المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة الأعراف - روح البيان - جـ ٣

[إسماعيل حقي]

الفصل: ‌تفسير سورة الأعراف

خرج فارا الى الله تعالى ليتنى أراه ولو مرة واحدة وتخرج نفسى عند ذلك هيهات وخنقته العبرة وقال والله اودّ انى رأيته وأموت فى مكانى قال ثم رجعت الى ابراهيم وهو ساجد فى المقام وقد بل الحصى بدموعه وهو يتضرع الى الله تعالى ويقول

هجرت الخلق طرا فى هواك

وأيتمت العيال لكى أراك

فلو قطعتنى فى الحب اربا

لما سكن الفؤاد الى سواك

قال فقلت له ادع له فقال حجبه الله عن معاصيه وأعانه على ما يرضيه انتهى فانظر الى حال من ترك السلطنة واختار الفقر والقناعة وأنت تؤثر الغنى والمقال على الفقر والحال وفى الحديث (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) اى قدر ما يمسك الرمق وقيل القوت هو الكفاية من غير إسراف وفيه بيان ان الكفاف أفضل من الغنى لان النبي عليه السلام انما يدعو لنفسه بأفضل الأحوال: قال الحافظ

درين بازار كر سوديست يا درويش خرسندست

الهى منعمم كردان بدرويشى وخرسندى

جعلنا الله وإياكم من المقتفين لآثار سنة سيد المرسلين وحقق آمالنا من الوصول الى مقام التوكل واليقين انه لا يخيب رجاء سائله وداعيه ولا يقطع اجر عبده فى كل مساعيه تمت سورة الانعام بمعونة الملك العلام فى سلخ جمادى الاولى المنتظم فى سلك شهور سنة الف ومائة ويتلوها سورة الأعراف

‌تفسير سورة الأعراف

وهى مكية الا ثمانى آيات من قوله وَسْئَلْهُمْ الى وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ محكم كلها وقيل الى قوله وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وآيها مائتان وخمس وقفنا الله لختمها تقريرا وتحريرا آمين يا معين بسم الله الرحمن الرحيم

المص (ا) اشارة الى الذات الاحدية (ل) الى الذات مع صفة العلم (م) الى معنى محمد صلى الله عليه وسلم اى نفسه وحقيقته (ص) الى الصورة المحمدية وهى جسده وظاهره وعن ابن عباس رضى الله عنهما (ص) جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن حين لا ليل ولا نهار أشار بالجبل الى جسد محمد صلى الله عليه وسلم. وبعرش الرحمن الى قلبه كما ورد فى الحديث (قلب المؤمن عرش الله) . وقوله حين لا ليل ولانهار اشارة الى الوحدة لان القلب إذا وقع فى ظل ارض النفس واحتجب بظلمة صفاتها كان فى الليل وإذا طلع عليه نور شمس الروح واستضاء بضوئه كان فى النهار وإذا وصل الى الوحدة الحقيقية بالمعرفة والشهور الذاتي واستوى عنده النور والظلمة لفناء الكل فيه كان وقته لا ليل ولا نهار ولا يكون عرش الرحمن الا فى هذا الوقت. فمعنى الآية ان وجود الكل من اوله الى آخره كتاب انزل إليك علمه كذا فى التأويلات القاشانية وقال الشيخ نجم الدين انه تعالى بعد ذكر ذاته وصفاته بقوله بسم الله الرحمن الرحيم عرف نفسه بقوله المص يعنى الله اله من لطفه فرد عبده للمحبة والمعرفة وأنعم عليه بالصبر والصدق لقبول كمالية المعرفة والمحبة بواسطة كتاب انزل إليك انتهى وقال فى تفسير الفارسي [المص: نام قرآنست. يا اسم اين سوره.

ص: 133

يا هر حرفى اشارتست باسمي از أسماى الهى چون اله ولطيف وملك وصبور. يا هر حرفى كنايتست از صفتى چون إكرام ولطف ومجد وصدق. يا ايمايست باسم المصور. يا بعض حروف دلالت بر اسما دارد بعض بر افعال وتقدير چنان بود كه انا الله اعلم وأفضل منم خداى كه ميدانم وبيان ميكنم يا از همه داناترم وحق از باطل جدا ميكردانم در حقايق سلمى كويد كه. الف ازلست. ولام ابد. وميم ما بين ازل وابد. وصاد اشارتست باتصال هر متصلى وانفصال هر منفصلى وفى الحقيقة نه اتصال را مجال كنجايش ونه انفصال را محل نمايش]

اين چهـ راهست اين برون از فصل ووصل

كاندرونى فرع مى كنجد نه اصل

نى معانى نى عبارت نى عيان

نى حقائق نى اشارت نى بيان

بر ترست از مدركات عقل ووهم

لا جرم كم كشت در وى فكر وفهم

چون بكلى روى كفت وكوى نيست

هيچكس را جز خموشى روى نيست

يقول الفقير غفر الله ذنوبه ان الحروف المقطعة من المتشابهات القرآنية التي غاب علمها عن العقول وانما اعطى فهمها لاهل الوصول وكل ما قيل فيها فهو من لوازم معانيها وحقائقها فلنا ان نقول ان فيها اشارة الى ان هذا التركيب الصفاتى والفعلى الواحدي الابدى كان افرادا فى مرتبة الوحدة الذاتية الازلية فبالتجلى الإلهي صار المفرد مركبا والمقطع موصلا والقوة فعلا والجمع فرقا وتعين النسب والإضافات كما ان اصل المركبات الكلامية هو حروف التهجي ثم بالتركيب يحصل اب ثم ابجد ثم الحمد لله وكما ان اصل الإنسان بالنسبة الى تعين الجسم هو النطفة ثم بالتصوير يحصل التركيب الجسمى والله اعلم كِتابٌ اى هذا كتاب أُنْزِلَ إِلَيْكَ اى من جهته تعالى فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ اى شك ما فى حقيقته كما فى قوله تعالى فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ خلا انه عبر عنه بما يلازمه من الحرج فان الشاك يعتريه ضيق الصدر كما ان المتيقن يعتريه انشراحه خاطب به النبي عليه السلام والمراد الامة اى لا ترتابوا ولا تشكوا. قوله منه متعلق بحرج يقال حرج منه اى ضاق به صدره ويجوز ان يكون الحرج على حقيقته اى لا يكن فيك ضيق صدر من تبليغه مخافة ان يكذبوك فانه عليه السلام كان يخاف تكذيب قومه له واعراضهم عنه فكان يضيق صدره من الأداء ولا ينبسط له فامنه الله تعالى ونهاه عن المبالاة بهم لِتُنْذِرَ بِهِ اى بالكتاب المنزل متعلق بانزل وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ اى ولتذكر المؤمنين تذكيرا اتَّبِعُوا ايها المكلفون ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ يعنى القرآن وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ اى من دون ربكم الذي انزل إليكم ما يهديكم الى الحق وهو حال من الفاعل اى لا تتبعوا متجاوزين الله تعالى أَوْلِياءَ من الجن والانس بإطاعتهم فى معصية الله قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ بحذف احدى التاءين وما مزيد لتأكيد العلة اى تذكرا قليلا او زمانا قليلا تذكرون لا كثيرا حيث لا تتأثرون بذلك ولا تعملون بموجبه وتتركون دين الله تعالى وتتبعون غيره ثم شرع فى التهديد ان لم يتعظوا بما جرى على الأمم الماضية بسبب إصرارهم على اتباع دين أوليائهم فقال وَكَمْ للتكثير مبتدأ والخبر هو جملة ما بعدها مِنْ قَرْيَةٍ تمييز أَهْلَكْناها الضمير راجع الى معنى كم اى كثير من القرى أردنا

ص: 134

اهلاكها او كثيرا منها على ان يكون كم فى موضع نصب باهلكناها كما فى قوله تعالى إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ فَجاءَها اى فجاء أهلها بَأْسُنا اى عذابنا بَياتاً مصدر بمعنى الفاعل واقع موقع الحال اى بائتين كقوم لوط قال الحدادي سمى الليل بياتا لانه يبات فيه والبيتوتة خلاف الظلول وهو ان يدركك الليل نمت او لم تنم وهى بالفارسية [شب كذاشتن] أَوْ هُمْ قائِلُونَ عطف على بياتا اى قائلين من القيلولة نصف النهار كقوم شعيب اهلكهم الله فى نصف النهار وفى حر شديد وهم قائلون قال فى التفسير الفارسي [تخصيص اين دو وقت بجهت آنست كه زمان آسايش واستراحتند وتصور وتوقع عذاب در ان نيست پس بليه غير منتظر صعبتر وسخت تر است چنانچهـ نعمت غير مترقب خوبتر ولذيذترست] فَما كانَ دَعْواهُمْ اى دعاؤهم وتضرعهم إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا عذابنا وعاينوا اماراته إِلَّا أَنْ قالُوا جميعا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ اى الا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وشهادتهم ببطلانه تحسرا عليه وندامة وطمعا فى الخلاص وهيهات لانه لا تنفع التوبة وقت نزول العذاب إذ هو وارتفاع التكليف مقارنان وقوم يونس مستثنى من هذا كما يجىء: وفى المثنوى

همچوآن مرد مفلسف روز مرك

عقل را مى ديد بس بي بال وبرك

بي غرض مى كرد آندم اعتراف

كز ذكاوت رانده ايم اسب از كزاف

از غرورى سر كشيديم از رجال

آشنا كرديم در بحر خيال

آشنا هيچست اندر بحر روح

نيست آنجا چاره جز كشتى نوح

اينچنين فرموده آن شاه رسل

كه منم كشتى درين درياى كل

با كسى كو در بصيرتهاى من

شد خليفه راستين بر جاى من

كشتىء نوحيم در دريا كه تا

رو نكردانى ز كشتى اى فتى

فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ الفاء لترتيب الأحوال الاخروية على الدنيوية اى لنسألن الأمم قاطبة يوم الحشر قائلين ماذا أجبتم المرسلين وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ عما أجيبوه او المراد بالسؤال توبيخ الكفرة وتقريعهم والذي نفى بقوله تعالى وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ سؤال الاستعلام او الاول فى موقف الحساب والثاني فى موقف العقاب وفى التفسير الكبير انهم لا يسألون عن الأعمال ولكن يسألون عن الدواعي التي دعتهم الى الأعمال وعن الصوارف التي صرفتهم عنها فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ اى على الرسل حين يقولون لا علم لنا انك أنت علام الغيوب بِعِلْمٍ اى عالمين بظواهرهم وبواطنهم وَما كُنَّا غائِبِينَ عنهم فى حال من الأحوال فيخفى علينا شىء من أعمالهم وأحوالهم واعلم ان الرسل يقولون يوم الحشر اللهم سلم سلم ويخافون أشد الخوف على أممهم ويخافون على أنفسهم والمطهرون المحفوظون الذين ما تدنست بواطنهم بالشبه المضلة ولا ظواهرهم ايضا بالمخالفات الشرعية آمنون يغبطهم النبيون فى الذي هم عليه من الامن لما هم اى النبيون عليه من الخوف على أممهم فمن لقى الله تعالى فى ذلك اليوم شاهدا له بالإخلاص مقرا بنبيه صلى الله عليه وسلم بريئا من الشرك ومن السحر بريئا من اهراق دماء المسلمين ناصحا لله تعالى ولرسوله محبا لمن أطاع الله ورسوله مبغضا لمن عصى الله

ص: 135

ورسوله استظل تحت ظل عرش الرحمن ونجا من الغم ومن حاد عن ذلك ووقع فى شىء من هذه الذنوب بكلمة واحدة او تغير قلبه او شك فى شىء من دينه بقي الف سنة فى الحر والهم والعذاب حتى يقضى الله فيه بما يشاء- روى- ان ملكا من ملوك كندة كان طويل المصاحبة للهو واللذات كثير العكوف على اللعب فركب يوما للاصطياد او غيره فانقطع عن أصحابه فاذا هو برجل جالس قد جمع عظاما من عظام الموتى وهى بين يديه يقلبها فقال ما قصتك ايها الرجل وما الذي بلغ بك ما ارى من سوء الحال ويبس الجلد وتغير اللون والانفراد فى هذه الفلاة فقال اماما ذكرت من ذلك فلانى على جناح سفر بعيد وبي موكلان مزعجان يحدوان بي الى منزل كبيت النمل مظلم القعر كريه المقر يسلمانى الى مصاحبة البلى ومجاورة الهلكى تحت أطباق الثرى فلو تركت بذلك المنزل مع ضيقه ووحشته وارتعاء حشاش الأرض من لحمى حتى أعود رفاتا وتصير اعظمى رماما لكان للبلى انقضاء وللشقاء نهاية ولكنى ادفع بعد ذلك الى صيحة الحشر واردا طول مواقف الجرائم ثم لا أدرى الى أي الدارين يؤمر بي فأى حال يلتذ به من يكون هذا الأمر مصيره فلما سمع الملك كلامه القى نفسه عن فرسه وجلس بين يدى وقال ايها الرجل لقد كدّر مقالك على صفو عيشى وملك قلبى فاعد علىّ بعض قولك فقال له اما ترى هذه التي بين يدى قال بلى قال هذه عظام ملوك غرتهم الدنيا بزخرفها واستحوذت على قلوبهم بغرورها فالهتهم عن التأهب لهذه المصارع حتى فاجأتهم الآجال وخذلتهم الآمال وسلبتهم بهاء النعمة وستنشر هذه العظام فتعود أجساما ثم تجازى باعمالها فاما الى دار النعيم والقرار واما الى دار العذاب والبوار ثم غاب الرجل فلم يدر اين ذهب وتلاحق اصحاب الملك به وقد تغير لونه وتواصلت عبراته فلما جن عليه الليل نزع ما عليه من لباس الملك ولبس طمرين وخرج تحت الليل فكان آخر العهد به وانشدوا

أفنى القرون التي كانت منعمة

كر اللييلات إقبالا وإدبارا

يا راقد الليل مسرورا باوله

ان الحوادث قد يطرقن اسحارا

لا تأمنن بليل طاب اوله

فرب آخر ليل أجج النارا

قال الامام زين العابدين. عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ويكون غدا جيفة. وعجبت كل العجب لمن شك فى الله وهو يرى خلقه. وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الآخرة وهو يرى النشأة الاولى. وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء فعلى العاقل ان يعتبر بمن مضى قبل ان يجيىء على رأسه القضاء ويجتهد فى طريق الحق ذاكرا له فى الغدو والرواح ويتهيأ للموت قبل نزوله والوقت يمضى كالرياح فاين الذين وقعوا فى انكار الرسل وتكذيب الأنبياء مضوا والله الى دار الجزاء وسينقضى الزمان كله فلا يبقى أحد على بساط العالم من ملك وجن وبنى آدم وتطوى صحائف الأعمال وتنشر يوم السؤال ويظهر كل جليل ودقيق فيا شقاوة اهل الخذلان ويا سعادة اهل التوفيق اللهم انا نسألك مراقبة الأوقات ومحافظة الطاعات والتمشى على الصراط السوي فى المسلك الصوري والمعنوي فاعن الضعفاء يا قوى آمين يا معين وَالْوَزْنُ اى وزن الأعمال والتمييز بين

ص: 136

راجحها وخفيفها وجيدها ورديها والمعنى بالفارسيه (سنجيدن اعمال هر يك) يَوْمَئِذٍ اى يوم القيامة الْحَقُّ بالفارسية [راستست وبودنى] فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ اى حسناته التي توزن فهو جمع موزون ويجوز ان يكون جمع ميزان باعتبار اختلاف الموزونات وتعدد الوزن وقال فى التأويلات النجمية وانما قال موازينه بالجمع لان كل عبد ينصب له موازين بالقسط تناسب حالاته فلبدنه ميزان يوزن به أوصافه ولروحه ميزان يوزن به نعوته ولسره ميزان يوزن به أحواله ولخفيه ميزان يوزن به أخلاقه والخفي لطيفة روحانية قابلة لفيض الأخلاق الربانية ولهذا قال عليه السلام (ما وضع فى الميزان أثقل من حسن الخلق) وذلك لانه ليس من نعوت المخلوقين بل هو من اخلاق رب العالمين والعباد مأمورون بالتخلق بأخلاقه فَأُولئِكَ الجمع باعتبار معنى من هُمُ ضمير فصل يفيد اختصاص المسند بالمسند اليه الْمُفْلِحُونَ الفائزون بالنجاة والثواب وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ بالفارسية [عملهاى وزن كرده او وآن سبكى بمعصيت خواهد بود فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بتضييع الفطرة السليمة التي فطرت عليها واقتراف ما عرضها للعذاب قال الحدادي الخسران اذهاب رأس المال ورأس مال الإنسان نفسه فاذا هلك بسوء عمله فقد حسر نفسه بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ يعنى وضعوا التكذيب بها موضع التصديق. قوله بما متعلق بخسروا وما مصدرية وبآياتنا متعلق بيظلمون على تضمين معنى التكذيب قال فى التأويلات النجمية الوزن عند الله يوم القيامة لاهل الحق وارباب الصدق واعمال البر فلا وزن للباطل واهله ويدل عليه قوله تعالى فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً- وروى- انه يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فيوزن فلا يزن جناح بعوضة انتهى وهذه الرواية تدل على ان الموزون هو الاشخاص كما ذهب اليه بعض العلماء ولكن الجمهور على ان صحائف الأعمال هى التي توزن بميزان له لسان وكفتان ينظر اليه الخلائق إظهارا للمعدلة وقطعا للمعذرة كما يسألهم عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وجوارحهم وتشهد عليهم الأنبياء والملائكة والاشهاد وكما تثبت فى صحائفهم فيقرأونها فى موقف الحساب ويؤيده ما روى ان الرجل يؤتى به الى الميزان فينشر له تسعة وتسعون سجلا مدى البصر فتخرج له بطاقة فيها كلمتا الشهادة فتوضع السجلات فى كفة والبطاقة فى كفة فيطيش السجلات وتثقل البطاقة والبطاقة رقعة صغيرة وهى ما يجعل فى طى الثوب يكتب فيها ثمنه- روى- ان داود عليه السلام سأل ربه ان يريه الميزان الذي ينصب يوم القيامة فرأى كل كفة ملىء ما بين المشرق والمغرب فغشى عليه فلما أفاق قال الهى من يقدر ان يملأ كفته بالحسنات فقال الله تعالى يا داود إذا رضيت عن عبدى ملأتها بتمرة من صدقة وقال فى التفسير الفارسي [در تبيان از ابن عباس نقل ميكند كه درازى عمود ميزان پنجاه هزار ساله راهست وكفين او يكى از نورست ويكى از ظلمت حسنات در پله نور نهند وسيآت در پله ظلمت]- ويحكى- عن بعضهم انه قال رأيت بعضهم فى المنام فقلت ما فعل الله بك فقال وزنت حسناتى فرجحت السيئات على الحسنات فجاءت صرة من السماء وسقطت فى كفة الحسنات فرجحت فحللت

ص: 137

الصرة فاذا فيها كف تراب ألقيته فى قبر مسلم ويجاء بعمل الرجل فيوضع فى كفة ميزانه فيخف فيجاء بشىء أمثال الغمام فيوضع فى كفة ميزانه فترجح فيقال له أتدري ما هذا فيقول لا فيقال له هذا فضل العلم الذي كنت تعلمه الناس وتستوى كفتا الميزان لرجل فيقول الله تعالى لست من اهل الجنة ولا من اهل النار فيأتى الملك بصحيفة فيضعها فى كفة الميزان فيها مكتوب أف فيترجح على الحسنات لانها كلمة عقوق ترجح بها جبال الدنيا فيؤمر به الى النار فيطلب الرجل ان يرد الى الله تعالى فيقول ردوه فيقول ايها العبد العاق لأى شىء تطلب الرد الى فيقول الهى رأيت انى سائر الى النار وان لا بدلى منها وكنت عاقا لأبى وهو سائر الى النار مثلى فضعف على به عذابى وأنقذه منها فيضحك الله تعالى ويقول عققته فى الدنيا وبررته الآخرة خذ بيد أبيك وانطلق الى الجنة: قال الحافظ

طمع ز فيض كرامت مبر كه خلق كريم

كنه ببخشد وبر عاشقان ببخشايد

واعلم ان السبعين الالف الذين يدخلون الجنة بلا حساب لا يرفع لهم ميزان وكذا يؤتى باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان فيصب لهم الاجر صبا حتى ان اهل العافية ليتمنون فى الموقف ان أجسامهم قد قرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله فهم يكونون تحت شجرة فى الجنة تسمى شجرة البلوى قال الله تعالى إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ قال ارباب التحقيق التوحيد الرسمى يدخل فى الميزان لانه يوجد له ضد كما أشير اليه بحديث صاحب السجلات واما التوحيد الحقيقي فلا يدخل فى الميزان لانه لا يعادله شىء إذ لا يجتمع ايمان وكفر بخلاف ايمان وسيآت ولهذا كانت لا اله الا الله أفضل الاذكار فالذكر بها أفضل من الذكر بكلمة الله الله وهو هو عند العلماء بالله لانها جامعة بين النفي والإثبات وحاوية على زيادة العلم والمعرفة فمن نفى بلا اله عين الخلق حكما لا علما فقد أثبت كون الحق حكما وعلما والا له من له جميع الأسماء وما هو الا عين واحدة هى مسمى الله الذي بيده ميزان الرفع والخفض قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره لا تدخل الموازين الا اعمال الجوارح وهى سبع السمع والبصر واللسان واليد والبطن والفرج والرجل. واما الأعمال المعنوية فلا تدخل الميزان المحسوس لكن يقام فيها العدل وهو الميزان المعنوي فحس لحس ومعنى لمعنى يقابل كل شىء بشاكلته قال العلماء إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال لان الوزن للجزاء ينبغى ان يكون بعد المحاسبة فان المحاسبة لتقرير الأعمال والوزن لاظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها كذا فى تفسير الفاتحة للمولى الفنارى فعلى العاقل ان يسارع الى الطاعات ويبادر الى الحسنات خصوصا الى احسن الحسنات وهو كلمتا الشهادة ليكون ممن ثقلت موازينه ويدخل فى زمرة المفلحين وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ اى جعلنا لكم منها مكانا وقرارا وأقدرناكم على التصرف فيها على أي وجه شئتم وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ اى انشأنا وأبدعنا لمصالحكم ومنافعكم فيها أسبابا تعيشون بها جمع معيشة وهى ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرهما والخطاب لقريش فانه تعالى فضلهم على العرب بان مكنهم من الرحلة الى الشام او ان الصيف ومن الرحلة الى اليمن او ان الشتاء آمنين بسبب كونهم سكان حرم الله

ص: 138

تعالى ومجاورى بيته الشريف ويتخطف الناس من حولهم فيتجرون بتينك الرحلتين ويكسبون ما يكون سببا لحياتهم من المآكل والمشارب والملابس وغيرها قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ

فيما صنعت إليكم والاشارة ان التمكين لفظ جامع للتمليك والتسليط والقدرة على تحصيل اسباب كل خير وسعادة دنيوية كانت او اخروية وكمال استعداد المعرفة والمحبة والطلب والسير الى الله ونيل الوصول والوصال ما تشرف بهذا التمكين الا الإنسان وبه كرم وفضل وبه يتم امر خلافته ولهذا امر الملائكة بسجود آدم وبه من الله على أولاده بقوله لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ اى سيرناكم ووهبنا لكم فى خلافة الأرض ما لم نمكن أحدا غيركم فى الأرض من الحيوانات ولا فى السماء من الملائكة وجعلنا لكم خاصة فيها معايش اى جعلنا لكل صنف من الملك والحيوان والشيطان معيشة يعيش بها او جعلنا لكم فيها معايش لان الإنسان مجموع من الملكية والحيوانية والشيطانية والانسانية فمعيشة الملك هى معيشة روحه ومعيشة الحيوان هى معيشة بدنه ومعيشة الشيطان هى معيشة نفسه الامارة بالسوء ولما حصل للانسان بهذا التركيب مراتب الانسانية وانها لم تكن لكل واحد من الملك والحيوان والشيطان وهى القلب والسر والخفي فمعيشة قلبه هى الشهود ومعيشة سره هى الكشوف ومعيشة خفيه هى الوصال والوصول قليلا ما تشكرون اى قليلا منكم من يشكر هذه النعم اى نعمة التمكن ونعمة المعايش برؤية هذه النعم والتحدث بها فان رؤية النعم شكرها والتحدث بالنعم ايضا شكر كذا فى التأويلات النجمية

نعمت بسى وشكر كزارنده اندكست

كوينده سپاس الهى ز صد يكست

واعلم ان النعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها ولا يؤدى شكرها- روى- ان بعض الأنبياء عليهم السلام سأل الله تعالى عن امر بلعم وطرده بعد تلك الآيات والكرامات فقال الله تعالى لم يشكرنى يوما من الأيام على ما أعطيته ولو شكرنى على ذلك مرة لما سلبته فتيقظ ايها الرجل واحتفظ بركن الشكر جدا جدا واحمد الله على مننه التي أعلاها الإسلام والمعرفة وأدناها مثلا توفيق لتسبيح او عصمة من كلمة لا تعنيك عسى ان يتم نعمه عليك ولا يبتليك بمرارة الزوال فان امر الأمور وأصعبها الاهانة بعد الكرام والطرد بعد التقريب والفراق بعد الوصال: قال السعدي قدس سره

نداند كسى قدر روز خوشى

مكر روزى افتد بسختى كشى

مكن تكيه بر دستكاهى كه هست

كه باشد كه نعمت نماند بدست

بسا اهل دولت ببازى نشت

كه دولت برفتش ببازى ز دست

فضيحت بود خوشه اندوختن

پس از خرمن خويشتن سوختن

تو پيش از عقوبت در عفو كوب

كه سودى ندارد فغان زير چوب

اگر بنده كوشش كند بنده وار

عزيزش ندارد خداوند كار

وكر كند رايت در بندگى

ز جاندارى افتد بجر بندگى

اللهم احفظنا من الكفران ووفقنا للشكر كل حين وآن وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ اى

ص: 139

خلقنا اباءكم آدم طينا غير مصور بصورته المخصوصة ثم صورناه عبر عن خلق نفس آدم وتصويره بخلق الكل وتصويرهم تنزيلا لخلقه وتصويره منزلة خلق الكل وتصويرهم من حيث ان المقصود من خلقه وتصويره تعمير الأرض باولاده فكان خلقه بمنزلة خلق أولاده فالاسناد فى ضمير الجمع مجازى ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ كلهم لعموم اللفظ وعدم المخصص اسْجُدُوا لِآدَمَ سجدة تحية وتكريم لان السجود الشرعي وهو وضع الجبهة على قصد العبادة انما هو لله تعالى حقيقة فَسَجَدُوا اى الملائكة بعد الأمر من غير تلعثم إِلَّا إِبْلِيسَ اى لكن إبليس لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ اى ممن سجد لآدم والا فهو كان ساجدا لله تعالى قالَ استئناف كأنه قيل فماذا قال الله تعالى حينئذ فقيل قال ما اى أي شىء مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ اى ان تسجد ولا صلة كما فى قوله تعالى لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ اى ليتحقق علم اهل الكتاب إِذْ أَمَرْتُكَ اى وقت امرى إياك به قالَ إبليس أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ اى الذي منعنى من السجود هو انى أفضل منه لانك خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ والنار جوهر لطيف نورانى والطين جسم كثيف ظلمانى فهو خير منه ولقد اخطأ اللعين حيث لاحظ الفضيلة باعتبار المادة والعنصر

ز آدمي إبليس صورت ديد وبس

غافل از معنى شد آن مردود خس «1»

نيست صورت چشم را نيكو بمال

تا ببينى شعشع نور جلال «2»

ونعم ما قيل ايضا

صورت خاك ار چهـ دارد تيركى در تيركى

نيك بنكر كزره معنى صفا اندر صفاست

اين همايون خاك كاندر وصف او صاحب دلى

نكته كفتش كه از وى ديده جانرا جلاست

جستن كو كرد احمر عمر ضايع كردنست

روى بر خاك سياه آور كه يكسر كيمياست

وفى المثنوى

كفت نار از خاك بي شك بهترست

من ز نار واو ز خاك اكدرست

پس قياس فرع بر اصلش كنيم

او ز ظلمت من ز نور روشنيم

كفت حق نى بلكه لا انساب شد

زهد وتقوى فضل را محراب شد

اين نه ميراث جهان فانيست

كه بانسابش بيان جانيست

بلكه اين ميراثهاى انبياست

وارث اين جانهاى اتقياست

پور آن بوجهل شد مؤمن عيان

پور آن نوح نبى از كمرهان

زاده خاكى منور شد چوماه

زاده آتش توئى اى رو سياه

اين قياسات وتحرى روز ابر

يا بشب مر قبله را كردست جبر

ليك با خورشيد وكعبه پيش رو

اين قياس واين تحرى را مجو

كعبه ناديده مكن رو زو متاب

از قياس الله اعلم بالصواب

وفى التأويلات النجمية ان شرف مسجودية آدم وفضيلته على ساجديه لم يكن بمجرد خواصه الطينية وان تشرفه بشرف التخمير بغير واسطة كقوله تعالى ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ

(1) لم أجد. [.....]

(2)

در اواخر دفتر ششم در بيان باز آمدن رن جوحى سال ديكر نزد قاضى إلخ در اواخر دفتر يكم در بيان آنكه أول كسى كه در مقابل نص صريح إلخ.

