المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة الأنفال - روح البيان - جـ ٣

[إسماعيل حقي]

الفصل: ‌تفسير سورة الأنفال

وليس الإنسان بمعصوم من إبليس فى صلاته الا فى سجوده لانه حينئذ يذكر الشيطان معصيته فيحزن فيشتغل بنفسه عنك ولهذا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (إذا قرأ ابن آدم السجد فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول يا ويلتى امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فابيت فلى النار (فالعبد فى سجوده معصوم من الشيطان غير معصوم من النفس فخواطر السجود كلها اما ربانية او ملكية او نفسية وليس للشيطان عليه من سبيل فاذا قام من سجوده غابت تلك الصفة عن إبليس فزال حزنه فاشتغل بك انتهى كلامه يقول الفقير فيه اشارة الى ان الشيطان انما ابى عن السجود لاستكباره فكل من استكبر عنه كالكفار كان الشيطان قرينه فى جميع أحواله وكل من تواضع فسجد كالمؤمنين اعتزل عنه الشيطان فى تلك الحال لا فى جميع الأحوال الا ان يزكى نفسه عن رذيلة الكبر فحينئذ يتخلص فى جميع أحواله ويكون من العباد المخلصين

زينت تو پس كمر بندگى

تاج تو در سجده سرافكندگى

شرم تو بادا كه ببالا وبست

سجده طاعت بردش هر چهـ هست

تو كنى از سجده او سركشى

به كه ازين شيوه قدم در كشى

[وحضرت شيخ الإسلام قدس سره فرمود سرى كه درو سجودى نيست سفچهـ به از دست وكفى كه در وجودى نيست كفچهـ به از دست] ونعم ما قال

شرف نفس بجودست وكرامت بسجود

هر كه اين هر دو ندارد عدمش به ز وجود

قال فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يعنى الذين أفنوا أفعالهم واخلاقهم وذواتهم فى أوامر الله وأخلاقه وذاته فما بقوا عند أنفسهم وانما بقوا ببقاء الله عنده لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ لان الاستكبار من اخلاقهم وقد أفنوها فى أخلاقه فما بقي لهم الاستكبار فكيف يستكبرون عن عبادته وقد أفنوا أفعالهم فى أوامر الله وهى عبادته فاعمالهم قائمة بالعبادة لا بالفعل وهم فى حال الفناء عن أنفسهم والبقاء بالله وَيُسَبِّحُونَهُ اى ينزهونه عن الحلول والاتصال والاتحاد وعن ان يكون هو العبد او العبد إياه بل هو هو كما كان فى الأزل لم يكن شيأ مذكورا وَلَهُ يَسْجُدُونَ فى الوجود والعدم من الأزل والابد سجدوا له من الأزل فى العدم منقادين مسخرين قابلين لاحكام القدرة فى الإيجاد للوجود وسجدوا له الى الابد فى الوجود ببذل الموجود منقادين مسخرين قابلين لاحكام القدرة فى تصاريف الاعدام والإيجاد والإبقاء.

ت مت سورة الأعراف بالرحم والرأف مع ما يتعلق بها من التفسير والتأويل على وجه عديل سوىّ من غير تطويل وذلك فى العشر الاول من صفر الخير المنتظم فى سلك شهور سنة احدى ومائة والف من هجرة من له العز والشرف ويتلوها سورة الأنفال وقد حان الاغتنام بغنائمها بعون الله الملك العزيز القوى المتعال

‌تفسير سورة الأنفال

مدنية وآيها ست وسبعون وقيل مكية بسم الله الرحمن الرحيم

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ اى عن حكم الغنائم فالسؤال استفتائى ولهذا عدى بكلمة

ص: 310

عن لا استعطائى كما يقال سألته درهما لان السؤال قد يكون لاقتضاء معنى فى نفس المسئول فبتعدى إذ ذاك بعن كما قال سلى ان جهلت الناس عنى وعنهمو وقد يكون لاقتضاء مال ونحوه فيتعدى إذ ذاك الى المفعولين كالمثال المذكور. والنفل الزيادة وسميت الغنيمة به لانها عطية من الله زائدة على ما هو الاجر فى الجهاد من الثواب الأخروي وعلى ما أعطاه لسائر الأمم حيث لم بحل لهم الغنائم وكانت تنزل نار من السماء فتأكلها والنافلة من الصلاة مازاد على الفرض ويقال لولد الولد نافلة لانه زيادة على الولد ويطلق على ما يشرطه الامام لمقتحم خطر عطية له وزيادة على سهمه من الغنم- روى- ان المسلمين اختلفوا فى غنائم بدر وفى قسمتها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقسم والى اين تصرف ومن الذين يتولون قسمتها أهم المهاجرون أم الأنصار أم هم جميعا فنزلت فضمير يسألون لاصحاب بدر لتعينهم حال نزول الآية فلا حاجة الى سبق الذكر صريحا. والمعنى يستفتونك فى حكم الأنفال قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ اى أمرها وحكمها مختص به تعالى يقسمها الرسول كيفما امر به من غير ان يدخل فيه رأى أحد قال الحدادي اضافة الغنائم الى الله على جهة التشريف لها واضافتها الى الرسول لانه كان بيان حكمها وتدبيرها اليه فَاتَّقُوا اللَّهَ اى إذا كان امر الغنائم لله ورسوله فاتقو الله تعالى واجتنبوا ما كنتم فيه من المشاجرة فيها والاختلاف الموجب لسخطه تعالى وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ذات البين هى الأحوال التي تقع بين الناس كما ان ذات الصدور هى المضرات الكائنة فيها وذات الإناء هى ما حل فيه من الطعام والشراب ولما كان ما حل فى الشيء ملابسا له قيل انه صاحب محله وذوه مثل ان يقال اسقني ذا انائك اى الماء الذي فيه اى وأصلحوا ما بينكم من الأحوال بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله تعالى وتفضل به عليكم وذلك لان المقاتلة قالوا لنا الغنائم وأرادوا ان لا يواسوا الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات قال عبادة بن الصامت نزلت فينا معشر اصحاب بدر حين اختلفنا فى النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله لرسوله فقسمه بين المسلمين على السواء وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ بتسليم امره ونهيه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ متعلق بالأوامر الثلاثة والمراد بالايمان كماله فان اصل الايمان لا يتوقف على التحلي بمجموع تلك الأمور كلها بل يتحقق بمجرد الطاعة بقبول ما حكم الله ورسوله به والاعتقاد بحقيته. والمعنى ان كنتم كاملى الايمان فان كمال الايمان يدور على هذه الخصال الثلاث واعلم ان كثرة السؤال توجب الملال ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات والمنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال) ففى الحديث فوائد. منها النهى عن عقوق الوالدين لانه من الكبائر وانما اقتصر على الام اكتفاء بذكر أحدهما كقوله تعالى وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ او لان حقها اكثر وخدمتها أوفر. وفيه نهى عن وأد البنات وهو فعل الجاهلية كان الواحد منهم إذا ولد له ابن تركه وإذا ولد له بنت دفنها حية وانما حملهم على ذلك خوف الاملاق ودفع العار والانفة عن أنفسهم وأراد بالمنع الامتناع عن أداء ما يجب ويستحب. وبهات الاقدام على أخذ ما يكره ويحرم. وفيه نهى عن المقاولة

ص: 311

بلا ضرورة وقصد ثواب فانها تقسى القلوب. وفيه نهى عن كثرة السؤال قال ابن ملك يجوز ان يراد به سؤال اموال الناس وان يراد به سؤال الإنسان عما لا يعنيه. وفيه نهى عن اضاعة المال وهى إنفاقه فى المعاصي والإسراف به فى غيرها كالاسراف فى النفقة والبناء والملبوس والمفروش وتمويه الأواني والسيوف بالذهب قال فى التأويلات النجمية فلما أكثروا السؤال قال عليه السلام (درونى ما تركتكم فانه انما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم) ومن كثرة سؤالهم قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ وانما سألوا ليكون الأنفال لهم فقال على خلاف ما تمنوا قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ يعملان فيها ما شا آلا كما شئتم لتتأدبوا ولا تعترضوا على

الله والرسول بطريق السؤال وتكونوا مستسلمين لاحكامهما فى دينكم ودنياكم ولا تحرصوا على الدنيا لئلا تشوبوا أعمالكم الدينية بالاعراض الدنيوية فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ اى اتقوا بالله عن غير الله وأصلحوا ما بينكم من الأخلاق الرديئة والهمم الدنيئة وهى الحرص على الدنيا والحسد على الاخوان وغيرهما من الصفات الذميمة التي يحجب بها نور الايمان عن القلوب وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ بالتسليم لاحكامهما والائتمار باوامرهما والانتهاء عن نواهيهما إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ تحقيقا لا تقليدا فان المؤمن الحقيقي هو الذي كتب الله بقلم العناية فى قلبه الايمان وأيده بروح منه فهو على نور من ربه: وفى المثنوى

بود كبرى در زمان با يزيد

كفت او را يك مسلمان سعيد

كه چهـ باشد كر نو اسلام آورى

تا بيابى صد نجات وسرورى

كفت اين ايمان اگر هست اى مريد

آنكه دارد شيخ عالم با يزيد

من ندارم طاقت آن تاب آن

كان فزون آمد ز كوششهاى جان

گرچهـ در ايمان ودين ناموقنم

ليك در ايمان او بس مؤمنم

مؤمن ايمان اويم در نهان

گرچهـ مهرم هست محكم بر دهان

باز ايمان كر خود ايمان شماست

نى بدان ميلستم ونى اشتهاست

آنكه صد مبلش سوى ايمان بود

چون شما را ديد آن باطل شود

زانكه نامى بيند ومعنيش نى

چون بيابان را مفازه كفتنى

اللهم اجعلنا متحققين بحقائق الايمان وأوصلنا الى درجات العرفان والإحسان إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اى انما الكاملون فى الايمان المخلصون فيه الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ عندهم وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ من هيبة الجلال وتصور عظمت المولى الذي لا يزال وهذا الخوف لازم لاهل كمال الايمان سواء كان ملكا مقربا او نبيا مرسلا او مؤمنا تقيا نقبيا وهذا بخلاف خوف العقاب فانه لا يحصل بمجرد ذكر الله بل بملاحظة المعصية وذكر عقاب الله انتقاما من العصاة واين من يهم بمعصية فيقال له اتق الله فينزع عنها خوفا من عقابه ممن ينزع بمجرد ذكره من غير ان يذكر هناك ما يوجب النزع من صفاته وأفعاله استعظاما لشأنه الجليل وتهيبا منه واعلم ان شأن نور الايمان ان يرق القلب ويصفيه عن كدورات صفات النفس وظلماتها ويلين قسوته فيلين الى ذكر الله ويجد شوقا الى الله وهذا حال اهل النهايات فالطمأنينة والسكون

ص: 312

بالذكر ولما جاء قوم حديثوا عهد بالإسلام فسمعوا القرآن كانوا يبكون ويتأوّهون فقال أبو بكر رضى الله عنه هكذا كنا فى بداية الإسلام ثم قست قلوبنا يشير بذلك الى نهايته فى الاطمئنان وَإِذا تُلِيَتْ قرئت عَلَيْهِمْ آياتُهُ اى آيات الله يعنى القرآن امر او نهيا وغير ذلك زادَتْهُمْ اى تلك الآيات والاسناد مجازى إِيماناً اى يقينا وطمأنينة نفس فان تظاهر الادلة وتعاضد الحجج والبراهين موجب لزيادة الاطمئنان وقوة اليقين قال الفاضل التفتازانيّ وتبعه المولى ابو السعود فى تفسيره ان نفس التصديق مما يقبل الزيادة والنقصان للفرق الظاهر بين يقين الأنبياء وارباب المكاشفات وبين يقين الامة ولهذا قال امير المؤمنين على رضى الله عنه «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» وكذا بين ما قام عليه دليل واحد من التصديقات وما قامت عليه ادلة كثيرة قال الكاشفى [در حقايق سلمى مذكورست كه ببركت تلاوت نور يقين در باطن ايشان ظاهر كردد وزيادتى طاعت بر ظاهر ايشان هويدا شود. ودر بحر الحقائق فرموده كه ايمان حقيقى نوريست كه بقدر سعت روزنه دل در وى مى تابد پس چون قرآن بر ارباب قلوب خوانند روزنه دل ايشان ببركت قرائت كشاده تر كردد ونور ايمان بيشتر در وى افتد پس در نور جمال مستغرق كردند] وَعَلى رَبِّهِمْ مالكهم ومدبر أمورهم خاصة يَتَوَكَّلُونَ يفوضون أمورهم ولا يخشون ولا يرجون الا إياه قال فى التأويلات النجمية عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ لا على الدنيا وأهلها فان من شاهد بنور الايمان جمال الحق وجلاله فقد استغرق فى بحر لجى من شهود الحق بحيث لا يتفرغ لغيره ويرى الأشياء مضمحلة تحت سطوات جلاله فيكون توكلهم عليه لا على غيره

هر كه او در بحر مستغرق شود

فارغ از كشتى واز زورق شود

غرقه دريا بجز دريا نديد

غير دريا هست بر وى ناپديد

ولما ذكر اولا من الأعمال الحسنة اعمال القلوب من الخشية والوجل عند ملاحظة عظمة الله تعالى وجلاله والإخلاص والتوكل عقب بافعال الجوارح التي هى العيار عليها كالصلاة والصدقة فقال الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ بوضوئها وركوعها وسجودها فى مواقيتها وهو مرفوع على انه نعت للموصول الاول وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ أعطيناهم من الأموال يُنْفِقُونَ فى طاعة الله وانما خص الله الصلاة والزكاة لعظم شأنهما وتأكيد أمرهما أُولئِكَ الجامعون لاعمال القلب والقالب هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ايمانا حَقًّا لانهم حققوا ايمانهم بان ضموا اليه الأعمال الصالحة لَهُمْ دَرَجاتٌ كائنة عِنْدَ رَبِّهِمْ اى كرامة وزلفى وعلو مرتبة وقيل درجات عالية فى الجنة على قدر أعمالهم قال فى أنوار المشارق الدرجة ان كانت بمعنى المرقاة فجمعها درج وان كانت بمعنى المرتبة والطبقة فجمعها درجات وَمَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [وروزى بزرك صافى باشد از كدّ اكتساب وخالى از خوف حساب] لا ينتهى ولا ينقطع كارزاق الدنيا قال فى القاموس رزقا كريما كثيرا وقولا كريما سهلا لينا وأكرمه وكرمه عظمه ونزهه [امام قشيرى قدس سره فرموده كه رزق كريم آنست كه مرزوق را از شهود رازق باز ندارد]

ص: 313

تو ز روزى ده بروزى واممان

از سبب بگذر مسبب بين عيان «1»

از مسبب ميرسد هر خير وشر

نيست ز اسباب وسائط اى پدر «2»

اصل بيند ديده چون أكمل بود

فرع بيند ديده چون أحول بود «3»

قال فى المجالس المحمودية اعلم ان الصلاة أعظم الأعمال القالبية والصدقة خير العبادات المالية- وروى- ان فاطمة اعطت قميصها عليا ليشترى لها ما اشتهاه الحسن فباعه بستة دراهم فسأله سائل فاعطاه إياها فاستقبله رجل ومعه ناقة فاشتراها على المدة بستين دينارا ثم استقبله رجل فاشترى منه الناقة بستين دينار او ستة دراهم ثم طلب بائع الناقة ليدفع له ثمنها فلم يجده فعرض القصة على النبي عليه السلام فقال عليه السلام (اما السائل فرضوان واما البائع فميكائيل واما المشترى فجبرائيل) وفى الحديث (يأتى يوم القيامة اربعة على باب الجنة بغير حساب الحاج الذي حج البيت بغير إفساد والشهيد الذي قتل فى المعركة والسخي الذي لم يلتمس بسخاوته رياء والعالم الذي عمل بعلمه فيتنازعون فى دخول الجنة اولا فيرسل الله جبرائيل ليحكم بينهم بالعدل فيقول للشهيد ما فعلت فى الدنيا حتى تريد ان تدخل الجنة او لا فيقول قتلت فى المعركة لرضى الله تعالى فيقول ممن سمعت ان من قتل فى سبيل الله يدخل الجنة فيقول من العلماء فيقول احفظ الأدب ولا تتقدم على معلمكما ثم يسأل الحجاج والسخي كذلك ثم يقول لهما احفظا الأدب ولا تقدما على معلمكما ثم يقول العالم إلهى أنت تعلم انى ما حصلت العلم الا بسخاوة السخي وأنت لا تضيع اجر المحسنين فيقول الله صدق العالم يا رضوان افتح الباب وادخل السخي اولا) وفى ذلك اشارة الى ان المراد بالعالم هو الذي يعمل بعلمه فان الانصاف من شأنه إذ الانصاف لا يحصل الا بصلاح النفس ولا يمكن ذلك الا بالعمل فلا يغترّ اهل الهوى من علماء الظاهر بذلك فان كون العلم المجرد منجيا مذهب فاسد فان العالم الفاجر أشد عذابا من الجاهل بل العالم هو الذي يعمل بعلمه ويصل الى العرفان بتصفية القلب ولا شك ان كون المذكورين فى الآية مؤمنين حقا بسبب خدمتهم لله تعالى بانفسهم وأموالهم وتجردهم عن العلائق البدنية والمالية وبقائهم مع الله تعالى وإيثارهم له على جميع ما سواه حتى على أنفسهم فمن آثر الحق على ما سواه فقد وصل الى أقصى مراداته فلا بد ان الله تعالى يدبر امره ويقضى حاجاته كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ المراد بإخراج الله تعالى إياه كونه سببا آمر اله بالخروج وداعيا اليه فان جبرائيل عليه السلام أتاه وامره بالخروج مِنْ بَيْتِكَ فى المدينة بِالْحَقِّ حال من مفعول اخرجك اى اخرجك ملتبسا بالحق وهو اظهار دين الله وقهر اعداء الله والكاف فى محل الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه الحال وهى قسمة غنائم بدر بين الغزاة على السواء من غير تفرقة بين الشبان المقاتلين وبين الشيوخ الثابتين تحت الرايات كحال اخراجك يعنى ان حالهم فى كراهتهم لما رأيت فان فى طبع المقاتلة شيأ من الكراهة لهذه القسمة مع كونها حقا كحالهم فى كراهتهم لخروجك للحرب وهو حق وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ اى والحال ان فريقا منهم كارهون للخروج اما لنفرة الطبع عن القتال او لعدم الاستعداد قال سعدى چلبى المفتى الظاهر ان المراد هى الكراهة الطبيعة التي لا تدخل تحت القدرة والاختيار فلا يرد انها لا تليق بمنصب

(1) لم أجد

(2)

در اواسط دفتر پنجم در بيان آنكه عطاى حق وقدرت او موقوف بر قابليت نيست إلخ

(3)

در اواسط دفتر پنجم در بيان آنكه مخلوقى كه توارا از او ظلمى رسد إلخ

ص: 314

الصحابة رضى الله عنهم- روى- ان عير قريش اى قافلتهم أقبلت من الشام وفيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكبا منهم ابو سفيان وعمرو بن العاص ومحرمة بن نوفل وكان فى السنة الثانية من الهجرة فاخبر جبريل رسول الله بإقبالها فاخبر المسلمين فاعجبهم تلقيها لكثرة المال وقلة الرجال فلما خرجوا سمعه ابو سفيان فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه الى مكة وامره ان يأتى قريشا فيستفزهم ويخبرهم ان محمدا قد اعترض لعيركم فادركوها فلما بلغ اهل مكة هذا الخبر نادى ابو جهل فوق الكعبة يا اهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول عيركم وأموالكم اى تداركوها ان أصابها محمد لن تفلحوا بعدها ابدا وقد رأت عاتكة اخت العباس بن عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا فقالت لاخيها انى رأيت عجبا كأن ملكا نزل من السماء فاخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها اى رمى بها الى فوق فلم يبق بيت من بيوت مكة الا أصابه حجر من تلك الصخرة فحدث بها العباس صديقا له يقال له عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وذكرها عتبة لا بنته ففشا الحديث فقال ابو جهل للعباس يا أبا الفضل ما يرضى رجالكم ان يتنبأوا حتى تنبأت نساؤكم فخرج ابو جهل باهل مكة وهم النفير فقيل له ان العير أخذت طريق الساحل ونجت فارجع بالناس الى مكة فقال لا والله لا يكون ذلك ابدا حتى ننحر الجزور ونشرب الخمور ونقيم القينات والمعازف ببدر فتتسامع جميع العرب بمخرجنا وان محمدا لم يصب العير وانا قد أغضضناه فمضى بهم الى بدر وبدر ماء كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوما فى السنة فنزل جبريل فقال يا محمد ان الله وعدكم احدى الطائفتين اما العير واما قريشا فاستشار النبي عليه السلام أصحابه فقال (ما تقولون ان القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول فالعير أحب إليكم أم النفير) فقالوا بل العير أحب إلينا من لقاء العدو فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ردد عليهم فقال ان العير قد مضت على ساحل البحر وهذا ابو جهل قد اقبل) يريد صلى الله عليه وسلم بذلك ان تلقى النفير وجهاد المشركين آثر عنده وانفع للمؤمنين من الظفر بالعير لما فى تلقى النفير من كسر شوكة المشركين واظهار الدين الحق على الأديان كلها فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فقام عند ما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر رضى الله عنهما فاحسنا الكلام فى اتباع مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام سيد الخزرج سعد بن عبادة فقال انظر فى أمرك وامض فو الله لو سرت الى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار ثم قال المقداد ابن عمرو يا رسول الله امض لما أمرك الله فانا معك حيثما أحببت لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى عليه السلام اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون ما دامت عين منا تطرف فتبسم رسول الله ثم قال (أشيروا على ايها الناس) وهو يريد الأنصار اى بينوا لى ما فى ضميركم فى حق نصرتى ومعاونتى فى هذه المعركة وذلك لان الأنصار كانوا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ان ينصروه مادام فى المدينة وإذا خرج منها لا يكون عليهم معاونة ونصرة فاراد عليه السلام ان يعاهدهم على النصرة فى تلك المعركة ايضا فقام سعد بن معاذ فكأنك تريدنا يا رسول الله قال (أجل) قال قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا

ص: 315

ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما نخلف منا رجل وما نكره ان تلقى بنا عدونا انا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله تعالى يربك منا ما تقربه عينك فسربنا على بركة الله ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشطه قول سعد ثم قال (سيروا على بركة الله وابشروا فان الله وعدنى احدى الطائفتين والله لكأنى الآن انظر الى مصارع القوم) فالمعنى اخرجك ربك من بيتك لان تترك التوجه الى العير وتؤثر عليه مقاتلة النفير فى حال كراهة فريق من أصحابك ما آثرته من محاربة النفير يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ الذي هو تلقى النفير لايثارهم عليه تلقى العير بَعْدَ ما تَبَيَّنَ منصوب بيجادلونك وما مصدرية اى يخاصمونك بعد تبين الحق وظهوره لهم باعلامك انهم ينصرون أينما توجهوا ويقولون ما كان خروجنا الا للعير وهلا قلت لنا ان الخروج لمقاتلة النفير لنستعد ونتأهب فمن قال ذلك انما قال كراهة لاخراجه عليه الصلاة والسلام من المدينة وكراهتهم القتال كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ الكاف فى محل النصب على الحالية من الضمير فى لكارهون اى مشبهين بالذين يساقون بالعنف والصغار الى القتل وَهُمْ يَنْظُرُونَ حال من ضمير يساقون اى والحال انهم ينظرون الى اسباب الموت ويشاهدونها عيانا وما كانت هذه المرتبة من الخوف والجزع الا لقلة عددهم وعدم تأهبهم وكونه رجالة- وروى- انهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ليس فيهم الا فارسان الزبير والمقداد ولهم سبعون بعير اوست ادرع وثمانية اسياف وكان المشركون اكثر عددا وعددا بالأضعاف والاشارة ان الله تعالى اخرج المؤمنين الذين هم المؤمنون حقا من أوطان البشرية الى مقام العندية بجذبات العناية كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ اى من وطن وجودك بالحق اى بمجىء الحق من تجلى صفات جماله وجلاله وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ اى القلب والروح يعنى للفناء عند التجلي فان البقاء محبوب والفناء مكروه على كل ذى وجود يجادلونك اى الروح والقلب فى الحق اى مجيىء الحق من بعد ما تبين مجيئه لكراهة الفناء كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون يعنى كأنهم ينظرون الى الفناء ولا يزول البقاء بعد الفناء كمن يساق الى الموت كذا فى التأويلات النجمية: وفى المثنوى

شير دنيا جويد آشكاري وبرك

شير مولى جويد آزادى ومرك «1»

چونكه اندر مرك بيند صد وجود

همچو پروانه بسوزاند وجود

كل شىء هالك جز وجه او

چون نه در وجه او هستى مجو «2»

هر كه اندر وجه ما باشد فنا

كل شىء هالك نبود جزا

ز انكه در «الا» ست او از «لا» كذشت

هر كه در «الا» ست او فانى نكشت

واعلم انه كمالا اعتراض على الأنبياء فى وحيهم وعباراتهم كذلك لا اعتراض على الأولياء فى ألهامهم وإشاراتهم وان السعادة فى العمل والاخذ بآياتهم والوجود وان كان محبوبا لاهل الوجود لكن الفناء محبوب لاهل الشهود فعلى السالك ان ينقطع عن جميع اللذات الدنيوية ويطهر نفسه عن لوث الأغراض الدنية ويكون الرسول وامره أحب اليه من نفسه الى

(1) در اواخر دفتر يكم در بيان فتح طلبيدن پيغمبر صلى الله عليه وسلم در مكه وغيرها إلخ [.....]

(2)

در اواخر دفتر يكم در بيان امتحان كردن شير كرك را إلخ

ص: 316

ان ينفد عمره روى البخاري عن عبد الله بن هشام انه قال كنا مع النبي عليه السلام وهو أخذ بيد عمر رضى الله عنه فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله أنت أحب الى من كل شىء إلا نفسي فقال صلى الله عليه وسلم (لا والذي نفس محمد بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك) اى لا يكون إيمانك كاملا حتى تؤثر رضاى على رضى نفسك وان كان فيه هلاكك فقال عمر الآن والله أنت أحب الى من نفسى فقال (الآن يا عمر) يعنى صار إيمانك كاملا قال ابن ملك والمراد من هذه المحبة محبة الاختيار لا محبة الطبع لان كل أحد مجبول على حب نفسه أشد من غيرها انتهى. قوله محبة الاختيار وهو ان يختار رضى النبي عليه السلام على رضى نفسه فالمراد هو الإيثار كما قال تعالى وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ فكما ان هذا الإيثار لا يقتضى عدم احتياج المؤثر فكذلك إيثار رضى الغير لا يستدعى ان تكون المحبة له أشد من كل وجه هذا ولكن فوق هذا كلام فان من فنى عن طبيعته ونفسه بل عن قالبه وقلبه فقد فنى عن محبتها ايضا وتخلص من الاثنينية ووصل الى مقام المحبوبية الذي لا غاية وراءه ورزقنا الله وإياكم ذلك بفضله وكرمه وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ اى اذكروا ايها المؤمنون وقت وعد الله تعالى إياكم إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ اى الفريقين إحداهما ابو سفيان مع العير والاخرى ابو جهل مع النفير أَنَّها لَكُمْ بدل اشتمال من احدى الطائفتين مبين لكيفية الوعد اى يعدكم ان احدى الطائفتين كائنة لكم مختصة بكم مسخرة لكم تتسلطون عليها تسلط الملاك على املاكهم وتتصرفون فيها كيف شئتم وَتَوَدُّونَ عطف على يعدكم داخل تحت الأمر بالذكر اى تحبون أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ من الطائفتين لا ذات الشوكة وهى النفير ورئيسهم ابو جهل وهم الف مقاتل وغير ذات الشوكة هى العير إذ لم يكن فيها الا أربعون فارسا ورئيسهم ابو سفيان ولذلك يتمنونها. والشوكة الحدة اى السلاح الذي له حدة كسنان الرمح والسيف ونصل السهم مستعار من واحدة الشوك والشوك نبت فى طرفه حدة كحدة الابرة وَيُرِيدُ اللَّهُ عطف على تودون منتظم معه فى سلك التذكير اى اذكروا وقت وعده تعالى إياكم احدى الطائفتين وودادتكم لادناهما وقوله تعالى أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ اى يثبته ويعليه بِكَلِماتِهِ بامره لكم بالقتال وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ اى آخرهم ويستأصلهم بالمرة. والمعنى انكم تريدون ان تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها والله يريد إعلاء الدين واظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ اللام متعلقة بفعل مقدر مؤخر عنها اى لهذه الغاية الجليلة وهى اظهار الدين الحق وابطال الكفر فعل ما فعل لا لشى آخر وليس فيه تكرار إذ الاول مذكور لبيان تفاوت ما بين الإرادتين ارادة الله وارادة المؤمنين والثاني لبيان الداعي الى حمل الرسول صلى الله عليه وسلم على اختيار التوجه الى ذات الشوكة ونصره عليها وقطع دابر المشركين ومعنى احقاق الحق اظهار حقيته لا جعله حقا بعد ان لم يكن كذلك وكذا حال ابطال الباطل وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ اى المشركون ذلك اى احقاق الحق وابطال الباطل إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ اى اذكروا وقت استغاثتكم وهى طلب الفوز والنصر والعون وذلك انهم لما علموا انه لا بد من القتال جعلوا يدعون الله

ص: 317

تعالى قائلين اى رب انصرنا على عدوك يا غياث المستغيثين أغثنا وعن عمر رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نظر الى المشركين وهم الف والى أصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو (اللهم أنجز لى ما وعدتني اللهم ان تهلك هذه العصابة لا تعبد فى الأرض) فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فاخذه أبو بكر فالقاه على منكبه والتزمه من ورائه وقال يا نبى الله كفاك مناشدتك ربك فانه سينجز ما وعدك فهذه الاستغاثة كانت من النبي عليه السلام ومن المؤمنين واسناد الفعل الى الجماعة لا ينافى كونه من النبي عليه السلام لانه دعا وتضرع والمؤمنون كانوا يؤّمنون فَاسْتَجابَ لَكُمْ اى أجاب عطف على تستغيثون داخل معه فى حكم التذكير أَنِّي بانى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ اى جاعلين غيرهم من الملائكة رديفا لانفسهم فالمراد رؤساؤهم المستتبعون لغيرهم حتى صاروا ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف وَما جَعَلَهُ اللَّهُ عطف على مقدر اى فامدكم الله بانزال الملائكة عيانا وما جعل ذلك الامداد لشىء من الأشياء إِلَّا بُشْرى اى الا للبشارة لكم بانكم تنصرون فهو استثناء مفرغ من أعم العلل وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ اى بالامداد قُلُوبُكُمْ فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم وفى قصر الامداد عليها اشعار بعدم مباشرة الملائكة للقتال وانما كان امدادهم بتقوية قلوب المباشرين وتكثير سوادهم ونحوه ولو بعثهم الله بالمحاربة لكان يكفى ملك واحد فان جبريل أهلك بريشة واحدة من جناحه سبعا من مدائن قوم لوط وأهلك بصيحة واحدة جميع بلاد ثمود قال الحدادي وهذا القول اقرب الى ظاهر الآية وقيل نزل جبرائيل فى خمسمائة من الملائكة على الميمنة وفيها أبو بكر رضى الله عنه ونزل ميكائيل فى خمسمائة على الميسرة وفيها على بن ابى طالب رضى الله عنه فقاتلوا وقيل قاتلوا يوم بدر ولم يقاتلوا يوم الأحزاب ويوم حنين- وروى- ان رجلا قال تبعت رجلا من المشركين لأضربه يوم بدر فوقع رأسه بين يدى قبل ان يصل اليه سيفى وَمَا النَّصْرُ اى حقيقة النصر على الإطلاق إِلَّا كائن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ من غير ان يكون فيه شركة من جهة الأسباب فان امداد الملائكة وكثرة العدد والأهب ونحوهما وسائط لا تأثير لها فلا تحسبوا النصر منها ولا تيأسوا منه بفقدها ونعم ما قيل

النصر ليس باجناد مجندة

لكنه بسعادات وتوفيق

إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يغالب فى حكمه ولا ينازع فى أقضيته حَكِيمٌ يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة واعلم ان للملائكة امدادا فى كل جيش حق وان لم يكونوا مرئيين ومشاهدين بحسب أبصارنا وهم فى الحقيقة اشارة الى القوى الروحانية الغالبة فانها إذا ظهرت فى وجود المجاهر بالجهاد الأكبر لا يقابلها شىء من القوى الانفسية الشريرة المغلوبة وكذا ما كان مظاهرها من كفار الظاهر وانما العمدة هى اليقين والاطمئنان- روى- ان بنى إسرائيل اعطوا السكينة وهى ريح ساكنة تخلع قلب العدو بصوتها رعبا إذا التقى الصفان وهى معجزة لانبيائهم وكرامة لملوكهم وللسكينة معنيان آخران. أحدهما شىء من لطائف صنع الحق يلقى على لسان محدث الحكمة كما يلقى الملك الوحى على قلوب الأنبياء مع ترويح

