قوله فَلَمَّا جَنَّ الى قوله وَهُمْ مُهْتَدُونَ حُجَّتُنا الحجة عبارة عن الكلام المؤلف للاستدلال على الشيء آتَيْناها إِبْراهِيمَ اى ارشدناه إليها او علمناه إياها وهو حال من حجتنا لا صفة لانها معرفة بالاضافة عَلى قَوْمِهِ متعلق بحجتنا والاشارة ان محجة السلوك الى الله تعالى انما هى تحقق بالآيات التي هى أفعاله وهذه مرقاة لهم وهى الرتبة الاولى ثم شهود صفاته بإراءته لهم وهى الرتبة الثانية ثم التحقق بوجوده وذاته عند التجلي لاسرارهم وهذا مبدأ الوصول ولا غاية له فقوله وتلك اى اراءة الملكوت وشواهد الربوبية فى مرآة الكواكب وصدق التوجه الى الحق والاعراض والتبري مما سواه والخلاص من شرك الانانية والايمان الحقيقي والإيقان بالعيان آتيناها ابراهيم وأريناه بذاتنا من غير واسطة حتى جعلها حجة على قومه نَرْفَعُ الى دَرَجاتٍ اى رتبا عظيمة عالية من العلم والحكمة مَنْ نَشاءُ رفعه كما رفعنا درجات ابراهيم حتى فاق فى زمن صباه شيوخ اهل عصره واهتدى الى ما لم يهتد اليه الا أكابر الأنبياء عليهم السلام

داد حق را قابليت شرط نيست

بلكه شرط قابليت داد اوست

إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ فى كل ما فعل من رفع وخفض عَلِيمٌ بحال من يرفعه واستعداده له على مراتب متفاوتة ثم ان المقصود من المباحث الجارية بين ابراهيم وبين قومه انما هو الزام القوم وإرشادهم الى طريق النظر والاستدلال وتنبيههم على ضلالهم فى امر دينهم كما هو المختار عند اجلاء المفسرين وعلى هذا المسلك جريت فى تفسير الآيات كما وقفت وقال بعضهم المقصود مما حكى الله

ص: 58

عن ابراهيم من الاستدلال على وحدانية الله تعالى وابطال الوهية ما سواه نظره واستدلاله فى نفسه وتحصيل المعرفة لنفسه فيحمل على ان ذلك فى زمان مراهقته وأول أوان بلوغه وان المراد بالملكوت الآيات قال الحدادي وهو الأقرب الى الصحة قال الكاشفى فى تفسيره الفارسي وَكَذلِكَ و چنانكه بدو نموده بوديم كمراهىء قوم او را همچنان نُرِي إِبْراهِيمَ بنموديم ابراهيم را مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عجائب وبدائع آسمانها وزمينها از ذروه عرش تا تحت الثرى بر وى منكشف ساخته تا استدلال كند بدان در قدرت كامله حق تعالى وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ وتا باشد از بي كمانان يا موفق بود در علم استدلال در معالم آورده كه نمرود بن كنعانكه پادشاهى روى زمين تعلق بدو داشت در شهر بابل نشستى شبى در واقعه ديد كه كوكبى إذ أفق آن بلده طلوع نمود كه در شعشه جمال او نور آفتاب وماه نابود كشت از غايت فزع بيدار شد وكاهنان وحكماء مملكت تعبير اين واقعه

برين وجه كردند كه درين سال بولايت بابل مولودى حجسته طالع از خلوتخانه عدم بفضاء صحراى وجود خرامد كه هلاك تو واهل مملكت تو بدو دست او باشد وهنوز اين مولود از مستقر صلب بمستودع رحم نپيوسته نمرود بفرمود تا ميان زنان وشوهران تفريق كردند وبر هـژده يكى بر ايشان مؤكل ساخت وآزر را كه يكى از محرمان ومقربان نمرود بود شبى با زن خود او فى بنت نمر پنهان ز مؤكلان خلوت دست داد وحامله شد وبامدادش را كاهنان با نمرود كفتند امشب آن كودك برحم پيوسته است نمرود خشم كرفته بفرمود تا بر هر حامله يكى مؤكل ساختند تا اگر پسر بزايد بكشند زنانى كه در تفحص احوال حامله بودند چون مادر ابراهيم را اثر حمل ظاهر نبود ازو در كذشتند وديكر كسى بدو التفات نكرد تا وقتى كه وضع حمل نزديك رسيد او فى ترسيد كه اگر پسرى زايد ناكاه خبر بكسان نمرود رسد فى الحال او را بكشند ببهانه از شهر بيرون رفت وغارى در ميان كوه نشان داشت در ان غار ابراهيم را بزاد ودر خرقه پيچيد وهمانجا كذاشته در غار بسنك استوار كرد وآزر را كه از حمل خبر داشت كفت كه از ترس كماشتكان نمرود بصحرا رفتم و پسرى بزادم وفى الحال بمرد در خاكش دفن كردم وباز كشتم آزر باور كرد واوفى روز ديكر با غار آمد ديد كه ابراهيم انكشتان خود را از يكى شير واز ديكرى عسل بيرون ميكشد ومى نوشد اوفى چون اين حال بديد خوش وقت شد وبا شهر مراجعت نمود: القصة ابراهيم چون شير تربيت از پستان عنايت الهى نوشيد بروزى چندان مى باليد كه كودك ديكر در ماهى وبماهى چندان بزرك ميشد كه ديكرى در سالى

چوماه نو كه با روى دل افروز

بود زاينده نورش روز تا روز

چون پانزده ماهه شد با جوانان پانزده ساله مقابل كشت واز خانه بيرون آمد وكفته اند هفت سال با سيزده سال يا هفتده سال در غار بود بر هر تقدير چون ابراهيم بزرك شد اوفى بآزر كفت كه پسر تو آن روز خبر مرك او بدروغ دادم جوانى رسيده است در غايت خوب رويى ونيكو خويى پس آزر را بغار آورد وابراهيم را بوى نمود آزر بجمال پسر خوش آمد

ص: 59

وبا او كفت اين را از غار بخانه آور كه بملازمت نمرود بريم آزر برفت واوفى از غار بدر آورد نماز شام بود در پايان غار كلهاى اسب واشتر ورمهاى كوسفند جمع بودند ابراهيم از مادر پرسيد كه هر آيينه اين ها را پروردگارى خواهد بود كه آفريده وروزى ميدهد پس مادر را كفت كه هيچ مخلوقى را از خالقى چاره نيست آفريده گار او باشد وبمدد تربيت يابد پروردگار من كيست مادرش كفت من پروردگار تو أم ابراهيم كفت پروردگار تو كيست كفت پدر تو ابراهيم كفت خداى او كيست كفت نمرود كفت خداى نمرود كيست مادرش بانك بر ابراهيم زد كه مثل اين سخنان مكو كه خطر عظيم دارد در زمان نمرود بعضى ستاره وآفتاب وماه مى پرستيدند وبرخى بت پرست بودند وجمعى پرستش نمرود مى كردند ابراهيم با مادر بشهر روانه شد فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً پس بعضى كه ستاره پرست بودندى روى بوى سجده كردند قالَ هذا رَبِّي اى اينست پروردگار من بر سبيل استفهام يا بزعم آن قوم فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ پس قدرى ديكر راه رفتند وشب چهاردهم بود ماه طبق سيمين بر كناره خوان سبز فلك نمودار شد فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً جمعى ماه پرستان پيش وى بسجده در فتادند قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ يعنى از خط نصف النهار بجانب مغرب ميل كرد قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ پس از آنجا در كذشتند ونزديك شهر رسيدند آفتاب ابتداء طلوع كرد جمعى متوجه او شده عزم سجود كردند فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً در حالتى كه من مائلم از همه أديان بدين توحيد وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ در تفسير منير مذكور است كه چون ابراهيم عليه السلام بشهر در آمد او را بديدن نمرود بردند او مردى ديد كه كريه منظر وابراهيم او را ديد بر تختي نشسته وغلامان ماه منظر وكنيزان پرى پيكر كرد تخت او صف زده از مادر پرسيد كه اين چهـ كس است كه مرا بدين او آوريده آيد كفتند خداى همه كس است پرسيد كه اين ملازمان بر حوالىء تخت كيانند كفت آفريدگان اويند ابراهيم تبسم فرمود وكفت اى مادر چگونه است كه اين خداى شما ديكر انرا از خود خوبتر آفريده است بايستى كه او ازيشان خوبتر بودى كذا فى ذلك التفسير للكاشفى مع اختصار وَوَهَبْنا لَهُ الهبة فى اللغة التبرع والعطية الخالية عن تقدم الاستحقاق والضمير لابراهيم عليه السلام إِسْحاقَ ابنه الصلبى وهو اب أنبياء بنى إسرائيل وَيَعْقُوبَ ابن اسحق كُلًّا هَدَيْنا اى كل واحد منهما وفقنا وأرشدنا الى الفضائل الدينية والكلمات العلمية والعملية لا أحدهما دون الآخر وَنُوحاً منصوب بمضمر يفسره هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ اى من قبل ابراهيم وعدّ هداه نعمة على ابراهيم من حيث انه أبوه وشرف الوالد يتعدى الى الولد وَهدينا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ اى ذرية نوح ولم يرد من ذرية ابراهيم لانه ذكر فى جملتهم يونس ولوطا ولم يكونا من ذرية ابراهيم كذا قال البغوي وقال ابن الأثير فى جامع الأصول يونس من ذرية ابراهيم لانه كان من الأسباط فى زمن شعيب أرسله الله الى نينوى من بلد الموصل

ص: 60

ولا بعد فى عد لوط من ذرية ابراهيم ايضا باعتبار انه كان ابن أخيه هاجر معه الى الشام قال سعدى چلبى المفتى ومحيى السنة يعنى البغوي أوثق من ابن الأثير داوُدَ ابن ايشا وَسُلَيْمانَ ابنه وسلسلتهما تنتهى الى يهودا بن يعقوب وَأَيُّوبَ من اموص بن رازخ بن روم بن عيصا بن اسحق بن ابراهيم وَيُوسُفَ ابن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم وَمُوسى ابن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب وَهارُونَ هو أخو موسى اكبر منه بسنة وليس ذكرهم على ترتيب أزمانهم وَكَذلِكَ اى كما جزيناهم برفعة الدرجات نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ على إحسانهم على قدر استحقاقهم. فاللام للجنس ويجوز ان تكون الكاف مقحمة واللام للعهد والمعنى ذلك الجزاء البديع الذي هو عبارة عما اوتى المذكورون من فنون الكرامات نجزيهم لاجزاء آخر ادنى منه فالمراد بالمحسنين هم المذكورون والإظهار فى موضع الإضمار للثناء عليهم بالإحسان الذي هو عبارة عن الإتيان بالأعمال الحسنة على الوجه اللائق الذي هو حسنها الوصفي المقارن لحسنها الذاتي وَزَكَرِيَّا اى وهديناه ايضا وهو ابن اذن وسلسلته تنتهى الى سليمان وَيَحْيى ابنه وَعِيسى ابن مريم ابنة عمران من بنى ماثان الذين هم ملوك بنى إسرائيل. وفى ذكره دليل على ان الذرية تتناول أولاد البنت فيكون الحسن والحسين من ذرية سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم مع انتسابهما اليه بالأم ومن آذاهما فقد آذى ذريته عليه السلام يقول الفقير فاذا كان النسب من طرف الام صحيحا معتبرا فالذى كانت سيادته من طرفها مقبول كما هو من طرف الأب إذ المعتبر انتهاء السلسلة الى الحسنين من أي جانب كان وَإِلْياسَ ابن أخ هارون أخي موسى قال البغوي الصحيح ان الياس غير إدريس لان الله تعالى ذكره فى ولد نوح وإدريس هو جد ابى نوح كُلٌّ منهم مِنَ الصَّالِحِينَ الكاملين فى الصلاح وهو الإتيان بما ينبغى والتحرز عما لا ينبغى وَإِسْماعِيلَ عطف على نوحا اى وهدينا إسماعيل بن ابراهيم كما هدينا نوحا ولعل الحكمة فى افراد اسمعيل عن باقى ذرية ابراهيم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من ذرية إسماعيل والكائنات كانت تبعا لوجوده فما جعل الله إسماعيل تبعا لوجود ابراهيم ولا هدايته تبعا لهدايته لشرف محمد صلى الله عليه وسلم فلذا أفرده عنهم وأخره فى الذكر

آنچهـ أول شد پديد از جيب غيب

بود نور جان او بي هيچ ريب

بعد از ان ان نور مطلق زد علم

كشت عرش وكرسى ولوح وقلم

يك علم از نور پاكش علم اوست

يك علم ذريت آدم ازوست

وَالْيَسَعَ ابن أخطوب بن العجوز واللام زائدة لانه علم أعجمي وَيُونُسَ ابن متى وَلُوطاً بن هاران بن أخي ابراهيم وَكلًّا منهم فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ اى عالمى عصرهم بالنبوة لا بعضهم دون بعض وَمِنْ آبائِهِمْ من تبعيضية اى وفضلنا بعض آباء المذكورين كآدم وشيث وإدريس إذ من الآباء من لم يكن نبيا ولا مفضلا مهديا وَذُرِّيَّاتِهِمْ اى وبعض ذرياتهم من بعضهم كأولاد يعقوب ومن جملة ذرياتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما فى تفسير الحدادي وانما أراد ذرية بعضهم لان عيسى ويحيى لم يكن لهما ولد وكان

ص: 61

ذرية بعضهم من كان كافرا وَإِخْوانِهِمْ كأخوة يوسف فى عصرهم ويحتمل ان يكون المراد بهم كل من آمن معهم فانهم كلهم دخلوا فى هداية الإسلام وَاجْتَبَيْناهُمْ عطف على فضلنا اى اصطفيناهم وَهَدَيْناهُمْ اى ارشدناهم إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لا يضل من سلك اليه ذلِكَ الهدى هُدَى اللَّهِ الاضافة للتشريف يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وهم مستعدون للهداية والإرشاد وَلَوْ أَشْرَكُوا اى لو أشرك هؤلاء الأنبياء مع فضلهم وعلو شأنهم لَحَبِطَ عَنْهُمْ اى بطل وذهب ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الأعمال المرضية الصالحة فكيف بمن عداهم وهم هم وأعمالهم أعمالهم وهذا غاية التوبيخ والترهيب للعوام والخواص لئلا يأمنوا مكر الله أُولئِكَ المذكورون من الأنبياء الثمانية عشر الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ اى جنس الكتاب المتحقق فى ضمن أي فرد كان من افراد الكتب السماوية والمراد بايتائه التفهيم التام بما فيه من الحقائق والتمكين من الإحاطة بالجلائل والدقائق أعم من ان يكون ذلك بانزال ابتداء او بالايراث بقاء فان المذكورين لم ينزل على كل واحد منهم كتاب معين وَالْحُكْمَ اى الحكمة او فصل الخطاب على ما يقتضيه الحق والصواب وَالنُّبُوَّةَ اى الرسالة فَإِنْ يَكْفُرْ بِها اى بهذه الثلاثة هؤُلاءِ اهل مكة فَقَدْ وَكَّلْنا بِها اى أمرنا بمراعاتها وفقنا للايمان بها والقيام بحقوقها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ فى وقت من الأوقات بل مستمرون على الايمان بها وهم اصحاب النبي عليه السلام والباء صلة كافرين وفى بكافرين لتأكيد النفي أُولئِكَ الأنبياء المتقدم ذكرهم الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ اى هداهم الله الى الحق والنهج المستقيم فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ اى فاختص هداهم بالاقتداء ولا تفتد بغيرهم والمراد بهداهم طريقتهم فى الايمان بالله تعالى وتوحيده واصول الدين دون الشرائع القابلة للنسخ فانها بعد النسخ لا تبقى هدى واحتج العلماء بهذه الآية على انه عليه السلام أفضل جميع الأنبياء عليهم السلام لان خصال الكمال وصفات الشرف كانت متفرقة فيهم. فداود وسليمان كانا من اصحاب الشكر على النعمة. وأيوب كان من اصحاب الصبر على البلية. ويوسف كان جامعا بينهما.

وموسى كان صاحب المعجزات القاهرة. وزكريا. ويحيى. وعيسى. والياس كانوا اصحاب الزهد.

وإسماعيل كان صاحب الصدق فكل منهم قد غلب عليه خصلة معينة فجمع الله كل خصلة فى حبيبه عليه السلام لانه إذا كان مأمورا بالاقتداء لم يقصر فى التحصيل

هر چهـ بخوبان جهان داده اند

قسم تو نيكوتر از ان داده اند

هر چهـ بنازند بدان دلبران

جمله ترا هست زيادت بر ان

وفى التأويلات النجمية أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ بصفاته الى ذاته فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ لا انهم سلكوا مسلكا غير مسلوك حتى انتهى سير كل واحد منهم الى منتهى قدر له كما أخبرت انى رأيت آدم فى السماء الدنيا ويحيى وعيسى فى السماء الثانية ويوسف فى السماء الثالثة وإدريس فى السماء الرابعة وهارون فى السماء الخامسة وموسى فى السماء السادسة وابراهيم فى السماء السابعة فاقتد بهم حتى تسلك مسالكهم الى ان تنتهى الى سدرة المنتهى وهو منتهى

ص: 62

مقام الملائكة المقربين ثم يعرج بك الى المحل الأدنى والمقام الأرفع حتى تخرج من نفسك وتدنو اليه به الى ان تصل الى مقام قاب قوسين او ادنى مقاما لم يصل اليه أحد قبلك لا ملك مقرب ولا نبى مرسل قُلْ لكفار قريش لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على القرآن أَجْراً اى جعلا من جهتكم كما لم يسأله من قبلى من الأنبياء عليهم السلام وهذا من جملة ما امر بالاقتداء بهم فيه إِنْ هُوَ اى ما القرآن إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ اى إلا عظة وتذكير لهم من جهته سبحانه فلا يختص بقوم دون آخرين وعلى هذا جرى الأولياء من اهل الإرشاد إذ لا اجر للتعليم والإرشاد إذ الاجر من الدنيا ولا يجوز طمع الدنيا لاهل الآخرة ولا لاهل الله تعالى وانما خدمة الدين مجردة عن الأغراض مطلقا وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ اصل القدر السبر والحزر يقال قدر الشيء يقدره بالضم قدرا إذا سبره وحزره ليعلم مقداره ثم استعمل فى معرفة الشيء مقداره وأحواله وأوصافه فقيل لمن عرف شيأ هو يقدر قدره ولمن لم يعرفه بصفاته انه لا يقدر قدره ونصب حق قدره على المصدرية وهو فى الأصل صفة للمصدر اى قدره الحق وضميره يرجع الى الله تعالى واما ضمير الجمع فالى اليهود لما روى ان مالك بن الصيف من أحبار اليهود ورؤسائهم خرج مع نفر الى مكة معاندين ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء وكان رجلا سمينا فاتى رسول الله بمكة فقال له عليه السلام أنشدك بالذي انزل التوراة على موسى هل تجد فيها ان الله تعالى يبغض الحبر السمين قال نعم قال فانت الحبر السمين وقد سمنت من مأكلتك التي تطعمك اليهود ولست تصوم اى تمسك فضحك القوم فخجل مالك بن الصيف فقال غضبا ما انزل الله على بشر من شىء فلما رجع مالك الى قومه قالوا له ويلك ما هذا الذي بلغنا عنك أليس ان الله انزل التوراة على موسى فلم قلت ما قلت قال أغضبني محمد فقلت ذلك قالوا له وأنت إذا غضبت تقول على الله غير الحق وتترك دينك فاخذوا الرياسة والحبرية منه وجعلوهما الى كعب بن الأشرف فنزلت هذه الآية والمعنى ما عرفوه تعالى حق معرفته فى اللطف بعباده والرحمة عليهم ولم يراعوا حقوقه تعالى فى ذلك بل أخلوا بها اخلالا فعبر عن المعرفة بالقدر لكونه سببا لها وطريقا إليها إِذْ قالُوا منكرين لبعثة الرسل وإنزال الكتب كافرين بنعمه الجليلة فيهما ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ اى كتاب ولا وحي مبالغة فى انكار إنزال القرآن إذ القائلون من اهل الكتاب كما مر آنفا قُلْ لهم على طريق التبكيت والقام الحجر مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى يعنى التوراة حال كون ذلك الكتاب نُوراً بينا بنفسه ومبينا لغيره. بالفارسي [روشناى دهنده] وَهُدىً بيانا لِلنَّاسِ وحال كونه تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ اى تضعونه فى قراطيس مقطعة وورقات مفرقة بحذف الجار بناء على تشبيه القراطيس بالظرف المبهم وهى جمع قرطاس بمعنى الصحيفة تُبْدُونَها صفة قراطيس اى تظهرون ما تحبون ابداءه منها وَتُخْفُونَ كَثِيراً مما فيها كنعوت النبي عليه السلام وآية الرجم وسائر ما كتموه من احكام التوراة وَعُلِّمْتُمْ ايها اليهود على لسان محمد ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ وهو ما أخذوه

ص: 63

من الكتاب من المعلوم والشرائع. فقوله علمتم حال من فاعل تجعلونه بإضمار قد مفيد لتأكيد التوبيخ فان ما فعلوه بالكتاب من التفريق والتقطيع للابداء والإخفاء شناعة عظيمة فى نفسها ومع ملاحظة كونه مأخذا لعلومهم ومعارفهم اشنع وأعظم قُلِ اللَّهُ اى أنزله الله امره عليه السلام بان يجيب عنهم اشعارا بان الجواب متعين لا يمكن غيره تنبيها على انهم بهتوا وأفحموا ولم يقدروا على التكلم أصلا ثُمَّ ذَرْهُمْ اى دعهم واتركهم فِي خَوْضِهِمْ اى فى باطلهم الذي يخوضون فيه اى يشرعون فلا عليك بعد الا التبليغ والزام الحجة يَلْعَبُونَ حال من الضمير الاول والظرف صلة ذرهم او يلعبون ويقال لكل من عمل ما لا ينفعه انما أنت لاعب وَهذا القرآن كِتابٌ أَنْزَلْناهُ وصفه به ليعلم انه هو الذي تولى انزاله بالوحى على لسان جبريل وليس تركيب ألفاظه على هذه الفصاحة من قبل الرسول مُبارَكٌ اى كثير الفائدة والنفع وكيف وقد أحاط بالعلوم النظرية والعملية فان اشرف العلوم النظرية هو معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله وأحكامه ولا يوجد كتاب يفيد معرفة هذه الأمور مثل ما أفاده القرآن. واما العلوم العملية فالمطلوب منها اما اعمال الجوارح واما اعمال القلوب وهى المسمى بعلم الأخلاق وتزكية النفس فانك لا تجد شيأ منهما مثل ما تجده فى القرآن العظيم قال فى التأويلات النجمية مُبارَكٌ على العوام بان يدعوهم الى ربهم. وعلى الخواص بان يهديهم الى ربهم. وعلى خواص الخواص بان يوصلهم الى ربهم ويخلقهم بأخلاقه وفى كتاب المحبوب شفاء لما فى القلوب كما قيل

وكتبك حولى لا تفارق مضجعى

وفيها شفاء للذى انا كاتمه

اين چهـ منشور كريمست كه از هر شكنش

بوى جان پرور احسان وعطا مى آيد

اين چهـ أنفاس روان بخش عبير افشانست

كه ازو رائحه مشك خطا مى آيد

مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من التوراة لنزوله حسبما وصف فيها وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى عطف على ما دل عليه مباك اى للبركات ولانذارك اهل أم القرى فالمضاف محذوف والمراد بام القرى مكة وسميت بها لان الأرض دحيت من تحتها فهى اصل الأرض كلها كالام اصل النسل قال الكاشفى فى تفسيره الفارسي قرى جمع قرية است واو را از قرا كرفته اند بمعنى جمع است پس هر جا كه مجتمعى باشد از شهروده انرا قريه توان كفت وَمَنْ حَوْلَها اهل الشرق والغرب قال فى التأويلات النجمية أم القرى هى الذرة المودعة فى القلب التي هى المخاطب فى الميثاق وقد دحيت جميع ارض القالب من تحتها ومن حولها من الجوارح والأعضاء والسمع والبصر والفؤاد والصفات والأخلاق بان يتنوروا بانواره وينتفعوا باسراره ويتخلقوا بأخلاقه وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وبما فيها من انواع العذاب يُؤْمِنُونَ بِهِ اى بالكتاب لانهم يخافون العاقبة ولا يزال الخوف يحملهم على النظر والتأمل حتى يؤمنوا به وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ يعنى المؤمنون بالكتاب يداومون على الصلوات الخمس التي هى اشرف التكاليف والطاعات ولذا خصص محافظتها

ص: 64

من بين سائر العبادات وفى الآيات امور الاول ان المخلوق لا يقدر قدر الخالق ولا يدركه باعتبار كنه ذاته وتجرده عن التعينات الاسماتية والصفاتية بخيال در نكنجد تو خيال خود مرنجان فكل من عرف الله بآلة محلوقة فهو على الحقيقة غير عارف ومن عرفه بآلة قديمة كما قال بعضهم عرفت ربى بربي فقد عرف الله ولكن على قدر استعداده فى قبول فيض نور الربوبية الذي به عرف الله على قدره لانها بينت ذاته وصفاته فالذى يقدر الله حق قدره هو الله تعالى لا غيره

كنه خردم در خور اثبات تو نيست

داننده ذات تو بجز ذات تو نيست

ما للتراب ورب الأرباب والثاني ذم السمن كما عرف فى سبب النزول فال ابن الملك السمن المذموم ما يكون مكتسبا بالتوسع فى المأكول لا ما يكون خلقة وفى الحديث (ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة واقرأوا ان شئتم فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا) قال العلماء معنى هذا الحديث انه لا ثواب لهم وأعمالهم مقابلة بالعذاب فلا حسنة لهم توزن فى موازين القيامة ومن لا حسنة له فهو فى النار قال القرطبي فى تذكرته وفيه من الفقه ذم السمن لمن تكلفه لما فى ذلك من تكلف المطاعم والاشتغال بها عن المكارم بل يدل على تحريم كثرة الاكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه والسمن انتهى وفى الفروع ان الاكل فرض ان كان لدفع هلاك نفسه ومأجور عليه ان كان لتمكينه من صومه وصلاته قائما ومباح الى الشبع ليزيد قوته وحرام فوق الشبع الا لقصد قوة صوم الغد ولئلا يستحيى ضيفه: قال السعدي قدس سره

باندازه خور زاد اگر مردمى

چنين پر شكم آدمي يا خمى

ندارند تن پروان آگهى

كه پر معده باشد ز حكمت تهى

قال الامام السخاوي فى المقاصد الحسنة فى الحديث (ان الله يكره الحبر السمين) وفى التوراة (ان الله ليبغض الحبر السمين) وفى رواية (ان الله يبغض القارئ السمين) قال الشافعي رحمه الله ما أفلح سمين قط الا ان يكون محمد بن الحسن فقيل له ولم قال لانه لا يفكر والعاقل لا يخلو من احدى حالتين اما ان يهمّ لآخرته ومعاده او لدنياه ومعاشه والشحم مع الهم لا ينعقد فاذا خلا من المعنيين صار فى حد البهائم بعقد الشحم ثم قال الشافعي كان ملك فى الزمان الاول كثير اللحم جدا فجمع المتطببين وقال احتالوا حيلة تخف عنى لحمى هذا قليلا فما قدروا فنقبوا له رجلا عاقلا أديبا متطببا وبعثوه فاشخص اليه بصره وقال أيعالجنى ذلك الفتى قال أصلح الله الملك انا رجل متطبب منجم دعنى انظر الليلة فى طالعك أي دواء يوافق فاشفيك فهدأ عليه فقال ايها الملك الامان قال لك الامان قال رأيت طالعك يدل على ان عمرك شهر فمتى أعالجك وان أردت بيان ذلك فاحبسنى عندك فان كان لقولى حقيقة فخل عنى والا فاقتص منى قال فحبسه ثم رفع الملك الملاهي واحتجب عن الناس وخلا وحده مغتما ما يرفع رأسه يعد الأيام كلما انسلخ يوم ازداد غما حتى هزل وخف لحمه ومضى لذلك ثمانية وعشرون يوما فبعث اليه فاخرجه فقال ما ترى فقال أعز الله الملك انا أهون على الله من ان اعلم الغيب

ص: 65

والله ما اعرف عمرى فكيف اعرف عمرك انه لم يكن عندى دواء الا الهم فلم اقدر اجلب إليك الهم الا بهذه العلة فاذابت شحم الكلى فاجازه واحسن اليه والثالث ما فى قوله تعالى قُلِ اللَّهُ من لطائف العبارات من اهل الإشارات قال فى التفسير الفارسي [شيخ ابو سعيد ابو الخير قدس سره در كلمه قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فرموده كه الله بس وما سواه هوس وانقطع النفس وشيخ الإسلام فرموده كه قُلِ اللَّهُ دل سوى او داد ثُمَّ ذَرْهُمْ غير او را فرو كذار وشبلى با بعض اصحاب خود ميكفت كه عليك بالله ودع ما سواء]

چون تفرقه دلست حاصل ز همه

دلرا بيكى سپار وبگسل ز همه

فالآية باشارتها تدل على ان من أراد الوصول الى الله تعالى فلينقطع عما سواه فانه لعب ولهو واللاهي واللاعب ليس على شىء نسأل الله سبحانه ان يحفظنا من اشتغال بما سواه والرابع مدح القرآن وبيان فضيلته وفائدته قال احمد بن حنبل رأيت رب العزة فى المنام فقلت يا رب ما أفضل ما تقرب به المتقربون إليك قال كلامى يا احمد قلت يا رب بفهم أم بغير فهم قال بفهم وبغير فهم والنظر الى المصحف عبادة برأسه وله اجر على حدته ما عدا اجر القراءة وعن حميد بن الأعرج قال من قرأ القرآن وختمه ثم دعا أمن على دعائه اربعة آلاف ملك ثم لا يزالون يدعون له ويستغفرون ويصلون عليه الى المساء او الى الصباح فعلى العاقل ان يجتهد حتى يختم القرآن فى أوائل الأيام الصيفية والليالى الشتائية ليستزيد فى دعائهم واستغفارهم وفى الحديث (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وينبغى ان يقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يطلب عوضا ولا يقصد جزاء ولا شكورا بل يعلم للتقرب الى الله تعالى ويقتدى بالأنبياء حيث قدم كل واحد منهم على دعوته قوله لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً قال فى الاسرار المحمدية من أخذ الجراية ليتعلم فهى له حلال ولكن من تعلم ليأخذ الجراية فهى عليه حرام. وفيه ايضا لا يتخذ صحيفة القرآن إذا درست وقاية للكتب بل يمحوها بالماء وكان من قبلنا يستشفى بذلك الماء وينبغى لقارىء القرآن ان يجود ويحسن صوته وفى الحديث (ليس منا من لم يتغن بالقرآن وحسنوا القرآن بأصواتكم فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا) قيل أراد بالتغنى الاستغناء وقيل الترنم وترديد الالحان وهو اقرب عند اهل اللغة كذا فى الاسرار- ويحكى- عن ظهير الدين المرغينانى انه قال من قال لمقرىء زماننا أحسنت عند قراءته يكفر كذا فى شرح الهداية لتاج الشريعة وقال فى البزازية من يقرأ القرآن بالالحان لا يستحق الاجر لانه ليس بقارئ قال الله تعالى قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ انتهى وسأل الحجاج بعض جلسائه عن ارق الصوت عندهم فقال أحدهم

ما سمعت صوتا ارق من صوت قارئ حسن الصوت يقرأ كتاب الله تعالى فى جوف الليل قال ذلك الحسن وقال آخر ما سمعت صوتا اعجب من ان اترك امرأتى ماخضا وأتوجه الى المسجد بكيرا فيأتينى آت فيبشرنى بغلام فقال وا حسناء فقال شعبة بن علقمة التميمي لا والله ما سمعت اعجب الى من ان أكون جائعا فاسمع خفخفة الخوان فقال الحجاج أبيتم يا بنى تميم الا حب الزاد والمقصود من هذه الحكاية بيان اختلاف مشارب الناس فمن أحب الله وانس بكلامه وتجرد عن الاعراض وكان القارئ متحاشيا من الانغام الموسقية والحان اهل الفسق

ص: 66

قارئا على لحون العرب محسنا صوته فلا مجال للطعن فيه والدخل ظاهرا وباطنا والله اعلم وَمَنْ استفهام مبتدأ اى لا أحد أَظْلَمُ خبره مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً مفعول افترى اى اختلق كذبا وافتعله فزعم انه تعالى بعثه نبيا كمسيلمة الكذاب والأسود العبسي او اختلق عليه احكاما كعمرو بن لحى وهو أول من غير دين إسماعيل عليه السلام ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة قال عليه السلام فى حقه (رأيته يجر قصبه فى النار) قال قتادة كان مسيلمة يسجع ويتكهن كما قال فى معارضة سورة الكوثر انا أعطيناك الجماهر فصل لربك وهاجر انا كفيناك المكابر والمجاهر فانظر كيف كان سافل الألفاظ والبنا فاسد المعاني والجنى فادعى النبوة وكان قد أرسل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولين فقال عليه السلام (أتشهدان ان مسيلمة نبى) قالا نعم فقال عليه السلام (لولا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما) وفى الحديث (بينا انا نائم أتيت بخزائن الأرض فوضع فى يدى سواران من ذهب فكبرا علىّ وأهماني فاوحى الى ان انفخهما فنفختهما فذهبا فاولتهما بالكذابين اللذين انا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة قال القاضي وجه تأويلهما بالكذابين ان السوار كالقيد لليد يمنعها عن البطش فكذا الكذابان يقومان بمعارضة شريعته ويصدان عن نفاذ أمرها قتل صاحب صنعاء وهو الأسود العبسي فى مرض موت النبي عليه السلام قتله فيروز الديلمي فما بلغ خبر قتله النبي عليه السلام قال فاز فيروز وقتل صاحب اليمامة وهو مسيلمة فى عهد الصديق قتله الوحشي قاتل حمزة فلما قتله قال قتلت خير الناس فى الجاهلية وشر الناس فى إسلامي أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ من جهته تعالى وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ اى والحال انه لم يوح اليه شَيْءٌ أصلا كعبد الله بن سعد بن ابى سرح كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نزلت وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ فلما بلغ ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ قال عبد الله فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ تعجبا من تفصيل خلق الإنسان فقال عليه السلام (اكتبها فكذلك نزلت) فشك عبد الله وقال لئن كان محمد صادقا اى فى قوله فكذلك نزلت لقد اوحى الى كما اوحى اليه ففى التحقيق انا أكون مثله ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال فعلىّ ان ادعى نزول الوحى مثله فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين ثم رجع الى الإسلام قبل فتح مكة إذ نزل النبي عليه السلام بمرو وَمَنْ اى وممن قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وهم المستهزءون الذين قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومفعول ترى محذوف لدلالة الظرف عليه اى ولو ترى الظالمين إذ هم. فالظالمون مبتدأ وما بعده خبره وإذ مضاف الى الجملة والمراد بالظالمين الجنس فيدخل فيهم المتلبئة وغيرهم وجواب لو محذوف اى لو ترى الظالمين فى هذا الوقت لرأيت امرا عظيما فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ اى شدائده وسكراته. جمع غمرة وهى الشدة الغالبة من غمره الماء إذا علاه وغطاه وَالْمَلائِكَةُ اى ملك الموت وأعوانه من ملائكة العذاب باسِطُوا أَيْدِيهِمْ بقبض أرواحهم كالمتقاضى الملظ اى كالغريم الملازم الملح الذي يبسط يده الى من عليه الحق ويعنفه عليه فى المطالبة ولا يمهله ويقول له اخرج الى مالى عليك الساعة ولا أزال من مكانى