ص: 140

وكقوله عليه السلام (خمر الله طينة آدم بيده أربعين صباحا) وانما كانت فضيلته عليهم لاختصاصه بنفخ الروح المشرف بالاضافة الى الحضرة فيه من غير واسطة كما قال وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ولاختصاصه بالتجلى فيه عند نفخ الروح كما قال عليه السلام (ان الله تعالى خلق آدم فتجلى فيه) ولهذا السر ما امر الملائكة بالسجود بعد تسوية قالب آدم من الطين بل أمرهم بالسجود بعد نفخ الروح فيه كما قال الله تعالى إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ وذلك لان آدم بعد ان نفخ فيه الروح صار مستعدا للتجلى لما حصل فيه من لطافة الروح ونور انيته التي يستحق بها التجلي ومن إمساك الطين الذي يقبل الفيض الإلهي ويمسكه عند التجلي فاستحق سجود الملائكة فانه صار كعبة حقيقة قالَ الله تعالى فَاهْبِطْ يا إبليس مِنْها اى من الجنة والإضمار قبل ذكرها لشهرة كونه من سكانها وكانوا فى جنة عدن لا فى جنة الخلد وفيها خلق آدم وهذا امر عقوبة على معصية فَما يَكُونُ لَكَ اى فما يصح ويستقيم لك ولا يليق بشأنك أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها اى فى الجنة ولا دلالة فيه على جواز التكبر فى غيرها فَاخْرُجْ تأكيد للامر بالهبوط إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ اى من الأذلاء واهل الهوان على الله تعالى وعلى أوليائه لتكبرك وفى الآية تنبيه على ان الله تعالى انما طرده واهبطه لتكبره لا لمجرد عصيانه وفى الحديث (من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله) وفى المثنوى

علتى بدتر ز پندار كمال

نيست اندر جانت اى مغرور ضال

از دل واز ديده ات بس خون رود

تا ز تو اين معجبى بيرون شود

علت إبليس انا خير بدست

وين مرض در نفس هر مخلوق هست

كرچهـ خود را بس شكسته بيند او

آب صافى دان وسر كين زير جو

چون بشورانى مر او راز امتحان

آب سركين رنك كردد در زمان

در تك جو هست سركين اى فتى

كر چهـ جو صافى نمايد مر ترا

وكان الاصحاب رضى الله عنهم يبكون دما من اخلاق النفس- وذكر- ان قاضيا جاء الى ابى يزيد البسطامي يوما فقال نحن نعرف ما تعرفه ولكن لا نجد تأثيره فقال ابو يزيد خذ مقدارا من الجوز وعلق وعاءه فى عنقك ثم ناد فى البلد كل من يلطمنى ادفع له جوزة حتى لا تبقى منه شيأ فاذا فعلت ذلك تجد التأثير فاستغفر القاضي فقال ابو يزيد قد أذنبت لانى اذكر ما يخلصك من كبر نفسك وأنت تستغفر من ذلك لكمال كبرك قال ابو جعفر البغدادي ست خصال لا تحسن بست رجال. لا يحسن الطمع فى العلماء. ولا العجلة فى الأمراء. ولا الشح فى الأغنياء. ولا الكبر فى الفقراء. ولا السفه فى المشايخ. ولا اللؤم فى ذوى الاحساب فعليك بالتوحيد فانه سيف صارم يقطع عرق كل خلق مذموم قالَ الشيطان بعد كونه مطرودا أَنْظِرْنِي اى أمهلني ولا تمتنى إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ اى آدم وذريته للجزاء بعد فنائهم وهو وقت النفخة الثانية وأراد اللعين بذلك ان يجد فسحة من اغوائهم ويأخذ منهم ثاره وينجو من الموت لاستحالته بعد الموت قالَ الله تعالى إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ اى من جملة الذين أخرت آجالهم

ص: 141

الى وقت النفخة الاولى لا الى وقت البعث الذي هو المسئول كما بين مدة المهلة فى قوله تعالى فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وهو يوم النفخة الاولى يموت الخلق فيه ويموت إبليس معهم وبين النفخة الاولى والثانية أربعون سنة فاستجيب بعض دعائه لا كله والفتوى على ان دعاء الكافر يستجاب استدراجا ودل ظاهر قوله إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ على ان ثمة منظرين غير إبليس وعن ابن عباس قال ان الدهر يمر بإبليس فيهرم ثم يعود ابن ثلاثين

غافلان از مرك مهلت خواستند

عاشقان كفتند نى نى زود باد

وانما انظره ابتلاء للعباد وتمييزا بين المخلص لله ومتبع الهوى وتعريضا للثواب بمحالفته. وقيل انظره مكافأة له بعبادته التي مضت فى السماء وعلى وجه الأرض ليعلم انه لا يضيع اجر العاملين وقيل أمهله وأبقاه الى آخر الدهر استدراجا له من حيث لا يعلم ليتحمل من الأوزار ما لا يتحمل غيره من الأشرار والكفار فأنظره الى يوم القرار ليحصل الاعتبار به لذوى الابصار بان أطول الأعمار فى هذه الدار لرئيس الكفار وقائد زمرة الفجار واختلف العلماء هل كلم الله تعالى إبليس بغير واسطة اولا والصحيح انه انما كلمه بواسطة ملك لان كلام الباري لمن كلمه رحمة ورضى وتكرم وإجلال ألا ترى ان موسى عليه السلام فضل بذلك على الأنبياء ما عدا الخليل ومحمدا صلى الله عليه وسلم فان قيل أليس رسالته ايضا تشريفا وقد كانت لابليس على غير وجه التشريف كذلك كلامه يكون تشريفا لغير إبليس ولا يكون تشريفا لابليس. قيل مجرد الإرسال ليس بتشريف وانما يكون لاقامة الحجة بدلالة ان موسى عليه السلام أرسله الله الى فرعون وهامان ولم يقصدا إكرامهما واعظامهما لعلمه بانهما عدوان وكان كلامه إياه تشريفا له وقوله تعالى وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ اى على لسان بعض ملائكته قالَ إبليس فَبِما أَغْوَيْتَنِي الباء متعلقة بفعل القسم المحذوف. والإغواء الإضلال عن المنهج القويم والهمزة فيه للصيرورة اى بسبب ان صيرتنى غاويا ضالا عن الهدى محروما من الرحمة لاجلهم اقسم بعزتك لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ اى لآدم وذريته ترصدا بهم كما يقعد القطاع للقطع على السابلة صِراطَكَ اى على صراطك الْمُسْتَقِيمَ الموصل الى الجنة وهو دين الإسلام فالقعود كناية عن الاجتهاد فى إغواء بنى آدم فان من هلك بسبب الاجتهاد فى تكميل امر من الأمور يقعد حتى يصير فارغ البال عما يشغله عن إتمام مقصوده ويتوجه اليه بكليته ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ [پس بيايم بديشان] مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ اى من قبل الآخرة فاشككهم فيها. وايضا من قبل الحسد فازين لهم الحسد على الأكابر من العلماء والمشايخ فى زمانهم ليطعنوا فى أحوالهم وأعمالهم وأقوالهم وَمِنْ خَلْفِهِمْ من جهة الدنيا ارغبهم. فيها وايضا من قبل العصبية ليطعنوا فى المتقدمين من الصحابة والتابعين والمشايخ الماضين ويقدحوا فيهم ويبغضوهم وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من جهة الحسنات وأوقعهم فى العجب والرياء. وايضا من قبل الانبساط فاحرض المريدين على سوء الأدب فى صحبة المشايخ وترك الحشمة والتعظيم والتوسع فى الكلام والمزاح لانزلهم عن رتبة القبول وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من جهة السيئات فازينها لهم. وايضا من قبل المخالفة فامرهم بترك أوامر المشايخ ونواهيهم لأوردهم به موارد الرد واهلكهم بسطوات غيرة الولاية وردها بعد القبول والمقصود من الجهات

ص: 142

الأربع التي يعتاد هجوم العدو منها مثل قصده إياهم للتسويل والإضلال من أي وجه يتيسر بإتيان العدو من الجهاد الأربع ولذلك لم يذكر الفوق والتحت وانما عدى الفعل الى الأولين بحرف الابتداء لانه منهما متوجه إليهم والى الآخرين بحرف المجاوزة فان الآتي منهما كالمنحرف المتجافى عنهم المار على عرضهم وجانبهم كما تقول جلست عن يمينه إذا جلست متجافيا عن جانب يمينه غير ملاصق له فكأنك انحرفت عنه وتجاوزت وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ اى مطيعين وفى التفسير الفارسي [يعنى كافران باشند كه منعم را نشناسد] وانما قال ظنا لا علما لقوله تعالى وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ لما رأى فيهم مبدأ الشر متعددا وهو الشهوة والغضب ومبدأ الخير واحدا وهو العقل: قال السعدي قدس سره

نه إبليس در حق ما طعنه زد

كزينان نيايد بجز كار بد

فغان از بديها كه در نفس ماست

كه ترسم شود ظن إبليس راست

چوملعون پسند آمدش قهر ما

خدايش بر انداخت از بهر ما

كجا سر بر آريم ازين عاروننك

كه با او بصلحيم وبا حق بجنگ

قالَ الله تعالى لابليس اخْرُجْ مِنْها اى من الجنة حال كونك مَذْؤُماً اى مذموما من ذأمه إذا ذمه فالذام من المهموز العين والذم من المضاعف كلاهما بمعنى واحد وهو التعييب البليغ مَدْحُوراً اى مطرودا فاللعين مطرود من الجنة ومن كل خير لعجبه ونظره الى نفسه ففيه عبرة لكل مخلوق بعده لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ اللام لتوطئة القسم ومن شرطية ومعناه بالفارسية [بخداى كه هر كه در پى تو بيايد از أولاد آدم لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ جواب القسم وهو ساد مسد جواب الشرط ومعنى منكم اى منك ومن ذريتك ومن كفار ذرية آدم وفى الحديث (تحاجت النار والجنة فقالت هذه يدخلنى الجبارون المتكبرون وقالت هذه يدخلنى الضعفاء والمساكين فقال الله تعالى لهذه أنت عذابى أعذب بك من أشاء وقال لهذه أنت رحمتى ارحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها) والتابعون للشيطان هم الذين يأتيهم من الجهاد الأربع المذكورة فيقبلون منه ما امره فليحذر العاقل عن متابعته وليجتهد فى طاعة الله وعبادته حتى لا يدخل النار مع الداخلين وفى الحديث (إذا كان يوم القيامة رفع الى كل مؤمن رجل من اهل الملل فقيل هذا فداؤك من النار) وفى هذا الحديث دليل على كمال لطف الله بعباده وكرامتهم عليه حيث فدى أولياءه باعدائه ويحتمل ان يكون معنى الفداء ان الله تعالى وعد النار ليملأها من الجنة والناس فهى تستنجز الله موعده فى المشركين وعصاة المؤمنين فيرضيها الله تعالى بما يقدم إليها من الكفار فيكون ذلك كالمفاداة عن المؤمنين وقال بعضهم معناه ان المؤمنين يتوقون بالكفار من نفح النار إذا مروا على الصراط فيكونون وقاية وفداء لاهل الإسلام قال بعضهم رأيت أبا بكر بن الحسين المقري فى المنام فى الليلة التي دفن فيها فقلت له ايها الأستاذ ما فعل الله بك قال ان الله تعالى اقام أبا الحسن العامري صاحب الفلسفة فدائى وقال هذا فداؤك من النار وقد كان ابو الحسن توفى فى الليلة التي توفى فيها أبو بكر المقري وفى الحديث (يجيىء يوم القيامة ناس من المسلمين

ص: 143

بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويصعها على اليهود والنصارى) ولا يستبعد من فضل الله مع اهل الإسلام والايمان ان يفديهم باهل الكفر والطغيان وذلك عدل من الله مع اهل المعصية وفضل على اهل طاعته خلافا للمعزلة فانهم أنكروا هذه واستدلوا بقوله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى والذي صاروا اليه خلاف الكتاب والسنة قال الله تعالى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ فلا يصح استدلالهم بالآية لان كل كافر معاقب بوزره والله اعلم بحقيقة الحال واليه المآل وَيا آدَمُ اى وقلنا لآدم بعد إخراج إبليس من الجنة يا آدم اسْكُنْ أَنْتَ اى لازم الاقامة على طريق الإباحة والتكريم وَزَوْجُكَ حواء والزوج فى كلام العرب هو العدد الفرد المزاوج لصاحبه فاما الاثنان المصطحبان فيقال لهما زوجان الْجَنَّةَ اى قيها وهى اما جنة الخلد التي جعلت دار الجزاء وعليه اكثر اهل العلم لوجوه ذكروها فى كتبهم او جنة فى السماء هبطا منها او جنة فى الأرض كانت مرتفعة على سائر بقاع الأرض ذات أشجار واثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور أعدها الله لهما وجعلها دار ابتلاء وعليه بعض المحققين من اهل الظاهر والباطن لانه كلف فيها ان لا يأكل من تلك الشجرة ولا تكليف فى الجنة الجزائية ولانه نام فيها واخرج منها ودخل عليه إبليس فيها ولا نوم فى الجنة ولا خروج بعد الدخول ولا يجوز دخول الشيطان فيها بعد الطرد والإخراج ولقول قابيل انا من أولاد الجنة كما لا يخفى ولما روى ان آدم لما احتضر اشتهى قطفا من عنب الجنة فانطلق بنوه ليطلبوه فلقيتهم الملائكة فقالوا اين تريدون يا بنى آدم فقالوا ان أبانا اشتهى قطفا من عنب الجنة فقالوا لهم ارجعوا فقد كفيتموه فانتهوا اليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبرائيل وبنوه خلف الملائكة ودفنوه وقالوا هذه سنتكم فى موتاكم قالوا فلولا ان الوصول الى الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف كان ممكنا لما ذهبوا يطلبون ذلك فدل على انها فى الأرض لا فى السماء وقد تبت ان النيل يخرج من الجنة ولا شك انها من جنان الأرض وبساتينها والله اعلم فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما من أي مكان شئتما ومن أي شىء شئتما من نعم الجنة وثمارها موسعا عليكما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ اختلفوا فى هذه الشجرة ايضا وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها ولو كان فى ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا كما فى غيرها كذا فى آكام المرجان فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ اى فتصيرا من الذين ظلموا أنفسهم فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ قال فى الصحاح فوسوس لهما الشيطان يريد إليهما ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل انتهى. والوسوسة الكلام الخفي المكرر يلقيه الشيطان الى قلب البشر ليزين له ما هو المنكر شرعا وأول ما ابتدأهما به من كيده إياهما انه ناح عليهما نياحة احزنتهما حين سمعاها فقالا له ما يبكيك قال ابكى عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة فوقع ذلك فى نفسهما ثم أتاهما فوسوس إليهما وقال ما نهاكما كما يجيىء لِيُبْدِيَ لَهُما اى ليظهر لهما. واللام للعاقبة لان اللعين انما وسوس لهما ليوقعهما فى المعصية لا لظهور عورتهما لكن لما كان عاقبة وسوسته ظهور سواتهما شبه ظهورها بالغرض الحامل على الوسوسة ويحتمل ان يكون اللام لام الغرض على انه أراد بوسوسته ان يسوءهما

ص: 144

اى يخزيهما بانكشاف عورتهما عند الملائكة وكان قد علم ان لهما سوءة بقراءته كتب الملائكة ولم يكن آدم يعلم ذلك وفى كون الانكشاف غرضا لابليس دليل على ان كشف العورة فى الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن فى الطباع ولم يقع نظر على رضى الله عنه الى عورته حذرا من ان يراها بالعين التي يرى بها جمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا كان النظر الى سوءته بهذه المرتبة فما ظنك بالنظر الى سوءة الغير وما أشد قبح كشف العورة قالت عائشة رضى الله عنها ما رأى منى ولا رأيت منه الى العورة ما وُورِيَ عَنْهُما اى الذي سترعنهما وهو مجهول وارى مِنْ سَوْآتِهِما اى عورتها وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر لانهما قد البسا ثوبا يستر عورتهما. والسوآت جمع السوءة والتعبير بلفظ الجمع عن اثنين لكراهة اجتماع لفظى التثنية ويحتمل ان يكون الجمع على اصل وضعه باعتبار ان كل عورة هى الدبر والفرج وذلك اربعة فهى جمع وسميت العورة سوءة لانه يسوء الإنسان انكشافها وَقالَ عطف على وسوس بيانا وتفصيلا لكيفية وسوسته ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ اى عن أكلها لامر ما إِلَّا كراهة أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ اى كالملائكة فى لطافة البنية والاستغناء عن التغذي بالاطعمة والاشربة ونحوهما وفضل الملائكة من بعض الوجوه لا يدل على فضلهم على الأنبياء مطلقا لجواز ان يكون لنوع البشر فضائل اخر راجحة على ما للملك فليس المراد انقلاب حقيقتهما البشرية الى الحقيقة الملكية فانه محال قال سعدى المفتى فيه بحث إذ لا مانع منه عند الاشاعرة لتجانس الأجسام انتهى واعلم ان الله تعالى باين بين الملائكة والجن والانس فى الصورة والاشكال فمن حصل على بنية الإنسان ظاهرا وباطنا فهو انسان فلو قلب الإنسان الى بنية الملك لخرج بذلك عن كونه إنسانا لكن الملك والشيطان لا يخرجان بالتشكلات الظاهرية المختلفة عن حقيقتهما أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ الذين لا يموتون ويخلدون فى الجنة وَقاسَمَهُما اى اقسم لهما. فالقسم انما وقع من إبليس فقط الا انه عبر عن اقسامه بزنة المفاعلة للدلالة على انه اجتهد فى القسم اجتهاد المقاسم وهو الذي حلف فى مقابله حلف شخص آخر إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فيما أقول والنصح بذل المجهود فى طلب الخير فى حق غيره فَدَلَّاهُما فنزلهما الى الاكل من الشجرة وحطهما من المرتبة العالية وهى مرتبة الطاعة الى المنزلة السافلة وهى الحالة المغضبة والتدلية إرسال الشيء من الأعلى الى الأسفل كارسال الدلو فى البئر بِغُرُورٍ اى بسبب تغريره إياهما باليمين بالله كاذبا وكان اللعين أول من حلف بالله كاذبا وظن آدم ان أحدا لا يحلف بالله كاذبا فاغتربه فان شأن المؤمن ان يعتقد بصدق من حلف بالله لتمكن عظمة اسم الله تعالى فى قلبه وكان بعض العلماء يقول من خادعنا بالله خدعنا وفى الحديث (المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم) فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما اى فلما وجدا طعمها آخذين فى الاكل منها أخذهما العقوبة وشؤم المعصية فتهافت عنهما لباسهما وظهرت لهما عوراتهما فاستحييا وفى الاخبار ان غيرهما لم ير عورتهما قيل كان لباسهما فى الجنة ظفرا فى أشد اللطافة واللين والبياض يكون حاجبا من النظر الى اصل البدن

ص: 145

فلما أصابا الخطيئة نزع ذلك عن بدنهما وبقي عند رؤس الأصابع تذكيرا لما فات من النعم وتجديدا للندم. وقيل كان لباسهما نورا يحول بينهما وبين النظر الى حد البدن. وقيل كان حلة من حلل الجنة وَطَفِقا يَخْصِفانِ اى أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة عَلَيْهِما اى على بدنهما او على سوءاتهما من قبيل صغت قلوبكما فى التعبير عن المثنى بالجمع لعدم الناس المراد فجاز ان يرجع اليه ضمير التثنية مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ قيل كان ذلك ورق التين ولم يستره من الشجر إلا شجر التين فقال الله تعالى كما سترت آدم اخرج منك المعنى قبل الدعوى وسائر الأشجار يخرج منها الدعوى قبل المعنى فلهذه الحكمة يخرج ثمر سائر الأشجار فى كمامها اولا ثم تظهر الثمرة من الكمام ثانيا وشجرة التين أول ما يبدو ثمره يبدو بارزا من غير كمام وفى الآية دليل على ان كشف العورة قبيح من لدن آدم عليه السلام ألا ترى انهما كيف بادرا الى الستر لما تقرر فى عقلهما من قبح كشف العورة وَناداهُما رَبُّهُما مالك أمرهما بطريق العتاب والتوبيخ يحتمل ان يكون ذلك بان اوحى إليهما بواسطة الملك ذلك الكلام او بان الهمهما ذلك فى قلبهما. قيل كانت حجلتهما بهذا العتاب أشد عليهما من كل محنة أصابتهما أَلَمْ أَنْهَكُما وهو تفسير للنداء فلا محل له من الاعراب عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما

عطف على أنهكما اى الم اقل لكما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ اشارة الى قوله تعالى إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ولكما متعلق بعدو لما فيه من معنى الفعل- روى- ان الله تعالى قال لآدم الم يكن فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة فقال بلى وعزتك ولكن ما ظننت ان أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا قال فبعزتى لاهبطنك الى الأرض ثم لا تنال العيش الا كدا فاهبط وعلم صنعة الحديد وامر بالحرث فحرث وسقى وحصد وداس وذرى وطحن وعجن وخبز قالا اعترافا بالخطيئة وتسارعا الى التوبة رَبَّنا اى يا ربنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا اى ضررناها بالمعصية وعرضناها للاخراج من الجنة وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا تستر علينا ذنبنا وَتَرْحَمْنا بقبول توبتنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ اى الهالكين الذين باعوا حظهم فى الآخرة بشهوة ساعة وهو دليل على ان الصغائر معاقب عليها ان لم تغفر والمغفرة مشكوك فيها فكان ذنب آدم صغيرة لانه لم يأكل من الشجرة قصدا لمخالفة حكم الله تعالى بل انما أكل بناء على مقالة اللعين حيث أورثت فيه ميلا طبيعيا ثم انه كف نفسه عنه مراعاة لحكم الله الى ان نسى ذلك وزال المانع عن أكله فحمله طبعه عليه ولانه انما اقدم عليه بسبب اجتهاد اخطأ فيه فانه ظن ان النهى للتنزيه او ان الاشارة فى قوله وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ الى عين تلك الشجرة فتناول من غيرها من نوعها وقد كان المراد بها الاشارة الى النوع كما روى انه عليه السلام أخذ حريرا وذهبا بيده وقال (هذان حرامان على ذكور أمتي حل لاناثها) قالَ الله تعالى اهْبِطُوا خطاب لآدم وحواء وذريتهما او لهما ولابليس بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ جملة حالية من فاعل اهبطوا اى متعادين فطبع إبليس على العداوة كطبع العقرب على اللدغ والذئب على السلب فعادى آدم لذهاب رياسته بين الملائكة بسبب خلافة آدم وأمرنا بمعاداة إبليس لان الابن يعادى عدو أبيه وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ [قراركاهى وآرام جايى] وَمَتاعٌ

ص: 146

اى تمتع وانتفاع إِلى حِينٍ هو حين انقضاء آجالهم فاغتم آدم وظن انه لا يرجع الجنة قالَ الله تعالى فِيها تَحْيَوْنَ اى فى الأرض تعيشون وَفِيها تَمُوتُونَ وتقبرون وَمِنْها تُخْرَجُونَ للجزاء فعلم آدم من مضمون هذا الخطاب انه يعود الى الجنة فصار متسليا بفضل الله تعالى ووعده قال الامام القشيري ونعم ما قال أصبح آدم عليه السلام محسود الملائكة مسجودا لكافتهم على رأسه تاج الوصلة وعلى جسده لباس الكرامة وفى وسطه نطاق القربة وفى جيده قلادة الزلفى لا أحد من المخلوق فوقه من الرتبة ولا شخص مثله فى الرفعة يتوالى عليه النداء كل لحظة يا آدم فلم يمس حتى نزع عنه لباسه وسلب استئناسه وتبدل مكانه وتشوش زمانه فاذا كان شؤم معصية واحدة على من أكرمه الله بكل كرامة هكذا فكيف شؤم المعاصي الكثيرة علينا انتهى: قال الحافظ

چهـ كونه دعوىء وصلت كنم بجان كه شدست

هم وكيل قضا ودلم ضمان فراق

وقضاء الله تعالى يجرى على كل أحد نبيا كان او وليا

نه من از پرده تقوى پدر افتادم وبس

پدرم نيز بهشت ابد از دست بهشت

واعلم ان آدم تناول من شجرة المحبة حقيقة فوقع فى شبكة المحنة وامر بالصبر على الهجر ووعد بالوجد بعد الفقد فكان ما كان من الترقيات المعنوية بعد التنزلات الصورية

مقام عيش ميسر نمى شود بي رنج

بلى بحكم بلا بسته اند حكم الست

وشجرة العلم المجرد منهى عن ان يقربها أحد بدون المكاشفة والمشاهدة والمعاينة فان صاحبه محجوب ومحروم من لذات ثمرات الحقيقة فلتكن المشاهدة همته من أول امره الى ان يصل الى ذروة الكمال قبل مجيىء الآجال فان فاجأه الموت وهو فى الطريق فالله تعالى يوصله الى مطلبه ولو فى البرزخ. وايضا لا ينبغى لاحد ان يقرب من شجرة التدبير فان التقدير كاف لكل غنى وفقير ألا ترى الى قيام الصلاة فانه اشارة الى التقدير الأزلي وهو التفويض. والركوع اشارة الى التدبير الابدى وهو التسليم. والسجدة أشار الى الفناء الكلى عنهما إذ كما لا بد من التخلق بمثل هذه الصفات لا بد من الفناء عنها فى غاية الغايات قال تعالى فِيها تَحْيَوْنَ اى فى المحبة وصدق الطلب وقرع باب الفرج بالصبر والثبات على العبودية وفى طلب الحق تموتون على جادة الشريعة باقدام الطريقة ومنها تخرجون الى عالم الحقيقة يدل عليه قوله عليه السلام (كما تعيشون تموتون وكما تموتون تبعثون)

بكوش خواجه واز عشق بي نصيب مباش

كه بنده را نخرد كس بعيب بي هنرى

مرا درين ظلمات آنكه رهنمايى كرد

دعاى نيم شبى بود وكريه سحرى

يا بَنِي آدَمَ خطاب للناس كافة- روى- ان العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون لا نطوف فى ثياب عصينا الله فيها فنزلت الى آخر الآيات الثلاث قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً اى خلقناه لكم بانزال سببه من السماء وهو ماء المطر فما تنبته الأرض من القطن والكتان من ماء السماء وما يكون من الكسوة من أصواف الانعام فقوام الانعام ايضا من ماء السماء واعلم ان السماء فاعلة والأرض قابلة والحوادث الارضية منسوبة الى السماء فكل ما فى الأرض انما هو

ص: 147

بتدبيرات سماوية يُوارِي سَوْآتِكُمْ اى يستر عوراتكم فكشف العورة مع وجود ما يسترها من اللباس فى غاية القباحة ولا شك ان الشيطان اغوى من فعل ذلك كما اغوى آدم وحواء فبدت لهما سوآتهما ونستعيذ بالله من شره وَرِيشاً هو من قبيل ما حذف فيه الموصوف وأقيمت صفته مقامه كأنه قيل ولباسا ريشا اى ذا ريش وزينة تتجملون به عبر عن الزينة بالريش تشبيها لها بريش الطائر لان الريش زينة الطائر كما ان اللباس زينة لبنى آدم كأنه قيل أنزلنا عليكم لباسين لباسا يوارى سوآتكم ولباسا يزينكم فان الزينة غرض صحيح قال تعالى لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً قال الحسين الكاشفى [در تفسير امام زاهد فرموده كه لباس آنست كه از پنبه باشد وريش از ابريشم وكتان و پشم] وَلِباسُ التَّقْوى اى خشية الله تعالى مبتدأ خبره قوله ذلِكَ خَيْرٌ شبهت التقوى بالملبوس من حيث انها تستر صاحبها وتحفظه مما يضره كما يحفظه الملبوس قال قتادة والسدى هو العمل الصالح لانه يقى من العذاب كأنه قال لباس التقوى خير من الثياب لان الفاجر وان كان حسن الثياب فهو بادى العورة قال الشاعر

انى كأنى ارى من لاحياء له

ولا امانة وسط القوم عريانا

قال الحافظ

قلندران حقيقت بنيم جو نخرند

قباى اطلس آنكس كه از هنر عاريست

وفى التفسير الفارسي [وَلِباسُ التَّقْوى و پوشش تقوى يعنى لباس كه براى تواضع پوشند چون پشيمينها وجامها درشت ذلِكَ خَيْرٌ آن بهتر است كه از لباسهاى نرم] وفى الحديث (من رق ثوبه رق دينه) وقيل أول من لبس الصوف آدم وحواء حين خرجا من الجنة وكان عيسى عليه السلام يلبس الشعر ويأكل من الشجر ويبيت حيث امسى فلبس الصوف والشعر علامة التواضع وفيه تشبيه بالمساكين والعاقل من اختار ما اختاره الصلحاء: قال الصائب

جمعى كه پشت كرم بعشق نيند

ناز سمور ومنت سنجاب ميكشند

واعلم ان لكل جزء من اجزاء الإنسان لباسا يوارى سوآة ذلك الجزء من ظاهره وباطنه فلباس الشريعة يوارى سوآة الافعال القبيحة باحكام الشريعة فى الظاهر. وسوآة الصفات الذميمة النفسانية والحيوانية بآداب الطريقة فى الباطن والتقوى هو لباس القلب والروح والسر والخفي. فلباس القلب من التقوى هو الصدق فى طلب المولى يوارى سوآة طبع الدنيا وما فيها. ولباس الروح من التقوى محبة الحق تعالى يوارى به سوآة التعلق بغير المولى. ولباس السر هو شهود انواع اللقاء يوارى به سوآة رؤية ما سوى الله تعالى. ولباس الخفي هو البقاء بهوية الحق يوارى به سوآة هوية الخلق [يعنى همه تعينات مضمحل ومتلاشى كردد وحجاب پندار از سر وجودات متكثره در كشيده آيد وسر لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ بر غرفه وحدت قهارى جلوه نمايد]

ملك ملك اوست او خود مالكست

غير ذاتش كل شىء هالكست

كل شىء ما خلا الله باطل

ان فضل الله غيم هاطل

مالك آيد پيشى وجهش هست نيست

هستى اندر نيستى خود طرفه ايست

ص: 148

ذلِكَ اى إنزال اللباس مِنْ آياتِ اللَّهِ الدالة على فضله ورحمته لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فيعرفون نعمته حيث أغناهم باللباس عن خصف الورق او يتعظون فيتورعون عن القبائح نحو كشف العورة وفى الاسرار المحمدية العالم مشحون بالأرواح فليس فيه موضع بيت ولا زاوية الا وهو معمور بما لا يعلمه الا الله وما يعلم جنود ربك الا هو قال حجة الإسلام فى كتابه معراج السالكين والدليل على ذلك امر النبي عليه السلام بالتستر فى الخلوة وان لا يجامع الرجل امرأته عريانين وكان الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر يدخلون الماء وعليهم السراويلات تسترا عن سكان الماء- يحكى- عن احمد بن حنبل قال كنت يوما مع جماعة يتجردون ويدخلون الماء فاستعملت خبر النبي عليه السلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر) فلم اتجرد فرأيت تلك الليلة فى المنام كأن قائلا يقول ابشر يا احمد فان الله تعالى قد غفر لك باستعمال السنة فقلت ومن أنت قال انا جبرائيل فقد جعلك الله اماما يقتدى بك قال فى الشرعة وينوى بلبس الثياب ستر العورة والعيب الواقع فى البدن والتزين بها توددا الى اهل الإسلام لاحظ النفس فان ذلك اللبس بتلك النية يصفى وينور العقل عن الكدورات تصفية بحيث لا يشوبه شىء من اهوية النفس وحظوظها ويؤجر عليه بتلك النية قيل الأعمال البهيمية ما كان بغير نية فعلى العاقل جمع الهمم بحيث لا يسخ فى السر ذكر غيره تعالى يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ اى لا يوقعنكم فى الفتنة والمحنة بان يمنعكم من دخول الجنة باغوائكم كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ نعت لمصدر محذوف اى لا يفتننكم فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم آدم وحواء من الجنة فانه إذا قدر بكيده على ازلالهما فان يقدر على ازلال أولاده اولى فوجب عليكم ان تحترزوا عن قبول وسوسته والنهى فى اللفظ للشيطان والمعنى نهيهم عن اتباعه والافتتان به وهو ابلغ من لا تقبلوا فتنة الشيطان يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما حال من أبويكم وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان لباسهما كان من الظفر اى كان يشبه الظفر فانه كان مخلوقا عليهما خلقة الظفر وأسند نزع اللباس الى الشيطان مع انه لم يباشر ذلك لكونه سببا فى ذلك النزع لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما اى ليظهر لهما عوراتهما وكانا قبل ذلك لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر كما روى ان آدم كان رجلا طوالا وكأنه نخلة سحوق كثير شعر الرأس فلما وقع بالخطيئة بدت سوآته وكان لا يراها فانطلق هاربا فى الجنة فعرضت له شجرة من شجر الجنة فحبسته بشعره فقال لها ارسلينى فقالت لست مرسلتك فناداه ربه يا آدم أمنى تفرّ قال لا ولكنى استحييت إِنَّهُ اى الشيطان او الشان يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ اى جنوده وذريته مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ من لابتداء غاية الرؤية وحيث ظرف لمكان انتفاء الرؤية ومعناه بالفارسية [از جايى كه شما او را نمى بينيد يعنى أجسام ايشان از غايت رقت ولطافت در نظر شما نمى آيد وايشان أجسام شما را بواسطه غلظت وكثافت مى بينند حذر از چنين دشمن لازمست] : وفى المثنوى

از نبى بر خوان كه ديو وقوم او

مى برند از حال انسى خفيه بو

از رهى كه انس از ان آگاه نيست

زانكه زين محسوس وزين أشباه نيست

ص: 149

مسلكى دارند از ديده درون

ما ز دزديهاى ايشان سرنكون

دمبدم خبط وزيانى ميكنند

صاحب نقب وشكاف زور بند

ورؤيتهم إيانا من حيث لانراهم فى الجملة اى فى بعض أحوالهم وهو حال بقائهم على صورهم الاصلية لا يقتضى امتناع رؤيتنا إياهم بان يتمثلوا لنا كما تواتر من ان بعض الناس رأى الجن جهارا علنا قال فى آكام المرجان فى احكام الجان لو كثف الله أجسامهم وقوى شعاع أبصارنا لرأيناهم او لو كثفهم وشعاع أبصارنا على ما هو عليه من غير ان يقوى لرأيناهم ألا ترى ان الريح مادامت رقيقة لطيفة لا ترى فاذا كشفت باختلاف الغبار رأيناهم ولم يمتنع دخولهم فى أبداننا كما يدخل الريح والنفس المتردد الذي هو الروح فى أبداننا من التخرق والتخلخل وفى الحديث (ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم) وقد يحتاج فى إبراء المصروع ودفع الجن عنه الى الضرب فيضرب بعصا قوية على رجليه نحو ثلاثمائة او اربعمائة ضربة او اقل او اكثر والضرب انما يقع على الجنى ولا يحس به المصروع ولو كان على الانسى لقتله وكذا يجوز دخولهم فى الأحجار إذا كانت مخلخلة كما يجوز دخول الهواء فيها فان قلت لو دخل الجن فى جسد ابن آدم لتداخلت الأجسام ولاحترق الإنسان قلت الجسم اللطيف يجوز ان يدخل الى مخاريق الجسم الكثيف كالهواء الداخل فى سائر الأجسام ولا يؤدى ذلك الى اجتماع الجواهر فى حيز واحد لانها لا تجتمع الا على طريق المجاورة لا على سبيل الحلول وانما يدخل فى أجسامنا كما يدخل الجسم الرقيق فى الظروف والجن ليسوا بنار محرقة بل هم خلقوا من نار فى الأصل كما خلق آدم من التراب فالنسبة باعتبار الجزء الغالب قال فى بحر الحقائق الاشارة انهم انما يرونكم من حيث البشرية التي هى منشأ الصفات الحيوانية وانكم محجوبون بهذه الصفات عن رؤيتهم لا من حيث الروحانية التي هى منشأ علوم الأسماء والمعرفة فانهم لا يرونكم فى هذا المقام وأنتم ترونهم بالنظر الروحاني بل بالنظر الرباني انتهى. ثم قوله إِنَّهُ يَراكُمْ تعليل للنهى ببيان انه عدو صعب الاحتراز عن ضرره فان العدو الذي يراك ولا تراه شديد المئونة لا يتخلص منه الا من عصمه الله فلا بد ان يكون العاقل على حذر عظيم من ضرره فان قيل كيف نحاربهم ونحترز عنهم ونحن لا نراهم قلنا لم نؤمر بمحاربة أعيانهم وانما أمرنا بدفع وسوستهم وعدم قبول ما ألقاه فى قلوبنا بالاستعاذة منه الى الله تعالى- روى- عن ذى النون المصري انه قال ان كان هو يراك من حيث لا تراه فان الله يراه من حيث لا يرى الله فاستعن بالله عليه فان كيد الشيطان كان ضعيفا إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بما أوجدنا بينهم من التناسب فى الخذلان والغواية فصار بعضهم قرين بعض واغواه. فالاولياء جمع ولى بمعنى الصديق ضد العدو يقال منه تولاه اى اتخذه صديقا وخليلا وذكر عن وهب بن منبه انه قال امر الله تعالى إبليس ان يأتى محمدا عليه السلام ويجيبه عن كل ما يسأله فجاء على صورة شيخ وبيده عكازة فقال له (من أنت) قال انا إبليس قال (لماذا جئت) قال أمرني ربى ان آتيك وأجيبك فاخبرك عما تسألنى فقال عليه الصلاة والسلام (فكم اعداؤك من أمتي) قال خمسة عشر أنت يا محمد. وامام عادل. وغنى متواضع. وتاجر صدوق. وعالم متخشع. ومؤمن ناصح. ومؤمن

ص: 150

رحيم القلب. وثابت على التوبة. ومتورع عن الحرام. ومديم على الطهارة. ومؤمن كثير الصدقة.