ص: 318

الاسرار وكشف السر. وثانيهما ما انزل على قلب النبي عليه السلام وقلوب المؤمنين وهو شىء يجمع نورا وقوة وروحا يسكن اليه الخائف ويتسلى به الحزين وقد ورثه المجاهدون فى سبيل الله بعدهم الى قيام الساعة وانما لا يظهر فى بعض الأحيان والوقائع لحكمة أخفاها الله عن الغافلين

هر خلل كاندر عمل بينى ز نقصان دلست

رخنه كاندر قصر بينى از قصور قيصرست

وكل عصر على التنزل بالنسبة الى ما قبله ولهذا لا يظهر النصر فى بعض السرايا بل يقال يا ايها الكفرة اقتلوا الفجرة قيل لعلى رضى الله عنه ما بال خلافة عثمان مع خلافتك كانت متكدرة بخلاف خلافة الشيخين قال كنت انا وعثمان من اعوانهما وأنت وامثالك من اعواننا فعلى المجاهدين ان يسعيثوا ربهم ويتضرعوا اليه كما تضرع الاصحاب رضى الله عنهم ومن يليهم لعل الله تعالى يظهر نصره

دعاى ضعيفان اميدوار

ز بازوى مردى به آيد بكار

ألا يا ايها المرء الذي فى عسره أصبح

إذا اشتد بك الأمر فلا تنس ألم نشرح

واعلم ان اصدق المقال قول الله تعالى وقول رسوله وقد وعد وأمد فعليك بقوة الايمان واليقين قال الشيخ محيى الدين بن العربي قدس سره فى وصايا الفتوحات ولقد ابتلى عندنا رجل من اعيان الناس بالجذام نعوذ بالله منه وقال الأطباء باسرهم لما ابصروه وقد تمكنت العلة فيه ما لهذا المرض دواء فرأه شيخ من اهل الحديث يقال له سعد السعود وكان عنده ايمان بالحديث عظيم فقال له يا هذا لم لا تطيب نفسك فقال له الرجل ان الأطباء قالوا ليس لهذه العلة دواء فقال سعد السعود كذبت الأطباء والنبي عليه السلام احذق منهم وقد قال فى الحبة السوداء انها شفاء من كل داء وهذا الداء الذي نزل بك من جملة ذلك ثم قال على بالحبة السوداء والعسل فخلط هذا بهذا وطلى بهما بدنه كله ووجهه ورأسه الى رجليه وألعقه من ذلك وتركه ساعة ثم انه غسل فانسلخ من جلده ونبت له جلد آخر ونبت ما كان قد سقط من شعره وبرىء وعاد الى ما كان عليه فى حال عافيته فتعجب الأطباء والناس من قوة إيمانه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان رحمه الله يستعمل الحبة السوداء فى كل داء يصيبح حتى فى الرمد إذا رمدت عينه اكتحل بها فبرى من ساعته انتهى كلام الشيخ فقد عرفت ان الاطمئنان وقوة الايمان يجلب للمرء ما يهواه بعناية الملك المنان لكنه قليل اهله خصوصا فى هذا الزمان والله المعين إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ قال جماعة من المفسرين لما امر الله النبي عليه السلام بالمسير الى الكفار سار بمن معه حتى إذا كان قريبا من بدر لقى رجلين فى الطريق فسألها هل مرت بكما العير قالا نعم مرت بنا ليلا وكان بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من المسلمين فاخذوا الرجلين وكان أحدهما عبدا للعباس بن عبد المطلب يقال له ابو رافع والآخر عبدا لعقبة بن ابى معيط يقال له اسلم كانا يسقيان الماء فدفع اسلم الى أصحابه يسألونه وأخذ هو يسأل أبا رافع عمن خرج من اهل مكة فقال ما بقي بها أحد الا وقد خرج فقال عليه السلام تأتى مكة اليوم بافلاذ كبدها ثم قال هل رجع منهم أحد قال نعم أبيّ بن سريق فى ثلاثمائة من بنى زهرة وكان خرج لمكان العير فلما أقبلت العير رجع فسماه النبي عليه السلام الأخنس حين خنس بقومه ثم اقبل على

ص: 319

أصحابه وهم يسألون اسلم وكان يقول لهم خرج فلان وفلان وابو بكر يضربه بالعصا ويقول له كذبت أتجبن الناس فقال عليه السلام (ان صدقكم ضربتموه وان كذبكم تركتموه) فعلموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرف أمرهم فساروا حتى نزلوا فى كثيب اعفر اى فى تل من الرمل الأحمر تسوخ فيه الاقدام اى تدخل وتغيب على غير ماء بالجانب الأقرب من المدينة من الوادي ونزل المشركون بجانبه الا بعد من المدينة الأقرب الى مكة والوادي بينهما ثم باتوا ليلتهم تلك وناموا ثم استيقظوا وقد اجنب أكثرهم وغلب المشركون على ماء بدر وليس معهم ماء فتمثل لهم الشيطان فوسوس إليهم وقال أنتم يا اصحاب محمد تزعمون انكم على الحق وانكم اولياء الله وفيكم رسوله وانكم تصلون على غير وضوء وعلى الجنابة وقد عظشتم ولو كنتم على الحق ما سبقكم المشركون الى الماء وغلبوكم عليه وما ينتظرون الا ان يضعفكم العطش فاذا قطع أعناقكم مشوا إليكم فقتلوا من أحبوا وساقوا بقيتكم الى مكة فحزنوا حزنا شديدا فاشفقوا فانزل الله عليهم المطر ليلا حتى سال الوادي وامتلأ من الماء فاغتسل المسلمون وتوضأوا وشربوا وسقوا دوابهم وبنوا على عدوته اى جانبه حياضا واشتد الرمل وتلبدت بذلك ارضهم واوحل ارض عدوهم حتى ثبتت عليها الاقدام وزالت وسوسة الشيطان وطابت النفوس وقويت القلوب وتهيأوا للقتال من الغد فذلك قوله تعالى إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ اى اذكروا ايها المؤمنون وقت جعل الله النعاس وهو أول النوم قبل ان يثقل عاشيا لكم ومحيطا وملقى عليكم أَمَنَةً مِنْهُ منصوب على العلية بفعل مترتب على الفعل المذكور اى يغشيكم النعاس فتنعسون أمنا كائنا من الله تعالى لا كلالا

واعياء فيتحد الفاعلان لان الامن فعل النعاس قال فى التأويلات النجمية يشير الى ان النعاس فى المعركة عند مواجهة العدو والامن منه بدل الخوف انما هو من تقليب الحال الى ضده بامر التكوين كما قال تعالى للنار يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ فكانت كذلك قال للخوف كن أمنا على محمد وأصحابه فكان انتهى وعن ابن مسعود رضى الله عنه النعاس عند القتال أمن من الله تعالى وهو فى الصلاة من الشيطان قال الحسن ان للشيطان ملعقة ومكحلة فملعقته الكذب ومكحلته النوم عند الذكر وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ اى بذلك الماء يعنى المطر من الحدث والجنابة وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ اى وسوسته وتخويفه إياكم من العطش ويقال أراد بالرجز الجنابة التي أصابتهم بالاحتلام فان الاحتلام انما يكون من رجز الشيطان اى تخييله ووسوسته ولذلك قال بعضهم من كتب اسم عمر على صدره لم يحتلم فان الشيطان كان يفر منه ويسلك فجا غير الفج الذي اقبل هو منه وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ الربط الشد والتقوية وعلى صلة. والمعنى وليربط قلوبكم ويشدها ويقويها بجعلها واثقة بلطف الله تعالى وكرمه وجىء بكلمة على للايذان بان قلوبهم امتلأت من ذلك الربط حتى كأنه علا عليها وارتفع فوقها وَيُثَبِّتَ بِهِ اى بذلك الماء الْأَقْدامَ حتى لا تسوخ فى الرمل ويجوز ان يكون الضمير للربط فان الاقدام انما تثبت فى الحرب بقوة القلب وتمكن الصبر والجراءة فيه

دلا در عاشقى ثابت قدم باش

كه در اين ره نباشد كار بي اجر

ص: 320

وبمثل الصدق والصبر وارتباط القلب وثبات الاقدام سادت الصحابة الكرام من عداهم الى يوم القيام ولا فضل لاحد على أحد الا بالديانة والتقوى قال الزهري قدمت على عبد الملك بن مروان قال من اين قدمت يا زهرى قلت من مكة قال فمن خلفت فيها يسود أهلها قال قلت عطاء بن رباح قال فمن العرب أم من الموالي قلت من الموالي قال بم سادهم قلت بالديانة والرواية قال ان اهل الديانة والرواية ينبغى ان يسودوا الناس قال فمن يسود اهل اليمن قلت طاووس بن كيسان قال فمن العرب أم من الموالي قلت من الموالي قال فبم سادهم قلت بما ساد به عطاء قال من كان كذلك ينبغى ان يسود الناس قال فمن يسود اهل مصر قلت يزيد بن ابى حبيب قال فمن العرب أم من الموالي قلت من الموالي فقال كما قال فى الأولين ثم قال فمن يسود اهل الشام قلت مكحول الدمشقي فقال من العرب أم من الموالي قلت من الموالي عبد نوبى أعتقته امرأة من هذيل فقال كما قال ثم قال فمن يسود اهل الجزيرة قلت ميمون بن مهران قال فمن العرب أم من الموالي قلت من الموالي فقال كما قال ثم قال فمن يسود اهل حرمنا قلت الضحاك بن مزاحم فقال من العرب أم من الموالي قلت من الموالي فقال كما قال ثم قال فمن يسود اهل البصرة قلت الحسن بن ابى الحسن قال من العرب أم من الموالي قلت من الموالي قال ويلك فمن يسود أهل الكوفة قلت ابراهيم النخعي قال من العرب أم من الموالي قلت من العرب قال ويلك يا زهرى فرجت عنى والله ليسودن الموالي على الأكابر حتى يخطب لها على المنابر وان العرب تحتها قال قلت يا امير المؤمنين انما هو امر الله ودينه فمن حفظه ساد ومن ضيعه سقط وفى الآية بيان نعمة الماء وان الخوف من العطش وكذا من الجوع من الشيطان ووسوسته فان المرء إذا كان قوى التوكل يستوى عنده الفقد والوجود والله تعالى من اسمه الخالق والرازق قالوا وللاسد من الصبر على الجوع وقلة الحاجة الى الماء ما ليس لغيره من السباع ولا يأكل من فريسة غيره وإذا شبع من فريسة تركها ولم يعد إليها وإذا امتلأ بالطعام ارتاض ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب فينبغى للمؤمن ان لا يكون أدون من الأسد فى هذه الصفات

على المرء ان يسعى لتحسين حاله

وليس عليه ان يساعده الدهر

والله تعالى قد سن الاعانة بإعانته للمؤمنين فالمؤمن الكامل يساعد المؤمن حسب الطاقة- وحكى- ان فيروز بن يزد جرد بن بهرام من آل ساسان لما ملك عدل وأنصف ولما مضى سبع سنين من ملكه ولم ينزل من السماء مطر أرسل الى كل بلد بان يقسم طعام كل بلد بين الأغنياء والفقراء وإذا مات فقير من الجوع قتل من الأغنياء رجلا بدلا منه: قال الحافظ

توانكرا دل درويش خود بدست آور

كه مخزن زر وكنج درم نخواهد ماند

اللهم احفظنا من البخل والكسل الى حلول الاجل إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ الوحى إلقاء المعنى الى النفس من وجه خفى. والمعنى اذكر يا محمد وقت ايحائه تعالى الى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ مفعول يوحى اى بالامداد والتوفيق فى امر التثبيت فليس القصد ازالة الخوف كما فى لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا إذ لا خوف للملائكة من الكفار حتى يقال لهم انى معكم

ص: 321

فلا تخافوهم وما يشعر به دخول كلمة مع من متبوعية الملائكة انما هو من حيث انهم المباشرون للتثبيت صورة فلهم الاصالة من تلك الحيثية كما فى أمثال قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا بالبشارة وتكثير السواد ونحوهما مما تقوى به قلوبهم والتثبيت عبارة عن الحمل على الثبات فى مواطن الحرب والجد فى مقاساة شدائد القتال سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ اى سأقذف فى قلوبهم المخافة من المؤمنين وهو تلقين للملائكة ما يثبتونهم به كأنه قيل قولوا لهم قولى سألقى إلخ فَاضْرِبُوا ايها المؤمنون فلا دلالة فى الآية على قتال الملائكة فَوْقَ الْأَعْناقِ أعاليها التي هى المذابح او الرؤوس قال الحدادي وانما امر الله بضرب الأعناق لان أعلى جلدة العنق هو المقتل وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ البنان فى اللغة هو الأصابع وغيرها من الأعضاء التي بها يكون قوام الإنسان وحياته والمقصود اضربوهم فى جميع الأعضاء من أعاليها الى أسافلها. وقيل الوجه ان يراد بها المدافعة والمقاتلة وكذا قال التفتازانيّ لِكَ

الضرب والقتل والعقاب واقع عليهم أَنَّهُمْ

اى بسبب انهم اقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ

اى خالفوا وغالبوا من لا سبيل الى مغالبته أصلا قال ابن الشيخ معنى شاقوا الله شاقوا اولياء الله واشتقاق المشاقة من الشق لما ان كلا من المشاقين فى شق خلاف شق الآخر كما ان المحادة ان بصير أحدهما فى حد غير حد الآخر وفى الآية اشارة الى ان كل سعادة وشقاوة تحصل للعبد فى الدنيا والآخرة يكون للعبد فيها مدخل بالكسب مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

اى ومن يخالف اولياء الله ورسوله إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ

له قال الحدادي اما اظهار التضعيف فى موضع الجزم فى قوله شاقِقِ اللَّهَ

فهو لغة اهل الحجار وغيرهم يدغم أحد الحرفين فى الآخر لاجتماعهما من جنس واحد كما قال تعالى فى سورة الحشر وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ بقاف واحدة ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ قوله ذلكم خبر مبتدأ محذوف وقوله وان إلخ معطوف عليه. وقوله فذوقوه اعتراض والضمير لما فى ضمن المشار اليه من العقاب والتقدير حكم الله ذلكم اى ثبوت هذا العقاب لكم عاجلا وثبوت عذاب النار آجلا وانما قال فى عذاب الدنيا فذوقوه لان الذوق يتناول اليسير من الشيء فكل ما يلقى الكفار من ضرب او قتل او اسر او غيرها فى الدنيا فهو بالنسبة الى ما أعد لهم فى الآخرة بمنزلة ذوق المطعوم بالنسبة الى أكله قال فى التأويلات النجمية فَذُوقُوهُ اى ذوقوا العاجل منه صورة ومعنى اما صورة فبا لقتل والاسر والمصائب والمكروهات واما معنى فبالبعد والطرد عن الحضرة وتراكم الحجب وموت القلب وعمى البصيرة وضعف الروح وقوة النفس واستيلاء صفاتها وغلبة هواها وما يبعده عن الحق ويقربه الى الباطل وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال سوى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوفهم وقدموا راياتهم فوضعوها مواضعها فوقف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على بعير له يدعو الله ويستغيث فهبط جبريل عليه السلام فى خمسمائة على ميمنتهم وميكائيل عليه السلام فى خمسمائة على ميسرتهم فكان الملك يأتى الرجل من المسلمين على صورة رجل ويقول له دنوت من عسكر المشركين فسمعتهم يقولون والله لئن حملوا علينا

ص: 322

لا نثبت لهم ابدا والقى الله فى قلوب الكفرة الرعب بعد قيامهم للصف فقال عتبة بن ربيعة يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قريش نقاتلهم فقام إليهم بنوا عفراء من الأنصار عوذ ومعوذ امّهم عفراء وأبوهم الحارث فمشوا إليهم فقالوا لهم ارجعوا وأرسلوا إلينا أكفانا من بنى هاشم فخرج عليهم حمزة وعلى وعبيدة بن الحارث فقال على مشيت الى الوليد بن عتبة ومشى الى فضربته بالسيف اطرت يده ثم بركت عليه فقتلته فقام شيبة بن ربيعة الى عبيدة بن الحارث فاختلفا بضربتين ثم ضرب عبيدة ضربة اخرى فقطع ساق شيبة ثم قام حمزة الى عتبة فقال انا اسد الله واسد رسوله ثم ضربه حمزة فقتله فقام ابو جهل فى أصحابه يحرضهم يقول لا يهولنكم ما لقى هؤلاء فانهم عجلوا فاستحقوا ثم حمل هو بنفسه ثم حمل المسلمون كلهم على المشركين فهزموهم بإذن الله تعالى وفى حق هؤلاء السادات ورد (اطلع الله على اهل بدر) يعنى نظر إليهم بنظر الرحمة والمغفرة (فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) المراد به اظهار العناية بهم وإعلاء رتبتهم لا الترخيص لهم فى كل فعل كما يقال للمحبوب اصنع ما شئت فعلى العاقل ان يقتفى باثرهم فى باب المجاهدة مطلقا: قال الحافظ

درره نفس كزو سينه ما بتكده شد

تير آهى بگشاييم وغزايى بكنيم

وقال فى حق اهل الجزع

ترسم كزين چمن نبرى آستين كل

كز كلشنش تحمل حارى نميكنى

اللهم اجعلنا من الصابرين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لقيه اى رآه زَحْفاً الزحف الدبيب يقال زحف الصبى زحفا من باب فتح إذا دب على استه قليلا قليلا سمى به الجيش الدهم المتوجه الى العدو لانه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه يزحف وذلك لان الكل يرى كجسم واحد متصل فيحس حركته بالقياس اليه فى غاية البطيء وان كانت فى نفس الأمر فى غاية السرعة ونصبه على انه حال من مفعول لقيتم بمعنى زاحفين نحوكم. والمعنى إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جم وأنتم قليل فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ فلا تولوهم أدباركم فضلا عن الفرار بل قابلوهم وقاتلوهم مع قتلكم فضلا عن ان تدانوهم فى العدد وتساووهم عدل عن لفظ الظهور الى لفظ الأدبار تقبيحا لفعل الفار وتشنيعا لا نهزامه والتولية جعل الشيء يلى غيره وهو متعد الى مفعولين وولاه دبره إذا جعله اليه وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ اى ومن يجعل ظهره إليهم وقت اللقاء والقتال فضلا عن الفرار فيومئذ هنا بمعنى حينئذ لان اليوم وان كان اسما لبياض النهار إذا اطلق لكنه إذا قرن به فعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ اما بالتوجه الى قتال طائفة اخرى أهم من هؤلاء واما بالفر للكر بان يخيل لعدوه انه منهزم ليغره ويخرجه من بين أعوانه ثم يعطف عليه وحده او مع من فى المكمن من أصحابه وهو باب من خدع الحرب ومكايدها يقال انحرف وتحرف إذا مال من جانب الى جانب آخر والحرف الطرف والجانب وانتصابه على الحالية والتقدير ومن يولهم ملتبسا بحال من الأحوال اية حال كانت الا فى حال كذا أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ اى منجازا الى جماعة اخرى من المؤمنين قريبة او بعيدة لينضم إليهم ثم يقاتل معهم العدو فالانهزام حرام

ص: 323

الا فى هاتين الحالتين فان كل واحدة منهما ليست انهزاما فى الحقيقة بل من قبيل التهيؤ والتقوى للحرب فمن ولى ظهره لغير أحد هذين الغرضين فَقَدْ باءَ اى رجع بِغَضَبٍ عظيم كائن مِنَ اللَّهِ تعالى وَمَأْواهُ فى الآخرة جَهَنَّمُ اى بدل ما أراد بفراره ان يأوى اليه من مأوى ينجيه من القتل والمأوى المكان الذي يأوى اليه الإنسان اى يأتيه وَبِئْسَ الْمَصِيرُ اى المرجع جهنم وهذا الوعيد وان كان بحسب الظاهر متناولا لكل من يولى دبره وقت ملاقاة الكفار الا انه مخصوص بما إذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين لقوله تعالى فى آخر هذه السورة الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ قال ابن عباس رضى الله عنه من فرمن ثلاثة لم يفر ومن فرمن اثنين فقد فر اى ارتكب المحرم وهو كبيرة الفرار من الزحف: وفى المثنوى

اين چنين هوشى كه از موشى پريد

اندر آن صف تيغ چون خواهد كشيد

چالش است آن حمزه خوردن نيست اين

تا تو بر مالى بخوردن آستين

نيست حمزه خودن اينجا تيغ بين

حمزه بايد درين صف آهنين

كار هر نازك دلى نبود قتال

كه كر يزد از خيالى چون خيال

كار تركانست نى تركان برو

جاى تركان هست خانه خانه شو

وعد بعض العلماء الكبائر الى سبعين منها الفرار من الجيش فى الغزو إذا كان مثلا او ضعفا وكل ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله والدين فهى كبيرة تسقط العدالة فى الشهادة فعلى العاقل ان يقدم على الحرب بقلب جريىء ويعلم ان الجبن لا يؤخر اجله وان الاقدام على القتال لا يعجل موته ويتشبه الغازي فى أوان المقاتلة بأصناف من الخلق فيكون كقلب الأسد لا يجبن ولا يفر كما ان الأسد مقدام غير جبان وكرار غير فرار وفى كبر النمر بالفارسية [پلنگ] لا يتواضع للعدو وفى شجاعة الدب يقاتل بجميع جوارحه وفى جملة الخنزير لا يولى دبره إذا حمل اى لا يعرض وجهه عما توجه اليه وفى إغارة الذئب إذا يئس من وجه أغار من وجه آخر والاغارة بالفارسية [يغما كردن] وفى حمل السلاح الثقيل كالنملة تحمل أضعاف وزن بدنها وفى الثبات كالحجر لا يزول عن مكانه وفى الصبر كالحمار وفى الوفاء كالكلب لو دخل سيده النار يتبعه وفى التماس الفرصة والظفر كالديك ويكون فى الصف ساكنا كالمصلى الخاشع ويكون فى متابعة امير العسكر كمتابعة المأموم امامه فى الصلاة اى لا يخالفه أصلا ويغطى نفسه بالسلاح كتغطية البكر نفسها بالثياب إذا زفت اى أرسلت الى الزوج وفى تكثير قليل سلاحه وماله كالمرائى إذا قل ماله وعبادته ويكون فى المكر والخيلة إذا هزمه العدو اى غلب عليه كالثعلب إذا اضطره الكلب فان مدار الحرب على الخداع وفى التبختر والخيلاء بين الصفين كالعروس وفى الخفة فى تحريف القتال من جانب الى آخر كالصبى وفى صياحه إذا صاح بالعدو كالرعد وهو اسم ملك على قول وفى سوء ظنه اى فى الحذر عما يهلكه فى جميع أحواله كالغراب الا بقع وهو الذي فيه سواد وبياض وفى حراسته والاحتراز عن المكاره كالكركى وهو طير معروف لا زوردى اللون يشابه اللقلق فى الهيئة بالفارسية [كلتك] ومن الحيوان الذي لا يصلح الا برئيس لان فى طبعه الحرس والتحارس بالنوبة والذي يحرس يهتف بصوت خفى كأنه يندر بانه حارس

ص: 324

فاذا قضى نوبته قام الذي كان نائما يحرس مكانه حتى يقضى كل ما يلزمه من الحراسة قال القزويني والكركي لا يمشى على الأرض الا بإحدى رجليه ويعلق الاخرى وان وضعها وضعها خفيفا مخافة ان تخسف به الأرض كذا فى حياة الحيوان والاشارة ايها القلوب المؤمنة إذا لقيتم كفار النفوس وصفاتها مجتمعين على قهر القلوب وصفاتها فلا تنهزموا من سطوات النفوس وغلبات صفاتها بل اثبتوا بالصبر عند صدمات النفوس فان الصبر عند الصدمة الاولى كما روى ان النبي عليه السلام اتى على امرأة تبكى على صبى ميت لها فقال (اتقى الله واصبري) فقالت وما تبالي على مصيبتى فلما ذهب عليه السلام قيل لها انه رسول الله فاخذها مصيبة مثل موت صبيها فجاءت بابه تستعذره وتقول لم أعرفك يا رسول الله فقال عليه السلام (الصبر عند الصدمة الاولى) الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله والصدمة مرة منه يعنى الصبر المأجور عليه صاحبه ما كان عند فجأة المصيبة وحدتها لانه إذا طالت الأيام عليه صار الصبر أيسر له ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة يعنى إلا قلبا ينحرف ليهيىء اسباب القتال مع النفس او راجعا الى الاستمداد من الروح وصفاتها او الى ولاية الشيخ يستمد منها الى الحضرة الربانية فى قمع النفس وقهرها بطريق المجاهدة والرياضة فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ يعنى بطرد وابعاد منه وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ اى مرجعه جهنم البعد عن الحضرة ونار القطيعة وبئس المرجع والمعاد فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ اى ان افتخرتم بقتل الكفار يوم بدر فاعلموا انكم لم تقتلوهم بقوتكم وقدرتكم وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ بنصركم وتسليطكم عليهم وإلقاء الرعب فى قلوبهم- روى- انه لما طلعت قريش من العقنقل وهو الكثيب الذي جاؤا منه الى الوادي قال عليه السلام (هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك اللهم انى اسألك ما وعدتني) فاتاه جبريل فقال خذ قبضة من تراب فارمهم بها فلما التقى الجمعان قال لعلى رضى الله عنه (أعطني من حصباء الوادي) فرمى بها فى وجوههم وقال (شاهت الوجوه) اى قبحت فما من المشركين أحد الا أصاب عينيه ومنخريه تراب فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ثم لما انصرفوا من المعركة غالبين غانمين اقبلوا على التفاخر يقولون قتلت وأسرت وفعلت وتركت فنزلت والظاهر ان قوله فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ رجوع الى بيان بقية قصة بدر والفاء جواب شرط مقدر يستدعيه ما مر من ذكر إمداده تعالى وامره بالتثبيت وغير ذلك كأنه قيل إذا كان الأمر كذلك فلم تقتلوهم أنتم كما هو محتار المولى ابى السعود فى تفسيره وَما رَمَيْتَ يا محمد حقيقة إِذْ رَمَيْتَ صورة والا لكان اثر الرمي من جنس آثار الأفاعيل البشرية وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى اتى بما هو غاية الرمي فاوصل اجزاء تلك القبضة الى عيون جميع المشركين حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرهم فصورة الرمي صدرت منه عليه السلام الا ان اثرها انما صدر من الله تعالى إذ ليس فى وسع البشر ان يرمى كفا من الحصباء فى وجوه جيش فلا يبقى فيهم عين الا ويصيبها منه شىء. واللفظ يطلق على المسمى وعلى ما هو كماله والمقصود منه كاطلاق المؤمن على المؤمن الكامل قال فى التأويلات النجمية ان الله نفى عن الصحابة القتل بالكلية واحاله الى نفسه لانه تعالى كان مسبب اسباب القتل من امداد الملائكة وإلقاء الرعب فى قلوب الكفار وتقوية

ص: 325

قلوب المؤمنين وغير ذلك فالفعل يحال الى السبب كقولهم القلم يكتب مليحا والكاتب يكتب مليحا وهو المسبب للكتابة: قال فى المثنوى

هرچهـ خواهد آن مسبب آورد

قدرت مطلق سببها بر درد

از مسبب ميرسد هر خبر وشر

نيست اسباب ووسائط را اثر

اين سببها بر نظرها پردهاست

كه نه هر ديدار صنعش را سزاست

ديده بايد سبب سوراخ كن

تا حجب را بر كند از بيخ وبن

تا مسبب بيند اندر لا مكان

هرزه بيند جهدوا ساب ودكان

والفرق فيما بين النبي عليه السلام وبين الصحابة رضى الله عنهم ان الله تعالى نفى القتل عن الصحابة بالكلية واحاله الى نفسه فجعلهم سببا للقتل وهو المسبب وما نفى الرمي عن النبي عليه السلام بالكلية بل أسند اليه الرمي ولكن نفى وجوده بالكلية فى الرمي وأثبته لنفسه تعالى اى وما رميت بك إذ رميت ولكن رميت بالله وذلك فى مقام التجلي فاذا تجلى الله لعبد بصفة من صفاته يظهر على العبد منه فعلا يناسب تلك الصفة كما كان من حال عيسى عليه السلام لما تجلى الله له بصفة الاحياء كان يحيى الموتى باذنه اى به وهذا كقوله تعالى (كنت له سمعا وبصرا) الحديث فلما تجلى الله للنبى عليه السلام بصفة القدرة كان قد رمى به حين رمى وكان يده يد الله فى ذلك كما كشف القناع عن هذه الحقيقة فى قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ واعلم ان الله أسند القتل الى داود عليه السلام فى قوله وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وفرق كثير بين عبد أضيف فعله الى نفسه والعبد محل الآفات والحوادث وبين عبد أضيف فعله الى الله تعالى والله منزه عن الآفات والحوادث

ما رميت إذ رميت كفت حق

كار حق بر كار حق بر كارها دارد سبق «1»

كر بپرانيم تيران نى ز ماست

ما كمان وتير اندازش خداست «2»

تا نشد مغلوب كس اين سر نيافت

كر تو خواهى آن طرف بايد شتافت

وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ اى ليعطيهم من عنده تعالى وينعم عليهم بَلاءً حَسَناً اى عطاء جميلا ونعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ومشاهدة الآيات غير مشوبة بمقاساة الشدائد والمكاره. والبلاء يطلق على النعمة وعلى المحنة لان أصله الاختيار وهو كما يكون بالمحنة لاظهار الصبر يكون بالنعمة ايضا لاظهار الشكر والاختبار من الله تعالى اظهار ما علم كما علم لا تحصيل علم ما لم يعلم لانه تعالى منزه عنه. واللام متعلقة بمحذوف مؤخر أي وللاحسان إليهم بالنصر والغنيمة والاجر العظيم فعل ما فعل لا لشىء غير ذلك مما لا يجديهم نفعا. واما برمى فالواو للعطف على علة محذوفة اى ولكن الله رمى ليمحق الكافرين وليبلى المؤمنين قال ابن الشيخ والظاهر ان بلاء اسم مصدر ليبلى اى ليبليهم إبلاء حسنا والمتبادر من عبارة القاضي انه حمله على نفس الشيء المبلوّ به على طريق اطلاق المصدر على المفعول حيث قال ولينعم عليهم نعمة عظيمة: قال الكاشفى [در حقائق سلمى از امام جعفر صادق رضى الله عنه نقل ميكند كه بلاء حسن آنست كه ايشانرا از نفوس ايشان فانى

(1) در أوائل دفتر دوم در بيان معنى فى التأخير آفات

(2)

لم أجد در أوائل دفتر پنجم در بيان آنكه عطاى حق وقدرت او موقوف بر قابليت نيست ألح

ص: 326

كرداند وبعد از فنا بهويت خود شان باقى سازد امام. قشيرى كويد بلاء حسن آنست كه مبتلى مشاهده كند ميلى را در عين بلا]

چودانستى كه اين درد تو از كيست

ز رنج خويشتن مى باش خرم

كر او زهرت دهد بهتر ز شكر

ور او زحمت زند خوشتر ز مرهم

إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لاستغاثتهم ودعائهم عَلِيمٌ بنياتهم وأحوالهم الداعية الى الاجابة ذلِكُمْ اشارة الى البلاء الحسن ومحله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ معطوف على ذلكم اى المقصود إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وابطال حيلهم. والايهان [سست كردن] والنعت موهون كذا فى تاج المصادر. والوهن الضعف والكيد المكر والحيلة والحرب وفى الآية اشارة الى ان التأثير من الله تعالى والعبد آلة فى البين فينبغى للمرء ان لا يعجب بنفسه وعمله ولذا قال الله تعالى فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ واظهر منته عليهم والعجب استعظام العمل الصالح من غير ذكر التوفيق قال المسيح عليه السلام يا معشر الحواريين كم من سراج قد أطفأته الريح وكم من عابد قد أفسده العجب واعلم ان الناس فى العجب ثلاثة اصناف. صنف هم معجبون بكل حال وهم المعتزلة والقدرية الذين لا يرون الله تعالى عليهم منة فى أفعالهم وينكرون العون والتوفيق الخاص واللطف وتلك الشبهة استولت عليهم. وصنف هم الذاكرون المنة بكل حال وهم المستقيمون لا يعجبون بشىء من الأعمال وذلك لبصيرة أكرموا بها وتأييد خصوا به. والصنف الثالث المخلطون وهم عامة اهل السنة تارة يتنبهون فيذكرون منة الله تعالى وتارة يغفلون فيعجبون وذلك لمكان الغفلة العارضة والفترة فى الاجتهاد والنقص فى البصيرة فحق للعاقل ان يرى حقارة عمله وقلة مقداره من حيث هو وان يرى ان منة الله عليه اشرف من قدر عمله وأعظم من جزائه وان يحذر على فعله من ان يقع على وجه لا يصلح لله تعالى ولا يقع منه موقع الرضى فتذهب عنه القيمة التي حصلت له ويعود الى ما كان فى الأصل من الثمن الحقير من دراهم او دوانق ومثاله ان العنقود من العنب او الاضبارة من الريحان تكون قيمته فى السوق دانقا فاذا أهداه واحد الى الملك دستجة فوقع منه موقع الرضى يهب له على ذلك الف دينار فصار ما قيمته حبة بألف دينار فاذا لم يرضه الملك أورده عليه رجع الى قيمته الخسيسة من حبة او دانق فكذلك ما نحن فيه قال وهب كان فيمن قبلكم رجل عبد الله سبعين سنة يفطر من سبت الى سبت فطلب من الله حاجة فلم يقض فاقبل على نفسه وقال لو كان عندك خير قضيت حاجتك فانزل الله تعالى ملكا فقال يا ابن آدم ساعتك التي أزريت بنفسك فيها خير من عبادتك التي مضت: ونعم ما قال الحافظ الشيرازي