ص: 67

حتى انزعه من كبدك وحدقتك او باسطوها بالعذاب قائلين أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ اى أرواحكم إلينا من أجسادكم وهذا القول منهم تغليظ وتعنيف والا فلا قدرة لهم على الإخراج المذكور او اخر جوها من العذاب وخلصوها من أيدينا الْيَوْمَ اى وقت الاماتة او الوقت الممتد بعده الى ما لا نهاية له تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ اى العذاب المتضمن لشدة واهانة والهون الهوان اى الحقارة بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ كاتخاذ الولد ونسبة الشريك وادعاء النبوة والوحى كذبا وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ فلا تتأملون فيها ولا تؤمنون بها وفى الحديث (ان المؤمن إذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وضبائر من الريحان وتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين ويقال لها أيتها النفس الطيبة اخرجى راضية مرضية ومرضيا عنك الى روح الله وكرامته فاذا خرجت روحه وضعت على ذلك المسك والريحان وطويت عليها الحريرة وبعث بها الى عليين

وان الكافر إذا احتضر أتته الملائكة بمسح فيه جمرة فتنزع روحه انتزاعا شديدا ويقال لها أيتها النفس الخبيثة اخرجى ساخطة ومسخوطا عليك الى هو ان الله وعذابه فاذا خرجت روحه وضعت على تلك الجمرة وان لها نشيجا اى صوتا ويطوى عليها المسح ويذهب بها الى سجين) كذا فى تفسير ابى الليث رحمه الله والاشارة ان الذين يراؤن فى التأوه والزعقات واظهار المواجيد والحالات لهم من الله خطرات ونظرات وليس لهم منها نصيب الا الزفرات والحسرات والمتشبع بما لم يملك كلابس ثوبى زور وفى معناه انشدوا

إذا انسكبت دموع فى خدود

تبين من بكى ممن تباكى

والذي نزل نفسه منزلة المحدثين واهل الاشارة ولم يلق الى أسرارهم خصائص الخطاب ولم تلهم نفوسهم بها والذين يتشدقون ويتفيهقون فى الكلام الذين يدعون انهم يتكلمون بمثل ما انزل الله من الحقائق والاسرار على قلوب عباده الواصلين الكاملين فكلهم من الظالمين وتظهر مضرة ظلمهم وافترائهم عند انقطاع تعلق الروح عن البدن وإخراج النفس من القالب كرها لتعلقها بشهوات الدنيا ولذاتها وحرمانها من لذة الحقائق الغيبية والشهوات الاخروية إذ الملائكة يبسطون أيديهم بالقهر إليهم لنزع أنفسهم بالهوان والشدة وهى متعلقة بحسب الافتراء والكذب واستحلاء رفعة المنزلة عند الخلق وطلب الرياسة بأصناف المخلوقات فتكون شدة النزع والهوان بقدر تعلقها بها كما قال الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ يعنى آياته المودعة فى أنفسكم تعرضون عنها وتراؤن بما ليس لكم ولعل تعلق النفس يتقطع عن البدن بيوم او يومين او ثلاثة ايام وتعلقها عن أوصاف المخلوقات لا ينقطع بالسنين ولعله الى الحشر والكفار الى الابد وهم فى عذاب النزع بالشدة ابدا وهو العذاب الأليم والعذاب الشديد ومن نتائج هذه الحالة عذاب القبر فافهم جدا- وحكى- عن بعض العصاة انه مات فلما حفروا قبره وجدوا فيه حية عظيمة فحفروا له قبرا آخر فوجدوها فيه ثم كذلك قبرا بعد قبر الى ان حفروا نحوا من ثلاثين قبرا وفى كل قبر يجدونها فلما رأوا انه لا يهرب من الله هارب ولا يغلب الله غالب دفنوه معها وهذه الحية هى عمله: قال الحافظ

ص: 68

كارى كنيم ور نه خجالت بر آورد

روزى كه رخت جان بجهان دگر كشيم

وَلَقَدْ جِئْتُمُونا للحساب والجزاء وهو بمعنى المستقبل اى تجيئوننا وانما ابرز فى صورة الماضي لتحققه كقوله تعالى أَتى أَمْرُ اللَّهِ والخطاب لكفار قريش لانها نزلت حين قالوا افتخارا واستخفافا للفقراء نحن اكثر أموالا وأولادا فى الدنيا وما نحن بمعذبين فى الآخرة فُرادى جمع فرد اى منفردين عن الأموال والأولاد وسائر ما آثرتموه من الدنيا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بدل من فرادى اى على الهيئة التي ولدتم عليها فى الانفراد او حال من ضمير فرادى اى مشبهين ابتداء خلقكم عراة حفاة غر لا بهما اى ليس بهم شىء مما كان فى الدنيا نحو البرص والعرج كذا فى القاموس وفى الخبر (انهم يحشرون يوم القيامة عراة حفاة غرلا) قالت عائشة رضى الله عنها واسوءتاه الرجل والمرأة كذلك فقال عليه السلام (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه لا ينظر الرجال الى النساء ولا النساء الى الرجال شغل بعضهم عن بعض) وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ ما تفضلنا به عليكم فى الدنيا فشغلتم به عن الآخرة. والتخويل تمليك الخول اى الخدم والاتباع وأحدهم خائل او الإعطاء على غير جزاء وَراءَ ظُهُورِكُمْ ما قدمتم منه شيأ ولم تحملوا نقيرا بخلاف المؤمنين فانهم صرفوا همتهم الى العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة فبقيت معهم فى قبورهم وحضرت معهم فى محفل القيامة فهم فى الحقيقة ما حضروا فرادى

چون ازينجا وارهى آنجا روى

در شكر خانه ابد شاكر شوى

وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الأصنام الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ اى شركاء لله فى ربوبيتكم واستحقاق عبادتكم لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ اى وقع التقطع بينكم كما يقال جمع بين الشيئين اى أوقع الجمع بينهما قال الكاشفى [منقطع كشت آنچهـ ميان شما بود از وصلت ومودت] وَضَلَّ عَنْكُمْ اى بطل وضاع ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ انها شفعاؤكم فلم يقدروا على دفع شىء من العذاب عنكم أو أنها شركاؤكم لله فى ربوبيتكم وهو الأنسب لسياق النظم ألا ترى الى قوله تعالى الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ اعلم ان للانسان اعداء اربعة هى المال والأهل والأولاد والأصدقاء وهى لا تدخل فى القبر مع الميت فيبقى فريدا وحيدا منهم. وأصدقاء اربعة هى كلمة الشهادة والصلاة والصوم وذكر الله وهى تدخل فى القبر وتشفع عند الله تعالى فتصحب الميت فلا يبقى وحيدا فعلى العاقل ان يتفكر فى تجرده وتفرده فيسعى فى تحصيل لباس له هو التقوى ومصاحب هو العمل الصالح وفى الحديث (ان عمل الإنسان يدفن معه فى قبره فان كان العمل كريما أكرم صاحبه وان كان لئيما أسلمه وان كان عملا صالحا آنس صاحبه وبشره ووسع عليه قبره ونوره وحماه من الشدائد والأهوال والعذاب والوبال وان كان عملا سيئا فزع صاحبه وروّعه واظلم عليه قبره وضيقه وعذبه وخلى بينه وبين الشدائد والأهوال والعذاب والوبال) قال اليافعي وقد سمعت عن بعض الصالحين فى بعض بلاد اليمن انه لما دفن بعض الموتى وانصرف الناس سمع فى القبر صوتا ودقا عنيفا ثم خرج من القبر كلب اسود فقال له الشيخ الصالح ويحك ايش أنت فقال انا عمل الميت فقال فهذا الضرب فيك أم فيه قال بل فى وجدت عنده سورة يس وأخواتها فحالت بينى وبينه وضربت وطردت فانظر انه لما قوى عمله الصالح غلب على عمله الطالح

ص: 69

وطرده عنه بكرم الله تعالى ولو كان عمله القبيح أقوى لغلب عليه وافزعه وعذب: قال السعدي

غم وشادمانى نماند وليك

جزاى عمل ماند ونام نيك

مكن تكيه بر ملك وجاه وحشم

كه پيش از تو بودست وبعد از تو هم

قال القشيري وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى اى دخلتم الدنيا بخرقة وخرجتم منها بخرقة ألا وتلك الخرقة ايضا لبسه وما دخلت الا بوصف التجرد وما خرجت الا بحكم التجرد ثم الأثقال والأوزار والأعمال والأوصال لا يأتى عليها حصر ولا مقدار فلا مالكم اغنى ولا حالكم يدفع عنكم ولا شفيع يخاطبنا فيكم ولقد تفرق وصلكم وتبدد شملكم وتلاشى ظنكم وخاب سعيكم انتهى كلام القشيري والاشارة ان المجيء الى الله يكون بالتجرد ثم بالتفريد ثم بالتوحيد فالتجريد هو التجرد عن الدنيا وما يتعلق يها. والتفريد هو التفرد عن الدنيا والآخرة رجوعا الى الله خاليا عن التعلق بهما كما كان فى بدء الخلقة روحا مجردا عن تعلقات الكونين كقوله لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعنى أول خلقة الروح قبل تعلقه بالقالب فانه خلقة ثانية كما قال ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ وقال وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ فللعبد فى السير الى الله كسب وسعى بالتجريد والتفريد عن الدنيا والآخرة كما قال وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ يعنى من تعلقات الكونين وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ يعنى الأعمال والأحوال التي ظننتم انها توصلكم الى الله تعالى لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وبينها عند انتهاء سيركم وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ انها توصلكم الى الله فاذا وصل العبد الى سرادقات العزة انتهى سيره كما انتهى سير جبرائيل ليلة المعراج عند سدرة المنتهى وهو منتهى سير السائرين من الملك والانس والتوحيد هو التوحد لقبول فيض الوحدانية عن التجلي بصفات الواحدية لتوصل العبد بجذبة ارجعي الى ربك الى مقام الوحدة ولو لم تدركه العناية الازلية بجذبات الربوبية لا نقطع عن السير فى الله بالله وبقي فى السدرة وهو يقول وما منا الا له مقام معلوم فافهم كذا فى التأويلات النجمية إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ الفلق الشق بابانة. والحب جمع حبة وهى اسم لجميع البزور المقصودة بذواتها كالبر والشعير والذرة ونحوها والمعنى شاق الحب بالنبات اى يشق الحبة اليابسة فيخرج منها ورق اخضر وَالنَّوى واحدتها نواة وهى الشيء الموجود فى داخل الثمر مثل نواة الخوج والمشمش والتمر ونحوها والمعنى شاق النوى بالشجر اى يشق النواة الصلبة فيخرج شجرة ذات أوراق وأغصان يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ بيان لما قبله اى يخرج ما ينمو من الحيوان والنبات مما لا ينمو من النطفة والحب وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ كالنطفة والحب مِنَ الْحَيِّ كالحيوان والنبات وهو معطوف على فالق الحب فالحى والميت مجاز عن النامي والجامد تشبيها للنامى بالحي والحي حقيقة فيما يكون موصوفا بالحياة المستتبعة للحس والحركة الارادية والميت حقيقة فيما يكون خاليا عن صفة الحياة ممن تكون الحياة من شأنه ومنهم من حمل اللفظ على الحقيقة وقال يخرج من النطفة الميتة بشرا حيا ومن الدجاجة بيضة ميتة قال ابن عباس رضى الله عنهما يخرج المؤمن من الكافر كما فى حق ابراهيم عليه السلام والكافر من المؤمن كما فى حق ولد نوح عليه السلام والعاصي من المطيع وبالعكس والعالم من

ص: 70

الجاهل وبالعكس والعاقل من الأحمق وبالعكس والاشارة يخرج نخل الايمان من نوى الحروف الميتة فى كلمة الا اله الا الله ومخرج ميت النفاق من الكلمة الحية وهى لا اله الا الله ذلِكُمُ القادر العظيم الشأن اللَّهَ المستحق للعبادة وحده فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فكيف تصرفون عن عبادته الى غيره ولا سبيل اليه أصلا. والافك فى اللغة قلب الشيء وصرفه والخطاب لكفار قريش لان السورة مكية فالِقُ الْإِصْباحِ خبر آخر لان. والإصباح بكسر الالف مصدر بمعنى الدخول فى ضوء النهار سمى به الصبح اى فالق عمود الفجر عن بياض النهار وأسفاره وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً يسكن اليه التعب بالنهار لاستراحته من سكن اليه إذا اطمأن اليه استئناسا به او سكن فيه الخلق من قوله تعالى لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ اى وجعلهما حُسْباناً اى على أدوار مختلفة يحسب بها الأوقات فانه تعالى قدر حركه الشمس بمقدار من السرعة والبطيء بحيث تتم دورتها فى سنة وقدر حركة القمر بحيث تتم الدورة فى شهر وبهذا التقدير تنتظم المصالح المتعلقة بالفصول الاربعة كنضج الثمار وامور الحرث والنسل ونحو ذلك مما يتوقف عليه قوام العالم وباختلاف منازل القمر وتجدد الاهلة فى كل شهر يعلم آجال الديون ومواقيت الأشياء فمعنى جعل الشمس والقمر حسبانا جعلهما علمى حساب. فالحسبان بالضم مصدر بمعنى الحساب والعد وبابه نصر. واما الحسبان بكسر الحاء فهو من باب علم ومعناه الظن والتخمين وتقدم الشمس لضيائها على القمر لانها معدن الأنوار الفلكية من البدور والنجوم وأصلها فى النورانية وان أنوارهم مقتبسة من نور الشمس على قدر تقابلهم وصفوة اجرامهم قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره نور القمر ليس من نفسه وانما هو من عالم الأنوار فهو ليس بناقص فى ذاته وانما ذلك بسبب عروض الكشافة بالتدريج ولولا ذلك لم تعرف الشهور والسنون والشمس والقمر عينا هذا التعين وظاهرهما الى الفوق والذي نراه جانبهما الداخل فهو تارة يفتح عينيه واخرى يغمض كما انا نفعل كذلك والكواكب ليست مركوزة فيه وانما هى بانعكاس الأنوار فى بعض عروقه اللطيفة والذي يرى كسقوط النجم فكدفع الشمس من موضع الى موضع وهذا لا يطلع عليه الحكماء وانما يعرفه اهل السلوك ثم قال الليل والنهار فى عالم الآخرة ليسا بالظلمة والضياء بل لهما علامة اخرى بتجلى من التجليات فيعرفون به الليل والنهار وكيف يكون الليل هنا بالظلمة وقد قال عليه السلام (لو خرج ورق من أوراقها الى الدنيا لاضاء العالم) انتهى كلامه ذلِكَ اشارة الى جعلهما حسبانا اى ذلك التسيير البديع بالحساب المعلوم تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الذي قهرهما وسيرهما على الوجه المخصوص الْعَلِيمِ بما فيهما من المنافع والمصالح المتعلقة بمعاش الخلق ومعادهم: قال السعدي

ابر وباد ومه وخورشيد وفلك در كارند

تا تو نانى بكف آرى وبغفلت نخورى

همه از بهر تو سر كشته وفرمان بردار

شرط انصاف نباشد كه تو فرمان نبرى

وَهُوَ الَّذِي [واوست خداونديكه بقدرت كامله] جَعَلَ لَكُمُ اى انشأ لاجلكم وأبدع النُّجُومَ التي تختلف مواضعها من جهة الشمال والجنوب والصبا والدبور

ص: 71

لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ اى فى ظلمات الليل فى البر والبحر واضافتها إليهما للملابسة فان الحاجة الى الاهتداء بها انما تحقق عند ذلك قال الحدادي لتعرفوا بها الطرق من بلد الى بلد فى المفاوز ولجج البحار فى الليالى المظلمة فى السفن فان من النجوم ما يجعله السائر تلقاء وجهه. ومنها ما يجعله على يمينه. ومنها ما يجعله على يساره. ومنها ما يجعله خلفه ليظهر له الطريقي التي تؤديه الى بغيته. وللنجوم فوائد اخر وهى انها زينة السماء ورمى الشياطين وغير ذلك قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ اى بينا الآيات الدالة على قدرتنا فصلا فصلا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فانهم المنتفعون بها وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مع كثرتكم مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ من نفس آدم وحدها فانه خلقنا جميعا منه وخلق امّنا حواء من ضلع من أضلاع آدم فصار كل الناس محدثة مخلوقة من نفس واحدة حتى عيسى فان ابتداء تكوينه من مريم التي هى مخلوقة من ماء أبويها وانما منّ علينا بهذا لان الناس إذا رجعوا الى اصل واحد كانوا اقرب الى ان يألف بعضهم بعضا قال اهل الاشارة ان الله تعالى كما خلق آدم ابتداء وجعل أولاده منه كذلك خلق روح محمد صلى الله عليه وسلم قبل الأرواح كما قال (أول ما خلق الله روحى) ثم خلق الأرواح من روحه فكان آدم أبا البشر وكان محمد صلى الله عليه وسلم أبا الأرواح واليه يشير قوله تعالى هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ كل واحد منهما مصدر ميمى مرفوع على الابتداء والخبر محذوف اى فلكم استقرار فى الأصلاب او فوق الأرض واستيداع فى الأرحام او تحت الأرض وجعل صلب الأب مستقر النطفة ورحم الام مستودعا لها لان النطفة حصلت فى صلب الأب لا من قبل الغير وحصلت فى رحم الام بفعل الغير فاشبهت الوديعة كأن الرجل أودعها ما كان مستقرا عنده وقال الحسن يا ابن آدم أنت وديعة فى أهلك ويوشك ان تلحق بصاحبك وانشد قول لبيد

وما المال والأهلون الا وديعة

ولا بد يوما ان ترد الودائع

والقلب ايضا من الودائع والأمانات: قال الصائب

ترا بگوهر دل كرده اند امانتدار

نه دزد امانت حق را نكاه دار مخسب

قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ المبينة لتفاصيل خلق البشر من هذه الآية ونظائرها لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ غوامض الدقائق باستعمال الفطنة وتدقيق النظر وانما ذكر مع ذكر النجوم يعلمون ومع ذكر تخليق بنى آدم يفقهون لان ذلك اشارة الى آيات الآفاق وهذا الى آيات الأنفس ولا شك ان آيات الآفاق اظهر واجلى وآيات الأنفس أدق وأخفى فكان ذكر الفقه لها انسب واولى لان الفقه عبارة عن الوقوف على المعنى الخفي واصل تركيب الفقه يدل على الشق والفتح والفقيه العالم الذي يشق الاحكام ويفتش عن حقائقها ويفتح ما استغلق منها فالفقه انما يطلق حيث يكون فيه حذاقة وتدقيق نظر قال الحدادي الفقه فى اللغة هو الفهم لمعنى الكلام الا انه قد جعل فى العرف عبارة عن علم الغيب على معنى انه استدراك معنى الكلام بالاستنباط من الأصول ولهذا لا يجوز ان يوصف الله تعالى بانه فقيه لانه لا يوصف بالعلم على جهة الاستنباط ولكنه عالم بجميع الأشياء على وجه أحد انتهى ثم هذه الآيات الآفاقية والانفسية تفصح عن صنع الله البديع وتدعو اهل الشرك الى التوحيد والايمان واهل الإخلاص الى الشهود

ص: 72

والعيان واهل المعصية الى الطاعة والتوبة باللسان والجنان فان الامتنان بذكر النعم الجليلة يستدعى شكرا لها ومعرفة لحقها ولكل قوم وفريق سلوك الى طريق التحقيق على حسب ما أنعم عليه من توحيد الافعال والصفات والذات فعلى العاقل ان يجتهد فى طلب الحق فان المقصود من ترتيب مقدمات العوالم آفاقية كانت او انفسية هو الوصول الى الظاهر من جهة المظاهر وانما اصل الحجاب هو الغفلة- وحكى- ان الشيخ أبا الفوارس شاهين بن شجاع الكرماني رحمه الله خرج للصيد وهو ملك كرمان فامعن فى الطلب حتى وقع فى برية مقفرة وحده فاذا هو بشاب راكب على سبع وحوله سباع فلما رأته ابتدرت نحوه فزجرها الشاب عنه فلما دنا اليه سلم عليه وقال له يا شاه ما هذه الغفلة عن الله اشتغلت بدنياك عن آخرتك وبلذتك وهواك عن خدمة مولاك انما اعطاك الله الدنيا لتستعين بها على خدمته فجعلتها ذريعة الى الاشتغال عنه فبينما الشاب يحدثه إذ خرجت عجوز بيدها شربة ماء فناولتها الشاب فشرب فدفع باقيه الى الشاه فشربه فقال ما شربت شيأ ألذ منه ولا أبرد ولا أعذب ثم غابت العجوز فقال الشاب هذه الدنيا وكلها الله الى خدمتى فما احتجت الى شىء الا أحضرته الى حين يخطر مبالى أما بلغك ان الله تعالى لما خلق الدنيا قال لها (يا دنيا من خدمنى فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه) فلما رأى ذلك تاب وكان منه ما كان وانشد بعضهم

خدمت لما ان صرت من خدمك

ودار عندى السرور من نعمك

وكانت الحادثات تطرقنى

فاستحشمتنى إذ صرت من حشمك

اللهم اجعلنا من الملازمين لبابك ولا تقطعنا عن جنابك وَهُوَ اى الله تعالى الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً خاصا هو المطر ثم التفت من الغيبة الى التكلم فقال فَأَخْرَجْنا بعظمتنا فالنون للعظمة لا الجمع فان الملك العظيم يعبر عن نفسه بلفظ الجمع تعظيما له بِهِ اى بسبب ذلك الماء مع وحدته نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ ينبت كنبات الحنطة والشعير والرمان والتفاح وغيرها فشىء مخصص فلا يلزم ان يكون لكل شىء نبات كالحجر مثلا والنبت والنبات ما يخرج من الأرض من الناميات سواء كان له ساق كالشجر أو لم يكن كالنجم فان قيل كيف جعل الله المطر سببا للنبات والفاعل بالسبب يكون مستعينا بفعل السبب والله تعالى مستغن عن الأسباب قيل لان المطر سبب يؤدى الى النبات وليس بمولود له والله تعالى قادر على إنبات النبات بدون المطر وانما يكون الفاعل بالسبب مستعينا بذلك السبب إذا لم يمكنه فعل ذلك الشيء الا بذلك السبب كما ان الإنسان إذا لم يمكنه ان يصعد السطح الا بالسلم فان السلم آلة للصعود والظاهر انه إذا صعد السطح بالسلم لم يكن السلم آلة له لانه يمكنه ان يصعد السطح بدون السلم فَأَخْرَجْنا مِنْهُ شروع فى تفصيل ما أجمل من الإخراج وقد بدأ بتفصيل حال النجم اى فاخرجنا من النبات الذي لا ساق له شيأ غضا خَضِراً بمعنى اخضر وهو اى الشيء الأخضر الخارج من النبات ما تشعب من اصل النبات الخارج من الحبة نُخْرِجُ مِنْهُ صفة لخضرا اى نخرج من ذلك الخضر المتشعب حَبًّا مُتَراكِباً هو السنبل المنتظم للحبوب المتراكبة بعضها فوق بعض على هيئة مخصوصة وَمِنَ النَّخْلِ شروع فى تفصيل حال

ص: 73

الشجر اثر بيان حال النجم وهو خبر مقدم مِنْ طَلْعِها بدل منه باعادة العامل وهو شىء يخرج من النخل كأنه نعلان مطبقان والحمل بينهما منضود قِنْوانٌ مبتدأ اى وحاصلة من طلع النخل قنوان جمع قنو وهو للثمر بمنزلة العنقود للعنب دانِيَةٌ سهلة المجتنى قريبة من القاطف فانها وان كانت صغيرة ينالها القاعد تأتى بالثمر لا تنتظر الطول او ملتفة متقاربة وفيه اختصار معناه من النخل ما قنوانها دانية ومنها ما هى بعيدة فاكتفى بذكر القريبة عن البعيدة لان النعمة فى القريبة أكمل واكبر وفى الحديث (أكرموا عماتكم النخل فانها خلقت من فضلة طينة آدم وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران فاطعموا نساءكم الولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر) انتهى فظهر ان السبب فى اطعام النفساء رطبا ان مريم رضى الله عنها كان أول ما أكلت حين وضع عيسى عليه السلام هو الرطب كما قال تعالى فى سورة مريم وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا وورد فى فضيلة السفرجل ايضا انه شكا بعض الأنبياء الى الله تعالى من قبح أولاد أمته فاوحى الله اليه مرهم ان يطعموا نساءهم الحبالى السفرجل فى الشهر الثالث والرابع لان فيه تصور الجنين فانه يحسن الولد وَأخرجنا به جَنَّاتٍ بساتين كائنة مِنْ أَعْنابٍ فهو غطف على نبات كل شىء ولعل زيادة الجنات هنا من غير اكتفاء بذكر اسم الجنس كما فيما تقدم وما تأخر لما ان الانتفاع بهذا الجنس لا يتأتى غالبا الا عند اجتماع طائفة من افراده وكل نبت متكاثف يستر بعضه بعضا فهو جنة من جن إذا استتر والأعناب جمع عنب وهو بالفارسية [انگور] وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ اى وأخرجنا ايضا شجر الزيتون وشجر الرمان مُشْتَبِهاً اوراقهما ومشتملا على الغصن من اوله الى آخره فى كليهما وهو حال وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ ثمرهما وفى التفسير الفارسي [مُشْتَبِهاً در حالتى كه آن درختان بعضى ببعضي مانند در برك وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ ونه مانند يكديكر در طعم ميوه چهـ بعضى بغايت ترش ميباشد وبعضى شيرين وبرخى ترش وشيرين] انْظُرُوا يا مخاطبين نظر اعتبار إِلى ثَمَرِهِ [بميوه هر درختى] إِذا أَثْمَرَ إذا اخرج ثمره كيف يخرجه ضئيلا لا يكاد ينتفع به وَيَنْعِهِ والى حال نضجه كيف يعود ضخما ذانفع ولذة والينع فى الأصل مصدر ينعت الثمرة إذا أدركت. وقوله إذا اثمر ظرف لقوله انظروا امر بالنظر فى أول حال حدوث الثمرة وفى كمال نضجها مع كونها نابتة من ارض واحدة ومسقية بماء واحد ليعلم كيف تتبدل وتنتقل الى احوال مضادة للاحوال السابقة وحصول هذه التغيرات مسند الى

القادر الحكيم العليم المدبر لهذا العالم على وفق الرحمة والحكمة والمصلحة قال القرطبي هذا الينع هو الذي يتوقف عليه جواز بيع الثمرة وهو ان يطيب أكل الفاكهة وتأمن العاهة وهو عند طلوع الثريا بما اجرى الله تعالى عادته عليه- روى- ابو هريرة عن النبي عليه السلام انه قال (إذا طلعت الثريا صباحا رفعت العاهة عن اهل البلد) وطلوعها صباحا فى اثنتي عشرة تمضى من شهر أيار وهو آخر الشهور الثلاثة من أول فصل الربيع وهى اذار ونيسان وأيار إِنَّ فِي ذلِكُمْ اشارة الى ما امر بالنظر اليه لَآياتٍ عظيمة دالة على وجود القادر الحكيم ووحدته لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ خصوا بالذكر لانهم المنتفعون

ص: 74

بالاستدلال بها والاعتبار والاشارة فى الآية ان الله تعالى ينزل من سماء العناية ماء الهداية فيخرج به انواع المعارف والاسرار على حسب مراتب اهل الزهد والفتوى واهل العشق والتقوى إذ القلب كالروضة ينشأ منه ما هو مستعد له وكل نبت يترجم عن ترابه: كما قال فى المثنوى

در زمين كر نى شكر ور خودنى است

ترجمان هر زمين نبت وى است

والنخل أعلى من غيره ولذا يقال انه اشارة الى اصحاب الولايات فمن ثمرات ولايتهم ما هو متدان للطالبين والمريدين يعنى منهم من يكون مريبا فينتفع بثمرات ولايته ومنهم من يختار العزلة والانقطاع عن المتمسكين به وجملة شؤونهم ناظرة الى امر الله تعالى واذنه ولذا لا يطعن فيهم الا جاهل وهم فى خلواتهم وجلواتهم يتفكهون من روضات القلوب ويتلذذون بلذائذ حبات الغيوب وأمرهم مستور عن الخلق وأعينهم وعن بعضهم قال رأيت عند قبر النبي عليه السلام تسعة من الأولياء فتبعتهم فالتفت الى أحدهم وقال اين تمر قلت أسير معكم لحبى فيكم فانى سمعت عمن زرتموه عليه السلام انه قال (المرء مع من أحب) فقال أحدهم انك لا تقدر على المسير الى هذا الموضع الذي نقصده فانه لا يقدر عليه الا من بلغ سنه أربعين سنة فقال آخر دعه لعل الله يرزقه فسرت معهم والأرض تطوى من تحتنا طيا فلم نزل حتى انتهينا الى مدينة مبنية بالذهب والفضة وأشجارها متكاثفة وأنهارها مطردة رائقة وفواكهها كبيرة فائقة فدخلنا وأكلنا من ثمرها وأخذت معى ثلاث تفاحات فلم يمنعونى من أخذها فسألتهم عند الانصراف عن المدينة قالوا مدينة الأولياء إذا أرادوا التنزه ظهرت لهم أينما كانوا ما دخلها أحد قبل الأربعين غيرك وكنت كلما جعت أكلت من التفاحة وهى لا تتغير ورجعت الى أهلي وقد بقي معى تفاحة واحد غير التي ادخرتها لنفسى فعانقتنى أختي وقالت اين الذي اطرفتنا به من سفرك فقلت وما الذي اطرفكم به وانا بعيد عن الدنيا وعن الراحة قالت فاين التفاحة فعميت عليها وقلت وأي تفاحة قالت يا مسكين والله لقد أدخلوني تلك المدينة وانا بنت عشرين سنة واما أنت فلم ترها الا بعد ان طردوك وانا والله جذبت إليها جذبة وخطبت إليها خطبة قلت اى اخت فالبدل الكبير منهم يقول لى لم يدخلها أحد لم يبلغ أربعين سنة غيرك قالت نعم من المريدين واما المرادون فيدخلونها ولا يرضون بها ومتى شئت أريتكها فقلت قد شئت فقالت يا مدينتى احضرى فو الله لقد رأيت المدينة بعينها تتدلى إليها وترف عليها فمدت يدها وقالت اين تفاحك قال فتساقط على من التفاح ما علانى فضحكت ثم قالت من عنده من الملك هذا يحتاج الى تفاحتك قال فاستحقرت والله نفسى عند ذلك وما كنت اعلم ان أختي منهم رضى الله عنها وعنهم: قال السعدي

نه هر كس سزاوار باشد بصدر

كرامت بفضلست ورتبت بقدر

وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ قال الكاشفى الأصح انها نزلت فى الزنادقة اعنى المجوس ويقال لهم الثنوية ايضا قالوا ان الله تعالى وإبليس اخوان فالله تعالى خلق الناس والدواب والانعام وكل خير ويعبرون عن الله بيزدان وإبليس خالق السباع والحيات والعقارب وكل شر ويعبرون عن إبليس باهر من وهذا كقوله تعالى وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وإبليس من الجنة والمعنى وجعلوا الجن شركاء لله فى اعتقادهم الباطل وَخَلَقَهُمْ حال من فاعل

ص: 75

جعلوا بتقدير قد اى والحال انهم قد علموا ان الله خالقهم دون الجن وليس من يخلق كمن لا يخلق فالضمير للجاعلين ويحتمل ان يكون للجن اى والحال انه تعالى خلق الجن فكيف يجعلون مخلوقه شريكا له وَخَرَقُوا لَهُ اى افتعلوا وافتروا له تعالى يقال خرق واخترق واختلق وافترى إذا كذب بَنِينَ وَبَناتٍ فقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقالت طائفة من العرب الملائكة بنات الله بِغَيْرِ عِلْمٍ بحقيقة ما قالوه من خطأ او صواب بل رميا بقول عن عمى وجهالة من غير فكر وروية. والباء متعلقة بمحذوف هو حال من فاعل خرقوا اى خرقوا ملتبسين بغير علم سُبْحانَهُ اى تنزه تعالى بذاته تنزها لائقا به وَتَعالى من العلو اى استعلى ويجوز فى صفات الله تعالى علا ولا يجوز ارتفع لان العلو قد يكون بالاقتدار والارتفاع يقتضى الجهة والمكان ولما فى السبحان والتعالي من معنى التباعد قيل عَمَّا يَصِفُونَ اى تباعد عما يصفونه من ان له شريكا او ولدا بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى هو مبدع من غير مثال سبق لقطرى العالم العلوي والسفلى بلا مادة فاعل على الإطلاق منزه عن الانفعال بالمرة والوالد عنصر الولد منفعل بانتقال مادته عنه فكيف يكون له ولد فالفعيل بمعنى المفعل كالاليم والحكيم بمعنى المؤلم والمحكم والاضافة حقيقية وقيل هو من اضافة الصفة المشبهة الى فاعلها اى بديع سمواته وارضه من بدع إذا كان على نمط عجيب وشكل فائق وحسن رائق أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ اى من اين او كيف يوجد له ولد والحال ان اسباب الولادة منتفية فان وجود الولد بلا والدة محال وان أمكن بلا والد كعيسى عليه السلام والمراد بالصاحبة الزوجة: وفى المثنوى

لم يلد لم يولد است او از قدم

نى پدر دارد نه فرزند ونه عم

وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ انتظم بالتكوين والإيجاد من الموجودات التي من جملتها ما سموه ولدا له تعالى فكيف يتصور ان يكون المخلوق ولدا لخالقه

خالق أفلاك وأنجم بر علا

مردم وديو و پرى ومرغ را

وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ من شأنه ان يعلم كائنا ما كان مخلوقا او غير مخلوق عَلِيمٌ مبالغ فى العلم ازلا وابدا فلا يخفى عليه خافية مما كان وما سيكون من الذوات والصفات والأحوال التي من جملتها ما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز من المحالات التي كان ما زعموه فردا من افرادها ذلِكُمُ اى ذلك الموصوف بتلك الصفات العظيمة ايها المشركون اللَّهُ المستحق للعبادة خاصة مبتدأ وخبره رَبُّكُمْ اى مالك أمركم