وحسن الخلق مع الناس. ومن ينفع الناس. وحامل القرآن مديم عليه. وقائم الليل والناس نيام قال (فكم رفقاؤك من أمتي) فقال عشرة. سلطان جائر. وغنى متكبر. وتاجر خائن. وشارب الخمر والقتال. وصاحب الرياء. وآكل مال اليتيم. وآكل الربا. ومانع الزكاة. والذي يطيل الأمل فهؤلاء أصحابي وإخواني فظهر ان الشياطين كما انهم اولياء لاهل الكفر كذلك هم اولياء لمن هو فى حكم اهل الكفر من اهل المعصية ونسأل الله العناية والتوفيق- ويحكى- ان الخبيث إبليس تبدى ليحيى بن زكرياء عليهما السلام فقال انى أريد ان أنصحك قال كذبت أنت لا تنصحنى ولكن أخبرني عن بنى آدم قال هم عندنا على ثلاثة اصناف. اما الصنف الاول منها فاشد الأصناف علينا نقبل عليه حتى نفتنه ونتمكن منه ثم يفزع الى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شىء أدركنا منه ثم نعوذ له فيعود فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن من ذلك فى عناء. واما الصنف الثاني فهم فى أيدينا بمنزلة الكرة فى أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا قد كفونا أنفسهم. واما الصنف الآخر فهم مثلك معصومون لانقدر منهم على شىء قال يحيى بعد ذلك هل قدرت منى على شىء قال لا الا مرة واحدة فانك قدمت طعاما تأكله فلم ازل اشهيه إليك حتى أكلت منه اكثر مما تريد فنمت تلك الليلة فلم تقم الى الصلاة كما كنت تقوم إليها فقال له يحيى لا جرم انى لا أشبع من طعام ابدا قال له الخبيث لا انصح آدميا بعدك ولقى يحيى بن زكريا إبليس فى صورته ايضا فقال له أخبرني من أحب الناس إليك وابغض الناس إليك فقال أحب الناس الى المؤمن البخيل وابغضهم الى الفاسق السخي قال يحيى وكيف ذلك قال لان البخيل قد كفانى بخله والفاسق السخي أتخوف ان يطلع الله عليه فى سخاه فيقبله ثم ولى وهو يقول لولا انك يحيى لم أخبرك كذا فى آكام المرجان فى احكام الجان وَإِذا فَعَلُوا اى كفار قريش فاحِشَةً اى فعلة متناهية فى القبح كعبادة الصنم وكشف العورة فى الطواف ونحوهما قالُوا جوابا للناهين عنها محتجين على حسنها بامرين الاول تقليد الآباء وهو قولهم وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا والثاني الافتراء على الله وهو قولهم وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها فاعرض الله تعالى عن رد احتجاجهم الاول لظهور فساده فان التقليد لا يعتبر دليلا على صحة الفعل الذي قام الدليل على بطلانه وان كان معتبرا فى غيره ورد الثاني بقوله قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ لان عادته تعالى جرت على الأمر بمحاسن الافعال والحث على مكارم الخصال أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ انه أمركم بذلك وذلك لان طريق العلم اما السماع من الله تعالى ابتداء اى من غير توسط رسول يبلغهم ان الله تعالى أمرهم بذلك وانتفاؤه ظاهر واما المعرفة بواسطة الأنبياء وهم ينكرون نبوة الأنبياء على الإطلاق فلا طريق لهم الى العلم باحكام الله تعالى فكان قولهم والله أمرنا بها قولا على الله بما لا يعملون وهو اى قوله أتقولون من تمام القول المأمور به والهمزة لانكار الواقع واستقباحه والاشارة فى الآية ان الفاحشة طلب الدنيا وحبها والحرص على جمعها فان افحش الفواحش حب الدنيا لانه رأس كل خطيئة. والمعنى إذا وقع اهل الغفلة فى طلب الدنيا وزينتها

ص: 151

والتمتع بها بتلقين الشياطين وتدبيرهم وتزيينهم فيدعوهم داع الى الله وطلبه وترك الدنيا وطلبها قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا اى على محبة الدنيا وشهواتها وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها اى بطلبها بالكسب الحلال قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ اى لا يأمر بحب الدنيا والحرص على جمعها وانما يأمر بالكسب الحلال بقدر الحاجة الضرورية لقوام القالب بالقوة واللباس ليقوم بأداء حق العبودية أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ اى تفترون على الله ما لا تعلمون آفته ولا وبال عاقبته ولا تعلمون ان ذلك من فتنة الشيطان وتزيينه واغوائه كذا فى التأويلات النجمية: وفى المثنوى

اين جهان جيفه است ومردار رخيص

بر چنين مردار چون باشم حريص

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ بيان للمأمور به اثر نفى ما أسند اليه امره به تعالى من الأمور المنهي عنها. والقسط العدل وهو الوسط من كل شىء المتجاوز عن طرفى الافراط والتفريط وفى الخبر (خير الأمور أوساطها)

توسط إذا ما شئت امرا فانه

كلا طرفى قصد الأمور ذميم

وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ معطوف على امر بتقدير قل لئلا يلزم عطف الإنشاء على الاخبار اى وقل لهم توجهوا الى عبادته مستقيمين غير عادلين الى غيرها او اقيموا وجوهكم نحو القبلة عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ يحتمل ان يكون اسم زمان وان يكون اسم مكان اى فى كل وقت سجود او مكان سجود والمراد بالسجود الصلاة بطريق ذكر الجزء وارادة الكل وقال الكلبي معناه إذا حضرت الصلاة وأنتم فى مسجد فصلوا فيه ولا يقولن أحدكم أصلي فى مسجدى وإذا لم يكن عند مسجد فليأت أي مسجد شاء وليصل فيه وفى الفروع مسجد المحلة أفضل من الجامع إذا كان الامام عالما ومسجد المحلة فى حق السوقي نهارا ما كان عند خانوته نهارا وليلا ما كان عند منزله قال الحدادي وهذه الآية تدل على وجوب فعل الصلاة المكتوبة فى الجماعة وفى الحديث (من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له الا من عذر وصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة وذلك لان كل صلاة أقيمت فى الجماعة كصلاة يوم وليلة إذا أقيمت بغير جماعة لان فرائض اليوم والليلة سبع عشرة ركعة والرواتب عشر فالجميع سبع وعشرون قال العلماء كل ما شرعت فيه الجماعة كالفرائض والتراويح ونحوهما فالمسجد فيه أفضل من ثواب المصلين فى البيت بالجماعة لان فيه اظهار شعائر الإسلام كما ان ثواب المصلين فى البيت وحدانا دون ثواب المصلين فى البيت بالجماعة وَادْعُوهُ اى واعبدوه فهو من اطلاق الخاص على العام فان الدعاء من أبواب العبادة وهو الخضوع للبارى مع اظهار الافتقار والاستكانة وهو المقصود من العبادة والعمدة فيها مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ اى الطاعة فان مصيركم اليه فى الآخرة

فردا كه پيشگاه حقيقت شود پديد

شرمنده رهروى كه عمل بر مجاز كرد

كَما بَدَأَكُمْ اى انشأكم ابتداء تَعُودُونَ اليه باعادته فيجازيكم على أعمالكم والكاف فى محل النصب على انه صفة مصدر محذوف تقديره تعودون عودا مثل ما بدأكم وهو بالهمزة بمعنى

ص: 152

انشأ واخترع وانما شبه الاعادة بالابداء تقريرا لامكانها والقدرة عليها. يعنى قيسوا الاعادة بالابداء فلا تنكروها فان من قدر على الإنشاء قدر على الاعادة إذ ليس بعثكم أشد من ابتداء خلقكم فَرِيقاً منصوب بما بعده هَدى بان وفقهم للايمان وَفَرِيقاً نصب بفعل مضمر يفسره ما بعده من حيث المعنى اى وأضل فريقا حَقَّ عَلَيْهِمُ [سزاوار كشت بر ايشان] الضَّلالَةُ بمقتضى القضاء السابق التابع للمشيئة المبنية على الحكم البالغة إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تعليل لما قبله اى حقت عليهم الضلالة لاتخاذهم الشياطين اولياء وقبولهم ما دعوا اليه بدون التأمل فى التمييز بين الحق والباطل وكل واحد من الهدى والضلال وان كان يحصل بخلق الله تعالى إياه ابتداء الا انه يخلق ذلك حسبما اكتسبه العبد وسعى فى حصوله فيه وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ اى يظنون انهم على الهدى. وفيه دلالة على ان الكافر المخطئ والمعاند سواء من حيث انه تعالى ذم المخطئ الذي ظن انه فى دينه على الحق بانه حق عليه الضلالة وجعله فى حكم الجاحد والمعاند فعلم منه ان مجرد الظن والحسبان لا يكفى فى صحة الدين بل لا بد فيه من الجزم واليقين لانه تعالى ذم الكفار بانهم يحسبون انهم مهتدون ولو كفى مجرد الحسبان فيه لما ذمهم بذلك فعلى العاقل تحصيل اليقين وترك التقليد والاقتداء باصحاب التحقيق والتوحيد فان المرء لا يعرف حاله ومقامه الا بالتعريف: ونعم ما قال الصائب

واقف نميشوند كه كم كرده اند راه

تا رهروان براهنمايى نمى رسند

وكل واحد من التقليد الباطل والشك والرياء وحب الدنيا وحب الخلق مذموم لا يجدى نفعا وعن ذى النون رضى الله عنه قال بينما انا فى بعض جبال لكان إذا برجل قائم يصلى والسباع حوله ترتبض فلما أقبلت نحوه نفرت عنه السباع فاوجز فى صلاته وقال يا أبا الفيض لو صفوت لطلبتك السباع وحنت إليك الجبال فقلت ما معنى قولك لو صفوت قال تكون لله خالصا حتى يكون لك مريدا قال فقلت فبم الوصول الى ذلك قال لا تصل الى ذلك حتى تخرج حب الخلق من قلبك كما خرج الشرك منه فقلت هذا والله شديد على فقال هذا أيسر الأعمال على العارفين فولاية الخلق مطلقا إذا كانت سبيلا للضلالة فما ظنك بولاية الشياطين سواء كانوا شياطين الانس او شياطين الجن فلا بد من محبة الله تعالى فويل لمن جاوز محبة الله تعالى الى محبة ما سواه وقد ذمه الله بقوله من دون الله نسأل الله تعالى ان لا يزيغ قلوبنا بعد ما هدانا الى محبته وأرشدنا الى طريق طاعته وعبادته يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ الزينة وان كانت اسما لما يتزين به من الثياب الفاخرة الا ان المفسرين اجمعوا على ان المراد بالزينة هاهنا الثياب التي تستر العورة استدلالا بسبب نزول الآية وهو ان اهل الجاهلية من قبائل العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة وقالوا لا نطوف فى ثياب أصبنا فيها الذنوب ودنسناها بها فكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء بالليل عراة فامرهم الله تعالى ان يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا عند كل مسجد سواء دخلوه للصلاة او للطواف وكانوا قبل ذلك يدعون ثيابهم وراء المسجد عند قصد الطواف وفى تفسير الحدادي كانوا

ص: 153

إذا قدموا منى طرح أحدهم ثيابه فى رحله فان طاف وهى عليه ضرب وانتزعت منه وكانت المرأة تطوف بالليل عريانة الا انها كانت تتخذ سيورا مقطعة تشدها فى حقويها فكانت السيور لا تسترها سترا تاما وهذه الآية اصل فى وجوب ستر العورة فى الصلاة والمعنى خذوا ثيابكم لمواراة عورتكم عند كل مسجد لطواف او صلاة قال شيخ الإسلام خواهر زاده فيه دليل على ان اللبس من احسن الثياب مستحب حالة الصلاة لان المراد من الزينة الثوب بطريق اطلاق اسم المسبب على السبب انتهى فاخذ الثوب واجب ولباس التجمل مسنون وكان ابو حنيفة رحمه الله اتخذ لباسا لصلاة الليل وهو قميص وعمامة ورداء وسراويل قيمة ذلك الف وخمسمائة درهم يلبسه كل ليلة ويقول التزين لله تعالى اولى من التزين للناس قال الفقهاء ولا اعتبار لستر الظلمة لان الستر وجب لحق الصلاة وحق الناس وفى التفسير الفارسي [كفته اند بزبان علم ستر عورتست براى نماز وبزبان كشف حضور دلست براى عرض راز

ذوق طاعت بي حضور دل نيابد هيچكس

طالب حق را دل حاضر برين دركاه بس

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ما

طاب لكم من الاطعمة والاشربة- روى- ان بنى عامر فى ايام حجهم كانوا لا يأكلون الطعام الا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فهم المسلمون به فنزلت والاشارة كلوا مما يأكل اهل البيات فى مقام العبودية واشربوا مما يشربون كما قال عليه السلام (أبيت عند ربى يطعمنى ويسقينى) وكان عليه السلام يخص رمضان من العبادات بما لا يخص به غيره من الشهور حتى انه كان يواصل أحيانا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة وكان ينهى أصحابه عن الوصال فيقولون له فانك تواصل فيقول (لست كاحدكم انى أبيت) وفى رواية (أظل عند ربى يطعمنى ويسقينى) وقد اختلف العلماء فى هذا الطعام والشراب المذكور على قولين. أحدهما انه طعام وشراب حسى بالفم قالوا وهذا حقيقة اللفظ ولا يجب العدول عنه وكان يؤتى بطعام من الجنة. والثاني ان المراد به ما يغذيه الله به من معارفه وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه لقربه ونعيم محبته وتوابع ذلك من الأحوال التي هى غذاء القلوب ونعيم الأرواح وقرة الأعين وبهجة النفوس- حكى- ان مريد اخدم الشيخ منصور الحلاج فى الكعبة حين كان مجاورا سنتين قال كان يجيىء له طعام من ارباب الخيرات فاضعه عنده ثم أجده فى الصبح من غير نقصان فاطعمه فقيرا فما رأيته فى السنتين أكل لقمة قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى ان النبي عليه السلام انما أكل فى الظاهر لاجل أمته الضعيفة والا فلا احتياج له الى الاكل والشرب وما روى من انه كان يشد الحجر فهو ليس من الجوع بل من كمال لطافته لئلا يصعد الى الملكوت فكان يشد الحجر حتى يحصل الاستقرار فى عالم الإرشاد قال يعنى انه صلى الله عليه وسلم كان ينظر الى حدوث العالم فيتنعم بتجل البقاء انتهى كلامه وَلا تُسْرِفُوا بتحريم الحلال فان بتحريم الحلال يتحقق تضييع المال وهو إسراف او بالتعدي الى الحرام بان يتناول ما حرمه الله عليه من المأكول والمشروب والملبوس او بافراط الطعام والشره عليه بان يتناول

ص: 154

ما لا يحتاج اليه البدن فى قوامه فان ذلك ايضا من قبيل الإسراف إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ لا يرتضى فعلهم ولا يثنى عليهم قال بعضهم الإسراف هو ان يأكل الرجل كل ما يشتهيه ولا شك ان من كان تمام همته مصروفا الى فكر الطعام والشراب كان اخس الناس وأذلهم

خواجه را بين كه از سحر تا شام

دارد انديشه شراب وطعام

شكم از خوش دلى وخوش حالى

كاه پر ميكند كهى خالى

فارغ از خلد وايمن از دوزخ

جاى او مزبلست ويا مطبخ

[شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري فرموده كه اگر همه دنيا را لقمه سازى ودر دهان درويشى نهى إسراف نباشد إسراف آن بود كه نه برضاى حق تعالى صرف كنى]

يك جوانرا كه خير دائم داشت

پند ميداد راهبى در دير

كاى پسر خير نيست در إسراف

كفت إسراف نيست اندر خير

قال فى التأويلات النجمية الإسراف نوعان افراط وتفريط فالافراط ما يكون فوق الحاجة الضرورية او على خلاف الشرع او على وفق الطبع والشهوة او على الغفلة او على ترك الأدب او بالشره او على غير ذلك والتفريط ان ينقص من قدر الحاجة الضرورية ويقصر فى حفظ القوة والطاقة للقيام بحق العبودية او يبالغ فى أداء حق الربوبية باهلاك نفسه فيضيع حقها او يضيع حقوق الربوبية بحظوظ نفسه او يضيع حقوق القلب والروح والسر التي هى مستعدة لحصولها بحظوظ النفس فالمعنى لا تسرفوا اى لا تضيعوا حقوقنا ولا حقوقكم لحظوظكم انتهى- ويروى- ان هرون الرشيد كان له طبيب نصرانى حاذق فقال لعلى بن حسين بن واقد ليس فى كتابكم من علم الطب شىء والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان فقال له ان الله تعالى قد جمع الطب كله فى نصف آية من كتابنا قال وما هى قال قوله تعالى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا فقال النصراني وهل يؤثر عن رسولكم شىء من الطب قال نعم جمع رسولنا صلى الله عليه وسلم الطب فى ألفاظ يسيرة قال وماهى قال قوله (المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وعودوا كل جسم ما اعتاد) فقال النصراني ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا وعن ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما اخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وينبغى لاهل الرخصة ان يقتصروا على اكلتين فى اليوم والليلة فى غير شهر رمضان ولاهل العزيمة على أكلة واحدة فان ما فوق الاكلتين للطائفة الاولى وما فوق الاكلة للثانية تجاوز عن الحد وميل الى الاتصاف بصفات البهائم. والهند جل معالجتهم الحمية يمتنع المريض عن الاكل والشرب والكلام عدة ايام فيبرأ فجانب الاحتماء اولى قُلْ لما طاف المسلمون فى ثيابهم وأكلوا اللحم والدسم عيرهم المشركون لانهم كانوا يطوفون عراة ولا يأكلون اللحم والدسم حال الإحرام فامر الله حبيبه صلى الله عليه وسلم ان يقول لهم مَنْ استفهام انكار حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ من الثياب وسائر ما يتجمل به الَّتِي أَخْرَجَ بمحض قدرته لِعِبادِهِ من النبات كالقطن والكتاب ومن الحيوان كالحرير والصوف ومن المعادن كالدروع وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ عطف على زينة الله اى من حرم ايضا المستلذات من المآكل والمشارب كاللحوم والدسوم والألبان اعلم ان الرجل إذا ادى الفرائض وأحب ان يتنعم بمنظر حسن

ص: 155

وجوار جميلة فلا بأس به فمن قنع بأدنى المعيشة وصرف الباقي الى ما ينفعه فى الآخرة فهو اولى لان ما عند الله خير وأبقى لان الاقتصار على ادنى ما يكفيه عزيمة وما زاد عليه من التنعم ونيل اللذة رخصة دلت عليها هذه الآية ودلت ايضا على ان الأصل فى المطاعم والملابس والتجمل بانواع التجملات الإباحة لان الاستفهام فى من إنكاري كما هو مذهب الشافعي واكثر اصحاب ابى حنيفة فانهم قالوا ان الأصل فى الأشياء الإباحة وذهب بعضهم الى التوقف وبعضهم الى الحظر ووجه قول القائلين بالاباحة انه سبحانه وتعالى غنى على الحقيقة جواد على الإطلاق والغنى الجواد لا يمنع مله عن عبيده الا ما كان فيه ضرر فتكون الإباحة هى الأصل باعتبار غناه سبحانه وجوده والحرمة لعوارض فلم تثبت فبقى على الإباحة ووجه القول بالحظر أن الأشياء كلها مملوكة لله تعالى على الحقيقة والتصرف فى ملك الغير لا يثبت الا بإباحة المالك فلما لم تثبت الإباحة بقي على الحظر لقيام سببه وهو ملك الغير ووجه القول بالتوقف ان الحرمة والإباحة لا تثبت الا بالشرع فقبل وروده لا يتصور ثبوت واحدة منهما فلا يحكم فيها بحظر ولا اباحة قال عبد القاهر البغدادي وتفسير الوقف عندهم ان من فعل شيأ قبل ورود الشرع لم يستحق بفعله من الله تعالى ثوابا ولا عقابا قُلْ هِيَ اى الزينة والطيبات كما فى التفسير الفارسي لِلَّذِينَ آمَنُوا اى مستقرة لهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلق بآمنوا او بالاستقرار الذي تعلق به للذين والمقصود الأصلي من خلق الطيبات تقوية المكلفين على طاعة الله تعالى لا تقويتهم على الكفر والعصيان فهى مختصة لاصالة للمؤمنين والكفار تبع لهم فى ذلك قطعا لمعذرتهم ولذا لم يقل هى للذين آمنوا ولغيرهم فى الدنيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يشاركهم فيها غيرهم وان اشترك فيها المؤمنون والكفار فى الدنيا وانتصابها على الحال من المنوي فى قوله للذين آمنوا ويوم القيامة متعلق بخالصة والاشارة فى الآية من يمنعكم عن طلب كمالات أخرجها الله تعالى من غيب الغيب لخواص عباده من الأنبياء والأولياء ومن حرم عليكم نيل هذه الكرامات والمقامات فمن تصدى لطلبها وسعى لها سعيا فهى مباحة له من غير تأخير ولا قصور واضافة الزينة الى الله لانه أخرجها من خزائن الطافه وحقائق أعطافه فزين الأبدان بالشرائع وآثارها وزين النفوس بالآداب وأقدارها وزين القلوب بالشواهد وأنوارها وزين الأرواح بالمعارف واسرارها وزين الاسرار بالطوالع وأثمارها بل زين الظواهر بآثار التوفيق وزين البواطن بانوار التحقيق بل زين الظواهر بآثار السجود وزين البواطن بانوار الشهود بل زين الظواهر بآثار الجود وزين البواطن بانوار الوجود والطيبات من الرزق وان أرزاق النفوس بحكم افضاله وأرزاق القلوب بموجب إقباله والطيبات من الرزق على الحقيقة ما لم يكن مشوبا بحقوق النفس وحظوظها ويكون خالصا من مواهبه وحقوقه قل هى للذين آمنوا فى الحيوة الدنيا اى هذه الكرامات والمقامات لهؤلاء السادات فى الدنيا مشوبة بشوائب الآفات النفسانية وكدورات الصفات الحيوانية خالصة يوم القيامة من هذه الآفات والكدورات كما قال وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اى كتفصيلنا هذا الحكم نفصل سائر الاحكام لقوم يعلمون ما فى تضاعيفها من المعاني الرائقة قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ اى ما تفاحش قبحه من الذنوب وتزايد

ص: 156

وهى الكبائر ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ بدل من الفواحش اى جهرها وسرها كالكفر والنفاق وغيرهما وَالْإِثْمَ اى ما يوجب الإثم وهو يعم الصغائر والكبائر وَالْبَغْيَ اى الظلم او الكبر أفرده بالذكر مع دخوله فى الإثم للمبالغة فى الزجر عنه بِغَيْرِ الْحَقِّ متعلق بالبغي مؤكد له لان البغي لا يكون بالحق وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ معطوف على مفعول حرم اى وحرم عليكم اشراككم به تعالى ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اى باشراكه وعبادته سُلْطاناً اى حجة وبرهانا وهوتهكم بالمشركين لانه إذا لم يجز إنزال البرهان بالاشراك كان ذكر ذلك تهكما بهم واستهزاء ومعلوم انه لا برهان عليه حتى ينزل وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ بالإلحاد فى صفاته والافتراء عليه كقولهم والله أمرنا بها وفى التأويلات النجمية الفواحش ما يقطع على العبد طريق الرب ويمنعه عن السلوك ففاحشة العوام ما ظهر منها ارتكاب المناهي وما بطن خطورها بالبال وفاحشة الخواص ما ظهر منها ما لانفسهم نصيب فيه ولو بذرة وما بطن الصبر عن المحبوب ولو بلحظة وفاحشة الأخص ما ظهر منها ترك ادب من الآداب او التعلق بسبب من الأسباب وما بطن منها الركون الى شىء من الدارين والالتفات الى غير الله من العالمين والإثم هو الاعراض عن الله ولو طرفة عين والبغي هو حب غير الله فانه وضع فى غير موضعه وان تشركوا بالله يعنى وان تستعينوا بغير الله ما لم ينزل به سلطانا اى ما لم يكن لكم به حجة ورخصة من الشريعة المنزلة وان تقولوا على الله ما لا تعلمون اى وان تحكموا بفتوى النفس وهواها او تقولوا بنظر العقل على الله ما لا تعلمون حقيقته وفيه معنى آخر وان تقولوا فى معرفة الله وبيان احوال السائرين وشرح المقامات واثبات الكرامات ما أنتم عنه غافلون ولستم به عارفين انتهى ثم هدد الله المشركين المكذبين للرسل بقوله وَلِكُلِّ أُمَّةٍ من الأمم المهلكة أَجَلٌ حد معين من الزمان مضروب لمهلكهم فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ الضمير لكل امة خاصة حيث لم يقل آجالهم اى إذا جاءها أجلها الخاص بها والوقت المعين لنزول عذاب الاستئصال عليها لا يَسْتَأْخِرُونَ عن ذلك الاجل ساعَةً اى شيأ قليلا من الزمان فانها مثل فى غاية القلة منه اى لا يتأخرون أصلا وصيغة الاستفعال للاشعار بعجزهم وحرمانهم من ذلك مع طلبهم له وَلا يَسْتَقْدِمُونَ اى لا يتقدمون عليه

أجل چون فردا آيدت پيش و پس

پيش و پس نكذار دست يكنفس

- روى- ان بعض الملوك كان متنسكا ثم رجع ومال الى الدنيا ورياسة الملك وبنى دارا وشيدها وأمر بها ففرشت ونجدت واتخذ مائدة ووضع طعاما ودعا الناس فجعلوا يدخلون عليه ويأكلون ويشربون وينظرون الى بنائه ويتعجبون من ذلك ويدعون له وينصرفون فمكث بذلك أياما ثم جلس هو ونفر من خاصة أصحابه فقال قد ترون سرورى بداري هذه وقد حدثت نفسى ان اتخذ لكل واحد من أولادي مثلها فاقيموا عندى أياما استأنس بحديثكم وأشاوركم فيما أريد من هذا البناء فاقاموا عنده أياما يلهون ويلعبون ويشاورهم كيف يبنى وكيف يصنع ويرتب ذلك فبينما هم ذات ليلة فى لهوهم إذ سمعوا قائلا من أقصى الدار يقول

يا أيها الباني الناسي لميتته

لا تأمنن فان الموت مكتوب

ص: 157

هذى الخلائق ان سروا وان فرحوا

فالموت حتف لدى الآمال منصوب

لا تبنين ديارا لست تسكنها

وراجع النسك كيما يغفر الحوب

ففزع لذلك وفزع أصحابه فزعا شديدا وراعهم فقال هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال فهل تجدون ما أجد قالوا وما تجد قال مسكة على فؤادى وما أراها إلا علة الموت فقالوا كلا بل البقاء والعافية فبكى ثم امر بالشراب فاهريق وبالملاهي فاخرجت او قال فكسرت وتاب الى الله سبحانه ولم يزل يقول الموت الموت حتى خرجت نفسه رحمه الله: قال السعدي

خواجه در بند نقش ايوانست

خانه از پاى بست ويرانست

: وقال

آنكه قرارش نكرفتى وخواب

تا كل ونسرين نفشاندى نخست

كردش كيتى كل رويش بريخت

خاربنان بر سر خاكش برست

والاشارة وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ اى لكل قوم من السائرين الى الله والى الجنة والى النار مدة معلومة ومهلة موقتة فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ مدتهم كما قدر الله فى الأزل لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ هذا وعد للاولياء استمالة لقلوبهم ووعيد للاعداء سياسة لنفوسهم كذا فى التأويلات النجمية يا بَنِي آدَمَ خطاب لكافة الناس إِمَّا أصله ان ما ضمت كلمة ما الى ان الشرطية تأكيدا لما فيها من معنى الشرط يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ كائنون مِنْكُمْ اى من جنسكم فهو صفة لرسل يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي صفة اخرى لرسل اى يبينون لكم احكامى وشرائعى ومقتضى الظاهر كلمة إذا بدل ان لكون الإتيان محقق الوقوع فى علم الله تعالى لكنه سيق المعلوم مساق المشكوك للتنبيه على ان إرسال الرسل امر جائز لا واجب عقلا حتى لا يقدر على عدم إرساله ولا واجب شرعا حتى يأثم بترك إرساله لانه لا يجب على الله شىء لاعقلا ولا شرعا لكن مقتضى الحكمة إرسال الرسل لما فيه من الحكم والمصالح فَمَنِ شرطية بالفارسية [پس هر كه] اتَّقى منكم التكذيب وَأَصْلَحَ عمله وأطاع رسوله الذي يقص آياته فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ اى لا يخافون ما يلحق العصاة فى المستقبل وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم فى الدنيا لاستغراقهم فى الاستلذاذ بما أعد للمتقين فى دار الكرامة والرضوان وَالَّذِينَ كَذَّبُوا منكم بِآياتِنا يعنى [تكذيب رسل كردند] وَاسْتَكْبَرُوا [وكبر آوردند وتعظم كردند يعنى سركشى نمودند] عَنْها [از ايمان بدلائل وحدت ما] أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ [ملازمان آتش اند] هُمْ فِيها خالِدُونَ [باقى اند ببقاء أبدى] فَمَنْ أَظْلَمُ اى فمن أعظم ظلما اى لا أحد مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً اى ممن تقول عليه ما لم يقل ويدخل فى التقول عليه اثبات الشريك والصاحبة والولد أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ اى كذب ما قاله وقد جعل الله الكذب عليه والتكذيب بآياته مساويا فى الإثم حيث قال أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من الافتراء والتكذيب يَنالُهُمْ [برسد بديشان] نَصِيبُهُمْ كائنا مِنَ الْكِتابِ اى مما كتب لهم من الأرزاق والأعمار حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا اى ملك الموت وأعوانه يَتَوَفَّوْنَهُمْ اى حال كونهم متوفين لارواحهم قابضين لها وحتى