در راه ما شكسته دلى ميخرند وبس

بازار خود فروشى از ان سوى ديگرست

اللهم اجعلنا من اهل التوفيق ومن السالكين بطريق التحقيق إِنْ تَسْتَفْتِحُوا الخطاب لاهل مكة على سبيل التهكم بهم وذلك انهم حين أرادوا الخروج الى بدر تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم انصر أعلى الجندين واهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدين- وروى- ان أبا جهل

ص: 327

قال يوم بدر اللهم انصر أفضل الفريقين وأحقهما بالنصر اللهم أينا اقطع للرحم وأفسد للجماعة فاهلكه دعا على نفسه لغاية حماقته فاستجاب الله دعائه حيث ضربه ابنا عفراء عوذ ومعاذ واجهز عليه ابن مسعود رضى الله عنه. فالمعنى ان تستنصروا يا اهل مكة لا على الجندين فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ حيث نصر أعلاهما وقد زعمتم انكم الأعلى فالتهكم فى المجيء او فقد جاءكم الهزيمة والقهر والخزي فالتكهم فى نفس الفتح حيث وضع موضع ما يقابله وَإِنْ تَنْتَهُوا عن الكفر ومعاداة الرسول فَهُوَ اى الانتهاء خَيْرٌ لَكُمْ اى من الحراب الذي ذقتم غائلته لما فيه من السلامة من القتل والاسر ومبنى اعتبار اصل الخيرية فى المفضل عليه هو التكهم وَإِنْ تَعُودُوا لمحاربته نَعُدْ لنصره وَلَنْ تُغْنِيَ اى لن تدفع ابدا عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ اى جماعتكم التي تجمعونهم وتستغيثون بهم شَيْئاً اى من الإغناء فنصب شيأ على المصدر او من المضار فنصبه على المفعولية وَلَوْ كَثُرَتْ فئتكم فى العدد وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ اى ولان الله مع المؤمنين بالنصر والمعونة فعل ذلك وفى الآية اشارة الى ان النجاة فى الايمان والإسلام والتسليم لامر الله الملك العلام وان غاية الباطل هو الزوال والاضمحلال وان ساعده الامهال: قال الحافظ

اسم أعظم بكند كار خود اى دل خوش باش

كه بتلبيس وحيل ديو سليمان نشود

واعلم ان المحاربة مع الأولياء الكرام كالمحاربة مع الأنبياء العظام وكل منهم منصور على أعدائه لان الله معهم وهو لا ينساهم ولا يتركهم بحال- حكى- ان دانيال عليه السلام طرح فى الجب وألقيت عليه السباع فجعلت السباع تلحسه وتتبصبص اليه فاتاه رسول فقال يا دانيال فقال من أنت قال انا رسول ربك إليك أرسلني إليك بطعام فقال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره

وإذا السعادة لا حظتك عيونها

ثم فالمخاوف كلهن أمان

واصطد بها العنقاء فهى حبالة

واقتد بها الجوزاء فهى عنان

- وحكى- الماوردي فى كتاب ادب الدنيا والدين ان الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوما فى المصحف فخرج له قوله تعالى وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ فمزق المصحف وانشأ يقول

أتوعد كل جبار عنيد

فها انا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل يا رب مزقنى الوليد

فلم يلبث أياما حتى قتل شرّ قتلة وصلب رأسه على قصره ثم على سور بلده جزم القاضي ابو بكر فى الاحكام فى سورة المائدة بتحريم أخذ الفأل من المصحف. ونقله القرافي عن الطرطوشى وأقره واباحه ابن بطة من الحنابلة. وقال بعضهم بكراهته كذا فى حياة الحيوان للامام الدميري والاشارة فى الآية إِنْ تَسْتَفْتِحُوا أبواب قلوبكم بمفتاح الصدق والإخلاص وترك ما سوى الله تعالى فى طلب التجلي فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ بالتجلى فان الله تعالى متجل فى ذاته ازلا وابدا فلا تغير له وانما التغير فى احوال الخلق فانهم عند انغلاق أبواب قلوبهم الى الله محرومون من التجلي وعند

ص: 328

انفتاح ابوابها محفوفون به وَإِنْ تَنْتَهُوا اى عن غير الله فى طلب الله فهو خير لكم مما سواه وَإِنْ تَعُودُوا الى الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها وزخارفها والى ما سوى الله تعالى نَعُدْ الى خذلانكم الى أنفسكم وهواها ودواعيها وغلبات صفاتها وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً اى تقوم لكم الدنيا والآخرة وما فيهما مقام شىء من مواهب الله والطافه ولو كثرت يعنى وان كثرت نعم الله من الدنيوية والاخروية فلا توازى شيأ مما أنعم الله على اهل الله وخاصته وان الله بأصناف الطافه مع المؤمنين بهذه المقامات وطالبيها ليبلغهم إليها بفضله ورحمته لا بحولهم وقوتهم كذا فى التأويلات النجمية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا بحذف احدى التاءين اى لا تتولوا والتولي الاعراض. وبالفارسية [روى بگردانيدن] عَنْهُ اى عن الرسول ولم يقل عنهما لان طاعة الله انما تكون بطاعة رسوله وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ اى والحال انكم تسمعون القرآن الناطق بوجوب طاعته والمواعظ الزاجرة عن مخالفته سماع فهم وتصديق وَلا تَكُونُوا بمخالفة الأمر والنهى كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا على جهة القبول وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ للقبول وانما سمعوا به للرد والاعراض عنه كالكفار الذين قالوا سمعنا وعصينا وكالمنافقين الذين يدعون السماع والقبول بألسنتهم ويضمرون الكفر والتكذيب: قال فى المثنوى

نبست را چهـ خوانده چهـ نا خوانده

هست پاى او بكل درمانده

كر سرش جنبد بسير باد رو

تو بسر جنبانيش غره مشو

آن سرش كويد سمعنا اى صبا

پاى او كويد عصينا خلنا

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ اى شر ما يدب على الأرض فلفظ الدابة محمول على معناه اللغوي او شر البهائم فهو محمول على معناه العرفي والبهيمة كل ذات اربع من حيوانات البر والبحر عِنْدَ اللَّهِ اى فى حكم قضائه الصُّمُّ الذين لا يسمعون الحق الْبُكْمُ الذين لا ينطقون به الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ الحق عدهم من البهائم ثم جعلهم شرها لابطالهم ما ميزوا به وفضلوا لاجله. وانما وصفهم بعدم العقل لان الأصم الأبكم إذا كان له عقل ربما يفهم بعض الأمور ويفهمه غيره بالاشارة ويهتدى بذلك الى بعض مطالبه. واما إذا كان فاقدا للعقل ايضا فهو الغاية فى الشرية وسوء الحال: قال السعدي

بهائم خموشند وكويا بشر

پراكنده كوى از بهائم بتر

بنطق است وعقل آدمي زاده فاش

چوطوطى سخن كوى ونادان مباش

وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً شيأ من جنس الخير الذي من جملته صرف قواهم الى تحرى الحق واتباع الهدى لَأَسْمَعَهُمْ سماع تفهم وتدبر ولو قفوا على حقيقة الرسول وأطاعوه وآمنوا به ولكن لم يعلم فيهم شيأ من ذلك لخلوهم عنه بالمرة فلم يسمعهم لذلك لخلوه عن الفائدة وخروجه عن الحكمة قال ابن الشيخ عبر عن عدم استقرار الخير فيهم بعدم علم الله تعالى بوجوده فيهم لان كل ما وقع واستقر يجب ان يعلم الله تعالى بحصوله ووجوده فعدم علم الله تعالى بوجود الشيء من لوازم عدمه فى نفسه فعبر باللازم عن الملزوم فقيل لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ مقام ان يقال لو كان فيهم خيرا لأسمعهم لكونه ابلغ فى الدلالة على انعدام الخير فيهم

ص: 329

لان نفى لازم الشيء نفى لنفس ذلك الشيء ببينة فيكون ابلغ من نفى نفس ذلك الشيء وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ سماع تفهم وهم على هذه الحالة العارية عن الخير بالكلية لَتَوَلَّوْا عما سمعوه من الحق ولم ينتفعوا به قط او ارتدوا بعد ما صدقوه وصاروا كأن لم يسمعوه أصلا وَهُمْ مُعْرِضُونَ اى لتولوا على ادبارهم والحال انهم معرضون عما سمعوه بقلوبهم لعنادهم وفيه اشارة الى ان من قدر له الشقاوة فانه يتولى عن المتابعة فى أثناء السلوك ويعرض عن الله وطلبه ويقبل على الدنيا وزخارفها واعلم ان الإنسان خلق فى احسن تقويم قابلا للتربية والترقي مستعدا لكمال لا يبلغه الملك المقرب فهو فى بدء الخلقة دون الملك وفوق الحيوان فبتربية الشريعة يصير فوق الملك فيكون خير البرية وبمخالفة الشريعة ومتابعة الهوى يصير دون الحيوان فيكون شر البرية فيؤول حال من يكون خيرا من الملك الى ان يكون شر الدواب فعلى العاقل ان لا يخالف امر الرسول وشريعته فان الحيوان يستسلم لامره فكيف بالإنسان- حكى- انه جاء رجل فى بعض أسفاره صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انه كان لى حائط فيه عيشى وعيش عيالى ولى فيه ناضحان والناضخ البعير الذي يستسقى عليه فمنعانى أنفسهما وحائطى وما فيه فلا نقدر ان ندنو منهما فنهض النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى اتى الحائط فقال لصاحبه (افتح) قال أمرهما عظيم قال (افتح) فلما حرك الباب أتيا ولهما جلبة فلما انفرج الباب نظرا الى النبي عليه السلام وبركا ثم سجدا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤوسهما ثم دفعهما الى صاحبهما وقال (استعملهما واحسن إليهما) فقال القوم تسجد لك البهائم أفلا تأذن لنا فى السجود لك فقال صلى الله تعالى عليه وسلم (ان السجود ليس الا للحى القيوم ولو أمرت أحدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها) وكل ما امر به النبي عليه السلام او نهى عنه ففيه حكمة ومصلحة ولست بمأمور بالتفتيش عنها وانما يلزم عليك الاطاعة والانقياد فقط. أفترضى لنفسك ان تصدق ابن البيطار فيما ذكره فى العقاقير والأحجار فتبادر الى امتثال ما أمرك به ولا تصدق سيد البشر صلى الله تعالى عليه وسلم فيما يخبر عنه وتتوانى بحكم الكسل عن الإتيان بما امر به او فعل وأنت تحقق انه عليه السلام مكاشف من العالم بجميع الاسرار والحكم كما اخبر عن نفسه وقال (فعلمت علم الأولين والآخرين) ولما اخرجك الله من صلب آدم فى مقام ألست رددت الى أسفل السافلين ثم منه دعيت لترتفع بسعيك وكسبك الى أعلى عليين حيث ما قدر لك على حسب قابليتك ولا يمكنك ذلك الا بأمرين. أحدهما بمحبته صلى الله عليه وسلم وبان تؤثر حبه على نفسك وأهلك ومالك. والثاني بمتابعته صلى الله عليه وسلم فى جميع ما امر به ونهى عنه وبذلك تستحكم مناسبتك به وبكمال متابعتك يحصل لك الارتفاع الى اوج الكمال ومن علامات المحبة حب القرآن وحب تلاوته والا كان من المعرضين عن سلوك طريقته صلى الله عليه وسلم ومن تمام محبته إيثار الفقر والزهد فى الدنيا

كين جهان جيفه است ومردار ورخيص

بر چنين مردار چون باشم حريص

اللهم اعصمنا من المهالك واجعلنا من السالكين الى خير المسالك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا

ص: 330

لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ

اى أجيبوا الله ورسوله بان تطيعوهما إِذا دَعاكُمْ اى الرسول إذ هو المباشر لدعوة الله تعالى ودعاؤه بامر الله فهو دعاء الله تعالى ولذا وحد الفعل لِما يُحْيِيكُمْ اللام بمعنى الى اى الذي يحييكم وهو انواع منها العلوم الدينية فانها حياة القلب والجهل موته: قال

لا تعجبن الجهول حلته

فذاك ميت وثوبه كفن

وقال

جاهلى كان بعلم زنده نشست

ميتش دان ومسكنش مدفن

از جنازه نشان جمازه او

جامهاى تنش بجاى كفن

وفى الخبر ان الله تعالى ليحيى القلب الميت بالعلم كما يحيى الأرض الميتة بوابل المطر والعلوم الدينية الشرعية هى التفسير والحديث والأصول والفقه والفرائض

علم دين فقهست وتفسير وحديث

هر كه خواند غير ازين كردد خبيث «1»

ومنها العقائد والأعمال فانها تورث الحياة الابدية فى النعيم الدائم. ومنها الجهاد فانه سبب البقاء إذ لو تركوه لغلبهم العدو وقتلهم كما فى قوله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ. ومنها الشهادة فان الشهداء احياء عند ربهم سواء كانوا مقتولين بسيف الكفار او بسيف الرياضات الشاقة والمجاهدات القوية

دانه مردن مرا شيرين شد است

بل هم احياء پى من آمده است «2»

اقتلوني يا ثقاتى لائما

ان فى قتلى حياتى دائما

فالموت هو الفناء عن الكل والحياة هو البقاء بنور الله تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال فى القاموس كل ما حجز بين شيئين فقد حال بينهما وهو تمثيل لغاية قربه من العبد وهو اقرب الى قلبه منه لان ما حال بينك وبين الشيء فهو أقرب الى الشيء منك وتنبيه على انه مطلع من مكنونات القلوب على ما عسى يغفل عنه صاحبها قال على رضى الله عنه اللهم اغفر لى ما أنت اعلم به منى او حث على المبادرة الى اخلاص القلوب وتصفيتها قبل ان يحول الله بينه وبين القلب بالموت او غيره من الآفات كأنه قيل بادر الى تكميل النفوس وتصفية القلوب بإجابة الرسول المبعوث من علام الغيوب قبل فوات الفرصة فانها قد ثفوت بان يحدث الله أسبابا لا يتمكن العبد معها من تصريف القلب فيما يشاؤه من إصلاح امره فيموت غير مستجيب لله ورسوله ويحتمل ان يكون المراد بالحيلولة تصوير تملكه تعالى قلب العبد وغلبته عليه فيفسخ عزائمه ويغير نيانه ومقاصده ولا يمكنه من إمضائها على حسب إرادته فيحول بينه وبين الكفر ان أراد سعادته وبينه وبين الايمان ان قضى شقاوته وكان عليه السلام يقول كثيرا (يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبى على دينك) ويبدل بالأمن خوفا وبالذكر نسيانا وما أشبه ذلك من الأمور المعترضة المفوّتة للفرصة [در كشف الاسرار فرموده كه علما دلرا پايند ولمن كان له قلب اشارت بدانست وعرفا دلرا كم كنند يحول بين المرء وقلبه عبارت از آنست در بدايت از دل ناچارست ودر نهايت حجاب ديدارست]

(1) لم أجد

(2)

در اواخر دفتر يكم در بيان بقيه قصة امير المؤمنين على رضى الله عنه إلخ

ص: 331

زيد پيش همى ديدمش اندر دل خويش

دل نيز حجاب بود برداشت ز پيش

فالله تعالى يحول بتجلى صفاته بين المرء وقلبه يعنى إذا تجلى الله على قلب المرء يحول بسطوات أنوار جماله وجلاله بين مرآت قلبه وظلمة أوصافه وَأَنَّهُ اى واعلموا ايضا ان الله تعالى إِلَيْهِ تعالى لا الى غيره تُحْشَرُونَ تبعثون وتجمعون فيجازيكم على حسب أعمالكم ان خيرا فخير وان شرا فشر فسارعوا الى طاعة الله وطاعة رسوله وبالغوا فى الاستجابة لهما واعلم ان الاستجابة لله بالسرائر وللرسول بالظواهر وايضا الاستجابة لله اجابة الأرواح للشهود واستجابة القلوب للشواهد واجابة الاسرار للمشاهدة واجابة الخفي للفناء فى الله والاستجابة للرسول بالمتابعة فى الأقوال والأحوال والافعال- وروى- انه عليه السلام مر على ابى وهو يصلى فدعاه فعجل فى صلاته ثم جاء فقال عليه السلام (ما منعك عن إجابتي) قال كنت أصلي (قال ألم تخبر فيما اوحى الى استجيبوا لله وللرسول) واختلف العلماء فى جواز قطع الصلاة لاجابة الداعي. فقال بعضهم انه مختص باستجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز قطع الصلاة لاجابة غيره لان قطعها ابطال لها وابطال العمل حرام. وقال بعضهم يجوز لكل مصل ان يقطع صلاته لامر لا يحتمل التأخير كما إذا خاف ان يسقط أحد من سطح او تحرقه النار او يغرق فى الماء وجب عليه ان يقطع الصلاة وان كان فى الفريضة كذا فى غنية الفتاوى. ويجيب فى صلاة النافلة دعاء امه دون نداء أبيه اى يقطع الصلاة ويقول لبيك مثلا وذلك لان مشقة الام وتحملها التعب من الولد اكثر ولذا ورد (الجنة تحت أقدام الأمهات) معناه ان التواضع للامهات سبب دخول الجنة. وقال بعض المشايخ الأب يقدم على الام فى الاحترام والام فى الخدمة حتى لو دخلا عليه يقوم للاب واجابة الدعوة من قبيل الخدمة غالبا قال الطحاوي مصلى النافلة إذا ناداه أحد أبويه ان علم انه فى الصلاة وناداه لا بأس بان لا يجيبه وان لم يعلم يجيب واما مصلى الفريضة إذا دعاه أحد أبويه فلا يجيب ما لم يفرغ من صلاته الا ان يستغيثه لشىء فان قطع الصلاة لا يجوز الا لضرورة وكذا الإفطار فى صوم النفل فانه إذا الحّ عليه أحد بالإفطار يجوز قبل الزوال واما إذا كان بعده فلا يفطر الا إذا كان فى ترك الإفطار عقوق الوالدين او أحدهما كذا فى شرح التحفة والوقاية. واما فى صوم القضاء فيكره الإفطار مطلقا كذا فى الزاهدي ثم اعلم ان استجابة الرسول يدخل فيها بطريق الاشارة استجابة الأولياء العلماء الأدباء الأمناء لانهم الورثة وطريقتهم طريقة النبي عليه السلام ولا بد لمن أراد الوصول الى الله تعالى من صحبة مرشد كامل عارف بالمقامات والمراتب وقبول ما دعا اليه سواء كان محبوبا له اولا فان هذا ليس طريق العقل بل طريق الكشف والإلهام

كر در سرت هواى وصالست حافظا

بايد كه خاك در كه اهل نظر شوى

واهل الطريقة ثلاثة عباد ومريدون وعارفون. فطريق العباد كثرة الأعمال والتجنب من الزنى والضلال. وطريق المريدين تخليص الباطن من الشوائب والنفور عن المشغلات وطريق العارفين تخليص القلب لله وبذل الدنيا والآخرة فى طلب رضاه اللهم اجعلنا من المستجيبين للدعوة الحقة وأذقنا من حلاوة الاسرار المحققة آمين وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا

ص: 332

مِنْكُمْ خَاصَّةً

قال الحدادي فى تفسيره نزلت فى عثمان وعلى رضى الله عنهما اخبر الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بالفتنة التي تكون بسببهما انها ستكون بعدك تلقاها أصحابك تصيب الظالم والمظلوم ولا تكون للظلمة وحدهم خاصة ولكنها عامة فاخبر النبي عليه السلام بذلك أصحابه فكان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن بسبب على وعثمان رضى الله عنهما ما لا يخفى على أحد انتهى. والمعنى لا تختص أصابتها بمن يباشر الظلم منكم بل تعمه وغيره كاقرار المنكر بين أظهرهم والمداهنة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل فى الجهاد وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ولذلك يصيب بالعذاب من لم يباشر سببه وفيه تحذير من شدّة العقوبة لمن أهاج الفتن وفى الحديث (الفتنة راتعة فى بلاد الله واضعة خطامها فالويل لمن اهاجها) وفى بعض الاخبار (الفتنة نائمة لعن الله من

ايقظها) : قال السعدي

از ان همنشين تا توانى كريز

كه مر فتنه خفته را كفت خيز

قال القرطبي فان قيل قال الله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى. وكُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ وهذا يوجب ان لا يؤاخذ أحد بذنب غيره وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب فالجواب ان الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على من رآه ان يغيره فان سكت عليه فكلهم عاص هذا بفعله وهذا برضاه وقد جعل الله فى حكمه وحكمة الراضي بمنزلة العامل فانتظم فى العقوبة قاله ابن العربي انتهى قال حضرة الشيخ صدر الدين القنوى قدّس سره فى شرح الأربعين حديثا وأحيانا تظهر سلطنة العمل الفاسد فيسرى حكمها فى حال ذى العمل الصالح فيتضرر بذلك وان لم يتعد الضرر الى اعماله والاشارة الى ذلك قوله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا الآية وليس هذا بمخالف للاصل المترجم عنه بقوله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فان هذا الأثر لا يقع ولا يسرى بحكم ما به امتاز الصالح من الطالح بل بموجب ما به يثبت الاتحاد والاشتراك بينهما وقوله وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى لسان غلبته حكم ما به الامتياز وايضا ففعل الحق من حيث صدوره من جنابه وحداني كلى شامل لا تخصيص فيه بل التخصيص من القوابل المتأثرة وهذا عام فى الشر والخير ففى الشر ما ذكر فى قوله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً الآية وفى الخير ما أشار اليه عليه السلام فى الحديث المذكور فى حق الذين يجتمعون لذكر الله وكون الحق يباهى بهم الملائكة ويقول أشهدكم انى قد غفرت لهم وقول بعض الملائكة ان فيهم فلانا ليس منهم وانما أتاهم لحاجة فيقول الحق سبحانه وتعالى وله قد غفرت هم القوم لا يشقى جليسهم فهذا اثر عموم الحكم من جهة الحق وكليته واثر صلاح الحال الفاسد بمجاورة ذى الحال والعمل الصالح والحضور معه فتذكر انتهى كلام القنوى: وفى المثنوى

اى خنك آن مرده كز خود رسته شد

در وجود زنده پيوسته شد «1»

واى آن زنده كه با مرده نست

مرده كشت وزندكى از وى بجست

حق ذات پاك الله الصمد

كه بود به مار بد از يار بد «2»

مار بد جانى ستاند از سليم

يار بد آرد سوى نار مقيم

(1) در اوائل دفتر يكم در بيان حديث من أراد ان مجلس مع الله إلخ

(2)

در اوسط دفتر پنجم در بيان پاسخ دادن روباه إلخ

ص: 333

والاشارة فى الآية وَاتَّقُوا يا ايها الواصلون فِتْنَةً يعنى ابتلاء النفوس بشىء من حظوظها الدنيوية والاخروية لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً يعنى لا تصيب تلك الفتنة النفوس الظالمة فقط بل تصيب ظلمتها الأرواح النورانية والقلوب الربانية فتجتذبها من حظائر القدس ورياض الانس الى حضائض صفات الانس كما قال تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ فيعاقب الواصلين بالانقطاع والاستدراج عند الالتفات الى ما سواه كذا فى التأويلات النجمية وَاذْكُرُوا ايها المهاجرون إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ اى وقت كونكم قليلا فى العدد مُسْتَضْعَفُونَ خبر ثان اى مقهورون تحت أيدي قريش فِي الْأَرْضِ اى ارض مكة تَخافُونَ خبر ثالث أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ التخطف الاخذ والاستلاب بسرعة وهم كانوا يخافون ان يخرجوا من مكة حذرا من ان يستلبهم كفار قريش ويدهبوا بهم فَآواكُمْ اى جعل لكم مأوى ترجعون اليه وهو المدينة دار الهجرة وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ على الكفار وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ من الغنائم التي لم تكن حلالا للامم السالفة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ هذه النعم قال الجنيد قدس سره كنت عند السرى وانا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون فى الشكر فقال لى يا غلام ما الشكر فقلت ان لا تعصى الله بنعمه فقال يوشك ان يكون حظك من الله لسانك فلا أزال ابكى على هذه الكلمة واعلم ان الدولة العثمانية التي هى آخر الدول الاسلامية كانت على الضعف فى الأوائل وأهلها قليلون مستضعفون تحت أيدي فارس والروم حتى قوّاهم الله بالعدد والعدد ونصرهم على أعدائهم فكانوا يستفتحون من مشارق الأرض ومغاربها ويأوون الى الأماكن فى الأقطار الى ان آل الأمر الى ما آل فكل ذلك نعم جسيمة وستعود هذه الحال الى ما كانت عليه فى الابتداء فان الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا وما ذلك الا بالغرور والكفران وادعاء الاستحقاق من غير برهان:

قال السعدي قدس سره

ترا آنكه چشم ودهان داد وكوش

اگر عاقلى در خلافش مكوش

مكن كردن از شكر منعم مپيچ

كه روزى پسين سر بر آرى بهيچ

ثم اعلم ان الروح والقلب فى بدء الخلقة وتعلقهما بالقالب وكذا صفاتهما مستضعفون من غلبات النفس لاعواز التربية بألبان آداب الطريقة وانعدام جريان احكام الشريعة عليهم الى أوان البلوغ والتربية فى هذه المدة للنفس وصفاتها لاستحكام القالب لحمل أعباء تكاليف الشريعة وهما اعنى الروح والقلب يخافون ان تستلبهم النفس وصفاتها ويغتالهم الشيطان وأعوانه فآواكم الى حظائر القدس وأيدكم بنصره بالواردات الربانية وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ اى من المواهب الطاهرة من لوث الحدوث لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فتستحقون المزيد

شكر نعمت نعمتت افزون كند

كفر نعمت از كفت بيرون كند

والعمدة قلة الاكل وكثرة الشكر والطاعة. ويقال اربع فى الطعام فريضة. ان لا يأكل إلا من الحلال. وان يعلم انه من الله تعالى. وان يكون راضيا. وان لا يعصى الله ما دامت قوة ذلك الطعام فيه. واربع سنة. ان يسمى الله فى الابتداء. وان يحمد الله فى الانتهاء. وان يغسل يديه قبل الطعام

ص: 334

وبعده. وان يثنى رجله اليسرى وينصب اليمنى على الجلوس. واربع آداب. ان يأكل مما يليه وان يصغر اللقمة. وان يمضغها مضغا ناعما. وان لا ينظر الى لقمة غيره. واثنان دواء. ان يأكل ما سقط من المائدة. وان يلعق القصعة. واثنان مكروهان. ان يشم الطعام. وان ينفخ فيه ولا يأكل حارا حتى يبرد فان اللذة فى الحار والبركة فى البارد فعلى العاقل الساعي فى طلب مرضاة الله تعالى تحصيل القوت الحلال وكثرة شكر المنعم المفضال ولله على العبد نعم ظاهرة وباطنة والطاف جليلة وخفية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ اصل الخون النقص كما ان اصل الوفاء التمام واستعماله فى ضد الامانة لتضمنه إياه فانك إذا خنت الرجل فقد ادخلت عليه النقصان- روى- انه عليه السلام حاصر بنى قريظة احدى وعشرين ليلة فسألوه الصلح كما صالح إخوانهم بنى النضير على ان يسيروا الى إخوانهم بأذرعات وأريحا من الشام فأبى الا ان ينزلوا على حكم سعد بن معاذ رضى الله عنه فأبوا وقالوا أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر وكان مناصحا لهم لان عياله وماله كانت فى أيديهم فبعثه إليهم فقالوا ما ترى هل ننزل على حكم سعد فاشار الى حلقه بالذبح اى ان حكم سعد فيكم ان تقتلوا صبرا فلا تنزلوا على حكمه يقال فلان مقتول صبرا إذا صار محبوسا على القتل حتى يقتل قال ابو لبابة فما زالت قدماى من مكانهما حتى علمت انى قد خنت الله ورسوله وذلك لانه عليه السلام أراد منهم ان ينزلوا على حكم سعد ويرضوا بما حكم فيهم وهو صرفهم عنه فنزلت هذه الآية فشد نفسه على سارية من سوارى المسجد وقال والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت او يتوب الله على فمكث سبعة ايام حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه فقيل له قد ينب عليك فحل نفسك فقال لا والله لا أحلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلنى فجاءه عليه السلام فحله فقال ان من تمام توبتى ان اهجر دار قومى التي أصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى فقال عليه السلام (يجزنك الثلث ان تتصدق به) وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ فيما بينكم اى لا تخونوها فهو مجزوم معطوف على الاول وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ انكم تخونون يعنى ان الخيانة توجد منكم عن عمد لا عن سهو ولما نهى عن الخيانة نبه على ان الداعي إليها انما هو حب المال والأولاد ألا يرى ان أبا لبابة انما حمله على ما فعل ماله واهله وولده الذين كانوا فى بنى قريظة لانه انما ناصحهم لاجلهم وخان المسلمين بسببهم فقال وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

الفتنة قد تطلق على الآفة والبلاء وقد تطلق على الابتلاء والامتحان فالمعنى على الاول انما أموالكم وأولادكم اسباب مؤدية الى الوقوع فى الآفة التي هى ارتكاب المعصية فى الدنيا والوقوع فى عقاب الآخرة وعلى الثاني انها اسباب لوقوع العبد فى محن الله تعالى واختباراته حيث يظهر من اتبع الهوى ممن آثر رضى المولى وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

لمن آثر رضى الله وراعي حدوده فيهم فأنيطوا اى علقوا هممكم بما يؤديكم اليه ولا يحملنكم حبهما على الخيانة [احمد انطاكى فرموده كه حق سبحانه وتعالى مال وفرزند انرا فتنه كفت تا از فتنه بيكسو رويم وما پيوسته بخلاف حكم خداوند آن فتنه را زيادت ميخواهيم]

جوان و پير كه در بند مال وفرزندند

نه عاقلند كه طفلان نا خردمندند

ص: 335

قال بعض السلف كل ما شغلك عن الله سبحانه من مال وولد فهو مشئوم عليك واما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادته فهو المحمود بكل لسان المحبوب لكل انسان:

قال فى المثنوى

چيست دنيا از خدا غافل بدن

نى قماش ونقره وميزان وزن

مال را كز بهر دين باشى حمول

نعم مال صالح خواندش رسول

آب در كشتى هلاك كشتى است

آب اندر زير كشتى پشتى است

چونكه مال وملك را از دل براند

زان سليمان خويش جز مسكين نخواند

وفى الحديث (ان البد إذا قال لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله من عصى ربه) فعلى العاقل ان لا يشتغل بسبب الدنيا ولعنها بل يلوم نفسه ولعنها فى حب الدنيا قال ابو يزيد قدس سره جمعت فكرى وأحضرت ضميرى ومثلت نفسى واقفا بين يدى ربى فقال لى يا أبا يزيد بأى شىء جئتنى قلت يا رب بالزهد فى الدنيا قال يا أبا يزيد انما كان مقدار الدنيا عندى مثل جناح بعوضة ففيم زهدت منها فقلت الهى وسيدى استغفرك من هذه الحالة جئت بالتوكل عليك قال يا أبا يزيد ألم أكن ثقة فيما ضمنت لك حتى توكلت على قلت الهى وسيدى استغفرك من هاتين الحالتين جئتك بالافتقار إليك فقال عند ذلك قبلناك فهذه حال العارفين بالله تعالى وفوا عهودهم فى طلبه فجعلهم الله أمناء لاسراره واعلم ان الخيانة على انواع فالفرائض والسنن اعمال ائتمن الله تعالى عليها عباده ليحافظوا على أدائها فى أوقاتها برعاية حدودها وحقوقها فمن ضيعها فقد خان الله تعالى فيها. والوجود وما يتبعه من الأعضاء والقوى أمانات والأهل والأولاد والأموال أمانات والإماء والعبيد وسائر الخدم أمانات والسلطنة والوزارة والامارة والقضاء والفتوى وما يلحقها أمانات وفى الحديث (من قلد إنسانا عملا وفى رعيته من هو اولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين) : قال السعدي قدس سره