نيست خلقش را دكر كس مالكى

شركتش دعوى كند جز هالكى

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اى لا شريك له أصلا خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مما كان وما سيكون فلا تكرار وهذه اخبار مترادفة فَاعْبُدُوهُ حكم مسبب عن مضمونها فان من جمع هذه الصفات استحق العبادة خاصة وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ اى وهو مع تلك الصفات متولى أموركم فكلوها اليه وتوسلوا بعبادته الى إنجاح مآربكم الدنيوية والاخروية ورقيب على أعمالكم فيجازيكم قال الامام الغزالي قدس سره والوكيل ينقسم الى من يفى بما وكل اليه وفاء تاما من غير قصور والى من لا يفى بالجميع والوكيل المطلق هو الذي يفى بالأمور الموكولة

ص: 76

اليه وهو ملى بالقيام بها وفىّ بإتمامها وذلك هو الله تعالى فقط وقد فهمت من هذا مقدار يدخل العبد فى معنى هذا الاسم انتهى كلامه وعن الشيخ ابى حمزة الخراسانى رحمه الله قال حججت سنة من السنين فبينما انا امشى إذ وقعت فى بئر فنازعتنى نفسى ان استغيث فقلت لا والله لا استغيث فما استتم هذا الخاطر حتى مر برأس البئر رجلان فقال أحدهما للآخر تعالى حتى نسد رأس هذا البئر لئلا يقع فيه أحد فأتيا بقصب وبارية وطمسا رأس البئر فهممت ان اصيح ثم قلت فى نفسى الجأ الى من هو اقرب منهما وسكت وفوضت امرى الى الله تعالى فبينما انا بعد ساعة إذا بشىء جاء وكشف عن رأس البئر وادلى رجله وكأنه يقول تعلق بي فى همهمة منه كنت اعرف منها ذلك فتعلقت به فاخرجنى فاذا هو سبع فمر وهتف بي هاتف يا أبا حمزة أليس هذا احسن نجيناك من التلف فالله تعالى قادر على ذلك وهو على كل شىء وكيل والاشارة فى الآيات ان الله تعالى كما اخرج بماء اللطف والهداية من ارض القلوب لأربابها انواع الكمالات اخرج بماء القهر والخذلان من ارض النفوس لأصحابها انواع الضلالات حتى أشركوا بالله تعالى وقالوا ما قالوا من أسوأ المقال مع انه تعالى متفرد بالذات والصفات والافعال فعلى العاقل ان يستعيذ بالله من مكره وقهره ويستجلب بطاعته مزيد رضاءه ورحمته ويقطع النظر عن الغير فى كل شر وخير فان الكل من الله تعالى وان كان لا يرضى لعباده الكفر

گناه اگر چهـ نبود اختيار ما حافظ

تو در طريق ادب كوش وكو كناه منست

اللهم لا تؤمنا مكرك فانه لا يأمن منه الا القوم الكافرون لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ البصر حاسة النظر وقد تطلق على العين من حيث انها محله وادراك الشيء عبارة على الوصول اليه والإحاطة به اى لا تصل اليه الابصار ولا تحيط به وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ اى يحيط بها علمه وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فيدرك ما لا تدركه الابصار ولهذا خص الابصار بإدراكه تعالى إياها مع انه يدرك كل شىء لان الابصار لا تدرك نفسها ولا يجوز فى غيره ان يدرك البصر وهو لا يدركه ففيه دليل على ان الخلق لا يدركون بالأبصار كنه حقيقة البصر وهو الشيء الذي صار به الإنسان يبصر من عينيه دون ان يبصر من غيرهما من سائر أعضائه اعلم ان الإدراك غير الرؤية لان الإدراك هو الوقوف على كنه الشيء والإحاطة به والرؤية المعاينة وقد تكون الرؤية بلا ادراك لانه يصح ان يقال رآه وما أدركه فالادراك أخص من الرؤية ونفى الأخص لا يستلزم نفى الأعم فالله يجوز ان يرى من غير ادراك واحاطة كما يعرف فى الدنيا ولا يحاط به يعنى ان معرفة الله تعالى ممكنة من حيث الارتباط بينه وبين الخلق وانتشاء العالم منه بقدر الطاقة البشرية إذ منه مالا تفيه الطاقة البشرية وهو ما وقع به الكمل فى ورطة الحيرة وأقروا بالعجز عن حق المعرفة وقالوا ما عرفناك حق معرفتك فذات الله تعالى من حيث تجرده عن النسب والإضافات لايدرك ولهذا سئل النبي عليه السلام هل رأيت ربك قال (نورانى أراه) اى النور المجرد لا يمكن رؤيته وكذا أشار الحق فى كتابه لما ذكر ظهور نوره فى مراتب المظاهر قال الله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فلما فرغ من ذكر مراتب التمثيل قال نُورٌ عَلى نُورٍ فاحد النورين هو الضياء

ص: 77

والآخر هو النور المطلق الأصلي ولهذا تمم فقال يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ اى يهدى الله بنوره المتعين فى المظاهر والساري فيها الى نوره المطلق الاحدى فانما تتعذر الرؤية والإدراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والإضافات فاما فى المظاهر ومن ورائية حجابية المراتب فالادراك ممكن كما قيل

كالشمس تمنعك اجتلاءك وجهها

فاذا اكتست برقيق غيم أمكنا

والى مثل هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم فى بيان الرؤية الجنانية المشبهة برؤية الشمس والقمر فاخبر عن اهل الجنة انهم يرون ربهم وانه ليس بينه وبينهم حجاب الا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن فنبه صلى الله عليه وسلم على بقاء الرتبة الحجابية وهى رتبة المظهر وتحقيقه ان اهل الاعتزال بالغوا فى نفى الرؤية واستدلوا على مذهبهم بما ورد فى الصحيحين

عن ابى موسى (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه) قالوا ان الرداء حجاب بين المرتدي والناظرين فلا تمكن الرؤية وجوابهم انهم حجبوا وان المرتدي لا يحتجب عن الحجاب إذ المراد بالوجه الذات وبرداء الكبرياء هو العبد الكامل المخلوق على الصورة الجامعة للحقائق الامكانية والالهية والرداء هو الكبرياء وإضافته للبيان والكبرياء رداؤه الذي يلبسه عقول العلماء بالله يقول الفقير فى شرح هذا المقام قوله ولكنهم حجبوا إلخ وذلك لان المرآة لا تكون حجابا للناظر كما ان اللباس كذلك بالنسبة الى البدن نفسه إذ لا واسطة بينهما فالرداء من المرتدي بمنزلة المرآة من النظر وكذا المرتدي من الرداء بمنزلة الناظر من المرآة إذ المراد بالوجه الذات بطريق اطلاق اسم الجزء على الكل فالمرتدى وهو الذات لا يحتجب عن حجابه وانما يحتجب به عن الغير كالقناع للعروس فانه كشف بالاضافة إليها وحجاب بالنسبة الى غيرها وبرداء الكبرياء إلخ الحقيقة المحمدية التي هى حقيقة الحقائق ولكل موجود حصة من تلك الحقيقة بقدر قابليته لكنها فى نفسها حقيقة واحدة وهو الوجود العام الشامل كالحيوان الناطق فانه معنى واحد عام شامل لجميع الافراد وكثرته بالنسبة الى تلك الافراد لا تنافى وحدته الحقيقة فمعنى قوله عليه السلام وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه حقيقة كل منهما التي تجلى الذات فيها بحسب صفاء مرآتها ومعرفتها وتلك الحقيقة ليست بحجاب بين القوم وبين الذات الاحدية إذ ما وراء تلك الحقيقة مع قطع النظر عن التجلي فيها وكونها مرآة له اطلاق صرف لا يتعلق به رؤية رداء أيا كان فكل ناظر ينكشف له جمال الذات من حقيقة نفسه فينظر اليه من تلك الحقيقة وهى ليست بحجاب للنظر ولا للذات إذ هى كالمرآة فالنظر الظاهري قيد تام وما وراء تلك الحقيقة من الذات اطلاق صرف فلا مناسبة بينهما بوجه من الوجوه وتلك الحقيقة بين التقييد والإطلاق برزخ جامع لهما كما قال عليه السلام (من عرف نفسه فقد عرف ربه) فالعارف إذ لم يتعلق عرفانه بنفسه الكلية وحقيقته الجامعة لا يتأتى منه عرفان ربه لان ربه مطلق عن القيود والنسب والإضافات وهو بهذا الاعتبار لا تتعلق به المعرفة واما نفسه المتجلى فيها الرب بحقائق أسمائه فتتعلق بها تلك الرؤية من تلك الحيثية فتكون حقيقة نفسه ومعرفتها مرآة معرفة ربه فلا حجاب بين المرتدي وردائه

ص: 78

أصلا وانما غلط من غلط بقياس الغائب على الشاهد وهو ممنوع باطل لانه لا يلزم ان يكون هناك رداء مانع وبرزخ بين الناظر والمرتدي ولذا قال الكبرياء رداؤه الذي يلبسه عقول العلماء بالله فالتردد فى ان الرداء حجاب بين المرتدي والناظرين فلا يمكن الرؤية انما هو من عمى البصيرة والعياذ بالله وهو فى ثلاثة أشياء إرسال الجوارح فى معاصى الله والتصنع بطاعة الله والطمع فى خلق الله فالحق ليس بمحجوب عنك لثبوت احاطته وانما المحجوب أنت عن النظر اليه بما تراكم على بصيرتك من العيوب العارضة وما يلازم بصرك من العيب اللازم الذي هو الفناء الحسى الذي لا يرتفع الا فى الدار الآخرة فلذلك كانت الرؤية موقوفة عليها والا فالحجاب فى حقه تعالى ممتنع غير متصور فلا تكن ممن يطلب الله لنفسه ولا يطالب نفسه لربه فذلك حال الجاهلين وقال بعض المفسرين ان الإدراك إذا قرن بالبصر كان المراد منه الرؤية فانه يقال أدركت ببصرى ورأيت ببصرى بمعنى واحد فمعنى قوله لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ اى لا تراه فى الدنيا فهو مخصوص برؤية المؤمنين له فى الآخرة لقوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ وحديث الشيخين (انكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر) والمراد تشبيه الرؤية بالرؤية فى الجلاء والوضوح لا تشبيه المرئي بالمرئي اى فى الجهة وانما يرونه فى الآخرة لانها قلب الدنيا فالبصيرة هناك كالبصر فى الدنيا فيكون البصر الظاهر فى الدنيا باطنا فى الآخرة والبصيرة الباطنة ظاهرة فيستعد الكل للرؤية بحسب حاله واما فى الدنيا فالرؤية غاية الكرامة فيها وغاية الكرامة فيها لأكرم الخلق وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود الذي شاهد ربه ليلة المعراج بعيني رأسه يعنى رآه بالسر والروح فى صورة الجسم فكان كل وجوده

الشريف عينا لانه تجاوز فى تلك الليلة عن عالم العناصر ثم عن عالم الطبيعة ثم عن عالم الأرواح حتى وصل الى عالم الأمر وعين الرأس من عالم الأجسام فانسلخ عن الكل ورأى ربه بالكل فافهم هداك الله الى خير السبل فان العبارة هاهنا لاتسع غير هذا قال فى التأويلات النجمية لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ اى لا تلحقه المحدثات لا الابصار الظاهرة ولا الابصار الباطنة تقدست صمديته عن كل لحوق ودرك ينسب الى مخلوق ومحدث بل وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ بالتجلى لها فيفنى المحدثات فيكون هو بصره الذي يبصر به فاستوت عند التجلي الابصار الظاهرة والباطنة فى الرؤية بنور الربوبية وَهُوَ اللَّطِيفُ من ان يدركه المحدثات او يلحقه المخلوقات الْخَبِيرُ بمن يستحق ان يتجلى له الحق ويدرك ابصارها باطلاعه عليها فيستعدها للرؤية ومن لطف الله انه أوجد الموجودات وكون المكونات فضلا منه وكرما من غير ان يكون استحقاقها للوجود انتهى ولو رآه انسان فى الموطن الدنيوي لوجب عليه شكره ولو شكره لاستحق الزيادة ولا مزيد على الرؤية ولذلك حرمها وهذا هو المعنى فى قوله عليه السلام (لن تروا ربكم حتى تموتوا) قال ابن عطاء إتمام النعيم بالنظر الى وجه الله الكريم على الوجه اللائق بجلاله فى الدار الآخرة حسبما جاء الوعد الصدق بذلك كما فى الدنيا إذ غالب النصوص يقتضى منع ذلك بل يكاد يقع الإجماع على نفى وقوع ذلك ومنعه شرعا وان جاز عقلا انتهى واما الرؤية فى المنام فقد

ص: 79

حكيت عن كثير من السلف كأبى حنيفة وعن ابى يزيد رحمه الله رأيت ربى فى المنام فقلت له كيف الطريق إليك فقال اترك نفسك ثم تعال وروى عن حمزة القارئ انه قرأ على الله القرآن من اوله الى آخره فى المنام حتى إذا بلغ الى قوله وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ قال الله تعالى يا حمزة وأنت القاهر ولاخفاء فى ان الرؤية فى المنام نوع مشاهدة يكون بالقلب دون العين وفى الحديث (رأيت ربى فى المنام فى صورة شاب امرد) وسر تجليه فى صورة الانسانية بصفة الربوبية ان الحقيقة الانسانية اجمع الحقائق فانه تعالى لما استخلف الإنسان وجعله خاتما على خزائن الدنيا والآخرة ظهر جميع ما فى الصورة الإلهية من الأسماء فى النشأة الانسانية الجامعة بين النشأة العنصرية والروحانية واليه يشير قوله عليه السلام (ان الله خلق آدم على صورته) واطلاق الصورة على الحق مجاز باعتبار اهل الظاهر إذ لا تستعمل فى الحقيقة الا فى المحسوسات ففى المعقولات مجاز واما عند المحققين فحقيقة لان العالم الكبير باسره صورة الحضرة الالهية ومظاهر أسمائها بحضراتها تفصيلا واجمالا والإنسان الكامل صورته جمعا فان قلت ألرؤية أقوى انواع الإدراك أم العلم قلت قد قيل بالأول ولهذا يتلذذ المؤمنون برؤية الله تعالى فوق ما يتلذذون بمعرفته قال الامام فى الاحياء ان الرؤية نوع كشف وعلم الا انها أوضح وأتم من العلم فاذا جاز تعلق العلم به ليس فى جهة جاز تعلق الرؤية من غير جهة وكما جاز ان يعلم من غير كيفية وصورة جاز ان يرى كذلك من غير كيفية وصورة قال بعضهم الرؤية أعلى من المعرفة لان العارفين مشتاقون الى منازل الوصال والواصلون لا يشتاقون الى منازل المعرفة وقال بعضهم المعرفة ألطف والرؤية اشرف قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره وصلة العلماء على قدر علمهم واستدلالهم ووصلة الكمل على قدر مشاهدتهم وعيانهم لكن لا على وجه مشاهدة سائر الأشياء فانه تعالى منزه عن الكيف والأين بل هى عبارة عن ظهورة وانكشاف الوجود الحقيقي عند اضمحلال وجود الرائي وفنائه انتهى أقول فظهر من هذا ان من فنى عن ذاته وصفاته وأفعاله واضمحل عن بشريته وهويته فجائز ان يرى الله تعالى فى الدنيا بالبصيرة بعد الانسلاخ التام

چون تجلى كرد أوصاف قديم

پس بسوزد وصف حادث را كليم

وذلك كالشمس فى الجلاء لا يكابر فيه أحد أصلا لان القلب من عالم الملكوت والبصيرة كالبصر له وعالم الملكوت مطلق عن قيود الأمور الوهمية التي هى الزمان والمكان والجهة والكيفية وغيرها لانها من احكام عالم الملك فاين هذا من ذاك ولا يقاس أحدهما على الآخر وحقيقة ذوق هذا المطلب الا على لا تعرف الا بالسلوك: قال الحافظ

شكر كمال حلاوت پس از رياضت يافت

نخست در شكن ننك از ان مكان كيرد

ثم اللطيف

من يعلم دقائق المصالح وغوامضها وما دق منها وما لطف ثم يسلك فى إيصالها الى المستصلح سبيل الرفق دون العنف وإذا اجتمع الرفق فى الفعل واللطف فى الإدراك تم معنى اللطيف ولا يتصور كمال ذلك فى العلم والفعل الا لله تعالى وحظ العبد من هذا الوصف الرفق بعباد الله تعالى والتلطف بهم فى الدعوة الى الله تعالى والهداية الى سعادة الآخرة

ص: 80

من غير إزراء وعنف ومن غير تعصب وخصام واحسن وجوه اللطف فيه الجذب الى قبول الحق بالشمائل والسير المرضية والأعمال الصالحة فانها أوقع وألطف من الألفاظ المزينة قال الشيخ الأكبر قدس سره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتمونى أصلي) ولم يقل صلوا كما قلت لكم لان الفعل أرجح فى نفس التابع المقتدى من القول كما قيل

وإذا المقال مع الفعال وزنته

رجح الفعال وخف كل مقال

انتهى: وفى المثنوى

بند فعلى خلق را جذاب تر

كه رسد در جان هر با كوش كر

والخبير هو الذي لا تعزب عنه الاخبار الباطنة ولا يجرى فى الملك والملكوت شىء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن الا ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم لكن العلم إذا أضيف الى الخفايا الباطنة سمى خبرة وسمى صاحبه خبيرا وحظ العبد من ذلك ان يكون خبيرا بما يجرى فى عالمه وعالمه قلبه وبدنه والحفايا التي يتصف القلب بها من الغش والخيانة والطواف حول العاجلة وإضمار الشر واظهار الخير والتجمل بإظهار الإخلاص والإفلاس عنه لا يعرفها الا ذو خبرة بالغة قد خبر نفسه ومارسها وعرف مكرها وتلبيسها وخدعها فحادبها وتشمر لمعاداتها وأخذ الحذر منها فذلك من العباد جدير بان يسمى خبيرا قَدْ جاءَكُمْ اى قل يا محمد للناس وخصوصا لاهل مكة قد جاءكم بَصائِرُ كائنة مِنْ رَبِّكُمْ اى دلائل التوحيد وحقية النبوة ودلائل البعث والحساب والجزاء وغير ذلك. والبصائر جمع بصيرة وهى نور تبصر به النفس كما ان البصر نور تبصر به العين فاستعير لفظ البصيرة من القوة المودعة فى القلب لادراك المعقولات للحجة البينة لكون كل واحدة منهما سبب الإدراك فَمَنْ أَبْصَرَ اى الحق بتلك البصائر وآمن به فَلِنَفْسِهِ ابصر لان نفعه لها وَمَنْ عَمِيَ اى لم يبصر الحق بعد ما ظهر له بتلك ظهورا بينا وضل عنه وانما عبر بالعمى عنه تقبيحا له وتنفيرا عنه فَعَلَيْها وباله والاشارة ان الله تعالى اعطى لكل عبد بصيرة لقلبه يبصر بها الحقائق المودعة فى الغيوب والكمالات المعدة لأرباب القلوب كما اعطى بصرا لقالبه يبصر به الأعيان فى الشهادة وما أعد لهم فيها من المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح فمن نظر ببصر البصيرة الى المراتب العلوية الاخروية الباقية وابصر كمالات القرب وما أعد الله مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيشتغل بتحصيله ويقبل على الله بسلوك سبيله ويعرض عن الدنيا الدنية ويترك زينتها وشهواتها الفانية فذلك تحصيل سعادة وكرامة لنفسه فان الله غنى عن العالمين ومن عمى عن النظر بالبصيرة وغير هذه الكمالات لما ابصر ببصر القالب الى الدنيا وزينتها واستلذ بشهواتها واستحلى مراتعها الحيوانية فعميت بصيرته فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي فى الصدور فذلك تحصيل شقاوة وخسارة على نفسه كذا فى التأويلات النجمية وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ وانما انا منذر ومبلغ والله هو الحفيظ عليكم يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ اى ومثل هذا التصريف البديع نصرف الآيات

ص: 81

الدالة على المعاني الرائقة الكاشفة عن المعاني الفائقة ولا تصرف ادنى منه من الصرف وهو نقل الشيء من حال الى حال وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ علة لمحذوف واللام للعاقبة والدرس القراءة والتعلم اى وليقولوا فى عاقبة أمرهم درست صرفنا اى قرأت وتعلمت من غيرك نحو سيار وجبير كانا عبدين لقريش من سبى الروم كان قريش يقولون له عليه السلام انك تتعلم هذه الاخبار منهما ثم تقرأ علينا على زعم انها من عند الله وَلِنُبَيِّنَهُ عطف على ليقولوا واللام على الأصل اى التعليل لان التبين مقصود التصريف والضمير للآيات باعتبار القرآن لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وتخصيص التبيين بهم لما انهم المنتفعون به اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ اى دم يا محمد على ما أنت عليه من اتباع القرآن الذي عمدة أحكامه التوحيد وان قدحوا فى تصريف آياته لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لا شريك له أصلا وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ولا تبال بأقوالهم ولا تلتفت الى آرائهم فانه لا يجوز الفتور فى تبليغ الدعوة والرسالة بسبب جهل الجاهلين

بكوى آنچهـ دانى سخن سودمند

وكر هيچ كس را نيايد پسند

كه فردا پشيمان بر آرد خروش

كه آوخ چرا حق نكردم بكوش

وَلَوْ شاءَ اللَّهُ توحيدهم وعدم اشراكهم ما أَشْرَكُوا وهو دليل على انه تعالى لا يريد ايمان الكافر لكن لا بمعنى انه تعالى يمنعه عنه مع توجهه اليه بل بمعنى انه تعالى لا يريده منه لعدم صرف اختياره الجزئى نحو الايمان وإصراره على الكفر وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ متعلق بما بعده وكذا عليهم الآتي حَفِيظاً رقيبا مهيمنا من قبلنا تحفظ عليهم أعمالهم وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ من جهتهم تقوم بامورهم وتدبر مصالحهم قال الحدادي وانما جمع بين حفيظ ووكيل لاختلاف معناهما. فان الحافظ للشىء هو الذي يصونه عما يضره. والوكيل بالشيء هو الذي يجلب الخير اليه فقد ظهر ان عدم قبول الحق من الشقاوة الاصلية ولذا لم يشأ الله سعادتهم وهدايتهم. وعلامة الشقاوة جمود العين وقساوة القلب وحب الدنيا وطول الأمل. وعلامة السعادة حب الصالحين والدنو منهم وتلاوة القرآن وسهر الليل ومجالسة العلماء ورقة القلب وعن ابراهيم المهلب السائح رحمه الله قال بينا انا أطوف إذا بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهى تقول بحبك لى ألا رددت علىّ قلبى فقلت يا جارية من اين تعلمين انه يحبك قالت بالعناية القديمة جيش فى طلبى الجيوش وأنفق الأموال حتى أخرجني من بلاد الشرك وأدخلني فى بلاد التوحيد وعرفنى نفسى بعد جهلى إياها فهل هذا يا ابراهيم الا لعناية او محبة: قال الحافظ

چون حسن عاقبت نه برندى وزاهديست

آن به كه كار خود بعنايت رها كنند

والواجب على العبد ان يسارع الى الأعمال الصالحة فانها من علامات السعادة والتأخير وطول الأمل من علامات الشقاوة- حكى- ان بعض العباد كان يسأل الله تعالى ان يريه إبليس فقيل له اسأل الله العافية فابى الا ذلك فاظهره الله تعالى له فلما رآه العابد قصده بالضرب فقال له إبليس لولا انك تعيش مائة سنة لاهلكتك ولعاقبتك فاغتر بقوله فقال فى نفسه ان عمرى بعيد فافعل ما أريد ثم أتوب فوقع فى الفسق وترك العبادة وهلك وهذه الحكاية تحذرك طول الأمل فانه آفة عظيمة: قال الصائب

ص: 82

در سر اين غافلان طول امل دانى كه چيست

آشيان كردست مارى در كبوتر خانه

واعلم انه ما على الرسول عليه السلام الا التبليغ ودلالة كل قوم الى ما خلق له. فيدعو العوام الى التوحيد. والخواص الى الوحدانية. وخواص الخواص الى الوحدة وكذا حال الولي الوارث لكن الوصول الى هذه المقامات انما يكون بهداية الله ومشيئته فليس فى وسع المرشد ان يوصل كل من أراد الى ما اراده فيبقى من يبقى فى الاثنينية ويصل من يصل الى عالم الوحدة والسبب الموصل هو التوحيد فكما ان الكافر لا يكون مؤمنا الا بكلمة التوحيد فكذا المؤمن لا يكون مخلصا الا بتكرارها لان الشرك مطلقا جليا كان او خفيا لا يزول الا بالتوحيد مطلقا فالمؤمن الناقص كما انه لا يلتفت الى المشرك بالشرك الجلى وحاله كذلك المؤمن الكامل لا ينظر الى جانب المشرك بالشرك الخفي ولذا قال تعالى لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ لكن الاعراض من حيث الحقيقة لا ينافى الإقبال من حيث الظاهر لاجل الدعوة حتى يلزم الحجة ويحصل الافحام وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ فالسلام على من اتبع الهدى والملام على من اتبع الهوى: قال الحافظ

چهـ شكرهاست درين شهر كه قانع شده اند

شاهبازان طريقت بمقام مكسى

وَلا تَسُبُّوا اى لا تشتموا ايها المؤمنون الَّذِينَ اى الأصنام يَدْعُونَ اى يدعونها آلهة ويعبدونها مِنْ دُونِ اللَّهِ اى متجاوزين عبادة الله تعالى والمراد بالداعين كفار مكة وقال المولى ابو السعود رحمه الله اى لا تشتموهم من حيث عبادتهم لآلهتهم كأن تقولوا تبا لكم ولما تعبدونه مثلا فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً اى تجاوزا عن الحق الى الباطل بان يقولوا لكم مثل قولكم لهم وهو منصوب على المصدر لكونه نوعا من عامله لان السبب من جنس العدو او على انه مفعول له اى لاجل العدو بِغَيْرِ عِلْمٍ حال اى يسبونه غير عالمين بالله تعالى وبما يجب ان يذكر به اى مصاحبين للجهل لانهم لو قدروا الله حق قدره لما اقدموا عليه فان قلت انهم كانوا مقرين بالله وعظمته وان الأصنام انما تعبد ليكونوا شفعاء عند الله فكيف يسبونه قلت انهم لا يفعلون ذلك صريحا لكن ربما يفضى فعلهم الى ذلك وايضا ان الغيظ والغضب انما يحمل الإنسان على التكلم بما ينافى العقل ألا يرى ان المسلم قد يتكلم لشدة غضبه بما يؤدى الى الكفر والعياذ بالله وفى الآية دليل على ان الطاعة إذا أدت الى معصية راجحة وجب تركها فان ما يؤدى الى الشرشر ألا يرى ان سب الأصنام وطعنها من اصول الطاعات وقد نهى الله تعالى عنه لكونه مؤديا الى معصية عظيمة وهى شتم الله وشتم رسوله وفتح باب السفاهة قال الحدادي وفى هذا دليل على ان الإنسان إذا أراد ان يأمر غيره بالمعروف ويعلم ان المأمور يقع بذلك فى أشد مما هو فيه من شتم او ضرب او قتل كان الاولى ان لا يأمره ويتركه على ما هو فيه: قال السعدي قدس سره

مجال سخن تا نيابى مكوى

چوميدان نبينى نكهدار كوى

كَذلِكَ اى مثل ذلك التزيين القوى وهو تزيين المشركين سب الله تعالى وعبادة الأوثان

ص: 83

زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ من الخير والشر والطاعة والمعصية باحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقا او تخذيلا ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مالك أمرهم مَرْجِعُهُمْ اى رجوعهم بالبعث بعد الموت فَيُنَبِّئُهُمْ [پس خبر دهد ايشانرا] من غير تأخير بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فى الدنيا على الاستمرار من السيئات المزينة لهم وهو وعيد بالجزاء والعذاب كقول الرجل لمن يتوعده سأخبرك بما فعلت وفيه نكتة وهى ان كل ما بظهر فى هذه النشأة من الأعيان والاعراض فانما يظهر بصورة مستعارة مخالفة لصورته الحقيقية التي بها يظهر فى النشأة الآخرة فان المعاصي سموم قاتلة قد برزت فى الدنيا بصورة يستحسنها نفوس العصاة كما نطقت به هذه الآية الكريمة وكذا الطاعات فانها مع كونها احسن الاحاسن قد ظهرت عندهم بصورة مكروهة ولذلك قال عليه السلام (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) فاعمال الكفرة قد برزت لهم فى هذه النشأة بصورة مزينة يستحسنها الطغاة وستظهر فى النشأة الآخرة بصورتها الحقيقية المنكرة الهائلة فعند ذلك يعرفون ان أعمالهم ماذا فعبر عن إظهارها بصورها الحقيقية بالأخبار بها لما ان كلامنهما سبب للعلم بحقيقتها كما هى كذا فى تفسير الإرشاد ويظهر صور الأعمال القبيحة لاهل السلوك فى البرزخ الدنيوي فيجتهدون فى تبديلها- حكى- عن

الشيخ ابى بكر الضرير رحمه الله قال كان فى جوارى شاب حسن الوجه يصوم النهار ولا يفطر ويقوم الليل ولا ينام فجاءنى يوما وقال يا أستاذ انى نمت عن وردى الليلة فرأيت كأن محرابى قد انشق وكأنى بجوار قد خرجن من المحراب لم ار احسن وجها منهن وإذا فيهن واحدة شوهاء لم ار أقبح منها منظرا فقلت لمن أنتن ولمن هذه فقلن نحن لياليك التي مضين وهذه ليلة نومك فلو مت فى ليلتك هذه لكانت هذه حظك ثم انشأت الشوهاء تقول

اسأل لمولاك وارددني الى حالى

فانت قبحتنى من بين اشكالى

وقد أردت بخير إذ وعظت بنا

ابشر فانت من المولى على حال

قالت جارية من الحسان

نحن الليالى اللواتى كنت تسهرها

تتلو القرآن بترجيع ورنات

وقد قال بعض الكبار انكشاف عيب النفس خير من انكشاف الملكوت إذا المقصود إصلاح الطبيعة والنفس والاكل والشرب والمنام من الصفات البهيمية التي هى مقتضى الطبيعة وفى التأويلات النجمية زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ من المقبولين اعمال اهل القبول ومن المردودين اعمال اهل الرد ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ اى باقدام تلك الأعمال كلا الفريقين يذهبون الى ربهم فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ اما اهل القبول فيسلكون على أقدام الأعمال الصالحة طريق اللطف فينبئهم بالفضل والإحسان انهم كانوا يحسنون واما اهل الرد فيقطعون على أقدام المخالفات فى بوادي القهر والهلكات فينبئهم بالعدل والخسران انهم كانوا يسيئون انتهى وفى المثنوى

جمله دانند هين اگر تو نكروى

هر چهـ مى كاريش روزى بدروى

وعن بعض الصالحين قال كانت فى جانبى عجوز قد أضنتها العبادة فسألتها ان ترفق بنفسها

ص: 84

فقالت يا شيخ أما علمت ان رفقى بنفسي غيبنى عن باب المولى ومن غاب عنه مشتغلا بالدنيا عرض نفسه للمحن والبلوى وما قدر عملى إذا اجتهدت فكيف إذا قصرت ثم قالت وا سوأتاه من حسرة السباق وفجعة الفراق. فاما حسرة السباق فاذا قام القائمون من قبورهم وركب الأبرار نجائب الأنوار وساروا الى قصر من العز والجلال ورفعت لهم منازل المحبين وقدمت بين أيديهم نجائب المقربين وبقي المسبوق فى جملة المحزونين فعند ذلك ينقطع فؤاده حسرة وتأسفا ويذوب ندامة وتلهفا. واما فجعة الفراق فعند تمييز الناس والافتراق وذلك ان الله سبحانه إذا جمع الخلق فى صعيد واحد امر ملكا فنادى ايها المجرمون امتازوا ان المتقين قد فازوا وهو قوله تعالى وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ فيتميز الرجل من زوجته والولد من والدته والحبيب من حبيبه هذا يحمل مبجلا الى رياض النعيم وهذا يساق مسلسلا مغلغلا الى عذاب الجحيم وقد طال منهم التلفت والوداع ودموعهم تجرى كالانهار بفجعة الفراق وانشدوا بالبين والفراق

لو كنت ساعة بيننا ما بيننا

ورأيت كيف نكرر التوديعا

لعلمت ان من الدموع لأبحرا

تجرى وعاينت الدماء دموعا

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ- روى- ان قريشا قالوا يا محمد انك تخبرنا ان موسى عليه السلام كانت معه عصا فيضرب بها الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا وتخبرنا ان عيسى عليه السلام كان يحيى الموتى وان صالحا عليه السلام اخرج الناقة من الجبل فائتنا أنت ايضا بآية بينة فان فعلت ذلك لنصدقنك ونؤمنن لك وحلفوا على ذلك وبالغوا فى تأكيد الحلف فقال عليه السلام (أي شىء تحبون) قالوا تجعل لنا الصفا ذهبا او ابعث لنا بعض موتانا حتى نسأله عنك أحق ما تقول أم باطل او أرنا الملائكة يشهدون لك فقال عليه السلام (فان فعلت بعض ما تقولون تصدقوننى) قالوا نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين وسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينزلها عليهم حتى يؤمنوا فهم عليه السلام بالدعاء فجاء جبريل عليه السلام فقال ان شئت كان ذلك ولئن كان فلم يصدقوا عنده ليعذبنهم بعذاب الاستئصال ولئن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم فانزل الله تعالى هذه الآية اى حلف كفار قريش بالله تعالى جَهْدَ أَيْمانِهِمْ مصدر فى موقع الحال اى جاهدين فى ايمانهم وجهد الايمان أغلظها وأشدها لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ من مقترحاتهم لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ لهم إِنَّمَا الْآياتُ كلها عِنْدَ اللَّهِ اى هو قادر عليها يظهر منها ما يشاء وليس شىء منها بقدرتي وإرادتي وانما انا نذير ثم بين تعالى الحكمة فى عدم مجىء الآيات فقال مخاطبا للمسلمين وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ اى أي شىء يعلمكم ان الآية التي يقترحونها إذا جاءت لا يؤمنون بل يبقون على ما كانوا عليه من الكفر والعناد اى لا تعلمون ذلك فتتمنون مجيئها طمعا فى ايمانهم فانكر السبب اى الاشعار مبالغة فى نفى المسبب اى الشعور وفيه بيان ان ايمانهم فاجرة وانه لا يغنى وضوح الادلة لمن لم يساعده سوابق الرحمة وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ عطف على لا يؤمنون اى وما يشعركم انا حينئذ نحول قلوبهم عن الحق فلا يفهمون وَأَبْصارَهُمْ عن اجتلائه فلا يبصرونه