ص: 158

وان كانت هى التي يبتدأ بها الكلام لكنها غاية لما قبلها من الفعل اى ينالهم نصيبهم من الكتاب الى ان تأتيهم ملائكة الموت فاذا جاءتهم قالُوا توبيخا لهم أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى اين الآلهة التي كنتم تعبدونها فى الدنيا. وما وصلت باين فى خط المصحف وحقها الفصل لانها موصولة قالُوا اى الكفار ضَلُّوا عَنَّا اى غابوا عنا اى لا ندرى مكانهم وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ عطف على قالوا اى اعترفوا على أنفسهم أَنَّهُمْ كانُوا اى فى الدنيا كافِرِينَ اى عابدين لمن لا يستحق العبادة أصلا حيث شاهدوا مآله وضلاله ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ لاحتمال ذلك من طوائف مختلفة او فى اوقات مختلفة وفى الإرشاد ولعله قصد بيان غاية سرعة وقوع البعث والجزاء كأنهما حاصلان عند ابتداء التوفى كما ينبىء عنه قوله عليه السلام (من مات فقد قامت قيامته) والا فهذا السؤال والجواب وما يترتب عليهما من الأمر بدخول النار وما جرى بين أهلها من التلاعن والتقاول انما يكون بعد البعث لا محالة قالَ الله تعالى لهم يوم القيامة او أحد من الملائكة ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ اى كائنين فى جملة امم مصاحبين لهم قَدْ خَلَتْ اى مضت مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنى كفار الأمم الماضية من النوعين فِي النَّارِ متعلق بقوله ادخلوا وانما قدم الجن على الانس لتقدمهم عليهم فى الخلقة وذلك ان الله تعالى لما خلق الجن فمنهم مؤمن ومنهم كافر فلما استولى اهل الكفر منهم على اهل الايمان حتى استأصلوهم بعث الله إليهم جندا من الملائكة كان رئيسهم إبليس فسلطهم الله عليهم حتى اهلكوا جميعهم ثم خلق الله آدم بعدهم فخلق منه ذريته فمنهم كافر كقابيل ومنهم مؤمن كهابيل إذ كان فى كل زمان منهم امة كافرة مستحقة لدخول النار وامة مؤمنة مستحقة لدخول الجنة حتى الآن الى انقراض العالم كما قال عليه السلام (لا تقوم الساعة وفى الأرض من يقول الله الله) كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ من الأمم السابقة واللاحقة اى فى النار لَعَنَتْ أُخْتَها التي ضلت بالاقتداء بها فلعنت المشركون المشركين واليهود اليهود والنصارى النصارى والمجوس المجوس وعلى هذا القياس ويلعن الاتباع القادة يقولون لعنكم الله أنتم غررتمونا فالمراد الاخت فى الدين والملة ولم يقل أخاها لانه أراد الامة والجماعة حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً غاية لما قبلها. والمعنى انهم يدخلونها فوجا فوجا لاعنا بعضهم بعضا الى انتهاء تداركهم وتلاحقهم فى النار واجتماعهم فيها واصل اداركوا تداركوا أدغمت التاء فى الدال فاجتلبت همزة الوصل قالَتْ أُخْراهُمْ اى دخولا وهم الاتباع واخرى هاهنا بمعنى آخرة مؤنث آخر مقابل أول لا مؤنث آخر بمعنى غير كقوله تعالى وِزْرَ أُخْرى لِأُولاهُمْ اى لاجل أولاهم إذا الخطاب مع الله تعالى رَبَّنا- هؤُلاءِ أَضَلُّونا اى سنوا لنا الضلال عن الهدى بإلقاء الشبهة علينا فاقتدينا بهم فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً

اى مضاعفا مِنَ النَّارِ لانهم ضلوا وأضلوا قالَ الله لِكُلٍّ من الأولين والآخرين ضِعْفٌ اما القادة فبكفرهم وتضليلهم واما الاتباع فبكفرهم وتقليدهم فليس المراد تضعيف ما يستحق كل واحد من العذاب لانه ظلم بل تضعيفه عذاب الضلال بان يضم اليه عذاب الإضلال والتقليد وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ ما لكم

ص: 159

وما لكل فريق من العذاب وَقالَتْ أُولاهُمْ اى مخاطبين لِأُخْراهُمْ حين سمعوا جواب الله لهم فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ من حيث الاجتناب عن الكفر والضلال فكيف تطمعون ان يكون عذابكم أخف من عذابنا ويكون عذابنا ضعف عذابكم والحال انا ما الجأناكم على الكفر بل كفرتم لكون الكفر موافقا لهواكم فَذُوقُوا الْعَذابَ المعهود المضاعف وهو قول القادة على سبيل التشفي بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ [بسبب آنكه بوديد كه كسب مى كرديد از كفر اكنون حواله عذاب بديگرى ميكنيد]

جمله دانند اين اگر تو نكروى

هر چهـ مى كاريش روزى بدروى

واعلم ان الكفار اهل الإنكار اعرضوا عن ارشاد الاخبار واكتسبوا سننا سيئة وذهلوا عن السنن الحسنة التي سنتها الأنبياء العظام والأولياء الكرام ثم آل أمرهم الى الاعتراف بجرائمهم وضلالهم حين لا ينفع الإقرار فعلى العاقل تدارك الحال قبل حلول الآجال وفى الحديث (جددوا ايمانكم) والمراد الانتقال من مرتبة الى مرتبة فان اصل الايمان قد تم بالأول ولكن الايمان على ثمانى عشرة مرتبة فالعناية من الله تعالى: وفى المثنوى

تازه كن ايمان نه از قول زبان

اى هوا را تازه كرده در نهان

تا هوا تازه است وايمان تازه نيست

كين هوا جز قفل آن دروازه نيست

فالله تعالى دعا الخلق الى الايمان بواسطة الأنبياء عليهم السلام فمن أجاب اهتدى الى طريق الجنة ومن لم يجب سقط فى النار قيل انما خلق الله النار لغلبة شفقته وموالاته كرجل يضيف الناس ويقول من جاء الى ضيافتى أكرمته ومن لم يجىء ليس عليه شىء ويقول مضيف آخر من جاء الىّ أكرمته ومن لم يجىء ضربته وحبسته ليبين غاية كرمه وهو آكد وأتم من الإكرام الاول قال بعضهم نار جهنم خير من وجه وشر من وجه كنار نمرود شر فى أعينهم وبرد وسلام على ابراهيم كالسوط فى يد الحاكم السوط خير للطاغى وشر للمطيع فمن أراد ان يسلم من عذاب النار فعليه بطريق الأخيار وكان المولى جلال الدين قدس سره يعظ يوما لاهل قرامان ويحكى ان من كان عاصيا ومات قبل التوبة من العصيان فانه يدخل النار بعدله تعالى فبعد احتراقه بقدر خطاه يخرجه الله تعالى منها ويعتقه ويدخله الجنة فقال شخص كان فى ذلك المجلس ليت هذا حصل قبل ان يهدم عرض المرء وينكسر فادع الله تعالى ايها المولى حتى يشرفنا بالجنة قبل انكسار الاعراض نسأل الله تعالى ان يعاملنا بلطفه وكرمه انه ولى الهداية والتوفيق إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وهى الحجج الدالة على اصول الدين من التوحيد ونبوة الأنبياء والبعث والجزاء وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها اى تعظموا وترفعوا عن الايمان بها والعمل بمقتضاها وهم الكفار لا تُفَتَّحُ التشديد لكثرة الأبواب لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ اى لا تقبل ادعيتهم ولا أعمالهم اولا تعرج إليها أرواحهم كما هو شأن ادعية المؤمنين وأعمالهم وأرواحهم وفى الحديث (ان روح المؤمن يعرج بها الى السماء فيستفتح لها فيقال مرحبا بالنفس الطيبة التي كانت فى الجسد الطيب الى ان تنتهى الى السماء السابعة ويستفتح لروح الكافر فيقال لها ارجعي ذميمة فيهوى بها الى سجين) وهو

ص: 160

مقر إبليس الأبالسة تحت الأرض السابعة فالارواح كلها سعيدها وشقيها متصلة بأجسادها فتعذب الأرواح وتتألم الأجساد منه كالشمس فى السماء ونورها فى الأرض واعلم ان أرواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء والأرض بعضها فى الهواء وبعضها فى أفنية القبور الى سبعة ايام الى سنة الى غير ذلك من الزمان حتى تصعد وتتخلص بدعوات الاحياء وامداد الحسنات وتصل الى المقر السماوي الدنيوي وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ اى حتى يدخل ما هو مثل فى عظم الجرم وهو البعير فى ما هو مثل فى ضيق المسلك وهو ثقب الابرة وذلك مما لا يكون فكذا ما توقف عليه «هر كارى موقوف محالست محالست» والعرب إذا أرادت تأكيد النفي علقته بما يستحيل كونه كما قال الشاعر

إذا شاب الغراب أتيت أهلي

وصار القار كاللبن الحليب

والجمل زوج الناقة وانما يسمى جملا إذا اربع اى إذا دخل فى السنة السابعة فانه يقال له فى السنة السابعة رباع وللانثى رباعية بالتخفيف. والخياط ما يخاط به فسم الخياط بالفارسية [سوراخ سوزن] وقرىء الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وهو الحبل الغليظ من القنب او حبل السفينة التي يقال له القلس وهى حبال مجموعة مفتولة وَكَذلِكَ اى مثل ذلك الجزاء الفظيع وهو الحرمان من الجنة نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ اى جنس المجرمين فدخلوا فى زمرتهم دخولا أوليا لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ من جهنم حال من مهاد ومعناه فراش من النار يضطجعون ويقعدون فيه وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ اى اغطية جمع غاشية وهو ما يغشى الشيء ويستره ومعنى الآية الاخبار عن احاطة النار بهم من كل جانب حيث كانت غطاء لهم ووطاء وفى الحديث (الكافر يكسى لوحين من نار فى قبره) وَكَذلِكَ اى مثل ذلك الجزاء الشديد وهو التعذيب بالنار نَجْزِي الظَّالِمِينَ ولما كان التعذيب المؤبد بنار جهنم أشد العقوبات دل ذكر الظلم معه على انه أعظم الاجرام واعلم ان فوت النعيم أيسر من مقاساة الجحيم والمصيبة العظمى هى الخلود وذكر عند الحسن البصري ان آخر من خرج من النار رجل يقال له هناد عذب الف عام ينادى يا حنان ويا منان فبكى الحسن وقال ليتنى كنت هنادا فتعجبوا منه فقال ويحكم أليس يوما يخرج والاشارة إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وهى السنن الحسنة المنزلة على الأنبياء وما أظهره الله تعالى على يد الأولياء من الكرامات والعلوم اللدنية فانكروها وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها اى تكبروا عن قبولها والايمان بها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ اى أبواب سماء القلوب الى الحضرة وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ اى جنة القربة والوصلة حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ اى جمل النفس المتكبرة فِي سَمِّ الْخِياطِ وهو مدخل الطريقة التي بها تربى النفوس الامارة وتزكى لتصير مطمئنة فتستحق بها خطاب ارجعي الى ربك. فالمعنى ان النفس المتكبرة لما صارت كالجمل لتكبرها لا تصلح لدخول جنة الحقيقة الا بعد تزكيتها باحكام الشريعة وآداب الطريقة حتى تصير بالتربية فى ازالة الصفات الذميمة وقطع تعلقات ما سوى الله تعالى أدق من الشعر بألف مرة فيلج فى سم خياط الفناء فيدخل الجنة جنة البقاء فافهم جدا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ الذي أجرموا على أنفسهم الضعيفة اللطيفة حتى صارت من الأوزار كالجمل بان نجعل لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ المجاهدة والرياضة فراشا وهو

ص: 161

قوله لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ يعنى من مخالفة النفس وقمع الهوى يكون فراشهم ولحافهم حتى تحيط بهم فتذيبهم وتحرق منهم انانيتهم مع أثقال أوزارهم ليستحقوا دخول الجنة وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ يعنى بهذه الطريقة نضع عنهم أوزارهم ونرد مظالمهم فى الدنيا ليردوا القيامة مستعدين لدخول الجنة ومن لم نجزه فى الدنيا بهذه الطريقة فنجزه فى الآخرة كما قال وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ فى الآخرة لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فيه كذا فى التأويلات النجمية فالمجاهدة وسلوك طريق التصفية من دأب الأخيار ذكر عن ابراهيم ابن أدهم انه لما أراد ان يدخل البادية أتاه الشيطان فخوفه ان هذه بادية مهلكة ولا زاد معك ولا مركب فعزم على نفسه رحمه الله ان يقطع البادية على تجرده ذلك وان لا يقطعها حتى يصلى تحت كل ميل من اميالها الف ركعة وقام بما عزم عليه وبقي فى البادية اثنتي عشرة سنة حتى ان الرشيد حج فى بعض تلك السنين فرآه تحت ميل يصلى فقيل له هذا ابراهيم بن أدهم فأتاه فقال كيف نجدك يا أبا اسحق فانشد ابراهيم بن أدهم يقول نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع فطوبى لعبد آثر الله ربه وجاء بدنياه لما يتوقع: قال الحافظ

دع التكاسل تغنم فقد جرى مثل

كه زاد رهروان چستيست و چالاكى

وَالَّذِينَ آمَنُوا بالآيات وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى الأعمال الصالحات التي شرعت بالآيات وهى ما أريد به وجه الله تعالى لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اى طاقتها وقدرتها هو اعتراض بين المبتدأ والخبر للدلالة على ان استحقاق الخلود فى النعيم المقيم بسبب اتصافهم بالايمان والعمل الصالح على حسب ما تسعه طاقتهم وان لم يبذلوا مجهودهم فيه أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ [ملازمان بهشت اند] هُمْ فِيها خالِدُونَ حال من اصحاب الجنة وَنَزَعْنا النزع قلع الشيء عن مكانه ما فِي صُدُورِهِمْ قلوبهم مِنْ غِلٍّ وهو الحقد الكامن والبغض المختفى فى الصدور اى تخرج من قلوبهم اسباب الحقد الذي كان لبعضهم فى حق بعض فى الدنيا فان ذلك الحقد انما نشأ من التعلق بالدنيا وما فيها وبانقطاع تلك العلاقة انتهى ما يتفرع عليه من الحقد ومن جملة أسبابه ايضا ان الشيطان كان يلقى الوساوس الى قلوب بنى آدم فى الدنيا وقد انقطع ذلك فى الآخرة بسبب ان الشيطان لما استغرق فى عذاب النيران لم يتفرغ لالقاء الوسوسة فى قلب الإنسان ويجوز ان يكون المراد نطهر قلوبهم من الغل نفسه حتى لا يكون بينهم الا التواد يعنى لا يحسد بعض اهل الجنة بعضا إذا رآه ارفع درجة منه ولا يغتم بسبب حرمانه من الدرجات الرفيعة العالية قال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت هذه الآية فى ابى بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وابن مسعود وعمار بن ياسر وسلمان وابى ذر ينزع الله فى الآخرة ما كان فى قلوبهم من غش بعضهم لبعض فى الدنيا من العداوة والقتل الذي كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر الذي اختلفوا فيه فيدخلون إخوانا على سرر متقابلين.

ص: 162

پاك وصافى شو واز چاه طبيعت بدر آي

كه صفايى ندهد آب تراب آلوده

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ اى من تحت شجرهم وغرفهم الْأَنْهارُ زيادة فى لذتهم وسرورهم وَقالُوا اى اهل الجنة إذا رأوا منازلهم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا بفضله لِهذا اى لدين وعمل جزاؤه هذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ اى لهذا المطلب الأعلى لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ ووفقنا له

كر بدرقه لطف تو ننمايد راه

از راه تو هيچكس نكردد آگاه

آنكه كه بره رسند وبايد رفتن

توفيق رفيق نشد وا ويلاه

- روى- عن السدى انه قال فى هذه الآية ان اهل الجنة إذا سيقوا الى الجنة وجدوا عند بابها شجرة فى اصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما فينزع ما فى صدورهم من غل وهو الشراب الطهور واغتسلوا من الاخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعده ابدا والشعث انتشار شعر الرأس والأشعث مغبر الرأس ويقال شحب جسمه يشحب بالضم إذا تغير وشربوا واغتسلوا ويبشرهم خزنة الجنة قبل ان يدخلوها بان يقولوا لهم أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فاذا دخلوها واستقروا فى منازلهم منها قالوا الحمد لله الآية واعلم ان الغل ظلمة الصفات البشرية وكدورتها وطهارة القلوب بنور الايمان والأرواح بماء العرفان والاسرار بشراب طهور تجلى صفات الجمال وليس فى صدور اهل الحقيقة من غل وغش أصلا لا فى الدنيا ولا فى العقبى لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا جواب قسم مقدر اى والله لقد جاؤا بِالْحَقِّ فالباء للتعدية او لقد جاؤا ملتبسين بالحق فهى للملابسة يقوله اهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانا واستقروا فيه إظهارا لكمال نشاطهم وسرورهم قال الحدادي شهادة منهم بتبليغ الرسل للحق إليهم اى جاؤا بالصدق فصدقناهم وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ يعنى ان الملائكة ينادونهم حين رأى المؤمنون الجنة من بعيد بان يقولوا لهم ان تلك التي رأيتموها هى الجنة التي وعدتم بها فى الدنيا فان مفسرة او مخففة وتلك مبتدأ أشير به الى ما رأوه من بعيد والجنة خبره واللام فيها للعهد أُورِثْتُمُوها اى أعطيتموها والجملة حال من الجنة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فى الدنيا من الأعمال الصالحة اى بسبب أعمالكم فان قيل هذه الآية تدل على ان العبد يدخل الجنة بعمله وقد قال عليه السلام (لن يدخل الجنة أحدكم بعمله وانما تدخلونها برحمة الله تعالى وفضله) فما وجه التوفيق بينهما أجيب بان العمل لا يوجب دخول الجنة لذاته وانما يوجبه من حيث انه تعالى وعد للعاملين ان يتفضل بها بمحض رحمته وكمال فضله وإحسانه ولما كان الوعد بالتفضل فى حق العاملين بمقابلة عملهم كان العمل بمنزلة السبب المؤدى إليها فلذلك قيل أورثتموها بأعمالكم كذا فى حواشى ابن الشيخ وفى الخبر انه يقال لهم يوم القيامة (جوزوا الصراط بعفوي وادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم) وهى جنة الأعمال وهى التي ينزل الناس فيها بأعمالهم فمن كان أفضل من غيره فى وجوه التفاضل كان له من الجنة اكثر سواء كان الفاضل بهذه الحالة دون المفضول او لم يكن فما من عمل إلا وله جنة يقع التفاضل فيها بين أصحابها ورد فى الحديث

ص: 163

الصحيح عن النبي عليه السلام انه قال لبلال يا بلال (بم سبقتنى الى الجنة فما وطئت منها موضعا الا سمعت خشخشتك) فقال يا رسول الله ما أحدثت قط إلا توضأت وما توضأت إلا صليت ركعتين فقال عليه السلام (بهما) فعلمنا انها كانت مخصوصة بهذا العمل فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه إلا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها والتفاضل على مراتب. فمنها بالسن ولكن فى الطاعة والإسلام فيفضل الكبير السن على الصغير السن إذا كانا على مرتبة واحدة من العمل. ومنها بالزمان فان العمل فى رمضان وفى يوم الجمعة وفى ليلة القدر وفى عشر ذى الحجة وفى عاشوراء أعظم من سائر الزمان. ومنها بالمكان فالصلاة فى المسجد الحرام أفضل منها فى مسجد المدينة وهى من الصلاة فى المسجد الأقصى وهى منها فى سائر المساجد. ومنهما بالأحوال فان الصلاة بالجماعة أفضل من صلاة الشخص وحده. ومنها بنفس الأعمال فان الصلاة أفضل من اماطة الأذى ومنها فى العمل الواحد فالمتصدق على رحمه صاحب صلة رحم وصدقة وكذا من اهدى هدية لشريف من اهل البيت أفضل ممن اهدى لغيره او احسن اليه ومن الناس من يجمع فى الزمن الواحد أعمالا كثيرة فيصرف سمعه وبصره ويده فيما يبتغى فى زمان صومه وصدقته بل فى زمان صلاته فى زمان ذكره فى زمان نيته من فعل وترك فيؤجر فى الزمن الواحد من وجوه كثيرة فيفضل غيره ممن ليس له ذلك ومن الجنات جنة اختصاص الهى وهى التي يدخلها الأطفال الذين لم يبلغوا حد العمل وحده من أول ما يولد اى يستهل صارخا الى انقضاء ستة أعوام ويعطى الله من شاء من عباده من جنات الاختصاص ما شاء. ومن أهلها المجانين الذين ما عقلوا. ومن أهلها اهل التوحيد العلمي. ومن أهلها اهل الفترات ومن لم يصل إليهم دعوة رسول ومن الجنات جنة ميراث ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين وهى الأماكن التي كانت معينة لاهل النار لو دخلوها وفى الحديث (كل من اهل النار يرى منزله فى الجنة فيقولون لو هدانا الله فيكون عليهم حسرة وكل من اهل الجنة يرى منزله فى النار فيقولون لولا ان الله هدانا) واعلم ان الجنة صورية ومعنوية صورية محسوسة مؤجلة ومعنوية معقولة معجلة وأهلها اهل الفناء فى الله والبقاء بالله: قال الحافظ

جنت نقدست اين جا عشرت وعيش وحضور

زانكه در جنت خدا بر بنده ننويسد كناه

اللهم شرفنا بالجنان انك أنت المنان وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ سرورا بحالهم وشماتة باصحاب النار وتحسيرا لهم لا لمجرد الاخبار بحالهم والاستخبار عن حال مخاطبهم ووجه تيسر المناداة والمكالمة بين اهل الجنة واهل النار مع ان بعد ما بين الجنة والنار لا يعلم مقداره الا الله تعالى إذ كل درجة من درجات الجنان يقابلها دركة من دركات النيران فأى درجة فيها العامل بسبب عمله يستحق تارك ذلك العمل بسبب تركه إياه دركة من دركاة الجحيم فيكون اهل الدرجة مشرفا على اهل الدركة التي تقابلها كما قال تعالى فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ فامكن لهم تقريع اهل النار وتحسيرهم بقولهم أَنْ تفسيرية للمنادى له لان النداء فى معنى القول او مخففة قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا من الثواب والكرامة حَقًّا بالفارسية [راست

ص: 164

ودرست] فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ من العذاب. والوعد يستعمل فى الخير والشر حَقًّا حذف المفعول من الفعل الثاني حيث لم يقل ما وعدكم كما قال ما وعدنا إسقاطا لهم عن رتبة التشريف بالخطاب عند الوعد قالُوا نَعَمْ اى وجدناه حقا فاعترفوا فى وقت لا ينفعهم الاعتراف ولذا قيل

كنون بايد اى خفته بيدار بود

چومرك اندر آرد ز خوابت چهـ سود

تو پيش از عقوبت در عفو كوب

كه سودى ندارد فغان زير چوب

فَأَذَّنَ [پس آواز دهد] مُؤَذِّنٌ [آواز دهنده] وهو ملك ينادى من قبل الله تعالى نداء يسمعه كل واحد من اهل الحنة واهل النار. وقيل هو صاحب الصور اى اسرافيل عليه السلام بَيْنَهُمْ منصوب بإذن اى أوقع ذلك الاذان بين الفريقين اى فى وسطهم أَنْ تفسيرية لان التأذين فى معنى القول او مخففة لَعْنَةُ اللَّهِ استقرت عَلَى الظَّالِمِينَ اى على الكافرين دون المؤمنين لان الظلم إذا ذكر مطلقا يصرف الى الكمال وكمال الظلم هو الشرك وهو اخبار. وقيل هو ابتداء لعن منه عليهم الَّذِينَ يَصُدُّونَ يعرضون فهو لازم لان جعله متعديا بمعنى يمنعون الناس محوج الى تقدير المفعول ولا يصار اليه من غير ضرورة عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى عن الدين الذي هو طريق الله الى جنته. والسبيل الطريق وما وضح منه كذا فى القاموس وَيَبْغُونَها عِوَجاً اى يبغون لها عوجا بان يصفوها بالزيغ والميل عن الحق وهى ابعد شىء منهما وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ جاحدون بالبعث بعد الموت فلما كان الظالمين بمعنى الكافرين كانت الأوصاف الجارية عليه من قبيل الصفات المؤكدة فان الظالم وصف فى الآية بثلاث صفات مختصة بالكفار. الاولى كونهم صادين معرضين عن سبيل الله. والثانية كونهم طالبين امالة سبيل الله ودينه الحق وتغييره الى الباطل بإلقاء الشكوك والشبهات فى دلائل حقيته. والثالثة كونهم منكرين للآخرة مختصين بهذا الوصف وكل واحدة من هذه الصفات الثلاث مقررة لظلمهم بمعنى الكفر والاشارة وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ اى ارباب المحبة أَصْحابَ النَّارِ يعنى نار القطيعة أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا اى فيما قال (ألا من طلبنى وجدنى) فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا اى فيما قال (ومن يطلب غيرى لم يجدنى) قالُوا نَعَمْ فاجابوهم بلى وجدناه حقا فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ العزة والعظمة بينهم أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الذين وضعوا استعداد الطلب فى غير موضع مطلبه وصرفوه فى غير مصرفه الَّذِينَ يَصُدُّونَ اى وهم الذين يصدون القلب والروح عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وطلبه وَيَبْغُونَها عِوَجاً اى يصرفون وجوههم الى الدنيا وما فيها وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ اى وهم ينكرون على اهل المحبة فيما يطلبون مما تأخر من حسهم وهم يطلبون ما يدركون بالحواس الظاهرة دون ما فى الآخرة كذا فى التأويلات النجمية فالناس على مراتب بحسب إقرارهم وانكارهم وسلوكهم وقعودهم: وفى المثنوى

كودكان كرچهـ بيك مكتب درند

در سبق هر يك ز يك بالاترند

خود ملائك نيز تا همتا بدند

زين سبب بر آسمان صف صف شدند

ص: 165

فعلى السالك الاجتهاد فى طلب الحق الى ظهور كنز الحقيقة فان المطلب الأعلى عند من يميز النقد الجيد من النبهرج والزيوف وعن ذى النون رضى الله عنه قال اوحى الله سبحانه الى موسى عليه السلام يا موسى كن كالطير الوحدانى يأكل من رؤس الأشجار ويشرب الماء القراح او قال من الأنهار إذا جنه الليل أوى الى كهف من الكهوف استئناسا بي واستيحاشا ممن عصانى يا موسى انى آليت على نفسى ان لا أتم لمدعى عملا ولأقطعن امل من امل غيرى ولأقصمنّ من استند الى سواى ولاطيلن وحشة من انس بغيري ولا عرضن عمن أحب حبيبا سواى يا موسى ان لى عبادا ان ناجونى أصغيت إليهم وان نادونى أقبلت عليهم وان اقبلوا على أدنيتهم وان دنوا منى قربتهم وان تقربوا منى كفيتهم وان والونى واليتهم وان صافونى صافيتهم وان عملوا الى جازيتهم انا مدبر أمرهم وسائس قلوبهم ومتولى أحوالهم لم اجعل لقلوبهم راحة فى شىء الا فى ذكرى فهؤلاء سقامهم شفاء وعلى قلوبهم ضياء لا يستأنسون إلا بي ولا يحطون رحال قلوبهم الا عندى ولا يستقر بهم قرار فى الإيواء الا الىّ وَبَيْنَهُما اى بين الفريقين او بين الجنة والنار حِجابٌ كسور المدينة حتى لا يقدر اهل النار ان يخرجوا الى الجنة ولئلا يتأذى اهل الجنة بالنار ولا يتنعم اهل النار بنعيم الجنة لان الحجاب المضروب بينهما يمنع وصول اثر إحداهما الى الاخرى لانه قد جاء ان الحور العين لو نظرت واحدة منهن الى الدنيا نظرة لامتلأت الدنيا من ضوئها وعطرها وجاء فى وصف النار ان شرارة منها لو وقعت فى الدنيا لاحرقتها قال الحدادي فان قيل كيف يصح هذا التأويل فى الحجاب بين الجنة والنار ومعلوم ان الجنة فى السماء والنار فى الأرض قيل لم يبين الله حال الحجاب المذكور فى الآية ولا قدر المسافة فلا يمتنع ان يكون بين الجنة والنار حجاب وان بعدت المسافة وَعَلَى الْأَعْرافِ اى اعراف ذلك الحجاب اى أعاليه وهو السور المضروب بينها قيل هو جبل أحد يوضع هناك جمع عرف وهو كل عال مرتفع ومنه عرف الديك والفرس سمى عرفا لانه بسبب ارتفاعه يكون اعرف مما انخفض منه رِجالٌ طائفة من المؤمنين تساوت حسناتهم وسيآتهم فهم ينظرون الى النار وينظرون الى الجنة وما لهم رجحان بما يدخلهم احدى الدارين فاذا دعوا الى السجود وهو الذي يبقى يوم القيامة من التكليف يسجدون فيرجع ميزان حسناتهم فيدخلون الجنة وهو أحد الأقوال فى تعيين اصحاب الأعراف وسيجيئ الباقي يَعْرِفُونَ صفة رجال كُلًّا اى كل فريق من اصحاب الجنة واصحاب النار بِسِيماهُمْ اى بسبب علاماتهم التي أعلمهم الله بها كبياض الوجه وسواده وهذا فى العرصات قبل دخول الجنة والنار فان المعرفة بعد الدخول تحصل بالمشاهدة والاحساس ولا يحتاج الى الاستدلال بسيماهم واما النداء والصرف والإتيان فبعد الدخول وَنادَوْا اى الرجال وهو صفة ثانية لرجال عدل الى لفظ الماضي تنزيلا للنداء منزلة الواقع أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ تفسيرية او مخففة سَلامٌ عَلَيْكُمْ يعنى إذا نظروا إليهم سلموا عليهم سلام التحية والإكرام وبشروهم بالسلامة من جميع المكاره والآفات لَمْ يَدْخُلُوها حال من فاعل نادوا اى نادوا حال كونهم لم يدخلوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ

ص: 166

اى والحال انهم طامعون فى دخولها حال من فاعل يدخلوها اى نادوهم وهم لم يدخلوها حال كونهم طامعين فى دخولها مترقبين له اى لم يدخلوها وهم فى وقت عدم الدخول طامعون وسبب طمعهم انهم من اهل لا اله الا الله ولا يرونها فى ميزانهم ويعلمون ان الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة ولو جيىء بذرة لاحدى الكفتين لرجحت بها لانها فى غاية الاعتدال فيطمعون فى كرم الله وعدله وانه لا بد ان يكون لكلمة لا اله الا الله عناية بصاحبها فيظهر لها اثر عليهم فيقفون هناك حتى يقضى الله فيهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة برحمته وهم آخر من يدخل الجنة وإذا أراد الله ان يعافيهم انطلق بهم الى نهر يقال له نهر الحياة حافتاه قضب الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك فالقوا فيه حتى تصلح ألوانهم وفى نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها ثم يؤتى بهم فيدخلون الجنة ويسمون مساكين اهل الجنة: قال الحافظ

هست اميدم كه على رغم عدو روز جزا

فيض عفوش ننهد باركنه بر دوشم

وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ اى الى جهنم وفى عدم التعرض لتعلق انظارهم باصحاب الجنة والتعبير عن تعلق أبصارهم باصحاب النار بالصرف اشعار بان التعلق الاول بطريق الرغبة والميل والثاني بخلافه وفى تفسير الزاهدي ان الملك يصرف أبصارهم إليهم بامر الله تعالى قالُوا متعوذين بالله تعالى من سوء حالهم رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى فى النار اى يدعون بذلك خوفا من الله تعالى لاجل معاصيهم والقول الثاني فى تعيين اصحاب الأعراف انهم الأنبياء أجلسهم الله على أعالي ذلك السور تمييزا لهم عن سائر اهل القيامة ليكونوا مشرفين على اهل الجنة واهل النار مطلعين على أحوالهم ومقادير ثوابهم وعقابهم شاهدين على أممهم وعلى هذا فقوله لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ حال من مفعول نادوا وهو اصحاب الجنة لان طمع دخول الجنة لا يليق باشراف اهل الموقف اى نادى اشراف اهل الموقف وهم على الأعراف اصحاب الجنة حال كون أصحابها لم يدخلوها وهم طامعون فى دخولها وكذا التقدير فى صائر الوجوه الآتية المرادة بها اهل الدرجات العالية والقول الثالث هم الشهداء الذين يميزون من بين اهل الموقف بالاستحقاق لمزيد التعظيم والاجلاس فى أعالي السور المضروب ليشاهدوا حكم الله تعالى فى اهل الموقف بمقتضى فضله وعدله والرابع هم أفاضل المؤمنين فرغوا من شغل أنفسهم وتفرغوا لمطالعة احوال الناس وفى الحديث (إذا جمع الخلائق يوم القيامة نادى مناد اين اهل الفضل فيقوم أناس وهم يسيرون فينطلقون سراعا الى الجنة فيقولون نحن اهل الفضل فيقال لهم ما كان فضلكم فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيئ إلينا غفرنا وإذا جهل علينا حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين) والخامس قوم صالحون فقهاء علماء وذلك لمزيتهم على غيرهم بشرف الفقه والعلم والسادس هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم وهم فى كل امة والسابع هم العباس وحمزة وعلى بن ابى طالب وجعفر ذو الجناحين رضى الله عنهم يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه والثامن انهم ملائكة موكلون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل ادخالهم الجنة والنار عبر عنهم باسم الرجال