كسى را كه با خواجه تست جنك

بدستش چرا ميدهى چوب وسنك

سك آخر كه باشد كه خوانش نهند

بفرماى تا استخوانش دهند

وفى الحديث (انا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فاذا خان خرجت من بينهما وجاء الشيطان) ففى كل ذلك يلزم العبد ان يكون أمينا غير خائن وإلا فقد تعرض لسخط الله تعالى ونعوذ بالله منه قال ابن عباس رضى الله عنهما كلب أمين خير من صاحب خاءن وكان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم وكان شديد المحبة لهم فخرج فى بعض منتزهاته ومعه ندماؤه فتخلف منهم واحد فدخل على زوجته فاكلا وشربا ثم اضطجعا فوثب الكلب عليهما فلما رجع الحارث الى منزله وجدهما قتيلين فعرف الأمر فانشد يقول

وما زال يرعى ذمتى ويحوطنى

ويحفط عرسى والخليل يخون

فيا عجبا للخل تحليل حرمتى

ويا عجبا للكلب كيف يصون

والاشارة فى الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اى يا أيها الأرواح والقلوب المنورة بنور الايمان المستعدة بسعادات العرفان لا تَخُونُوا اللَّهَ فيما آتاكم من المواهب فتجعلوها شبكة الدنيا واصطياد

ص: 336

أهلها وَالرَّسُولَ يترك السنة والقيام بالبدعة وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ فالامانة هى محبة الله وخيانتها تبديلها بمحبة المخلوقات يشير الى ان ارباب القلوب واصحاب السلوك إذا بلغوا الى أعلى مراتب الطاعات والقربات ثم التفتوا الى شىء من الدنيا وزينتها وخانوا الله بنوع من التصنع وخانوا الرسول بالتبدع وترك التتبع بتعدي الخيانة وآفاتها الى الامانة التي هى المحبة فتسلب منهم بالتدريج فيكون لهم ركونهم الى الدنيا وسكونهم الى جمع الأموال حرصا على الأولاد وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ انكم تبيعون الدين بالدنيا والمولى بالأولى وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ

التي تعرضون عن الله لها فِتْنَةٌ

يختبركم الله بها لكى يتميز الموافق من المنافق والصديق من الزنديق فمن اعرض عن الدنيا وما فيها صدق فى طلب المولى وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

فمن ترك ما عنده فى طلب ما عند الله يجده عنده او ان الله عنده اجر عظيم والعظيم هو الله فى الحقيقة فيجد الله تعالى كذا فى التأويلات النجمية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ اى فى كل ما تأتون وتذرون يَجْعَلْ لَكُمْ بسبب ذلك فُرْقاناً هداية فى قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل او نصرا يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين كما قال تعالى يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وأراد به يوم عز المؤمنين وخذلان الكافرين وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ اى يسترها والفرق بين السيئة والخطيئة ان السيئة قد تقال فيما يقصد بالذات والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لانها من الخطأ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبكم بالعفو والتجاوز عنها وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ اى عظيم الفضل على عباده وهو تعليل لما قبله وتنبيه على ان وعد الله لهم على التقوى تفضل واحسان لا انه مما توجب التقوى كما إذا وعد السيد عبده انعاما على عمل وفى الآية امور. الاول التقوى وهو فى مرتبة الشريعة ما أشير اليه بقوله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وفى مرتبة الحقيقة ما أشير اليه بقوله تعالى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [متقى آنست كه حق سبحانه وتعالى را وقايه خود كرفته باشد در ذات وصفات وافعال فعل او در افعال حق فانى شاه باشد وصفت او در صفات حق مستهلك كشته]

كم شده چون سايه نور آفتاب

يا چوبوى كل در اجزاى كلاب

قال ابن المبارك سألت النوري من الناس فقال العلماء قلت من الاشراف قال المتقون قلت من الملوك قال الزهاد قلت من الغوغاء قال القصاص الذين يستأكلون اموال الناس بالكلام قلت من السفلة قال الظلمة. الثاني ان التقوى أسندت الى المخاطبين وجعل الفرقان الى الله تعالى فالله تعالى إذا أراد بالعبد خيرا اصطفاه لنفسه وجعل فى قلبه سراجا من نور قدسه يفرق به بين الحق والباطل والوجود والعدم والحدوث والقدم ويتبصر به عيوب نفسه كما حكى عن احمد بن عبد الله المقدسي قال صحبت ابراهيم بن أدهم فسألته عن بداية امره وما كان سبب انتقاله من الملك الفاني الى الملك الباقي فقال لى يا أخي كنت جالسا يوما فى أعلى قصر ملكى والخواص قيام على رأسى فاشرفت من الطاق فرأيت رجلا من الفقراء جالسا بفناء القصر وبيده رغيف يابس فبله بالماء وأكله بالملح الجريش وانا انظر اليه الى ان فرغ من أكله ثم شرب شيأ من الماء وحمد الله تعالى واثنى عليه ونام فى فناء القصر فالهمنى الله سبحانه وتعالى

ص: 337

الفكر فيه فقلت لبعض مما ليكى إذا قام ذلك الفقير فائتنى به فلما استيقظ من نومه قال له الغلام يا فقير ان صاحب هذا القصر يريد ان يكلمك قال بسم الله وبالله وتوكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم وقام معه ودخل على فلما نظر الى سلم على فرددت عليه السلام وأمرته بالجلوس فجلس فلما اطمأن قلت له يا فقير أكلت الرغيف وأنت جائع فشبعت قال نعم قلت وشربت الماء على شهوة فرويت قال نعم قلت ثم نمت طيبا بلاهم وغم فاسترحت قال نعم فقلت فى نفسى وانا أعاتبها يا نفس ما اصنع بالدنيا والنفس تقنع بما رأيت وسمعت فعقدت التوبة مع الله تعالى فلما انصرم النهار واقبل الليل لبست مسحا من صوف وقلنسوة من صوف وخرجت حافيا سائحا الى الله تعالى وهذه احدى الروايتين فى بداية امره. والثالث ان المغفرة فضل عظيم من الله تعالى فلا بد للمرء من حسن الظن بالله تعالى فانها ليست بمقطوعة قيل اوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام (انى أعلمك خمس كلمات هن عماد الدين ما لم تعلم ان قد زال ملكى فلا تترك طاعتى)

همه تحت وملكى پذيرد زوال

بجز ملك فرمانده لا يزال

(وما لم تعلم ان خزائنى قد نفدت فلا تهتم برزقك)

در دائره قسمت ما نقطه تسليم

لطف آنچهـ تو انديشى وحكم آنچهـ تو فرمايى

(وما لم تعلم ان عدوك قدمات يعنى إبليس فلا تأمن مفاجأته ولا تدع محاربته)

كچاسر بر آريم ازين عار وننك

كه با او بصلحيم وبا حق بجنگ

(وما لم تعلم انى قد غفرت لك فلا تعب المذنبين)

مكن بنامه سياهى ملامت من مست

كه آگه است كه تقدير بر سرش چهـ نوشت

(وما لم تدخل جنتى فلا تأمن مكرى)

زاهد ايمن مشو از بازى غيرت زنهار

كه ره از صومعه تا دير مغان اين همه نيست

فعلى العاقل ان يجتهد الى آخر العمر كى يكفر الله عنه سيآت وجوده الفاني ويستره بانوار جماله وجلاله والله ذو الفضل العظيم لمن تجاوز عما عنده راغبا فيما عند الله والفضل العظيم هو البقاء بالله بعد الفناء فيه كما فى التأويلات النجمية وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا تذكير لمكر قريش حين كان بمكة ليشكر نعمة الله فى خلاصه من مكرهم واستيلائه عليهم قال ابن اسحق لما رأوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت له شيعة واصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا انهم قد نزلوا دارا وأصابوا سعة فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا انه قد أجمع لحربهم فاجتمعوا له فى دار الندوة وهى الدار التي بناها قصىّ بن كلاب بمكة وكانت قريش لا تقضى امرا الا فيها وسميت دار الندوة لانهم ينتدون فيها اى يجتمعون للمشاورة والندىّ والندوة والنادي مجلس القوم ومتحدثهم فان تفرق القوم عنه لا يسمى نديا كما لا يسمى الظرف كأسا إذا لم يكن فيه شراب فتشاوروا فى امر النبي عليه السلام منهم عتبة وشيبة ابنا ابى ربيعة وابو جهل وابو سفيان والنضر بن الحارث وابو البختري بن هشام وابى بن خلف وزمعة بن الأسود وغيرهم

ص: 338

من الرؤساء والأكابر فدخل عليهم إبليس فى صورة شيخ كبير عليه ثياب اطمار فجلس بينهم فقالوا ما لك يا شيخ دخلت فى حلوتنا بغير اذننا فقال انا رجل من اهل نجد قدمت مكة فاراكم حسنة وجوهكم طيبة روائحكم فاحببت ان اسمع حديثكم فاقتبس منكم خيرا فدخلت وان كرهتم مجلسى خرجت وما جئتكم الا انى سمعت باجتماعكم فاردت ان احضر معكم ولن تعدموا منى رأيا ونصحا فقالوا هذا رجل لا بأس عليكم منه فتكلموا فيما بينهم فبدأ عمرو بن هشام فقال اما انا فأرى ان تأخذوا محمدا فتجعلوه فى بيت تسدون عليه بابه وتشدون عليه وثاقه وتجعلون له كوة تدخلون عليه طعامه وشرابه فيكون محبوسا عندكم الى ان يموت فقال إبليس بئس الرأى يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من ايديكم فقالوا صدق والله الشيخ ثم تكلم ابو البختري فقال ارى ان تحملوه على بعير فتشدوا وثاقه عليه ثم تخرجوه من أرضكم حتى يموت او يذهب حيث شاء فقال إبليس بئس الرأى تعمدون الى رجل أفسد جماعتكم ومعه منكم

طائفة فتخرجوه الى غيركم فيأتيهم فيفسد منهم ايضا جماعة بما يرون من حلاوة كلامه وطلاقة لسانه وتجتمع اليه العرب وتستمع الى حسن حديثه ثم ليأتينكم بهم فيخرجكم من دياركم ويقتل اشرافكم فقالوا صدق والله الشيخ فتكلم ابو جهل فقال ارى ان يجتمع من كل بطن منكم رجل ويأخذون السيوف فيضربونه جميعا ضربة رجل واحد فيتفرق دمه فى القبائل فلا يدرى قومه من يأخذونه ولا يقومون على حرب قريش كلهم فاذا طلبوا العقل عقلناه واسترحنا فقال إبليس صدق والله هذا الشاب وهو اجودكم رأيا القول قوله لا ارى غيره فتفرقوا على رأيه فنزل جبرائيل عليه السلام فاخبر النبي بذلك وامره ان لا يبيت فى مضجعه الذي كان يبيت فيه وامره بالهجرة الى المدينة فبيت عليا رضى الله عنه على مضجعه وخرج هو مع ابى بكر الصديق رضى الله عنه الى الغار. والمكر حيلة وتدبير فى إهلاك أحد وإفساد امره بطريق الخفية بحيث لا يعلم المرء ذلك الا عند وقوعه. والمعنى اذكر يا محمد وقت مكرهم بك لِيُثْبِتُوكَ بالوثاق والحبس فان اثبات الشيء وتثبيته عبارة عن إلزامه بموضع ومن شد فقد اثبت لانه لا يقدر على الحركة والمراد ما قال عمرو بن هشام أَوْ يَقْتُلُوكَ اى بسيوفهم المختلفة وهو ما قال ابو جهل أَوْ يُخْرِجُوكَ اى من مكة من بين أظهرهم الى غيرهم وهو ما قال ابو البختري وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ اى يرد مكرهم عليهم والمكر وأمثاله لا يسند اليه تعالى الأعلى طريق المقابلة والمشاكلة ولا يحسن ابتداء لتضمنه معنى الحيلة والخدعة وهى لا تليق بعظمة الله تعالى وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ لا يعبأ بمكرهم عند مكره قال الحدادي لانه لا يمكر الا بحق وصواب ومكرهم باطل وظلم واعلم ان للخلق مكرا وللحق مكرا فمكر الخلق من الحيلة والعجز ومكر الخالق من الحكمة والقدرة فمكر الخلق مع مكر الحق باطل زاهق ومكر الحق حق ثابت: قال الحافظ

سحر با معجزه پهلو نزند ايمن باش

سامرى كيست دست از يد بيضا ببرد

وقال آخر

صعوه كو با عقاب سازد جنك

دهد از خون خود پرش را رنك

ص: 339

قال ابو العيناء كانت لى خصماء ظلمة فشكوتهم الى احمد بن ابى دؤاد وقلت قد تظاهروا فصاروا يدا واحدة فقال يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فقلت لهم مكر فقال وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فقلت هم كثير فقال كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ

هر كرا اقبال باشد رهنمون

دشمنش كردد بزودى سر نكون

وجد فى وقائع الإسكندر مكتوبا بالذهب إذا كان الله هو غاية الغايات فالمعرفة به أجل العبادات وإذا كان الموت حقا فالركون الى الدنيا غرور. وإذا كان القدر حقا فالحرص على الدنيا باطل وإذا كان الغدر فى النفوس طبعا فالثقة بكل أحد عجز. وإذا كان الله عدلا فى أحكامه فعقوبات الخلق بما كسبت أيديهم. ولما قصد ابو جهل إضرار النبي عليه السلام بالقتل قتله الله فى بدر وأزال شره عن المسلمين وذلك عدل محض منه تعالى فانظر الى قريش حيث شاهدوا الآيات العظام من جهة النبي عليه السلام فما زادوا الا كفرا وعنادا وعداوة فهم أشد الناس فى ذلك. ولو رأى اليوم واحد من الكفرة كرامة لولى امسك عن الأذى بل سارع الى التبجيل كما حكى ان بعض سلاطين الكفار استولى على بعض المسلمين بسفك دمائهم ونهب أموالهم وأراد ان يقتل فقراء بعض المشايخ فاجتمع به الشيخ ونهاه عن ذلك فقال لهم السلطان ان كنتم على الحق فاظهروا لى آية فاشار الشيخ الى بعر الجمال هناك فاذا هى جواهر تضىء وأشار الى كيزان الأرض فارغة عن الماء فتعلقت فى الهواء وامتلأت ماء وأفواهها منكسة الى الأرض ولا يقطر منها قطرة فدهش السلطان من ذلك فقال له بعض جلسائه لا يكبر هذا فى عينك فانه سحر فقال له السلطان أرني غير هذا فامر الشيخ بالنار وامر الفقراء بالسماع فلما عمل فيهم الوجد دخل بهم الشيخ الى النار وكانت نارا عظيمة ثم خطف الشيخ ولد السلطان ودار به فى النار ثم غاب به ولم يدر اين ذهبا والسلطان حاضر فبقى متفجعا على ولده فلما كان بعد ساعة ظهرا وفى احدى يدى ابن السلطان تفاحة وفى الاخرى رمانة فقال له السلطان اين كنت فقال كنت فى بستان فاخذت منه هاتين الحبتين وخرجت فتحير السلطان من ذلك فقال له جلساء السوء وهذا عمل بصنعة باطلة فقال السلطان عند ذلك كل ما تظهره لا اصدق به حتى تشرب من هذه الكأس واخرج له كأسا مملوءة سما تقتل القطرة منه فى الحال فامر الشيخ بالسماع حتى وصل اليه الحال فاخذ الكأس حينئذ وشرب جميع ما فيها فتمزقت ثيابه التي عليه فالقوا اليه ثيابا اخرى فتمزقت كذلك ثم اخرى مرارا عديدة ثم ترشح عرقا وبقيت الثياب بعد ذلك ولم تتقطع فاعتقه السلطان وعظمه وبجله ورجع عن ذلك القتل والإفساد ولعله اسلم والله اعلم وَإِذا تُتْلى - روى- ان النضر بن الحارث من بنى عبد الدار كان يختلف تاجرا الى فارس والروم والحيرة فيسمع اخبار رستم وإسفنديار وأحاديث العجم واشترى أحاديث كليلة ودمنة وكان يمر باليهود والنصارى فيراهم يقرأون التوراة والإنجيل ويركعون ويسجدون فجاء مكة فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ويقرأ القرآن فطفق يقعد مع المستهزئين وهو منهم ويقرأ عليهم أساطير الأولين اى ما سطروه فى كتبهم من اخبار الأمم الماضية واسمائهم وكان يزعم انها مثل ما يذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من قصص الأولين فقال تعالى وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ

ص: 340

اى على النضر ومتابعيه آياتُنا القرآنية قالُوا قَدْ سَمِعْنا هذا الكلام لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا وهذا كما ترى غاية المكابرة ونهاية العناد وكيف لا ولو استطاعوا شيأ من ذلك فما الذي كان يمنعهم من المشيئة وقد تحدّاهم عشر سنين فما استطاعوا معارضته مع فرط استنكافهم ان يغلبوا خصوصا فى باب ما يتعلق بالفصاحة والبيان فلما تحقق افحامهم دعتهم شدة المكابرة والعناد الى ان علقوا معارضته بمشيئتهم إِنْ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اى ما سطره الأولون من القصص جمع اسطورة وهى المسطورة المكتوبة وفى التأويلات النجمية قالوا قد سمعنا وما سمعوا على الحقيقة فانها قرآن يهدى الى الرشد كما سمعت الجن وانهم سمعوا أساطير الأولين ولهذا قالوا ما قالوا فانهم يقدرون على ان يقولوا أساطير الأولين ولكن لا يقدرون على ان يقولوا مثل القرآن لان القرآن كلام الله وصفته القديمة وما يقولون هو كلام المحدث المخلوق فلا يكون مثل القرآن فى الصورة والمعنى والحقيقة والاسرار والأنوار ولا يقدر على مثله الخلائق كلهم كما قال قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً: وفى المثنوى

چون كتاب الله بر آمد هم بران

اين چنين طعنه زدند آن كافران

كه أساطير است وافسانه نژند

نيست تعميقى وتحقيقي بلند

كودكان خرد فهمش ميكند

نيست جز امر پسند وناپسند

ذكر يوسف ذكر زلف پر خمش

ذكر يعقوب وزليخا وغمش

ظاهر است وهر كسى پى ميبرد

كو بيان كه كم شود در روى خرد

گفت اگر آسان نمايد اين بتو

اينچنين يك سوره كو اى سخت رو

جنيان وإنسيان واهل كار

تو يكى آيت ازين آسان بيار

وَإِذْ قالُوا اى واذكر وقت قول النضر ومتابعيه- روى- انه لما قال إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ قال النبي صلى الله عليه وسلم ويلك انه كلام الله تعالى فقال اللَّهُمَّ [بار خدايا] إِنْ كانَ هذا القرآن هُوَ ضمير فصل لا محل له من الاعراب الْحَقَّ المنزل مِنْ عِنْدِكَ ومعنى الحق بالفارسية [راست ودرست] فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً نازلة مِنَ السَّماءِ عقوبة علينا كما أمطرتها على قوم لوط واصحاب الفيل أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ سواه مما عذب به الأمم والمراد به التهكم واظهار اليقين والجزم التام على كونه باطلا وحاشاه قيل نزل فى النضر ابن الحارث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر فانه عليه السلام قتل يوم بدر ثلاثة من قريش صبرا وهم طعيمة بن عدى وعقبة بن ابى معيط والنضر بن الحارث وكان قد اسره المقداد ابن الأسود فانظر انه من غاية ضلالته وجهالته قال ما قال ولم يقل بدلا عنه اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا اليه ومتعنا به واجعله شفاء قلوبنا ونور به صدورنا وأمثال هذا فكيف بمن يكون هذا حاله ان يكون مثل القرآن مقاله وَما كانَ اللَّهُ مريدا لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ لان العذاب إذا نزل عم ولم يعذب امة الا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها وفيه تعظيم للنبى عليه السلام وحفظ لحرمته وقد أرسله الله تعالى رحمة للعالمين والرحمة والعذاب

ص: 341

ضدان والضدان لا يجتمعان قيل ان الرسول عليه السلام هو الامان الأعظم ما عاش ودامت سنته باقية والآية دليل على شرفه عليه السلام واحترامه عند الله حيث جعله سببا لامان العباد وعدم نزول العذاب وفى ذلك ايماء الى ان الله تعالى يرفع عذاب قوم لاقتراتهم باهل الصلاح والتقى قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره جميع الانتظام بوجوده الشريف فانه مظهر الذات وطلسم العوالم حتى قيل فى وجه عدم ارتحال جسده الشريف من الدنيا مع ان عيسى عليه السلام قد عرج الى السماء بجسده انه انما بقي جسمه الطاهر هنا لاصلاح عالم الأجساد وانتظامه: قال الشيخ العطار قدس سره

خويشتن را خواجه عرصات كفت

انما انا رحمة مهداة كفت

رزقنا لله شفاعته وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ المراد استغفار من بقي فيهم من المؤمنين المستضعفين الذين لا يستطيعون المهاجرة عنهم وقيل معناه وفى أصلابهم من يستغفر وقيل معناه وفيهم من يأول امره الى الاستغفار من الكفر قال امير المؤمنين على المرتضى رضى الله عنه كان فى الأرض أمانان فرفع أحدهما وبقي الآخر. فاما الذي رفع فهو رسول الله. اما الذي بقي فالاستغفار وقرأ بعده هذا الآية وفى نفائس المجالس المؤمن الصادق فى إيمانه لا يعذبه الله فى الآخرة لان نبيه يكون فيهم يوم القيامة واقسم الله سبحانه ان لا يعذب أمته مادام هو بينهم والصدق فى التوبة يؤدى الى النجاة وهو الندم مع الإقلاع لا باللسان فقط واستغفار العوام من الذنوب واستغفار الخواص من رؤية الأعمال دون رؤية المنة والفضل واستغفار الأكابر من رؤية شىء سوى الله

كفت حق كآمرزش از من مى طلب

كان طلب مر عفو را باشد سبب

از پى زهر كناه ار بشنوى

هست استغفار ترياق قوى

وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ اى أي شىء حصل لهم فى انتفاء العذاب عنهم يعنى لا حظ لهم فى ذلك وهم معذبون لا محالة بعد زوال المانع والموجب لامهالهم وهما الأمران المذكوران وكيف لا يعذبون وَهُمْ اى والحال انهم يَصُدُّونَ يمنعون الرسول والمؤمنين عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ اى عن طواف الكعبة شرفها الله كما وقع عام الحديبية ومن صدهم عنه الجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الهجرة وكانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء فرد الله عليهم بقوله وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ اى مستحقين ولاية امر المسجد الحرام مع شركهم إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ان لا ولاية لهم عليه، وفيه اشعار بان منهم من يعلم ذلك ولكنه يعاند وقيل أريد بأكثرهم كلهم كما يراد بالقلة العدم وفى التأويلات إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ فيه اشارة الى ان الولي هو المتقى بالله عما سواه وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ اى ولكن الأكثرين من الأولياء لا يعلمون انهم اهل الولاية وبه يشير الى ان بعض الأولياء يجوز ان يعلم انه ولى ولكن الأكثرين من الأولياء لا يعلمون انهم اولياء الله وَما كانَ صَلاتُهُمْ اى دعاء المشركين عِنْدَ الْبَيْتِ اى بيت الله وهو الكعبة إِلَّا مُكاءً

ص: 342

صفيرا من مكا يمكو مكوا ومكاء إذا صفر وقال الحدادي المكاء طائرا بيض يكون فى الحجاز يصفر فسمى تصويته باسمه وَتَصْدِيَةً تصفيقا وهو تصويت اليدين يضرب إحداهما على الاخرى وأصلها احداث الصدى وهو ما يسمع من رجع الصوت فى الامكنة الخالية الصلبة يقال صدى يصدى تصدية وكان تقرب المشركين الى الله بالصفير والتصفيق يفعلونهما عند البيت مكان الدعاء والتسبيح ويعدونهما نوعا من العبادة والدعاء لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال كانت قريش يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبكين بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون فمساق الآية لتقرير استحقاقهم العذاب وعدم ولايتهم المسجد فانها لا تليق بمن هذه صلاته وقال مقاتل كان النبي عليه السلام إذا صلى فى المسجد قام رجلان من بنى عبد الدار عن يمينه ورجلان عن يساره فيصفرون كما يصفر المكاء ويصفقون بايديهم ليخلطوا على النبي عليه السلام صلاته وقراءته وكانوا يفعلون كذلك بصلاة من آمن به ويريدون انهم يصلون ايضا فالمراد بالصلاة على هذا التقدير هى المأمور بها فَذُوقُوا الْعَذابَ اى عذاب القتل والاسر يوم بدر ويقال أراد بهذا انه يقال لهم يوم القيامة فذوقوا العذاب بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ اعتقادا وعملا فالكفر والمعصية سبب للوقوع فى العذاب والتوبة والاستغفار وسيلة الى فيض الرحمة من الوهاب وهى صابون الأوزار فحيث لا توبة ولا طهارة كان كل مسلم لا يسلح لان يلى امر مسجد القلب وانما يليق بولايته من كان فارغا من الشواغل معرضا عن العلائق طاهرا من العيوب والله تعالى لا يعذب اولياء بعد ادخالهم جنات التجليات العالية والأذواق والحالات المتوالية فانهم تخلصوا من الوجود المضاف الى النار المشابه للحطب وما بقي فيهم غير النور الإلهي المضيء فى بيت القلب الحقانى وانما يعذب بعدله من لم يستعد للرحمة او من خلط عملا صالحا بآخر سيئا ليخلصه من ذلك اللوث فالاقتداء بالنبي عليه السلام قبول ما جاء به من الاحكام والشرائع مؤد الى الخلاص وسبب للتصفية فعليك بالاختيار والاجتناب فانهما فرضان وحقيقة التقوى عبارة عن كليهما وبالاحتماء يصح المريض ومعالجة القلوب المرضى اولى من كل امر واهمّ من كل شىء للعبد العاقل وذلك بالتقوى واحياء سنة خير الورى وفى الحديث (من احيى سنتى فقد أحياني ومن أحياني فقد أحبني ومن أحبني كان معى فى الجنة يوم القيمة) وفى الحديث ايضا (من حفظ سنتى أكرمه الله بأربع خصال المحبة فى قلوب البررة والهيبة فى قلوب الفجرة والسعة فى الرزق والثقة بالدين) فان فاتت صحبة الرسول فقد تيسرت صحبة سنته وصحبة من أحب سنته وذلك ماض الى يوم القيامة ولصحبة الكبار واقتران المتقين تأثير عظيم ولاستماع كلام الحق والرسول نفع تام ولكن العمدة توفيق الله وهدايته نسأل الله تعالى ان يصحح أغراضنا ويكثر صالحات اعمالنا واعواضنا ويؤيدنا بنور الكتاب والسنة ويشرفنا بالمقامات العالية فى الجنة إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا نزلت فى المطعمين يوم بدر وكانوا اثنى عشر رجلا من اشراف قريش يطعم كل واحد منهم عسكر الكفار كل يوم عشر جزر وهو جمع جزور وهو البعير ذكرا كان او أنثى الا ان لفظه مؤنث تقول هذه الجزور وان أردت ذكرا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم لِيَصُدُّوا اى

ص: 343

يمنعوا الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى دين الله واتباع رسوله لانه طريق ثوابه والخلود فى جنته لمن سلكه على ما امر به واللام فى ليصدوا لام الصيرورة وهى لام العاقبة والمآل فَسَيُنْفِقُونَها بتمامها ولعل الاول اخبار عن انفاقهم وهو انفاق بدر والثاني اخبار عن انفاقهم فيما يستقبل هو انفاق أحد ويحتمل ان يراد بهما واحد بان يكون ينفقون للاستمرار التجددي ويكون السين فى قوله فسينفقونها للتأكيد لا للتسويف فيتحد الانفاقان الا ان مساق الاول لبيان غرضهم من الانفاق ومساق الثاني لبيان عاقبته ثُمَّ تَكُونُ تلك الأموال عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ندما وغما لفواتها من غير حصول المقصود ولما كانت عاقبة إنفاقها حسرة فى قلوبهم جعلت ذوات الأموال كأنها عين الحسرة للمبالغة قال الحدادي والحسرة مأخوذة من الكشف يقال حسر رأسه إذا كشفه والحاسر كاشف الرأس فيكون المعنى ثم يكشف لهم عن ذلك ما يكون حسرة عليهم ثُمَّ يُغْلَبُونَ آخر الأمر وان كانت الحرب بينهم سجالا قبل ذلك وَالَّذِينَ كَفَرُوا وأصروا على الكفر إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ اى يساقون لا الى غيرها لِيَمِيزَ اللَّهُ اللام متعلقة بيحشرون او يعلبون والميز بالفارسية [جدا كردن] الْخَبِيثَ فريق الكفار مِنَ الطَّيِّبِ فريق المؤمنين وَيَجْعَلَ الفريق الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً اى يجمعهم ويضم بعضهم الى بعض حتى يتراكموا ويتزاحموا فالركم ليس عبارة عن الجمع مطلقا بل هو الجمع بين أشياء بحيث يتراكب بعضها فوق بعض ومنه السحاب المركوم فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ كله أُولئِكَ الفريق الخبيث هُمُ الْخاسِرُونَ الكاملون فى الخسران لانهم خسروا أموالهم وأنفسهم والاشارة ان الله تعالى خلق الروح نورانيا علويا وخلق النفس ظلمانية سفلية ثم أشرك بينهما وجعل رأس مالهما الاستعداد الفطري القابل للترقى والكمال فى القربة والمعرفة والخسارة والنقصان فمن اتجر فآمن وجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله وطلبه وبلغ مبلغ الرجال البالغين فقد وبخ روحه ونفسه جميعا ومن آمن بالله ورسوله لكن وجد منه العصيان ومخالفة الشريعة فقد ربح روحه وخسر نفسه ومن لم يؤمن بالله ورسوله وكفر بهما فقد خسر روحه ونفسه جميعا قيل دخل على الشبلي قدس سره فى وقت وفاته وهو يقول يجوز يجوز فقيل له ما معنى قولك يجوز فقال خلق الله الروح والنفس وأشرك بين الروح والنفس فعملا واتجرا سنين كثيرة فحوسبا فاذا هما قد خسرا وليس معهما ربح فقد عزما على الافتراق وانا أقول شركة لا ريح فيها يجوز ان يقع بين الشريكين افتراق: قال السعدي

كوس رحلت بكوفت دست أجل

اى دو چشمم وداع سر بكنيد

اى كف ودست وساعد وبازو

همه توديع يكدكر بكنيد

بر من افتاده مرك دشمن كام

آخر اى دوستان حذر بكنيد

روز كارم بشد بنادانى

من نكردم شما حذر بكنيد

فعلى العاقل ان يجتهد قبل مجيىء الفوت ويربح فى تجارته ببذل النفس والمال والطيب من الأموال ما يبذل فى طلب الله على الطالبين والخبيث ما يلتفت اليه الطالب من غير حاجة ضرورية فيشغله عن الله وطلبه فيكون قاطع طريقه- ويروى- ان الله تعالى يضم الأموال

ص: 344

الخبيثة بعضها الى بعض فيلقيها فى جهنم ويعذب أربابها كقوله تعالى يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ- وروى- ان أبا سفيان استأجر ليوم أحد ألفين من العرب على محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم سوى من استجاش من العرب اى صار جيشا وأنفق عليهم أربعين اوقية والاوقية اثنان وأربعون مثقالا وفى القاموس سبعة مثاقيل فانظر الى الكفار وجسارتهم على الانفاق لغرض فاسد وهو الصد عن سبيل الله واقل من القليل من المسلمين من يبذل ماله ولو قليلا لجذب القلوب والوصول الى رضى المحبوب فلا بد للمرء من قطع النفس عن مألوفها وهو حب المال ومن كلمات الجنيد قدس سره ما أخذنا التصوف عن القال والقيل لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات وعن ابى سعيد الخدري قال قال رجل يا رسول الله أي الناس أفضل قال مؤمن يجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله قال ثم من قال رجل معتزل فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وفيه دليل على فضل العزلة وهى مستحبة عند فساد الزمان وتغير الاخوان وتقلب الأحوال ووقوع الفتن وتراكم المحن كما فعله جماعة من الصحابة رضى الله عنهم وقد كان النبي عليه السلام عند تقلب الأحوال واختلاف الرجال وكثرة القيل والقال يأمر بالاعتزال وملازمة البيوت وكسر السيوف واتخاذها من العراجين والخشب قال الامام الغزالي ان السلف الصالح اجمعوا على التحذير من زمانهم واهله وآثروا العزلة وأمروا بذلك وتواصوا بها ولا شك انهم كانوا بصدد النصح وان الزمان لم يصر بعدهم خيرا مما كان بل أدهى وامر: قال الحافظ