ص: 85

فلا يؤمنون بها كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ اى بما جاء من الآيات أَوَّلَ مَرَّةٍ من انشقاق القمر ونحوه وَنَذَرُهُمْ اى ندعهم عطف على لا يؤمنون داخل فى حكم الاستفهام الإنكاري فِي طُغْيانِهِمْ ضلالهم متعلق بنذرهم يَعْمَهُونَ اى متحيرين لا نهديهم هداية المؤمنين فهو حال من الضمير المنصوب فى نذرهم ووجه هذا التقليب والترك فساد استعدادهم واعراضهم عن الحق بالكلية فان الله تعالى لا يفعل بهم ذلك مع توجههم الى الحق واستعدادهم لقبوله فانه إجبار محض فان كان مقهورا مطبوعا على قلبه فليعلم ان ذلك لعدم تأثير اللطف فيه أصلا فلله الحجة البالغة ومن الله الهداية والتوفيق: تم الجزء السابع فى أوائل شهر ربيع الآخر من سنة الف ومائة الجزء الثامن من الاجزاء الثلاثين وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ تفصيل ما ذكر على الإجمال بقوله وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ اى ولو اننا نزلنا إليهم الملائكة كما سألوه بقولهم لو انزل علينا الملائكة فنراهم عيانا وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وشهدوا بحقية الايمان بعد ان احييناهم حسبما اقترحوه بقولهم فائت بآية قال صاحب التيسير وأحيينا لهم كل الموتى فكلموهم بان شهدوا لك وان كانوا سألوا منك احياء اثنين من موتاهم قصى بن كلاب وجدعان بن عمرو وكانا كبيرين منهم وصدوقين حيث قالوا لئن أحييتهما فشهدا لك بالنبوة لشهدنا نحن ايضا وَحَشَرْنا اى جمعنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا جمع قبيل بمعنى كفيل وانتصابه على الحالية من المفعول اى كفلاء بصحة الأمر وصدق النبي عليه السلام او جمع قبيل الذي هو جمع قبيلة بمعنى جماعات اى وحشرنا كل شىء نوعا نوعا وفوجا فوجا من سائر المخلوقات وفى التيسير اى وبعثنا كل حيوان من الفيل الى البعوض اى أقمنا القيامة ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا فى حال من الأحوال الداعية الى الايمان إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ اى الا فى حال مشيئة الله لايمانهم وهيهات ذلك وحالهم حالهم من التمادي فى العصيان والغلو فى التمرد والطغيان وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ اى ولكن اكثر المؤمنين يجهلون عدم ايمانهم عند مجيىء الآيات لجهلهم عدم مشيئة الله تعالى لايمانهم فيتمنون مجيئها طمعا فيما لا يكون فالجملة مقررة لمضمون قوله تعالى وَما يُشْعِرُكُمْ الآية واعلم ان الآية وان عظمت لا تضطر الى الايمان ان لم يشأ الله تعالى فانه لا آية أعظم من قيام الساعة والله تعالى يقول وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وجملة الأمر ان المشيئة تغير السجية وعدمها من فساد الاستعداد فلذا بقي اهل الضلال فى يد القهر والجلال: قال السعدي

ز وحشي نيايد كه مردم شود

بسعى اندر او تربيت كم شود

توان پاك كردن ز ژنك آيينه

ولكن نيايد ز سنك آيينه

ص: 86

وقال الحافظ

كر جان بدهد سنك سيه لعل نكردد

با طينت أصلي چهـ كند بد كهر افتاد

واما قول المولوى قدس سره فى المثنوى

كر تو سنك خاره ومرمر شوى

چون بصاحب دل رسى كوهر شوى

فاشارة الى المستبعد بحكم الأصل فان التربية تنفع فيه فجميع المعجزات من الأنبياء والكرامات من الأولياء علمية كانت او كونية تربية لمن فى زمانهم فمن حسن استعداده مال واهتدى ومن فسد اعرض وضل وترى كثيرا من المغرورين المشغولين باحكام طبائعهم الخبيثة ونفوسهم المتمردة يقولون كالطلبة لو انا صادفنا المرشد الكامل ورأينا منه العلامة واضحة لكنا أول من يسلك بطريقتهم ويتمسك بأذيال حقيقتهم فقل لهم ان الشمس شمس وان لم يرها الضرير والعسل عسل وان لم يجد طعمه الممرور والطالب المستعد لا يقع فى الامنية ولا يضيع نقد عمره بخسارة بل يجتهد كل حين بما أمكن له من الطاعات ويكون فى طريق الطلب فان ما لا يدرك كله لا يترك قله: قال فى المثنوى

كر كران وكر شتابنده بود

عاقبت جوينده يابنده بود

ثم هذا الاستعداد وانشرح الصدر فى طريق الحق نور من الله تعالى يقذفه فى قلب أي عبد شاء وليس بحداثة السن ولا بالشيخوخة وكم رأيت وسمعت من غلبه الحال فى عنفوان عمره وعنوان امره وعن بعض الصالحين قال حججت سنة من السنين وكانت سنة كثيرة الحر والسموم فلما كان ذات يوم وقد توسطنا ارض الحجاز انقطعت عن الحاج وغفلت قليلا فلم أشعر ليلا الا وانا وحدي فى البرية فلاح لى شخص امامى فاسرعت اليه ولحقته وإذا به غلام امرد لا نبات بعارضيه كأنه القمر المنير والشمس الضاحية وعليه اثر الدلال والترف فقلت له السلام عليك يا غلام فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا ابراهيم فعجبت منه كل العجب ورابنى امره فلم أتمالك ان قلت له يا غلام سبحان الله من اين تعرفنى ولم ترنى قبلها فقال لى يا ابراهيم ما جهلت مذ عرفت ولا قطعت مذ وصلت فقلت ما الذي اوقعك فى هذه البرية فى مثل هذه السنة الكثيرة الحر والقيظ فاجابنى يا ابراهيم ما آنس بسواه ولا رافقت غيره وانا منقطع اليه بالكلية مقر له بالعبودية فقلت له من اين المأكول والمشروب فقال لى تكفل به المحبوب فقلت والله انى خائف عليك لاجل ما ذكرت لك فاجابنى ودموعه تتحدر على خديه كاللؤلؤ الرطب

فلو أجوع فذكر الله يشبعنى

ولا أكون بحمد الله عطشانا

وان ضعفت فوجد منه يحملنى

من الحجاز الى أقصى خراسانا

فقلت له بالله عليك يا غلام ألا ما أعلمتني حقيقة عمرك فقال اثنتا عشرة سنة ثم رجوته فدعا لى باللحوق الى أصحابي فلما وقفنا بعرفة ودخلنا الحرم إذا انا بالغلام وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يبكى ويناجى ثم وقع ساجدا ومات الى رحمة الله تعالى ثم رأيته فى المنام فقلت ما الذي فعل بك إلهك فقال أوقفني بين يديه وقال لى ما بغيتك فقلت الهى وسيدى أنت بغيتي فقال لى

ص: 87

أنت عبدى حقا ولك عندى ان لا احجب عنك ما تريد فقلت أريد ان تشفعنى فى القرن الذي انا فيه قال شفعتك فيه ثم انه صافحنى فاستيقظت بعد المصافحة فلم ار أحدا الا ويقول لى يا ابراهيم لقد از عجت الناس من طيب رائحة يدك قال بعض المحدثين ولم تزل رائحة الطيب تخرج من يد ابراهيم حتى قضى نحبه رحمه الله رحمة واسعة وَكَذلِكَ اى كما جعلنا لك عدوا كأبى جهل وغيره من كفار قريش جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ قبلك عَدُوًّا وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ان عداوتهم وما يبتنى عليها مما لا خير فيه من الأقاويل الكاذبة والأفاعيل الباطلة ليس مختصا به عليه السلام بل كما ابتلى هو وأمته بكيد الأعداء ابتلى جميع الأنبياء وأممهم شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ اى مردة الفريقين على ان الاضافة بمعنى من البيانية وهو بدل من عدوا. والشياطين جمع شيطان وهو يطلق على كل عات متمرد من الانس والجن والشيطان من الجن إذا اعياه المؤمن وعجز عن اغوائه ذهب الى متمرد من الانس فاغراه على المؤمن ليفتنه وعن مالك بن دينار انه قال شياطين الانس أشد علىّ من شياطين الجن وذلك انى ان تعوذت بالله من شياطين الجن ذهبت عنى وشياطين الانس تجيئنى فتجرنى الى المعاصي عيانا يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ كلام مستأنف مسوق لبيان احكام عداوتهم وتحقيق وجه الشبه بين المشبه والمشبه به. والوحى الكلام الخفي والقول السريع الذي يلقى سرا اى يلقى يوسوس شياطين الجن والانس او بعض الجن الى بعض وبعض الانس الى بعض زُخْرُفَ الْقَوْلِ اى المموه منه المزين ظاهره والباطل باطنه يقال فلان زخرف كلامه إذا زينه بالكذب والباطل غُرُوراً مفعول له ليوحى اى ليغرّوهم وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ عدم ما ذكر من العداوة والإيحاء ما فَعَلُوهُ اى ما ذكر فاعيد ضمير الواحد الى الاثنين باعتباره فَذَرْهُمْ اى إذا كان ما فعلوه فى حقك بمشيئته تعالى فاتركهم وَما يَفْتَرُونَ وافتراءهم اى كفرهم وسائر مكائدهم فان لهم فى ذلك عقوبات شديدة ولك عواقب حميدة لابتناء مشيئته تعالى على الحكم البالغة البتة وَلِتَصْغى إِلَيْهِ الى زخرف القول علة اخرى للايحاء معطوفة على غرورا وانما لم ينصب لفقد شرطه إذ الغرور فعل الموحى وإصغاء الافئدة فعل الموحى اليه اى يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول ليغروهم به ولتميل اليه أَفْئِدَةُ قلوب الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ واما المؤمنون بها فلا يتصور منهم الميل الى تلك المزخرفات لعلمهم ببطلانها ووخامة عاقبتها وَلِيَرْضَوْهُ لانفسهم بعد ما مالت اليه افئدتهم وَلِيَقْتَرِفُوا اى يكتسبوا بموجب ارتضائهم له ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ له من القبائح التي لا يليق ذكرها وهى ما قضى عليهم فى اللوح المحفوظ يقال اقترب فلان ذنبا إذا عمله ومالا إذا اكتسبه وفى الآية اشارة الى ان البلايا للسائرين الى الله هى المطايا وان أشد البلاء شماتة الأعداء فلما كانت رتبة الأنبياء أعلى كانت عداوة الكفار لهم اوفى وفى ذلك ترقيات لهم وتجليات: قال الحافظ

چهـ جورها كه كشيدند بلبلان از دى

ببوى آنكه دكر نو بهار باز آيد

والاشارة فى شطان الانس الى النفس الامارة بالسوء وهى أعدى الأعداء ولهذا قدم

ص: 88

ذكره على الجن هاهنا بخلاف المواضع الأخر وليعلم ان عداوة النفس واصحاب النفوس أشد وأصعب من عداوة شياطين الجن فان كيد الشيطان مع كيد الإنسان ضعيف وارباب القلوب لا يصغون الى زخارف اقوال اصحاب النفوس بل كلما تشتد عداوة الأعداء يقوى ايمان الأولياء

وفا كنيم وملامت كشيم وخوش باشيم

كه در طريقت ما كافريست رنجيدن

وانما يتسلط الشيطان على ابن آدم بفضول النظر والكلام والطعام وبمخالطة الناس ومن اختلط فقد استمع الى الا كاذيب وعن بعض الشيوخ ان الشيطان أشد بكاء على المؤمن إذا مات من بعض اهله لما فاته من افتتانه إياه فى الدنيا وإذا عرج بروح المؤمن الى السماء قالت الملائكة سبحان الذي نحبى هذا العبد من الشيطان يا ويحه كيف نجا فعلى المؤمن ان يحترز من وساوسه وحديث نفسه ايضا كيلا يفتضح عند الله وعند الناس فانه روى ان الوسواس الخناس يخبر بما وقع فى قلب ابن آدم وحدث به نفسه وان لم يخبره لغيره كما حكى ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه ذكر امرأة فى نفسه فجعل الناس يتحدثون

به فيما بينهم واعلم ان قرين المرء من الجن إذا اسلم سلم من شره ومن الجن قوم مؤمنون منتفعون بعلوم كل البشر محبون- حكى- عن ابراهيم الخواص قال حججت سنة من السنين فبينا انا امشى مع أصحابي إذا عارضنى عارض من سرى يقتضى الخلوة وخروجا عن الطريق الجادة فاخذت طريقا غير الطريق الذي عليه الناس فمشيت ثلاثة ايام بليالهن ما خطر على سرى ذكر طعام ولا شراب ولا حاجة فانتهيت الى برية خضراء فيها من كل الثمرات والرياحين ورأيت فى وسطها بحيرة فقلت كانها الجنة وبقيت متعجبا فبينا انا أتفكر إذا انا بنفر قد اقبلوا سيماهم سيما الآدميين عليهم المرقعات الحسان فخفوابى وسلموا علىّ فقلت وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فوقع فى خاطرى انهم من الجن فقال قائل منهم قد اختلفنا فى مسألة ونحن نفر من الجن قد سمعنا كلام الله تعالى من محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وسلبتنا نغمة كلامه جميع امور الدنيا وقد عين الله لنا هذه البحيرة فى هذه البرية قلت وكم بيننا وبين الموضع الذي تركت فيه أصحابي فتبسم بعضهم وقال يا أبا اسحق لله عز وجل عجائب واسرار الموضع الذي أنت فيه لم يحضره آدمي قبلك الا شاب من أصحابهم توفى هاهنا وذاك قبره أشار الى قبر على شفير البحيرة حوله روضة ورياحين لم ار مثلها قبل ثم قال بينك وبين القوم الذين فارقتهم مسيرة كذا وكذا شهرا او قال كذا وكذا سنة فقلت أخبروني عن الشاب فقال قائل منهم بينما نحن قعود على شفير البحيرة نتذاكر المحبة إذ بشخص قد اقبل إلينا وسلم علينا فرددنا عليه السلام فقلنا له من اين اقبل الشاب قال من مدينة نيسابور قلنا له ومتى خرجت منها قال منذ سبعة ايام قلنا له وما الذي از عجك على الخروج من وطنك قال سمعت قول الله تعالى وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ قلنا له ما معنى الانابة وما معنى الإسلام وما معنى العذاب فقال الانابة ان ترجع بك منك اليه والإسلام ان تسلم نفسك له وتعلم انه اولى بك منك والعذاب الفرقة ثم صاح صيحة عظيمة فمات فواريناه وهذا قبره رضى الله عنه قال ابراهيم فتعجبت مما وصفوا ثم دنوت من قبره وإذا عند

ص: 89

رأسه باقة نرجس كأنها رحى عظيمة وعلى قبره مكتوب هذا حبيب الله فتيل الغيرة وعلى ورقها مكتوب صفة الانابة فقرأت ما هو على النرجس مكتوب فسألونى ان أفسره لهم ففسرته فوقع فيهم الطرب فلما أفاقوا وسكنوا قالوا قد كفينا جواب مسألتنا قال ووقع علىّ النوم فما انتبهت الا وانا قريب من مسجد عائشة رضى الله عنها وإذا فى وعائى باقة ريحان فبقيت معى سنة كاملة لم تتغير فلما كان بعد فقدتها رضى الله عنه وعنهم وعن جميع الصالحين أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر وغير مفعول ابتغى وحكما حال وتقديم المفعول للايذان بان مدار الإنكار هو ابتغاء غيره حكما لا مطلق الابتغاء والحكم ابلغ من الحاكم وادل على الرسوخ لما انه لا يطلق الا على العادل وعلى من تكرر منه الحكم بخلاف الحاكم وفى الكلام ارادة القول وإضماره- روى- ان مشركى مكة قالوا يا محمد اجعل بيننا وبينك حكما من أحبار اليهود او من اساقفة النصارى يفصل بين المحق والمبطل فانهم قرأوا الكتب قبلك فانزل الله هذه الآية وقال قل يا محمد أأميل عن لحق فاطلب غير الله تعالى حال كون ذلك الغير قاضيا بينى وبينكم وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ الجملة حال من فاعل ابتغى اى والحال ان الله تعالى هو الذي انزل إليكم وأنتم امة امية لا تدرون ما تأتون وما تذرون القرآن الناطق بالحق والصواب مُفَصَّلًا اى مبينا فيه الحق والباطل والحلال والحرام وغير ذلك من الاحكام بحيث لم يبق فى امر الدين شىء من التخليط والإبهام فأى حاجة بعد ذلك الى الحكم وهذا كما ترى صريح فى ان القرآن الكريم كاف فى امر الدين مغن عن غيره بينانه وتفصيله وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ كلام مستأنف غير داخل تحت القول المقدر مبين ان الذين وثقوا بهم ورضوا بحكميتهم من علماء اهل الكتابين عالمون بحقية القرآن ونزوله من عند الله تعالى والمعنى وعلماء اليهود والنصارى الذين فهمناهم التوراة والإنجيل يعلمون ان ذلك الكتاب اى القرآن منزل من ربك حال كونه ملتبسا بِالْحَقِّ والصدق وهو بالفارسي [براستى ودرستى] وهو متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير المستكن فى منزل فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ اى من الشاكين فى انهم يعلمون بحقية القرآن لما لا تشاهد منهم آثار العلم واحكام المعرفة فالفاء لترتيب النهى على الاخبار بعلم اهل الكتاب بشأن القرآن وفى انه منزل من ربك بالحق فيكون من باب التوبيخ والالهاب اى الثبات على اليقين كقوله وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فالفاء لترتيب النهى على نفس علمهم بحال القرآن ثم انه تعالى لما بين كمال الكتاب المذكور من حيث إضافته اليه تعالى بكونه منزلا منه بالحق بين ايضا كماله من حيث ذاته فقال وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عبر عن الكتاب اى القرآن بالكلمة لانها الأصل فى الاتصاف بالصدق والعدل وبها يظهر الآثار من الحكم صِدْقاً وَعَدْلًا مصدران نصبا على الحال اى صادقة وعادلة ومعنى تمامها عبارة عن بلوغها الغاية فى كونها كافية فى بيان ما يحتاج اليه المكلفون الى يوم القيامة علما وعملا وفى كونها صدقا وعدلا والمعنى انها بلغت الغاية القاصية صدقا فى الاخبار والمواعيد كالخبر عن وجود ذات الله تعالى وصفاته الثبوتية والسلبية وكالخبر عن احكام الله تعالى فى الوعد والوعيد والثواب

ص: 90

والعقاب وكالخبر عن احوال المتقدمين وعن الغيوب المستقبلة وعدلا فى الاقضية والاحكام المتعلقة بالمكلفين من الجن والانس كالصلاة والصوم والزكاة والحج وسائر التكاليف الشرعية سواء كانت امرا او نهيا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ لا أحد يبدل شيأ من ذلك بما هو اصدق واعدل ولا بما هو مثله فكيف يتصور ابتغاء حكم غيره تعالى وَهُوَ السَّمِيعُ لكل ما يتعلق به السمع الْعَلِيمُ بكل ما يمكن ان يعلم فيدخل فى ذلك اقوال المتحاكمين وأحوالهم الظاهرة والباطنة دخولا أوليا ومحصول الآية ان القرآن حكم الله تعالى وحجته الغالبة بين الناس فلا عدول عنه الى غيره إذ لا يعدل عنه الا المنكر سواء كان إنكاره عناديا كالعالم بحقيته او تكذيبيا كالجاهل بها واما المقر فهو له جذبة الهية ينجذب بالعمل بما فيه الى درجات العلم والعرفان وكمال الإيقان إذ

هو كلمة حق وصدق والصدق يهدى الى الجنة والقربة والوصلة ولا ترتفع التكليفات عن العبد وان وصل الى تجلى الذات مادام فى عالم الدنيا لا كما زعمه بعض الزاعمين واما فى عالم الآخرة فترتفع التكليفات فعبادة ذلك العالم التوحيد ليس الا ولا بد من رعاية الشريعة فى جميع المراتب فان الكمال فيه والا فهو ناقص ولذلك ترى المجاذيب لا يخلون عن نقصان ألا يرى ان الأنبياء عليهم السلام لم يسمع عن واحد منهم عروض السفه والجنون فكامل العقل يحس صرير الباب وصوت الذباب فى حال استغراقه- حكى- ان الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر قال يوما لمريديه هل صدر منى شىء يخالف الشريعة قالوا لا فحمد الله تعالى وقال ما كنت هاهنا منذ ثلاثين سنة والإنسان اشرف المخلوقات واشرف الإنسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك صار مظهرا للفرقان الكريم من المبتدأ القديم وهو الحكم الذي نصبه الله تعالى لاحقاق الحق وابطال الباطل

ألا اى احمد مرسل شود هر مشكل از تو حل

كنم وصف ترا مجمل تويى سلطان هر مولى

شريعت از تو روشن شد طريقت هم مبرهن شد

حقيقت خود معين شد زهى سلطان بي همتا

واعلم ان هذه الآية متعلقة بمرتبة النفس وإصلاحها فان ابتغاء حكم غير الله تعالى من هوى النفس فاصلاحها بالانقياد والتسليم وكل من له حظ من علم القرآن ظاهرا او باطنا فهو وارث النبي عليه السلام بقدر حاله والحاكم هو عالم امر الله لا الجاهل قال على كرم الله وجهه من افتى الناس بغير علم لعنه السماء والأرض وسألت بنت علىّ البلخي إياها عن القيء إذا خرج الى الحلق فقال يجب إعادة الوضوء فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يا على حتى يكون ملىء الفم فقال علمت ان الفتوى تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فآليت على نفسى ان لا افتى ابدا وسئل الشعبي عن مسألة فقال لا اعلم فقيل ألا تستحيى وأنت فقيه العراقين قال ولم لا استحيى مما لا تستحيى منه الملائكة حيث قالت لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا فعلى العامة ان يرجوا فى الأمور الظاهرة الى اعلم البلدة او العصر بقدر الإمكان وعلى الخاصة ان يستفتوا فى الأحوال الباطنة من الأعرف وان كان اميا لا يعرف اصطلاحات العلماء إذ له حكمة معنوية تغنى عن الاصطلاحات وهو الذي يليق بان يسمى حكيما وقد اتفق اهل الله تعالى على ان العبد إذا وصل الى الله فالله تعالى يعلمه ويلهمه فيميز بين الحق والباطل ولا

ص: 91

يكون ما يتكلمه خارجا عن الشريعة واليه يشير قول من قال ما اتخذ الله من ولى جاهل ولو اتخذه لعلمه وكما ان الاصحاب ما خرجوا عن حكم النبي عليه السلام كما قال تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ وقال وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ كذلك اهل الارادة ما خرجوا عن امر المرشد الكامل إذ الحكم وان كان لله تعالى فى الحقيقة كما نطقت به الآية الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خليفة الله تعالى وكذا من ورثه قولا وحالا وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وذلك ان اهل مكة كانوا يستحلون أكل الميتة ويدعون المسلمين الى أكلها وكانوا يقولون انما ذلك ذبح الله فهو أحل مما ذبحتم أنتم بسكاكينكم فانزل الله تعالى هذه الآية والمعنى ان تطع الكفار يا محمد لانهم اكثر من فى الأرض يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى دينه وشريعته كأنه قيل كيف يضلون فقيل إِنْ يَتَّبِعُونَ اى ما يتبعون فى امور دينهم ومجادلتهم لك فى امر الميتة إِلَّا الظَّنَّ وهو ظنهم ان آباءهم كانوا على الحق فهم على آثارهم يهتدون فيضلون ضلالا مبينا ولا ريب ان الضال المتصدي للارشاد انما يرشد غيره الى مسلك نفسه فهم ضالون مضلون فان سبيل الحق لا يسلك بالظن والتقليد والهوى وانما يسلك بالصدق والتحقيق والهدى وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ اى ما هم الا يكذبون على الله تعالى فى تحليل الميتة وغيره إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بعلم مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ فيجازى كلا منهم بما يستحقون فاحذر ان تكون من الفريق الاول قال الحدادي وانما قال اعلم لان الله يعلم الشيء من كل جهاته وغيره يعلم الشيء من بعض جهاته فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ مسبب عن انكار اتباع المضلين الذين يحرمون الحلال ويحللون الحرام. والمعنى كلوا ايها المؤمنون مما ذكر اسم الله تعالى خاصة على ذبحه لا مما ذكر عليه اسم غيره فقط او مع اسم الله تعالى او مات حتف انفه فان الايمان بالآيات القرآنية يقتضى استباحة ما أحله الله والاجتناب عما حرمه وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وأي سبب حاصل لكم فى ان لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه قال الامام ان المشركين كانوا يبيحون أكل ما ذبح على اسم الله تعالى ولا ينازعون فيه وانما النزاع فى انهم ايضا كانوا يبيحون أكل الميتة والمسلمون كانوا يحرمونها وإذا كان كذلك كان ورود الأمر بإباحة ما ذكر اسم الله عليه عبثا لانه يقتضى اثبات الحكم فى المتفق عليه وترك الحكم فى المختلف فيه فاجاب بان معنى كلوا اجعلوا أكلكم مقصورا على ما ذكر اسم الله عليه ومعنى ان لا تأكلوا ان لا تجعلوا أكلكم مقصورا عليه فيفيد تحريم أكل الميتة فقط وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ اى والحال انه تعالى قد بين لكم ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مما لم يحرمه بقوله تعالى فى هذه السورة قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً الآية فبقى ما عدا ذلك على الحل لا بقوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ الآية لانها مدنية وهذه السورة مكية فان قلت قوله تعالى قُلْ لا أَجِدُ الآية مذكور بعده هذه الآية وصيغة فصل تقتضى التقدم قلت ان التأخر فى التلاوة لا يوجب التأخر فى النزول ويجوز ان يحمل على التفصيل بالوحى

ص: 92

الغير المتلو كما ذهب اليه سعذى چلبى المفتى وجعله اولى عنده إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ مما حرم عليكم فانه ايضا حلال حال الضرورة فالاستثناء متصل والمستثنى منه ما حرم وما مصدرية بمعنى المدة اى وقد فصل لكم الأشياء التي حرمت عليكم فى جميع الأوقات الا وقت الاضطرار إليها وان جعلت موصولة تعين ان يكون الاستثناء منقطعه لان ما اضطر اليه حلال فلا يدخل تحت ما حرم عليهم وَإِنَّ كَثِيراً من الكفار لَيُضِلُّونَ الناس بِأَهْوائِهِمْ بما تهواه أنفسهم من تحليل الميتة وغيرها بِغَيْرِ عِلْمٍ مقتبس من الشريعة الشريفة مستند الى الوحى إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ المتجاوزين الحق الى الباطل والحلال الى الحرام اعلم ان اهل الهوى على انواع فالمعتزلة والشيعة ونحوهما من اهل القبلة اهل هوى لانهم يخالفون اهل السنة والجماعة بتأويل الكتاب والسنة على حسب هو

أهم فيضلون الناس بهواهم كما يضل الكفار واهل الشرك. واما أخذ الإشارات من الآيات والأحاديث على وجه يطابق الشرع الشريف فذلك ليس بهوى بل هو عرفان محض: قال فى المثنوى

تو ز قرآن اى پسر ظاهر مبين

ديو آدم را نبيند جز كه طين

ظاهر قرآن چوشخص آدميست

كه نقوشش ظاهر وجانش خفيست

فالتقليد لاصحاب الإشارات ليس كالتقليد لاصحاب الضلالات لانهم بنوا أمرهم على العيان واليقين لا على الظن والتخمين وكذا اهل الدنيا اهل هوى بالنسبة الى اهل العقبى فان الكون كله خيال وتابع الخيال لا يعد من العقلاء والرجال وعن بهلول رحمه الله قال بينما انا ذات يوم فى بعض شوارع البصرة إذ الصبيان يلعبون بالجوز واللوز وإذا انا بصبى ينظر إليهم ويبكى فقلت هذا صبى يتحسر على ما فى أيدي الصبيان ولا شىء معه فيلعب به فقلت له اى بنى ما يبكيك اشتر لك من الجوز واللوز ما تلعب به مع الصبيان فرفع بصره الىّ وقال يا قليل العقل ما للعب خلقنا فقلت اى بنى فلماذا خلقنا فقال للعلم والعبادة فقلت من اين لك ذلك بارك الله فيك قال من قول الله عز وجل أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ وكذا اهل العقبى اهل هوى بالنسبة الى اهل المولى فاهل المولى تجردوا عن تعلق الكونين وتجاوزوا عن اعتبار الوصل والبين وما نظروا الى شىء غيره: قال صاحب المحمدية

سالكان در كهت را هر دو عالم يك نفس

والهان حضرتت را از حور جنت ملال

وقد حرم الله الدنيا على اهل الآخرة والآخرة على اهل الدنيا وحرم كلا منهما على اهل الله تعالى لكن من تناول من الدنيا قدر ما يسد به جوعته ويستر به عورته فانه ليس من اهل الدنيا لان ذلك من الضرورات البشرية وفيه اذن الله تعالى لمحافظة الدائرة البدنية التي هى الاس والاشارة فى قوله تعالى فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ يعنى ان من امارات الايمان ان تأكلوا الطعام بحكم الشرع لا على وفق الطبع وتذيبوه بذكر الله كما قال عليه السلام (أذيبوا طعامكم بذكر الله) فان الاكل على الغفلة والنسيان والاستعانة به على العصيان يورث موت الجنان والحرمان من الجنان وفى هذا الحديث اشارة الى مشروعية

ص: 93

الجهر إذ ذوبان الطعام فى صورة الجهر اظهر ويدل عليه ما ورد ايضا من الركعتين بعد الطعام او من تلاوة عشر آيات من القرآن إذ الحركة البدنية تفضى الى استمراء الطعام وانهضامه الذي به تحصل قوة البدن وبقوة البدن يقوى المرء على العبادة وفى العبادة بعد الطعام شكر للنعمة والشكر اما بالقلب او باللسان او بالأعضاء والجوارح وَذَرُوا اى اتركوا ايها المؤمنون ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ من اضافة الصفة الى الموصوف اى الإثم الظاهر والإثم الباطن والمراد بالإثم ما يوجب الإثم وهو المعاصي كلها لانها لا تخلو من هذين الوجهين فيدخل فيه ما يعلن وما يسر سواء كان من اعمال القلوب او الجوارح فاعمال الجوارح ظاهرة كالاقوال والافعال واعمال القلوب باطنة كالعقائد الفاسدة والعزائم الباطلة وحقيقة ظاهر الإثم طلب نعم الدنيا وباطنه الميل الى نعم العقبى لان كلا منهما يصير سببا للبعد عن حضرة المولى

ظاهر وباطن خود پاك كن از لوث كناه

تا كه پاكيزه شوى در صف مردان اله

إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ اى يعملون المعصية ظاهرا وباطنا سَيُجْزَوْنَ سيعاقبون فى الآخرة بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ اى يكسبون فى الدنيا كائنا ما كان فلا بد من اجتنابهما

جمله دانند اين اگر تو نكروى

هر چهـ ميكاريش روزى بد روى

والاشارة ان الله تعالى كما خلق للانسان ظاهرا هو بدن جسمانى وباطنا هو قلب روحانى فكذلك جعل للاثم ظاهرا هو كل قول وفعل موافق للطبع مخالف للشرع وباطنا هو كل خلق حيوانى وسبعى وشيطانى جبلت النفس عليه وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ اى اتركوا الأعمال الطبيعية باستعمال الأعمال الشرعية واتركوا الأخلاق الذميمة النفسانية بالتحلق بالأخلاق الملكية الروحانية إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ ظاهره وباطنه بالافعال والأخلاق سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ عاجلا وآجلا اما عاجلا فلكل فعل وقول طبيعى ظلمة تصدأ مرآة القلب بها فيخرف مزاج الأخلاق القلبية الروحانية ويتقوى مزاج الأخلاق النفسانية الظلمانية وبه يغلب الهوى ويميل الى الدنيا وشهواتها فباظهار كل خلق منها على وفق الهوى يزيد رينا وقسوة فى القلب فيحتجب به عن الله تعالى كما قال تعالى كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ واما آجلا فبهذه الموانع والحجب ينقطع العبد عن الله ويبقى محجوبا معذبا فى النار خالدا مخلدا كما قال تعالى كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ كذا فى التأويلات النجمية اعلم ان العصاة كلهم فى خطر المشيئة بل الطائعون لا يدرون بماذا يختم لهم فيا ايها العاصي لا تغتر فان العناية لاتحصل لكل عاص ولا تدرى انك ممن أراد الله تعالى عفوه فان المعفو من أول الأمر وقع قليلا- كما حكى- عن مالك بن دينار قال رأيت بالبصرة قوما يحملون جنازة وليس معهم أحد ممن يشيع الجنازة فسألتهم عنه قالوا هذا رجل من كبار المذنبين قال فصليت عليه وأنزلته فى قبره ثم انصرفت الى الظل فنمت فرأيت ملكين قد نزلا من السماء فشقا قبره ونزل أحدهما اليه وقال لصاحبه اكتبه من اهل النار فما فيه جارحة سلمت من المعاصي والأوزار فقال له صاحبه يا أخي لا تعجل عليه اختبر عينيه قال قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بالنظر الى محارم الله قال فاختبر سمعه قال قد اختبرته فوجدته مملوأ بسماع الفواحش والمنكرات قال فاختبر لسانه قال قد اختبرته فوجدته

ص: 94

مملوأ بالخوض فى المحظورات وارتكاب المحرمات قال فاختبر يديه قال قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بتناول الحرام وما لا يحل من الشهوات واللذات قال فاختبر رحليه قال قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بالسعي فى النجاسات والأمور المذمومات قال يا أخي لا تعجل عليه ودعنى انزل اليه فنزل اليه الملك الثاني واقام عنده ساعة وقال يا أخي قد اختبرت قلبه فوجدته مملوأ ايمانا فاكتبه مرحوما سعيدا ففضل الله تعالى يستغرق ما عليه من الذنوب والخطايا: قال السعدي قدس سره

عروسى بود نوبت ما تمت

كرت نيك روزى بود خاتمت

يعنى يوم وفاتك يكون يوم فرح وسرور ان كنت ممن قبض على الايمان نسأل الله عفوه ورجاه