ص: 167

لكونهم يرون فى صورة الرجال كما عبر به عن الجن فى قوله تعالى وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ لكونهم فى صورة الرجال يقولون حين أشرفوا على اهل النار ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين لانهم مكلفون كبنى آدم فلا ينكر ان يدعوا الله لانفسهم بالأمن والتاسع هم الشهداء الذين خرجوا الى الغزو وغزوا فى سبيل الله بغير اذن آبائهم فقتلوا شهداء فاعتقوا من النار بان قتلوا فى سبيل الله واحتبسوا عن الجنة بعصيانهم آباءهم والعاشر قوم رضى عنهم آباؤهم دون أمهاتهم او أمهاتهم دون آبائهم والحادي عشر انهم أولاد الزنى والثاني عشر أولاد المشركين والثالث عشر هم الذين ماتوا فى الفترة ولم يبدلوا دينهم وزمان الفترة هو الزمان الذي بين عيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما والرابع عشر هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب فى الدنيا فوقفوا وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم فيقع فى مقابلة صغائرهم والخامس عشر هم الذين ذكرهم الله فى القرآن اصحاب الذنوب العظام من اهل القبلة- روى- عن بعض الصالحين انه

قال أخذتنى ذات ليلة سنة فنمت فرأيت فى منامى كأن القيامة قد قامت وكأن الناس يحاسبون فقوم يمضى بهم الى الجنة وقوم يمضى بهم الى النار قال فاتيت الى الجنة فناديت يا اهل الجنة بماذا نلتم سكنى الجنان فى محل الرضوان فقالوا لى بطاعة الرحمن ومخالفة الشيطان ثم أتيت الى باب النار فناديت يا اهل النار بماذا نلتم النار قالوا بطاعة الشيطان ومخالفة الرحمن قال فنظرت فاذا بقوم موقوفون بين الجنة والنار فقلت ما بالكم موقوفون بين الجنة والنار فقالوا لنا ذنوب جلت وحسنات قلت فالسيئات منعتنا من دخول الجنة والحسنات منعتنا من دخول النار وانشدوا

نحن قوم لنا ذنوب كبار

منعتنا من الوصول اليه

تركتنا مذبذبين حيارى

أمسكتنا عن القدوم عليه

هذا ما تيسر لى جمعه من الأقوال والله تعالى اعلم بحقيقة الحال والاشارة ان بين اهل النار واهل الجنة حجابا وهو من أوصاف البشرية والأخلاق الذميمة النفسانية فلا يرى اهل النار اهل الجنة من وراء ذلك الحجاب وبين اهل الجنة واهل الله وهم اصحاب الأعراف حجابا وهو من الأوصاف الخلقية والأخلاق الحميدة الروحانية فلا يرى اهل الجنة اهل الله من وراء ذلك الحجاب كما قال الله تعالى وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ يعنى اصحاب الأعراف يعرفون اهل الجنة والنار بما يتوسمون فى سيماهم من آثار نور القلب وظلمته وسميت الأعراف اعرافا لانها مواطن اهل المعرفة وانما سمى الله اهل المعرفة رجالا لانهم بالرجولية يتصرفون فيما سوى الله تصرف الرجال فى النساء ولا يتصرف فيهم شىء منه كقوله رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وحيث ما ذكر الله الخواص ذكرهم برجال كقوله رِجالٌ صَدَقُوا وكقوله فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا لان وجه الامتياز بين الخواص والعوام بالرجولية فى طلب الحق وعلو الهمة فان اصحاب الأعراف بعلو هممهم ترقوا عن حضيض البشرية ودركات النيران وصعدوا على ذروة الروحانية ودرجات الجنان وما التفتوا الى نعيم الدارين وما ركنوا الى كمالات المنزلين حتى عبروا عن المكونات وأقاموا على الأعراف

ص: 168

وهى مرتبة فوق الجنان فى حظائر القدس عند الرحمن وهم مشرّفون على اهل الجنة والنار فلما رأوا اهل الجنة وانهم فى شغل فاكهون وَقد شغلوا بنعيميها عن المولى نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ يعنى هنيئا لكم ما أنتم فيه من النعيم المقيم والحور والقصور ثم اخبر عن همة اصحاب الأعراف فقال لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ اى شاهدوا نعيم الجنة ودرجاتها ولم يركنوا الى شىء منها فعبروا عليها ولم يدخلوها وهم على الأعراف يطمعون فى الوصول الى الله والدخول فى الجنة التي أضافها الله تعالى الى نفسه بقوله وَادْخُلِي جَنَّتِي وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ ابتلاء ليريهم انه تعالى من أية دركة خلصهم وبأية كرامة خصهم فيعرفوا قدر ما أنعم الله عليهم به ومن هذا القبيل يكون ما سنح لارباب الكمالات من الخواطر النفسانية وما ابتلاهم بشىء من الدنيا والجاه والقبول والاشتغال بالخلق ليعرفوا قدر العزلة والتجريد والانس مع الله فى الخلوات ففى أداء حق الشكر ورؤية النعمة قالُوا مع المنعم رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى بعد ان خلصتنا من اوصافهم واخلاقهم ودركاتهم ومما هم فيه لا تجعلنا مرة اخرى من جهتهم ولا تدخلنا فى زمرتهم كذا فى التأويلات النجمية وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ وهم الذي علت درجاتهم من الأنبياء واشراف اهل الموقف وهو الأنسب بما بعد الآية إذ قولهم ادخلوا الجنة لا يليق بالمقصرين فى العمل رِجالًا من رؤساء الكفار حين رأوهم فيما بين اصحاب النار وهم ابو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة وعاص بن وائل واضرابهم يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ اى علاماتهم الدالة على سوء حالهم حينئذ وعلى رياستهم فى الدنيا والباء سببية قالُوا بدل من نادى اى قال اصحاب الأعراف وهم على السور مخاطبين لرؤساء الكفار توبيخا وشماتة ما أَغْنى عَنْكُمْ ما استفهامية للتقريع او نافية ومعناه على الثانية [دفع نكرد عذاب از شما] جَمْعُكُمْ اى اتباعكم وأشياعكم او جمعكم للمال وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ما مصدرية اى واستكباركم المستمر على الخلق [يعنى استكبار شما مانع عذاب نشد] أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ هو من تمام قول اصحاب الأعراف للرجال الذين هم رؤساء الكفرة فيكون فى محل النصب بالقول المتقدم والاشارة الى ضعفاء المؤمنين الذين كانت الكفرة يحتقرونهم فى الدنيا ويحلفون صريحا انهم لا يدخلون الجنة قوله لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ جواب أقسمتم ومعناه بالفارسية [اين كروه آنانند كه در دنيا سوگند ميخورديد كه البته خداى هركز بديشان نرساند بخشايش خود را] ادْخُلُوا الْجَنَّةَ اى فالتفت اصحاب الأعراف الى فقراء المسلمين مثل بلال وصهيب وسلمان وخباب وأمثالهم وقالوا لهم ادخلوا الجنة على رغم انوف رؤساء الكفار لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ حين يخاف اهل النار وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ حين يحزن اهل النار وفى الآية ذم المال والاستكبار والافتخار بكثرة الخدم والأعوان والأنصار

نه منعم بمال از كسى بهترست

خر ار جل اطلس بپوشد خرست

بدين عقل وهمت نخوانم كست

وكر ميرود صد غلام از پست

تكبر كند مرد حشمت پرست

نداند كه حشمت بحلم اندرست

ص: 169

چومنعم كند سفله را روزكار

نهد بر دل تنك درويش بار

چوبام بلندش بود خودپرست

كند بول وخاشاك بر بام پست

واعلم ان حب المال والاستكبار من اخلاق النفس فلا بد للسالك من تزكيتها وكان من دعاء النبي عليه السلام (اللهم حسن خلقى وخلقى) وقد مدحه الله بقوله وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وكان عليه السلام يجالس الفقراء والمساكين ويواكلهم وكان يمر على الصبيان ويسلم عليهم واتى رجل فارتعد من هيبته فقال (هون عليك فلست بملك انما انا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد) وكان يجلس مختلطا بأصحابه كأنه أحدهم فيأتى الغريب فلا يدرى أيهم هو حتى يسأل وكان لا يدعوه أحد الا قال لبيك وكل ذلك من تواضعه صلى الله عليه وسلم قال ذو النون المصري علامة السعادة حب الصالحين والدنو منهم وتلاوة القرآن وسهر الليل ومجالسة العلماء ورقة القلب والاشارة ان المؤمنين والعلماء بعلم الظاهر فى بعض الأوقات يقولون لاهل المحبة والمعرفة وارباب الطلب من دناءة هممهم ان أحدا منكم لا ينال درجة الوصول ومرتبة الوصال ويقسمون على ذلك ثم يقول الله لاصحاب الأعراف ادْخُلُوا الْجَنَّةَ المضافة الىّ فى حظائر القدس وعالم الجبروت لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ من الخروج منها وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ على ما فاتكم من نعيم الجنة إذ تفرغتم لشهود جمالنا ووجود وصالنا واعلم ان اهل النار يرون اهل الله وهم اصحاب الأعراف بالصورة ماداموا فى مواطن الكونين فاذا دخلوا جنة الحقيقة المضافة الى الله فى سرادقات العزة وعالم الجبروت انقطع عنهم نظرهم ونظر الملائكة المقربين فافهم جدا وقد حكى عن بابا جعفر الأبهري انه دخل على بابا طاهر الهمذاني فقال اين كنت فانى حضرت البارحة مع الخواص على باب الله فما رأيتك ثم قال بابا طاهر صدقت كنت على الباب مع الخواص وكنت داخلا مع الأخص فما رأيتنى فعلى السالك ان لا ينقطع عنهم وعن اعتقادهم وفى الحديث (لكل شىء مفتاح ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء الصبر هم جلساء الله يوم القيامة)

حب درويشان كليد جنت است

دشمن ايشان سزاى لعنت است

: قال فى المثنوى فى حق حسن الظن بالفقراء

كر كدايان طامعند وزشت خو

در شكم خوران تو صاحب دل بجو

در تك دريا كهر يا سنكهاست

فخرها اندر ميان ننكهاست

ومن دعائه صلى الله عليه وسلم (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني فى زمرة المساكين) وحقيقة المسكين من لا شىء له غير الله تعالى وهو اهل الله واصحاب الأعراف وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ بعد الاستقرار فى الدارين أَنْ مفسرة او مخففة كما سبق غير مرة أَفِيضُوا عَلَيْنا اى صبوا مِنَ الْماءِ اى ماء الجنة حتى يطفىء عنا حر ما نجد من العطش وذلك انهم لما بقوا فيها جياعا عطاشا قالو يا ربنا ان لنا قرابات فى الجنة فائذن لنا حتى نراهم ونكلمهم فيؤذن لهم فى ذلك فينظرون الى قراباتهم فى الجنة والى ما هم فيه من انواع النعيم فيعرفونهم ولا يعرفهم اهل الجنة لسواد وجوههم فينادون قراباتهم من اهل الجنة بعد اخبارهم بقرابتهم ويقولون أفيضوا علينا من الماء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من سائر الاشربة ليلائم الافاضة

ص: 170

فان الأصل فيها ان تستعمل فى المائعات من المشروبات او من الاطعمة فنأكلها لعلها تدفع عنا الجوع على ان الافاضة عبارة عن الإعطاء بكثرة قال ابو حيان الصحيح تضمين أفيضوا معنى القوا وهؤلاء القائلون كانوا فى الدنيا عبيد البطون حريصين على الطعام والشراب حتى ماتوا على ما عاشوا فيه فحشروا على ما ماتوا عليه وان اهل الجنة لما أطالوا الجوع والعطش فى الدنيا وانما جوعوا بطونهم لوليمة الفردوس كان اشتغالهم فى الجنة بشهوات النفس وفى الآية بيان ان الإنسان لا يستغنى عن الطعام والشراب وان كان فى العذاب قال ابو الجوزاء سألت ابن عباس رضى الله عنهما أي الصدقة أفضل قال الماء أرأيت اهل النار لما استغاثوا باهل الجنة قالوا أفيضوا علينا من الماء وعن سعد بن عبادة انه قال يا رسول الله ان أم سعد ماتت فأى صدقة أفضل قال عليه السلام (الماء) فحفر بئرا فقال عليه السلام (هذه لام سعد) يقول الفقير فى الحديث دلالة على نفع الصدقة فى الأموات كما ذهب اليه اهل السنة وتخصيص الماء اما لان ارض الحجاز أحوج شىء اليه فيكون اكثر ثوابا وإما لأن جهنم بيت الحرارة واندفاعها بضدها وهى البرودة التي من أوصاف الماء فان كل شىء يقابل بنقيضه والله اعلم قالُوا روى انه لا يؤذن لاهل الجنة فى الجواب مقدار أربعين سنة ثم يؤذن لهم فى جوابهم فيقولون إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ اى منع طعام الجنة وشرابها عنهم منع المحرم عن المكلف فلا سبيل الى ذلك قطعا وانما جعل شراب الكافرين الحميم الذي يصهر به ما فى بطونهم والجلود وطعامهم الضريع والزقوم الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ الذي أمروا بالتدين به وهو دين الإسلام لَهْواً وَلَعِباً ملعبة يتلاعبون به يحرمون ما شاؤا ويحلون ما شاؤا ولا يتبعون امر الله تعالى وانما يتبعون أهواءهم التي زينها الشيطان لهم وقيل كان دينهم دين إسماعيل عليه السلام فغيروه وتدينوا بما شاؤا او صرفوا همتهم فيما لا ينبغى ان تصرف اليه الهمم وطلبوا ان يفرحوا بما لا ينبغى ان يطلب وفى التفسير الفارسي دِينَهُمْ [عيد خود را لَهْواً وَلَعِباً مشغول وبازيچهـ ايشان در عيد خود بحوالى كعبه مى آمدند ودست ميزدند وبازيچهـ ميكردند] انتهى ويرخص اللعب فى يوم العيد بالسلاح والركض اى التسابق بالافراس والأرجل وغير ذلك مما هو مباح مشروع وكانوا يضربون فى القرن الاول بالدف ولكن لم يكن فيه جلاجل فما يفعلونه فى هذا الزمان وقت العيد والختان وعند اجتماع الاخوان من ضرب المزمار وضرب الدف الذي فيه جلاجل ونحوها هو آلة اللهو ليس بمرخص وقولهم ان فى ديننا فسخة انما هو بالنسبة الى الأمور المرخصة ألا يرى ان المزاج مباح إذا كان بما لا يخالف الشرع وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا بزخارفها العاجلة وطول الأمل ولذلك كانوا يستهزئون بالمسلمين كما روى فى الخبر ان أبا جهل بعث الى النبي عليه السلام رجلا يستهزئ به ان أطعمني من عنب جنتك او شيأ من الفواكه فقال أبو بكر رضى الله عنه ان الله حرمهما على الكافرين فعلى العاقل ان لا يغتر بالدنيا لانها غدارة مكارة

در ديده اعتبار خوابيست

بر رهكذر أجل سرابيست

مشغول مشو بسرخ وزردش

انديشه مكن ز كرم وسردش

سرمايه آفتست زنهار

خود را ز فريب او نكهدار

ص: 171

فَالْيَوْمَ اى يوم القيامة والفاء فصيحة نَنْساهُمْ نفعل بهم ما يفعل الناسي بالمنسي من عدم الاعتداد بهم وتركهم فى النار تركا كليا شبه معاملته تعالى مع الكفار بمعاملة من نسى عبده من الخير ولم يلتفت اليه والا فالله تعالى منزه عن حقيقة النسيان كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا فى محل النصب على انه نعت لمصدر محذوف اى ننساهم نسيانا مثل نسيانهم لقاء يومهم هذا فلم يخطروه ببالهم ولم يستعدوا له يعنى انه وان لم يصح وصفهم بنسيانه حقيقة لان النسيان يكون بعد المعرفة وهم لم يكونوا معترفين بلقاء يوم القيامة ومصدقين به لكنه شبه عدم اخطارهم لقاء الله تعالى ببالهم وعدم مبالاتهم به بحال من عرف شيأ ونسيه ومثل هذه الاستعارات كثير فى القرآن لان تفهيم المعاني الواقعة فى عالم الغيب انما يكون بان يعبر عنها بما يماثلها من عالم الشهادة وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ عطف على ما نسوا اى وكما كانوا منكرين بانها من عند الله إنكارا مستمرا فما مصدرية ويظهر ان الكاف فى كما للتعليل فان التشبيه غير ظاهر فى ما كانوا الا باعتبار لازمه وهو الترك وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ اى بيناه معانيه من العقائد والاحكام والمواعظ مفصلة والضمير للكفرة قاطبة والمراد بالكتاب الجنس او للمعاصرين منهم والكتاب هو القرآن عَلى عِلْمٍ حال من فاعل فصلناه اى عالمين بوجه تفصيله حتى جاء حكيما او من مفعوله اى مشتملا على حكم كثيرة هُدىً وَرَحْمَةً حال من هاء فصلناه اى حال كون ذلك الكتاب هاديا وذا رحمة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يصدقون انه من عند الله لانهم المنتفعون بآثار المقتبسون من أنواره هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ اى ما ينتظر هؤلاء الكفرة بعدم ايمانهم به الا ما يؤول اليه امره من تبين صدقه بظهور ما اخبر به من الوعد والوعيد يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ اى يوم يأتيهم عاقبة ما وعدوا فيه وهو يوم القيامة وشاهدوا إتيانه عيانا يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ اى تركوه ترك المنسى من قبل إتيان تأويله قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ الباء للتعدية او للملابسة اى ملتبسين به يعنى اعترفوا بان ما جاءهم الرسل به من حقية البعث والحساب والجزاء حق واضطروا الى ان يتمنوا أمرين أحدهما الخلاص من عذاب القبر بشفاعة الشفعاء كما قال فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا اليوم ويدفعوا عنا العذاب وثانيهما الرد الى الدنيا ليعملوا عملا صالحا كما قال أَوْ نُرَدُّ اى او هل نرد الى الدنيا فَنَعْمَلَ بالنصب على انه جواب الاستفهام الثاني غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ اى فى الدنيا يعنى نصدق الرسل ونعمل الأعمال الصالحة فبين الله تعالى ان الذي تمنوه لا يحصل لهم البتة حيث قال قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بصرف أعمارهم التي هى رأس ما لهم الى الكفر والمعاصي وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ اى ظهر بطلان ما كانوا يفترونه من ان الأصنام شركاء الله تعالى وشفعاؤهم يوم القيامة.

دى روز بدو دلم اميدى ميداشت

امروز برفت ونااميدم بگذاشت

واعلم ان الكفار تمنوا الرد الى الدنيا ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه: قال فى المثنوى

قصه آن آبگيرست اى عنود

كه دروسه ماهىء اشكرف بود

چند صيادى سوى آن آبگير

بر كذشتند وبديدند آن ضمير

ص: 172

بس شتابيدند تا دام آورند

ماهيان واقف شدند وهوشمند

آنكه عاقل بود عزم راه كرد

عزم راه مشكل نا خواه كرد

گفت با اينها ندارم مشورت

كه يقين ستم كنند از مقدرت

مهر زاد وبود بر جانشان تند

كاهلى وجهل شان بر من زنند

مشورت را زنده بايد نكو

كه ترا زنده كند آن زنده كو

نيست وقت مشورت هين راه كن

چون على تو آه اندر چاه كن

محرم آن راه كميابست وبس

شب رو و پنهان روى كن چون عسس

سوى دريا عزم كن زين آب گير

بحر جو وترك اين كرداب گير

سينه را پاساخت مى رفت آن حذور

از مقام با خطر تا بحر نور

رنجها بسيار ديد وعاقبت

رفت آخر سوى أمن وعافيت

خويشتن افكند در درياى ژرف

كه نيابد حد آنرا هيچ طرف

پس چوصيادان بياوردند دام

نيم عاقل را از ان شد تلخكام

گفت آه من فوت كردم وقت را

چون نكشتم همره آن رهنما

بر گذشته حسرت آوردن خطاست

باز نايد رفته ياد آن هباست

ليك زان ننديشم وبر خود زنم

خويشتن را اين زمان مرده كنم

همچنان مرد وشكم بالا فكند

آب مى بردش نشيب وكه بلند

هر يكى زان قاصدان بس غصه برد

كه دريغا ماهىء مهتر بمرد

پس كرفتش يك صياد ارجمند

بر سرش تف كرد وبر خاكش فكند

غلط غلطان رفت پنهان اندر آب

ماند آن أحمق همى كرد اضطراب

از چب واز راست مى جست آن سليم

تا كه بجهد خويش برهاند كليم

دام افكندند واندر دام ماند

احمقى او را در ان آتش نشاند

بر سر آتش به پشت تابه

با حماقت كشت او هم خوابه

او همى گفت از شكنجه وز بلا

همچوجان كافران قالوا بلا

باز مى گفت او كه كر اين بار من

وا رهم ز ين محنت كرددن شكن

من نسازم جز بدرياى وطن

آبگيرى را نسازم من سكن

آب بيحد جويم وايمن شوم

تا ابد در أمن ودر صحت مى روم

آن ندامت از نتيجه رنج بود

نى ز عقل روشن چون گنج بود

ميكند او توبه و پير خرد

بانك لو ردوا لعادوا مى زند

فعلى العاقل ان يتدارك حاله ولا يطول آماله قال الامام الغزالي قدس سره من زرع واجتهد وجمع بيد را ثم يقول أرجو ان يحصل لى منه مائة قفيز فذلك منه رجاء والآخر لا يزرع زرعا ولا يعمل يوما فذهب ونام واغفل سنته فاذا جاء وقت البيادر يقول أرجو ان يحصل لى مائة

ص: 173

قفيز فهو امنية بلا اصل فكذلك العبد إذا اجتهد فى عبادة الله تعالى والانتهاء عن معصية الله يقول أرجو ان يتقبل الله هذا اليسير ويتم هذا التقصير ويعظم الثواب ويعفو عن الزلل فهذا منه رجاء. واما إذا اغفل ذلك وترك الطاعات فارتكب المعاصي ولم يبال سخط الله ولا رضاه ووعده ووعيده ثم أخذ يقول انا أرجو من الجنة والنجاة من النار فذلك منه امنية لا حاصل تحتها ويبين هذا قوله عليه السلام (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والفاجر من يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله عز وجل قال بعضهم ان الغموم ثلاثة. غم الطاعة ان لا تقبل. وغم المعصية ان لا تغفر. وغم المعرفة ان لا تسلب قال يوسف بن أسباط دخلت على سفيان فبكى ليله اجمع فقلت بكاؤك هذا على الذنوب فحمل تبنا وقال الذنوب أهون على الله تعالى من هذا انما أخشى ان يسلبنى الله الإسلام فكل الرسل والابدال والأولياء مع كل هذا الاجتهاد فى الطاعة والحذر عن المعصية فأى شىء تقول اما كان لهم حسن الظن بالله قال بلى فانهم كانوا اعلم بسعة رحمة الله واحسن ظن بجوده منك ولكن علموا ان ذلك دون الاجتهاد امنية وغرور جعلنا الله وإياكم من العالمين بكتابه والواصلين الى جنابه دون من نسى الله واتبع هواه آمين آمين الف آمين إِنَّ رَبَّكُمُ الخطاب لكفار مكة المتخذين أربابا. والمعنى [بدرستى كه پروردگار شما] على التحقيق اللَّهُ [خداييست] جامع جميع صفات كمال الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لا على مثال سبق فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ اى فى ستة اوقات ولو شاء لخلقها فى اسرع من لحظة ولكنه علم عباده التأنى فى الأمور: وفى المثنوى

مكر شيطانست تعجيل وشتاب

خوى رحمانست صبر واحتساب «1»

با تأنى كشت موجود از خدا

تابشش روز اين زمين و چرخها «2»

ور نه قادر بود كز كن فيكون

صد زمين و چرخ آوردى برون

اين تأنى از پى تعليم تست

صبر كن در كار دير آي ودرست

قالوا لا يحسن التعجيل الا فى التوبة من الذنوب وقضاء الدين بعد انقضاء مدته وقرى الضيف وتزويج البكر بعد بلوغها ودفن الميت والغسل من الجنابة واعلم ان الله تعالى بالقادرية والخالقية أوجد السموات والأرض وبالمدبرية والحكيمية خلقها فى ستة ايام وانما حصر فى الستة انواع المخلوقات الستة. وهى الأرواح المجردة. والثاني الملكوتيات فمنها الملائكة والجن والشياطين وملكوت السموات ومنها العقول المفردة والمركبة. والثالث النفوس كنفوس الكواكب ونفس الإنسان ونفس الحيوان ونفس النبات والمعادن. والرابع الاجرام وهى البسائط العلوية من أجسام اللطيفة كالعرش والكرسي والسموات والجنة والنار. والخامس الأجسام المفردة وهى العناصر الاربعة. والسادس الأجسام المركبة الكثيفة من العناصر فعبر عن خلق كل منها بيوم والا فالايام الزمانية لم تكن قبل خلق السموات والأرض ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ

العرش يطلق على السرير الذي يجلس عليه الملوك وعلى كل ما علاك وأظل عليك وهو بهذين المعنيين مستحيل فى حقه تعالى فجعل الاستواء على العرش كناية عن نفس الملك والعز والسلطنة على طريق ذكر اللازم وارادة الملزوم فالمعنى بعد ان خلق الله عالم الملك

(1) در اواسط دفتر پنجم در بيان بردن روباه خر را پيش شير.

(2)

در اواخر دفتر سوم در بيان حيله دفع مغبون شدن در بيع وشرى.

ص: 174

فى ستة ايام كما أراد استوى على الملك وتصرف فيه كيف شاء فحرك الافلاك وسير الكواكب وكور الليالى والأيام ودبر امر مصنوعاته على ما تقتضيه حكمته. وهذا معنى قول القاضي استوى امره اى استقر امر ربوبيته وجرى امره وتدبيره ونفذ قدرته فى مصنوعاته وتخصيص العرش لانه أعظم المخلوقات فانه الجسم المحيط بجميع الأجسام فالاستواء عليه استواء على ما عداه ايضا من الجنة والنار والسموات والعناصر وغيرها وفى التفسير الفارسي ثُمَّ اسْتَوى [پس قصد كرد على العرش بآفرينش عرش] قال الحدادي ويقال ثم هنا بمعنى الواو على طريق الجمع والعطف دون التراخي فان خلق العرش كان قبل خلق السموات والأرض وقد ورد فى الخبر (ان أول شىء خلق الله القلم ثم اللوح فامر الله القلم ان يكتب ما هو كائن الى يوم القيامة ثم خلق العرش ثم خلق حملة العرش ثم خلق السموات والأرض) قال شيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة المراد بهذا الاستواء استواؤه سبحانه لكن لا باعتبار نفسه وذاته تعالى علوا كبيرا عما يقول الظالمون بل باعتبار امره الايجادى وتجليه التجلي الاحدى المعبر عنه فى القرآن بالحق واستواء الأمر الإرادي الايجادى على العرش بمنزلة استواء الأمر التكليفي الارشادى على الشرع فكما ان كل واحد من الامرين قلب الآخر وعكسه المستوي السوي فكذلك كل واحد من العرش والشرع قلب الآخر وعكسه السوي المستوي انتهى باختصار قال فى التأويلات النجمية لما أتم خلق المكونات من الأنواع الستة استوى على العرش بعد الفراغ من خلقها استواء التصرف فى العالم وما فيه التدبر فى أموره من العرش الى تحت الثرى وانما خص العرش بالاستواء لانه مبدأ الأجسام اللطيفة القابلة للفيض الرحمانى وهذا الاستواء صفة من صفات الله تعالى لا يشبه استواء المخلوقين كالعلم صفة من صفاته لا يشبه علم المخلوقين إذ ليس كمثله شىء وهو السميع العليم ولو أمعنت النظر فى خصوصية خلافتك الحق تعالى لعرفت نفسك فعرفت ربك وذلك ان الله تعالى لما أراد خلق شخصك من النطفة المودعة فى الرحم استعمل روحك بخلافته ليتصرف فى النطفة ايام الحمل فيجعلها عالما صغيرا مناسبا للعالم الكبير فيكون بدنه بمثابة الأرض ورأسه بمثابة السماء وقلبه بمثابة العرش وسره بمثابة الكرسي وهذا كله بتدبير الروح وتصرفه خلافة عن ربه ثم استوى الروح بعد فراغه من الشخص الكامل على عرش القلب استواء مكانيا بل استوى ليتصرف فى جميع اجزاء الشخص ويدبر أموره بافاضة فيضه على القلب فان القلب هو القابل لفيض الحق تعالى الى المخلوقات كلها كما ان القلب مغتنم فيض الروح الى القالب كله فاذا تأملت فى هذا المثال تأملا شافيا وجدته فى نفى الشبيه عن الصفات المنزهة المقدسة كافيا وتحققت حقيقة من عرف نفسه فقد عرف ربه ان شاء الله تعالى ثم انه تعالى لما ذكر استواءه على العرش واخبر بما اخبر من نفاذ امره واطراد تدبيره بين ذلك بطريق الاستئناف فقال يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ اى يجعل الليل غاشيا يغشى النهار بظلمته فيذهب بنور النهار ويغطيه بظلمة الليل ولم يذكر العكس اكتفاء بأحد الضدين وفيه اشارة الى ليل ظلمات النفس عند استيلاء صفاتها وغلبات هواها على نهار أنوار القلب والى نهار القلب عند غلبات أنواره واستيلاء المحبة عليه يَطْلُبُهُ حَثِيثاً حال من الليل اى يجعل الليل غاشيا للنهار حال كون الليل طالبا له اى لمجيئه

ص: 175

عقيب الليل سريعا وحثيثا منصوب على انه صفة مصدر محذوف اى يطلبه طلبا حثيثا اى سريعا ولما كان كل واحد من الليل والنهار يعقب الآخر ويجىء بعده من غير ان يفصل بينهما بشىء صار كأنه يطلب الآخر على منهاج واحد وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ عطف على السموات اى خلق كل هذه المخلوقات حال كونها مسخرات بقضائه وتصرفه اى مذللات لما يراد منها من الطلوع والأفول والحركات المقدرة والأحوال الطارئة عليها أَلا تنبيه معناه اعلموا لَهُ اى لله تعالى والتقديم للتخصيص الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فانه الموجد للكل والمتصرف فيه على الإطلاق وفى التأويلات النجمية ما خلق بامره تعالى من غير واسطة امر وما خلق بواسطة خلق وذكر الامام ان العالم وهو ما سوى الله تعالى منحصر فى نوعين عالم الخلق وعالم الأمر وان المراد بعالم الخلق عالم الأجساد والجسمانيات وبعالم الأمر عالم الأرواح والمجردات وان قوله تعالى أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ اشارة الى هذين العالمين عبر عن العالم الاول بعالم الخلق لان الخلق عبارة عن التقدير وكل ما كان جسما او جسمانيا كان مخصوصا بمقدار معين فعبر عنه بعالم الخلق وكل ما كان مجردا عن الحجم والمقدار كان من عالم الأرواح ومن عالم الأمر مكونات بمجرد امر كن فخص كل واحد منهما باسم مناسب له وقيل ألا له الخلق والأمر انتهى كلام الامام وقال حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة الخلق عالم العين والكون والحدوث روحا وجسما والأمر عالم العلم والآلة والوجوب وعالم الخلق تابع لعالم الأمر إذ هو أصله ومبدأه قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي والله غالب على امره تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ اى تعالى بالوحدانية فى الالوهية وتعظم بالتفرد فى الربوبية قال ابن الشيخ اى تعاظم الا له الواحد الموجد للكل المتصرف فيه بالربوبية رد به على الكفرة الذين كانوا يتخذون أربابا فدعاهم الى التوحيد بالحكمة والحجة وصدر الآية بان ردا لانكارهم فقال ان ربكم المستحق للربوبية ليس الا واحدا وهو الله الموجد للكل على الترتيب المحكم المتقن الدال على كمال العلم والحكمة والقدرة وهو الذي انشأ ملكه على ما يشاهد ثم أخذ فى تدبيره كالملك المتمكن فى مملكته بتدبير ملكه انتهى- يروى- ان الصاحب ابن عباد كان يتردد فى معنى الرقيم وتبارك والمتاع ويدور على قبائل العرب فسمع امرأة تسأل اين المتاع ويجيب ابنها الصغير بقوله جاء الرقيم اى الكلب وأخذ المتاع وتبارك الجبال فاستفسر منهم وعرف ان الرقيم هو الكلب وان المتاع هو ما يبل بالماء فيمسح به القصاع وان تبارك بمعنى صعد وتعالى وفى الحديث (من لم يحمد الله على عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط عمله ومن زعم ان الله خلق للعباد من الأمر سببا فقد كفر بما انزل الله على أنبيائه) لقوله تعالى أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ قال الشاعر