تو عمر خواه وصبورى كه چرخ شعبد باز

هزار بازي ازين طرفه تر بر انگيزد

ان دام هذا ولم يحدث له غير

لم يبك ميت ولم يفرح بمولود

اللهم اجعلنا من الصابرين قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا اللام للتعليل اى لاجلهم والمراد ابو سفيان وأصحابه إِنْ يَنْتَهُوا عن معاداة الرسول بالدخول فى الإسلام يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ من ذنوبهم قبل الإسلام وَإِنْ يَعُودُوا الى قتاله انتقمنا منهم وأهلكناهم فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ الذين تجزبوا على الأنبياء بالتدمير كما جرى على اهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك وانشد بعضهم

يستوجب العفو الفتى إذا اعترف

ثم انتهى عما أتاه واقترف

لقوله قل للذين كفروا

ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف

وَقاتِلُوهُمْ [وكار زار كنيد اى مؤمنان باهل كفر] حَتَّى الى ان لا تَكُونَ توجد منهم فِتْنَةٌ اى شرك يعنى [مشرك نماند از وثنى واهل كتاب] وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وتضمحل الأديان الباطلة اما باهلاك أهلها جميعا او برجوعهم عنها خشية القتل فَإِنِ انْتَهَوْا عن الكفر فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيهم على انتهائهم عنه وإسلامهم وَإِنْ تَوَلَّوْا اى اعرضوا عن قبول الحق فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ ناصركم فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم نِعْمَ الْمَوْلى لا يضيع من تولاه وَنِعْمَ النَّصِيرُ لا يغلب من نصره وفى الآية

ص: 345

حث على الجهاد وفى الحديث موقف ساعة فى سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الاسود وعن معاذ بن جبل قال عهد إلينا رسول الله فى خمس من فعل واحدة منهن كان ضامنا على الله تعالى من عاد مريضا او خرج مع جنازة او خرج غازيا فى سبيل الله او دخل على امام يريد بذلك تعزيره وتوقيره او قعد فى بيته فسلم وسلم الناس منه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من خرج حاجا فمات كتب الله له اجر الحاج الى يوم القيامة ومن خرج معتمرا فمات كتب الله له اجر المعتمر الى يو القيامة ومن خرج غازيا فمات كتب الله له اجر الغازي الى يوم القيامة) فعلى العاقل ان يجتهد فى احياء الدين بما أمكن له من الأسباب ويتوقع النصرة الموعودة من رب الأرباب ولا يلتفت الى مخلوق مثله فانهما سيان فى باب العجز خصوصا إذا كان استمداده من الفسقة كما يفعل ولاة الزمان فانه لا يجيىء خير لاهل الخير من اهل الشر والعدوان ونعم ما قيل

در كار دين ز مردم بي دين مدد مخواه

از ماه منخسف مطلب نور صبحكاه

ثم ان حقيقة النصرة ان ينصرك الله تعالى على نفسك التي هى أعدى عدوك بقهر هواها وقمع مشتهاها فان انفتاح باب الملك فى الأنفس سبب وطريق لانفتاح باب الملك فى الآفاق وكذا الملكوت

دوستىء نفس را بگذار وبگذار از هوس

همچومردان طالب حق باش بي جوياى نفس

والاشارة وَقاتِلُوهُمْ كفار النفوس والهوى بسيف الصدقة حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ النفس والهوى آفة مانعة لكم عن الوصول الى عالم الحقيقة وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ببذل الوجود وفقد الموجود لنيل الجود فَإِنِ انْتَهَوْا اى النفوس عن معاملاتها وتبدلت عن أوصافها وطاوعت القلوب والأرواح وصارت مأمورة مطمئنة تحت الاحكام فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ فى عبوديته وصدق طلبه بَصِيرٌ لا يخفى عليه نقيرها وقطميرها فيجازيهم على قدر مساعيهم وَإِنْ تَوَلَّوْا اى وان اعرضوا عن الحقوق واقبلوا الى الشهوات والحظوظ فاعلموا ايها القلوب والأرواح أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ فى الهداية وناصركم على قهر النفوس وقمع الهوى نِعْمَ الْمَوْلى الذي هو وليكم لتهتدوا به اليه وَنِعْمَ النَّصِيرُ فى دفع ما يقطعكم عنه وناصركم فى الوصول اليه واعلم ان النور الذي هو حقائق ما يستفاد من معانى الأسماء والصفات جند القلب الذي يقابل النفس والهوى والشيطان ونحو ذلك كما ان الظلمة التي هى معانى ما يستفاد من الهوى والعوائد الرديئة جند النفس التي به تتقوى آثارها والحرب بينهما سجال فاذا أراد الله ان ينصر عبده على ما طلب منه امده بجنود الأنوار فكلما اعترته ظلمة قام لها نور فأذهبها وقطع عنه مواد الظلم والأغيار فلم يبق للهوى مجال ولا للشهوة والأخلاق الذميمة مقال ولا حال كذا فى التأويلات النجمية وفى شرح الحكم العطائية نسأ الله سبحانه ان يمدنا بما أمد به اخياره ويفيض علينا من سجال فيضه أنواره تم الجزء التاسع فى اواسط شهر ربيع الاول من سنة الف ومائة وواحدة

ص: 346

الجزء العاشر من الاجزاء الثلاثين

وَاعْلَمُوا ايها المؤمنون أَنَّما حق ما هذه ان تكتب منفصلة عن ان لكونها موصولة كما فى قوله تعالى إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ لكنها كتبت متصلة اتباعا للرسم اى الذي غَنِمْتُمْ أخذتموه وأصبتموه من الكفر قهرا وغلبة. والغنم الفوز بالشيء واصل الغنيمة إصابة الغنم من العدو ثم اتسع واطلق على كل ما أصيب منهم كائنا ما كان قالوا إذا دخل الواحد والاثنان دار الحرب مغيرين بغير اذن الامام فأخذوا شيأ لم يخمس لان الغنيمة هو المأخوذ قهرا وغلبة لا اختلاسا وسرقة هذا عند ابى حنيفة ويخمس عند الشافعي مِنْ شَيْءٍ حال من عائد الموصول اى ما غنمتموه كائنا مما يقع عليه اسم الشيء حتى الخيط والمخيط خلا ان سلب المقتول للقاتل إذا نفله الامام وان الأسارى يخير فيها الامام وكذا الأراضي المغنومة والآية نزلت ببدر وقال الواقدي كان الخمس فى غزوة بنى قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة ايام للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ مبتدأ خبره محذوف اى حكمه ثابت فيما شرعه الله وبينه لعباده ان خمسه لله او خبر مبتدأ محذوف اى فالحكم ان لله خمسه والخمس بالفارسية [پنج يك] وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى أعاد اللام فى لذى القربى دون غيرهم من الأصناف الثلاثة لدفع توهم اشتراكهم فى سهم النبي صلى الله عليه وسلم لمزيد اتصالهم به عليه الصلاة والسلام وهم بنوا هاشم وبنو المطلب دون بنى عبد شمس وبنى نوفل واعلم انه عليه السلام هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وكان لعبد مناف اربعة بنين هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل وكان لهاشم ولدان عبد المطلب واسد وكان لعبد المطلب عشرة بنين منهم عبد الله وابو طالب وحمزة والعباس وابو لهب والحارث وزبير فكلهم وما يتفرع منهم هاشميون لكونهم من أولاد هاشم وعبد مناف هو ابن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وكل من كان من ولد النضر فهو قرشى دون ولد كنانة ومن فوقه فقريش قبيلة أبوهم النضر وانما خص ذووا قرابة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ببني هاشم وبنى المطلب لانهم لم يفارقوه عليه السلام فى جاهلية ولا فى اسلام فكانت قرابتهم قرابة كاملة وهى القرابة نسبا وتواصلا فى حال العسر واليسر فاعطوا الخمس واما بنوا عبد شمس وبنوا نوفل فمع مساواتهما بنى المطلب فى القرب حرموا الخمس لان قرابة نوفل بالتواصل والتناصر لم تنضم الى قرابتهم النسبية وَالْيَتامى جمع يتيم وهو الصغير المسلم الذي مات أبوه يصرف اليه سهم من الخمس إذا كان فقيرا وَالْمَساكِينِ جمع مسكين وهو الذي اسكنه الضعف عن النهوض لحاجته اى اهل الفاقة والحاجة من المسلمين وَابْنِ السَّبِيلِ اى المسافر

ص: 347

البعيد عن ماله قال الكاشفى ومسافران مسلمانان يا قومى كه بر مسلمانان نزول كنند واعلم ان اللام فى الآية لام الاستحقاق لخمس الغنيمة فاقتضى الظاهر ان تكون المصارف سنة اقسام لكن الجمهور على ان ذكر الله تعالى للتعظيم وافتتاح الكلام باسمه تعالى على طريق التبرك لا لان لله نصيبا من الخمس فان الدنيا والآخرة كلها له سبحانه فلا يسدس خمس الغنيمة بان يصرف سهم منها الى الله تعالى بصرفه الى عمارة الكعبة ان كانت قريبة وإلا فإلى مسجد كل بلدة ثبت فيها الخمس كما ذهب اليه البعض او بضمه الى سهم الرسول كما ذهب اليه الآخر وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط بوفاته لان الأنبياء لا يورثون قال ابن الشيخ لانه عليه السلام لم يخلفه أحد فى الرسالة فلا يخلفه فى سهمه هذا عند الامام الأعظم واما الشافعي فيصرف سهمه عليه السلام الى مصالح المسلمين وما فيه قوة الإسلام وكذا سقط سهم ذوى القربى بوفاته عليه السلام فلا يعطى لهم لاجل قرابتهم بل يعطى لفقرهم وكان عليه السلام يعطيهم غنيهم وفقيرهم لقرابتهم لا لفقرهم حتى كان يعطى العباس بن عبد المطلب مع كثرة ماله. والحاصل ان ذوى القربى أسوة لسائر الفقراء اى يدخلون فيهم ويقدمون على غيرهم ولا يعطى اغنياؤهم وفى شرح الآثار عن ابى حنيفة ان الصدقات كلها اى فرضها ونفلها جائزة على بني هاشم والحرمة كانت فى عهد النبي عليه السلام لوصول خمس الخمس إليهم فلما سقط ذلك بموته حلت لهم الصدقة قال الطحاوي وبالجواز نأخذ ولما سقط السهمان وهما سهم الرسول وسهم ذوى القربى فخمس الغنيمة اليوم يجعل ثلاثة اقسام ويصرف الى ثلاثة اصناف اليتامى والمساكين وأبناء السبيل وتقسم الأخماس الاربعة بين الغانمين للفارس سهمان وللراجل سهم وفى حياة الحيوان ان الفيل يقاتل به وراكبه يرضخ له اكثر من راكب البغل وفى التحفة هذه الثلاثة مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق حتى لو صرفت الى صنف واحد منهم جاز إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ متعلق بمحذوف دل عليه واعلموا اى ان كنتم آمنتم بالله فاعلموا انه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه إليهم واقطعوا اطماعكم منه واقتنعوا بالأخماس الاربعة الباقية ووجه دلالته عليه انه تعالى انما امر بالعلم بهذا الحكم ليعمل به لان العلم بمثل هذا المعلوم ليس مما يقصد لنفسه بل انما يقصد للعمل به وَما أَنْزَلْنا اى وبما أنزلناه عَلى عَبْدِنا محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والنصر على ان المراد بالانزال مجرد الإيصال والتيسير فينتظم الكل انتظاما حقيقيا يَوْمَ الْفُرْقانِ ظرف لانزلنا اى يوم بدر فانه فرق فيه بين الحق والباطل بنصر المؤمنين وكبت الكافرين يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ اى المسلمون والكفار وهو بدل من الظرف الاول [وآن روز جمعه بود هفدهم رمضان در سنه ثانيه از هجرت] وهو أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال المشركين لاعلاء الحق والدين وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على نصر القليل على الكثير والذليل على العزيز كما فعل بكم ذلك اليوم إِذْ أَنْتُمْ نازلون بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا اى شفير الوادي الأدنى من المدينة وهو بدل ثان من يوم الفرقان وَهُمْ اى وعدوكم نازلون بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى

اى فى جانبها الأبعد منها وهو الجانب الذي يلى مكة والعدوة شط الوادي اى جانبه وشفيره

ص: 348

وسميت بذلك لانها عدت ما فى الوادي من ماء عن ان يتجاوز اى منعته والدنيا من دنا يدنو دنوا والقصوى من قصا المكان بقصوا قصوا إذا بعد والقياس القصيا بقلب الواو ياء كالدنيا الا ان واوها بقيت على حالها كواو القود وَالرَّكْبُ جمع راكب مثل صحب وصاحب والراكب هو راكب البعير خاصة كما ان الفارس من على الفرس والمراد بالركب هاهنا العير اى القافلة المقبلة المتوجهة من الشام او قوادها وهم ابو سفيان وأصحابه وكانوا جميعا على البعير أَسْفَلَ مِنْكُمْ اى نازل فى مكان أسفل من مكانكم وكانوا بقرب ساحل البحر بينهم وبين المسلمين ثلاثة أميال وأسفل وان كان منصوبا على الظرفية واقعا موقع خبر المبتدأ الا انه فى الحقيقة صفة لظرف مكان محذوف والجملة حال من الظرف قبله وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وضعف حال المسلمين ولهذه الفائدة ذكر مراكز الفريقين فان العدوة الدنيا كانت رخوة تسوخ فيها الأرجل ولا يمشى فيها الا بتعب ولم يكن فيها ماء بخلاف العدوة القصوى فورد النظم على هذا الوجه الدال على القوة والضعف ليتحققوا ان ما اتفق لهم من الفتح ليس إلا صنعا من الله خارقا للعادة فيزدادوا ايمانا وشكرا وَلَوْ تَواعَدْتُمْ أنتم وهم القتال ثم علمتم حالكم وحالهم لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ [در وعده خود را] هيبة منهم ويأسا من الظفر عليهم وَلكِنْ ما اختلفتم وما تخلفتم عن القتال بل جمع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد لِيَقْضِيَ اللَّهُ ليتم الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا حقيقا بان يفعل وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه جعل ما اقتضت الحكمة ان يفعل مفعولا لقوة ما يستدعى ان يفعل لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ بدل من ليقضى قال سعدى چلبى المفتى الظاهر والله اعلم ان عن هنا بمعنى بعد كقوله تعالى عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ انتهى. والمعنى ليكون هلاك من شارف الهلاك بعد مشاهدة بينة واضحة الدلالة على ان الدين المرضى عند الله تعالى هو الإسلام لا عن مخالجة شبهة حتى لا تبقى له عند الله تعالى معذرة وحجة فى عدم تحليه بحلية الإسلام وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ اى يعيش من يعيش عن حجة شاهدها حتى يقوى يقينه ويكمل إيمانه فان وقعة بدر كانت من الآيات الواضحة الدالة على حقيقة الإسلام فمن كفر بعد مشاهدتها كان مكابرا معاندا عادلا عن الحق الذي وضحت حقيته والمراد بمن هلك ومن حى المشارف للهلاك والحياة قال سعدى چلبى المراد هو الاستمرار على الحياة بعد وقعة بدر فيظهر صحة اعتبار معنى المشارفة فى الحياة ايضا وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ اى بكفر من كفر وعقابه وايمان من آمن وثوابه. ولعل الجمع بين وصفي السميع والعليم لاشتمال كل واحد من الكفر والايمان على القول والاعتقاد [نقلست كه حضرت پيغمبر صلى الله عليه وسلم در ان شب كه روزش جنك بدر واقع شده بود در واقعه ديد لشكر قريش را در غايت قلت وذلت تأويل فرمود كه دوستان غالب ودشمنان مغلوب خواهند شد مؤمنان بعد از استماع اين رؤيا وتعبير آن بغايت مسرور وفرحان شدند وحق سبحانه وتعالى تذكار آن نعمت ميفرمايد وميكويد] إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ اى اذكر يا محمد وقت اراءة الله المشركين إياك فِي مَنامِكَ مصدر ميمى بمعنى النوم قَلِيلًا حال من المفعول الثاني اى حال كونهم قليلا والاراءة بصرية

ص: 349

تتعدى الى اثنين- روى- عن مجاهد انه قال ارى الله تعالى كفار قريش لنبيه صلى الله عليه وسلم فى منامه قليلا فاخبر بذلك أصحابه فقالوا رؤيا النبي حق والقوم قليل فكان ذلك سببا لقوة قلوبهم وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ اى لجبنتم وتأخرتم عن الصف قال الحدادي الفشل هو الضعف مع الوجل وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ اى امر القتال وتفرقت آراؤكم بين الثبات والفرار. والتنازع ان يحاول كل واحد من الاثنين ان ينزع صاحبه مما هو عليه وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ اى أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع ولذلك دبر ما دبر وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ الضميران مفعولا يرى وفاعل الاراءة هو الله تعالى. والمعنى بالفارسية [وآنرا ياد كنيد اى صحابه كه بنمود خداى تعالى دشمنانرا بشما] إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ حال كونهم قَلِيلًا وانما قللهم فى أعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضى الله عنه لمن الى جنبه أتراهم سبعين قال أراهم مائة مع انهم كانوا الفا وتسعمائة وخمسين تثبيتا لهم وتقوية لقلوبهم وتصديقا لرؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم فانها وحي لا خلف فيه أصلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ حتى قال ابو جهل ان محمدا وأصحابه أكلة جزور وهو مثل يضرب فى القلة اى قلتهم بحيث يشبعهم جزور واحد قللهم فى أعينهم قبل التحام القتال ليجترئوا عليهم ولا يبالغوا فى الاجتهاد والاستعداد والتأهب والحذر ثم كثرهم حتى رأوهم مثليهم لتفاجئهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم قال فى التأويلات النجمية وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لانهم ينظرون إليكم بالأبصار الظاهرة لا يرون كثرة معناكم وقوة قلوبكم ومددكم من الملائكة فانهم عمى البصائر والقلوب ولئلا يفروا من القتال كما فر إبليس لما رأى مدد الملائكة وهو قد جاء مع الكفار فى صورة سراقة فقالوا له اين تفر فقال لهم انى ارى ما لا ترون لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا كرره لاختلاف الفعل المعلل به وهو الجمع بين الفريقين على الحالة المذكورة فى الاول وتقليل كل واحد من الفريقين فى عين الآخر فى الثاني وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ كلها يصرفها كيف يريد لا رادّ لامره ولا معقب لحكمه. وفيه تنبيه على ان احوال الدنيا غير مقصودة لذاوتها وانما المراد منها ما يكون وسيلة الى سعادة الآخرة ومؤديا الى مرضاة الرحمن وفى الآيات إشارات. منها ان اركان الإسلام خمسة وهى غنائم دينية لكن التوحيد أعلى من الكل ولذا كان خمسا راجعا الى الله تعالى وباقى الأخماس حظ الجوارح فعلى العاقل ان يحرز غنائم العبادات وما يتعلق بالمعارف والكمالات التي تتحقق بها السادات ليكون الروح والجوارح كلاهما محفوظين غير محرومين وفى التأويلات النجمية ما غنمتم عند رفع الحجب من أنوار المشاهدات واسرار المكاشفات فلكم اربعة أخماس تعيشون بها مع الله وتكتمونها عن الأغيار

داند و پوشد بامر ذو الجلال

كه نباشد كشف راز حق حلال

ولا تنفقون اكثر من خمسها فى الله مخلصا وللرسول متابعا ولذى القربى يعنى الاخوان فى الله مواصلا واليتامى يعنى اهل الطلب من الذين غاب عنهم مشايخهم قبل بلوغهم الى حد الكمال والمساكين يعنى الطالبين الصادقين إذا أمسكوا بأيدى الارادة أذيال إرشادكم وابن السبيل

ص: 350

يعنى الصادر الوارد من اهل الصدق والارادة من اغيار جانب كل طائفة منهم على حسب صدقهم وإرادتهم وطلبهم واستعدادهم واستحقاقهم مؤديا حقوقهم لله وفى الله وبالله فى متابعة رسول الله وقانون سيرته وسنته. ومنها ان الله تعالى كما جمع بين الفريقين بحيث لو تركهم على حالهم لما اجتمعوا ليظهر عز الإسلام وذل الكفر كذلك جمع بين الأرواح والنفوس فى هذه إليها كل والقوالب بحيث لو تركهما على حالهما وهما على تلك الضدية واختلاف الطبيعة لما اجتمعت ليحصل الأرواح فى مقعد صدق والنفوس مع الملائكة المقربين كما قال فَادْخُلِي فِي عِبادِي بعد ما كانت محبوسة فى سجن الدنيا والأجساد فى جنات النعيم وأعلى عليين بعد ما كانت فى أسفل سافلين هذا بالنسبة الى السعداء المخلوقين للتحيات والقربات واما الأشقياء المذروءون لجهنم فعلى خلاف ذلك وقد خلق الله الاستعداد للترقى والتنزل ولله على الناس الحجة البالغة قال الكاشفى [در ترجمه شفا مذكورست كه كوهر شب آنكه فروز عقل را همچنانچهـ در حقه سينه دوستان مى سپارند در استين دشمنان تر دامن تيز مى نهند «ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة» يعنى بارقه نور عقل اگر از جانب عنايت وتوفيق لا مع شود دوستان بدان مهتدى كردند واگر از طرف قهر وخذلان استضاءت پذيرد سبب اختطاف أبصار بصائر دشمنان شود «يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا» ]

كرت صورت حال بد يا نكوست

نكاريده دست تقدير اوست

ومنها ان من سنة الله ان يرى النبي عليه السلام حقائق الأشياء حقا وصدقا وهو يخبر بها ثم يراها ارباب الصورة فى الظاهر بضدها ابتلاء واختبارا للمؤمن والمنافق فالمؤمن يثبت على إيمانه بتصديق النبي عليه السلام وتسليمه فى أقواله واعماله وأحواله من غير اعتراض فيزيده الله ايمانا مع إيمانه والمنافق نزل قدمه وتشوش حاله بالاعتراض ويزيد نفاقه على النفاق وعماه على العمى والى الله ترجع الأمور فحال المؤمن وامره يرجع الى رضاه وحال المنافق وامره يرجع الى سخطه والرضى والسخط من آثار لطفه وقهره يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد وقس على هذا الهامات الأولياء وأحوالهم مع معتقديهم ومنكريهم فان الاختبار والابتلاء سنة قديمة وكم ترى من الصوفية من يزعم انه يحب فلانا ويعتقده وطريقته حقا فاذا جاء سطوة القهر بإراءة ما هو غير ملائم لطبعه نكص على عقبيه واتخذه غرضا لطعنه وتشنيعه واين هو من المحبة وهو مقام عال يجتمع عنده اللطف والقهر والجمال والجلال فلا يتشوش صاحبه من الأحوال العارضة المرئية فى صورة التنزل والتدلي ولذا كثر ارباب الصورة وقل اصحاب المعنى ويكفى لكل مرشد كامل واحد ممن يلزم طريقته وينبع هداه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً اى حاربتم جماعة كافرة لان اللقاء مما غلب فى الحرب والقتال وهم ما كانوا يحاربون الا الكفار فَاثْبُتُوا وقت لقائهم وقتالهم ولا تنهزموا وفى الحديث (لا تتمنوا لقاء العدو فاذا لقيتموهم فاصبروا) وانما نهى عن تمنى لقاء العدو لما فيه من صورة الاعجاب والوثوق بالقوة ولانه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو وتحقيرهم وهذا يخالف الاحتياط كما قالوا فى آداب المناظرة انه ينبغى ان لا يحسب المناظر الخصم حقيرا

ص: 351

اى صغيرا ذليلا لان استحقار الخصم ربما يؤدى الى صدور الكلام الضعيف من المناظر لعدم المبالاة فيكون سببا لغلبة الخصم الضعيف عليه فيكون الضعيف قويا والقوى ضعيفا والشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أعم فعلى العاقل ان يسأل العفو والعافية فانه لا يدرى ما يفعل به

أول شكسته باش كه اوج سرير ملك

يوسف پس از مجاورت قعر چاه يافت

وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً اى فى تضاعيف القتال ومواطن الشدة بالتكبير والتهليل وغيرهما وادعوه بنصر المؤمنين وخذلان الكافرين كالذين قالوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ اى تفوزون بمرامكم وتظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة. وفيه تنبيه على ان العبد ينبغى ان لا يشغله شىء عن ذكر الله وان يلتجىء اليه عند الشدائد ويقبل اليه بالكلية فارغ البال واثقا بان لطفه لا ينفك عنه فى حال من الأحوال وعلى ان ذكر الله تعالى له تأثير عظيم

فى دفع المضار وجلب المنافع

تو بهر حالى كه باشى روز وشب

يك نفس غافل مباش از ذكر رب

در خوشى ذكر تو شكر نعمتست

در بلاها التجا با حضرتست

قال بعض الحكماء ان لله جنة فى الدنيا من دخلها يطيب عيشه وهى مجالس الذكر وفى الحديث (ان لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر فاذا أتوا عليهم حفوا بهم ثم بعثوا رائدهم الى السماء الى رب العزة تبارك وتعالى فيقولون ربنا اتينا على عباد من عبادك يعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ويسألونك لآخرتهم ودنياهم فيقول الله تبارك وتعالى غشوهم رحمتى فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم) قال فى أنوار المشارق وكما يستحب الذكر يستحب الجلوس فى حلق اهله والعادة جرت فى حلق الذكر بالعلانية إذ لم يعرف فى كرّ الدهور حلقة ذكر اجتمع عليها قوم ذاكرون فى أنفسهم فالذكر برفع الصوت أشد تأثيرا فى قمع الخواطر الراسخة على قلب المبتدى وايضا يغتنم الناس بإظهار الدين بركة الذكر من السامعين فى الدور والبيوت ويشهد له يوم القيامة كل رطب ويابس سمع صوته خصوصا فى مواضع الازدحام بين الغافلين من العوام لتنبيه الغافلين وتوفيق الفاسقين وفى بعض الفتاوى لو ذكر الله فى مجلس الفسق ناويا انهم يشتغلون بالفسق وانا اشتغل بالذكر فهو أفضل كالذكر فى السوق أفضل من الذكر فى غيره وحضور مجلس الذكر يكفر سبعين مجلسا من مجالس السوء وقد نهى عن ان يجلس الإنسان مجلسا لا يذكر الله فيه ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك المجلس حسرة عليه يوم القيامة وفى الحديث (من جلس مجلسا كثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا أنت استغفرك وأتوب إليك غفر له ما كان فى مجلسه ذلك) فعلى العاقل ان يكون رطب اللسان بالذكر والدعاء الاستغفار دائما خصوصا فى الأوقات المباركة- روى- ان النبي عليه السلام بعث بعثا الى نجد فعسروا واسرعوا وقال رجل ما رأينا بعثا أفضل غنيمة واسرع رجعة فقال النبي عليه السلام (ألا أدلكم على قوم أفضل غنيمة واسرع رجعة الذين شهدوا صلاة الصبح ثم جلسوا يذكرون الله حتى تطلع الشمس

ص: 352

ثم يصلون ركعتين ثم يرجعون الى أهاليهم وهى صلاة الاشراق وهو أول وقت الضحى وذلك بعد ان تطلع الشمس ويصلى ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) ذكر فى شرح المصابيح ان فى قوله ثم قعد يذكر الله تعالى دلالة على ان المستحب فى هذا الوقت انما هو ذكر الله تعالى لا القراءة لان هذا وقت شريف وان للمواظبة للذكر فيه تأثيرا عظيما فى النفوس وقال فى المنية ناقلا عن جمع العلوم ومن وقت الفجر الى طلوع الشمس ذكر الله تعالى اولى من القراءة ويؤيده ما ذكره فى القنية من ان الصلاة على النبي عليه السلام والدعاء والتسبيح أفضل من قراءة القرآن فى الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها وعن النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أدلكم على ساعة من ساعات الجنة الظل فيها ممدود والرزق فيها مقسوم والرحمة فيها مبسوطة والدعاء مستجاب قالوا بلى يا رسول الله قال ما بين طلوع الفجر الى الى طلوع الشمس) قال على المرتضى رضى الله عنه مر النبي عليه السلام بعائشة رضى الله عنها قبل طلوع الشمس وهى نائمة فحركها برجله فقال (قومى لتشاهدى رزق ربك ولا تكونى من الغافلين ان الله يقسم أرزاق العابد بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس) واختلف فى ان التهليل والتسبيح ونحوهما بمجرد القلب أفضل او باللسان مع حضور القلب احتج من رجح الاول بان عمل السر أفضل واحتج من رجح الثاني بان العمل فيه اكثر فافتضى زيادة والصحيح هو الثاني ذكره النووي فى شرح مسلم والذكر الكثير ما كان بصفاء القلب فصفاء القلب جنة العارف فى الدنيا فانه يجاوز بذكر الله تعالى عن جحيم النفس الامارة وهاويتها فيترقى الى نعيم الحضور قال ابو بكر الفرغاني كنت أسقط فى بعض الأيام عن القافلة فقلت يا رب لو علمتنى الاسم الأعظم فدخل على رجلان وقال أحدهما للآخر الاسم الأعظم ان تقول يا الله ففرحت به فقال ليس كما تقول بل بصدق اللجأ اى الالتجاء والاضطرار كما يقول من كان فى لجة البحر ليس ملجأ غير الله واعلم ان الجهاد من أعظم الطاعات ولذلك لا يجتمع غبار المجاهد مع دخان جهنم وبخطوة من

المجاهد يغفر ذنب وبأخرى تكتب حسنة ولكن ينبغى للمجاهد ان يصحح نيته ويثبت فى مواطن الحرب فان بثبات القلب والقدم يتبين أقدار الرجال كما كان للصديق رضى الله عنه حين صدمته الوجيعة بوفاة رسول الله حين قال من كان يعبد محمدا فان محمدا قدمات ومن كان يعبد رب محمد فانه حى لا يموت ويجتنب عن الظلم وارتكاب المعاصي فان الغلبة على الأعداء بالقوة القدسية والتأييد الإلهي لا بالقوة الجسمانية وكثرة العدد والعدد ألا يرى الى الله تعالى كيف أيد المؤمنين بالملائكة فى غزوة بدر مع قتلهم وكثرة الكافرين فالذين جاهدوا فى سبيل الله بالتقى والصبر والثبات فقد غلبوا على الأعداء ووصلوا الى الدرجات

كه شتاب چوصرصر كه قرار چوكوه

كه نشيب كبوتر كه فراز عقاب

واستعرض الإسكندر جنده فتقدم اليه رجل بفرس اعرج فامر بإسقاطه فضحك الرجل فاستعظم ضحكه فى ذلك المقام فقال له ما اضحكك وقد اسقطتك قال العجب منك قال كيف قال تحتك آلة الهرب وتحتى آلة الثبات ثم تسقطنى فاعجب بقوله وأثبته ثم اعلم ان الفئة الباغية ظاهرة كالطائفة الكافرة والجماعة الفاجرة وباطنة كطائفة القوى النفسانية وجماعة النفس الامارة فكما ان المؤمن مأمور بالثبات عند ظهور الفئة الباغة الظاهرة فكذلك مأمور بالثبات عند ظهور الفئة الباغية

ص: 353

الباطنة بالمجاهدات والجهاد مع الكفار جهاد أصغر والجهاد مع النفس جهاد اكبر والأكبر أفضل من الأصغر ولذلك يكون القتيل فى الأكبر صديقا وفى الأصغر شهيدا فالصديق فوق الشهيد كما قال الله تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ والخلاص من ظلمات الخلقية والفوز بانوار الذكر الذي الاشتغال به من اكبر انواع الجهاد واسرع قدم فى الوصول الى رب العباد نسأل الله تعالى ان يحققنا بحقائق الذكر والتوحيد وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فى كل ما تأتون وما تذرون خصوصا فى امر الجهاد وثبات القدم فى معركة القتال وَلا تَنازَعُوا باختلاف الآراء كما فعلتم ببدر واحد فَتَفْشَلُوا جواب للنهى يقال فشل اى كسل وضعف وتراخى وجبن وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ بالنصب عطف على جواب النهى اى تذهب دولتكم وشوكتكم فانها مستعارة للدولة من حيث انها فى تمشى أمرها ونفاذه مشبهة بها فى هبوبها وجريانها. وقيل المراد بها الحقيقة فان النصرة لا تكون الا بريح يبعثها الله تعالى ويقال لها ريح النصرة- وروى- انه حاصر المدينة قريش وغطفان وبنوا قريظة وبنوا النضير يوم الخندق فهبت ريح الصبا شديدا فقلعت خيامهم واراقت قدورهم وهربوا فقال عليه السلام (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور) والصبا بفتح الصاد وبالقصر ريح تهب من المشرق والدبور هى ما يقابل الصبا فى الهبوب يعنى الريح مأمورة تجيىء تارة للنصرة وتارة للاهلاك وفى المثنوى