الهى بحق نبى فاطمه

كه بر قول ايمان كنم خاتمه

وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ اى عمدا إذ الناسي حال نسيانه لا يكون مكلفا وذكر الله تعالى فى قلب كل مؤمن واما العامد فلأنه لما ترك التسمية عمدا فكأنه نفى ما فى قلبه ويدخل فيه الميتة لانها مما لم يذكر اسم الله عليه وكذا ما ذبح على اسم غيره تعالى وَإِنَّهُ اى الاكل منه او عدم ذكر التسمية لَفِسْقٌ اى خروج لما لا يحل فان من ترك التسمية عامدا حال الذبح لا يحل أكل ذبيحته عند الامام الأعظم واعلم ان المشركين جادلوا المسلمين فقالوا أتأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتله الله فانزل الله الآية وأجاب بجواب أعم ونبى الحرمة على وصف يشمل الكل وهو ترك الذكر وَإِنَّ الشَّياطِينَ اى إبليس وجنوده لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ اى يوسوسون الى المشركين. والوحى إلقاء المعنى الى النفس مع الخفية لِيُجادِلُوكُمْ ايها المؤمنون فى تحليل الميتة بالوساوس الشيطانية وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فى استحلال الحرام وساعدتموهم على أباطيلهم إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ضرورة ان من ترك طاعة الله الى طاعة غيره واتبعه فى دينه فقد أشرك به تعالى بل آثره عليه سبحانه والاشارة لا تأكلوا طعاما الا بامر الله وعلى ذكر الله وفى طلب الله ليندفع بنور الذكر ظلمة الطعام وشهوته وان ظلمة الطعام وشهوته مؤدية الى الفسق الذي هو الخروج من النور الروحاني الى الظلمة النفسانية وفى الحديث (ان الشيطان يستحل الطعام الا بذكر اسم الله عليه) اى لانه لا يذكر اسم الله عليه بعد الشروع وما لم يشرع فيه أحد لا يتمكن الشيطان من استحلاله وفيه اشارة الى انه ان سمى واحد من الآكلين حصل اصل السنة ومن نسى التسمية فى أول الطعام فانه يقول حين يذكر بسم الله اوله وآخره فاذا قال ذلك فقد تدارك تقصيره وهذا بخلاف الوضوء فان التسمية سنة فى اوله بحيث لو نسيها فى اوله ثم تذكر فى وسطه لم يكن هذا تداركا لسنة التسمية وذلك لان الوضوء كله عمل واحد بخلاف الاكل فان كل لقمة أكلة وكان رجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه الا لقمة فلما رفعها الى فيه قال بسم الله اوله وآخره فضحك النبي عليه السلام ثم قال (مازال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله تعالى استقاء ما فى ما بطنه) وهذا الحديث يدل على ان الشيطان يأكل بمضغ وبلع كما ذهب اليه قوم وقال آخرون أكل الشيطان صحيح لكنه تشمم واسترواح وانما المضغ والبلع لذوى الجثث والشياطين أجسام رقاق قال فى آكام المرجان كل ما لم يسم عليه من طعام او شراب او لباس او غير ذلك مما ينتفع به فللشيطان

ص: 95

تصرف واستعمال اما بإتلاف عينه كالطعام واما مع بقاء عينه قال ثعلبة بن سهيل كنت اصنع شرابا لى اشربه فى السحر فاذا جاء السحر جئت فلا أجد شيأ فوضعت شرابا آخر وقرأت عليه يس فلما كان السحر جئت فاذا الشراب على حاله وإذا شيطان أعمى يدور حول البيت وفى الحديث (ان الشيطان حساس خاس فاحذروه على أنفسكم من بات وفى يده ريح غمر فاصابه شىء فلا يلومنّ الا نفسه) قال بعض ارباب الاشارة انما حرم أكل ما لم يذكر اسمه عليه لان العارف حبيب الله والحبيب لا يذبح ولا يأكل ولا يشرب ولا يلبس ولا يفرش ولا يفعل شيأ الا باسم حبيبه ألا ترى ان يعقوب عليه السلام كان يقول فى جميع أحواله يوسف وانما وجبت التسمية عند الذبائح لان مرارة النزع شديدة وذكر اسم الله تعالى احلى من كل شىء فامرنا بالتسمية عند الذبائح كى تسمع الشاة ذكر الله عند الموت فلا تشتد مرارة النزع مع حلاوة اسم الله ولذلك قال عليه السلام (لقنوا موتاكم بشهادة ان لا اله الا الله يسهل عليكم سكرات الموت) فلما كان الاحياء والامانة من الله تعالى وحده لم يجز ان يذبح باسم غيره تعالى ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل ما ذبح للجن وعلى اسمها واستنبط بعض الخلفاء عينا وأراد اجراءها وذبح للجن عليها لئلا يغور ماؤها فاطعم ذلك ناسا فبلغ ذلك ابن شهاب فقال اما انه قد ذبح ما لم يحل له واطعم الناس ما لا يحل لهم وكان من عادة الجاهلية قبل الإسلام تزيين جارية حسناء وإلباسها احسن ثيابها والقاءها فى النيل حتى يطلع ثم قطع تلك السنة الجاهلية على يدى من أخاف الجن وقمعها عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهكذا هذه العين لو حفرها رجل عمرى لم يذبح لهم عصفورا فما فوقه ولكن لكل زمان رجال فلو دوام انسان على اسم الله لا تحرقه النار ولا تغرقه البحار ولا تنهشه الحيات ولا تضره السموم لان كل مضر خلق مخوفا لمن يخاف الله فاذا خاف العبد من الله بكماله فله التسخير والتأثير

توهم كردن از حكم داور مپيچ

كه كردن نپيچد ز حكم تو هيچ

محالست چون دوست دارد ترا

كه در دست دشمن كذارد ترا

وقد ظهر لك من هذا كله ان إحراق البخور وإلقاء ماء الورد ورشه وذبح شىء من مكان يتوهم فيه الجن كله شرك يجب ان يحترز عنه وكذا من ذبح دجاجة لتصويتها مثل الديك او ذبح ديكا لتصويته قبل الوقت وهو السحر والقاها فى مكان فقد ذبح ذلك للجن فى اعتقاده لانه أراد به صيانة نفسه واهله وأولاده وماله من إصابة الجن والبلاء ولو كان لله تعالى لأكلها بل لو كان مخلصا لما فعل مثل هذا أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً- روى- عن ابن عباس ان أبا جهل رمى النبي عليه السلام بفرث فاخبر حمزة بما فعل ابو جهل وهو راجع من الصيد بيده قوس وكان يومئذ لم يؤمن بعد فلقى أبا جهل فضرب رأسه بالقوس فقال ابو جهل أما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسب آلهتنا فقال حمزة وأنتم أسفه الناس تعبدون الحجارة من دون الله تعالى اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله فنزلت هذه الآيات والهمزة للانكار والنفي والواو لعطف الجملة الاسمية على مثلها الذي يدل عليه الكلام اى أنتم ايها المؤمنون مثل المشركين ومن كان ميتا فَأَحْيَيْناهُ أعطيناه الحياة وما يتبعها من القوى المدركة

ص: 96

والمتحركة وَجَعَلْنا لَهُ مع ذلك من الخارج نُوراً عظيما يَمْشِي بِهِ اى بسببه فِي النَّاسِ اى فيما بينهم آمنا من جهتهم كَمَنْ مَثَلُهُ اى صفته العجيبة فِي الظُّلُماتِ خبر مبتدأ محذوف اى هو فى الظلمات لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها بحال وهو حال من المستكن فى الظرف فمن الاولى موصولة مبتدأة وكمن خبرها وهى ايضا موصولة صلتها الجملة الاسمية الواقعة بعدها فالاولى تمثيل لمن هداه الله تعالى وانفذه من الضلال وجعل له نور الحجج والآيات يتأمل بها فى الأشياء فيميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل كحمزة رضى الله عنه والثانية تمثيل لمن بقي على الضلالة لا يفارقها أصلا كأبى جهل كَذلِكَ اى كما زين للمؤمن من إيمانه زُيِّنَ اى من جهة الله تعالى بطريق الخلق او من جهة الشيطان بطريق الوسوسة لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى ما استمروا على عمله من فنون الكفر والمعاصي وبهذا التزيين بقوا فى ظلمات الكفر والضلالة ولم يهتدوا الى نور الايمان والهداية قال ارباب الحقيقة الموت بهوى النفس والحياة بمحبة الحق وايضا الموت بالنكرة والحياة بالمعرفة وفرق بين حياة المعرفة وحياة البشرية فاهل العموم حى بحياة البشرية لكنه كالميت فى قبر قالبه لا يمكنه الخروج من ظلمات وجوده المجازى واهل الخصوص حى بحياة المعرفة فحياة البشرية تزول لقوله تعالى كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ بخلاف حياة المعرفة لقوله تعالى فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وقوله عليه السلام (المؤمن حى فى الدارين)

نميرد هر كرا جانش تو باشى

خوشا جانى كه جانانش تو باشى

: قال الحافظ

هركز نميرد آنكه دلش زنده شد بعشق

ثبت است بر جريده عالم دوام ما

وفى التفسير الفارسي [شاه كرمانى اين آيت بر خواند كه أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ كفت نشان اين آيت سه چيز است از خلق عزلت وبا حق دعوت ودوام ذكر بر زبان ودل وبزركى اين معنى را نظم فرموده]

بر روى خلائق در صحبت مكشاى

مى باش بكلى متوجه بخداى

غافل مشو از ذوق دل وذكر زبان

تا زنده جاويد شوى در دو سراى

واعلم ان الحي الحقيقي الذي ما كان ميتا ولا يموت ابدا هو الله تعالى وما سواه فهو ميت لانه كان ميتا فى العدم وسيموت ايضا: قال الحافظ

من هماندم كه وضو ساختم از چشمه عشق

چار تكبير زدم يكسره تر هر چهـ كه هست

يعنى شاهدت جميع الخلق موتى بسبب الوصول الى مقام العشق والفناء قال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر من شهد الخلق لا فعل لهم فاز ومن شهدهم لا حياة لهم فقد فاز ومن شهدهم عين العدم فقد وصل وعن عبد الواحد بن زيد رحمه الله قال مررت براهب فسألته منذ كم أنت فى هذا الموضع فقال منذ اربع وعشرين سنة قلت من أنيسك قال الفرد الصمد قلت ومن المخلوقين قال الوحش فسألته وما طعامك قال ذكر الله تعالى قلت ومن المأكولات قال ثمار هذه الأشجار ونبات الأرض قلت أفلا تشتاق الى أحد قال نعم الى حبيب قلوب

ص: 97

العارفين قلت ومن المخلوقين قال من كان شوقه الى الله تعالى سبحان كيف يشتاق الى غيره قلت فلم اعتزلت عن الخلق قال لانهم سراق العقول وقطاع طريق الهدى قلت ومتى يعرف العبد طريق الهدى قال إذا هرب الى ربه من كل شىء سواه واشتغل بذكره عن ذكر ما سواه ولكل سالك خطوة فى السلوك الى ملك الملوك- كما حكى- ايضا عن الشيخ عبد الواحد بن زيد قال قصدت بيت المقدس فضلت الطريق فاذا بامرأة أقبلت الىّ فقلت لها يا غريبة أنت ضالة فقالت كيف يكون غريبا من يعرفه وكيف يكون ضالا من يحبه ثم قالت خذ رأس عصاى وتقدم بين يدى فاخذت رأس عصاها وتقدمت بين يديها ست أقدام او اقل او اكثر فاذا انا بمسجد بيت المقدس فدلكت عينى وقلت لعل هذا غلط منى فقالت يا هذا سيرك سير الزاهدين وسيرى سير العارفين فالزاهد سيار والعارف طيار ومتى يلحق السيار بالطيار ثم غابت عنى فلم ارها بعد ذلك فظهر من هذه الحكاية ان للعارف نورا يمشى به الى حيث شاء والجاهل يبقى فى وادي الحيرة ولا يجد سبيلا الا بتوفيق الله تعالى وهدايته فكما ان الأعمى والبصير ليسا على سواء فكذلك البصير الجاهل والعالم سواء كان جهله وعلمه فى مرتبة الشريعة او الطريقة او المعرفة او الحقيقة فالله تعالى باين بين اهل الحال كما باين بين اهل المقال وعظم النور وسعته بالنسبة الى فسحة القلب ومعرفته فالقلب بيد الله تعالى يقلبه كيف يشاء ولذلك زين لاهل الايمان وجوه الخير والطاعات وزين لاهل الكفر صنوف الشر والسيئات لكن العباد ليسوا بمجبورين فلهم اختيار فى الخروج من الظلمات فاذا لم يصرفوا استعداداتهم الى ما خلقوا لاجله بقوا فى ظلمات الطبيعة والنفس هذا هو الكلام بالنسبة الى ظاهر الحال واما ان نظرت الى اسناد الاحياء والجعل فى الآية المذكورة الى الله تعالى فمقتضى التوحيد ان الكل بيد الله ولا تأثير الا من عند الله فان وجدت خيرا فلتحمد الله كثيرا فقد سبقت لك العناية وساعدك التوفيق فرب تقليد يوصل الى التحقيق والله الهادي وَكَذلِكَ اى كما صيرنا فى مكة فساقها أكابر جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ متعلق بالفعل أَكابِرَ مفعول ثان جمع اكبر بمعنى عظيم مُجْرِمِيها مفعول أول جمع مجرم. بالفارسية [كنهكار] لِيَمْكُرُوا فِيها اى ليفعلوا المكر فى تلك القرية لانهم لاجل رياستهم اقدر على المكر والغدر وترويج الأباطيل على الناس من غيرهم وكان صناديد قريش ومجرموها اجلسوا على كل طريق من طرق مكة اربعة نفر ليصرفوا الناس عن الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يقولون لكل من تقدم إياك وهذا الرجل فانه كاهن ساحر كذاب قال البغوي وذلك سنة الله تعالى ان جعل فى كل قرية اتباع الرسل ضعفاءهم كما قال فى قصة نوح أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ وجعل فساقهم اكابرها ليمكروا فيها والمكر السعى بالفساد فى خفية ومداجاة والآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ لان وباله عليهم وَما والحال انهم لا يَشْعُرُونَ بذلك أصلا بل يزعمون انهم يمكرون بغيرهم وَإِذا جاءَتْهُمْ لما بين ان فساق كل قرية يكونون رؤساءها المتميزين بكثرة المال والجاء بين ما كان من رؤساء مكة من الجرم والفسق وهو انه إذا جاءتهم آيَةٌ دالة على صحة النبوة قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ

ص: 98

حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ

من الوحى والكتاب لما روى ان أبا جهل قال زاحمنا بنى عبد مناف فى الشرف حتى إذا صرنا كفرسى رهان قالوا منا نبى يوحى اليه والله لا نرضى به الا ان يأتينا وحي كما يأتيه فارادوا اى قوم مكة ان تحصل لهم النبوة والرسالة كما حصلتا لمحمد عليه السلام وان يكونوا متبوعين لا تابعين قال صاحب التيسير وهذه غاية السفه ان يقال لرجل آمن فيقول لا او من حتى يجعلنى الله نبيا قال الامام الثعلبي المراد برسل الله هو حضرة النبي عليه السلام كما انه المخاطب فى قوله تعالى يا أَيُّهَا الرُّسُلُ وصيغة الجمع للتعظيم وفى شرح التعرف ان الله تعالى لم يجمع شمائل جميع الأنبياء الا فى النبي صلى الله عليه وسلم خاطبه بقوله يا أَيُّهَا الرُّسُلُ هر چهـ خوبان همه دارند تو تنها دارى واعلم ان ما بين الجلالتين من هذه السورة من الأماكن التي يرجى فيها استجابة الدعاء فليحافظ

على ذلك اللَّهُ أَعْلَمُ من كل شىء يعلم حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ اى الموضع الصالح لوضعها فيه ويضعها وهؤلاء ليسوا أهلا لها لان الاهلية بالفضائل النفسانية لا بالنسب والمال فحيث نصب على المفعولية بيعلم المقدر توسعا سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا اى يصيبهم البتة مكان ما تمنوه من عز النبوة وشرف الرسالة صَغارٌ اى ذلة وحقارة بعد كبرهم عِنْدَ اللَّهِ اى يوم القيامة فهو منصوب بقوله سيصيب مجاز عن حشرهم يوم القيامة وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ اى بسبب مكرهم المستمر وحيث كان هذا من معظم مواد اجرامهم صرح بسببيته واعلم ان النبوة اختصاص الهى عطائى غير كسبى كالسلطنة فلا ينالها المجاهد وان اتى بجميع الشرائط والأسباب وكذا الولاية لكنها كالوزارة فيجوز ان ينالها بعض المجاهدين فليس كل مجاهد وأصلا وقد يكون الوصول بدون المجاهدة ايضا إذا كمل الاستعداد وسبقت العناية- كما روى- عن بعض شيوخ اليمن انه خرج يوما من زبيد الى نحو الساحل المعروف بالأهواز ومعه تلميذ له فمر فى طريقه على قصب ذرة كبار فقال للتلميذ خذ معك من هذا القصب ففعل المريد وتعجب فى نفسه وقال ما مراد الشيخ بهذا ولم يقل له الشيخ شيأ حتى إذا بلغ الى محلة لعبيد يقال لهم السناكم يأكلون الميتات ويشربون المسكرات ولا يعرفون الصلوات وإذا بهم يشربون ويلعبون ويلهون ويطربون ويغنون ويضربون فقال الشيخ للتلميذ ائتنى بهذا الشيخ الطويل الذي يضرب الطبل فاتاه التلميذ فقال له أجب الشيخ فرمى الطبل من رقبته ومشى معه الى الشيخ فلما وقف بين يديه قال الشيخ للتلميذ اضربه فضربه حتى استوفى منه الحد ثم قال له الشيخ امش قد أمنا فمشى حتى بلغوا البحر فامره الشيخ ان يغسل ثيابه ويغتسل وعلمه كيفية ذلك وكيفية الوضوء ففعل ثم علمه كيف يصلى وتقدم الشيخ فصلى بهما الظهر فلما فرغوا من الصلاة قام الشيخ ووضع سجادته على البحر وقال له تقدم فقام ووضع قدميه على السجادة ومشى على الماء حتى غاب عن العين فالتفت التلميذ الى الشيخ وقال وا مصيبتاه وا حسرتاه لى معك كذا وكذا سنة ما حصل لى من هذا شىء وهذا فى ساعة واحدة حصل له هذا المقام وهذه

ص: 99

الكرامات العظام فبكى الشيخ قال يا ولدي وايش كنت انا هذا فعل الله تعالى قيل لى فلان من الابدال توفى فاقم فلانا مقامه فامتثلت الأمر كما يمتثل الخدام وودت انه حصل لى هذا المقام فظهر ان الله تعالى اعلم حيث يجعل ولايته ايضا: قال الحافظ

چون حسن عاقبت نه برندى وزاهديست

آن به كه كار خود بعنايت رها كنند

والاشارة وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها ان القرية هى القالب.

وأكابر مجرميها اى مفسدى حسن الاستعداد بقبول الشقاوة هى النفس والهوى والشيطان يمكرون فيها بمخالفات الشرع وموافقات الطبع وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ لان فساد استعدادهم عائد الى أنفسهم بحصول الشقاوة وفوات السعادة وَما يَشْعُرُونَ ولا شعور لهم على ما يفعلون بانفسهم وان مرجعهم الى النار وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ اى النفس والهوى والشيطان من دأبهم ان لا يؤمنوا برؤية الآيات إذ جبلوا على التمرد والإباء والإنكار ولسان حالهم يقول لن نؤمن حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اى القلب والسر والروح لانهم مهبط اسرار الحق والهاماته اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ يخص بها القلب والسر والروح ونفسا تطمئن بذكر الله فتستحق رسالة ارجعي الى ربك سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ يعنى اصحاب النفس الامارة بالسوء لهم ذلة البعد من عند الله وَعَذابٌ شَدِيدٌ وهو عذاب الفرقة والانقطاع بِما كانُوا يَمْكُرُونَ اى بما أفسدوا استعداد الوصلة وهو جزاء مكرهم وكيدهم كذا فى التأويلات النجمية فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ معناه بالفارسية [پس هر كرا خواهد خداى] أَنْ يَهْدِيَهُ اى يعرفه طريق الحق ويوفقه للايمان يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فيتسع له وينفسح وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة بحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه فالمعنى من أراد الله منه الايمان قوى صوارفه عن الكفر ودواعيه الى الايمان وجعل قلبه قابلا لحلول الايمان مهيئا لتحليه به صافيا خاليا عما ينافيه ويمنعه ولما نزلت هذه الآية سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرح الصدر فقال (نور يقذفه الله فى قلب المؤمن فينشرح له وينفسح) فقالو هل لذلك امارة يعرف بها فقال (نعم الانابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله) واعلم ان العلم علمان علم المعاملة وعلم المكاشفة فالاول هو العلم بما يقرب اليه تعالى وما يبعد عنه وهو مقدم على الثاني الذي هو نور يظهر فى القلب فيشاهد به الغيب لانه الشرط له قال تعالى وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ولا ينفك عنه لان الحديث المذكور صرح بان الانابة والتجافي والاستعداد التي هى من علم المعاملة علامة ذلك النور وفى فضل المكاشفة ورد قوله عليه السلام (فضل العالم على العابد كفضلى على أمتي) إذ غير المكاشفة تبع للعمل لثبوته شرطا له قال فى التأويلات النجمية كلما كان الحجاب ارق كان الايمان أقوى والقلب أنور وأصفى الى ان يصير الايمان إيقانا لكمال رقة الحجاب وتنور القلب الى ان يصير الإيقان عيانا عند رفع الحجاب وتجلى الحق بصفة جماله الى ان يصير العيان عينا يتجلى صفة جلاله وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ اى يخلق فيه الضلال لصرف اختياره اليه يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً بالفارسية [تنك] حَرَجاً بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الايمان اى من أراد الله منه الكفر قوى صوارفه عن الايمان

ص: 100

وقوى دواعيه الى الكفر. والحرج بالفتح مصدر وصف به مبالغة وبالكسر اسم الفاعل وهو المتزايد فى الضيق فهو أخص من الاول فكل حرج ضيق من غير عكس قيل الحرج موضع الشجر الملتف يعنى ان قلب الكافر لا يصل اليه الايمان كما لا تصل الراعية الى الموضع الذي التف فيه الشجر كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ قال الامام فى كيفية هذا التشبيه وجهان الاول كما ان الإنسان إذا كلف الصعود الى السماء نقل ذلك التكليف عليه وعظم وقعه عليه وقويت نفرته منه فكذلك الكافر يثقل عليه الايمان وتعظم نفرته منه. والثاني ان يكون التقدير ان قلبه يتباعد عن الإسلام ويتباعد عن قبول الايمان فشبه ذلك البعد ببعد من يصعد من الأرض الى السماء انتهى كما قال الكاشفى فى تفسيره الفارسي [كويى بالا ميرود در آسمان يعنى ميكريزد از قبول حق ميخواهد كه بآسمان رود] واعلم ان القلوب متفاوتة. فمنهما ما يشق عليه الايمان وهى قلوب الكفرة. ومنها ما يشق عليه الذوق والوجدان وهى قلوب اهل النقصان من اهل الايمان فان بعض الناس منهم من يتباعد عن الكلمات العرفانية بل ينكر احوال اصحاب الفضائل النفسانية وهذا لان من انهمك فى الصفات الحيوانية وحكم عليه الصفات السبعية والشيطانية لا يسوغ له الشرب من المشارب الروحانية ولذا يوصى بكتم ما يتعلق بالاسرار عن الأغيار

چرا صدف نكند چاك سينه را صائب

درين زمانه كه جوهر شناس نايابست

كَذلِكَ اى مثل الجعل المذكور يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ اى العذاب والخذلان او اللعنة او الشيطان اى يسلطه عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اى عليهم فوضع الظاهر موضع المضمر للاشعار بان جعله تعالى معلل بما فى حيز الصلة من كمال نبوهم عن الايمان وإصرارهم على الكفر والطغيان وَهذا اى البيان الذي جاء به القرآن صِراطُ رَبِّكَ اى طريقه الذي ارتضاه حال كونه مُسْتَقِيماً لمن يسلكه فلا يعوج به حتى يورده الى الجنة قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ اى ذكرناها فصلا فصلا بحيث لا يختلط واحد منها بالآخر لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ اى يتعظون وخصوا بالذكر لانهم المنتفعون بتفصيل الآيات لَهُمْ كأن سائلا يسأل عما أعد الله تعالى للمتذكرين بما فى تضاعيف الآيات فقيل لهم دارُ السَّلامِ اى السلامة من كل المكاره وهى الجنة عِنْدَ رَبِّهِمْ حال من دار السلام اى نزله وضيافته كما تقول نحن اليوم عند فلان اى فى كرامته وضيافته. وقيل العندية كناية عن وعدها والتكفل بها وَهُوَ وَلِيُّهُمْ اى مولهم ومحبهم او ناصرهم على أعدائهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ اى بسبب الأعمال الصالحة واعلم ان الله تعالى بين حسن الايمان وقبح الكفر وحال السعيد والشقي ورغب فى طريق الأنبياء والأولياء وجعل العمل الصالح وهو ما أريد به وجه الله سببا لمحبة الله ودخول دار السلام وهى دار القرار التي يأمن من دخلها من العذاب مطلقا فالله تعالى ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور- روى- ان عمر بن الخطاب جهز جيشا الى فتح بعض حصون ديار العجم اربعة آلاف فارس وامر عليهم ابنه عبد الله رضى الله عنهما قال فسرنا حتى حاصرنا قلعة على جبل عال لا يصل اليه أسلحتنا فحاصرناها وكان فيها جيش

ص: 101

من الكفار وكانت اميرتهم امرأة حسناء فحصل لنا تعب شديد ففى ذات يوم نظرت اميرتهم من المنظرة عسكرنا فرأت شابا حسنا من شبان العرب وكان شابا فارسا ماهرا فى الحرب فلما وقع نظرها عليه تأوهت فقالت لها بعض جواريها لم تأوهت يا ملكة وأنت فى حصار ومنعة فقالت ان حصننا هذا يفتحه هذا الشاب قالت وكيف ذلك قالت سترين بعد ساعة ثم أرسلت اليه الملكة رسولا تقول هل أجد إليك سبيلا فتكون لى وأكون لك فقال الشاب نعم بشرطين ان تسلمى الحصن الخارج إلينا والداخل اليه فارسلت مع الرسول تستفهم اما الخارج فعرفنا واما الداخل فما عرفنا قال لها تسلمى قلبك الى الله تعالى وتقرين له بالوحدانية فارسلت اليه قوما ادخل بعسكرك فانى قد فتحت لك الباب فلما دخل الحصن عرض عليها الإسلام فقالت اعلم انى ملكة ذات همة عالية فهل فى عسكرك من هو اكبر منك حتى اسلم على يديه قال نعم أميرنا وكبيرنا وهو ابن امير المؤمنين فلما حضرت بين يدى عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عرض عليها الإسلام فقالت كالاول هل أحد اكبر منك فى المسلمين حتى اسلم بين يديه فقال لها نعم والدي امير المؤمنين عمر رضى الله عنه فقالت أرسلني اليه حتى اسلم بين يديه فارسلها ومعها عسكر واموال جزيلة أخرجتها معها من الحصار فلا زالت حتى وصلت الى عمر رضى الله عنه فقالت له يا امير المؤمنين هل هنا أحد اكبر منك قال نعم محمد رسول الله وهذا قبره الشريف وأشار الى الروضة المطهرة فقالت لا اسلم الا بين يديه فاجابها لما قالت فلما أتت الروضة المنورة سلمت وجلست بأدب ووقار فى حضرة النبي عليه السلام وقالت اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله ثم قالت خرجت من الظلمات الى النور وانا أخشى يا رسول الله ان يدنس إيماني المعاصي فاسأل ربك الذي أرسلك إلينا بالحق ان يقبض روحى قبل ان أعصيه مرة اخرى ثم وضعت رأسها على عتبة المصطفى صلى الله عليه وسلم فماتت من ساعتها فبكى عمر رضى الله عنه من حسن حالها وامر بغسلها وتجهيزها ودفنها بالبقيع بين الصحابة رضى الله عنهم

بروز واقعة تابوت من ز سرو كنيد

كه ميروم بهواي بلند بالايى

اللهم اجعلنا من الذين سلكوا الصراط المستقيم ووصلوا الى جنابك بالقلب السليم فنجوا من عذابك الأليم آمين يا كريم يا رحيم وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً اى واذكر يا محمد لاهل مكة وغيرهم يوم يحشر الله الثقلين جميعا ويجمعهم فى موقف القيامة فيقول بطريق التوبيخ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ اى يا جماعة الشياطين فان المعشر الجماعة التي تضبطهم جهة واحدة وحصل بينهم معاشرتهم ومخالطتهم ويجمع على معاشر. قال بعضهم سميت الجماعة بالمعشر لبلوغها غاية الكثرة فان العشر هو العدد الكامل الكثير الذي لا عدد بعده الا بتركيبه بما فيه من الآحاد فتقول أحد عشر واثنا عشر فاذا قيل معشر فكأنه قيل محل العشر الذي هو الكثرة الكاملة. وسمى الجن جنا لاجتنانهم اى استتارهم عن أعين الناس قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ اى من اغوائهم واضلالهم اى أضللتم خلقا كثيرا من الانس وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ اى اولياء الشياطين الذين أطاعوهم حال كونهم مِنَ الْإِنْسِ فهو حال من أولياؤهم رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ اى انتفع الانس بالجن والجن بالانس. اما انتفاع الانس بالجن فمن حيث

ص: 102

ان الجن كانوا يدلونهم على انواع الشهوات وما يتوصل به إليها ويسهلون طريق تحصيلها عليهم. واما انتفاع بالجن بالانس فمن حيث ان الانس أطاعوهم ولم يضيعوا سعيهم والرئيس المطاع ينتفع بانقياد اتباعه له وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا اى أدركنا الوقت الذي وقت لنا وهو يوم القيامة قالوه اعترافا بما فعلوا من طاعة الشياطين واتباع الهوى وتكذيب البعث وإظهارا للندامة عليها وتحسرا على حالهم واستسلاما لربهم

كنون بايد اى خفته بيدار بود

چومرك اندر آرد ز خوابت چهـ سود

چهـ خوش كفت با كودك آموزگار

كه كارى نكرديم وشد روزكار

ولعل الاقتصار على حكاية كلام الضالين للايذان بان المضلين قد اقحموا بالمرة فلم يقدروا على التكلم أصلا قالَ كأنه قيل فماذا قال الله تعالى حينئذ فقيل قال النَّارُ مَثْواكُمْ اى منزلكم فهو اسم مكان بمعنى مكان الاقامة خالِدِينَ فِيها قال ابن عباس رضى الله عنهما الخلق اربعة. فخلق فى الجنة كلهم. وخلق فى النار كلهم. وخلقان فى الجنة والنار. اما الذي فى الجنة كلهم فالملائكة. واما الذي فى النار كلهم فالشياطين. واما الذي فى الجنة والنار فالانس والجن لهم الثواب وعليهم العقاب إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ قال فى التأويلات النجمية إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ان يتوب ويرجع الى الله فلا تكون النار مثواه فالاستثناء راجع الى اهل التوبة فى الدنيا لا الى اهل الخلود فى النار انتهى وقال بعضهم ما مصدرية بتقدير مضاف كما فى آتيك خفوق النجم والاستثناء من مضمون الجملة التي قبله وهى قوله النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها كأنه قيل يخلدون فى عذاب النار الابد كله الا اوقات مشيئة الله تعالى ان ينقلوا من النار الى الزمهرير- فقد روى- انهم ينقلون من عذاب النار ويدخلون واديا فيه من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض فيتعاوون ويطلبون الرد الى الجحيم ففى الاستثناء تهكم بهم وفى تفسير الجلالين إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ من الأوقات التي يخرجون فيها لشوب من حميم فانه خارجها كما قال الله ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ وقيل يفتح لهم وهم فى النار باب الى الجنة فيسرعون نحوه حتى إذا صاروا اليه سد عليهم الباب وقيل إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ قبل الدخول كأنه قيل النار مثواكم ابدا الا وقت امهالكم الى وقت الإدخال والخلود كما ينتقص من الآخر كذلك ينتقص من الاول هذا ما ذهب اليه علماء الظاهر فى توجيه الاستثناء الا ان حضرة الشيخ نجم الدين قدس سره قال فى ذلك حفظا لظاهر الشرع وللعلماء بالله تحقيق بديع فى هذه المقام لا يتحمله عقول العوام ونحن نشير الى نبذ من ذلك ونوصى بالستر الا على السالك قال المولى رمضان فى شرح العقائد اعلم ان اهل النار لم يقنطوا من الخلاص حتى إذا ذبح كبش الموت بين الجنة والنار ونودى أهلهما بالخلود ايس اهل النار من الخلاص فاعتادوا بالعذاب ولم يتألموا حتى آل أمرهم الى ان يتلذذوا به حتى لوصب عليهم نسيم الجنة استنكروه وتعذبوا به كالجعل يستطيب الروث ويتألم من الورد انتهى كلامه وهذا معنى ما قال الشيخ الأكبر والمسك الأذفر والكبريت الأحمر قدس سره الأطهر تبقى جهنم خالية وان العذاب من العذاب انتهى ولا يغرنك ظاهر هذا الكلام الاكبرى

ص: 103

فان اتفاق العلماء من الطرفين على ان المخلد لا يخرج من النار ولا تبقى جهنم خالية من جسده قال حضرة شيخنا وسندنا الذي فضله الله تعالى على العالمين بما خصه من كمالات الدين فكما إذا استقر اهل دار الجمال فيها يظهر عليهم اثر الجمال ويتذوقون دائما ابدا ويختفى منهم جلال الجمال واثره بحيث لا يحسونه ولا يرونه ولا يتألمون به قطعا سرمدا فكذلك إذا استقر اهل دار الجلال فيها بعد مرور الاحقاب يظهر على بواطنهم اثر جمال الجلال ويتذوقون به ابدا ويحتفى منهم اثر نار الجلال بحيث لا يحسونه ولا يرونه ولا يتألمون به سرمدا لكن كما عرفت ليس كذلك الا بعد انقطاع إحراق النار بواطنهم وظواهرهم بعد مرور الأيام والاحقاب وكل منهم تخرقه النار خمسين الف سنة من سنى الآخرة لشرك يوم واحد من ايام الدنيا والظاهر عليهم بعد مرور الاحقاب هو الحال الذي يدوم عليهم ابدا وهو الحال الذي كانوا عليه فى الأزل وما بينهما ابتلاءات رحمانية والابتلاء حادث قال تعالى وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ عصمنا الله وإياكم من دار البوار انتهى كلام الشيخ رضى الله عنه إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ فى أفعاله ومنها تخليد اولياء الشياطين فى النار عَلِيمٌ بأحوال الثقلين وأعمالهم وبما يليق بها من الجزاء وَكَذلِكَ اى كما خذلنا عصاة الجن والانس حتى استمتع بعضهم ببعض نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً اى نسلط بعضهم على البعض فنأخذ من الظالم بالظالم بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بسبب ما كانوا مستمرين على كسبه من الكفر والمعاصي وجاء (من أعان ظالما سلطه الله عليه) وعن ابن عباس رضى الله عنهما إذا أراد الله بقوم خيرا ولى أمرهم خيارهم وإذا أراد بقوم شرا ولى أمرهم شرارهم وجاء فى بعض الكتب الالهية انى انا الله ملك الملوك قلوب الملوك بيدي فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصانى جعلته عليه نقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك ولكن توبوا الى أعطفهم عليكم وفى الحديث (الظالم عدل الله فى الأرض ينتقم به ثم ينتقم منه) وفى المرفوع (يقول الله عز وجل انتقم ممن ابغض بمن ابغض ثم أصير كلا الى النار) وفى الزبور انى لانتقم من المنافق بالمنافق ثم انتقم من المنافقين جميعا وقول القائل كيف يجوز وصفه بالظلم وينسب الى انه عدل من الله تعالى جوابه ان المراد بالعدل هنا ما يقابل بالفضل فالعدل ان يعامل كل أحد بفعله ان خيرا فخير وان شرا فشر والفضل ان يعفو مثلا عن المسيء وهذا على طريق اهل السنة بخلاف المعتزلة فانهم يوجبون عقوبة المسيء ويدعون ان ذلك هو العدل ومن ثمة سموا أنفسهم اهل العدل والى ما صار اليه اهل السنة يشير قوله تعالى قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ اى لا تمهل الظالم ولا تتجاوز عنه بل عجل عقوبته لكن الله تعالى يمهل من يشاء ويتجاوز عمن يشاء ويعطى من يشاء لا يسأل عما يفعل كذا فى المقاصد الحسنة للامام السخاوي: وفى المثنوى