الى الله كل الأمر فى خلقه معا

وليس الى المخلوق شىء من الأمر

ادْعُوا رَبَّكُمْ بمعنى المربى من التربية وهى تبليغ الشيء الى كماله شيأ فشيأ وهو تعالى مربى الظواهر بالنعمة وهى النفوس ومربى البواطن بالرحمة وهى القلوب ومربى نفوس العابدين باحكام الشريعة ومربى قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ومربى اسرار المحبين بانوار الحقيقة وهو اى الرب اسم الله الأعظم ولذلك كل اسم قلبته بطل معناه الا الرب فان مقلوبه البر

ص: 176

وهو من أسمائه تعالى واليه يشير ما روى عن الخضر عليه السلام انه قال الاسم الأعظم ما دعا به كل نبى وولى وعدو أشار الى انه مقدمة دعوات الأنبياء نحو رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا الآية ونحوه والصحابة نحو رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا الآيات والأعداء نحو رب أَنْظِرْنِي رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً التضرع [زارى كردن] كذا فى تاج المصادر يقال ضرع الرجل يضرع ضراعة من باب فتح اى خضع وذل وهما حالان من فاعل ادعوا اى متضرعين متذللين مخفين الدعاء ليكون اقرب الى الاجابة لكون الإخفاء دليل الإخلاص والاحتراز على الرياء- روى- عن الصحابة رضى الله عنهم انهم كانوا فى غزوة فاشرفوا على واد فجعلوا يكبرون ويهللون رافعى أصواتهم فقال عليه السلام لهم (اربعوا على أنفسكم فانكم لا تدعون أصم ولا غائبا انكم تدعون سميعا

بصيرا قريبا وانه لمعكم) اى بالعلم والإحاطة وفى الحديث استحباب الإخفاء فى ذكر الله لكن ذكر شارح الكشاف ان هذا بحسب المقام والشيخ المرشد قد يأمر المبتدى برفع الصوت لينقلع عن قلبه الخواطر الراسخة فيه كذا فى شرح المشارق لابن الملك قال حسين الكاشفى فى الرسالة العلية [اى درويش قومى كه كمين كاه نفس را ديدند ودانستند ذكر بجهر كفتن مناسب نديدند كه بريا انجامد ومخفى بذكر مشغول شدند وقول حق تعالى را كه] وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً [كار بستند وجمعى كه بمرتبه اخلاص رسيدند وباطن خود را از ريا پاك يافتند ذكر را بجهر گفتند وهر يكى را ازين دو طائفه بر عمل خود دلائل است] : وفى المثنوى

كفت ادعوا الله بي زارى مباش

تا بيايد فيضهاى دوست فاش «1»

تا سقاهم ربهم آيد خطاب

تشنه باش الله اعلم بالصواب «2»

وعن عمر رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه فى الدعاء لا يردهما حتى يمسح بهما وجهه وذلك ليصل شىء من البركة الفائضة على اليد الى الوجه كما قال تعالى سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ وذلك المسح فى الحقيقة رجوع الى الحقيقة الجامعة فان الوجه هو الذات كما قال فى الاسرار المحمدية ان الإنسان حال دعائه متوجه الى الله تعالى بظاهره وباطنه ولذا يشترط حضور القلب فيه وصحة الاستحضار فسر الرفع والمسح ان اليد الواحدة مترجمة عن توجهه بظاهره واليد الاخرى عن توجهه بباطنه واللسان مترجم عن جملته ومسح الوجه هو التبرك والتنبيه على الرجوع الى الحقيقة الجامعة بين الروح والبدن لان وجه الشيء حقيقته والوجه الظاهر مظهرها وقال ايضا السنة للداعى فى طلب الحاجة له ان ينشرهما يعنى كفيه الى السماء وللمكروب ان ينصب ذراعيه حتى يقابل بكفيه وجهه وإذا دعا على أحد ان يقلب كفيه ويجعل ظهرهما الى السماء والسنة ان يخرج يديه حين الدعاء من كميه قال سلطان العارفين ابو يزيد البسطامي دعوت الله ليلة فاخرجت احدى يدى والاخرى ما قدرت على إخراجهما من شدة البرد فنمت فرأيت فى منامى ان يدى الظاهرة مملوءة نورا والاخرى فارغة فقلت ولم ذاك يا رب فنوديت اليد التي خرجت للطلب ملأناها والتي توارت حرمناها ورفع الأيدي الى السماء والنظر إليها وقت الدعاء بمنزلة ان يشير سائل

(1) در اواخر دفتر دوم در بيان حكايت آن مرد ابله كه مغرور بود بر تملق خرس.

(2)

در اواخر دفتر سوم در بيان آنكه حق تعالى هر چهـ داد وآفريد إلخ.

ص: 177

الى الخزانة السلطانية ثم يطلب من السلطان ان يفيض عليه سجال العطاء من هذه الخزانة قال تعالى وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ فالسماء قبلة الدعاء ومحل نزول البركات والأفضل ان يبسط كفيه ويكون بينهما فرجة وان قلت ولا يضع احدى يديه على الاخرى فان كان وقت عذر او برد فاشار بالمسبحة قام مقام بسط كفيه. والمستحب ان يرفع يديه عند الدعاء بحذاء صدره كذا روى ابن عباس رضى الله عنهما فعل النبي عليه السلام كذا فى القنية إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ اى المجاوزين ما أمروا به فى الدعاء وغيره نبه به على ان الداعي ينبغى ان لا يطلب ما لا يليق كرتبة الأنبياء والصعود الى السماء وقيل هو الصياح فى الدعاء والإسهاب فيه وعن النبي صلى الله عليه وسلم (سيكون قوم يعتدون فى الدعاء وحب المرء ان يقول اللهم انى اسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل ثم قرأ انه لا يحب المعتدين) فاللائق للداعى ان يدعو باهمّ الأمور وهو الفوز بالجنة والنجاة من النار كما قال النبي عليه السلام للاعرابى الذي قال انى اسأل الله الجنة وأعوذ به من النار انى لا اعرف دندنتك ولا دندنة معاذ وقال (حولهما ندندن) ومعناه انى لا اعرف ما تقول أنت ومعاذ يعنى من الاذكار والدعوات المطولة ولكنى اختصر على هذا المقدار فاسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ومعنى قوله عليه السلام (حولهما ندندن) ان القصد بهذا الذكر الطويل الفوز بهذا الاجر الجزيل وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر والمعاصي بَعْدَ إِصْلاحِها ببعث الأنبياء وشرع الاحكام قال الحدادي وقيل معناه لا تعصوا فى الأرض فيمسك المطر عنها ويهلك الحرث بمعاصيكم وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً مصدران فى موقع الحال اى خائفين من الرد لقصور أعمالكم وعدم استحقاقكم وطامعين فى اجابته تفضلا وإحسانا لفرط رحمته إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

وتذكير قريب مع انه مسند الى ضمير الرحمة لتأويل الرحمة بالرحم فان الرحم بضم الراء بمعنى الرحمة قال الله تعالى وَأَقْرَبَ رُحْماً قال الكسائي أراد ان إتيان رحمة الله قريب كقوله وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً اى لعل إتيانها والمعنى ان رحمة الله قريب من الداعين بلسان ذاكر شاكر وقلب حاضر طاهر وترجيح للطمع وتغليب لجانب الرحمة وتنبيه على وسيلة الاجابة اعنى الإحسان المفسر (بان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك) وفى الحديث (ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة) يعنى ليكن الداعي ربه على يقين بان الله يجيب لان رد الدعاء اما للعجز فى اجابته او لعدم كرم فى المدعو او لعدم علم المدعو بدعاء الداعي وهذه الأشياء منتفية عن الله تعالى فانه عالم كريم قادر لا مانع له من الاجابة قال سهل ما اظهر عبد فقره الى الله تعالى فى وقت الدعاء فى شىء يحل به الا قال الله تعالى للملائكته لولا انه لا يحتمل كلامى لأجبته لبيك- وحكى- ان موسى عليه السلام مرّ برجل يدعو ويتضرع فقال موسى لو كانت حاجته بيدي لقضيتها فاوحى الله تعالى اليه انا ارحم به منك ولكنه يدعونى وله غنم وقلبه فى غنمه وانا لا اقبل دعوة عبد قلبه عند غيرى فذكر ذلك للرجل فتوجه الى الله بقلبه فقضيت حاجته فيلزم حضور القلب وحسن الظن بالله فى اجابة الدعاء- وحكى- عن بعض البله وهو فى طواف الوداع انه قال له رجل وهو يمازحه

ص: 178

هل أخذت من الله براءتك من النار فقال الأبله لا وهل أخذ الناس ذلك فقال نعم فبكى ذلك الأبله ودخل الحجر وتعلق بأستار الكعبة وجعل يبكى ويطلب من الله ان يعطيه كتابه بعتقه من النار فجعل أصحابه والناس يلومونه ويعرفونه ان فلانا مزح معك وهو لا يصدقهم بل بقي مستقرا على حاله فبينا هو كذلك إذ سقطت عليه ورقة من جهة الميزاب فيها مكتوب عتقه من النار فسرّ بها وأوقف الناس عليها وكان من آية ذلك الكتاب ان يقرأ من كل ناحية على السواء لا يتغير كلما قلبت الورقة انقلبت الكتابة لا نقلابها فعلم الناس انه من عند الله. قيل دعاء العامة بالأقوال. ودعاء الزاهدين بالافعال. ودعاء العارفين بالأحوال وإذا وفق الله عبدا الى نطق بامر ما فما وفقه اليه الا وقد أراد اجابته فيه وقضاء حاجته وعدم الدعاء بكشف الضر مذموم عند اهل الطريقة لانه كالمقاومة مع الله ودعوى التحمل لمشاقه كما قال الشيخ المحقق ابن الفارض قدس سره

ويحسن اظهار التجلد للعدى

ويقبح غير العجز عند الاحبة

قال الحافظ

فقير وخسته بدرگاهت آمدم رحمى

كه جز دعاى توام نيست هيچ دست آويز

[ودر مناجات شيخ الإسلام است كه خدايا اگر وفاداران بتو اميد دارند جفاكاران نيز بغير تو پناهى ندارند] والاشارة ان التضرع ما يطلع عليه الخلق والخفية ما يطلع عليه الحق اى تضرعا بالجوارح وخفية بالقلوب والاعتداء فى الدعاء طلب الغير منه والرضى بما سواه ولا تفسدوا فى الأرض اى فى ارض القلوب بعد إصلاحها اى بعد ان أصلحها الله برفع الوسائط بينه وبين القلوب فان فساد القلوب فى رؤية غير الحق وصلاحها فى رؤية الحق ويقال من إفساد القلوب بعد إصلاحها إرسالها فى اودية المنى بعد إمساكها عن متابعة الهوى ومن ذلك الرجوع الى الحظوظ بعد القيام بالحقوق وادعوه خوفا من الانقطاع وطمعا فى الاصطناع ان رحمة الله وهى بذل المتمنى قريب من المحسنين الذين يرون الله فى الطاعات اى يعبدونه طمعا فيه لامنه كذا فى التأويلات النجمية وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ كل ما كان فى القرآن من ذكر الرياح فهو للرحمة وما كان من ذكر الريح فهو للعذاب ويدل عليه انه عليه الصلاة والسلام كان يجثو على ركبتيه عند هبوب الرياح ويقول (اللهم اجعلها لنا رياحا ولا تحعلها ريحا اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك) وفى الحديث (لا تسبوا الريح فاذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم انا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به) قال بعض المشايخ لا تعتمد على الريح فى استواء السفينة وسيرها وهذا شرك فى توحيد الافعال وجهل بحقائق الأمور ومن انكشف له امر العالم كما هو عليه يعلم ان الريح لا تتحرك بنفسها بل لها محرك والمحرك له محرك الى ان ينتهى الى المحرك الاول الذي لا محرك له ولا يتحرك هو فى نفسه ايضا بل هو منزه عن ذلك وعما يضاهيه سبحانه بُشْراً تخفيف بشر بضمتين جمع بشير نحو رغيف ورغف اى مبشرات بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ اى قدام رحمته التي هى المطر فان الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدرّه والدبور

ص: 179

تفرقه. الصبا ريح تهب من موضع طلوع الشمس عند استواء الليل والنهار. والدبور ريح تقابل الصبا اى تهب من موضع غروب الشمس. والشمال بالفتح الريح التي تهب من ناحية القطب والجنوب الريح التي تقابل الشمال والجنوب تدر السحاب اى تستحلبه قال ابن عباس رضى الله عنهما يرسل الله الرياح فتحمل السحاب فتمريه كما يمرى الرجل الناقة والشاة حتى تدر وفى الآية اطلاق الرحمة على المطر فقول من قال انى أفر من الرحمة محمول على المطر حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ غاية لقوله يرسل سَحاباً اى حملته ورفعته باليسر والسهولة بان وجدته خفيفا قليلا يقال أقللت كذا اى حملته بالسهولة ومن حمل الشيء بسهولة لا شك انه يعده قليلا فلذلك اشتق هذا الفعل من القلة ثِقالًا جمع ثقيل اى بالماء جمعه مع كونه وصفا للسحاب لان السحاب اسم جنس يصح إطلاقه على سحابة واحدة وما فوقها فيكون بمعنى الجمع اى السحائب والسحاب هو الغيم الجاري فى السماء سُقْناهُ من

السوق والضمير للسحاب والافراد باعتبار اللفط والمعنى بالفارسية [برانيم ما آن ابر را] لِبَلَدٍ مَيِّتٍ اى لاحياء بلد لا نبات فيه والبلد يطلق على كل موضع من الأرض سواء كان عامرا اى ذا عمارة او غير عامر خاليا او مسكونا والطائفة منها بلدة والجمع بلاد فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ اى بالبلد والباء للالصاق اى التصق إنزال الماء بالبلد فَأَخْرَجْنا بِهِ اى بسبب ذلك الماء مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ اى من كل أنواعها والظاهر ان الاستغراق عرفى كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى الاشارة فيه الى إخراج الثمرات او الى احياء البلد الميت اى كما نحييه باحداث القوة النباتية فيه وتطريته بانواع النبات والثمرات نخرج الموتى من الاجداس ونحييها برد النفوس الى مواد أبدانها بعد جمعها وتطريتها بالقوى والحواس لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ بطرح احدى التاءين اى تتذكرون فتعلمون ان من قدر على هذا من غير شبهة قال ابن عباس وابو هريرة إذا مات الناس كلهم فى النفخة الاولى مطرت السماء أربعين يوما قبل النفخة الاخيرة مثل منى الرجال فينبتون من قبورهم بذلك المطر كما ينبتون فى بطون أمهاتهم وكما ينبت الزرع من الماء حتى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيها الروح ثم يلقى عليهم نومة فينامون فى قبورهم فاذا نفخ فى الصور النفخة الثانية وهى نفخة البعث جاشوا وخرجوا من قبورهم وهم يجدون طعم النوم فى رؤسهم كما يجده النائم إذا استيقظ من نومه فعند ذلك يقولون من بعثنا من مرقدنا فيناديهم المنادى هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون والاشارة فى الآية ان الرياح رياح العناية والسحاب سحاب الهداية والماء ماء المحبة فيخرج الله تعالى بهذا الماء سمرات المشاهدات والمكاشفات وانواع الكمالات كذلك نخرج الموتى اى موتى القلوب من قبور الصدور لعلكم تذكرون اى تذكرون ايام حياتكم دون حياض الانس ورياض القرب عند حظائر القدس واعلم ان العمدة هى العناية الازلية وهى تصل الى العباد فى الخلا والملا- حكى- انه قيل لولى من اولياء الله تعالى اذهب الى دار الشرك فان فيها صديقا فكان ذلك لولى يقدر على الاختفاء فذهب الى دار المشركين فاسره مشرك وباعه لخادم كنيسة فخدم فيها زمانا بالصدق فجاء السلطان يوما الى الكنيسة فخلاها ثم صلى فاستتر الولي ثم ظهر للسلطان فقال من أنت قال مسلم مثلك وقيل للولى

ص: 180

هو الصديق ثم سأل الولي ذلك السلطان الصديق عن حاله فقال فى احسن الأحوال وارغد عيش آكل الرزق الحلال واعبد خالصا عن الرياء واقتل الكفار وأعين المسلمين بحيث لو كنت سلطانهم ما قدرت ثم خرج من الكنيسة وقعد عند بابها فسأل عنى البطارقة والرهبان والخدام ثم قتل الكل وقال تتكبرون عن خدمة بيت الرب بانفسكم وتستخدمون غير اهل الملة ثم خلى سبيلى وفى هذه الحكاية اشارة الى ان الله تعالى إذا أراد أهلك العدو بأدنى سبب من حيث لا يحتسب فان له الطافا خفية: قال الحافظ

تيغى كه آسمانش از فيض خود دهد آب

تنها جهان بگيرد بي منت سپاهى

وقال ايضا

دلا طمع مبر از لطف بي نهايت دوست

كه ميرسد همه را لطف بي نهايت او

فنظر اهل التوحيد وارباب البصيرة الى المؤثر الحقيقي والفيض الأزلي لا الى الخلق والوسائط والأسباب نسأل الله تعالى ان يجعلنا من الذين فازوا بالسعادة الابدية والعناية السرمدية ويسلك بنا مسلك الحقيقة والطريقة الاحمدية انه هو البر الرحيم وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ اى الأرض الكريمة التربة وفى التفسير الفارسي [وزمين پاك از سنك وريك كه شايسته وصالح زراعت باشد] يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ بمشيئته وتيسيره ما اذن الله فى خروجه لا يكون الا احسن اكثر عزيز النفع وَالَّذِي خَبُثَ والبلد الذي خبث ترابه كالحرة والسبخة الحرة ارض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار والسبخة الأرض المالحة التي لا تنبت شيأ لا يَخْرُجُ نباته فى حال من الأحوال إِلَّا فى حال كونه نَكِداً قليلا عديم النفع فهو مستثنى مفرغ من أعم الأحوال. والنكد بكسر الكاف القليل الخير الممتنع عن إفادة النفع على جهة البخل والضنة والمصدر النكد بفتحتين يقال نكد عيشهم بكسر الكاف ينكد بالفتح نكدا إذا اشتد عيشهم وضاق كَذلِكَ اى مثل ذلك التصريف البديع نُصَرِّفُ الْآياتِ نرددها ونكررها لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ نعمة الله فيتفكرون فيها ويعتبرون بها وتخصيصهم بالذكر لانهم المنتفعون بها كقوله تعالى هُدىً لِلْمُتَّقِينَ والآية مثل لارسال الرسل عليهم السلام بالشرائع التي هى ماء حياة القلوب الى المكلفين المنقسمين الى المقتبسين من أنوارها والمحرومين من مغانم آثارها وفى التفسير الفارسي [هرگاه كه باران مواعظ از سحاب كلام رب الأرباب بر دل مؤمن بارد أنوار طاعات وعبادات بر جوارح او ظاهر كردد چون كافر استماع سخن كند زمين دلش تخم نصحيت قبول نكند ازو هيچ صفت كه بكار آيد در ظهور نيايد] : قال السعدي قدس سره

زمين شوره سنبل بر نيارد

در وتخم عمل ضايع مكردان

وقال الحافظ قدس سره

كوهر پاك بيايد كه شود قابل فيض

ور نه هر سنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود

وعن عبد الله بن مهران قال حج الرشيد فوافى الكوفة فاقام بها أياما ثم امر بالرحيل فخرج الناس وخرج بهلول المجنون فيمن خرج فجلس بالكناسة والصبيان يؤذونه ويولعون به

ص: 181

إذ أقبلت هوادج هارون فكف صبيان عن الولوع به فلما جاء هارون نادى بأعلى صوته يا امير المؤمنين يا امير المؤمنين فكشف هارون السجاف بيده وقال لبيك يا بهلول فقال يا امير المؤمنين حدثنا ايمن بن نائل عن قدامة بن عبد الله العامري قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمضى على جمل وتحته رحل رث فلم يكن ضرب ولا طرد ولا إليك إليك وتواضعك فى سفرك هذا يا امير المؤمنين خير لك من تكبرك فبكى هارون حتى سقطت الدموع على الأرض وقال يا بهلول زدنا يرحمك الله فقال

هب انك قد ملكت الأرض طرا

وان لك العباد فكان ماذا

أليس غدا مصيرك جوف قبر

ويحثو الترب هذا ثم هذا

فبكى هارون ثم قال أحسنت يا بهلول هل غيره قال نعم يا امير المؤمنين رجل آتاه الله مالا وجمالا فانفق فى ماله وعف فى جماله كتب فى خالص ديوان الله من الأبرار فقال أحسنت يا بهلول ثم امر له بجائزة فقال اردد الجائزة الى من أخذتها منه فلا حاجة لى فيها قال يا بهلول ان يكن عليك دين قضيناه قال يا امير المؤمنين لا يقضى دين بدين اردد الحق الى اهله واقض دين نفسك يا امير المؤمنين من نفسك قال يا بهلول فنجرى عليك ما يكفيك فرفع بهلول رأسه الى السماء ثم قال يا امير المؤمنين انا وأنت من عيال الله تعالى فمحال ان يذكرك وينسانى فاسبل هارون السجاف ومضى والمقصود من هذه الحكاية بيان استماع هارون الحق وقبوله وذلك لانه كان كالمكان الزاكي وقلبه حيا بالحياة الطيبة فلذا لم يخرج منه الا الأخلاق الحميدة واما ارض النفس الامارة التي هى البلد الخبيث فلا يخرج منها الا الأخلاق الذميمة والافعال الرديئة فمن كان قلبه حيا بنور الله انعكس نور قلبه على نفسه فتنورت النفس فتبدلت أوصافها باوصاف القلب وتلاشت ظلمتها بنور القلب فيطمئن الى ذكر الله وطاعته كما هو من أوصاف القلوب وان كان القلب ميتا والنفس حية فظلمات صفات النفس تطل على القلب وتبدل صفاته بصفاتها عند استيلاء صفاتها عليه فيحصل اطمئنانه بالدنيا وما فيها نسأل الله تعالى ان يجعل اطمئناننا الى ذكره وفكره وشكره ويجعلنا من الذين يعرفون قدر نعمة الله وحق المنعم لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ جواب قسم محذوف تقديره والله لقد أرسلنا نوحا وهو ابن لملك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس النبي بن يرد بن مهلابيل بن قينان بن انوش بن آدم عليهم السلام ونوح أول نبى بعد إدريس بعد شيث وكان نوح نجارا بعثه الله الى قومه على رأس أربعين سنة وكان عمره الفا ومائتين وأربعين سنة وفى التفسير الفارسي إِلى قَوْمِهِ [بسوى قوم او كه اكثر أولاد قابيل بودند وبت مى پرستيدند] وذلك ان قابيل لما قتل أخاه هابيل طرده آدم فسكن مع أولاده واتباعه فى اليمن وهو أول من عبد الصنم فَقالَ اى نوح يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده فان العبادة بالاشراك ليس من العبادة فى شىء ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ اى من مستحق للعبادة وغيره بالرفع صفة لا له باعتبار محله الذي هو الرفع على الابتداء ومن زائدة فى المبتدأ والخبر لكم إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ اى ان لم تعبدوه حسبما أمرت به وهو بيان للداعى الى عبادته عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ اى عذاب يوم القيامة او يوم الطوفان قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ

ص: 182

استئناف اى الرؤساء من قومه والاشراف الذين يملأون صدور المحافل باجرامهم والقلوب بجلالهم وهيبتهم والابصار بجمالهم وبهجتهم إِنَّا لَنَراكَ يا نوح فِي ضَلالٍ ذهاب عن طريق الحق والصواب لمخالفتك لنا والرؤية قلبية مُبِينٍ بين كونه ضلالا قالَ استئناف ايضا يا قَوْمِ ناداهم باضافتهم اليه استمالة لقلوبهم نحو الحق لَيْسَ بِي الباء للملابسة او للظرفية ضَلالَةٌ بالغ فى النفي حيث نفى عن نفسه ملابسة ضلالة واحدة اى ليس بي شىء من افراد الضلال وجزئياته فضلا عن ان يكون بي ضلال عظيم بين كما بالغوا فى الإثبات حيث جعلوه مستقرا فى الضلال الواضح كونه ضلالا وَلكِنِّي رَسُولٌ اى رسول كائن مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ فمن لابتداء الغاية مجازا والرسالة يلزمها الهدى التام الغير القابل للضلال فاستدرك الملزوم ليكون كالبرهان على استدراك اللازم كأنه قال ولكنى على هدى كامل فى الغاية لانى رسول من رب العالمين أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي الرسالة صفة واحدة قائمة بذات الرسول متعلقة بالاضافة الى المرسل والمرسل اليه الا انها جمعت نظرا الى تعددها بحسب تنوع معانيها كالعقائد والمواعظ والاحكام او لان المراد بها ما اوحى اليه والى الأنبياء قبله كصحف شيث وهى خمسون صحيفة وصحف إدريس وهى ثلاثون صحيفة وَأَنْصَحُ لَكُمْ زيادة اللام مع تعدى النصح بنفسه يقال نصحتك للدلالة على إمحاض النصح لهم وانها لمنفعتهم ومصلحتهم خاصة فانه رب نصيحة ينتفع بها الناصح ايضا وليس الأمر هاهنا كذلك والفرق بين تبليغ الرسالة وتقرير النصيحة ان تبليغ الرسالة معناه ان يعرف انواع تكاليف الله وأحكامه والنصيحة المراد بها الترغيب فى الطاعة والتحذير من المعاصي والإرشاد الى ما فيه مصالح المعاد قال الحدادي النصح إخراج الغش من القول والفعل وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ اى اعلم من قدرته القاهرة وبطشه الشديد على أعدائه وان بأسه لا يرد عن القوم المجرمين ما لا تعلمونه قيل كانوا لم يسمعوا بقوم حل بهم العذاب قبلهم فكانوا غافلين آمنين لا يعلمون ما علمه نوح عليه السلام بالوحى أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ الهمزة للانكار والواو للعطف على مقدر اى استبعدتم وعجبتم من ان جاءكم وحي او موعظة من مالك أموركم ومربيكم عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ اى على لسان رجل من جنسكم فانهم كانوا يتعجبون من إرسال البشر ويقولون لا مناسبة بينه تعالى وبين البشر من حيث انه تعالى فى غاية التقدس والتنزه والبشر فى غاية التعلق والتكدر فانكر عليهم نوح عليه السلام لانه لا سبيل الى ان يكلف الله البشر بنفسه من غير واسطة لان حجاب العظمة والكبرياء يمنع من ان يتحقق بينهم الفيض والاستفاضة فتعين ان يكون التكليف بان يرسل بشرا ذا جهتين يستفيض من عالم الغيب بجهة تجرده وصفاء روحانيته ويفيض لبنى نوعه بجهة مشاركته لهم فى الحقيقة النوعية لِيُنْذِرَكُمْ علة للمجىء اى ليحذركم عاقبة الكفر والمعاصي وَلِتَتَّقُوا منها بسبب الانذار وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ اى ولتتعلق بكم الرحمة بسبب تقواكم وفائدة حرف الترجي التنبيه على عزة المطلب وان التقوى غير موجبة للرحمة بل هى منوطة بفضل الله تعالى وان المتقى ينبغى ان لا يعتمد على تقواه ولا يأمن من عذاب الله تعالى فَكَذَّبُوهُ

ص: 183

واستمروا على ذلك فى هذه المدة المتطاولة إذ هو الذي يعقبه الانجاء والإغراق لا مجرد التكذيب- روى- ان نوحا عليه السلام دعا بهلاك قومه فامره الله تعالى بصنع الفلك فلما تم دخل فيه مع المؤمنين فارسل الله الطوفان وأغرق الكفار وأنجى نوحا مع المؤمنين فذلك قوله تعالى فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ من المؤمنين وكانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة فِي الْفُلْكِ متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الظرف اى والذين استقروا معه فى الفلك وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا اى استمروا على تكذيبها وليس المراد بهم الملأ المتصدين للجواب فقط بل كل من أصر على التكذيب منهم ومن أعقابهم. وتقديم ذكر الانجاء على الإغراق للايذان بسبق الرحمة التي هى مقتضى الذات وتقدمها على الغضب الذي يظهر اثره بمقتضى جرائمهم إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ أصله عميين جمع عم أصله عمى على وزن خضر فأعل كاعلال قاض قال اهل اللغة يقال رجل عم فى البصيرة وأعمى فى البصر والمعنى عمين قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد غير مستبصرين وهذا العمى مانع عن رؤية الآيات ومشاهدة البينات: قال الحافظ

جمال يار ندارد نقاب و پرده ولى

غبار ره بنشان تا نظر توانى كرد

بخلاف

أعمى البصر إذا كان مستعدا للنظر فانه كم من أعمى قادر على الرؤية من حيث الحقيقة: قال الصائب

دل چوبيناست چهـ غم ديده اگر نابيناست

خانه آيينه را روشنى از روزن نيست

وفى الآية اشارة الى نوح الروح الذي أرسله الله الى قومه ببلاد القالب وهو القلب وصفاته والنفس وصفاتها ومن صفة الروح العبودية والطاعة ودعوة القلب والنفس وصفاتهما الى الله وعبوديته ومن صفات النفس وشأنها تكذيب الروح ومخالفته والإباء عن قبول نصحه والروح يحذر قومه من عبادة الدنيا وزينتها لئلا يحرموا من مساعدة الرحمة فكذبه قومه من النفس وصفاتها فانجينا الروح من ظلمات النفس وتمردها والذين معه وهم القلب وصفاته الذين قبلوا دعوة نوح الرسول وركبوا معه فى الفلك وهو فلك الشريعة والدين فاغرقنا الذين كذبوا بآياتنا اى النفس وصفاتها فى بحر الدنيا وشهواتها انهم كانوا قوما عمين عن رؤية الله والوصول اليه هذه حال الأنفس والآفاق وأهليهما ولو أصغوا الى داعى الحق واجتنبوا عما ارتكبوا لنجوا كما حكى ان الشيخ بقا رضى الله عنه كان يوما جالسا على شط نهر الملك فمرت به سفينة فيها جند ومعهم خمر وفواكه ونساء متبرجات وصبيان ومغانى وهم فى غاية من اللهو والطغيان فقال الشيخ بقا للملاح اتق الله وقدم الى الله فلم يلتفتوا الى كلامه فقال ايها النهر المسخر خذا الفجرة فنما الماء عليهم حتى طلع الى السفينة فاشرفوا على الغرق فصاحوا بالشيخ وأعلنوا بالتوبة فعاد الماء الى حاله وحسنت توبتهم وكانوا بعد ذلك يكثرون من زيارته: قال الحافظ

امروز قدر پند عزيزان شناختم

يا رب روان ناصح ما از تو شاد باد

فعلى العاقل ان يقبل النصيحة ممن فوقه ودونه فان النصيحة سهلة والمشكل قبولها ونعم ما قال السعدي قدس سره