جمله ذرات زمين وآسمان

لشكر حقند كاه امتحان

باد را ديديكه با عادان چهـ كرد

ابرا ديديكه با طوفان چهـ كرد

وَاصْبِرُوا على شدائد الحرب وقتال المشركين ولا تولوهم الأدبار إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصرة والكلاءة وما يفهم من كلمة مع من اصالتهم انما هى من حيث انهم المباشرون للصبر فهم متبوعون من تلك الحيثية ومعيته تعالى انما هى من حيث الامداد والاعانة وَلا تَكُونُوا ايها المؤمنون كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ يعنى اهل مكة حين خرجوا منها لحماية العير اى القافلة المقبلة من الشام بَطَراً مفعول له اى افتخارا بمآثر الأصول من الآباء والأمهات وأشرا وهو مقابلة النعمة بالتكبر والخيلاء وَرِئاءَ النَّاسِ

ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة وذلك انهم لما بلغوا الجحفة أتاهم رسول ابى سفيان وقال ارجعوا فقد سلمت عيركم من اصحاب محمد ومن نهبهم فقال ابو جهل لا والله حتى نقدم بدرا ونشرب بها الخمور وتعزف علينا القيان ونطعم بها من حضرنا من العرب فوافوها اى أتوا بدرا ولكن سقوا كأس المنايا بدل كأس الخمور وناحت عليهم النوائح مكان تغنى القيان فنهى المؤمنون ان يكونوا أمثالهم بطرين مرائين وأمرهم بالتقوى والإخلاص لان النهى عن الشيء مستلزم للامر بضده وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عطف على بطرا بتأويل المصدر اى وصدا ومنعا للناس عن دين الله المؤدى الى الجنة والثواب وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ فيجازيهم عليه. وفيه تهديد على الأعمال القبيحة خصوصا ما ذكر فى هذه الآية من البطر. والرثاء هو اظهار الجميل وابطان القبيح وهو من الصفات المذمومة للنفس

ص: 354

- وحكى- عن بعض الصالحين انه قال كنت ليلة فى وقت السحر فى غرفة لى على الطريق اقرأ سورة طه فلما ختمتها غفوت غفوة فرأيت شخصا نزل من السماء بيده صحيفة فنشرها بين يدى فاذا فيها سورة طه وإذا تحت كل كلمة عشر حسنات مثبتة الا كلمة واحدة فانى رأيت مكانها محوا ولم أر تحتها شيأ فقلت والله لقد قرأت هذه الكلمة ولا ارى ثوابا ولا أراها أثبتت فقال الشخص صدقت قد قرأتها وكتبناها الا انا قد سمعنا مناديا ينادى من قبل العرش امحوها واسقطوا ثوابها فمحوناها قال فبكيت فى منامى فقلت لم فعلتم ذلك فقال مر رجل فرفعت بها صوتك لاجله فذهب ثوابها وفى الحديث (ان النار وأهلها يعجون من اهل الرياء) اى يتضرعون ويرفعون الصوت قيل يا رسول الله وكيف تعج النار قال (من ضر الناس الذين يعذبون بها) فويل للمرائى فى عمله ومن الرياء التزيي بزى القوم تصنعا ودوران البلاد تفرجا ليتباهى بذلك على الاخوان كما يفعله اكثر المتسمين بالصوفية فى هذا الزمان فان مقصودهم ليس التقليد بلباس القوم تبركا مع التحقق بمعانيهم فهم محرومون من أنوار المعرفة واسرار الحقيقة خارجون عن دائرة الطريقة: قال الحافظ

مدعى خواست كه آيد بتماشا كه راز

دست غيب آمد وبر سينه نا محرم زد

فعلى العاقل اخلاص العمل وهو ارادة التقرب الى الله تعالى وتعظيم امره واجابة دعوته سواء كان من العبادات المالية او البدنية وفى التتارخانية لو افتتح الصلاة خالصا لله تعالى ثم دخل فى قلبه الرياء فهو على ما افتتح والرياء انه لو خلا عن الناس لا يصلى ولو كان مع الناس يصلى فاما لو صلى مع الناس يحسنها ولو صلى وحده لا يحسن فله ثواب اصل الصلاة دون الإحسان ولا رياء فى الصوم الا ان يكون مراده من الرياضة اصفرار الوجه وهزال البدن ليظنه الناس رجلا صالحا متقيا مريدا للآخرة فانظر الى تعبه لاجل الناس ولو كان له عقل صحيح وفكر ثاقب لما فعل هذا وفى مثل هذا قالوا أخف حلما من عصفور قال حسان ابن ثابت الأنصاري رضى الله عنه

لا بأس بالقوم من طول ومن عظم

جسم البغال وأحلام العصافير

وما الدنيا حتى يطلبها العاقل بعمله ويضيع عمره الى حلول اجله وعن ابى الدرداء رضى الله عنه ان النبي عليه السلام مر بدمنة قوم فيها سخلة ميتة فقال مالاهلها فيها حاجة قالوا يا نبى الله لو كان لاهلها فيها حاجة ما نبذوها قال (فو الله الدنيا أهون على الله من هذه السخلة على أهلها) : قال السعدي قدس سره

وگر سيم اندوده باشد نحاس

توان خرج كردن بر ناشناس

منه آب زرجان من بر پشيز

كه صراف دانا نكيرد بچيز

چهـ قدر آورد بنده خورد پيس

كه زير قبا دارد أندام پيس

نسأل الله تعالى ان يعصمنا من الزلل فى مسالك الدين ويوصلنا الى رضاه فى كل قول وعمل وهو المعين آمين بجاه النبي الامين وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ [آورده اند كه چون قريش از مكه برون آمده بحوالى منزل بنى كنانه رسيدند بجهت كيفيت قديمى كه

ص: 355

ميان ايشان بود انديشه ناك شده خواستند باز كردند إبليس بصورة سراقة بن مالك مهتر كنانه بود بر آمد بر ايشان ملاقات نمود وكفت شما نيكو حمايتى ميكنيد برويد من ضامن كه از بنى كنانه ضرر بشما نرسد ومن نيز طريق رفاقه مرعى دارم پس إبليس با جمعى از شياطين همراه ايشان روى ببدر آوردند حق سبحانه وتعالى ازين قصه خبر ميدهد] والمعنى واذكر يا محمد وقت تزيين الشيطان اعمال كفار مكة فى معاداة المؤمنين وغيرها [ودر حقائق سلمى فرموده كه قوة ايشانرا بنظر ايشان در آورد تا اعتماد بدان كردند] وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ فانكم كثير وهم قليل. قوله لكم خبر لا غالب اى لا غالب كائن لكم واليوم منصوب بما تعلق به الخبر ومن الناس حال من الضمير فيه والمراد من الناس المؤمنون وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ اى مجيركم من بنى كنانة ومعين لكم فمعنى الجار المجير الحافظ الذي يدفع عن صاحبه انواع الضر كما يدفع الجار عن جاره تقول العرب انا جار لك من فلان اى حافظ لك من مضرته فلا يصل إليك منه مكروه وقال فى القاموس الجار المجاور والذي أجرته من انه يظلم والمجير واجاره أنقذه فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ اى تلافى الفريقان يوم بدر قال الكاشفى [پس آن هنكام كه بديدند هر دو كروه لشكر يكديكر را] نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ رجع القهقرى وهو اصل معنى النكوص لان الغالب فيمن يفر عن موضع القتال ان يرجع قهقرى لخوفه من جهة العدو. وقوله على عقبيه حال مؤكدة لان رجوع القهقرى انما يكون على العقبين [واين عبارتست از هزيمت كردن بمكر وحيله آورده اند كه چون روز بدر ملائكة فرود آمدند إبليس ايشانرا ديد روى بفرار نهاد در آن محل دست بر دست حارث بن هشام بود حارث كفت اى سراقه در چنين حال ما را فرو ميكذارى إبليس دست بر سينه او زد] وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ [من بيزارم از زنهار شما] إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ من نزول الملائكة للامداد فقال الحارث وما نرى الا جعاشيش اهل يثرب والجعشوش الرجل القصير إِنِّي أَخافُ اللَّهَ من ان يصيبنى بمكروه من الملائكة او يهلكنى على ان يكون الوقت هو الوقت المعلوم الذي انظر اليه وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن يخاف منه وقد صدق الكذاب انه يخاف من شدة عذاب الله فان عقابه لو وقع عليه لتلاشى ولذلك كان يفر من ظل عمر رضى الله عنه وما سلك فجا الا وسلك الشيطان فجا آخر لئلا يقع عليه عكس نور ولاية عمر فيحرقه وقد علم الشيطان انه من المعذبين المعاقبين وانما خوفه من الله من شدة عقابه لانه يعلم انه لا نهاية لشدة عقابه والله قادر على ان يعاقبه بعقوبة أشد من الاخرى. وفيه اشارة الى ان خوفه من الله يدل على انه غير منقطع الرجاء منه كذا فى التأويلات النجمية [نقلست كه منهزمان بدر بعد از رجوع بمكة سراقه را پيغام فرستادند كه لشكر ما را تو منهزم ساختى سراقه سوكند ياد كرد كه تا هزيمت شما نشنيدم از عزيمت شما وقوف نيافتم پس همه را معلوم شد كه آن شيطان بود كه خود را بر صورت سراقه نموده] فان قيل كيف يجوز ان يتمكن إبليس من ان يخلع صورة نفسه ويلبس صورة سراقة ولو كان قادرا على ان يجعل نفسه فى مثل صورة انسان لكان قادرا على ان يجعل غيره إنسانا

ص: 356

قيل إذا صحت هذه الرواية فالجواب ان الله خلق إبليس فى صورة سراقة والله تعالى قادر على خلق انسان فى مثل صورة سراقة ابتداء فكان قادرا على ان يصور إبليس فى مثل صورة سراقة كما فى التفسير الحدادي وقال القاضي ابو يعلى ولا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال فى الصور وانما يجوز ان يعلمهم الله تعالى كلمات وضربا من ضروب الافعال إذا فعله او تكلم بها نقله الله تعالى من صورة الى صورة فيقال انه قادر على التصوير والتخييل على معنى انه

قادر على قول إذا قاله او فعل إذا فعله نقله الله تعالى من صورته الى صورة اخرى بجرى العادة واما ان يصور نفسه فذاك محال لان انتقالها من صورة الى صورة انما يكون بنقض البنية وتفريق الاجزاء وإذا انتقضت بطلت الحياة واستحال وقوع الفعل بالجملة فكيف بنقل نفسها قال والقول فى تشكيل الملائكة مثل ذلك والذي روى ان إبليس تصور فى صورة سراقة بن مالك وان جبريل تمثل فى صورة دحية وقوله تعالى فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا

محمول على ما ذكرنا وهو انه قدره الله تعالى على قول قاله فنقله الله تعالى من صورته الى صورة اخرى كذا فى آكام المرجان ونظر فيه والهى الاسكوبى بان من قال تمثل جبريل عليه السلام وتصور إبليس عليه ما يستحق ليس مراده انهما أحدثا تلك الصورة والمثال من قدرتهما نفسهما بل باقدار الله لهما على التصور والتمثل كيف شاءا فلا منافاة بين القولين غاية ما فى الباب ان العمل من طريق ما اقدره الله به من الأسباب المخصوصة انتهى يقول الفقير ان الملائكة والشياطين من قبيل الأرواح اللطيفة وللارواح التصور بانواع الصور كما ان للاجسام التلون بألوان الالبسة وكل ذلك باقدار الله تعالى فى الحقيقة لكن هذا المعنى صعب المسلك فلا يهتدى الى دركه الا الأنبياء والأولياء المكاشفون عن حقيقة الأمر والله اعلم ثم ان من عادة الشيطان ان يقحم من أطاعه ورطة الهلاك ثم يتبرأ منه- حكى- ان عابدا عبد الله فى صومعته دهرا طويلا فولدت لملكهم ابنة فانف الملك ان يمسها الرجال فاخرجها الى صومعته وأسكنها معه كيلا يعرف أحد مكانها ويستخطبها منه فكبرت الابنة فحضر إبليس على صورة شيخ وخدعه بها حتى واقعها الزاهد وأحبلها فلما ظهر بها الحبل رجع اليه فقال له انك زاهدنا وانها لو ولدت يظهر زناك فتصير فضيحة فاقتلها قبل الولادة واعلم والدها انها قد ماتت فيصدقك فتنجو من العذاب والشين فقتلها الزاهد فجاء الشيطان الى الملك فى زىّ العلماء فاخبره بصنع الزاهد بابنته من الاحبال والقتل وقال ان أردت ان تعرف حقيقة ما أخبرتك فانبش قبرها وشق بطنها فان خرج منها ولد فهو مصداق مقالتى وان لم يخرج فاقتلنى ففعل الملك ذلك فاذا الأمر كما قال فاخذ الزاهد واركبه الإبل وحمله الى بلده فصلبه فجاءه الشيطان وهو مصلوب فقال له انك زنيت بامرى وقتلت نفسا بامرى فآمن بي انجك من عذاب الملك فادركته الشقاوة فآمن به فهرب الشيطان منه ووقف من بعيد فقال الزاهد نجنى فقال الشيطان انى أخاف الله رب العالمين فعلى العاقل الحذر من كيده وفى المثنوى

آدمي را دشمن پنهان بسيست

آدمىء با حذر عاقل كسيست

واعلم ان الشيطان إذا ظفر بالسالك يغره بالقوة والكمال والبلوغ الى مرتبة الرجال وانه

ص: 357

لا يضره التصرف فى الدنيا وارتكاب بعض المنهيات بل ينفعه فى نفى الرياء والعجب كما هو طريقة اهل الملامة قال بعض ارباب الحقيقة يجوز ان تظهر لنفسك ما يوجب نفى دعواها من مباح مستبشع او مكروه لم يمنع دواء لعلة العجب لا محرما متفقا عليه انتهى فليكن هذا على ذكر منك فان صوفية الزمان قد تجاوزوا الحلال الى الحرام وتركبوا العهود بينهم وبين المشايخ الكرام ولم يعرفوا ان السلامة فى الاخذ بالكتاب وسنة النبي عليه السلام والتأدب بآداب وضعها الخواص من الأنام لمن يطلب الدخول الى حرم اسرار الله الملك العلام: قال الحافظ

در راه عشق وسوسه أهرمن بسيست

هش دار وكوش دل بپيام سروش كن

إِذْ منصوب باذكر يَقُولُ الْمُنافِقُونَ من اهل المدينة من الأوس والخزرج وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ من قريش كانوا قد اسلموا ولم يهاجروا لعدم قوة إسلامهم ولمنع اقربائهم إياهم من الهجرة فلما خرجت قريش الى بدر أخرجوهم معهم كرها ولما رأوا قلة عدد المسلمين ارتابوا وارتدوا وقالوا لاهل مكة غَرَّ هؤُلاءِ يعنون المؤمنين دِينُهُمْ إذ خرجوا مع قلة عددهم وعددهم لحرب قريش مع كثرتهم وشوكتهم ولم يشكوا بل قطعوا بان قريشا تغلبهم لانهم زهاء الالف والمؤمنون ثلاثمائة وبضعة عشر فقال الله تعالى جوابا لهم وَمَنْ [هر كه] يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ اى ومن يسلم امره الى الله تعالى ويثق به وبقضائه فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب لا يذل من توكل عليه واستجار به وان قل حَكِيمٌ يفعل بحكمته البالغة ما تستبعده العقول وتحار فى فهمه الباب الفحول- روى- ان الحجاج بن يوسف سمع ملبيا يلبى حول البيت رافعا صوته بالتلبية وكان إذ ذاك بمكة فقال على بالرجل فاتى به اليه فقال ممن الرجل قال من المسلمين فقال ليس عن الإسلام سألتك قال نعم سألت قال سألتك عن البلد قال من اهل اليمن قال كيف تركت محمد بن يوسف يعنى أخاه قال تركته عظيما جسيما لباسا ركابا خراجا ولاجا قال ليس عن هذا سألتك قال فعم سألت قال سألتك عن سيرته قال تركته ظلمو ما غشوما مطيعا للمخلوق عاصيا للخالق فقال له الحجاج ما حملك على هذا الكلام وأنت تعلم مكانه منى قال الرجل أترى مكانه منك أعز منى بمكاني من الله وانا وافد بيته وزائر نبيه وقاضى دينه ومتبع دينه فسكت الحجاج ولم يجر جوابا وانصرف الرجل من غير اذن فتعلق بأستار الكعبة وقال اللهم بك أعوذ وبك الوذ اللهم فرجك القريب ومعروفك القديم وعادتك الحسنة فانظر الى هذا الرجل كيف اظهر الحق ولم يخف من المخلوق خصوصا من الحجاج الذي كان اظلم خلق الله فى زمانه حتى كسر الاعراض وسفك الدماء وفعل ما فعل الى حيث يضيق نطاق البيان عنه فلما توكل على الله واستجار به نصره الله وهو بانفراده على الحجاج وهو مع جمعه لان الصحيح السالم وهو المؤمن غالب على السقيم المبتلى وهو المنافق والحجاج كان من منافق هذه الامة واعلم ان مرض القلوب على نوعين. نوع منه الشك فى الايمان والدين وحقيقته فذلك مرض قلوب الكفار والمنافقين. والثاني ميلها الى الدنيا وشهواتها وملاحظة الحظوظ النفسانية وهو مرض قلوب المسلمين والاشارة فيه ان المعالجة لما يكون فى قلوب الكفار والمنافقين بالايمان والتصديق واليقين وان ماتوا فى مرضهم فهم من الهالكين. ومعالجة

ص: 358

مرض قلوب المسلمين بالتوبة والاستغفار والزهد والطاعة والورع والتقوى وان ماتوا فى مرضهم فهم من اهل النجاة من النار بعد العذاب وشفاعة الأنبياء وربما يؤدى مرضهم بترك المعالجة والاحتماء الى الهلاك وهو الكفر ألا ترى الى حال بعض المسلمين من اهل مكة لما تركوا العلاج وانقطعوا عن الطبيب وهو النبي عليه السلام وما احتموا عن الغذاء المخالف وهو قولهم غر هؤلاء دينهم هلكوا مع الهالكين ظاهرا وباطنا فعلى العاقل تحصيل حسن الحال قبل حلول الاجل وهو انما يكون بصحبة واصل الى الله عز وجل والله تعالى يجود على الخلق عامة فكيف على العقلاء والعشاق: قال الحافظ

عاشق كه شد كه يار بحالش نظر نكرد

اى خواجه درد نيست وكرنه طبيب هست

وقال آخر

مكو اصحاب دل رفتند وشهر عشق شد خالى

جهان پر شمس تبريز است ومردى كو چومولانا

اللهم وفقنا لما تحب وترضى وسهل علينا مداواة هذه القلوب المرضى وَلَوْ تَرى يا محمد حال الكفرة اى لو رأيت فان لو تجعل المضارع ماضيا عكس ان إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ اى حين تقبض أعوان ملك الموت أرواح الكفار ببدر فالملائكة فاعل يتوفى يَضْرِبُونَ اى حال كون الملائكة يضربون بمقامع من حديد كلما ضربوا التهب النار منها وُجُوهَهُمْ اى ما اقبل من أعضائهم وَأَدْبارَهُمْ اى ما أدبر منها وَذُوقُوا اى يضربون ويقولون ذوقوا بعد السيف فى الدنيا عَذابَ الْحَرِيقِ اى العذاب المحرق الذي هو مقدمة عذاب الآخرة فهو فعيل بمعنى مفعل يقال حرقه بالنار وأحرقه وحرقه فاحترق وتحرق وجواب لو محذوف للايذان بخروجه عن حدود البيان اى لرأيت امرا فظيعا لا يكاد يوصف ذلِكَ المذكور من الضرب والعذاب واقع بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ اى بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصي فاليد عبارة عن النفس الدراكة عبر عنها باسم اغلب آلاتها فى اكتساب الافعال وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ محله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف والجملة اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبلها اى والأمر انه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبلهم فلا يجازى اهل الايمان بجهنم وعذابها وانما يجازى اهل الكفر والنفاق والارتداد بظلمهم على أنفسهم وسر التعبير عن نفى التعذيب بنفي الظلم مع ان تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم قطعا عند اهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا قد مر فى سورة آل عمران فان قلت ظلام أخص من ظالم لانه للمبالغة المقتضية للتكثير ولا يلزم من نفى الأخص نفى الأعم قلت المراد بكثرة الظلم كثرته باعتبار كثرة متعلقه فان لفظ العبيد يدل على الكثرة فيكون ما أصابهم من الظلم كثيرا نظرا الى كثرتهم فالمنفى عن كل واحد منهم اصل الظلم. فالمعنى انه تعالى لا يظلم أحدا من عبيده وايضا انه إذا نفى الظلم الكثير انتفى القليل لان الذي يظلم انما يظلم للانتفاع بالظلم فاذا ترك كثيره مع زيادة نفعه فى حق من يجوز عليه النفع والضر كان لقليله مع قلة نفعه اترك. وايضا ان الظلام للنسبة كما فى بزاز وعطار اى لا ينسب اليه ظلم البتة كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم اى عادة كفار قريش فى كفرهم وعنادهم كعادة آل فرعون المشهورين بقباحة

ص: 359

الأعمال. واصل الدأب فى اللغة ادامة العمل يقال فلان يدأب فى كذا اى يداوم عليه ويواظب ويتعب نفسه فيه ثم سميت العادة دأبا لان الإنسان يداوم على عادته وآل الرجل الذين يرجعون اليه باوكد الأسباب ولهذا لا يقال لقرابة الرجل آل الرجل ولا يقال لاصحابه آله والمقصود هنا كدأب فرعون وآله اى اتباعه وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى من قبل آل فرعون كقوم نوح وثمود وعاد وغيرهم من اهل الكفر والعناد كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ تفسير للدأب والآيات هى دلائل التوحيد المنصوبة فى الأنفس والآفاق او معجزات الأنبياء على الإطلاق فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ اى عاقبهم الله تعالى بسبب كفرهم وسائر معاصيهم إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ لا يغلبه فى دفعه شىء ذلِكَ اى ترتب العقاب على أعمالهم السيئة دون ان يقع ابتداء مع قدرته تعالى على ذلك بِأَنَّ اللَّهَ اى بسبب انه تعالى لَمْ يَكُ فى حد ذاته. وأصله يكن فحذفت النون تخفيفا لشبهها بحرف اللين من حيث كونها حرف غنة فكما يحذف حرف اللين حال الجزم حذفت النون الساكنة ايضا للتخفيف لكثرة استعمال فعل الكون ولم يحذف فى نحو لم يصن ولم يخن لقلة استعمالهما بالنسبة الى لم يكن وكثرة الاستعمال تستدعى التخفيف مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها اى لم ينبغ له سبحانه ولم يصح فى حكمته ان يكون بحيث يغير نعمة انهم بها عَلى قَوْمٍ من الأقوام أي نعمة كانت جلت او هانت حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ من الأعمال والأحوال التي كانوا عليها وقت ملابستهم للنعمة ويتصفوا بما ينافيها سوآء كانت أحوالهم السابقة مرضية صالحة او قريبة من الصلاح بالنسبة الى الحادثة كدأب هؤلاء الكفرة حيث كانوا قبل البعثة كفرة عبدة الأصنام مستمرين على حالة مصححة لافاضة نعمة الامهال وسائر النعم الدنيوية عليهم فلما بعث إليهم النبي عليه السلام بالبينات غيروها الى أسوأ منها وأسخط حيث كذبوه عليه الصلاة والسلام وعادوه ومن تبعه من المؤمنين وتحزبوا عليهم يبغونهم الغوائل فغير الله تعالى ما أنعم به عليهم من نعمة الامهال وعاجلهم بالعذاب والنكال وقال الحدادي أطعمهم الله من جوع وآمنهم من خوف وأرسل إليهم رسولا منهم وانزل عليهم كتابا بألسنتهم ثم انهم غيروا هذه النعم ولم يشكروها ولم يعرفوها من الله فغير الله ما بهم وأهلكهم وعاقبهم ببدر وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ اى وبسبب ان الله تعالى يسمع ويعلم جميع ما يأتون وما يذرون من الأقوال والافعال السابقة واللاحقة فيرتب على كل منها ما يليق بها من ابقاء النعمة وتغييرها كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ تكرير للتأكيد وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وعطف قوله تعالى وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ على أهلكنا مع اندراجه تحته للايذان بكمال هول الإغراق وفظاعته كعطف جبرائيل على الملائكة وَكُلٌّ من غرقى القبط وقتلى قريش كانُوا ظالِمِينَ أنفسهم بالكفر والمعاصي حيث عرّضوها للهلاك او واضعين للكفر والتكذيب مكان الايمان والتصديق والاشارة ان فرعون وقومه اختصوا بالاستغراق فى بحر الهلاك عن غيرهم لا دعاء فرعون الربوبية واقرار قومه وتصديقهم إياه بها وهذا غاية فساد جوهر الروحانية باستيلاء الصفات النفسانية وكل ممن كفر بالله وكذب بآياته كانوا

ص: 360

ظالمى أنفسهم لافساد استعدادهم وان لم يبلغوا. فى الظلم والكفر ما بلغ فرعون وقومه فعليك بمحافظة الاستعداد الفطري وإكثار الشكر عليه وإياك وشؤم المعاملات السيئة المؤدية الى الإفساد والإهلاك ولا يحملك العناد على مخالفة الحق وعدم قبوله فانه لا ينبغى لاحد خصوصا للسلاك

كسى را كه پندار در سر بود

مپندار هركز كه حق بشنود

قال الامام الغزالي قدس سره ان النعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها واقنع فى هذا الباب بمثال ملك يكرم عبدا له فيخلع عليه خاصة ثيابه ويقربه منه ويجعله فوق سائر حجابه وخدامه ويأمره بملازمة بابه ثم يأمر ان يبتنى له فى موضع آخر القصور وتوضع له الاسرة وتنصب له الموائد وتزين له الجواري ويقام له الغلمان حتى إذا رجع من الخدمة اجلس هنالك ملكا مخدوما مكرّما ما وما بين حال خدمته الى ملكه وولايته الا ساعة من نهار او اقل فان ابصر هذا العبد بجانب باب الملك سائسا للدواب يأكل رغيفا او كلبا يمضع عضما فجعل يشتغل عن خدمة الملك بنظره اليه وإقباله عليه ولا يلتفت الى ماله من الخلع والكرامة فيسعى الى ذلك السائس ويمد يده ويسأله كسرة من رغيفه او يزاحم الكلب على العظم ويعظمهما ويعظم ماهما فيه أليس الملك إذا نظر اليه على مثل هذه الحالة يقول هذا السفيه لم يعرف حق كرامتنا ولم ير قدر إعزازنا إياه بخلعنا والتقرب الى حضرتنا مع صرفنا اليه من عنايتنا وأمرنا له من الذخائر وضروب الأيادي ما هذا الا ساقط عظيم الجهل قليل التمييز اسلبوه الخلع واطردوه عن بابنا فهذا حال العالم إذا مال الى الدنيا والعابد إذا اتبع الهوى فعليك ايها الرجل ببذل المجهود حتى تعرف نعم الله تعالى عليك واحذر من ان تكون النعمة نقمة والولاء بلاء والعز ذلا والإقبال إدبارا واليمين يسارا فان الله تعالى غيور:

وفى المثنوى

هر كه شد مر شاه را او جامه وار

هست خسران بهر شاهش اتجار

هر كه با سلطان شود او همنشين

بر درش شستن بود حيف وغبين

دست بوسش چون رسيد از پادشاه

كر كزيند بوس پاباشد كناه

كرچهـ سر بر پانهادن خدمتست

پيش آن خدمت خطا وزلتست

شاه را غيرت بود بر هر كه او

بو كزيند بعد از انكه ديد رو

والمقصود ان من عرف الله وعرف قدر نعمته عليه ترك الالتفات الى الدنيا بل الى الكونين فان الله أجل من كل شىء وذكره أفضل من كل ذكر وكلام- وحكى- ان سليمان بن داود عليهما السلام مر فى موكبه والطير تظله والدواب من الوحوش والانعام والجن والانس وسائر الحيوانات عن يمينه ويساره فمر بعابد من عباد بنى إسرائيل فقال والله يا ابن داود لقد آتاك الله ملكا عظيما فسمع ذلك سليمان فقال لتسبيحة فى صحيفة مؤمن خير مما اعطى ابن داود فان ما اعطى ابن داود يذهب والتسبيحة تبقى فهذا ارشاد عظيم لمن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وتوجه الى الحضرة العليا فارغا عن شواغل الدنيا إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ

ص: 361

اى شر ما يدب على الأرض ويتحرك من الحيوانات عِنْدَ اللَّهِ اى فى حكمه وقضائه الَّذِينَ كَفَرُوا اى أصروا على الكفر ورسخوا فيه فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فلا يتوقع منهم ايمان لكونهم من اهل الطبع وجعلوا شر الدواب لا شر الناس ايماء الى انهم بمعزل عن مجانستهم وانما هم من جنس الدواب ومع ذلك هم شر من جميع افرادها كما قال تعالى إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ

دريغ آدمي زاده پر محل

كه باشد چوانعام بل هم أضل

الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ بدل من الموصول الاول بدل البعض للبيان او للتخصيص اى الذين أخذت منهم عهدهم فمن لابتداء الغاية ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ الذي أخذته منهم عطف على عاهدت فِي كُلِّ مَرَّةٍ من مرات المعاهدة وَهُمْ لا يَتَّقُونَ اى يستمرون على النقض والحال انهم لا يتقون سيئة الغدر ولا يبالون فيه من العار والنار وهم يهود قريظة عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان لا يعينوا عليه عدوا فنقضوا العهد وأعانوا اهل مكة يوم بدر بالسلاح ثم قالوا نسينا واخطأنا ثم عاهدهم مرة اخرى فنكثوا ومالأوهم عليه يوم الخندق اى ساعدوا وعاونوا وذلك انهم لما رأوا غلبة المسلمين على المشركين يوم بدر قالوا انه هو النبي الموعود بعثه فى آخر الزمان فلا جرم يتم امره ولا يقدر أحد على محاربته ثم انهم لما رأوا يوم أحد ما وقع من نوع ضعف المسلمين شكوا وقد كان احترق كبدهم بنار الحسد من ظهور دينه وقوة امره فركب كعب بن اسد سيد بنى قريظة مع أصحابه الى مكة وواثقوا المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فادى ذلك الى غزوة الخندق وفيه ذم بطريق الاشارة للذين عاهدوا الله على ترك المعاصي والمنكرات ثم نقضوا العهد مرة بعد اخرى

نه ما را در ميان عهد وفا بود

جفا كردى وبد عهدى نمودى

هنوزت ار سر صلحست باز آي

كزان محبوبتر باشى كه بودى

فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ ثقفه كسمعه صادفه او اخذه او ظفر به او أدركه كما فى القاموس واما مركبة من ان للشرط وما للتأكيد اى فاذا كان حالهم كما ذكر فاما تصادفنهم وتظفرنّ بهم فِي الْحَرْبِ اى فى تضاعيفها فَشَرِّدْ فرق قال الكاشفى [پس رميده كردان ومتفرق ساز] بِهِمْ اى بسبب قتلهم مَنْ خَلْفَهُمْ مفعول شرد اى من وراءهم من الكفرة من أعدائك والتشريد الطرد وتفريق الشمل وتبديد الجمع يعنى ان صادفت هؤلاء الناقضين فى الحرب افعل بهم وأوقع فيهم من النكاية والقهر ما يضطرب به حالهم ويخاف منك أمثالهم بحيث يذهب عنهم بالكلية ما يخطر ببالهم من مناصبتك اى معاداتك ومحاربتك لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ اى لعل المشردين وهم من خلفهم يتعظون بما شاهدوا مما نزل بالمنافقين فيرتدعون عن النقض او عن الكفر

نرود مرغ سوى دانه فراز

چون دكر مرغ بيند اندر بند

پند كير از مصائب دكران

تا نكيرند ديكران ز تو پند

وَإِمَّا تَخافَنَّ تعلمن فالخوف مستعار للعلم مِنْ قَوْمٍ من المعاهدين خِيانَةً نقض