چونكه بد كردى بترس ايمن مباش

زانكه تخمست وبرو بروياند خداش

چند كاهى او بپوشاند كه تا

آيدت زان بد پشيمان وحيا

بارها پوشد پى اظهار فضل

باز كيرد از پى اظهار عدل

تا كه اين هر دو صفت ظاهر شود

آن مبشر كردد اين منذر شود

ص: 104

واعلم ان الظلم مطلقا مفسد للاستعداد الفطري الروحاني القابل للفيض الرباني ولذا لا ينجع فى الظالم الكلام الحق واكثر ما يكون من ارباب الرياسة للقدرة والغلبة وفى الحديث (ان من اشراط الساعة اماتة الصلوات واتباع الشهوات وان تكون الأمراء خونة والوزراء فسقة) فوثب سلمان فقال بابى وأمي أهذا كائن قال (نعم يا سلمان عندها يذوب قلب المؤمن كما يذوب الملح فى الماء ولا يستطيع ان يغير) قال أو يكون ذلك قال (نعم يا سلمان ان أذل الناس يومئذ المؤمن يمشى بين أظهرهم بالمخافة ان تكلم أكلوه وان سكت مات بغيظه) كذا فى روضة الاخبار: قال السعدي قدس سره

خبر دارى از خسروان عجم

كه كردند بر زير دستان ستم

نه آن شوكت و پادشاهى بماند

نه آن ظلم بر روستايى بماند

مكن تا توانى دل خلق ريش

وكر ميكنى ميكنى بيخ خويش

اللهم احفظنا من الظلم والفساد انك حافظ العباد والبلادا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ

اى يقول الله تعالى يوم القيامة للثقلين جميعا ألم يأتكم فى الدنيا اى كل فريق منكم سُلٌ

اى رسول معين من الله تعالى نْكُمْ

صفة لرسل اى كائنة منكم اعلم ان الجن والانس مكلفون بالاتفاق لكن الرسول إليهم يحتمل ان يكون من جنسهم كما كان جبريل ونحوه رسل الملائكة من جنسهم وخواص البشر رسل الانس من أنفسهم لان الجنس الى الجنس أميل والاستفادة والاستئناس فى الجنسية اظهر ويحتمل ان يكون من غير جنسهم بان يكون من البشر وذلك لا يمنع الاستفادة لانه يجوز ان يستفيد خواصهم من الرسل ويكونوا رسل الرسول الى قومهم كاستفادة خواص البشر من خواص الملائكة وقد قام الإجماع على ان نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل الى الثقلين ودعا كل واحد من الفريقين الى الايمان بالله واليوم الآخر وقد كان الأنبياء قبله يبعثون الى قومهم خاصة واما سليمان عليه السلام فانه لم يبعث الى الجن بالرسالة العامة بل بالملك والضبط والسياسة التامة فقوله تعالى سُلٌ مِنْكُمْ

اما محمول على المعنى الاول بان يكون الرسل من جنس الفريقين وقد ذهب اليه الضحاك ومن تبعه حيث قالوا لا معنى للعدول عن الظاهر بغير ضرورة وأيدوه بما قال ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ فى كل ارض نبى مثل نبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوح وابراهيم كابراهيم وعيسى كعيسى وصححه صاحب آكام المرجان كيف وابن عباس رضى الله عنهما سلطان المفسرين بالاتفاق ولا معنى لقول السخاوي فى المقاصد الحسنة انه اخذه من الاسرائيليات وهذا كما قالوا ان فى كل سماء كعبة حيالها يطوفها أهلها وكذا فى كل ارض ويناسب هذا ما قاله حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره خطابا لحضرة الهدائى الآن عوالم كثيرة يتكلم فيها محمود وافتاده كثير واما محمول على المعنى الثاني وهو الذي ادعوا فيه الإجماع وفيه تفصيل شأن البشر فالرسل من الانس خاصة لكن لما جمعوا مع الجن فى الخطاب صح ذلك ونظيره يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ والمرجان يخرج من الملح دون العذب وقيل الرسل يعم رسل الرسل وقد ثبت ان نفرا من الجن قد استمعوا

ص: 105

القرآن وانذروا به قومهم هذا ما وفقني الله تعالى لترتيبه وتهذيبه فى هذا الباب والله يقول الحق ويهدى الى الصواب قُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي

اى يقرأون عليكم كتبى يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا

يعنى يوم القيامةالُوا

جوابا عند ذلك التوبيخ الشديدهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا

ان قد بلغنا وهو اعتراف منهم بالكفر واستحقاق العذاب وشهدنا إنشاء الشهادة مثل بعت واشتريت فلفظ الماضي لا يقتضى تقدم الشهادة غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا

فلم يؤمنوا شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ

فى الآخرةنَّهُمْ كانُوا

فى الدنياافِرِينَ

اى بالآيات والنذر التي أتى بها الرسل وهو ذم لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم فانهم اغتروا بالحياة الدنيوية واللذات المخدجة واعرضوا عن الآخرة بالكلية حتى كان عاقبة أمرهم ان اضطروا الى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد تحذير للسامعين من مثل حالهم ذلِكَ اى إرسال الرسل أَنْ اللام مقدرة وهى مخففة اى لان الشأن لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ اى بسبب ظلم منها وَأَهْلُها غافِلُونَ لم يرسل إليهم رسول يبين لهم قال البغوي وذلك ان الله تعالى اجرى السنة اى لا يأخذ أحدا الا بعد وجود الذنب وانما يكون مذنبا إذا امر فلم يأتمر ونهى فلم ينته ويكون ذلك بعد إنذار الرسل وفى التفسير الفارسي [استئصال هيچ قوم نباشد الا بعد از تقدم وعيد واگر نه ايشانرا بر حق حجت باشد كه لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك] قال فى التأويلات النجمية الاستعداد الروحاني لا يفسد باستيفاء الحظ الحيواني فى الطفولية الا بعد ان يصير العبد مستعدا لقبول فيض العقل وفيض الهام الحق عند البلوغ فيخالف الإلهام ويتبع الهوى فيفسد بذلك حسن الاستعداد لقبول الفيض الإلهي كقوله تعالى وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وهذا كما انه تعالى لا يعذب قوما ما بلغتهم الدعوة حتى يبعث فيهم رسولا فيخالفونه فيعذبهم بها وقد عبر لسان الشرع عن هذا المعنى بان لا يجرى عليه قلم تكاليف الشريعة الا بعد البلوغ بالأوامر والنواهي لانه أوان ترقى الروح باستعمال المأمورات ونقصانه باستعمال المنهيات انتهى فعلى العاقل ان يتدارك حاله ويخاف من الخطاب القهرى يوم القيامة

كر بمحشر خطاب قهر كند

انبيا را چهـ جاى معذرتست

قال الحسن البصري رحمه الله الناس فى هذه الدنيا على خمسة اصناف. العلماء وهم ورثة الأنبياء. والزهاد وهم الأدلاء. والغزاة وهم اسياف الله. والتجار وهم أمناء الله. والملوك وهم رعاة الخلق فاذا أصبح العالم طامعا وللمال جامعا فبمن يقتدى ولذا قال من قال

شيخ چون مائل بمال آيد مريد او معاش

مائل دينار هركز مالك ديدار نيست

وإذا أصبح الزاهد راغبا فبمن يستدل ويهتدى

از زاهدان خشك رسائى طمع مدار

سيل ضعيف واصل دريا نميشود

وإذا أصبح الغازي مرائيا والمرائى لا عمل له فمن يظفر بالأعداء

عبادت بالإخلاص نيت نكوست

وكر نه چهـ آيد ز بي مغز پوست

وإذا كان التاجر خائنا فمن يؤمن ويرتضى

ص: 106

درين زمانه مكر جبرئيل أمين باشد

وإذا أصبح الملك ذئبا فمن يحفظ الغنم ويرعى

پادشاهى كه طرح ظلم افكند

پاى ديوار ملك خويش بكند

نكند جور پيشه سلطانى

كه نيايد ز كرك چوپانى

والله ما أهلك الناس الا العلماء المداهنون والزهاد الراغبون والغزاة المراءون والتجار الخائنون والملوك الظالمون وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ثم ان الاحكام الالهية قد بلغت الى كل إقليم وبلغ الشاهد الغائب الى يومنا هذا من قديم وامتلاء الآذان من سماع الحق والكلام المطلق فلم يبق للسلطان ولا للوزير ولا لغيرهما من الوضيع والخطير عذر ينجيه من الهلاك وقهر مالك الاملاك والتنبيه مقدم لكل خامل ونبيه فهلاك القرى وأهلها وظهور الظلمات فرعها وأصلها انما هو من غفلة الإنسان أيقظه الله الملك المنان فلا تلومن عند وجود التنزل الا نفسك الآبية وظهور التسفل الا طبيعتك الغبية فقد استبان البرهان والحجة ووضع لسالكيها المحجة ألم تسمع الى قوله تعالى فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ وأراك انك ألقمت الحجر ولا تدرى ما فعل بك بل تتمادى فى تعبك وتتمرغ فى غضبك فعالج نفسك ايها المريض قبل الحلول الى الحضيض وَلِكُلٍّ من المكلفين من الثقلين مؤمنين كانوا او كفارا دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا اى مراتب كائنة من أعمالهم صالحة كانت او مسيئة فلاهل الخير درجات فى الجنة بعضها فوق بعض ولاهل الشرك دركات فى النار بعضها أشد عذابا من بعض وفسروا الدرجات بالمراتب لان الدرجات غلب استعمالها فى الخير والثواب والكفار لاثواب لهم وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ فيخفى عليه عمل من أعمالهم طاعة او معصية والمقصود ان الله يجزى كل عامل بما عمل وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ عن العباد والعبادة. والغنى هو الذي لا يحتاج الى شىء فيكون وجود كل شىء عنده وعدمه سواء وغيره تعالى لا يسمى غنيا الا إذا لم يبق له حاجة الا الى الله تعالى فاصل الحاجة لا ينقطع عن غير الله لانه فى وجوده وغناه يحتاج الى الغنى الحقيقي ذُو الرَّحْمَةِ يترحم عليهم بالتكليف تكميلا لهم ويمهلهم على المعاصي وفى التأويلات النجمية يعنى مع غناه عن الخلق له رحمة قد اقتضت إيجاد الخلق ليربحوا عليه لا ليربح عليهم: قال فى المثنوى

چون خلقت الخلق كى يربح على

لطف تو فرمود اى قيوم وحي

لا لان اربح عليهم جود تست

كه شود زو جمله ناقصها درست

عفو كن اين بندگان تن پرست

عفو از درياى عفو اولى ترست

عفو خلقان همچوجو وهمچوسيل

هم بدان درياى خود تازند خيل

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ايها العصاة اى يهلككم وَيَسْتَخْلِفْ بالفارسي [خليفه وجانشين شما سازد] مِنْ بَعْدِكُمْ اى من بعد اذهابكم وإهلاككم ما يَشاءُ اى خلقا آخر أطوع لله منكم وإيثار ما على من لاظهار كمال الكبرياء وإسقاطهم عن رتبة العقلاء كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ اى من قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم وهم اهل سفينة نوح عليه السلام لكنه ابقاكم ترحما عليكم وفى التفسير الفارسي [همچنانكه شما را پيدا

ص: 107

كرد از ذرية قومى ديكر كه پدران شما بودند] إِنَّ ما تُوعَدُونَ اى الذي توعدون من البحث والعذاب لَآتٍ لواقع لا محالة لا خلف فيه وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ اى بفائتين ذلك وان ركبتم فى الهرب متن كل صعب وذلول قُلْ لاهل مكة يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ المكانة مصدر بمعنى التمكن وهو القوة والاقتدار اى اعملوا على غاية تمكنكم ونهاية استطاعتكم يعنى اعملوا ما أنتم عاملون واثبتوا على كفركم وعداوتكم إِنِّي عامِلٌ ما كتب على من المصابرة والثبات على الإسلام والاستمرار على الأعمال الصالحة. والأمر للتهديد من قبيل الاستعارة تشبيها للشر المهدد عليه بالمأمور به الواجب الذي لا بد ان يكون قال فى التأويلات النجمية اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ اى على ما جبلتم عليه نظيره قوله قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ استفهامية او موصولة تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ اى أينا تكون له العاقبة المحمودة التي خلق الله تعالى هذه الدار لها او فسوف تعرفون الذي له العاقبة الحسنى فالدار دار الدنيا والعاقبة الاصلية لهذه الدار هى عاقبة الخير واما عاقبة السوء فمن نتائج تحريف الفجار إِنَّهُ اى ان الشان لا يُفْلِحُ يسعد الظَّالِمُونَ اى الكافرون اى لا يظفرون بمرادهم وبالفارسي [بدرستى كه پيروزى ورستكارى نيابند ستمكاران يعنى كفار. صاحب كشف الاسرار فرموده كه هم درين روزى بدانيد كه دنيا كجا رسد ودولت فلاح كرا رسد بينيد كه درويشان شكسته بال را بسراى كرامت چون خوانند وخواجكان صاحب اقبال را سوى زندان ندامت چون رانند]

باش تا كل يابى آنها را كه امروزند جزو

باش تا كل بينى انها را كه امروزند خار

تا كه از دار الغرورى ساختن دار السرور

تا كى از دار الفرارى ساختن دار القرار

وليس الفلاح الا فى العلم والعمل وترك الدنيا والكسل والذلل- حكى- عن بعضهم انه دخل عليه بعض الفقراء ولم يجد فى بيته شيأ من المتاع فقال اما لكم شىء قال بلى لنا داران إحداهما دار أمن والاخرى دار خوف فما يكون لنا من الأموال ندخره فى دار الا من يعنى نقدمه للدار الآخرة فقال له انه لا بد لهذا المنزل من متاع فقال ان صاحب هذا المنزل لا يدعنا فيه وذلك ان الدنيا عارية ولا بد للمعير ان يرجع فى عاريته فعاقبة الدار انما هى للاخيار الأبرار الذين عملوا الله فى ليلهم ونهارهم ولم ينقطعوا عن التوجه اليه حال سكونهم وقرارهم وكان شاب يجتهد فى العبادة فقيل له فى ذلك فقال رأيت فى منامى قصرا من قصور الجنة مبنيا بلبنة من ذهب ولبنة من فضة وكذلك شراريفه وبين كل شرافتين حورية لم يرالراؤون مثلها لما بها من الحسن والجمال وقد ارخين ذوائب شعورهن فتبسمت إحداهن فى وجهى فانارت الجنة بنور ثناياها ثم قالت يافتى جد لله تعالى فى طلبى لاكون لك وتكون لى فاستيقظت فحقيق على ان أجد فاذا كان هذا الاجتهاد فى طلب حورية فكيف بمن يطلب رب الحورية

فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ

كه كار عشق ز ما اين قدر نمى آيد

فظهر ان الاجتهاد فى طريق الحق له عاقبة حميدة فانه موصل الى الجنة والقربة والوصلة فسيظهر اثره فى الدار الآخرة. واما الظالمون الذين أفسدوا استعداداتهم بما عملوا من المعاصي

ص: 108

فانهم لا يفلحون بمثل هذه السعادة بل يرجعون الى دار البوار وحالهم فى الدنيا هى الخسارة لا غير فان الباطل يفور ثم يغور والدولة فى الدنيا والآخرة لاهل الايمان والخلاص من التنزل لا يحصل الا بالايمان فمن دخل فى حصن الايمان وقوة اليقين يترقى الى ما شاء الله تعالى من الدرجات والشيطان وان كان ينبح عليه خارج الحصن لكنه لا يضره وفى الحديث (جددوا ايمانكم) والمراد الانتقال من مرتبة الى مرتبة فان اصل الايمان قدتم بالأول ولكن الايمان على ثمانى عشرة مرتبة والعناية من الله تعالى وتوحيد كل شخص على قدر يقينه وهو قد يكون على قدر يقينه فى ملك وجوده وقد لا يكون على قدر هذا اليقين فالذين يظهرون الدعوى فتوحيدهم فى ملك وجودهم فقط فلو انهم جاوزوا الى هذا اليقين لندموا عليها ورغبوا عن أنفسهم فعلى العاقل ان لا يسامح فى باب الدين بل يجتهد فى تحصيل اليقين فان الاجتهاد باب لهذا التحصيل ووسيلة فى طريقة التكميل وان كان الله تعالى هو الموصل برحمته الخاصة والمؤثر فى كل الأمور اللهم اجعلنا من اهل التوحيد الحقانى وشرفنا بالايمان العيانى فانك الغنى ونحن الفقراء وَجَعَلُوا اى مشركوا العرب لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ اى خلق مِنَ الْحَرْثِ اى الزرع وَالْأَنْعامِ نَصِيباً ولشركائهم ايضا نصيبا فَقالُوا هذا النصيب لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ اى بادعائهم الباطل من غير ان يكون ذلك بامر الله تعالى وَهذا لِشُرَكائِنا اى آلهتنا التي شاركونا فى أموالنا من المتاجر والزروع والانعام وغيرها فهو من الشركة لا من الشرك والاضافة الى المفعول- روى- انهم كانوا يعينون شيأ من الحرث والنتاج لله ويصرفونه الى الضيفان والمساكين وشيأ منهما لآلهتهم وينفقونه على سدنتها ويذبحونه عندها ثم ان رأوا ما عينو الله ازكى رجعوا وجعلوه لآلهتهم وان رأوا ما لآلهتهم از كى تركوه معتلين بان الله تعالى غنى وما ذلك الا لحب آلهتهم وإيثارهم لها فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ من نماء الحرث والانعام فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ اى الى المساكين والأضياف وقالوا لو شاء الله زكى نصيب نفسه وَما كانَ لِلَّهِ من ذلك النماء فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ بذبح النسائك عندها والاجراء على سدنتها لانهم إذا لم ينم نصيب الآلهة يبدلون ذلك النامي الذي عينوه لله تعالى ويجعلونه لآلهتهم ساءَ ما يَحْكُمُونَ اى ساء الذي يحكمون حكمهم فيما فعلوا من إيثار آلهتهم على الله تعالى وعملهم بما لم يشرع لهم وَكَذلِكَ ومثل ذلك التزيين وهو تزيين الشرك فى قسمة القربان بين الله تعالى وبين آلهتهم زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ اى أولياؤهم من الجن او من السدنة فقوله قتل مفعول زين وشركاؤهم فاعله وكان اهل الجاهلية يدفنون بناتهم احياء خوفا من الفقر او من التزويج او من السبي وكان الرجل منهم يحلف بالله لئن ولد له كذا وكذا غلاما لينحزن أحدهم كما حلف عبد المطلب على ابنه عبد الله- روى- ان عبد المطلب رأى فى المنام انه يحفر زمزم ونعت له موضعها وقام يحفر وليس له ولد يومئذ الا الحارث فنذر لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا لينحرن أحدهم لله تعالى عند الكعبة فلما تموا عشرة أخبرهم بنذره فاطاعوه وكتب كل واحد منهم اسمه فى قدح فخرج على

ص: 109

عبد الله فاخذ الشفرة لينحر فقامت قريش من أنديتها فقالوا لا تفعل حتى ننظر فيه فانطلق به الى عرّافة فقالت قربوا عشرا من الإبل ثم اضربوا عليه وعليها القداح فان خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم وإذا خرجت على الإبل فقد رضى ربكم ونجا صاحبكم فقربوا من الإبل عشرا فخرج على عبد الله فزاد عشرا عشرا فخرجت فى كل مرة على عبد الله الى ان قرب مائة فخرج القدح على الإبل فنحرت ثم تركت لا يصدّ عنها انسان ولا سبع ولذلك قال عليه السلام (انا ابن الذبيحين) يريد أباه عبد الله واسمعيل عليه السلام لِيُرْدُوهُمْ اى ليهلكوهم بالإغواء وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين اسمعيل عليه السلام واللام للتعليل ان كان التزيين من الشياطين وللعاقبة ان كان من السدنة لظهور ان قصد السدنة لم يكن الإرداء واللبس وانما كان ذلك قصد الشياطين وَلَوْ شاءَ اللَّهُ اى عدم فعلهم ذلك ما فَعَلُوهُ اى ما فعل المشركون ما زين لهم من القتل فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ الفاء فصيحة اى إذا كان ما فعلوه بمشيئة الله تعالى فدعهم وافتراءهم على الله انه أمرهم بدفن بناتهم احياء فان الله تعالى مع قدرته عليهم تركهم فاتركهم أنت فان لهم موعدا يحاسبون فيه ولله تعالى فيما شاء حكم بالغة وَقالُوا هذِهِ اشارة الى ما جعلوه لآلهتهم أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ اى حرام لا يَطْعَمُها بالفارسي [نچشد ونخورد آنرا] إِلَّا مَنْ نَشاءُ يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء بِزَعْمِهِمْ اى قالوه ملتبسين بزعمهم الباطل من غير حجة وَأَنْعامٌ خبر مبتدأ محذوف والجملة معطوفة على قوله تعالى هذه انعام اى قالوا مشيرين الى طائفة اخرى من أنعامهم اى وهذه انعام حُرِّمَتْ ظُهُورُها يعنون بها البحائر والسوائب والحوامي وَأَنْعامٌ اى وهذه انعام كما مر وقوله تعالى لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صفة لانعام لكنه غير واقع فى كلامهم المحكي كنظائره بل مسوق من جهته تعالى تعييننا للموصوف وتمييزا له عن غيره كما فى قوله تعالى إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ على أحد التفاسير كأنه قيل وانعام ذبحت على الأصنام فانها التي لا يذكر عليها اسم الله وانما يذكر عليها الأصنام افْتِراءً عَلَيْهِ اى افتروا على الله افتراء يعنى انهم يفعلون ذلك ويزعمون ان الله تعالى أمرهم به سَيَجْزِيهِمْ بالفارسي [زود باشد كه خدا جزا دهد ايشانرا] بِما كانُوا يَفْتَرُونَ اى بسبب افترائهم وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ يعنون به اجنة البحائر والسوائب خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا اى حلال للرجال خاصة دون الإناث وتأنيث خالصة محمول على معنى ما وتذكير محرم محمول على لفظه وهذا الحكم منهم ان ولد ذلك حيا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً اى ولدت ميتة فَهُمْ فِيهِ اى ما فى بطون الانعام شُرَكاءُ يأكلون منه جميعا ذكورهم وإناثهم سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ اى جزاء وصفهم الكذب على الله تعالى فى امر التحليل والتحريم إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ تعليل للوعد بالجزاء فان الحكيم العليم بما صدر عنهم لا يكاد يترك جزاءهم الذي هو من مقتضيات الحكمة قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ جواب قسم محذوف وهم ربيعة ومضر واضرابهم من العرب الذين كانوا يئدون بناتهم

ص: 110

محافظة السبي والفقر اى خسروا دينهم ودنياهم بالفارسي [زيان كردند] سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ متعلق بقتلوا على انه علة له وبغير علم صفة لسفها اى لخفة عقلهم وجهلهم بان الله تعالى هو الرزاق لهم ولا ولادهم وَحَرَّمُوا على أنفسهم ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ من البحائر ونحوها افْتِراءً عَلَى اللَّهِ اى افتروا على الله افتراء حيث قالوا ان الله أمرهم بها قَدْ ضَلُّوا عن الطريق المستقيم وَما كانُوا مُهْتَدِينَ اليه وان هدوا بفنون الهدايات- روى- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رجلا من أصحابه كان لا يزال مغتما بين يديه فقال عليه السلام (مالك تكون محزونا) فقال يا رسول الله انى قد أذنبت فى الجاهلية ذنبا فاخاف ان لا يغفر لى وان أسلمت فقال عليه السلام (أخبرني عن ذنبك) فقال يا رسول الله انى كنت من الذين يقتلون بناتهم فولدت لى بنت فشفعت الىّ امرأتى ان اتركها فتركتها حتى كبرت وأدركت فصارت من أجمل النساء فخطبوها فدخلت على الحمية ولم يتحمل قلبى ان أزوجها او اتركها فى البيت بغير زوج فقلت للمرأة انى أريد ان اذهب الى قبيلة كذا فى زيارة اقربائى

فابعثيها معى فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلل وأخذت على المواثيق بان لا اخونها فذهبت بها الى رأس بئر فنظرت فى البئر ففطنت الجارية بي انى أريد ان ألقيها فى البئر فالتزمتنى وجعلت تبكى وتقول يا ابى أي شىء تريد ان تفعل بي فرحمتها ثم نظرت فى البئر فدخلت على الحمية ثم التزمتنى وجعلت تقول يا ابى لا تضيع امانة أمي فجعلت مرة انظر الى البئر ومرة انظر إليها وارحمها وغلبنى الشيطان فاخذتها وألقيتها فى البئر منكوسة وهى تنادى فى البئر يا ابى قتلتنى فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت فبكى رسول الله وقال (لو أمرت ان أعاقب أحدا بما فعل فى الجاهلية لعاقبتك بما فعلت) واعلم انهم لما انسد عليهم طريق الثقة بالله حملتهم خشية الفقر على قتل الأولاد ولذلك قال اهل التحقيق من امارات اليقين وحقائقه كثرة العيال على بساط التوكل قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر من دخل هذا الطريق وهو ذو زوج فلا يطلق او عزب فلا يتزوج حتى يكمل فاذا كمل فهو فى ذلك على ما يلقى اليه ربه انتهى واختار اكثر الكمل موت أولادهم لان كل ما يشغل الطالب عن الله من الأموال والأولاد فهو فتنة ومنهم ابراهيم بن أدهم حيث اجتمع بولده بمكة فرأى فى قلبه ميلا اليه فقال الهى أمتني او هذا مشيرا الى ولده فمات والأنسب ان يدفعه من قلبه بالتوحيد ولا يدعو عليه بالموت لان الدعاء تصرف من عند نفسه والمتصرف فى الحقيقة هو الله فاذا ادخل عبده فى امر لا يتولى العبد إخراج نفسه منه بل يصير وينتظر الى امر الله تعالى وقلة المال مع كثرة العيال والصبر عليها من المجاهدات المعتبرة عند السلاك قال حضرة الشيخ افتاده افندى خطابا لحضرة الهدايى إذا اظهر اهل بيتك جوعا شديدا ورأيتهم قد أشرفوا على الهلاك فعليك ان تتوكل على الله وتسلم الأمر اليه بان تقول عن صميم قلبك لا بمجرد لسانك الهى انا عبد ذليل مثلهم وهم عبادك فامرى وأمرهم إليك لا أحل انا بينك وبين عبادك يتم المقصود بالسهولة ويقضى الرب جميع حوائجك قال ويكون توكل الطالب على وجه لو ان أولاده ما توا من الجوع لما ترحم

ص: 111

عليهم بل قال هذا الرب وهذا عبده وأفوض امرى الى الله ان الله بصير بالعباد: قال الصائب

فكر آب او دانه در كنج قفس بيحاصلست

زير چرخ انديشه روزى چرا باشد مراد

وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ اى خلق يقال نشأ الشيء نشأة إذا ظهر وارتفع وانشأه الله تعالى اى أظهره ورفعه جَنَّاتٍ اى بساتين من الكروم مَعْرُوشاتٍ اى مرفوعات على ما يحملها من خشب ونحوه وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ ملقيات على وجه الأرض فان بعض الأعناب يعرش وبعضها لا يعرش بل يلقى على وجه الأرض منبسطا او المعروشات الأعناب التي يجعل لها عروش وغير المعروشات كل ما نبت منبسطا على وجه الأرض مثل القرع والبطيخ او المعروشات ما يحتاج الى ان يتخذ له عريش يحمل عليه فيمسكه وهو الكرم وما يجرى مجراه وغير المعروش ما لا يحتاج اليه بل يقوم على ساقه كالنخل والزرع ونحوهما من الأشجار والبقول او المعروشات ما يحصل فى البساتين والعمرانات مما يهتم به الناس ويغرسونه وغير المعروشات ما أنبته الله تعالى فى البراري والجبال وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ اى انشأهما وافرادهما بالذكر مع انهما داخلان فى الجنات لكونهما أعم نفعا من جملة ما يكون فى البساتين والمراد بالزرع هاهنا جميع الحبوب التي يقتات بها مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ حال مقدرة إذ ليس كذلك وقت الإنشاء اى انشأ كل واحد منهما فى حال اختلاف ثمره الذي يؤكل فى الهيئة والكيفية قال البغوي ثمره وطعمه منها الحلو والحامض والجيد والردى وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ اى انشأهما مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ نصب على الحالية اى يتشابه بعض افرادهما فى اللون والهيئة والطعم ولا يتشابه بعضها مثل الرمانين لونهما واحد وطعمهما مختلف كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ اى من ثمر كل واحد من ذلك إِذا أَثْمَرَ وان لم يدرك ولم يينع بعد ففائدة التقييد بقوله إذا اثمر اباحة الاكل منه قبل إدراكه وينعه وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ أشهر الأقوال على ان المراد ما كان يتصدق به على المساكين يوم الحصاد اى يوم قطع العنب والنخل ونحوهما بطريق الوجوب من غير تعيين المقدار حتى نسخه افتراض العشر فيما يسقى بماء السماء ونصف العشر فيما يسقى بالدلو والدالية او نحوهما وَلا تُسْرِفُوا اى فى التصدق كما روى ان ثابت بن قيس جذ خمسائة نخلة فقسمها فى يوم واحد ولم يترك لاهله شيأ وقد جاء فى الخبر (ابدأ بمن تعول) وقيل الخطاب للسلاطين اى لا تأخذوا فوق حقكم إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ اى لا يرضى فعلهم وَمِنَ الْأَنْعامِ اى انشأ من الانعام حَمُولَةً ما يحمل عليه الأثقال وَفَرْشاً وما يفرش للذبح او يتخذ من صوفه ووبره وشعره ما يفرش ولعله من قبيل التسمية بالمصدر كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من تبعيضية وما عبارة عن الحمولة والفرش اى كلوا بعض ما رزقكم الله اى حلاله وفيه تصريح بان انشاءها لاجلهم ومصلحتهم وتخصيص الاكل بالذكر من غير تعرض للانتفاع بالحمل والركوب وغير ذلك مما حرموه فى السائبة وأخواتها لكونه معظم ما ينتفع به ويتعلق به الحل والحرمة وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ اى لا تسلكوا الطريق التي سولها الشيطان لكم فى امر التحليل والتحريم فانه لا يدعوكم الا الى المعصية إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ اى ظاهر العداوة وقد ابان عداوته لابيكم آدم عليه السلام ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ بدل من حمولة وفرشا

ص: 112

والزوج ما معه آخر من جنسه يزاوجه ويحصل منهما النسل فالاثنان المصطحبان يقال لهما زوجان لا زوج فعلى هذا يقول مقراضان ومقصان لا مقراض ومقص لانهما اثنان والمراد بالأزواج الثمانية الأنواع الاربعة لانها باعتبار مزاوجها ثمانية مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ بدل من ثمانية ازواج اى انشأ من الضان زوجين الكبش والنعجة والضأن معروف وهو ذو الصوف من النعم وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ اى انشأ من المعز زوجين التيس والعنز والمعز ذو الشعر من النعم قُلْ لهم يا محمد آلذَّكَرَيْنِ من ذينك النوعين وهما الكبش والتيس حَرَّمَ اى الله تعالى كما تزعمون انه هو المحرم أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ وهما النعجة والعنز أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ اى أم ما حملت إناث النوعين حرم ذكرا كان او أنثى نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ اى أخبروني بامر معلوم من جهة الله تعالى من الكتاب او اخبار الأنبياء يدل على انه تعالى حرم شيأ مما ذكر إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى دعوى التحريم عليه سبحانه وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ عطف على قوله تعالى من الضأن اثنين اى وانشأ من الإبل اثنين هما الجمل والناقة وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ذكر او أنثى قُلْ إفحاما لهم ايضا آلذَّكَرَيْنِ منهما حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ من ذينك النوعين والمعنى انكار ان الله تعالى حرم عليهم شيأ من الأنواع الاربعة ذكرا وأنثى او ما يحمل إناثها ردا عليهم فانهم كانوا يحرمون ذكور الانعام تارة كالحام فانه إذا نتجت من صلب الفحل عشرة ابطن حرموه ولم يمنعوه ماء ولا مرعى وقالوا انه قد حمى ظهره وكالوصيلة فان الشاة إذا ولدت أنثى فهى لهم وان ولدت ذكرا فهو لآلهتهم وان ولدتهما وصلت الأنثى أخاها ويحرمون إناثها تارة كالبحيرة والسائبة فانه إذا نتجت الناقة خمسة ابطن آخرها ذكر بحروا اذنها وخلوا سبيلها فلا تركب ولا تحلب وكان الرجل منهم يقول ان شفيت فناقتى سائبة ويجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها وكانوا إذا ولدت النوق البحائر والسوائب فصيلا حيا حرموا لحم الفصيل على النساء دون الرجال وان ولدت فصيلا ميتا اشترك الرجال والنساء فى لحم الفصيل ولا يفرقون بين الذكور والإناث فى حق الأولاد أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة ومعنى الهمزة الإنكار والتوبيخ ومعنى بل الاضراب عن التوبيخ بما ذكر الى التوبيخ بوجه آخر اى بل أكنتم حاضرين شاهدين إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا اى حين وصاكم بهذا التحريم إذ أنتم لا تؤمنون بنبي فلا طريق لكم حسبما يؤول اليه مذهبكم الى معرفة أمثال ذلك الا المشاهدة والسماع فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فنسب اليه تحريم ما لم يحرم لِيُضِلَّ النَّاسَ متعلق بافترى قال سعدى چلبى المفتى الظاهر ان اللام للعاقبة بِغَيْرِ عِلْمٍ حال من فاعل يضل اى ملتبسا بغير علم بما يؤدى بهم اليه إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ كائنا من كان الى ما فيه صلاح حالهم عاجلا وآجلا فاذا نفى الهداية عن الظالم فما ظنك بمن هو اظلم قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ طعاما مُحَرَّماً من المطاعم التي حرموها عَلى طاعِمٍ أي طاعم كان من ذكر او أنثى ردا على قولهم ومحرم على أزواجنا وقوله تعالى يَطْعَمُهُ لزيادة التقرير إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك الطعام مَيْتَةً لم تذك وهى التي تموت حتف أنفها