ص: 184

مرد بايد كه كيرد اندر كوش

ور نوشت است پند بر ديوار

اللهم اجعلنا ممن قبل دعوتك ودخل جنتك وَإِلى عادٍ اى وأرسلنا الى عاد وهم قوم من اهل اليمن وكان اسم ملكهم عادا فنسبوا اليه وهو عاد بن ارم بن سام بن نوح أَخاهُمْ اى واحدا منهم فى النسب لا فى الدين كقولهم يا أخا العرب هُوداً عطف بيان لأخاهم وهو هود بن عبد الله بن رياح بن خلود بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح وانما جعل الرسول من تلك القبيلة لانهم أفهم لكلامه واعرف بحاله فى صدقه وأمانته واقرب الى اتباعه قالَ استئناف وفى التفسير الفارسي [قبيله عاد مردم تن آور وبلند بالا بودند واز ايشان در تمام روى زمين در ان زمان قبيله عظيمه نبود ومردم بسيار بودند ومال فراوان داشتند وعمر در پرستش بت مى كذرانيدند حق سبحانه وتعالى هود را بديشان فرستاد پس هود بميان قبيله آمد وايشانرا بحق دعوت كرد] قال يا قَوْمِ (اى قوم من) اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ غيره بالرفع صفة لا له باعتبار محله وهو الابتداء ومن زائدة فى المبتدأ ولكم خبره أَفَلا تَتَّقُونَ الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر اى ألا تتفكرون فلا تتقون عذاب الله تعالى قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ استئناف كما مر وانما وصف الملأ بالكفر إذ لم يكن كلهم على الكفر كملأ قوم نوح بل كان منهم من آمن به عليه السلام كمرثد بن سعد وكتم إيمانه ولم يظهر الا عند مجيىء وقد عاد الى مكة يستغيثون كما سيجيئ قال

عصت عاد رسولهمو فأمسوا

عطاشا ما تبلهم السماء

لهم صنم يقال له صمود

يقابله صداء والبهاء

فبصرنا الرسول سبيل رشد

فأبصرنا الهدى وجلى العماء

وان اله هود هو الهى

على الله التوكل والرجاء

والملأ اشراف القوم وهو فى الأصل بمعنى الجماعة إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ اى متمكنا فى خفة عقل راسخا فيها حيث فارقت دين آبائك. والسفاهة فى اللغة خفة الحلم والرأى وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ اى فيما ادعيت من الرسالة وفيه اشارة الى ان قلوب قوم هود وسخة خبيثة كقلوب قوم نوح لم يخرج منها الخبث الا نكدا فلما أراد هود عليه السلام ان يبذر فيها بذر التوحيد والمعرفة ولم تكن صالحة وقلما خرج منها إلا نبت التسفيه والتكذيب سلكوا طريق سلفهم وإخوانهم وصنعوا مثل حالتهم: وفى المثنوى

در زمين كر نى شكر ور خود نى است

باز كويد با تو انواع نبات

زانكه خاك اين زمين بإثبات

ترجمان هر زمين نبت وى است

قالَ اى هود عليه السلام سالكا طريق حسن المجادلة مع ما سمع منهم من الكلمة الشنعاء الموجبة لتغليظ القول والمشافهة بالسوء وهكذا ينبغى لكل ناصح يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ اى شىء منها ولا شائبة من شوائبها والباء للملابسة او للظرفية وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ اى لكنى فى غاية الرشد والصدق لانى رسول رب العالمين فالاستدراك باعتبار ما يلزمه وهو كونه فى

ص: 185

الغاية القصوى من الرشد والصدق. والرشد هو الاهتداء لمصالح الدين والدنيا وهو انما يكون بالعقل التام أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ معروف بالنصح والامانة مشهور بين الناس بذلك قد سبق فى القصة المقدمة سرّ جمع الرسالات ومعنى النصح والفرق بين تبليغ الرسالة وتقرير النصيحة وفى قوله وانا لكم ناصح أمين تنبيه على انهم عرفوه بالأمرين لان الجملة الحالية انما يؤتى بها لبيان هيئة ذى الحال والشيء لا يوصف الا بما يعلم المخاطب اتصافه به أو لأن فى جعل ذكر متعلق النصح والامانة من قبل المهجور دلالة على انه أوحدي فيه موجد للحقيقتين كأنه صناعته أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ اى استبعدتم وعجبتم من ان جاءكم وحي من مالك أموركم ومربيكم عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ اى على لسان رجل من جنسكم لِيُنْذِرَكُمْ ويحذركم عاقبة ما أنتم عليه من الكفر والمعاصي فمن فرط الجهالة وغاية الغباوة عجبوا من كون رجل رسولا ولم يتعجبوا من كون الصنم شريكا وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ شروع فى بيان ترتيب احكام النصح والامانة والانذار وتفصيلها وإذ منصوب باذكروا على المفعولية دون الظرفية اى اذكروا وقت استخلافكم قال صاحب الفرائد يشكل هذا بقولهم إذ وإذا وقوعهما ظرفين لازم وأجيب بان باب الاتساع واسع قال المولى ابو السعود ولعله معطوف على مقدر كأن قيل لا تعجبوا من ذلك وتدبروا فى أموركم واذكروا وقت جعله تعالى إياكم خلفاء مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ اى فى مساكنهم او فى الأرض بان جعلكم ملوكا فان شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض من رمل عالج الى شحر عمان قال فى التأويلات النجمية جعل الله الخلق بعضهم خلفاء عن بعض وجعل الكل خلفاء فى الأرض ولا يفنى جنسا منهم الا اقام قوما خلفاء عنهم من ذلك الجنس فاهل الغفلة إذا انقرضوا اخلف عنهم قوما واهل الوصلة إذا انقرضوا ودرجوا اخلف عنهم قوما وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ اى فى الإبداع والتصوير بالفارسي [وبيفزود شما] او فى الناس بَصْطَةً قامة وقوة فانه لم يكن فى زمانهم مثلهم فى عظم الاجرام كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة الصغير ستين ذراعا قال وهب كان رأس أحدهم كالقبة العظيمة وكان عين أحدهم يفرخ فيها السباع وكذلك مناخرهم والاشارة كما ان الله تعالى زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق فكما أوقع التفاوت بين شخص وشخص فيما يعود الى المبانى أوقع التباين بين قوم وقوم فيما يرجع الى المعاني قال الفرزدق

وقد تلتقى الأسماء فى الناس والكنى

كثيرا ولكن فرقوا فى الخلائق

جمع الخليقة وهى الطبيعة وفى هذا المعنى قال الخاقاني

نى همه يك رنك دارد در نيستانها وليك

از يكى نى قند خيزد وز دگر نى بوريا

فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ جمع الى بمعنى النعمة وهو تعميم بعد تخصيص لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لكى يؤديكم ذلك اى ذكر النعم الى الشكر المؤدى الى النجاة من الكروب والفوز بالمطلوب ولما لم يبق للقوم جواب الا التمسك بالتقليد قالُوا مجيبين عن تلك النصائح الجليلة أَجِئْتَنا يا هود لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ اى لنخصه بالعبادة وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا

ص: 186

اى نترك الآلهة التي كان آباؤنا يعبدونها ومعنى المجيء فى أجئتنا اما المجيء من مكان اعتزل عن قومه يعبد فيه ربه كما كان يعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء فلما اوحى اليه جاء قومه يدعوهم واما من السماء كمجىء الملك منها استهزاء به عليه السلام لانهم كانوا يعتقدون ان الله تعالى لا يرسل الا الملك واما القصد على المجاز وهو ان يكون مرادهم بالمجيء مجرد قصد الفعل ومباشرته كأنهم قالوا أتريد منا ان نعبد الله وحده وتقصد ان تكلفنا بذلك كما يقال ذهب يشتمنى من غير ارادة معنى الذهاب فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب المدلول عليه بقوله تعالى أَفَلا تَتَّقُونَ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ اى فى الاخبار بنزول العذاب قالَ هود عليه السلام قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ اى قد وجب فيكون مجازا من باب اطلاق المسبب على السبب فان نزول العذاب عليهم مسبب عن وجوب نزوله فى علمه تعالى مِنْ رَبِّكُمْ اى من جهته تعالى رِجْسٌ عقاب من الارتجاس الذي هو الاضطراب وَغَضَبٌ ارادة انتقام أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ عارية عن السمى جعل المجادل فيه اسماء مجردة عن المسميات لانهم كانوا يسمون الأصنام آلهة ويزعمون كونهم مستحقين للعبادة والحال انهم بمعزل عن الالوهية واستحقاق العبادة سَمَّيْتُمُوها اى سميتم بها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ اى حجة وبرهان فى عبادتها قوله سميتموها صفة للاسماء وكذا قوله ما انزل الله وقوله من سلطان مفعول انزل ومن مزيدة والمعنى أتجادلونني فى مسميات لها اسم بدون ما يليق بها وتوجه الذم للتسمية الصرفة الخالية عن المعنى فلا يلزم ان يكون الاسم هو المسمى قال فى التفسير الفارسي [فى اسماء در كار اين نامها يعنى اين بتان كه هر يك را نامى نهاده آيد بعضى را سائقه مى كفتند وكمان ايشان آن بود كه باران از ايشان مى بارد وبعضى را حافظه مى خواندند بمظنه آنكه نگهبان در سفر ايشانند وهمچنين رازقه وسالمه واين ألفاظ اسما بودند بي مسما چهـ أصنام را كه جمادات بودند قدرت برينها نبوده پس هود عليه السلام فرموده كه شما جدال ميكنيد بدين چيزها كه از روى جهالت شما نام نهاده آيد ايشانرا] فَانْتَظِرُوا مترتب على قوله تعالى قد وقع عليكم اى فانتظروا ما تطلبونه بقولكم فائتنا بما تعدنا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ لما يحل بكم من العذاب فَأَنْجَيْناهُ الفاء فصيحة كما فى قوله تعالى فَانْفَجَرَتْ اى فوقع فأنجينا هودا وَالَّذِينَ مَعَهُ اى فى الدين بِرَحْمَةٍ مِنَّا اى برحمة عظيمة كائنة من جهتنا عليهم وفيه اشارة ان هودا مع رتبته فى النبوة ودرجته فى الرسالة انما نجا برحمة من الله هو والذين آمنوا معه ليعلم ان النجاة لا تكون باستحقاق العمل وانما تكون ابتداء فضل من الله ورحمة فما نجا الا بفضل الحق سبحانه وَقَطَعْنا دابِرَ القوم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا اى استأصلناهم اى أهلكناهم جميعا بان قطعنا عرقهم وأصلهم لان دابر الشيء آخره فقطع دابر القوم إهلاكهم من أولهم الى آخرهم وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ عطف على كذبوا داخل معه فى حكم الصلة اى أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرعوا عن ذلك أبدا وفيه تنبيه على ان مناط النجاة هو الايمان بالله تعالى وتصديق آياته كما ان مدار البوار هو الكفر والتكذيب وقصتهم ان عادا كانوا يسكنون اليمن بالأحقاف وهى رمال يقال رمل عالج ودهمان ومرين ما بين عمان الى حضر موت وكانوا قد فشوا فى الأرض

ص: 187

وقهروا أهلها بقوتهم التي أعطاها الله إياهم وكانت لهم أصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء فبعث الله إليهم هودا نبيا من أوسطهم فى النسب وأفضلهم فى الحسب فامرهم ان يوحدوا الله ولا يعبدوا غيره وان يكفروا عن ظلم الناس فابوا عليه وكذبوه وقالوا من أشد منا قوة وازدادوا عتوا وتجبرا فامسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك وكان الناس إذا نزل بهم بلاء وجهد مضوا الى البيت الحرام بمكة مسلمهم وكافرهم وسألوا الله الفرج وكان اهل مكة يومئذ العماليق أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وكان رئيس العماليق يومئذ بمكة رجلا يقال له معاوية بن بكر وكانت امه من عاد فلما قحط المطر من عاد وجهدوا قالوا جهزوا منكم وفدا الى مكة يستسقوا فجهزوا قيل بن عتر ومرثد بن سعد فى سبعين رجلا

فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو فى خارج مكة فانزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله واصهاره فاقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان وهما قينتان لمعاوية اسم إحداهما وردة واسم الاخرى جرادة فغلبت جرادة على وردة فسميتا جرادتين فلما رأى معاوية طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون من البلاء الذي أصابهم شق ذلك عليه وقال قد هلك أخوالي واصهارى جهدا وعطشا وهؤلاء مقيمون عندى والله ما أدرى كيف اصنع بهم استحيى ان آمرهم بالخروج الى حاجتهم فيظنون ان ذلك لثقل مقامهم على فشكا ذلك الى قينتيه الجرادتين فقالتا قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قاله لعل ذلك يخرجهم فقال معاوية

الا يا قيل ويحك قم فهينم

لعل الله يسقينا غماما

فيسقى ارض عاد ان عادا

قد أمسوا ما يبينون الكلاما

من العطش الشديد فليس ترجو

به الشيخ الكبير ولا الغلاما

وقد كانت نساؤهمو بخير

فقد امست نساؤهمو أيامي

وان الوحش تأتيهم جهنارا

فلا تخشى لعادى سهاما

وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم

نهاركمو وليلكمو التماما

فقبح وفدكم من وفد قوم

ولا لقوا التحية والسلاما

فلما غنتهم الجرادتان بهذا قال بعضهم لبعض يا قوم لقد أبطأتم على أصحابكم فقوموا وادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم فقال لهم مرثد والله لا تسقون بدعائكم ولكن ان أطعتم نبيكم هودا وتبتم الى الله سقيتم واظهر إسلامه فقالوا لمعاوية احبس عنا مرثدا لا يقدمن معنا مكة فانه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم دخلوا مكة فقام قيل يستسقى فى المسجد وقال اللهم انى لم أجئ لمريض فاداويه ولا لاسير فافاديه اللهم اسقنا فانا قد هلكنا اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم وقال القوم اللهم أعط قيلا ما يسألك واجعل سؤلنا مع سؤله فانشأ الله تعالى سحابات ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب ما شئت فقال اخترت السوداء فانها اكثر السحاب ماء فنودى اخترت دمارا رمدا لا يبقى من آل عاد ولدا ولا شيوخا الا فصاروا همدا ثم ساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بما فيها من النقمة والبلاء الى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها

ص: 188

فرحوا وقالوا هذا عارض ممطرنا يقول الله تعالى بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شىء بامر ربها اى كل شىء مرت به فجاءتهم من تلك السحابة ريح عقيم سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما اى دائما فكانت الريح تحمل الظعن ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة وكانوا قد حفروا لارجلهم فى الأرض وغيبوها الى ركبهم فجعلت الريح تدخل أقدامهم وترفع كل اثنين وتضرب بأحدهما الآخر فى الهواء ثم تلقيهما فى الوادي والباقون ينظرون حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالتراب عليهم فكان يسمع أنينهم من تحت التراب فاعتزل هود ومن معه من المؤمنين فى حظيرة فما كان يصيبهم من الريح إلا ما يلين جلودهم وتلذ به أنفسهم قالوا ولما أراد الله إرسال الريح العقيم الى عاد اوحى الى الريح ان تخرج الى عادفتنتقم منهم فخرجت على قدر منخر ثور حتى رجفت الأرض ما بين المشرق والمغرب فقالت الخزان يا رب لن نطيقها ولو خرجت على حالها لاهلكت ما بين مشارق الأرض ومغاربها فاوحى الله تعالى اخرجى على قدر خرق الخاتم فخرجت على قدر ذلك قال السدى فلما بعث الريح إليهم ودنت منهم نظروا الى الإبل والرحال تطير بهم الريح بين السماء والأرض فتبادروا الى البيوت فاخرجتهم الريح من البيوت حتى أهلكتهم على ما ذكر وسبب هلاك الإبل وغيرها من الحيوانات اتصالها بملك اهل الغضب والبلية إذا نزلت فانما تنزل عامة ولله تعالى حكم ومصالح جليلة فى كل ما يحكم ويريد ولما نجا هود ومن معه من المؤمنين أتوا مكة فعبدوا الله فيها الى ان ماتوا وهكذا فعل كل نبى هلك قومه ونجا هو مع المؤمنين قال بعضهم بين الركن والمقام وزمزم تسعة وتسعون نبيا وان قبر هود وشعيب وصالح وإسماعيل فى تلك البقعة وسبب الهجرة ان ارض اهل الكفر والمعاصي قد حل فيها غضب الله وذهب خيرها فاقتضى كمال الخشية من جلال الله تعالى الرحلة الى دار الامان كما قال تعالى وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً مع ان امكنة العبادات على طبقات مختلفة متفاوتة فى مراتب الثواب فعمل واحد بمكة خير من الف عمل فى غيرها إذ هى محل أنفاس الأنبياء ونفوسهم ومحط رحال الأولياء ورؤسهم كما ان حال الازمنة كذلك فطوبى لعبد هاجر من ارض اهل البدعة والهوى ونزل بأرض اهل السنة والهدى لان نظر الله تعالى على اهل الخير والصلاح واما من اخلد الى ارضه مع جمود أهلها وخمود نار محبتها لمجرد غرض دنيوى من المعاش وغيره فهو ممن اهبطه الله الى ارض طبيعته وزحزحه عن جنته وأراد خسرانه فى تجارته والا فالمهتدى الى سبيل السلام لا يقيم مع الضالين مع وضوح البرهان التام

سعديا حب وطن كرچهـ حديث است صحيح

نتوان مرد بسختى كه من اينجا زادم

يقول الفقير اللهم انى هاجرت من ارض اهل البغي والفساد واخترت سلوك طريق اهل الرشاد فانتقلت من ديار الروم الى ما يلحق بأرضك المقدسة اعنى بروسة المحروسة اللهم ثبت قدمى فى طريقك الحق فانا الحقي أرشدني الى ما فى الهجرة من السر المطلق آمين يا معين وَإِلى ثَمُودَ اى أرسلنا الى ثمود وهى قبيلة من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عاد بن ارم ابن سام بن نوح وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام الى وادي القرى وثمود فى كتاب

ص: 189

الله مصروف وغير مصروف قال الله تعالى أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ فمن صرفه جعله اسما للحى ومن لم يصرفه جعله اسما للقبيلة أَخاهُمْ من حيث النسب كهود عليه السلام كما تقدم صالِحاً عطف بيان لاخاهم وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر ابن ثمود قالَ استئناف يا قَوْمِ بحذف ياء المتكلم اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ فيه اشارة الى ان الله تعالى وان غاير بين الرسل من حيث الشرائع الا انه جمع بينهم فى التوحيد حيث سلك كل واحد منهم فى الدعوة مسلك الآخر فقال نوح وهود وصالح يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره- روى- انه لما هلكت عاد عمرت ثمود بلادها وخلفوهم فى الأرض وكثروا فى خصب وسعة فعتوا على الله وأفسدوا فى الأرض وعبدوا الأصنام فبعث الله

إليهم صالحا وكانوا قوما عربا وصالح من أوسطهم نسبا فدعاهم الى الله تعالى حتى شمط وكبر فلم ينبعه الا قليل منهم مستضعفون فحذرهم وانذرهم فسألوه آية تكون مصداقا لقوله فقال أية آية تريدون قالوا تخرج معنا الى عيدنا فى يوم معلوم لهم من السنة فتدعو إلهك وندعو الهتنا فان استجيب لك اتبعناك وان استجيب لنا اتبعتنا فقال صالح نعم فخرج معهم ودعوا أوثانهم وسألوا الاستجابة فلم تجبهم الى سؤلهم ولم يظهر اثم الانجاح فاقتضحوا ثم قال سيدهم جندع ابن عمرو وأشار الى صخرة منفردة فى ناحية الجبل يقال لها الكاتبة اخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخدجة على خلقة الجمل فى الجسامة وغلظة العظام والقوائم شبيهة بالبختى جوفاء وبراء عشراء فان فعلت صدقناك وأجبناك فاخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن قالوا نعم فصلى ركعتين ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها الا الله وهم ينظرون ثم نتجت ولدا مثلها فى العظم فآمن به جندع ورهط من قومه ومنع الباقين من الايمان ذواب بن عمرو والجباب صاحب أوثانهم ورباب كاهنهم

يكى بنور عنايت ره هدايت يافت

يكى بوادي خذلان بماند سر كردان

يكى بوسوسه ديو رفت سوى سقر

يكى ز پيروى حق كرفت ملك جنان

فمكشت الناقة مع ولدها فى ارض ثمود ترعى الشجر وتشرب الماء فبعد ظهور هذه المعجزة قال لهم صالح قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ اى آية ومعجزة ظاهرة وشاهدة بنبوتي مِنْ رَبِّكُمْ متعلق بجاءتكم او بمحذوف هو صفة لبينة قال المولى ابو السعود وليس هذا الكلام منه عليه السلام أول ما خاطبهم اثر دعوتهم الى التوحيد بل انما قاله بعد ما نصحهم وذكرهم بنعم الله فلم يقبلوا كلامه وكذبوه ألا يرى الى ما فى سورة هود من قوله تعالى هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها الى آخر الآيات هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً استئناف كأنه قيل ما هذه البينة فقال هذه ناقة الله انبهكم عليها او أشير إليها فى حال كونها آية وعلامة دالة على صحة نبوتى واضافة الناقة الى الاسم الجليل لتعظيمها كما يقال بيت الله او لمجيئها من جهته تعالى بلا اسباب معهودة ووسائط معتادة يعنى كانت بالتكوين من غير اجتماع ذكر وأنثى ولم تكن فى صلب ولا رحم ولم يكن للخلق فيها سعى ولكم بيان لمن هى آية له وخصوا بذلك لانهم هم الذين طلبوها

ص: 190

وينتفعون بها لو تركوا العناد وطلبوا الاهتداء بالدليل والبرهان فَذَرُوها تفريع على كونها آية من آيات الله تعالى فان ذلك مما يوجب عدم التعرض لها اى دعوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ جواب الأمر اى الناقة الله والأرض فاتركوها ترتع ما ترتع فى ارض الحجر من العشب فليس لكم ان تحولوا بينها وبينها وعدم التعرض للشرب للاكتفاء عنه بذكر الاكل وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ الباء للملابسة اى لا تمسوها ملتبسين بسوء ولا تتعرضوا لها بشىء مما يسوءها أصلا من قتل او ضرب او مكروه إكراما لآية الله تعالى والسوء اسم جامع لانواع الأذى ويجوز ان تكون الباء للتعدية والمعنى بالفارسية [ومرسانيد بوى هيچ بدى] وفيه مبالغة حيث نهى عن المس الذي هو مقدمة الاصابة فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ جواب للنهى قال فى التفسير الفارسي [استحقاق عذاب نه بواسطه ضرر ناقه است بلكه با قامت ايشان بر كفر بعد از شهود معجزه وعقر ناقه دليل عتو ايشانست در كفر] والاشارة ان المعجزة للعوام ان يخرج لهم من حجارة الصخرة ناقة عشراء والمعجزة للخواص ان يخرج لهم من حجارة القلب ناقة السر بسقب سر السر وهو الخفي وناقة الله التي تحمل امانة معرفته وتعطى ساكنى بلد القالب من القوى والحواس لبن الواردات الالهية فذروها تأكل فى ارض الله اى ترقع فى رياض القدس وتشرب فى حياض الانس ولا تمسوها بسوء مخالفات الشريعة ومعارضات الطريقة فيأخذكم عذاب اليم بالانقطاع عن مواصلات الحقيقة وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ اى اذكروا وقت جعله تعالى إياكم خلفاء فى ارض الحجر او خلفاء لقوم عاد من بعد إهلاكهم فنصب إذ على المفعولية كما سبق فى القصة المتقدمة وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ اى أنزلكم فى ارض الحجر بالفارسي [جاى داد شما را] قال ابو السعود اى جعل لكم مباءة ومنزلا فى ارض الحجر بين الحجاز والشام تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً استئناف مبين لكيفية التبوئة اى تبنون فى سهولها قصورا رفيعه على ان من بمعنى فى كما فى قوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ او سهولة الأرض بما تعملون منها من اللبن والآجر وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ اى الصخور والنحت نجر الشيء الصلب وانتصاب الجبال على المفعولية بُيُوتاً حال مقدرة من الجبال كما تقول خط هذا الثوب قميصا قيل كانوا يسكنون السهول فى الصيف والجبال فى الشتاء وقيل انهم لطول أعمارهم كانوا يحتاجون الى ان ينحتوا من الجبال بيوتا لان السقوف والابنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ اى احفظوا نعم الله عليكم فان حق آلائه تعالى ان تشكر ولا يغفل عنها وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ العثى أشد الفساد فقيل لهم لا تتمادوا فى الفساد حال كونكم مفسدين فالمراد بهذه الحال تعريفهم بانهم على الفساد لا تقييد العامل والا لكان مفهومه مفيدا معنى تمادوا فى الفساد حال كونكم مصلحين وهذا غير جائز وقيل انما قيد به لما ان العثى فى الأصل مطلق التعدي وان غلب فى الفساد فقد يكون فى غير الفساد كما فى مقابلة غير الظالم الظالم المتعدى بفعله وقد يكون فيه صلاح راجح كقتل الخضر عليه السلام للغلام وخرقه السفينة فيكون التقييد بالحال تقييدا للعام بالخاص قالَ استئناف الْمَلَأُ اى الاشراف والرؤساء الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ اى تعظموا عن الايمان به لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا

ص: 191

اللام للتبليغ اى للذين استضعفوهم واستذلوهم لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل من الذين استضعفوا بدل الكل والضمير للقوم أَتَعْلَمُونَ [آيا شما ميدانيد] أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالوه بطريق الاستهزاء بهم قالُوا اى المؤمنون المستضعفون إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ من التوحيد والعبادة مُؤْمِنُونَ عدلوا عن الجواب الموافق لسؤالهم بان يقولوا نعم او نعلم انه مرسل منه تعالى تنبيها على ان إرساله امر معلوم مقرر عندهم حيث أوردوه صلة للموصول ومن المعلوم ان الصلة لا بد ان تكون جملة معلومة الانتساب الى ذات الموصول فكأنهم قالوا لا كلام فى إرساله لانه اظهر من ان يشك فيه عاقل ويخفى على ذى رأى لما اتى به من هذا المعجز العظيم الخارق وانما الكلام فى الايمان به فنحن مؤمنون به فهذا الجواب من اسلوب الحكيم وهو تلقى المخاطب بغير ما يترقب قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ عدلوا عن الجواب المطابق وهو انا بما أرسل به كافرون لدلالته على ان إرساله معلوم مسلم عندهم كما دل عليه قول المؤمنين فكأنهم قالوا ليس إرساله معلوما لنا مسلما عندنا وليس هناك إلا دعواه وايمانكم به ونحن بما آمنتم به كافرون فالمؤمنون فرعوا ايمانهم على الإرسال الثابت والكفار فرّعوا كفرهم على ايمان المؤمنين واعلم ان الله تعالى ذم الكفار بوجهين أحدهما الاستكبار وهو رفع النفس فوق قدرها وجحود الحق والآخر انهم استضعوا من كان يجب ان يعظموه ويبجلوه ومدح المؤمنين حيث ثبتوا على الحق وأظهروه مع ضعفهم عن مقاومة الكفار كما دل عليه قوله إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ اى نحروها وبالفارسي [پس پى كردند وبكشتند ناقه را] أسند العقر الى الكل مع ان المباشر بعضهم للملابسة أو لأن ذلك كان برضاهم فكأنه فعله كلهم- روى- ان الناقة كانت ترد الماء غبا فاذا كان يومها وضعت رأسها فى البئر فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيها لا تدع قطرة واحدة ثم تتفحج فيحبلون ما شاؤا حتى تمتلىء أوانيهم كلها فيشربون ويدخرون ثم تصدر من أعلى الفج الذي وردت منه لانها لا تقدر ان تصدر من حيث ترد لضيقه قال ابو موسى الأشعري أتيت ارض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعا وكانوا إذا جاء يومهم وردوا الماء فيشربون ويسقون مواشيهم ويدخرون من الماء ما يكفيهم اليوم الثاني وكانت الناقة إذا وقع الحر تصيفت بظهر الوادي فيهرب منها أنعامهم الى بطنه وإذا وقع البرد تشتت ببطن الوادي فيهرب منه مواشيهم الى ظهره فشق ذلك عليهم وزينت عقرها لهم امرأتان عنيزة أم غنم وصدقة بنت المختار لما أضرت به من مواشيهما وكانتا كثيرتى المواشي قال الحدادي كان فى ثمود امرأة يقال لها صدوق كانت جميلة الخلق غنية ذات ابل وبقر وغنم وكانت من أشد الناس عداوة لصالح وكانت تحب عقر الناقة لاجل انها أضرت بمواشيها فطلبت ابن عم لها يقال له مصدع بن دهر وجعلت له نفسها ان عقر الناقة فاجابها الى ذلك ثم طلبت قدار بن سالف وكان رجلا احمر ازرق قصيرا يزعمون انه ولد زنى ولكنه ولد على فراش سالف فقالت يا قدار أزوجك أي بناتي شئت على ان تعقر الناقة وكان منيعا فى قومه فاجابها ايضا فانطلق قدار ومصدع فاستعووا عواة ثمود فاتاهم تسعة رهط فاجتمعوا على عقر الناقة فاوحى الله تعالى الى صالح ان قومك سيعقرون الناقة فقال لهم

ص: 192

صالح بذلك فقالوا ما كنا لنفعل ثم تقاسموا بالله لنبيتنه واهله وقالوا نخرج فيرى الناس انا قد خرجنا الى سفر فنأتى الغار فنكون فيه حتى إذا كان الليل وخرج صالح الى مسجده قتلناه ثم رجعنا الى الغار فكنا فيه فاذا رجعنا قلنا ما شهدنا مهلك اهله وانا لصادقون اى يعلمون انا خرجنا فى سفر لنا وكان صالح لا ينام فى القرية وكان له مسجد خارج القرية يقال له مسجد صالح يبيت فيه فاذا أصبح أتاهم فوعظهم وإذا امسى خرج الى المسجد فانطلقوا ودخلوا الغار فلما كان الليل سقط عليهم الغار فقتلهم فلما أصبحوا رآهم رجل فصاح فى القرية فقال ما رضى صالح حتى قتلهم فاجتمع اهل القرية على عقر الناقة وقال ابن اسحق انما اجتمع التسعة الذين عقروا الناقة فقالوا هلموا لنقتل صالحا فان كان صالح صادقا منعنا قتله وان كان كذبا الحقناه بناقته فاتوا ليلا فبيتوه فى اهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة وقال بعضهم انطلق قدار ومصدع وأصحابهما التسعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها مصدع فى اصل صخرة اخرى فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ثم خرج قدار فعقرها بالسيف فخرت ترغو ثم طعنها فى لبتها ونحرها وخرج اهل البلد واقتسموا لحمها فلما رآها سقبها كذلك رقى جبلا اسمه قارة فرغا ثلاثا ودموعه تنحدر حتى اتى الصخرة التي خلق منها فانفتحت فدخلها فذلك قوله تعالى فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ اى استكبروا عن امتثاله وهو ما بلغهم صالح من الأمر بقوله فذروها ومن النهى بقوله ولا تمسوها او استكبروا عن اتباع امر الله وهو شرعه ودينه ويجوز ان يكون المعنى صدر عتوهم عن امر ربهم كان امر ربهم بترك الناقة كان هو السبب فى عتوهم ونجوا من هذه كما فى قوله وما فعلته عن امرى كذا فى الكشاف وَقالُوا مخاطبين له عليه السلام بطريق التعجيز والافحام يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب على قتل الناقة إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فان كونك من جملتهم يستدعى صدق ما تقول من الوعد والوعيد فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ اى الزلزلة الشديدة لكن لا اثر ما قالوا بل بعد ما جرى عليهم ما جرى من مبادى العذاب فى الأيام الثلاثة كما سيجيئ ورد فى حكاية هذه القصة فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ وفى موضع فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ وفى موضع فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ولا تناقض لان الرجفة مترتبة على الصيحة لانه لما صيح بهم رجفت قلوبهم فماتوا فجاز ان يسند الإهلاك الى كل واحدة منهما وقال الحدادي فأخذتهم الزلزلة ثم صيحة جبريل وفى التفسير الفارسي [پس فرا كرفت ايشانرا بسبب كشتن ناقه زلزله بعد از سفيدن صيحه عظيم] واما قوله بالطاغية فالباء فيها سببية والطاغية مصدر بمعنى الطغيان كالعاقبة والتاء للمبالغة كما فى علامة ومعناه اهلكوا بسبب طغيانهم فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ اى صاروا فى أراضيهم وبلدهم او فى مساكنهم جاثِمِينَ اى خامدين موتى لاحراك بهم واصل الجثوم البروك يقال الناس جثوم اى قعود لاحراك بهم قال ابو عبيدة الجثوم للناس والطير والبروك للابل والمراد كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم من غير اضطراب وحركية كما يكون عند الموت المعتاد ولا يخفى ما فيه من شدة الاخذ وسرعة البطش اللهم انا بك نعوذ من نزول سخطك وحلول غضبك قيل حيث ذكرت