ص: 362

عهد فيما سيأتى بما لاح لك منهم من علامات الغدر فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ اى فاطرح إليهم عهدهم حال كونك عَلى سَواءٍ اى ثابتا على طريق سوىّ فى العداوة بان تظهر لهم النقض وتخبرهم اخبارا مكشوفا بانك قد قطعت ما بينك وبينهم من الوصلة فلا تناجز هم الحرب وهم على توهم بقاء العهد كيلا يكون من قبلك شائبة خيانة أصلا فالجار متعلق بمحذوف وهو حال من النابذ او على استواء فى العلم بنقض العهد بحيث يستوى فيه أقصاهم وأدناهم فهو حال من المنبوذ إليهم او تستوى فيه أنت وهم فهو حال من الجانبين إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ تعليل للامر بالنبذ على طريقة الاستئناف كأنه قيل لم امرتنا بذلك ونهيتنا عن المحاربة قبل نبذ العهد فاجيب بذلك ويحتمل ان يكون طعنا على الخائنين الذين عاهدهم الرسول عليه السلام كأنه قيل واما تعلمن من قوم خيانة فانبذ إليهم ثم قاتلهم ان الله لا يحب الخائنين وهم من جملتهم لما علمت حالهم واعلم ان النبذ انما يجب على الامام إذا ظهرت خيانة المعاهدين بامارات ظنية واما إذا ظهر انهم نقضوا العهد ظهورا مقطوعا به فلا حاجة الى نبذ العهد كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم باهل مكة لما نقضوا العهد بقتل خزاعة وهم فى ذمة النبي عليه السلام ولما امر الله بنبذ العهد والتصريح به قبل المحاربة خطر بالبال ان يقال كيف نوقظ العدو ونعلمهم بطرح العهد إليهم قبل المحاربة مع انهم ان علموا ذلك اما ان يتأهبوا للقتال ويستجمعوا أقصى ما يمكن لهم من اسباب التقوى والغلبة او يفروا ويتخلصوا وعلى التقديرين يفوت المقصود وهو الانتقام منهم اما يكفى لصحة المحاربة معهم بغير نبذ العهد إليهم واعلامهم به ظهور امارات الخيانة منهم فازاح الله تعالى هذا المحذور بقوله وَلا يَحْسَبَنَّ اى لا يظن الَّذِينَ كَفَرُوا وهو فاعل والمفعول الاول محذوف اى أنفسهم حذف هربا من تكرار ذكرهم سَبَقُوا مفعول ثان اى فاتوا وافلتوا من ان يظفر بهم ويدخل فيه من لم يظفر به يوم بدر وغيره من معارك القتال من الذين آذوه عليه السلام وبالغوا فى عصيانه إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ تعليل للنهى على سبيل الاستئناف المبنى على تقدير السؤال اى لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن ادراكهم على ان همزة أعجز لوجود المفعول على فاعلية اصل الفعل وهو العجز كما تفول أبخلته إذا وجدته بخيلا يقال أعجزه الشيء إذا فاته وأعجزت الرجل إذا وجدته عاجزا وفى الآية تهديد للنفوس التي اجترأت على المعاصي وهو فى الحقيقة مجترئة على الله تعالى وعن السرى السقطي رضى الله عنه قال كنت يوما أتكلم بجامع المدينة فوقف علىّ شاب حسن الشباب فاخر الثياب ومعه أصحابه فسمعنى أقول فى وعظي عجبا لضعيف يعصى قويا فتغير لونه وانصرف فلما كان الغد جلست فى مجلسى وإذا به قد اقبل فسلم وصلى ركعتين وقال يا سري سمعتك بالأمس تقول عجبا لضعيف كيف يعصى قويا فما معناه قلت لا أقوى من الله ولا أضعف من العبد وهو يعصيه

كر چهـ شاطر بود حروس بجنگ

چهـ زند پيش باز رويين چنك

فنهض وخرج ثم اقبل من الغد وعليه ثوبان أبيضان وليس معه أحد فقال يا سري كيف الطريق الى الله فقلت ان أردت العبادة فعليك بصيام النهار وقيام الليل وان أردت الله فاترك

ص: 363

كل شىء سواه تصل اليه وليس الا المساجد والخراب والمقابر فقام وهو يقول والله لا سلكت الا أصعب الطرق وولى خارجا فلما كان بعد ايام اقبل الى غلمان كثير فقالوا ما فعل احمد ابن يزيد الكاتب فقلت لا اعرف الا رجلا جاءنى من صفته كذا وكذا وجرى لى معه كذا وكذا ولا اعلم حاله فقالوا بالله عليك متى عرفت حاله فعرفنا ودلنا على داره فبقيت سنة لا اعرف حاله ولا اعرف له خبرا فبينا انا ذات ليلة بعد العشاء الاخيرة جالس فى بيتي إذا بطارق يطرق الباب فأذنت له فى الدخول فاذا بالفتى عليه قطعة من كساء فى وسطه واخرى على عاتقه ومعه زنبيل فيه نوى فقبل بين عينى وقال يا سري اعتقك الله من النار كما أعتقتني من رق الدنيا فاومأت الى صاحبى ان امض الى اهله فاخبرهم فمضى فاذا زوجته قد جاءت ومعها ولده وغلمانه فدخلت والقت الولد فى حجره وعليه حلى وحلل وقالت له يا سيدى ارملتنى وأنت حى وأيتمت ولدك وأنت حى قال السرى فنظر الىّ فقال يا سري ما هذا وفاء ثم اقبل عليها وقال والله انك لثمرة فؤادى وحبيبة قلبى وان هذا ولدي لاعز الخلق على غير ان هذا السرى أخبرني ان من أراد الله قطع كل ما سواه ثم نزع ما على الصبى وقال ضعى هذا فى الأكباد الجائعة والأجساد العارية وقطع قطعة من كسائه فلف فيها الصبى فقالت المرأة لا ارى ولدي فى هذه الحالة وانتزعته منه فحين رآها قد اشتغلت به نهض وقال ضيعتم على ليلتى بينى وبينكم الله وولى خارجا وضجت الدار بالبكاء فقالت ان عاد يا سري وسمعت له خيرا فاعلمنى فقلت ان شاء الله فلما كان بعد ايام أتتني عجوز فقالت يا سري بالشونيزية غلام يسألك الحضور فمضيت فاذا به مطروح تحت رأسه لبنة فسلمت عليه ففتح عينيه وقال يا سري ترى تغفر تلك الجنايات فقلت نعم قال أيغفر لمثلى قلت نعم قال انا غريق قلت هو منجى الغرقى قال علىّ مظالم فقلت فى الخبر انه يؤتى بالتائب يوم القيامة ومعه خصومه فيقال لهم خلوا عنه فان الله تعالى يعوضكم فقال يا سري معى دراهم من لقط النوى إذا أنا مت فاشتر ما احتاج اليه وكفنى ولا تعلم أهلي لئلا يغيروا كفنى بحرام فجلست عنده قليلا ففتح عينيه وقال لمثل هذا فليعمل العاملون ثم مات فاخذت الدراهم فاشتريت ما يحتاج اليه ثم سرت نحوه فاذا الناس يهرعون فقلت ما الخبر فقيل مات ولى من اولياء الله نريد ان نصلى عليه فجئت فغسلته ودفناه فلما كان بعد مدة وفد اهله يستعملون خبره فاخبرتهم بموته فاقبلت امرأته باكية فاخبرتها بحاله فسألتنى ان أريها قبره قلت أخاف ان تغيروا أكفانه قالت لا والله فاريتها القبر فبكت وأمرت بإحضار شاهدين فاحضرا فاعتقت جواريها ووقفت عقارها وتصدقت بمالها لزمت قبره حتى ماتت رحمة الله عليهما

فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ

كه كار عشق ز ما اين قدر نمى آيد

وَأَعِدُّوا [وآماده سازيد اى مؤمنان] لَهُمْ اى لقتال الكفار وهيئوا لحرابهم مَا اسْتَطَعْتُمْ اى ما استطعتموه حال كونه مِنْ قُوَّةٍ من كل ما يتقوى به فى الحرب كائنا ما كان من خيل وسلاح وقسى وغيرها. والحصر المستفاد من تعريف الطرفين فى قوله عليه السلام (ألا ان القوة الرمي) من قبيل حصر الكمال لان الرمي أكمل افراد ما يتقوى به فى الحرب- روى- ان سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه رمى يوم أحد الف سهم ما منها

ص: 364

سهم الا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فداك ابى وأمي يا سعد) كره بعض العلماء تفدية المسلم بابويه المسلمين قالوا انما فداه عليه السلام بابويه لانهما كانا كافرين قال النووي الصحيح انه جائز مطلقا لانه ليس فيه حقيقة الفداء وانما هو تلطف فى الكلام واعلام بمحبته وفى الحديث فضيلة الرمي والدعاء لمن فعل خيرا وجاء فى الحديث (ان الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه الذي يحتسب فى صنعته الخير والمهدى له والرامي به) وفى الحديث (من شاب شيبة فى الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ومن رمى بسهم فى سبيل الله فبلغ العدو او لم يبلغ كان له كعتق رقبة مؤمنة كانت له فداء من

النار عضوا بعضو) وفى الحديث (من مشى بين الغرضين كان له بكل خطوة حسنة) والغرض بفتح الغين المعجمة والراء بعدهما الضاد المعجمة هو ما يقصده الرماة بالاصابة وفى الحديث (كل شىء ليس من ذكر الله تعالى فهو لهو الا اربع خصال مشى الرجل بين الغرضين وتأديب فرسه وملاعبة اهله وتعليم السباحة)[رمى برسه كونه است. رمى ظاهر به تير وكمان. ورمى باطن به تير آه در صبحكاه از كمان خضوع. ورمى سهام حظوظ از دل وتوجه بحق وفراغت از ما سوى] : قال الحافظ

نيست بر لوح دلم جز الف قامت دوست

چهـ كنم حرف دكر ياد نداد استادم

واعلم ان صاحب المجاهدة الباطنة يتقوى على فتال النفس وهواها بذكر الله تعالى فهو القوة فى حقه وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ فعال بمعنى مفعول كلباس بمعنى ملبوس. فرباط الخيل بمعنى خيل مربوطة كما قيل جرد قطيفة بمعنى قطيفة جرد أضيف العام الى الخاص للبيان او التخصيص كخاتم فضة وعطفها على القوة مع كونها من جملتها للايذان بفضلها على بقية افرادها كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة. ويقال ان الجن لا تدخل بيتا فيه فرس ولا سلاح وفى الحديث (من نقى شعيرا لفرسه ثم جاء به حتى يعلفه كتب الله له بكل شعيرة حسنة) والفرس يرى المنامات كبنى آدم وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الفرس يقول إذا التقت الفئتان سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح ولذلك كان لهم فى الغنيمة سهمان وفى الحديث (عليكم باناث الخيل فان ظهورها حرز وبطونها كنز) وفى الحديث (من احتبس فرسا فى سبيل الله ايمانا به وتصديقا بوعده فان شبعه وريه وروثه وبوله فى ميزانه يوم القيامة) يعنى كفة حسناته قال موسى للخضر أي الدواب أحب إليك قال الفرس والحمار والبعير لان الفرس مركب اولى العزم من الرسل والبعير مركب هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام والحمار مركب عيسى وعزير عليهما السلام وكيف لا أحب شيأ أحياه الله تعالى بعد موته قبل الحشر واعلم ان الخيل ثلاثة. فرس للرحمن وهو ما اتخذ فى سبيل الله وقتل عليه اعداء الله. وفرس للانسان وهو ما يلتمس بطنه وهو ستر من الفقر. وفرس للشيطان وهو ما يقامر عليه ويراهن تُرْهِبُونَ بِهِ حال من فاعل اعدوا اى حال كونكم مرهبين مخوفين بالاعداد عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وهم كفار مكة خصوا بذلك من بين الكفار مع كون الكل كذلك لغاية عتوهم ومجاوزتهم الحد فى العداوة. وفيه اشارة الى ان المجاهد الباطني يرهب بالذكر والمراقبة أعدى العدو وهو النفس والشيطان وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ اى ترهبون به ايضا عدوا آخرين من غيرهم من الكفرة

ص: 365

كاليهود والمنافقين والفرس ومنهم كفار الجن فان صهيل الفرس يخوفهم لا تَعْلَمُونَهُمُ العلم بمعنى المعرفة لتعديته الى مفعول واحد ومتعلق المعرفة هو الذات اى لا تعرفونهم بأعيانهم ولو كان النسب كالعلم لكان المعنى لا تعرفونهم من حيث كونهم اعداء اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ اى يعرفهم لا غيره تعالى فان قلت المعرفة تستدعى سبق الجهل فلا يجوز إسنادها الى الله تعالى قلت المراد بالمعرفة فى حقه تعالى مجرد تعلق علمه بالذوات دون النسب مع قطع النظر عن كونها مجهولة قبل تعلقه بها ودلت الآية على ان الإنسان لا يعرف كل عدوله

آدمي را دشمن پنهان بسيست

آدمىّ با حذر عاقل كسيست

وَما شرطية تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ لاعداد العتاد قل أو جل فِي سَبِيلِ اللَّهِ الذي أوضحه الجهاد يُوَفَّ إِلَيْكُمْ اى جزاؤه كاملا وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ بترك الاثابة او بنقص الثواب والتعبير عن تركها بالظلم مع ان الأعمال غير موجبة للثواب حتى يكون ترك ترتيبه عليها ظلما لبيان كمال نزاهته سبحانه عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى من القبائح وإبراز الاثابة فى معرض الأمور الواجبة عليه تعالى- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بفرس يجعل كل خطوة منه أقصى بصره فسار وسار معه جبريل عليه السلام فاتى على قوم يزرعون فى يوم ويحصدون فى يوم كلما حصدوا شيأ عاد كما كان فقال (يا جبريل من هؤلاء) قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقوا من شىء فهو يخلفه وفى الحديث (من أعان مجاهدا فى سبيل الله او غارما فى عسرته او مكاتبا فى رقبته اظله الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله) : قال الحافظ

احوال كنج قارون كايام داد بر باد

با غنچهـ باز كوييد نازا نهان ندارد

وقال ايضا

چهـ دوزخى چهـ بهشتى چهـ آدمي چهـ ملك

بمذهب همه كفر طريقتست إمساك

وَإِنْ جَنَحُوا الجنوح الميل ومنه الجناح لان الطائر يميل به الى أي جهة شاء ويعدى باللام والى اى مال الكفار لِلسَّلْمِ للصلح والاستسلام بوقوع الرهبة فى قلوبهم بمشاهدة ما لكم من الاستعداد واعتاد العتاد فَاجْنَحْ لَها اى للسلم والتأنيث لحمله على نقيضه الذي هو الحرب وهى مؤنثة او لكونه بمعنى المسالمة اى مصالحة وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ اى لا تخف من ابطان مكرهم فى الصلح فان الله يعصمك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ فيسمع ما يقولون فى خلواتهم من مقالات الخداع الْعَلِيمُ فيعلم نياتهم فيؤاخذهم بما يستحقونه ويرد كيدهم فى نحرهم والآية عامة لاهل الكتاب وغيرهم. والأمر فى قوله فاجنح للاباحة والأمر فيه مفوض لرأى الامام وليس يجب عليه ان يقاتلهم ابدا ولا ان يسعفهم الى الصلح عند طلبهم ذلك ابدا بل يبنى الأمر على ما فيه صلاح المسلمين فاذا كان للمسلمين قوة فلا ينبغى ان يصالحهم وينبغى ان يحاربهم حتى يسلموا او يعطوا الجزية وان رأى المصلحة فى المصالحة ومال إليها لا يجوز ان يصالحهم سنة كاملة الا إذا كانت القوة والغلبة للمشركين فحينئذ جازله ان يصالحهم عشر سنين ولا تجوز الزيادة عليها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فانه عليه السلام فعل كذلك ثم

ص: 366

انهم نقضوا العهد قبل تمام المدة وكان ذلك سببا لفتح مكة وَإِنْ يُرِيدُوا اى الذين يطلبون منك الصلح أَنْ يَخْدَعُوكَ بإظهار الصلح لتكف عنهم فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ فان محسبك الله وكافيك من شرورهم وناصرك عليهم يقال احسبنى فلان اى أعطاني حتى أقول حسبى هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ اى قواك بامداد من عنده بلا واسطة سبب معلوم مشاهد وَبِالْمُؤْمِنِينَ من المهاجرين والأنصار ثم انه تعالى بين كيف أيده بالمؤمنين فقال وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [و پيوند افكند بدوستى ميان دلهاى ايشان] مع ما كان بينهم قبل ذلك من العصبية والضغينة والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان وكان إذا لطم رجل من قبيلة لطمة قاتل عنها قبيلته حتى يدركوا ثاره فكان دأبهم الخصومة الدائمة والمحاربة ولا تتوقع بينهم الالفة والاتفاق ابدا فصاروا بتوفيقه تعالى كنفس واحدة هذا من ابهر معجزاته عليه السلام قال الكاشفى [أوس وخزرج صد وبيست سال در ميان ايشان تعصب وستيزه بود همواره بقتل وغارت هم اشتغال مى نمودند حق تعالى ببركت تو دلهاى ايشانرا الفت داد]

يك حرف صوفيانه بگويم اجازتست

اى نور ديده صلح به از جنك آورى

لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً اى لتأليف ما بينهم ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ اى تناهت عداوتهم الى حد لو أنفق منفق فى إصلاح ذات بينهم جميع ما فى الأرض من الأموال والذخائر لم يقدر على التأليف والإصلاح وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ قلبا وقالبا بقدرته الباهرة فانه المالك للقلوب فيقلبها كيف يشاء إِنَّهُ عَزِيزٌ كامل القدرة والغلبة لا يستعصى عليه شىء مما يريده حَكِيمٌ يعلم كيفية تسخير ما يريده واعلم ان التودد والتألف والموافقة مع الاخوان مع ائتلاف الأرواح وفى الحديث (المؤمن الف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) وفى الحديث (مثل المؤمنين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الاخرى وما التقى المؤمنان الا استفاد أحدهما من صاحبه خيرا) وقال ابو إدريس الخولاني لمعاذ انى أحبك فى الله فقال ابشر ثم ابشر فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (تنصب لطائفة من الناس كراسى حول العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر يفزع الناس وهم لا يفزعون ويخاف الناس وهم لا يخافون وهم اولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) فقيل من هؤلاء يا رسول الله فقال (المتحابون فى الله) قيل لو تحاب الناس وتعاطوا المحبة لاستغنوا بها عن العدالة فالعدالة خليفة المحبة تستعمل حيث لا توجد المحبة. وقيل طاعة المحبة أفضل من طاعة الرهبة فان طاعة المحبة من داخل وطاعة الرهبة من خارج ولهذا المعنى كانت صحبة الصوفية مؤثرة من البعض فى البعض لانهم لما تحابوا فى الله تواصوا بمحاسن الأخلاق ووقع القبول لوجود المحبة فانتفع لذلك المريد بالشيخ والأخ بالأخ ولهذا المعنى امر الله تعالى باجتماع الناس فى كل يوم خمس مرات فى المساجد من اهل كل درب وكل محلة وفى الجامع فى الأسبوع مرة من اهل كل بلد وانضمام اهل السواد الى البلدان فى الأعياد فى جميع السنة مرتين واهل الأقطار من البلدان فى العمر مرة للحج كل ذلك لحكم بالغة منها تأكيد الالفة والمودة بين المؤمنين وفى الحديث (ألا ان

ص: 367

مثل المؤمنين فى توادهم وتحابهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى) : قال السعدي قدس سره

بنى آدم اعضاى يكديكرند

كه در آفرينش ز يك جوهرند

چوعضوى بدرد آورد روزكار

دكر عضوها را نماند قرار

والتألف والتودد يؤكد الصحبة مع الأخيار مؤثرة جدا بل مجرد النظر الى اهل الصلاح يؤثر صلاحا والنظر فى الصور يؤثر أخلاقا مناسبة لخلق المنظور اليه كدوام النظر الى المحزون يحزن ودوام النظر الى المسرور يسر. وقد قيل من لا ينفعك لفظه والجمل الشرود يصير ذلولا بمقارنة الجمل الذلول فالمقارنة لها تأثير فى الحيوان والنبات والجماد والماء والهواء يفسدان بمقارنة الجيف والزروع تنقى من انواع العروق فى الأرض والنبات لموضع الإفساد بالمقارنة وإذا كانت المقارنة مؤثرة فى هذه الأشياء ففى الصور الشريفة البشرية اكثر تأثيرا. وقيل سمى الإنسان إنسانا لانه يأنس بما يراه من خير او شر والتألف والتودد مستجلبان للمزيد وانما العزلة والوحدة تحمد بالنسبة الى اراذل الناس واهل الشر فاما اهل العلم والصفاء والوفاء والأخلاق الحميدة فتغتنم مقارنتهم والاستئناس بهم استئناس بالله تعالى كما ان محبتهم من محبة الله تعالى والجامع معهم رابطة الحق ومع غيرهم رابطة الطبع فالصوفى مع غير الجنس كائن بائن ومع الجنس كائن معاين والمؤمن مرآة المؤمن إذا التقى مع أخيه يستشف من وراء أقواله واعماله وأحواله تجليات الهية وتعريفات وتلويحات من الله الكريم خفية غابت عن الأغيار وأدركها اهل الأنوار كذا فى عوارف المعارف يقول الفقير أصلحه الله القدير سمعت من بعض العلماء المتورعين والمشايخ المتزهدين ممن له زوجتان متباغضتان انه قال قرأت هذه الآية وهى قوله تعالى هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ الى آخرها على ماء فى كوز ونفخت فيه ثم اشربته إياهما فوقع التودد والالفة بينهما بإذن الله تعالى وزال التباغض والتنافر الى الآن يا أَيُّهَا النَّبِيُّ المخبر عن الله تعالى المرتفع شأنه حَسْبُكَ اللَّهُ اى كافيك فى جميع أمورك وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الواو بمعنى مع اى كفاك وكفى اتباعك ناصرا كقولك حسبك وزيدا درهم او عطف على اسم الله تعالى اى كفاك الله والمؤمنون والكافي الحقيقي هو الله تعالى واسناد الكفاية الى المؤمنين لكونهم أسبابا ظاهرة لكفاية الله تعالى والآية نزلت بالبيداء فى غزوة بدر قبل القتال تقوية للحضرة النبوية وتسلية للصحابة رضى الله عنهم فالمراد بالمؤمنين الأنصار وقال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت فى اسلام عمر رضى الله عنه فتكون الآية مكية كتبت فى سورة مدنية بامر رسول الله صلى الله عليه وسلم روى- انه اسلم مع النبي عليه السلام ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم اسلم عمر رضى الله عنه فكمل الله الأربعين بإسلامه فنزلت وكان صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول (اللهم أعز الإسلام) وفى رواية (أيد الإسلام بأحد الرجلين اما بابى جهل بن هشام واما بعمر بن الخطاب) وكان دعاؤه بذلك يوم الأربعاء فاسلم عمر رضى الله عنه يوم الخميس وكان وقتئذ ابن ست وعشرين سنة وسبقه حمزة بن عبد المطلب بالإسلام بثلاثة ايام او بثلاثة أشهر- روى- انه لما نزل

ص: 368

قوله تعالى إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ قام ابو جهل بن هشام وكان يكنى فى الجاهلية بابى الحكم لانهم يزعمون انه عالم ذو حكمة ثم كناه النبي عليه السلام بابى جهل وغلبت عليه كنيته وكان خال عمر لان أم عمر اخت ابى جهل لان أم عمر بنت هشام بن المغيرة والد ابى جهل فابو جهل خال عمر او لان أم عمر بنت عم ابى جهل وعصبة الام أخوال الابن فلما قام خطب فقال يا معشر قريش ان محمدا قد شتم آلهتكم وسفة أحلامكم وزعم انكم وآباءكم وآلهتكم فى النار فهل من رجل يقتل محمدا وله على مائة ناقة حمراء وسوداء والف اوقية من فضة فقام عمر بن الخطاب وقال أتضمن ذلك يا با الحكم فقال نعم يا عمر فاخذ عمر بيد ابى جهل ودخلا الكعبة وكان عندها صنم عظيم يسمونه هبل فتحالفا عنده واشهدا على أنفسهما هبل فانهم كانوا إذا أرادوا امرا من سفر او حرب او سلم او نكاح لم يفعلوا شيأ حتى يستأمروا هبل ويشهدوه عليه وتلك الأصنام التي كانت حوله كانت الف صنم وخمسمائة صنم ثم خرج عمر متقلدا سيفه منتكبا كنانته اى واضعا لها فى منكبه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي عليه

السلام مختفيا مع المؤمنين فى دار الأرقم رضى الله عنه تحت الصفا يعبدون الله تعالى فيها ويقرأون القرآن فلما اتى الى البيت الذي هم فيه قرع الباب فنظر اليه رجل من خلال الباب فرآه متوشحا سيفه فرجع الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو فزع فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا سيفه ولم يرد إلا سفك الدم وهتك العرض فقال حمزة فائذن له فان جاء يريد خيرا بذلنا له وان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه فاذن له فى الدخول فلما رآه النبي عليه السلام قال (ما أنت منتهى يا عمر حتى ينزل الله بك قارعة) ثم أخذ بساعده او بمجامع ثوبه وحمائل سيفه وانتهره فارتعد عمر هيبة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وجلس فقال اعرض علىّ الإسلام الذي تدعوا اليه فقال النبي عليه السلام (تشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله) فقال اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة وضرب النبي عليه السلام صدر عمر بيده حين اسلم ثلاث مرات وهو يقول (اللهم اخرج ما فى صدر عمر من غل وابد له ايمانا) ونزل جبرائيل عليه السلام فقال يا محمد لقد استبشر اهل السماء بإسلام عمر ولما اسلم قال المشركون لقد انتصف القوم منا وقيل له رضى الله عنه ما تسمية النبي عليه السلام لك بالفاروق قال لما أسلمت والنبي عليه السلام وأصحابه مختفون قلت يا رسول الله ألسنا على الحق ان متنا وان حيينا قال (بلى) فقلت ففيم الاختفاء والذي بعثك بالحق ما بقي مجلس كنت اجلس فيه بالكفر الا أظهرت فيه الإسلام غير هائب ولا خائف والله لا نعبد الله سرا بعد اليوم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المسلمون وعمر رضى الله عنه امامهم معه سيف ينادى لا اله الا الله محمد رسول الله حتى دخل المسجد ثم صاح مسمعا لقريش كل من تحرك منكم لا مكنن سيفى منه ثم تقدم امام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف والمسلمون ثم صلوا حول الكعبة وقرأوا القرآن جهرا وكانوا قبل ذلك لا يقدرون على الصلاة عند الكعبة ولا يجهرون بالقرآن فسماه النبي عليه السلام الفاروق

ص: 369

لانه فرق الله به الحق والباطل. وجاء بسند حسن (ان أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب) وكان عمر شديدا من حيث مظهريته للاسم الحق وجاء (ما ترك الحق لعمر من صديق)

لما لزمت النصح والتحقيقا

لم يتركا لى فى الوجود صديقا

قال إسماعيل بن حماد بن ابى حنيفة كان لنا جار طحان رافضىّ ملعون وكان له بغلان سمى أحدهما أبا بكر والآخر عمر فرمحه ذات ليلة أحد البغلين فقتله فاخبر جدى ابو حنيفة فقال انظروا فانى إخال ان البغل الذي اسمه عمر هو الذي رمحه فنظروا فكان كما قال واستأذن عمر رضى الله عنه فى العمرة فاذن له عليه السلام وقال (يا أخي لا تنسنا من دعائك) قال ما أحب ان لى بقوله يا أخي ما طلعت عليه الشمس وجاء (أول من يصافحه الحق عز وجل عمر بن الخطاب وأول من يسلم عليه) وجاء (لو كان بعدي نبى لكان عمر بن الخطاب) وجاء (ان الله تعالى أيدني باربعة وزراء اثنين من اهل السماء جبرائيل وميكائيل عليهما السلام واثنين من اهل الأرض ابى بكر وعمر رضى الله عنهما) فكانا بمنزلة الوزيرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليه الصلاة والسلام يشاورهما فى الأمور كلها وفيهما نزل وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ وجاء (انه كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون) المحدث بفتح الدال المشددة هو الذي يلقى فى نفسه الشيء فيخبر به فراسة ويكون كما قال وكأنه حدثه الملا الأعلى وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء (فانه ان كان فى أمتي هذه فهو عمر بن الخطاب) لم يرد النبي عليه السلام بقوله ان كان فى أمتي التردد فى ذلك فان أمته أفضل الأمم فاذا وجد فى غيرها محدثون ففيها اولى بل أراد به التأكيد لفضل عمر كما يقال ان يكن لى صديق فهو فلان يريد بذلك اختصاصه بكمال الصداقة لا نفى سائر الأصدقاء وقد قيل فى فضيلة عمر

له فضائل لا تخفى على أحد

الا على أحد لا يعرف القمرا

وجاء (انه يا ابن الخطاب والذي نفسى بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك) والفج طريق واسع. وفيه دليل على علو درجة عمر رضى الله عنه حيث لا يقدر الشيطان ان يسلك طريقا فيه عمر والطريق واسع فكيف يتصور ان يجرى منه مجرى الدم كما يجرى فى سائر الخلق. وفيه تنبيه على صلابته فى الدين واستمرار حاله على الحق المحض. وكان نقش خاتم ابى بكر نعم القادر الله وكان نقش خاتم عمر كفى بالموت واعظا يا عمر. وكان نقش خاتم عثمان آمنت بالله مخلصا. وكان نقش خاتم على رضى الله عنه الملك لله. وكان نقش خاتم ابى عبيدة بن الجراح الحمد لله هذا هو النقش الظاهر المضاف الى البدن واما نقش الوجود فنفسه فقد قيل

كرت صورت حال بد يا نكوست

نكاريده دست تقدير اوست

وقيل

نقش مستورى ومستى نه بدست من وتست

آنچهـ سلطان ازل كفت بكن آن كردم

نسأل الله تعالى ان يحفظ نقش أيماننا فى لوح القلب من مس يد الشك والريب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب واجعلنا من اهل الإيقان الذين قلت فيهم أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ فما نقشه قبضة جمالك لا يطرأ عليه محو

ص: 370

من جلالك وان تطاول الزمان وامتد عمر الإنسان يا أَيُّهَا النَّبِيُّ يا رفيع القدر حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ اى بالغ فى حثهم على قتال الكفار ورغبهم فيه بوعد الثواب او التنفيل عليه. والتحريض على الشيء ان يحث الإنسان غيره ويحمله على شىء حتى يعلم منه انه ان تخلف عنه كان حارضا اى قريبا من الهلاك فتكون الآية اشارة الى ان المؤمنين لو تخلفوا عن القتال بعد حث النبي عليه السلام إياهم على القتال لكانوا حارضين مشرفين على الهلاك والحث انما يكون بعد الاقدام بنفسه ليقتدى القوم به ولهذا كان النبي عليه السلام إذا اشتدت الحرب اقرب الى العدو منهم كما قال على رضى الله عنه كنا إذا أحر البأس ولقى القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فما يكون أحد اقرب الى العدو منه: قال السلطان سليم فاتح مصر

كر لشكر عدو بود از قاف تا بقاف

بالله كه هيچ روى نمى تابم از مصاف

چون آفتاب ظلمت كفر از جهان برم

كاهى چوصبح تيغ برون آرم از غلاف

وفى الآية بيان فضلة الجهاد والا لما وقع الترغيب عليه وفى الحديث (ما جميع اعمال العباد عند المجاهدين فى سبيل الله الا كمثل خطاف أخذ بمنقاره من ماء البحر) إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ايها المؤمنون عِشْرُونَ صابِرُونَ فى معارك القتال يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بيان للالف وهذا القيد معتبر فى المائتين ايضا كما ان قيد الصبر معتبر فى كل من المقامين بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ متعلق بيغلبوا اى بسبب انهم قوم جهلة بالله باليوم الآخر لا يقاتلون احتسابا وامتثالا لامر الله وإعلاء لكلمته وابتغاء لمرضاته وانما يقاتلون للحمية الجاهلية واتباع الشهوات وخطوات الشيطان واثارة ثائرة البغي والعدوان فيستحقون القهر والخذلان وهذا القول وعد كريم منه تعالى متضمن لا يجاب مقاومة الواحد للعشرة وثباته لهم. وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فى ثلاثين راكبا فلقى أبا جهل فى ثلاثمائة راكب فهزمهم فثقل عليهم ذلك وضجوا منه بعد مدة فنسخ الله هذا الحكم بقوله الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ففرض على الواحد ان يثبت لرجلين قال ابن عباس رضى الله عنهما من فر من ثلاثة لم يفر ومن فر من اثنين فقد فر اى ارتكب المحرم وهو كبيرة الفرار من الزحف قال الحدادي وهذا إذا كان للواحد المسلم من السلاح والقوة ما لكل واحد من الرجلين الكافرين كان فارا. واما إذا لم يكن لم يثبت حكم الفرار وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً اى ضعف البدن قال التفتازانيّ تقييد التخفيف بقوله الآن ظاهر الاستقامة لكن فى تقييد العلم به إشكال توهم انتفاء العلم بالحادث قبل وقوعه. والجواب ان العلم متعلق به ابدا اما قبل الوقوع فبانه سيقع وحال الوقوع بانه يقع وبعد الوقوع بانه وقع وقال الحدادي وعلم فى الأزل ان فى الواحد منكم ضعفا عن قتال العشرة والعشرة عن قتال المائة والمائة عن قتال الالف فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ بتيسيره وتسهيله وهذا القيد معتبر فيما سبق ايضا ترك ذكره تعويلا على ذكره هاهنا وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصر والتأييد فكيف لا يغلبون وما تشعر به كلمة مع من متبوعية مدخولها لاصالتهم من حيث انهم المباشرون للصبر دلت الآية على ان من صبر ظفر فان الصبر مطية الظفر