ص: 113

أَوْ دَماً مَسْفُوحاً اى مصبوبا كالدماء التي فى العروق لا كالطحال والكبد فانهما جامدان وقد جاء الشرع بإباحتهما وفى الحديث (أحلت لنا ميتتان ودمان) والمراد من الميتتين السمك والجراد ومن الدمين الكبد والطحال وما اختلط باللحم من الدم وقد تعذر تخلصه من اللحم عفو مباح لانه ليس بسائل ايضا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ اى الخنزير رِجْسٌ اى قذر لتعوده أكل النجاسة قال الحدادي كل ما استقذرته فهو رجس ويجوز ان يعود الضمير الى اللحم وتخصيصه مع ان لحمه وشحمه وشعره وعظمه وسائر ما فيه كله حرام لكونه أهم ما فيه فان اكثر ما يقصد من الحيوان المأكول اللحم فالحل والحرمة يضاف اليه أصالة ولغيره تبعا قال سعدى چلبى المفتى الأصل عود الضمير الى المضاف لانه المقصود والمضاف اليه لتعريفه وتخصيصه أَوْ فِسْقاً عطف على لحم خنزير أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ صفة موضحة اى ذبح على اسم الأصنام وانما سمى ذلك فسقا لتوغله فى الفسق فَمَنِ اضْطُرَّ اى

أصابته الضرورة الداعية الى تناول شىء من ذلك غَيْرَ باغٍ على مضطر مثله وَلا عادٍ قدر الضرورة فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ مبالغ فى المغفرة والرحمة لا يؤاخذه بذلك والآية محكمة لانها تدل على انه عليه السلام لم يجد فيما اوحى اليه الى تلك الغاية غيره ولا ينافيه ورود التحريم بعد ذلك فى شىء آخر قال فى التأويلات النجمية يشير بالميتة الى ميتة الدنيا فانها جيفة مستحيلة كما قال بعضهم

وما هى إلا جيفة مستحيلة

عليها كلاب همهن اجتذابها

فان تجتنبها كنت سلما لاهلها

وان تجتذبها نازعتك كلابها

وفى الحديث (اوحى الله الى داود يا داود مثل الدنيا كمثل جيفة اجتمعت عليها الكلاب يجرونها أفتحب ان تكون كلبا مثلهم فتجر معهم) : قال الحافظ

همايى چون تو عالى قدر حرص استخوان حيفست

دريغا سايه همت كه بر نااهل افكندى

والدم المسفوح هو الشهوات واللذات التي يهراق عليها دم الدين ولحم الخنزير هو كل رجس من عمل الشيطان كما قال إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ وحقيقة الرجس الاضطراب عن طريق الحق والبعد منه كما جاء فى الخبر لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس ايوان كسرى اى اضطرب وتحرك حركة سمع لها صوت فالرجس ما يبعدك عن الحق او فسقا اهل لغير الله به اى خروجا عن طلب الحق فى طلب غير الحق: قال السعدي

خلاف طريقت بود كاوليا

تمنا كنند از خدا جز خدا

فالشروع فى هذه الأشياء محرم لانها تحرمك من الله وقرباته الا ان يكون بقدر ما يدفع الحاجة الانسانية فان الضرورات تبيح المحظورات قال بعضهم فى قوله عليه السلام (تمعددوا واخشوشنوا) اى اقتدوا بمعدّ بن عدنان والبسوا الخشن من الثياب وامشوا حفاة فهو حث على التواضع ونهى عن الافراط فى الترفه والتنعم كما قال عليه السلام (إياك والتنعم فان عباد الله ليسوا بالمتنعمين)

بناز ونعمت دنيا منه دل

كه دل برداشتن كاريست مشكل

ص: 114

فعلى العاقل ان يكون ازهد الناس فى الدنيا ويتجرد عن الأسباب كالانبياء وكمل الأولياء وعن بعضهم قال رأيت فقيرا ورد على بئر ماء فى البادية فادلى ركوته فيها فانقطع حبله ووقعت الركوة فيها فاقام زمانا وقال وعزتك لا أبرح إلا بركوتي او تأذن لى فى الانصراف عنها قال فرأيت ظبية عطشانة جاءت الى البئر ونظرت فيها وفاض الماء وطفح على البئر وإذا بركوته على فم البئر فاخذها وبكى وقال الهى ما كان لى عندك محل ظبية فهتف به هاتف يا مسكين جئت بالركوة والحبل وجاءت الظبية ذاهبة عن الأسباب لتوكلها علينا ففى هذه الحكاية ما يدل على كمال الانقطاع عن غير الله تعالى وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا اى على اليهود خاصة لا على من عداهم من الأولين والآخرين حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ كل ما له إصبع سواء كان ما بين أصابعه منفرجا كانواع السباع والكلاب والسنانير أو لم يكن منفرجا كالابل والنعام والإوز والبط وكان بعض ذوات الظفر حلالا لهم فلما ظلموا عم التحريم وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ متعلق بقوله حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما لا لحومهما فانها باقية على الحل. والشحوم الثروب وشحوم الكليتين إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما استثناء من الشحوم اى الا ما اشتملت على الظهور والجنوب من شحم الكتفين الى الوركين من داخل وخارج أَوِ الْحَوايا عطف على ظهورهما اى او الا الذي حملته الأمعاء واشتمل عليها. جمع الحوية كما فى الصحاح وهى المباعر والمصارين أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ عطف على ما حملت وهو شحم الالية واختلاطه بالعظم اتصاله بالعصص وهو عجب الذنب اى عظمه وأصله ويقال انه أول ما يخلق وآخر ما يبلى ذلِكَ الجزاء جَزَيْناهُمْ اى اليهود بِبَغْيِهِمْ اى بسبب ظلمهم وهو قتلهم الأنبياء بغير حق وأخذهم الربا وأكلهم اموال الناس بالباطل وكانوا كلما أتوا بمعصية عوقبوا بتحريم شىء مما أحل لهم وقد أنكروا ذلك وادعوا انها لم تزل محرمة على الأمم الماضية فرد عليهم ذلك وأكد بقوله تعالى وَإِنَّا لَصادِقُونَ اى فى الاخبار عن كل شىء لا سيما فى الاخبار عن التحريم المذكور وفى الاخبار عن بغيهم فَإِنْ كَذَّبُوكَ اى اليهود والمشركون فيما فصل من احكام التحليل والتحريم فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ لا يعاجلكم بالعقوبة على تكذيبكم فلا تغتروا بذلك فانه امهال لا إهمال وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عذابه عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ حين ينزل سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ عدم اشراكنا ما أَشْرَكْنا نحن وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ أرادوا به ان ما فعلوه حق مرضى عند الله تعالى كَذلِكَ اى كهذا التكذيب وهو قولهم انا انما أشركنا وحرمنا لكون ذلك مشروعا مرضيا عند الله تعالى وانك كاذب فيما قلت من ان الله تعالى منع من الشرك ولم يحرم ما حرمتموه كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى متقدموهم الرسل حَتَّى ذاقُوا غاية لامتداد التكذيب بَأْسَنا الذي أنزلنا عليهم بتكذيبهم قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ زائدة عِلْمٍ من امر معلوم يصح الاحتجاج به على ما زعمتم فَتُخْرِجُوهُ لَنا فتظهروه لنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ اى ما تتبعون فيما أنتم عليه من الشرك والتحريم الا الظن الباطل من غير علم ويقين وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ تكذبون على الله تعالى قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ الفاء جواب شرط محذوف

ص: 115

اى وإذا قد ظهر ان لا حجة لكم فلله الحجة البالغة اى البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والثبات او بلغ بها صاحبها صحة دعواه والمراد بها الكتاب والرسول والبيان فَلَوْ شاءَ هدايتكم جميعا لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ بالتوفيق لها والحمل عليها ولكن شاء هداية قوم لصرف اختيارهم الى سلوك طريق الحق وضلال آخرين لصرف هممهم الى خلاف ذلك قُلْ هَلُمَّ اسم فعل اى احضروا شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا وهم قدوتهم الذين ينصرون قولهم ومذهبهم ولا من يشهد بصحة دعواهم كائنا من كان ولذلك قيد الشهداء بالاضافة إليهم وانما أمروا باستحضارهم ليلزمهم الحجة ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم وانه لا متمسك لهم كمن يقلدهم فَإِنْ شَهِدُوا بعد ما حضروا بان الله تعالى حرم هذا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ اى فلا تصدقهم فانه كذب محض وبين لهم فساده وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ كعبدة الأوثان والموصول الثاني عطف على الموصول الاول بطريق عطف الصفة على الصفة مع اتخاذ الموصوف فان من يكذب بآياته تعالى لا يؤمن بالآخرة وبالعكس وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ اى يجعلون له عديلا عطف على لا يؤمنون. والمعنى لا تتبع أهواء الذين يجمعون بين تكذيب آيات الله وبين الكفر بالآخرة وبين الإشراك به سبحانه لكن لا على ان يكون مدار النهى المذكور بل على ان أولئك جامعون لها متصفون بكلها واعلم ان الله تعالى أحل الطيبات ورد ما كان اهل الجاهلية يفعلونه من تحريم من عند أنفسهم لان الدين يبتنى على الوحى لا على الهوى وحرم الخبائث كالخمر والميتة والدم والخنزير وغير ذلك اى تناولها وبيعها لان ما يحرم تناوله يحرم بيعه وأكل ثمنه بخلاف ما إذا كان الانتفاع بغير ذلك كشحوم الميتة فانه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فان ذلك ليس بحرام وما حرمه الله تعالى اما ان يكون بلاء ونقمة كما فعل اليهود وجزاء على أنفسهم واما ان يكون رحمة ومنة لعلمه ان فيه ضررا نفسانيا او روحانيا فالنفسانى كضرر السم وأمثاله والروحاني كضرر لحوم السباع والمؤذيات وأمثالها فانه بتعدي أخلاقها تغير الأخلاق الروحانية كما قال عليه السلام (الرضاع يغير الطباع) ومن ثم لما دخل الشيخ ابو محمد الجويني بيته ووجد ابنه الامام أبا المعالي يرتضع ثدى غير امه اختطفه منها ثم نكس رأسه ومسح بطنه وادخل إصبعه فى فيه ولم يزل يفعل ذلك حتى خرج ذلك اللبن قائلا يسهل علىّ موته ولا يفسد طبعه بشرب لبن غير امه ثم لما كبر الامام كان إذا حصلت له كبوة فى المناظرة يقول هذه من بقايا تلك الرضعة فعلم ان من ارتضع امرأة فالغالب عليه أخلاقهما من خير وشر وكذا لحوم الحيوانات لها تأثير عظيم وفى الحديث (عليكم بالبان البقر وسمنانها وإياكم ولحومها فان ألبانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء) وقد صح ان النبي عليه السلام ضحى عن نسائه بالبقر قال الحليمي هذا ليبس الحجاز ويبوسة لحم البقر ورطوبة لبنها وسمنها فكأنه يرى اختصاصه ذلك به وهذا التأويل المستحسن والا فالنبى عليه السلام لا يتقرب الى الله تعالى بالداء فهو انما قال ذلك فى البقر لتلك اليبوسة. وجواب آخر انه عليه السلام ضحى بالبقر لبيان الجواز او لعدم تيسر غيره كذا فى المقاصد الحسنة. ومن فوائد سمن البقر انه لو شرب منه على الريق خمسين درهما

ص: 116

ينفع للجنون ويؤثر فى دفعه قال الفقيه ابو الليث يستحب للرجل ان يعرف من الطب مقدار ما يمتنع به عما يضر ببدنه لان العلم علمان علم الأبدان ثم علم الأديان وأجاز عامة العلماء التداوى بالمحرمات عند الضرورة كاساغة اللقمة بالخمر إذا غص وفى الأشباه الطعام إذا تغير واشتد تغيره تنجس وحرم واللبن والزيت والسمن إذا نتن لا يحرم أكله والدجاجة إذا ذبحت ونتف ريشها واغليت فى الماء قبل شق بطنها صار الماء نجسا وصارت نجسة بحيث لا طريق لا كلها الا ان تحمل الهرة إليها لا ان تحمل الى الهرة فعلى العاقل ان يحترز عن الحرام وعما يضر بالبدن ومن المضر الامتلاء كما قال عليه السلام (رأس الداء الامتلاء ورأس الدواء الاحتماء)

آن حكيمى كه در حكمت سفت

كل قليلا تعش كثيرا كفت

: قال السعدي قدس سره

ندارند تن پروران آگهى

كه پر معده باشد ز حكمت تهى

ومن الله التوفيق قُلْ يا محمد لكفار مكة تَعالَوْا امر من تعالى والأصل فيه ان يقوله من فى مكان عال لمن هو أسفل منه ثم اتسع فيه بالتعميم فتكلم به كل من تطلب ان يتقدم ويقبل اليه شخص سواء كان الطالب فى علو او سفل او غيرهما أَتْلُ جواب الأمر اى اقرأ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ اى الذي حرمه ربكم اى الآيات المشتملة عليه عَلَيْكُمْ متعلق بحرم ان مفسرة لا ناهية تُشْرِكُوا بِهِ تعالى شَيْئاً من الأشياء فتقدير الكلام ذلك التحريم هو قوله لا تشركوا به شيأ اعلم ان هذه الآيات الثلاث الى قوله لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ تشتمل على عشر خصال جامعة للخير كله لم ينسخهنّ شىء من جميع الكتب فهن محرمات على بنى آدم كلهم لم يختلفن باختلاف الأمم والاعصار من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار. اولاهن قوله أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً قدم الشرك لانه رأس المحرمات ولا يقبل الله تعالى معه شيأ من الطاعات وهو ينقسم الى جلى وخفى فالجلى عبادة الأصنام والخفي رؤية الأغيار مع الله الواحد القهار

تا دم وحدت زدى حافظ شوريده حال

خامه توحيد كش برورق اين وآن

وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً اى وأحسنوا بهما إحسانا اى لا تسيئوا إليهما لان المحرم هو الاساءة والأمر بالشيء مستلزم للنهى عن ضده وكذا معنى أوفوا لا تنجسوا وانما وضع الأمر موضع النهى للمبالغة فى إيجاب مراعاة حقوقهما فان مجرد ترك الاساءة غير كاف فى قضاء حقوقهما وهذا هو الأمر الثاني من الاحكام العشرة وانما ذكر بعد تحريم الشرك تحريم العقوق لان الوالدين سببان قريبان لوجوده كما ان الله تعالى موجوده فالتقاعد عن أداء حقوقهما عقوق فهو اكبر الكبائر بعد الشرك قال بعض الأولياء كنت فى تيه بنى إسرائيل فاذا رجل يماشينى فتعجبت منه وألهمت انه الخضر فقلت له بحق الحق من أنت قال انا أخوك الخضر قلت بأى وسيلة رأيتك قال ببرك أمك

جنت كه سراى مادرانست

زير قدمات مادرانست

وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ اى لا تدفنوا بناتكم حية مِنْ إِمْلاقٍ من أجل فقر. والاملاق

ص: 117

نفاد الزاد والنفقة يقال املق الرجل إذا نفد زاده ونفقته من الملق وهو بذل المجهود فى طلب المراد نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ لا أنتم فلا تخافوا الفقر بناء على عجزكم عن تحصيل الرزق.

وهذا هو الحكم الثالث من الاحكام العشرة وانما حرم قتل الأولاد لما فيه من هدم بنيان الله وملعون من هدم بنيانه وفيه ابطال ثمرة شجرته ومحصوده وقطع نسله وترك التوكل فى امر الرزق يؤدى الى تكذيب الله تعالى لانه قال وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها

ما آبروى فقر وقناعت نمى بريم

با پادشه بكوى كه روزى مقدرست

وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ اى الزنى وجيئ بصيغة الجمع قصدا الى النهى عن أنواعها ولذلك أبدل منها بدل اشتمال قوله ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ اى ما يفعل منها علانية فى الحوانيت كما هو دأب ارذالهم وما يفعل سرا باتخاذ الأخدان كما هو عادة اشرافهم. وهذا هو الحكم الرابع منها وتوجبه النهى الى قربانها للمبالغة فى النهى عنها ويدخل فى ذلك ما يبعده من الجنة ويدنيه من النار وهو ما ظهر وما يبعده من الحق ويحجبه عنه وان لم يحجبه عن الجنة ولم يبعده منها وهو ما بطن وايضا ما ظهر منها بالفعل وما بطن بالنية ومن الزنى زنى النظر

اين نظر از دور چون تير است وسم

عشقت افزون ميشود صبر تو كم

وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الشيطان من الرجل فى ثلاثة منازل فى عينيه وفى قلبه وفى ذكره وهو من المرأة فى ثلاثة منازل فى عينيها وفى قلبها وفى عجزها وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ اى حرم قتلها بان عصمها بالإسلام او بالعهد فيخرج منها الحربي إِلَّا بِالْحَقِّ استثناء مفرغ من أعم الأحوال اى لا تقتلوها فى حال من الأحوال إلا حال ملابستكم بالحق الذي هو امر الشرع بقتلها وذلك بالكفر بعد الايمان والزنى بعد الإحصان وقتل النفس المعصومة. وهذا هو الحكم الخامس وفى القتل ترك تعظيم امر الحق وترك الشفقة على الخلق وهما ملاك الدين والاشارة ان القتل الحق هو القتل فى طلب الحق والمقتول فى سبيل الله هو حى عند ربه وعن ابى سعيد الخراز كنت بمكة فجزت يوما بباب بنى شيبة فرأيت شابا حسن الوجه ميتا فنظرت فى وجهه فتبسم فى وجهى وقال لى يا أبا سعيد أما علمت ان الأحباب احياء وان ماتوا وانما ينقلون من دار الى دار

مشو بمرك ز امداد اهل دل نوميد

كه خواب مردم آگاه عين بيداريست

ذلِكُمْ اشارة الى ما ذكر من التكاليف الخمسة وَصَّاكُمْ بِهِ اى أمركم ربكم بحفظه امرا مؤكدا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ اى تستعملون عقولكم التي تعقل نفوسكم وتحبسها عن مباشرة القبائح المذكورة وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ

اى لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه واليتيم من الإنسان من لا اب له ومن الحيوان من لا أم له والخطاب للاولياء والأوصياء إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

الا بالخصلة التي هى احسن ما يفعل بما له كحفظه وتثميره حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ

غاية لما يفهم من الاستثناء لا للنهى كأنه قيل احفظوه حتى يصير بالغا رشيدا فحينئذ سلموه اليه وجعل ابو حنيفة غاية الأشد خمسا وعشرين سنة فاذا بلغها دفع اليه ماله ما لم يكن معتوها قال الجوهري حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ

اى قوته وهو ما بين ثمانى عشرة الى ثلاثين وهو واحد جاء على

ص: 118

بناء الجمع مثل آنك وهو الأسرب ولا نظير لهما وكان سيبويه يقول واحدته شدة. وهذا هو الحكم السادس وانما وصى الله تعالى بحفظ مال اليتيم لانه عاجز فتولى الله امره وامر بالشفقة والنظر فى حقه

ألا تا نكريد كه عرش عظيم

بلرزد همى چون بگريد يتيم

وَأَوْفُوا الْكَيْلَ

فى المكيلات اى أتموه ولا تنقصوا منه شيأ وَالْمِيزانَ

فى الموزونات وهو بالفارسي [ترازو] بِالْقِسْطِ

حال من فاعل أوفوا اى اوفوهما مقسطين اى ملتبسين بالقسط وهو العدل فان قيل إيفاء الكيل والميزان هو عين القسط فما فائدة التكرير قلنا ان الله تعالى امر المعطى بايفاء ذى الحق حقه من غير نقصان وامر صاحب الحق بأخذه من غير طلب زيادة لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها

الا ما يسعها ولا يعسر عليها. وذكره عقيب الأمر للايذان بان مراعاة العدل عسير فعليكم بما فى وسعكم وما وراءه معفو عنكم فاذا اجتهد الإنسان فى الكيل والوزن ووقعت فيه زيادة يسيرة او نقصان يسير لم يؤاخذه به إذا اجتهد جهده وان

أعيد الكيل على ذلك فزاد او نقص لم يثبت التراجع إذا كان ذلك القدر من التفاوت مما يقع بين الكيلين. واما التقصير القصدى فليس بمعفو وينبغى الاحتياط بقدر الإمكان- روى- عن بعضهم انه قال لبعض الناس وهو فى النزع وكان يعامل الناس بالميزان قل لا اله الا الله فقال ما اقدر أقولها لسان الميزان على لسانى يمنعنى من النطق بها قال فقلت له أما كنت توفى الوزن قال بلى ولكن ربما كان يقع فى الميزان شىء من الغبار لا أشعر به وعن مالك بن دينار انه دخل على جار له احتضر فقال يا مالك جبلان من النار بين يدى أكلف الصعود عليهما قال مالك فسألت اهله فقالوا كان له مكيالان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فدعوت بهما فضربت أحدهما بالآخر حتى كسرتهما ثم سألت الرجل فقال ما يزداد الأمر إلا شدة. وهذا هو الحكم السابع والاشارة أوفوا بكيل العمر وميزان الشرع حقوق الربوبية واستوفوا بكيل الاجتهاد وميزان الاقتصاد حظوظ العبودية من الالوهية لا نكلف نفسا فى إيفاء الحقوق واستيفاء الحظوظ الا بحسب استعدادها هر كس بقدر بال و پر خويش مى پرد وَإِذا قُلْتُمْ

قولا فى حكومة او شهادة او نحوهما فَاعْدِلُوا

فيه وَلَوْ كانَ

المقول له او عليه ذا قُرْبى

اى ذا قرابة منكم ولا تميلوا نحوهم أصلا لان مداد الأمر اتباع الحق المشروع وطلب مرضاة الله تعالى فلا فرق بين ذى قرابة واجنبى. وهذا هو الحكم الثامن وحقيقة العدل فى الكلام ان يذكر الله ولا يذكر معه غيره وان يتكلم لله وفى الله وبالله وهذا لا يتيسر الا لارباب التحقيق فان كلام غيرهم مشوب بالغرض والدعوى

بانك هدهد كر بياموزد فتى

راز هدهد كو و پيغام سبا

وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا

اى ما عهد إليكم أي عهد كان من ملازمة العدل وتأدية احكام الشرع وغيرهما فهو مضاف الى الفاعل او ما عاهدتم الله عليه من الايمان والنذور فهو مضاف الى المفعول ويحتمل ان يراد به العهد بين الانسانين ويكون إضافته الى الله تعالى من حيث

ص: 119

انه امر بحفظه والوفاء به

وفاء عهد نكو باشد ار بياموزى

وكرنه هر كه تو بينى ستمكرى داند

وهذا هو الحكم التاسع وحقيقة العهد ان لا يعبد الا مولاه ولا يحب الا إياه ولا يرى سواه

از دم صبح ازل تا آخر شام ابد

دوستى ومهر بر يك عهد ويك ميثاق بود

ذلِكُمْ

اشارة الى ما فصل من التكاليف الاربعة وَصَّاكُمْ بِهِ

أمركم به امرا مؤكدا لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

تتذكرون ما فى تضاعيفه وتعملون بمقتضاه وَأَنَّ بتقدير اللام علة للفعل المؤخر اى ولان هذا اى ما ذكر فى هذه السورة من اثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة صِراطِي اى مسلكى وشريعتى. وسمى الشرع طريقا لانه يؤدى الى الثواب فى الجنة ومعنى إضافته الى ضمير عليه السلام انتسابه اليه من حيث السلوك لامن حيث الوضع كما فى صراط الله مُسْتَقِيماً حال مؤكدة اى مستويا قويما فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ اى الطرق المختلفة التي عدا هذا الطريق مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ منصوب بإضمار أن بعد الفاء فى جواب النهى أصله فتتفرق حذفت منه احدى التاءين والباء للتعدية اى فتفرقكم وتزيلكم عَنْ سَبِيلِهِ اى عن دين الله الذي ارتضى وبه اوصى وهو الإسلام. وفيه تنبيه على ان صراطه عليه السلام عين سبيله تعالى. وهذا هو العاشر من الخصال

خلاف پيغمبر كسى ره كزيد

كه هرگز بمنزل نخواهد رسيد

محالست سعدى كه راه صفا

توان رفت جز در پى مصطفا

ذلِكُمْ اى اتباع سبيله وترك اتباع سائر السبل وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ اتباع سبيل الكفر والضلالة ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية خط خطا فقال (هذا سبيل الله) ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله وقال (هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه) واعلم ان الشرع هاهنا هو الصراط المستقيم وهو احدّ من السيف وادقّ من الشعر ولذا لا نزال فى كل ركعة من الصلاة نقول اهدنا الصراط المستقيم ومن زل عن هذا الصراط فى الدنيا زل عن صراط الآخرة ايضا قال عليه السلام (الزالون عن الصراط كثير واكثر من يزل عنه النساء) واكثر الرجال فى هذا الزمان فى حكم النساء فى اتباع الشهوات والاخذ بالعادات والدين بدأ غريبا وعاد غريبا فلا يوجد من يستأنس به ويستأهل له الا نادرا قال فى التفسير الفارسي [محققان بر آنند كه صراط متعين نكردد الا ميان بدايتى ونهايتى وعارف داند كه بدايت همه از كيست ونهايت همه يكيست وحضرت شيخ صدر الدين قونوى قدس سره در اعجاز البيان فرموده كه احاطه حق بهمه اشيا ثابت است والله بكل شىء محيط وآن احاطه وجودى است يا علمى باختلاف افعال واقوال متنهاى سر صراط وغايت سر سالك خواهد بو چنانچهـ فرمود صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ

هر جا قدمى زديم در كوى تو بود

هر كوشه كه برفتيم سوى تو بود

كفتيم مكر سوى ديكر راهى هست

هر راه كه ديديم همه سوى تو بود

ص: 120

ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ عطف على مقدر اى فعلنا تلك التوصية باتباع صراط الله ثم آتينا موسى الكتاب اى التوراة وثم للتراخى فى الاخبار كما فى قولك بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس اعجب تَماماً مصدر من أتم بحذف الزوائد اى إتماما للكرامة والنعمة عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ اى على من احسن القيام به كائنا من كان من الأنبياء والمؤمنين وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج اليه فى الدين وهذا لا ينافى الاجتهاد فى شريعتهم كما لا ينافى قوله تعالى فى آخر سورة يوسف وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ فى شريعتنا لان التفصيل فى الأصول والاجتهاد فى الفروع وَهُدىً من الضلالة وَرَحْمَةً نجاة من العذاب لمن آمن به وعمل بما فيه لَعَلَّهُمْ اى بنى إسرائيل المدلول عليهم بذكر موسى بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ الباء متعلقة بيؤمنون اى كى يؤمنوا بالبعث ويصدقوا بالثواب والعقاب وَهذا اى القرآن كِتابٌ أَنْزَلْناهُ ليس من قبل الرسول كما يزعم المنكرون مُبارَكٌ اى كثير النفع دينا ودنيا قال فى التأويلات النجمية مُبارَكٌ عليك وبركته انه انزل على قلبك بجعل خلقك القرآن ومبارك على أمتك بانه حبل بينهم وبين ربهم ليوصلهم اليه بالاعتصام فَاتَّبِعُوهُ واعملوا بما فيه وَاتَّقُوا مخالفته لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بواسطة اتباعه والعمل بموجبه أَنْ تَقُولُوا على حذف المضاف كما هو رأى البصريين اى أنزلناه كراهة ان تقولوا يا اهل مكة يوم القيامة لم تنزله إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ اى التوراة والإنجيل عَلى طائِفَتَيْنِ كائنتين مِنْ قَبْلِنا وهما اليهود والنصارى ولعل الاختصاص فى انما اشتهار الكتابين يومئذ فيما بين الكتب السماوية وَإِنْ مخففة اى وانه كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ قرآتهم ولم يقل عن دراستهما لان كل طائفة جماعة لَغافِلِينَ لا ندرى ما فى كتابهم إذ لم يكن على لغتنا فلم نقدر على قرآنه أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ كما انزل عليهم لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ الى الحق الذي هو المقصد الأقصى او الى ما فى تضاعيفه من جلائل الاحكام والشرائع ودقائقها لحدة أذهاننا ونقابة افهامنا ولذلك تلقفنا فنونا من العلم كالقصص والاشعار والخطب مع انا أميون فَقَدْ جاءَكُمْ متعلق بمحذوف معلل به اى لا تعتذروا بذلك القول فقد جاءكم بَيِّنَةٌ كائنة مِنْ رَبِّكُمْ اى حجة واضحة وَهُدىً وَرَحْمَةٌ عبر عن القرآن بالبينة إيذانا بكمال تمكنهم من دراسته لانه على لغتهم ثم بالهدى والرحمة فَمَنْ أَظْلَمُ اى لا أحد اظلم مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ اى القرآن وَصَدَفَ عَنْها اى صرف الناس عنها فجمع بين الضلال والإضلال. فى القاموس صدف عنه يصدق اعرض وفلانا صرفه سَنَجْزِي الَّذِينَ بالفارسي [زود باشد كه جزا دهم آنرا كه] يَصْدِفُونَ الناس عَنْ آياتِنا وعيد لهم ببيان جزاء اضلالهم بحيث يفهم منه جزاء ضلالتهم ايضا سُوءَ الْعَذابِ اى شدته بِما كانُوا يَصْدِفُونَ اى بسبب ما كانوا يفعلون الصدف والصرف على التجدد ولاستمرار فعلى العاقل ان يعمل بالقرآن ويرغب غيره بقدر الإمكان لانه يكون شريكه فى الثواب الفائض من الله الوهاب والمعرض عن القرآن الذي هو غذاء الأرواح كالمعرض عن شراب السكر الذي هو غذاء الأشباح. وله ظاهر فسره العلماء وباطن حققه اهل التحقيق وكل

ص: 121

قد علم مشربه وفى الحديث (انزل القرآن على سبعة أحرف) اى على سبع لغات وهى لغات العرب المشهورين بالفصاحة من قريش وهذيل وهوازن واليمن وطى وثقيف تسهيلا وتيسيرا ليقرأ كل طائفة بما يوافق لغتهم بشرط السماع من النبي عليه السلام إذ لو كلفوا القراءة بحرف واحد لشق عليهم إذ الفطام عن المألوف شاق او على سبع قراءات وهى التي استفاضت عن النبي عليه السلام وضبطتها الامة واضافت كل حرف منها الى من كان اكثر فراءة به من الصحابة ثم أضيفت كل قراءة منها الى من اختارها من القراء السبعة وهم نافع وابن كثير وابو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويقال ان جاحد القراآت السبع كافر وجاحد الباقي آثم مبتدع ولما تنزل القرآن العظيم من عالم الحقيقة كتب فى جميع الألواح وفى لوح هذا التعين حتى فى لوح وجودك وأودع القابلية فى كل منها لقرآته ومعرفته والمقصود الأصلي هو العمل به والتخلق بأخلاقه دون تصحيح المخرج ورعاية ظاهر النظم فقط: ونعم قول من قال

نقد عمرش ز فكرت معوج

خرج شد در رعايت مخرج

صرف كردش همه حيات سره

در قراءات سبعه وعشره

قال الحافظ

عشقت رسد بفرياد كر خود بسان حافظ

قرآن زبر بخوانى در چازده روايت

وفى الحديث (لو كان القرآن فى إهاب ما مسته النار) قال القاضي البيضاوي اى لوصور القرآن وجعل فى إهاب والقى فى النار ما مسته ولا أحرقته ببركة القرآن فكيف بالمؤمن الحامل له المواظب على تلاوته وعن على رضى الله عنه من قرأ القرآن وهو قائم فى الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات- وروى- عن بعض الأخيار من اهل التلاوة للقرآن الكريم انه لما حضرته الوفاة كان كلما قالوا قل لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ قال بسم الله الرحمن الرحيم:

طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى الى قوله اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فلم يزل يعيدها كلما أعادوا عليه حتى مات على هذه الآية الكريمة فظهر ان الموت على ما عاش عليه الشخص وكان حرفة رجل بيع الحشيش وهو غافل عن الله فلما حضرته الوفاة كان كلما قيل له لا اله الا الله قال حزمة بفلس نسأل الله تعالى التوفيق للموت على الإسلام هَلْ يَنْظُرُونَ هل استفهامية معناها النفي وينظرون بمعنى ينتظرون فان النظر يستعمل فى معنى الانتظار كأنه قيل انى أقمت على اهل مكة الحجة وأنزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا فما ينتظرون إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ اى ملك الموت وأعوانه لقبض أرواحهم أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ اى امره بالعذاب والانتقام وقال البغوي أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ بلا كيف لفضل القضاء بين موقف القيامة انتهى. او المراد بإتيان الرب إتيان كل آية يعنى آيات القيامة والهلاك الكلى بقرينة قوله تعالى أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعنى اشراط الساعة التي هى الدخان ودابة الأرض وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف يجزيرة العرب والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من عدن وهم ما كانوا منتظرين لاحد هذه الأمور الثلاثة وهى مجيىء الملائكة او مجيىء الرب او مجيىء الآيات القاهرة من الرب لكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظرين شبهوا

ص: 122

بالمنتظرين يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ظرف لقوله لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها كالمحتضر فان معاينة اشراط الساعة بمنزلة نفسها ووقوع العيان يمنع قبول الايمان لانه انما يقبل إذا كان بالغيب لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ صفة نفسا اى من قبل إتيان بعض الآيات أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً الآية تقتضى ان لا ينفع الايمان بدون العمل الصالح ومذهب اهل السنة انه نافع حيث ان صاحبه لا يخلد فى النار قال حضرة الشيخ الشهير بالهدائي الاسكدارى فى الواقعات لاح لى فى توفيق هذه الآية على مذهب اهل السنة وجهان. الاول ان يكون قوله أَوْ كَسَبَتْ معطوفا على آمنت المقدر لا على آمنت المذكور والتقدير لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل سواء آمنت ايمانا مجردا او كسبت فى إيمانها خيرا. والثاني ان يعطف على آمنت المذكور ولكن يعتبر فى اللف مقدر فيكون النشر ايضا على أسلوبه والتقدير لا ينفع نفسا إيمانها ولا كسبها خيرا لم تكن آمنت من قبل او كسبت فى إيمانها خيرا قُلِ انْتَظِرُوا ما تنتظرونه من إتيان أحد الأمور الثلاثة لتروا أي شىء تنتظرون إِنَّا مُنْتَظِرُونَ لذلك وحينئذ لنا الفوز وعليكم الوبال بما حل بكم من سوء العاقبة قال البغوي المراد ببعض الآيات طلوع الشمس من مغربها وعليه اكثر المفسرين قال الحدادي فى تفسيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا غربت الشمس رفع بها الى السماء السابعة فى سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من اين تطلع أمن مطلعها او من مغربها وكذا القمر فلا تزال كذلك حتى يأتى الله بالوقت الذي وقته لتوبة عباده وتكثر المعاصي فى الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد وينتشر المنكر فلا ينهى عنه أحد فاذا فعلوا ذلك حبست الشمس تحت العرش فاذا مضى مقدار ليلة سجدت واستأذنت ربها من اين تطلع فلم يجرلها جوابا حتى يوافيها القمر فيسجد معها ويستأذن من اين يطلع فلا يجر له جوابا فيحبسان مقدار ثلاث ليال فلا يعرف مقدار تلك الليلة الا المتهجدون فى الأرض وهم يومئذ عصابة قليلة فى هوان من الناس فينام أحدهم تلك الليلة مثل ما ينام قبلها من الليالى ثم يقوم فيتهجد وزده فلا يصبح فينكر ذلك فيخرج وينظر الى السماء فاذا هو بالليل مكانه والنجوم مستديرة فينكر ذلك ويظن فيه الظنون فيقول أخففت قراءتى أم قصرت صلاتى أم قمت قبل حينى ثم يقوم فيعود الى مصلاه فيصلى نحو صلاته فى الليلة الثانية ثم ينظر فلا يرى الصبح فيشتد به الخوف فيجتمع المتهجدون من كل بلدة فى تلك الليلة فى مساجدهم ويجأرون الى الله بالبكاء والتضرع فيرسل الله جبريل الى الشمس والقمر فيقول لهما ان الله يأمر كما ان ترجعا الى مغربكما فتطلعا منه فانه لا ضوء لكما عندنا ولا نور فيبكيان عند ذلك وجلا من الله بكاء يسمعه اهل السموات السبع واهل سرادقات العرش ثم يبكى من فيهما من الخلائق من خوف الموت والقيامة فبينما المتهجدون يبكون ويتضرعون والغافلون فى

غفلاتهم إذا بالشمس والقمر قد طلعا من المغرب أسودان لاضوء للشمس ولا نور للقمر كصفتهما فى كسوفهما فذلك قوله تعالى وجمع الشمس والقمر فيرتفعان كذلك مثل البعيرين ينازع كل واحد منهما صاحبه استباقا فيتصارخ اهل الدنيا حينئذ ويبكون فاما الصالحون فينفعهم بكاؤهم ويكتب لهم عبادة واما الفاسقون فلا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب ذلك عليهم حسرة وندامة

ص: 123

فاذا بلغ الشمس والقمر سرة السماء ومنتصفها جاء جبريل فأخذ بقرونهما فردهما الى المغرب فيغربان فى باب التوبة) فقال عمر رضى الله عنه بابى أنت وأمي يا رسول الله ما باب التوبة فقال (يا عمر خلق الله بابا للتوبة خلف المغرب له مصراعان من ذهب وما بين المصراع الى المصراع أربعون سنة للراكب فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه الى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس من مغربها فاذا غربا فى ذلك الباب رد المصراعان والتأم بينهما فيصير كأن لم يكن بينهما صدع فاذا اغلق باب التوبة لم يقبل للعبد توبة بعد ذلك ولم ينفعه حسنة يعملها إلا من كان قبل ذلك محسنا فانه يجزى كما قبل ذلك اليوم فذلك قوله تعالى يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت فى إيمانها خيرا) وانما لم يقبل الايمان فى ذلك الوقت لانه ليس بايمان اختياري فى الحقيقة وانما هو ايمان لخوف الهلاك قال الله تعالى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قال السعدي قدس سره

چهـ سود از دزد آنكه توبه كردن

كه نتواند كمند انداخت بر كاخ

بلند از ميوه كو كوتاه كن دست

كه اين كوته ندارد دست بر شاخ

وعدم قبول الايمان والتوبة غير مخصوص بمن يشاهد طلوع الشمس من المغرب وهو الأصح والظاهر ان من تولد بعد طلوعها او ولد قبله ولم يكن مميزا بعد ذلك يقبل إيمانه وجعله فى شرح المصابيح أصح قالت عائشة رضى الله عنها إذا خرجت أول الآيات طرحت الأقلام وحبست الحفظة وشهدت الأجساد بالأعمال قال الامام السيوطي رحمه الله يظهر المهدى قبل الدجال بسبع سنين ويخرج الدجال قبل طلوع الشمس بعشر سنين ويقوم المهدى سنة مائتين بعد الالف او اربع ومائتين والله اعلم وقبل ظهور المهدى اشراط اخر من خروج نبى الأصفر وغيرها وفى التأويلات النجمية ان الله تعالى جعل نفس الإنسان وقلبه أرضا صالحا لقبول بذر الايمان وانباته وتربيته كما قال عليه السلام (لا اله الا الله ينبت الايمان فى القلب كما ينبت الماء البقلة) فالبذر هو قول المرء اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله عند تصديق القلب بشهادة اللسان وانما كان زمان هذه الزراعة زمان الدنيا لا زمان الآخرة ولهذا قال عليه السلام (الدنيا مزرعة الآخرة) فلا ينفع نفسا فى زمان الآخرة بذر إيمانها لم تكن بذرت من قبل قى زمان الدنيا او كسبت فى إيمانها خيرا من الأعمال الصالحة التي ترفع الكلمة الطيبة وهى لا اله الا الله وتجعلها شجرة طيبة مثمرة تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها من ثمار المعرفة والمحبة والكشف والمشاهدة والوصول والوصال ونيل الكمال انتهى ما فى التأويلات ونسأل الله ان يرزقنا التوفيق لتحقيق التوحيد إِنَّ الَّذِينَ اى اليهود والنصارى فَرَّقُوا دِينَهُمْ اى بدّدوه وبعضوه فتمسك بكل بعض منه فرقة منهم وَكانُوا شِيَعاً جمع شيعة يقال شايعه على الأمر إذا اتبعه اى فرقا تشيع كل فرقة اماما لها قال عليه السلام (افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة) واستثناء الواحدة من فرق كل من اهل الكتابين انما هو بالنظر الى العصر الماضي قبل النسخ

ص: 124

واما بعده فالكل فى الهاوية لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ لست من البحث عن تفرقهم والتعرض لمن يعاصرك منهم بالمناقشة والمؤاخذة فى شىء إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ تعليل للنفى المذكور اى هو يتولى وحده أولاهم وأخراهم ويدبرهم كيف يشاء حسبما تقتضيه الحكمة ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ اى يوم القيامة بِما كانُوا يَفْعَلُونَ عبر عن إظهاره بالتنبئة لما بينهما من الملابسة فى انهما سببان للعلم تنبيها على انهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه من سوء عاقبته اى يظهر لهم على رؤوس الاشهاد ويعلمهم اى شىء شنيع كانوا يفعلونه فى الدنيا على الاستمرار ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء واعلم ان كل فعل شنيع وعمل قبيح فى الدنيا يتصور بصورة قبيحة فى الآخرة وهو قد كان بصورة قبيحة فى الدنيا ايضا لكنه برز لفاعله فى صورة مستحسنة امتحانا وابتلاء فصار كالشهد المختلط بالسم نعوذ بالله من سيآت الأعمال حفت الجنة بمكروهاتنا وحفت النيران بشهواتنا يعنى جعلت الجنة محفوفة بالأشياء التي كانت مكروهة لنا وجعلت النار محاطة بالأشياء التي كانت محبوبة لنا يعنى ان نفوسنا تميل إليها وتحب ان تفعلها لكونها على وفق هواها فكما ان فى الآفاق فرقا مختلفة ينفى بعضهم الصانع وبعضهم صفاته وبعضهم يعتقد فى حقه تعالى ما لا يجوز اعتقاده وبعضهم يجرى على ما جرى عليه الأنبياء والأولياء من حسن العقيدة وصالح العمل كذلك فى الأنفس قوى مختلفة لا تتحد فى البنية ولا تجتمع على امر واحد فالطبيعة على التشهي والنفس على الهوى والروح على الإقبال الى المولى والدين الحقيقي الذي فيه كمالية الإنسان انما يوجد بتوافق الظاهر والباطن فمن فارقه بقلبه وتمسك ببعض شعاره وبظاهره رياء وسمعة فهو من فرق اهل الدعوى من غير المعنى قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى مخاطبا لحضرة الهدائى قدس الله اسرارهما اشكر الله على عدم اقترانك بالملاحدة فان الإلحاد كمرض الجذام بعيد عن الإصلاح قال وأظن انهم لا يخرجون من النار لانهم فى دعوى المقال بدون الحال انتهى. ومن المدعين القلندرية وهم الذين يقصون لحاهم وشعورهم بل يحلقون

قلندرى نه بريشست وموى ويا ابرو

حساب راه قلندر بدانكه موى بموست

كذشتن از سر مو در قلندرى سهلست

چوحافظ آنكه ز سر بگذرد قلندر اوست

ومن الفرق المبتدعة الجوالقية وهم الذين يحلقون لحاهم ويلبسون الجوالق والكساء الغليظ وقد نهى النبي عليه السلام عن لباس الشهرة سواء كان من جنس الرقيق او الغليظ لانه اشتهار بذلك وامتياز به عن المسلمين وقد قال عليه السلام (كن كواحد من الناس) ولا ينفع الجوالق والكساء إذا كان المرء صاحب الرياء: قال السعدي قدس سره

بروى ريا خرقه سهلست دوخت

كرش با خدا در توانى فروخت

كر آوازه خواهى در إقليم فاش

برون حله كن كو درون حشو باش

وقال

در غزا كند مرد بايد بود

بر مخنث سلاح جنك چهـ سود

وكان الشيخ قطب الدين حيدر مجذوبا صاحب حال جدّا حتى حكى انه أخذ حديدا

ص: 125

حارا من كير حداد صار كقطعة نار وألقاه على عنقه ساعة فلم يحترق فاخذ الحيدرية بذلك ولبسوا الحديد تقليدا ولبس الحديد اكثر اثما من لبس الذهب فعلى العاقل ان يجتنب عن البدعة وأهلها- وروى- ان ابن المبارك رؤى فى المنام فقيل له ما فعل ربك فقال عاتبنى وأوقفني ثلاثين سنة بسبب انى نظرت باللطف يوما الى مبتدع فقال انك لم تعاد عدوى فى الدين فكيف حال القاعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين واعلم ان اهل الهوى والبدعة ليس مخصوصا بالبشر كما قال الأعمش تزوج إلينا جنى فقلت له ما أحب الطعام إليكم فقال الارز فقال فائتنا به فجعلت ارى اللقم ترفع ولا ارى أحدا فقلت هل فيكم من هذه الأهواء التي فينا قال نعم قلت فما الرافضة فيكم قال شرنا والروافض هم الذين رفضوا زيد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب لعدم تبريه من ابى بكر وعمر رضى الله عنهما ولزم هذا اللقب كل من غلا فى مذهبه واستجاز الطعن فى الصحابة وأصله ان زيدا خرج بالكوفة داعيا لنفسه فبايعه جماعة من أهلها وأتاه طائفة من اهل الكوفة وقالوا تبرأ من ابى بكر وعمر نبايعك فابى فقالوا إذا نرفضك فمن ذلك سموا الروافض وقالت طائفة من اهل الكوفة نتولاهما ونتبرأ ممن تبرأ منهما وخرجوا مع زيد فسموا الزيدية وسبب بغضهم للاصحاب انه لما وقعت الهزيمة فى غزوة أحد ونادى الشيطان ان قدمات محمد اعتقده الاصحاب غير على رضى الله عنه حتى وقع النزاع فقال كرم الله وجهه هل أقتلكم لو لم يكن واقعا قالوا نعم فلما ظهر خلافه عفا عنهم فمن ثم أحبوا عليا وتركوا الباقي وابغضوه

چون خدا خواهد كه پرده كس درد

ميلش اندر طعنه پاكان برد

فعلى العاقل ان يحب الصالحين حبا شديدا كى ينال منهم شفاعة يوم القيامة فويل لمن كان شفعاؤه خصماءه اللهم اعصمنا ولا تزغ قلوبنا واهدنا وسددنا فمنك التوفيق لسلوك طريق التحقيق مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ اى من جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة من المؤمنين إذ لا حسنة بغير ايمان قال القاضي عياض انعقد الإجماع على ان الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم يكون أشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم انتهى نعم إذا اسلموا يثابون على الخيرات المتقدمة لما ورد فى الحديث (حسنات الكفار مقبولة بعد إسلامهم) وفى تفسير الكاشفى [هر كه بيايد در دنيا بنكويى] فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها اى فله عشر حسنات أمثالها فضلا من الله تعالى فالامثال ليس مميزا للعشر بل مميزها هو الحسنات والأمثال صفة لمميزها ولذا لم يذكر التاء للعشر. وقيل انما أنت عشر وان كان مضافا الى ما مفرده مذكر لاضافة الأمثال الى مؤنث هو ضمير الحسنة كقوله تعالى يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ اى بالأعمال السيئة كائنا من كان من العاملين فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها بحكم الوعد واحدة بواحدة فان قيل كفر ساعة يوجب عقاب الابد على نهاية التغليظ فما وجه المماثلة وأجيب بان الكافر على عزم انه لو عاش ابدا لبقى على ذلك الاعتقاد فلما كان العزم مؤبدا عوقب بعقاب الابد بخلاف المسلم المذنب فانه يكون على عزم الإقلاع عن ذلك الذنب فلا جرم كانت عقوبته منقطعة وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص الثواب وزيادة العقاب قال الحدادي

ص: 126

وانما قال ذلك لان التفضل بالنعم جائز والابتداء بالعقاب لا يجوز انتهى واعلم ان الحسنات العشر اقل ما وعد من الأضعاف: قال السعدي قدس سره

نكوكارى از مردم نيك راى

يكى را بده مينويسد خداى

تو نيز اى پسر هر كرا يك هنر

به بينى زده عيبش اندر كذر

وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب ولذلك قيل المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر فى العدد الخاص كما يقول القائل لئن أسديت الىّ معروفا لا كافئنك بعشر أمثاله وحكمة التضعيف لئلا يفلس العبد إذا اجتمع الخصماء فى طاعته فيدفع إليهم واحدة ويبقى له تسع فمظالم العباد توفى من التضعيفات لامن اصل حسناته لان التضعيف فضل من الله تعالى واصل الحسنة الواحدة عدل منه واحدة بواحدة وفى الحديث (ويل لمن غلب آحاده على أعشاره) اى سيآته على حسناته وفى الحديث (الأعمال ستة موجبتان ومثل بمثل وحسنة بحسنة وحسنة بعشر وحسنة بسبعمائة فاما الموجبتان فهو من مات ولا يشرك بالله شيأ دخل الجنة ومن مات وهو مشرك بالله دخل النار واما مثل بمثل فمن عمل سيئة فجزاء سيئة مثلها واما حسنة بحسنة فمن هم بحسنة حتى تشعر بها نفسه ويعلمها الله من قلبه كتبت له حسنة واما حسنة بعشر فمن عمل حسنة فله عشر أمثالها واما حسنة بسبعمائة فالنفقة فى سبيل الله)

كنون بر كف دست نه هر چهـ هست

كه فردا بدندان كزى پشت دست

قال فى اسئلة الحكم اعلم ان الشارع قد يرتب الثواب للعمل لئلا يترك بل يرغب فيه فلا يكون ذلك العمل أفضل من العمل المؤكد عليه الذي لم يترتب عليه ذلك الثواب فمن ذلك قوله عليه السلام (من صلى الضحى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا فى الجنة من ذهب) مع ان السنة الراتبة لفرض الظهر أفضل من الضحى ومن ذلك قوله عليه السلام (من صلى ست ركعات بين المغرب والعشاء كتب الله له عبادة اثنتي عشرة سنة) مع ان سنة المغرب أفضل من ذلك وانما رتب الثواب على ذلك لكثرة الغفلة فيه وأمثال ذلك كثيرة فى الاخبار فلا يفضل على الراتب المؤكد وان لم يعين اجره غير الراتب من النوافل وان رتب اجره وقد اتفق اهل العلم انه لا يبلغ حد الفرض واجب وسنة راتبة او غير راتبة فى الاجر والفضيلة فى عمل او حكم ولا يبلغ مرتبة الراتبة نقل من الاحكام وان لم يتعين قدر أجرها فان السنن شرعت لتتميم نقائض الفرائض والنوافل الغير الراتبة لتتميم نقائص السنن الراتبة فلا ينوب نفل مناب فرض يجب قضاؤه فقضاء فرض لا يسقط بالنوافل كما يزعم بعض العوام يترك الفرائض ويرغب فى النوافل مما ورد كثرة الاجر عليه كالصلاة بعد المغرب يزعم سقوط الفرائض بها وتنوب مناب القضاء وذلك غير مشروع أصلا وترتيب أجور الأعمال والاذكار موقوف على الوحى والإلهام لا قدم فيه لتخمين العقول والاشارة فى الآية ان الله تعالى من كمال إحسانه مع العبد احسن اليه بعشر حسنات قبل ان يعمل العبد حسنة واحدة فقال تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها يعنى قبل ان يجىء بحسنة احسن اليه بعشر حسنات حتى يقدر ان يجيىء بالحسنة وهى حسنة الإيجاد من العدم وحسنة الاستعداد بان خلقه فى احسن تقويم مستعدا للاحسان

ص: 127

وحسنة التربية وحسنة الرزق وحسنة بعثة الرسل وحسنة إنزال الكتب وحسنة تبيين الحسنات والسيئات وحسنة التوفيق وحسنة الإخلاص فى الإحسان وحسنة قبول الحسنات وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها والسر فيه ان السيئة بذر يزرع فى ارض النفس والنفس خبيثة لانها امارة بالسوء والحسنة بذر يزرع فى ارض القلب والقلب طيب لان بذكر الله تطمئن القلوب وقد قال تعالى وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً واما ما جاء فى القرآن والحديث من تفاوت الجزاء للحسنات فاعلم انه كما ان للاعداد اربع مراتب آحاد وعشرات ومات وألوف والواحد فى مرتبة الآحاد واحد بعينه وفى مرتبة العشرات عشرة وفى مرتبة المآت مائة وفى مرتبة الألوف الف فكذلك للانسان مراتب اربع النفس والقلب والروح والسر فالعمل الواحد فى مرتبة النفس اى إذا صدر منها يكون واحدا بعينه كما قال وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها إذ هى فى مرتبة الآحاد وفى مرتبة القلب يكون بعشر أمثالها لانه بمرتبة العشرات وفى مرتبة الروح يكون بمائة لانه بمرتبة المآت وفى مرتبة السر يكون بألف الى أضعاف كثيرة بقدر صفاء السر وخلوص النية الى ما لا يتناهى لانه بمنزلة الألوف والله اعلم وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ المعنى ان الله تعالى قد احسن إليهم قبل ان يحسنوا بعشر حسنات شاملات للحسنات الكثيرة فلا يظلمهم بعد ان أحسنوا بل يضاعف حسناتهم يدل عليه قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً كذا فى التأويلات النجمية قُلْ يا محمد لكفار مكة الذين يدعون انهم على الدين الحق وقد فارقوه بالكلية إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي اى أرشدني بالوحى وبما نصب فى الآفاق والأنفس من الآيات التكوينية إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى الحق دِيناً بدل من محل الى صراط والمعنى هدانى صراطا قِيَماً مصدر بمعنى القيام وصف به الدين مبالغة والقياس قوما كعوض فاعل لاعلال فعله كالقيام مِلَّةَ إِبْراهِيمَ عطف بيان لدينا والملة من أمللت الكتاب اى أمليته وما شرعه الله لعباده يسمى ملة من حيث انه يدّون ويملى ويكتب ويتدارس بين من اتبعه من المؤمنين ويسمى دينا باعتبار طاعتهم لمن شرعه وسنه اى جعله لهم سننا وطريقا حَنِيفاً حال من ابراهيم اى مائلا عن الأديان الباطلة ميلا لا رجوع فيه وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اى ما كان ابراهيم منهم فى امر من امور دينهم أصلا وفرعا وانما أضاف هذا الدين الى ابراهيم لان ابراهيم كان معظما فى عيون العرب وفى قلوب اهل سائر الأديان إذ اهل كل دين يزعمون انهم ينتحلون الى دين ابراهيم عليه السلام فرد الله تعالى بقوله وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ على الذين يدعون انهم على ملته عليه السلام عقدا وعملا من اهل مكة واليهود المشركين بقولهم عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ والنصارى المشركين بقولهم الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ والمشرك فى الحقيقة هو الذي يطلب مع الله تعالى شيأ آخر ومن الله غير الله: قال السعدي قدس سره

خلاف طريقت بود كاوليا

تمنا كنند از خدا جز خدا

قُلْ أعيد الأمر لما ان المأمور به متعلق بفروع الشرائع وما سبق بأصولها إِنَّ صَلاتِي يعنى الصلوات الخمس المفروضة وَنُسُكِي اى عبادتى كلها. واصل النسك كل ما تقربت به

ص: 128

الى الله تعالى ومنه قولهم للعابد ناسك. ويقال أراد بالصلاة صلاة العيد وبالنسك الاضحية وعن انس رضى الله عنه عن رسول الله انه قرب كبشا أملح اقرن فقال (لا اله الا الله والله اكبر ان صلاتى ونسكى) الى قوله تعالى وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ثم ذبح فقال (شعره وصوفه فداء لشعرى من النار وجلده فداء لجلدى من النار ودمه فداء لدمى من النار ولحمه فداء للحمى من النار وعظمه فداء لعظمى من النار وعروقه فداء لعروقى من النار) فقالوا يا رسول الله هنيئا مريئا هذا لك خاصة قال (لا بل لامتى عامة الى ان تقوم الساعة أخبرني به جبريل عليه السلام عن ربى عز وجل وَمَحْيايَ وَمَماتِي اى وما انا عليه فى حياتى وأكون عليه عند موتى من الايمان والطاعة فالتقدير ذا محياى وذا مماتى فجعل ما يأتى به فى حياته وعند موته ذا حياته وذا موته كقولك ذا انائك تريد الطعام فاضافته بأدنى ملابسة لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ اى خالصة له تعالى لا أشرك فيها غيره وَبِذلِكَ الإخلاص أُمِرْتُ لا بشىء غيره وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ لان اسلام كل نبى متقدم على اسلام أمته. وفيه بيان مسارعته عليه السلام الى الامتثال بما امر به وان ما امر به ليس من خصائصه عليه السلام بل الكل مأمورون به يقتدى به عليه السلام من اسلم منهم والاشارة إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي اى سيرى على منهاج الصلاة هو معراجى الى الله تعالى وذبيحة نفسى وَمَحْيايَ حياة قلبى وروحى وَمَماتِي اى موت نفسى لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لطلب الحق والوصول اليه لا شَرِيكَ لَهُ فى الطلب من مطلوب سواه وَبِذلِكَ أُمِرْتُ اى ليس هذا الطلب والقصد الى الله من نظرى وعقلى وطبعى انما هو من فضل الله ورحمته وهدايته وكمال عنايته إذ اوحى الى وقال وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا وقال قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ يعنى أول من استسلم عند الإيجاد لامركن وعند قبول فيض المحبة لقوله يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ والاستسلام للمحبة فى قوله يحبونه دل عليه قوله عليه السلام (أول ما خلق الله نورى) كذا فى التأويلات النجمية وفى الآية حث على التوحيد والإخلاص وعلامتهما التبري من كل شىء سواه تعالى ظاهرا وباطنا ولو من نفسه والتحقق بحقائق المحبة الذاتية وعن مالك بن دينار قال خرجت حاجا الى بيت الله الحرام وإذا شاب يمشى فى الطريق بلا زاد ولا راحلة فسلمت عليه فرد على السلام فقلت ايها الشاب من اين قال من عنده قلت والى اين قال اليه قلت واين الزاد قال عليه قلت ان الطريق لا يقطع الا بالماء والزاد وهل معك شىء قال نعم قد تزودت عند خروجى بخمسة أحرف قلت وما هذه الخمسة الا حرف قال قوله تعالى كهيعص قلت وما معنى كهيعص قال اما قوله كاف فهو الكافي. واما الهاء فهو الهادي. واما الياء فهو المؤدى. واما العين فهو العالم. واما الصاد فهو الصادق ومن كان صاحبه كافيا وهاديا ومؤديا وعالما وصادقا لا يضيع ولا يخشى ولا يحتاج الى حمل الزاد والماء قال مالك فلما سمعت هذا الكلام نزعت قميصى على ان ألبسه إياه فابى ان يقبله وقال ايها الشيخ العرى خير من قميص دار الفناء حلالها حساب وحرامها عقاب وكان إذا جن الليل يرفع وجهه نحو السماء ويقول يا من تسره الطاعات ولا تضره المعاصي هب لى ما يسرك واغفر لي ما لا يضرك فلما احرم الناس ولبوا

ص: 129

قلت لم لا تلى فقال يا شيخ أخشى ان أقول لبيك فيقول لا لبيك ولا سعديك لا اسمع كلامك ولا انظر إليك ثم مضى فما رأيته الا بمنى وهو يقول اللهم ان الناس ذبحوا وتقربوا إليك بضحاياهم وهداياهم وليس لى شىء أتقرب به إليك سوى نفسى فتقبلها منى ثم شهق شهقة فخر ميتا وإذا قائل يقول هذا حبيب الله هذا قتيل الله قتل بسيف الله فجهرته وواريته وبت تلك الليلة متفكرا فى امره ونمت فرأيته فى منامى فقلت ما فعل الله بك قال فعل بي كما فعل بشهداء بدر قتلوا بسيف الكفار وانا قتلت بسيف الجبار

جان كه نه قربانىء جانان بود

جيفه تن بهتر از آنان بود

هر كه نشد كشته شمشير دوست

لاشه مردار به از جان اوست

نسأل الله الكريم ان يجعلنا على الصراط المستقيم قُلْ يا محمد لمن يقول من الكفار ارجع الى ديننا أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي اطلب حال كونه رَبًّا آخر فاشركه فى عبادته وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ اى والحال ان ما سواه مربوب له مثلى فكيف يتصور ان يكون شريكا له فى العبودية وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها كانوا يقولون للمسلمين اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم اما بمعنى ليكتب علينا ما عملتم من الخطايا لا عليكم واما بمعنى لنحمل يوم القيامة ما كتب عليكم من الخطايا فهذا رد له بالمعنى الاول اى لا تكون جناية نفس من النفوس الا عليها ومحال ان يكون صدورها عن شخص وقرارها على شخص آخر حتى يتأتى ما ذكرتم وقوله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى رد له بالمعنى الثاني اى لا تحمل يومئذ نفس حاملة حمل نفس اخرى حتى يصح قولكم ولنحمل خطاياكم. والوزر فى اللغة هو الثقل ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ اى الى مالك أمركم رجوعكم يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ يومئذ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ اى يبين الرشد من الغىّ ويميز المحق من المبطل وفى الآية امور الاول ان غاية المبتغى ونهاية المرام هو الله الملك العلام فمن وجده فقد وجد الكل ومن فقده فقد فقد الكل والعاقل العاشق لا يطلب غير الله لانه الحبيب والمحب لا يتسلى بغير المحبوب: قال الحافظ

درد مرا طبيب نداند دوا كه من

بي دوست خسته خاطر وبا درد خوشترم

والثاني ان كل ما تكسب النفس من خير او شر فهو عليها اما الشر فهى مأخوذة به واما الخير فمطلوب منها صحة القصد والخلو من الرياء والعجب والافتخار به: قال السعدي قدس سره

چهـ قدر آورد بنده بدرديس

كه زير قبا دارد أندام پيس

والنفس امارة بالسوء فلا تكسب الاسوأ والسوء عليها لالها وهذا دأب النفس ما وكلت الى نفسها الا ان رحمها ربها كما قال إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي ولهذا كان من دعائه عليه السلام (رب لا تكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك) وهى اى النفس مأمورة بالسير الى الله بقدم العبودية والأعمال الصالحة قال الشيخ ابو عبد الله محمد بن الفضل العجب ممن يقطع الاودية والمفاوز والقفار ليصل الى بيته وحرمه لان فيه آثار أنبيائه كيف لا يقطع بالله نفسه وهواه حتى يصل الى قلبه فان فيه آثار مولاه والثالث ان كل نفس مؤاخذ بذنبه لا بذنب غيره

ص: 130

فان قلت قوله عليه السلام (من كانت عنده مظلمة لاخيه من عرض او شىء فليستحلل منه اليوم قبل ان لا يكون دينار ولا درهم الا ان كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وان لم يكن له حسنات أخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه) يدل على خلاف ذلك وكيف يجوز فى حكم الله وعدله ان يضع سيآت من اكتسبها على من لم يكتسبها وتؤخذ حسنات من عملها فتعطى من لم يعملها فالجواب على ما قال الامام القرطبي فى تذكرته ان هذا لمصلحة وحكمة لا نطلع عليها والله تعالى لم يبن امور الدين على عقول العباد ولو كان كل ما لا تدركه العقول مردودا لكان اكثر الشرائع مستحيلا على موضوع عقول العباد انتهى يقول الفقيران الذنب ذنبان ذنب لازم وذنب متعد. فالذنب اللازم كشرب الخمر مثلا يؤخذ به صاحبه دون غيره فهذا الذنب له جهة واحدة فقط. والذنب المتعدى كقتل النفس مثلا فهذا وان كان يؤخذ به صاحبه ايضا لكن له جهتان جهة التجاوز عن حد الشرع وجهة وقوع الجناية على العبد فحمل سيآته وطرح حسناته عليه حمل سيآت نفسه فى الحقيقة وما طرح حسنات غيره فى نفس الأمر ولا ظلمه أصلا فالآية والحديث متحدان فى المآل والله اعلم بحقيقة الحال والرابع كما ان الاختلاف واقع بين اهل الكفر والايمان كذلك بين اهل الإخلاص والرياء والشرع وان كان محكا يميز بين المحقق والمبطل الا ان انكشاف حقيقة الحال وظهور باطن الأقوال والافعال انما يكون يوم تبلى السرائر وتبدى الضمائر: وفى المثنوى

چون كند جان باز كونه پوستين

جند واويلا بر آيد ز اهل دين

بردكان هر زرنما خندان شده است

زانكه سنك امتحان پنهان شده است

قلب پهلو مى زند بازر بشب

انتظار روز مى دارد ذهب

باز زبان حال زر كويد كه باش

اى مزور تا بر آيد روز فاش

وفى الحديث (يخرج فى آخر الزمان أقوام يجتلبون الدنيا بالدين) يعنى يأخذونها ويلبسون لباس جلود الضأن من اللين (ألسنتهم احلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب فيقول الله تعالى ابى تقترفون أم على تجترئون فبى حلفت لأبعثن على أولئك فتنة تدع الحليم فيها حيران) فعلى المؤمن ان يصحح الظاهر والباطن ويرفع الاختلاف فان الحق واحد فماذا بعد الحق الا الضلال. واما اختلاف الائمة فرحمة لعامة الناس وليس ذلك من قبيل الاختلاف بحسب المراء والجدال بل بحسب اختلاف الاشخاص والأحوال فالحق أحق ان يتبع عصمنا الله وإياكم من الاختلاف المفسد للدين والجدل المزيل لاصل اليقين وجعلنا من اهل التوفيق للصواب انه الكريم المفيض الوهاب وَهُوَ اى الله تعالى الَّذِي جَعَلَكُمْ ايها الناس خَلائِفَ الْأَرْضِ من بعد نبى الجان او خلائف الأمم السابقة الشرية او خلفاء الله فى ارضه تتصرفون فيها. والخلائف جمع الخليفة كالوصائف جمع الوصيفة وكل من جاء بعد من مضى فهو خليفته لانه يخلفه قال فى التأويلات النجمية هو جعل كل واحد من بنى آدم آدم وقته وخليفة ربه فى الأرض وسر الخلافة انه صوره على صورة صفات نفسه حيا قيوما سميعا بصيرا عالما قادرا متكلما مريدا

آدمي چيست برزخ جامع

صورت خلق وحق در واقع

ص: 131

متصل با دقائق جبروت

مشتمل بر حقائق ملكوت

وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فى الشرف والغنى فَوْقَ بَعْضٍ الى دَرَجاتٍ كثيرة متفاوتة لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ من المال والجاه اى ليعاملكم معاملة من يبتليكم ويمتحنكم لينظر ماذا تعملون من الشكر وضده- حكى- ان جنيدا كان يلعب مع الصبيان فى صباوته فمر به السرى السقطي فقال ما تقول فى حق الشكر يا غلام قال الشكر ان لا تستعين بنعمه على معاصيه إِنَّ رَبَّكَ يا محمد سَرِيعُ الْعِقابِ اى عقابه سريع الإتيان لمن لم يراع حقوق ما آتاه الله ولم يشكره وانما قال سريع العقاب مع انه موصوف بالحلم والامهال لان كل ما هو آت قريب: قال الحافظ

بمهلتى كه سپهرت دهد ز راه مرو

ترا كه كفت كه اين زال ترك دستان كرد

وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لمن راعاها كما ينبغى وفى الحديث (يؤتى بالرجل يوم القيامة وقد جمع مالا من حرام وأنفقه فى حرام فيقال اذهبوا به الى النار ويؤتى بالرجل قد جمع مالا من حلال وأنفقه فى حلال فيقال له قف لعلك فرطت فى هذا فى شىء مما فرض عليك من صلاة لم تصلها لوقتها او فرطت فى ركوعها وسجودها ووضوئها فيقول لا يا رب كسبت من حلال وأنفقت فى حلال ولم أضيع شيأ مما فرضت فيقال لعلك اختلت فى هذا المال فى شىء من مركب او ثوب باهيت به فقال لا يا رب لم اختل ولم أباه فى شىء فيقال لعلك منعت حق أحد امرتك ان تعظيه من ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فيقول لا يا رب كسبت من حلال وأنفقت فى حلال ولم أضيع شيأ مما فرضت علىّ ولم اختل ولم أباه ولم أضيع حق أحد أمرتني ان أعطيه قال فجيىء باولئك فيخاصمونه فيقولون يا رب أعطيته وجعلته بين أظهرنا وأمرته ان يعطينا فانه أعطانا وما ضيع شيأ من الفرائض ولم يختل فى شىء فيقال قف الآن هات شكر نعمة أنعمتها عليك فى أكلة او شربة او لذة فلا يزال يسأل) واعلم ان الله تعالى كما اعطى المال والجاه ليتميز من هو على الشكر ومن هو على الكفران كذلك اعطى الحال اى استعداد الخلافة ليظهر من المتخلق بأخلاق الله القائم باوامره فى العباد والبلاد ومن الذي رجع القهقرى الى صفات البهائم والانعام فمن أضاع صفات الحق بتبديلها بصفات الحيوانات عوقب بالختم على قلبه وسمعه وبصره فهو لا يرجع الى مكان الغيب الذي خرج منه بل حبس فى أسفل سافلين الطبيعة ومن تاب عن متابعة النفس والهوى ومخالفة الحق والهدى وآمن وعمل عملا صالحا للخلافة فقد اهتدى ولم يرجع القهقرى- حكى- عن ابراهيم بن أدهم انه حج الى بيت الله الحرام فبينما هو فى الطواف إذ بشاب حسن الوجه قد اعجب الناس حسنه وجماله فصار ابراهيم ينظر اليه ويبكى فقال بعض أصحابه انا لله وانا اليه راجعون غفلة دخلت على الشيخ بلا شك ثم

قال يا سيدى ما هذا النظر الذي يخالطه البكاء فقال له ابراهيم يا أخي انى عقدت مع الله تعالى عقدا لا اقدر على فسخه والا كنت ادنى هذا الفتى واسلم عليه فانه ولدي وقرة عينى تركته صغيرا وخرجت فارا الى الله تعالى وها هو قد كبر كما ترى وانى لاستحيى من الله سبحانه ان أعود لشىء خرجت عنه قال ثم قال لى امض وسلم عليه لعلى اتسلى بسلامك عليه وأبرد نارا على كبدى قال فاتيت الفتى فقلت له بارك الله لأبيك فيك فقال يا عم واين ابى ان ابى

ص: 132