ص: 371

صبر وظفر هر دو دوستان قديمند

صبر كن اى دل كه بعد زان ظفر آيد

از چمن صبر رخ متاب كه روزى

باغ شود سبز وشاخ كل ببر آيد

: قال السلطان سليم الاول

سليمى خصم سيه دل چهـ داند اين حالت

كه از ظهور الهيست فتح لشكر ما

قال فى التأويلات النجمية فى قوله تعالى بِإِذْنِ اللَّهِ يعنى ان الغلبة والظفر ليس من قوتكم لانكم ضعفاء وانما هو بحكم الله الأزلي ونصره. واما الأقوياء وهم محمد عليه السلام وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ لقوة توكلهم ويقينهم وفقه قلوبهم لا يفر واحد منهم من مائة من العدو كما كان حال النبي عليه السلام ومن معه من اهل القوة على ما قال عباس بن عبد المطلب شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلم أفارقه ورسول الله على بغلة بيضاء فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين فطفق النبي عليه السلام يركض بغلته قبل الكفار وانا آخذ بلجام بغلته اكفها ارادة ان لا يسرع وابو سفيان آخذ بركاب رسول الله فلما كان رسول الله ومن معه صابرين اولى قوة لم يفروا مع القوم: قال السلطان سليم

سيمرغ جان ما كه رميدست از دو كون

منت خدايرا كه بجان رام مصطفاست

وفى ترجمة وصايا الفتوحات المكية [آدمي از جهت انسانيت مخلوقست بر هلع و پر دلى واما از روى ايمان مخلوقست بر قوت وشجاعت وأقدام ودر روايت آمده است از بعضى از صحابه رسول الله عليه السلام رسول او را خبر داده بود كه تو والى شوى در مصر وحكم كنى وقتى قلعه را حصار كرده بودند وآن صحابى نيز در ميان بود سائر أصحاب را كفت مرا در كفه منجنيق نهيد وسوى كفار در قلعه انداز يد چون من آنجا رسم قتال كنم ودر حصار بگشايم چون از سبب اين جرأت پرسيدند كفت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مرا خبر داده است كه در مصر والى شوم وهنوز نشدم يقين ميدانم كه نميرم تا والى نشوم فهم كن كه قوت ايمان اينست والا از روى عرف معلومست كه چون كسى را در كفه منجنيق نهند وبيندازند حال او چهـ باشد پس دل مؤمن قوى ترين دلهاست] ألا انما الإنسان غمد لقلبه ولا خير فى غمد إذا لم يكن نصل وجاء فى دعاء النبي عليه السلام (اللهم انى أعوذ بك من الشك فى الحق بعد اليقين وأعوذ بك من الشيطان الرجيم وأعوذ بك من شر يوم الدين) قال بعضهم العمل سعى الأركان الى الله والنية سعى القلوب الى الله تعالى والقلب ملك والأركان جنوده ولا يحارب الملك الا بالجنود ولا الجنود الا بالملك ما كانَ ما صح وما استقام لِنَبِيٍّ من الأنبياء عليهم السلام أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى اى يثبت له فكان هذه تامة. واسرى جمع أسير كجرحى جمع جريح وأسارى جمع الجمع- روى- انه عليه السلام اتى يوم بدر بسبعين أسيرا فيهم العباس وعقيل بن ابى طالب فاستشار فيهم فقال ابو بكر هم قومك وأهلك استبقهم لعل الله يهديهم الى الإسلام وخذ منهم فدية تقوى بها أصحابك وقال عمر كذبوك وأخرجوك من ديارك وقاتلوك فاضرب أعناقهم فانهم ائمة الكفر مكنى من فلان لنسيب له ومكن عليا من عقيل وحمزة من العباس فلنضرب أعناقهم فلم يهو ذلك رسول الله صلى الله عليه

ص: 372

وسلم وقال (ان الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن وان الله ليشدد قلوب الرجال حتى تكون أشد من الحجارة وان مثلك يا أبا بكر مثل ابراهيم قال فمن تبعني فانه منى ومن عصانى فانك غفور رحيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) فخير أصحابه بان قال لهم (ان شئتم قتلتموهم وان شئتم اطلقتموهم) بان تأخذوا من كل أسير عشرين اوقية والأوقية أربعون درهما فى الدراهم وستة دنانير فى الدنانير (الا ان يستشهد منكم بعدتهم) فقالوا بل نأخذ الفداء ويدخل منا الجنة سبعون وفى لفظ ويستشهد منا عدتهم فاستشهدوا يوم أحد بسبب قولهم هذا وأخذهم الفداء فنزلت الآية فى فداء أسارى بدر فدخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هو وابو بكر يبكيان فقال يا رسول الله أخبرني فان أجد بكاء بكيت وإلا تباكيت فقال (ابكى على أصحابك فى أخذهم الفداء ولقد عرض علىّ عذابهم ادنى من هذه الشجرة) لشجرة قريبة منه قال فى السيرة الحلبية اسرى بدر منهم من فدى ومنهم من خلى سبيله من غير فداء وهو ابو العاص ووهب بن عمير ومنهم من مات ومنهم من قتل وهو النضر بن الحارث وعقبة بن ابى معط حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ يكثر القتل ويبالغ فيه حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز الإسلام ويستولى اهله وحتى لانتهاء الغاية فدل الكلام على ان له ان يقدم على الاسر والشد بعد حصول الإثخان وهو مشتق من الثخانة وهى الغلظة والكثافة فى الأجسام ثم استعير فى كثرة القتل والمبالغة فيه لان الامام إذا بالغ فى القتل يكون العدو كشىء ثقيل يثبت فى مكانه ولا يقدر على الحركة يقال أثخنه المرض إذا أضعفه وأثقله وسلب اقتداره على الحركة تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا استئناف مسوق للعتاب اى تريدون حطامها بأخذكم الفداء وسمى المال عرضا لقلة لبثه فمنافع الدنيا وما يتعلق بها لا ثبات لها ولا دوام فصارت كأنها تعرض ثم تزول والخطاب لهم لا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واجلة أصحابه فان مراد ابى بكر كان إعزاز الدين وهداية أسارى وفيه اشارة الى ان أخذ الفداء من أسارى المشركين ما كان شيمة للنبى عليه السلام ولا لسائر الأنبياء فانه رغبة فى الدنيا ومن شيمة النبي عليه السلام انه قال (مالى وللدنيا)

كين جهان جيفه است ومردار ورخيص

بر چنين مردار چون باشم حريص

وانما رغب فيها بعضهم بعد ان شاورهم بامر الله تعالى إذا مره بقوله وشاورهم فى الأمر وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يريد لكم ثواب الآخرة الذي لا مقدار عنده للدنيا وما فيها قال سعدى چلبى المفتى لعل المراد والله اعلم والله يرضى فاطلق الارادة على الرضى على سبيل المشاكلة فلا يرد ان الآية تدل على عدم وقوع مراد الله تعالى خلاف مذهب اهل السنة وَاللَّهُ عَزِيزٌ يغلب أولياؤه على أعدائه حَكِيمٌ يعلم بما يليق بكل حال ويخصها به كما امر بالاثخان ومنع عن الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين وخير بينه وبين المنّ بقوله تعالى فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً لما تحولت الحال وصار الغلبة للمؤمنين قال بعضهم دلت الآية على ان الأنبياء مجتهدون لان العتاب الذي فيها لا يكون فيما صدر عن وحي ولا فيما كان صوابا وانه قد يكون خطأ ولكن لا يتركون عليه بل ينبهون على الصواب لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ

ص: 373

لولا حكم من الله سبق إثباته فى اللوح المحفوظ وهو ان لا يعاقب المخطئ فى اجتهاد وان لا يعذب اهل بدر او قوما لم يصرح لهم بالنهى وفى التأويلات النجمية لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ باستبقاء هؤلاء الأسارى ليؤمن بعضهم ويؤمن أولاد بعضهم وذراريهم لَمَسَّكُمْ اى لاصابكم فِيما أَخَذْتُمْ اى لاجل ما أخذتم من الفداء عَذابٌ عَظِيمٌ لا يقادر قدره- روى- انه عليه السلام قال (لو نزل العذاب لما نجامنه غير عمر وسعد بن معاذ) وذلك لانه ايضا أشار بالاتخاذ. وفيه دليل على انه لم يكن أحد من المؤمنين ممن حضر بدرا الا أحب أخذ الفداء غيرهما قال عبد الله بن عمر ما نزل بالناس امر فقال الناس وقال عمر إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر وفى الحديث (ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه) وقد وافق الوحى فى مواضع منها ما فى هذه القصة ومنها انه قال يا رسول الله ان نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو امرتهن ان يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغيرة فقال لهن عمر عسى ربه ان طلقكن ان يبدله أزواجا خيرا منكن فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ- روى- انهم أمسكوا عن الغنائم فقال تعالى قد ابحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتموه [از آنچهـ غنيمت كرفتيد وفديه از ان جمله است] حَلالًا حال من المغنوم وفائدته ازاحة ما وقع فى نفوسهم من عدم حل المغنوم بسبب تلك المعاتبة فان من سمع العتاب المذكور وقع فى قلبه اشتباه فى امر حله طَيِّباً الطيب المستلذ ويوصف الحلال بذلك على التشبيه فان المستلذ ما لا يكون فيه كراهية فى الطبع وكذا الحلال ما لا يكون فيه كراهية فى الدين وَاتَّقُوا اللَّهَ اى فى مخالفة امره ونهيه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فيغفر لكم ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل ورود الاذن فيه ويرحمكم ويتوب عليكم إذا اتقيتموه قال الكاشفى [رحيم مهر بانست كه غنيمت بر شما حلال كرده وبر امم ديكر حرام بوده] كما قال ابن عباس رضى الله عنهما كانت الغنائم حراما على الأنبياء فكانوا إذا أصابوا مغنما جعلوه للقربان فكانت تنزل نار من السماء فتأكله ولله تعالى عنايات لهذه الامة لا تحصى- روى- عن النبي عليه السلام انه قال لآدم ليلة المعراج (أنت خير الناس لان الله تعالى قد فعل معك ستة أشياء. خلقك بيده. وأكرمك بالعلم. واسجد لك ملائكته. ولعن من لم يسجد لك. وكرمك بامرأة منك حواء. وأباح لك الجنة بحذافيرها) فقال لابل أنت خير الناس لانه اعطاك ستة أشياء لم يعطها أحدا غيرك. جعل شيطانك مسلما. وقهر عدوك. واعطاك زوجة مثل عائشة تكون سيدة نساء الجنة. واحيى جميع الأنبياء لاجلك. وجعلك مطلعا على سرائر أمتك وعامل أمتك بستة أشياء. أولها أخرجني من الجنة بمعصية واحدة ولا يخرج أمتك من المسجد بالمعصية. ونزع منى الحلة ولم ينزع الستر من أمتك. وفرق عنى زوجتى ولا يفرق عن أمتك أزواجهم. ونقص من قامتى ولا ينقص من قامتهم وفضحنى بقوله وعصى آدم وستر على أمتك. وبكيت مائتى سنة حتى غفر لى ويغفر لامتك بعذر واحد: قال السعدي قدس سره

محالست اگر سر برين در نهى

كه باز آيدت دست حاجت نهى

بضاعت نياوردم الا اميد

خدايا ز عفوم مكن نا اميد

ص: 374

وينبغى للمؤمن ان يأخذ الحذر فان عتاب الله تعالى إذا كان بهذه المرتبة فى صورة الخطأ فى الأمور الاجتهادية فما ظنك فى عتابه بل بعقابه فى الأمور العمدية المخالفة لكتاب الله تعالى ألا ترى ان الهدهد لما خالف سليمان فى الغيبة استحق التهديد والزجر والعقوبة فانك ان خالفت امر سلطانك تستحق العقوبة فان أنت واظبت على الخدمة والطاعة أقمت عذرك وفى القصة بيان لزوم البكاء عند وقوع الخطأ لان النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضى الله عنه بكيا قيل ان النار تقرب يوم القيامة فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم بالانصراف فلا تنصرف حتى يأتى جبريل بقدح من الماء ويقول اضربه على وجهها فيضربه فتفر النار فيقول (يا جبرائيل من اين هذا الماء) فيقول انه من دموع العصاة: وفى المثنوى

تا نكريد ابر كى خندد چمن

تا نكريد طفل كى جوشد لبن «1»

طفل يك روزه همى داند طريق

كه بكريم تا رسد دايه شفيق

تو نمى دانى كه دايه دايكان

كم دهد بي كريه شير او را يكان

چون بر آرند از پشيمانى انين

عرش لرزد از أنين المذنبين «2»

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ من الألقاب المشرفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم اى يا ايها المخبر عن الله وعن أحكامه قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى جمع أسير- روى- انها نزلت فى العباس ابن عبد المطلب عم النبي عليه السلام وكان اسر يوم بدر وكان أحد العشرة الذين ضمنوا اطعام من خرج من مكة لحماية العير وكان يوم بدر قد خرج بعشرين اوقية من ذهب ليطعم بها الكفار فوقع القتال قبل ان يطعم بها وبقيت العشرون اوقية معه فاخذت منه فى الحرب فكلم النبي عليه السلام فى ان يحتسب العشرين اوقية من فدائه فابى وقال (اما شىء خرجت تستعين به علينا فلا اتركه لك) فكلفه ان يفدى نفسه بمائة اوقية زائد على فداء غيره لقطع الرحم وكلفه ان يفدى ايضا ابني أخويه عقيل بن ابى طالب ونوفل بن الحارث كل واحد بأربعين اوقية فقال يا محمد تركتنى اى صيرتنى اتكفف قريشا ما بقيت والتكفف هو ان يمد كفه يسأل الناس يعنى غنم المسلمون مالى وما بقي لى شىء حتى افدى نفسى وابني أخوي فقال (فاين الذهب الذي دفعته الى أم الفضل) يعنى زوجته (وقت خروجك من مكة وقلت لها انى لا أدرى ما يصيبنى فى وجهى هذا فان حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله والفضل وقنم) وهم ابناؤه فقال العباس وما يدريك قال (أخبرني به ربى) قال اشهد انك صادق وان لا اله الا الله وانك رسول الله والله لم يطلع عليه أحد الا الله ولقد دفعته إليها فى سواد الليل ولقد كنت مرتابا فى أمرك فاما إذا خبرتنى بذلك فلا ريب. والآية وان نزلت فى حق العباس خاصة الا ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب اى قل للعباس وعقيل وغيرهما من الأسارى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ايمانا وإخلاصا هذا الشك بالنسبة إلينا كما فى قوله عليه السلام (ان كنت تعلم) فى دعاء الاستخارة فان معناه ان تعلق علمك وإرادتك فلما كان تعلق هذا العلم مشكوكا بالنسبة الى العبد عبر عن هذا المعنى بما ترى هكذا سمعته من حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من الفداء وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال العباس

(1) در أوائل دفتر پنجم در بيان سبب رجوع كردن مهمان بخانه مصطفى صلى الله عليه وسلم إلخ.

(2)

در اواسط دفتر ششم دو بيان استعداد عارف سرچشمه حيات أبدى إلخ.

ص: 375

فابدلنى الله خيرا مما أخذ منى لى الآن عشرون عبدا وان ادباهم ليضرب اى يتجر فى عشرين الف درهم وأعطاني سقاية زمزم ما أحب ان لى بها جميع اموال اهل مكة أنجز لي أحد الوعدين وانا ارجوا ان ينجز لى الوعد الثاني اى انتظر المغفرة من ربى فانه لا خلاف فى وعد الكريم

خلاف وعده محالست كز كريم آيد

لئيم اگر نكند وعده وفا شايد

وَإِنْ يُرِيدُوا يعنى الأسرى خِيانَتَكَ اى نقض ما عاهدوك عليه من الإسلام بالارتداد على دين آبائهم فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ بكفرهم ونقض ما أخذ على كل عاقل من ميثاقه فى الأزل فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ان اقدر عليهم كما فعل يوم بدر فان أعادوا الخيانة فيمكنك منهم ايضا يقال مكنه من الشيء وامكنه منه اى اقدره عليه فتمكن منه وَاللَّهُ عَلِيمٌ فيعلم ما فى نياتهم وما يستحقونه من العقاب

برو علم يك ذره پوشيده نيست

كه پيدا و پنهان بنزدش يكيست

حَكِيمٌ يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه حكمته البالغة وفى بعض الروايات ان العباس كان قد اسلم قبل وقعة بدر ولكن لم يظهر إسلامه لانه كان له ديون متفرقة فى قريش وكان يخشى ان اظهر إسلامه ضياعها عندهم وانما كلفه النبي عليه السلام الفداء لانه كان عليه ظاهر الا له ولما كان يوم فتح مكة وقهرهم الإسلام اظهر إسلامه ولم يظهر النبي عليه السلام اسلام العباس رفقا به كيلا يضيع ماله عند قريش وكان قد استأذن النبي عليه السلام فى الهجرة فكتب اليه (يا عم أقم مكانك الذي أنت فيه فان الله تعالى يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة) فكان كذلك وفى الآية بيان قدرة الله تعالى وان مريد الخلاص من يد قهره فى الدنيا والآخرة لا يجد اليه سبيلا الا بالايمان والإخلاص فهو القادر القوى الخالق وما سواه العاجز الضعيف المخلوق وفى الخبران النبي عليه السلام قال (ان الله تعالى قال قل للقوى لا يعجبنك قوتك فان أعجبتك قوتك ادفع الموت عن نفسك وقل للعالم لا يعجبنك علمك فان أعجبك فاخبرنى متى أجلك وقل للغنى لا يعجبنك غناك فان أعجبك فاطعم خلقى غداء واحدا) وفى الآية اشارة الى النفوس المأسورة التي أسرت فى الجهاد الأكبر عند استيلاء سلطان الذكر عليها والظفر بها ان اطمأنت الى ذكر الله والعبودية والانقياد تحت أحكامه يؤتها الله نعيم الجنة ودرجاتها وهى خير من شهوات الدنيا ونعيمها وزينتها فان الدنيا ونعيمها فانية والجنة ونعيمها باقية وخيانة النفس التجاوز عن حد الشريعة والطريقة يقال ان متابعة سبعة اصناف أورثت سبعة أشياء. الاول ان متابعة النفس أورثت الندامة كما قال تعالى فى قتل قابيل هابيل فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ. والثاني ان متابعة الهوى أورثت البعد كما قال لبلعام وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يعنى فى البعد والخساسة والثالث ان متابعة الشهوات أورثت الكفر كما قال تعالى وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا يعنى الكفر. والرابع ان متابعة فرعون أورثت الغرق فى الدنيا والحرق فى الآخرة كما قال تعالى فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ الى قوله فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ. والخامس ان متابعة القادة الضالة أورثت الحسرة كما قال تعالى إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا الى قوله كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ. والسادس ان محبة النبي عليه السلام أورثت المحبة كما قال الله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ.

ص: 376

والسابع ان متابعة الشيطان أورثت جهنم كما قال تعالى إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بالله تعالى وبمحمد عليه الصلاة والسلام وبالقرآن وَهاجَرُوا أوطانهم وهى مكة حبا لله ولرسوله وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ بان صرفوها الى الكراع والسلاح وأنفقوها على المحاويج وَأَنْفُسِهِمْ بمباشرة القتال واقتحام المعارك والخوض فى المهالك ولعل تقديم الأموال على الأنفس لان المجاهدة بالأموال اكثر وقوعا وأتم دفعا للحاجة حيث لا تتصور المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالمال هكذا فى تفسير الإرشاد يقول الفقير أصلحه الله القدير وجه التقديم عندى ان المال من توابع النفس والوجود وتوابعها اقدم منها فى البذل. وفى الآية اسلوب الترقي من الأدنى الى الأعلى ولذا قال سادات الصوفية قدس الله أسرارهم بذل المال فى مقابلة توحيد الافعال وبذل الوجود فى مقابلة توحيد ذات المعبود فِي سَبِيلِ اللَّهِ متعلق بجاهدوا قيد لنوعى الجهاد والمراد بسبيل الله الطريق الموصل الى ثوابه وجناته ودرجاته وقرباته وهو انما يكون موصلا بالإخلاص فبذل المال والنفس بطريق الرياء لا يوصل الى رضى الله ذى العظمة والكبرياء اللهم اجعلنا من الذين جاهدوا فى سبيلك لا فى سبيل غيرك: قال الشيخ المغربي قدس سره

كل توحيد نرويد ز زمينى كه درو

خار شرك وحسد وكبر وريا وكين است

وَالَّذِينَ آوَوْا النبي والمهاجرين معه اى أعطوهم المأوى وانزلوهم ديارهم بالمدينة والإيواء الضم وَنَصَرُوا اى نصروهم على أعدائهم وأعانوهم بالسيف على الكفار فالاول فى حق المهاجرين والثاني فى حق الأنصار والأنصار كالعلم للقبيلتين الأوس والخزرج ولهذا جازت النسبة الى لفظ الجمع حيث قالوا الأنصاري نسبة الى الأنصار وسمعوا الأنصار لانهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد الأنصار نصير كشريف واشراف: قال السلطان سليم الاول

شاهنشه آن كدا كه بود خاك راه او

آزاد بنده كه كرفتار مصطفاست

آن سينه شاد كز غم او ساخت دل حزين

وآن جان عزيز كز پى إيثار مصطفاست

أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من النعوت الفاضلة بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ فى الميراث وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنصرة دون الأقارب حتى نسخ بقوله وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ اى اولى بميراث بعض من الأجانب. والحاصل ان التوارث فى الابتداء بالهجرة والنصرة لا بمجرد القرابة فكان المهاجر يرثه اخوه الأنصاري إذا لم يكن بالمدينة ولىّ مهاجرى ولا توارث بينه وبين قريبه المسلم غير المهاجري واستمر أمرهم كذلك الى ان فتحت مكة فسقطت فرضية الهجرة ثم توارثوا بالقرابة. فالاولياء جمع ولى كصديق وأصدقاء والولي من الولي بمعنى القرب والدنو فكأنه قيل بعضهم أقرباء بعض لاقرابة بينهم وبين من لم يؤمن ولا بين من آمن ولم يهاجر كما قال تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا كسائر المؤمنين ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ اى من توليهم فى الميراث وان كانوا من اقرب

ص: 377

أقاربكم حَتَّى يُهاجِرُوا ولما بين تعالى ان منكم المؤمن الذي لم يهاجر انقطاع الولاية بينه وبين المؤمنين وتوهم انه يجب ان يتحقق بينهم التقاطع التام لتحققه بينه وبين الكفار أزال هذا الوهم بقوله وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ اى ان طلب منكم المؤمنون الذين لم يهاجروا النصرة فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ اى فوجب عليكم نصرهم على من يعاديهم فى الدين إِلَّا عَلى قَوْمٍ منهم بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ اى الا إذا كان من يعاديهم ويحاربهم من الكفار بينهم وبينكم عهد موثق فحينئذ يجب عليكم الوفاء بالعهد وترك المحاربة معهم ولا يلزمكم نصر الذين آمنوا ولم يهاجروا عليهم بل الإصلاح بينهم على وجه غير القتال وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فلا تخالفوا امره كيلا يحل بكم عقابه وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ آخر فى الميراث منطوق الآية اثبات الموالاة بين الكفار والكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الايمان فالمراد منه بطريق المفهوم المخالف نهى المسلمين عن موالاتهم وموارثتهم وإيجاب المباعدة بينهم ان وجد بينهم قرابة نسبية لان الموالاة بين الكفار مبنية على التناسب فى الكفر كما انها بين المؤمنين مبنية على التناسب فى الايمان فكما لا مناسبة بين الكفر والايمان من حيث ان الاول ظلمة والثاني نور فكذا لا مناسبة بين أهلهما فان الكافر عدو الله والمؤمن ولى الله فوجب التقاطع وازالة الوصلة من غير الجنس: قال الحافظ

نخست موعظه پير صحبت اين پندست

كه از مصاحب نا جنس احتراز كنيد

إِلَّا اى ان لا إِلَّا تَفْعَلُوهُ اى ما أمرتم به من التواصل بينكم وتولى بعضكم بعضا حتى فى التوارث ومن قطع العلائق بينكم وبين الكفار تَكُنْ تامة فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ اى تحصل فتنة عظيمة فيها وهى ضعف الايمان وظهور الكفر وَفَسادٌ كَبِيرٌ فى الدارين وفيه اشارة الى مساعدة طالب النصرة بأى وجه كان فان تركها يؤدى الى الخسران وارتفاع الامان وفى الحديث (انصر أخاك ظالما او مظلوما) ونصرة الظالم بنهيه عن الظلم وفى فتاوى ضيخان إذا وقع النفير من قبل الروم فعلى كل من يقدر على القتال ان يخرج الى الغزو إذا ملك الزاد والراحلة ولا يجوز له التخلف الا بعذر بين انتهى. وكما انه لا كلام فى فضيلة الاعانة والامداد كذلك لا كلام فى الهجرة الى ما يقوم به دين المرء من البلاد- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما نزل بالمسلمين من توالى الأذى عليهم من كفار قريش مع عدم قدرته على إنقاذهم مما هم فيه قال لهم (تفرقوا فى الأرض فان الله سيجمعكم) قالوا الى اين تذهب قال (هاهنا) وأشار بيده الى جهة الحبشة وفى رواية قال لهم (اخرجوا الى ارض الحبشة فان بها ملكا عظيما لا يظلم عنده أحد وهى ارض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه) يقول الفقير أصلحه الله القدير سمعت من حضرة شيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة انه قال لو كان لى مال لهاجرت من قسطنطينية الى ارض الهند لانه لا فائدة فى الاقامة مع سلطان لا غيرة له أصلا من جهة الدين ثم ذكر تورع سلطان الهند وهذا الكلام مطابق للشريعة والطريقة. وقد قال بعض الكبار ان الأولياء لا يقيمون فى بلاد الظلم وجاء فى الحديث (من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق أبيه خليل الله ابراهيم ونبيه محمد عليهما الصلاة والسلام)

ص: 378

فهاجر الى الحبشة ناس من مخافة الفتنة وفرارا الى الله تعالى بدينهم منهم من هاجر الى الله باهله ومنهم من هاجر بنفسه وهى الهجرة الاولى فمن آمن بان طلب الله تعالى حق واجب هاجر من غير الله فهاجر من أفعاله القبيحة الطبيعية الى الافعال الحسنة الشرعية ومن الأوصاف الذميمة الى الأخلاق الحميدة ومن الوجود المجازى الى الوجود الحقيقي وبذل ماله ونفسه فى طلب الحق وترك كل باطل هو غير الحق: قال السيد البخاري قدس سره

هست تاج عارفان اندر جهان از چار ترك

ترك دنيا ترك عقبا ترك هستى ترك ترك

وفى الحديث (كان فيما كان قبلكم رجل قتل تسعا وتسعين نفسا فسال عن اعلم اهل الأرض فدل على راهب فاتاه فقال انه قتل تسعا وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به المائة ثم سأل عن اعلم اهل الأرض فدل على رجل عالم فقال انه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينك وبين التوبة انطلق الى ارض كذا وكذا فان بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجع الى أرضك فانها ارض سوء فانطلق حتى إذا بلغ نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه الى الله وقالت ملائكة العذاب انه لم يعمل خيرا قط فاتاهم ملك فى صورة آدمي فجعلوه بينهم حكما فقال قيسوا ما بين الأرضين فالى أيتهما كان ادنى فهو لها فقاسوه فوجدوه ادنى الى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة) وفى رواية (فاوحى الله الى هذه ان تباعدى والى هذه ان تقربى) فان قلت الظاهر من الحديث انه قبلت توبة ذلك الرجل وهذا مخالف لما ثبت فى الشرع من ان حقوق العباد لا تسقط بالتوبة قلنا إذا تاب ظالم لغيره وقبل الله توبته يغفر له ذنب مخالفة امر الله وما بقي عليه من حق العبد فهو فى مشيئة الله ان شاء أخذ حقه منه والحديث من القسم الاول وعلى تقدير الإرضاء لا يكون ساقطا ايضا لاخذه عوضه من الله وفى الحديث استجاب ان يفارق التائب موضع الذنب والمساعدين ويستبدل منهم صحبة اهل الصلاح اللهم اجعلنا من المهاجرين والحقنا بعبادك الصالحين وَالَّذِينَ آمَنُوا بجميع ما يجب ان يؤمن به اجمالا وتفصيلا وَهاجَرُوا أوطانهم تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبا لمرضاة الله وَجاهَدُوا الكفار والمجاهدة. والجهاد [با كسى كار زار كردن در راه خداى] فِي سَبِيلِ اللَّهِ هو دين الإسلام والإخلاص الموصلان الى الجنة ودرجاتها وَالَّذِينَ آوَوْا اى ضموا المؤمنين الى أنفسهم فى مساكنهم ومنازلهم وواسوهم يقال أويت منزلى واليه او يا نزلته بنفسي وسكنته واوّيته أنزلته والمأوى المكان فالايواء بالفارسية [جايكاه دادن] وَنَصَرُوا اى أعانوهم على أعدائهم فالموصول الاول عبارة عن المهاجرين الأولين والثاني عن الأنصار كما سبق أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ايمانا حَقًّا لانهم حققوا ايمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة والجهاد وبذل المال ونصرة الحق. فالآية الاولى مذكورة لبيان حكمهم وهو انهم يتوارثون ويتولى بعضهم بعضا فى الميراث. وهذه الآية مذكورة لبيان ان الكاملين فى الايمان منهم هم الهاجرون الأولون والأنصار لا غيرهم فلا تكرار لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ اى واسع كثير يطعمهم الله تعالى

ص: 379

فى الجنة طعاما يصير كالمسك وشجا ولا يستحيل فى أجوافهم نجوا وهو ما يخرج من البطن من ريح او غائط تم ألحق بهم فى الامرين من سيلحق بهم ويتسم بسمتهم فقال وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ اى من بعد الهجرة الاولى وَهاجَرُوا بعد هجرتكم وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فى بعض مغازيكم فَأُولئِكَ مِنْكُمْ اى من جملتكم ايها المهاجرون والأنصار وهم الذين جاؤا من بعدهم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ألحقهم الله بالسابقين وجعلهم منهم تفضلا منه وترغيبا فى الايمان والهجرة- روى- ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار فكان المهاجر يرثه اخوه الأنصاري دون قريبه الغير المهاجر وان كان مسلما فنسخ الله تعالى ذلك الحكم بقوله وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ آخر منهم فى التوارث من الأجانب فِي كِتابِ اللَّهِ اى فى حكمه إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ومن جملته ما فى تعليق التوارث بالقرابة الدينية اولا وبالقرابة النسبية آخرا من الحكم البالغة

نه در احكام اوست چون و چرا

نه در افعال او چكونه و چند

اعلم ان المهاجرين الأولين من حيث انهم أسسوا قاعدة الايمان واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الأنصار يدل عليه قوله عليه السلام (لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار) فان المراد منه إكرام الأنصار بان لا رتبة بعد الهجرة أعلى من نصرة الدين. والمهاجرون على طبقات منهم من هاجر معه عليه السلام او بعد هجرته قبل صلح الحديبية وهو فى سنة ثنتين من الهجرة وهم المهاجرون الأولون. ومنهم من هاجر بعد صلح الحديبية قبل فتح مكة وهم اهل الهجرة الثانية. ومنهم ذو هجرتين هجرة الى الحبشة وهجرة الى المدينة وكانت الهجرة الى المدينة بعد ان هاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضا على المؤمن المستطيع ليكون فى سعة امر دينه ولينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إعلاء كلمة الله فلما فتح مكة أعلمهم بان الهجرة المفروضة قد انقطعت وانه ليس لاحد بعد ذلك ان ينال فضيلة الهجرة وان ينازع المهاجرين فى مراتبهم واما الهجرة التي تكون من المسلم لصلاح دينه الى مكة او الى غيرها فانها باقية ابد الدهر غير منقطعة وفى الحديث (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد دينى) وفى الحديث (من زارنى بعد موتى فكأنما زارنى فى حياتى ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة) وروى الامام فى الاحياء ان النبي عليه الصلاة والسلام لما عاد الى مكة استقبل الكعبة وقال انك خير ارض الله وأحب بلاد الله الىّ ولولا انى أخرجت منك ما خرجت فما هو محبوب للنبى عليه السلام محبوب لامته ايضا فالاقامة بمكة مع الوفاء بحق المقام أفضل كيف لا والنظر الى البيت عبادة والحسنات فيها مضاعفة وللقاصر عن القيام بحق الموضع ترك الاقامة فان بعض العلماء كرهها لمثله- حكى- ان عمر بن عبد العزيز وأمثاله من الأمراء كان يضرب فسطاطين فسطاطا فى الحل وفسطاطا فى الحرم فاذا أراد ان يصلى او يعمل شيأ من الطاعات دخل فسطاط الحرم رعاية لفضل المسجد الحرام وإذا أراد ان يأكل او يتكلم او غير ذلك خرج الى فسطاط الحل ومقدار الحرم من قبل المشرق ستة أميال ومن الجانب الثاني اثنى عشر

ص: 380