ص: 193

الرجفة وحدت الدار وحيث ذكرت الصيحة جمعت لان الصيحة كانت من السماء فبلوغها اكثر وابلغ من الزلزلة فقرن كل منهما بما هو أليق به- روى- انهم لما عقروا الناقة هرب ولدها الى جبل فرغا ثلاثا وكان صالح قال لهم بعد بلوغ خبر القتل اليه أدركوا الفصيل عسى ان يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه فانفجت الصخرة بعد رغائه فدخلها قال صالح لكل رغوة أجل يوم تمتعوا فى داركم اى فى بلادكم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب وقد عقروا الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح ابشروا بعذاب الله ونقمته فقالوا له وما علامة ذلك فقال تصبحون غداة يوم الخميس ووجوهكم مصفرة ثم تصبحون يوم الجمعة ووجوهكم محمرة ثم تصبحون يوم السبت ووجوهكم مسودة ثم يصبحكم العذاب أول يوم الأحد فكان الأمر كما وصف نبيهم حيث أصبحوا يوم الخميس كأن وجوههم طليت بالزعفران صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم فأيقنوا بالعذاب وعلموا ان صالحا قد صدق فطلبوه ليقتلوه فهرب منهم واختفى فى موضع فلم يجدوه فجعلوا يعذبون أصحابه ليدلوهم عليه فلما أصبحوا يوم الجمعة أصبحت وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدماء فصاحوا بأجمعهم وضجوا وبكوا وعرفوا ان العذاب قددنا إليهم وجعل كل واحد منهم يخبر الآخر بما يرى فى وجهه ثم أصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودة كأنها طليت بالقار والنيل فصاحوا جميعا ألا قد حضر العذاب فلما كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن آمن به الى الشام فنزل رملة فلسطين فلما كان يوم الأحد وهو اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا بالصبر لئلا يتعرض لهم السباع لمرارته وتكفنوا بالانطاع والقوا نفوسهم على الأرض يقلبون أبصارهم الى السماء مرة والى الأرض اخرى لا يدرون من أين يأتيهم العذاب فأتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شىء له صوت ورجفة من الأرض فتقطعت قلوبهم فى صدورهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير الا هلك فان قلت مشاهدة العلامات المذكورة تلجىء المكلف الى الايمان فهل يحتمل ان يبقى العاقل بعدها مصرا على كفره قلت لما شاهدوا علامات نزول العذاب خرجوا عن حد التكليف فلم تقبل توبتهم بعد ذلك فَتَوَلَّى عَنْهُمْ اثر ما شاهد ما جرى عليهم من الهلاك تولى مغتما متحسرا على ما فاتهم من الايمان متحزنا عليهم وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي [پيغام پروردگار من كه بأداء آن مأمور بودم] وَنَصَحْتُ لَكُمْ وقت الدعوة بالترغيب والتزهيب وبذلت فيكم وسعى وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ صيغة المضارع حكاية حال ماضية اى شأنكم الاستهزاء على بعض الناصحين لان قول الناصح ثقل والحق مرّ وهما يفيدان البغضة كما قال قائلهم

وكم سقت فى آثاركم من نصيحة

وقد يستفيد البغضة المتنصح

وذلك ايضا من خباثة ارض النفس الخبيثة لم تقبل بذر النصح ولم ينبت فيها- وروى- عن جابر ابن عبد الله انه قال لما مر النبي عليه السلام بالحجر فى غزوة تبوك يعنى مواضع ثمود قال لاصحابه (لا يدخلن أحد منكم هذه القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين الا ان تكونوا باكين ان يصيبكم مثل ما أصابهم) ثم قال (لا تسألوا رسولكم الآيات فان هؤلاء

ص: 194

قوم صالح سألوا رسولهم الآية فبعث الله إليهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها وأراهم مرتقى الفصيل حيث ارتقى) ثم اسرع رسول الله السير حتى جاوز الوادي وعنه عليه الصلاة والسلام انه قال لعلى (يا على أتدرى من أشقى الأولين) قال الله ورسوله اعلم قال (عاقر الناقة) ثم قال (أتدري من أشقى الآخرين) قال الله ورسوله اعلم قال (قاتلك) : وفى المثنوى

ناقه صالح بصورت بد شتر

پى بريدندش ز جهل آن قوم مر

ناقة الله آب خورد از جوى ميغ

آب حق را داشتند از حق دريغ

شحنه قهر خدا زيشان بجست

خونبهاى اشترى شهرى درست

صالح از خلوت بسوى شهر رفت

شهر ديد اندر ميان دود وتفت

ز استخوانهاشان شنيد او نالها

أشك خون از جان شان چون ژالها

صالح آن بشنيد وكريه ساز كرد

نوحه بر نوحه كنان آغاز كرد

كفت اى قومى بباطن ز پسته

واز شما من پيش حق بگريسته

حق بگفته صبر كن بر جورشان

پندشان ده بس نماند از دورشان

من بگفته پند شد پند از جفا

شير پند از مهر جو شد وز صفا

بس كه كرديد از جفا بر جاى من

شير پند افسرد در ركهاى من

حق مرا كفته ترا لطفى دهم

بر سر آن زخمها مرهم نهم

صاف كرده حق دلم را چون سما

روفته از خاطرم جور شما

در نصيحت من شده بار دگر

كفته أمثال سخنها چون شكر

شير تازه از شكر انگيخته

شير شهدى با سخن آميخته

در شما چون زهر كشته اين سخن

زانكه زهرستان بديد از بيخ وبن

چون شوم غمكين كه غم شد سرنكون

غم شما بوديد اى قوم حرون

هيچ كس بر مرك غم نوحه كند

ريش سر چون شد كسى مو بر كند

والاشارة ان صالح الروح أرسل بنفخة الحق الى بلد القلب وساكنيه ليدعوهم من الأوصاف الرديئة السفلية الظلمانية الحيوانية الى الأخلاق الحميدة العلوية النورانية الروحانية والنفس وصفاتها عقروا ناقة سر القلب بسكاكين مخالفات الحق والاستكبار وعتوا عن امر ربهم من التوحيد والمعرفة فصاروا الى الهلاك وبقوا فى اودية الجهل والإنكار عصمنا الله وإياكم من كل ما يسوء الروح ويمنع الفتوح وَلُوطاً اى وأرسلنا لوطا وهو لوط بن هاران ابن تارخ فهو ابن أخي ابراهيم كان من ارض بابل العراق فهاجر مع عمه ابراهيم الى الشام ونزل الأردن وهو كورة بالشام فأرسله الله الى اهل سدوم بلد بحمص قال فى التفسير الفارسي [خداى تعالى ويرا پيغمبرى داد وباهل مؤتفكات فرستاد وآن پنج شهر بوده سدوم أعظم مداين بود وديكر عامه وداود وصابورا وصفود كويند در هر شهرى چهار بار هزار هزار آدمي بودند لوط عليه السلام بسدوم آمد وخلق را بخداى تعالى دعوت كرد وبيست سال

ص: 195

در ميان ايشان بود وبخيرات امر مينمود واز فواحش نهى فرمود ويكى از فواحشها لواطه بود] كما حكى الله تعالى بقوله إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ [مر قوم سدوم را كه لوط عليه السلام در ميان ايشان بود] وهو ظرف لا رسلنا المضمر اى أرسلنا لوطا الى قومه وقت قوله لهم قيل الإرسال قبل وقت القول لا فيه وأجيب بان هذا من قبيل قولك فى ظرف المكان زيد فى ارض الروم فهو هاهنا غير حقيقى فيكفى وقوع المظروف فى بعض اجزائه أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ انكار وتقريع على تلك الفعلة المتمادية فى القبح اى البالغة الى غاية القبح وهى اللواطة والمعنى أتفعلونها ما سَبَقَكُمْ بِها ما فعلها قبلكم على ان الباء للتعدية كما فى قوله عليه السلام (سبقك بها عكاشة) من قولك سبقته بالكرة اى ضربتها قبله مِنْ أَحَدٍ من مزيدة لتأكيد النفي وإفادة الاستغراق مِنَ الْعالَمِينَ من للتبعيض والجملة استئناف نحوى اى مبتدأة جىء بها تأكيدا للانكار السابق كأنه وبخهم اولا بإتيان الفاحشة ثم باختراعها فانه أسوأ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ بيان لتلك الفاحشة. قرأ نافع وحفص انكم بطريق الخبر والباقون أإنكم بطريق الاستفهام يقال اتى المرأة إذا غشيها وفى إيراد لفظ الرجال دون الغلمان والمردان ونحوهما مبالغة فى التوبيخ شَهْوَةً مفعول له وفى التقييد بها وصفهم بالبهيمية الصرفة وتنبيه على ان العاقل ينبغى ان يكون الداعي له الى المباشرة طلب الولد وبقاء النوع لاقضاء الشهوة مِنْ دُونِ النِّساءِ اى متجاوزين النساء اللاتي أباح الله لكم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ إضراب عن الإنكار المذكور الى الاخبار بحالهم التي أدت بهم الى ارتكاب أمثالها وهى اعتياد الإسراف فى كل شىء يعنى انهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحد فى كل شىء فمن ثمة أسرفوا فى باب قضاء الشهوة وتجاوزوا عما عين لها الى غيره وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا استثناء مفرغ من أعم الأشياء اى ما كان جوابا من جهة قومه شىء من الأشياء الا قول بعضهم لبعض أَخْرِجُوهُمْ اى لوطا ومن معه من المؤمنين مِنْ قَرْيَتِكُمْ اى الا هذا القول الذي يستحيل ان يكون جوابا لكلام لوط وليس المراد لم يصدر عنهم بصدد الجواب عن مقالات لوط ومواعظه الا هذه المقالة الباطلة كما هو المتسارع الى الافهام بل انه لم يصدر عنهم فى المرة الاخيرة من مرات المحاورات الجارية بينهم وبينه عليه السلام الا هذه الكلمة الشنيعة والا فقد صدر عنهم قبل ذلك كثير من الترهات حسبما حكى عنهم فى سائر السور الكريمة وهذا هو الوجه فى نظائره الواردة بطريق القصر وقوله مِنْ قَرْيَتِكُمْ اى من بلدكم فان العرب تسمى المدينة قرية والمراد بلدة سدوم إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ اى يطلبون الطهارة من الفواحش قالوه على وجه الاستهزاء والسخرية بهم فَأَنْجَيْناهُ اى لوطا وَأَهْلَهُ ابنتيه رعوزا وريثا وسائر من آمن به فان الأهل يفسر بالأزواج والأولاد وبالعبيد والإماء وبالأقارب وبالاصحاب وبالمجموع واهل الرجل خاصته الذين ينسبون اليه إِلَّا امْرَأَتَهُ واهله فانها تسر الكفر وتغرى الكفار على انكار لوط وهو استثناء من اهله كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ استئناف بيانى كأنه قيل فماذا كان حالها فقيل كانت من الغابرين اى الباقين فى ديارهم الهالكين فيها من الغبور بالفارسي [باقى بماندن] والتذكير مع ان الظاهر ان يقال من الغابرات مبنى على انه بقي فى ديارهم

ص: 196

رجال ونساء فغلب الرجال فقيل فى حقها انها كانت منهم وَأَمْطَرْنا [بارانيديم] عَلَيْهِمْ [بر كفا قوم لوط] مَطَراً نوعا من المطر عجيبا وهى الحجارة اى أرسلنا عليهم الحجارة إرسال المطر فَانْظُرْ خطاب لكل من يتأتى منه التأمل والنظر تعجيبا من حالهم وتحذيرا من أعمالهم كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ اى تفكر فى آخر امر الكافرين المكذبين كيف فعلنا بهم قيل كان السبب فى اختراعهم هذه الخصلة القبيحة اى اللواطة ان بلادهم وهى ارض الشام أخصبت بانواع الثمار والحبوب فتوجه إليهم الناس من النواحي والأطراف لطلب المعروف فتأذوا من كثرة ورود الفقراء فعرض لهم إبليس فى صورة شيخ وقال ان فعلتم بهم كذا وكذا نجوتم منهم فابوا فلما الحّ الناس عليهم قصدوهم فاصابوا غلمانا صباحا فاخبثوا فاستحكم فيهم ذلك وكانوا لا ينكحون الا الغرباء وقال الكلبي أول من فعل به ذلك الفعل إبليس الخبيث حيث تمثل لهم فى صورة شاب جميل فدعاهم الى نفسه ثم عملوا ذلك العمل بكل من ورد عليهم من المرد قضاء لشهوتهم ودفعا لهجوم الناس عليهم وعاشوا بذلك العمل زمانا فلما كثر فيهم عجت الأرض الى ربها فسمعت السماء فعجت الى ربها فسمع العرش فعج الى ربه فامر الله السماء ان تحصبهم والأرض ان تخسف بهم امطروا اولا بالحجارة ثم خسف بهم الأرض وقيل خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم- وروى- ان تاجرا منهم كان فى الحرم فوقف له الحجر أربعين يوما حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه دلت الآية على ان اللواطة افحش الفواحش وأقبحها لان الله تعالى ما أمطر الحجارة على اهل الذنوب العظام مثل الزنى والعقوق والسرقة والقتل بغير الحق وغير ذلك من الكبائر حتى الشرك قال ابن سيرين ليس شىء من الدواب يعمل هذا العمل الا الخنزير والحمار فاللواطة ذنب عظيم يجب ان يحترز عنها وعن مباديها ايضا كاللمس والقبلة قال الامام من قبل غلاما بشهوة فكأنما زنى بامه سبعين مرة ومن زنى مع امه مرة فكأنما زنى بسبعين بكرا ومن زنى من البكر مرة فكأنما زنى مع سبعين الف امرأة وضرر النظر فى الأمرد أشد لامتناع الوصول فى الشرع لانه لا يحل الاستمتاع بالامرد ابدا: قال الشيخ سعدى قدس سره

خرابت كند شاهد خانه كن

برو خانه آباد كردان بزن

نشايد هوس باختن با كلى

كه هر بامدادش بود بلبلى

مكن بد بفرزند مردم نكاه

كه فرزند خويشت بر آيد تباه

چرا طفل يك روزه هوشش نبرد

كه در صنع ديدن چهـ بالغ چهـ خر

محقق همى بيند اندر ابل

كه در خوب رويان چين و چكل

- وحكى- ان سليمان بن داود عليهما السلام قال يوما لعفريت من الجن ويلك اين إبليس قال يا نبى الله هل أمرت فيه بشىء قال لا قال اين هو قال انطلق يا نبى الله فانطلق ومشى العفريت بين يدى سليمان حتى هجم به على البحر فاذا إبليس على بساط على الماء فلما رأى سليمان ذعر منه وفرق فقام فتلقاه فقال يا نبى الله هل أمرت فىّ بشىء قال لا ولكن جئت لأسألك عن أحب الأشياء إليك وأبغضها الى الله تعالى فقال إبليس اما والله لولا ممشاك الى ما أخبرتك ليس شىء

ص: 197

ابغض الى الله تعالى من ان يأتى الرجل الرجل والمرأة المرأة وفى الحديث (سحاق النساء زنى بينهن) وفى ملتقطة الناصري الغلام إذا بلغ مبلغ الرجال ولم يكن صبيحا فحكمه حكم الرجال وان كان صبيحا فحكمه حكم النساء وهو عورة من قرنه الى قدمه يعنى لا يحل النظر اليه عن شهوة فاما السلام والنظر لا عن شهوة فلا بأس به ولذا لم يؤمر بالنقاب والأمرد إذا كان صبيحا فاراد ان يخرج فى طلب العلم فلا بيه ان يمنعه وكان محمد بن الحسن صبيحا وكان ابو حنيفة يجلسه فى درسه خلف ظهره او خلف سارية المسجد حتى لا يقع عليه بصره مخافة من خيانة العين مع كمال تقواه حتى ان واحدا من العلماء مات فرؤى فى المنام قد اسود وجهه فسئل عن ذلك فقال رأيت غلاما فى موضع كذا فنظرت اليه فاحترق وجهى فى النار قال القاضي سمعت الامام يقول ان مع كل امرأة شيطانين ومع كل غلام ثمانية عشر شيطانا ويكره مجالسة الأحداث والصبيان والسفهاء لانه يذهب بالمهابة ويورث التهمة: قال الشيخ سعدى

چوخواهى كه قدرت بماند بلند

دل اى خواجه در ساده رويان مبند

وكر خود نباشد غرض در ميان

حذر كن كه دارد بحرمت زيان

ويكره بيع الأمرد ممن يعلم انه يفضى اليه غالبا لانه اعانة على المعصية فان قلت سلمنا ان الغلام ليس محلا للحرث والتولد لكنه يكون محلا لقضاء الشهوة واستيفاء اللذة فالعقل يقتضى ان يتصرف المالك فى ملكه كيف يشاء قلت الشرع لم يأذن فى هذا المحل بالتصرف لغاية قباحته ونهاية خبائته ومجرد المملوكية لا يقتضى التصرف فى المملوك ألا ترى ان من ملك مجوسية او وثنية لم يجز له تصرف فيهما أصلا ما لم تدخلا فى الإسلام وكذا لا يجوز التصرف للسيدة فى عبدها المملوك فى محل لم يأذن الشرع بالتصرف فيه كالتقبيل والتفخيذ وغيرها من دواعى الوطء فلو جاز للسيد التصرف فى عبده لجاز للسيدة التصرف فى عبدها بطريق الاولى لكونها محلا للحرث والإتيان فى دبر الذكر هو اللواطة الكبرى وفى دبر المرأة هو اللواطة الصغرى وفى الحديث (ملعون من اتى امرأة فى دبرها) وهل تجوز اللواطة فى الجنة قيل ان كان حرمتها عقلا وسمعا لا تجوز وان كان سمعا فقط تجوز والصحيح انها لا تجوز فيها لان الله تعالى استبعدها واستقبحها فقال ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ وسماها خبيثة فقال كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ والجنة منزهة عنها قال المولى زيرك زاده فى حواشى الأشباه رحمه الله تعالى رحمة واسعة قد قال الله تعالى وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً وفى موضع آخر وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ

والآية تدل على ان فى الجنة مردا ملاحا وبعيد ان يكونوا غير مشتهين وغير المعقول فى الدنيا ان يكون خلاف الوضع والاستقذار وقطع النسل واما فى النشأة الاخروية فهذه المحذورات منتفية انتهى كلام زيرك زاده يقول الفقير هذا ليس بمرضى عند القلب السليم والعقل المستقيم يأبى عنه من يعرف القبيح من الحسن ويتنفر من يميز الزيوف والتبهرج من النقد الجيد المستحسن. فان الطواف فى الآية الاولى انما يدل على كونهم خدام اهل الجنة وان اهل الجنة يتلذذون بالنظر الى جمالهم وبهجتهم وهذا لا يقتضى التلذذ بالاستمتاع ايضا كما فى حق الحور. والاشتهاء فى الآية الثانية وان كان عاما لكنه يجوز

ص: 198

ان لا تكون اللواطة مشتهاة لاهل الجنة للحكمة التي عليها مدار حرمتها فى جميع الأديان كالزنى بخلاف الخمر فانها كانت حلالا فى بعض الأديان ولذا صارت من نعيم الجنان ايضا ومطلق ارتفاع موانع الحرمة لا يقتضى الحل والجواز ألا ترى الى تستر اهل الجنة عند الوقاع فان أهليهم لا يظهرن لغير المحارم كما فى الواقعات المحمودية هذا واما حكم الوطء بحسب الشرع فذهب الشافعي الى انه يقتل وذهب احمد بن حنبل الى انه يرجم وان كان غير محصن قال فى شرح الوقاية ان من اتى دبر اجنبى او امرأة فعند ابى حنيفة لا يحد بل يعزر ويودع فى السجن حتى يتوب وعندهما يحد حد الزنى فيجلد ان لم يكن محصنا ويرجم ان كان محصنا قال قيدنا بدبر الأجنبي لانه لو فعل ذلك بعبده او أمته او بمنكوحته لا يحد اتفاقا لهما ان الصحابة اجمعوا على حده ولكن اختلفوا فى وجوهه فقال بعضهم يحبس فى أنتن المواضع حتى يموت وقال بعضهم يهدم عليه الجدار انتهى وقد يقال يلقى من مكان عال كالمنارة قال أبو بكر الوراق يحرق بالنار صرح به فى شرح المجمع قال فى الزيادات والرأى الى الامام ان شاء قتله ان اعتاد ذلك وان شاء حبسه كما فى شرح الأكمل والظاهر ان ما ذهب اليه ابو حنيفة انما هو استعظام لذلك الفعل فانه ليس فى القبح بحيث ان يجازى كالقتل والزنى وانما التعزير لتسكين الفتنة الناجزة كما انه يقول فى اليمين الغموس انه لا يجب فيه الكفارة لانه لعظمه لا يستتر بالكفارة وفى كتاب الحظر والإباحة رجل وطء بهيمة قال ابو حنيفة ان كانت البهيمة للواطء يقال له اذبحها وأحرقها ان كانت مأكولة وان لم تكن مماتؤ كل تذبح ولا تحرق قال فى ترجمة الجلد الأخير من الفتوحات المكية [واز نكاح بهايم اجتناب كن نه شرع است ونه دين ونه مروت شخصى بود صالح اما قليل العلم در خانه خود منقطع بود ناكاه بهيمه خريد واو را بدان حاجتى ظاهر نه بعد از چند سال كسى از وى پرسيد تو اين را چهـ

ميكنى وترا بوى شغلى وحاجتى نيست كفت دين خود را باين محافظت ميكنم او خود با آن بهيمه جمع مى آمده است تا از زنا معصوم ماند او را اعلام كردند كه آن حرامست وصاحب شرع نهى فرموده است بسيار كريست وتوبه كرد وكفت ندانستم پس بر تو فرض عين است كه از دين خوم باز جويى وحلال وحرام را تمييز كنى تا تصرفات تو بر طريق استقامت باشد انتهى كلام الترجمة] وفى الحديث (ومن لم يستطع فعليه بالصوم) استدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لانه ارشد عند العجز عن التزوج الى الصوم الذي يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحا لكان الإرشاد اليه أسهل وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية لاجل تسكين الشهوة جائز وفى رواية الخلاصة الصائم إذا عالج ذكره حتى امنى يجب عليه القضاء ولا كفارة عليه ولا يحل هذا الفعل خارج رمضان ان قصد قضاء الشهوة وان قصد تسكين شهوته أرجو ان لا يكون عليه وبال وفى بعض حواشى البخاري والاستمناء باليد حرام بالكتاب والسنة قال الله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ الى قوله فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ اى الظالمون المتجاوزون الحلال الى الحرام قال البغوي فى الآية دليل على ان الاستمناء باليد حرام قال ابن جريج سألت عطاء عنه فقال سمعت ان قوما

ص: 199

يحشرون وأيديهم حبالى وأظنهم هؤلاء وعن سعيد بن جبير عذب الله امة كانوا يعبثون بمذاكيرهم والواجب على فاعله التعزيز كما قال ابن الملقن وغيره نعم يباح عند ابى حنيفة واحمد رحمهما الله إذا خاف على نفسه الفتنة وكذلك يباح الاستمناء بيد زوجته او جاريته لكن قال القاضي حسين مع الكراهة لانه فى معنى العزل وفى التارخانية قال ابو حنيفة حسبه ان ينجو رأسا برأس كذا فى أنوار المشارق لمفتى حلب الشهباء والله اعلم وَإِلى مَدْيَنَ اى وأرسلنا الى قبيلة مدين وهم أولاد مدين بن ابراهيم خليل الله عليه السلام أَخاهُمْ فى النسب اى واحدا منهم شُعَيْباً عطف بيان لاخاهم وهو شعيب بن ميكيل بن يشجر بن مدين الذي تزوج ريثا بنت لوط فولدت له وكثر نسله فصار مدين قبيلتهم قال الضحاك بكى شعيب من خشية الله حتى ذهب عيناه وصار أعمى وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وكانوا اهل بخس للمكاييل والموازين مع كفرهم قالَ استئناف بيانى يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ مر تفسيره قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ معجزة مِنْ رَبِّكُمْ متعلق بجاءتكم او بمحذوف هو صفة لفاعله مؤكدة لفخامة الذاتية المستفادة من تنكيره بفخامته الاضافية اى بينة عظيمة كائنة من مالك أموركم ولم يذكر معجزته فى القرآن كما لم يذكر اكثر معجزات نبينا عليه السلام قال فى التفسير الفارسي [در قران معجزه شعيب مذكور نيست ودر أحاديث نيز بنظر فقير نرسيده اما در آيات باهرات كه ذكر معجزات انبيا ميكنند ميكويد كه معجزه شعيب آن بود كه چون بكوه بلند بر آمدى كوه سر فرود آوردى تا شعيب بآسانى بر وى صعود كردى] وذكر بعض معجزاته فى الكشاف فارجع اليه فَأَوْفُوا الْكَيْلَ الكيل مصدر قولك كلت الطعام كيلا والمعنى المصدري لا يمكن ايفاؤه لان النقص والإتمام من خواص الأعيان فحمله القاضي على حذف المضاف اى آلة الكيل وفسره ابو السعود بالمكيال ويؤيده قوله وَالْمِيزانَ فان المبادر منه الآلة وان جاز كونه مصدرا كالميعاد فحمل الكيل على ما يكال به كما يطلق العيش على ما يعاش به وكان لهم مكيالان وميزانان أحدهما اكبر من الآخر فاذا اكتالوا على الناس يستوفون بالأكبر وإذا كالوهم او وزنوهم يخسرون بالاصغر والمعنى أدوا حقوق الناس بالمكيال والميزان على التمام وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ اى لا تنقصوا أَشْياءَهُمْ التي يشترونها بهما معتمدين على تمامها أي شىء كان وأي مقدار كان فانهم كانوا يبخسون الجليل والحقير والقليل والكثير فالتعبير بالأشياء دون الحقوق للتعميم فان مفهوم الشيء أعم بالنسبة الى مفهوم الحق واعلم ان بخس الناس أشياءهم فى المكيل والموزون من خساسة النفس ودناءة الهمة وغلبة الحرص ومتابعة الهوى والظلم وهذه الصفات الذميمة من شيم النفوس وقد ورد الشرع بتبديل هذه الصفات وتزكية النفس فان الله تعالى يحب معالى الأمور ويبغض سفسافها وفى الحديث (ما ذئبان جائعان أرسلا فى غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف وفى الحديث (الصلاة امانة والوضوء امانة والوزن امانة والكيل امانة) - وروى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه (الكيل

ص: 200

والوزن أنتم قد وليتم امرا فيه هلكت الأمم السالفة قبلكم) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ اى بالكفر والحيف بَعْدَ إِصْلاحِها بعد ما أصلح أمرها وأهلها الأنبياء واتباعهم بإجراء الشرائع ذلِكُمْ اشارة الى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه خَيْرٌ لَكُمْ من التطفيف والبخس والإفساد وقيل خير هاهنا ليس على بابه من التفضيل بل بمعنى نافع عند الله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ اى مصدقين بي فى قولى هذا وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ الباء للالصاق او المصاحبة لان القعود ملصق بالمكان وان القاعد ملابسه ويحتمل ان تكون بمعنى فى لان القاعد يحل بمكان قعوده وان تكون بمعنى على لاستيلاء القاعد على المكان تُوعِدُونَ حال من فاعل لا تقعدوا ولم يذكر الموعد به ليذهب الذهن كل مذهب. والمعنى ولا تقعدوا بكل طريق من طرق الدين موعودين اى مخوفين كالشيطان حيث قال لاقعدن لهم صراطك المستقيم وصراط الله وان كان واحدا لكنه يتشعب الى معارف وحدود واحكام وكانوا إذا رأوا أحدا يسعى فى شىء منها منعوه وقيل كانوا يجلسون على المرصد فيقولون لمن يريد شعيبا انه كذاب لا يفتننك عن دينك ويتوعدون من آمن به وقيل يقطعون الطريق وَتَصُدُّونَ عطف على توعدون اى تمنعون وتصرفون عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى السبيل الذي قعدوا عليه مَنْ آمَنَ بِهِ اى بكل صراط وهو مفعول تصدون وَتَبْغُونَها من باب الحذف والإيصال والتقدير وتبغون لها انث ضمير السبيل لانه يذكر ويؤنث. والمعنى وتطلبون لسبيل الله عِوَجاً زيغا وعدولا عن الحق بإلقاء الشبه او بوصفها للناس بانها معوجة وهى ابعد شىء من شائبة الاعوجاج وفيه اشارة الى الذين قطعوا طريق الوصول الى الله على الطالبين بانواع الحيل بالمكايد وطلبوا الاعوجاج فيه بإظهار الباطل كما قطعوا على أنفسهم فان شر المعاصي ما لا يكون لازما لصاحبه بل يكون متعديا عنه الى غيره لان ضرر التعدية عائد الى المبتدئ بقدر الأثر فى التعدي وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ بالبركة فى النسل والمال فصار ضعفكم قوة وفقركم غنى وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ من الأمم الماضية كقوم نوح ومن بعدهم من عاد وثمود واضرابهم واعتبروا بهم واحذروا من سلوك مسالكهم وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ من الشرائع والاحكام وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا اى به قال فى التفسير الفارسي [قومى از مدين بشعيب عليه السلام ايمان آوردند جمعى ديكر انكار كردند وكفتند قوت وثروت ما راست نه مؤمنا را پس حق با ما باشد واگر حق با ايشان بودى بايستى كه توانكرى ووسعت معاش ايشانرا بودى شعيب عليه السلام فرمود كه اگر چهـ شما دو كره شده ايد] فَاصْبِرُوا فتربصوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا اى الفريقين بنصر المحقين على المبطلين فهو وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ إذ لا معقب لحكمه ولا حيف فيه وهو اعدل القاضين تم الجزء الثامن فى اواخر شوال من سنة الف ومائة

ص: 201

الجزء التاسع من الاجزاء الثلاثين

قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ بعد ما سمعوا هذه المواعظ من شعيب عليه السلام وهو استئناف بيانى لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا عطف على الكاف فى لنخرجنك ويا شعيب اعتراض بين المتعاطفين ونسبة الإخراج اليه اولا والى المؤمنين ثانيا تنبيه على اصالته فى الإخراج وتبعيتهم له فيه كما ينبىء عنه قوله تعالى مَعَكَ فانه متعلق بالإخراج لا بالايمان. والمعنى والله لنخرجنك واتباعك مِنْ قَرْيَتِنا بغضا لكم ودفعا لفتنتكم المرتبة على المساكنة والجوار وفيه اشارة الى ان من شأن المتكبرين ودأب المتجبرين الاستعلاء وان يخرج الأعز الأذل وذلك لما فيهم من بطر النعم وطغيان الاستغناء وعمه الاستبداد ولما كان حب الدنيا رأس كل خطيئة وفتنتها أعظم من كل بلية جعل الله تعالى أهلها فى البلاد سببا للهلاك والفساد كما قال الله تعالى إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها

الآية: قال الحافظ

ايمن مشو ز عشوه دنيا كه اين عجوز

مكاره مى نشيند ومحتاله مى رود

أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا العود هو الرجوع الى الحالة الاولى ومن المعلوم ان شعيبا لم يكن على دينهم وملتهم قط لان الأنبياء لا يجوز عليهم من الصغائر الا ما ليس فيه تنفير فضلا عن الكبائر فضلا عن الكفر الا انه أسند العود اليه والى من معه من المؤمنين تغليبا لهم عليه لان العود متصور فى حقهم. والمعنى والله ليكونن أحد الامرين البتة على ان المقصد الأصلي هو العود وانما ذكر النفي والاجلاء بمحض القسر والإلجاء كما يفصح عنه عدم تعرضه عليه السلام لجواب الإخراج كأنهم قالوا لاندعكم فيما بيننا حتى تدخلوا فى ملتنا وانما لم يقولوا او لنعيدك على طريقة ما قبله لما ان مرادهم ان يعودوا إليها بصورة الطواعية حذر الإخراج باختيار أهون الشرين لا اعادتهم بسائر وجوه الإكراه والتعذيب وفيه اشارة الى ان اهل الخير كما لا يميلون الا الى اشكالهم فكذلك اهل الشر لا يرضون ممن رأوا الا بان يساعدهم على ما هم عليه من أحوالهم والأوحد فى بابه من باين نهج اضرابه

همه مرغان كند با جنس پرواز

كبوتر با كبوتر باز با باز

قالَ شعيب ردا لمقالتهم الباطلة وتكذيبا لهم فى ايمانهم الفاجرة أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ تقديره أنعود فيها ولو كنا كارهين اى كيف نعود فيها ونحن كارهون لها على أن الهمزة لانكار الوقوع ونفيه لا لانكار الواقع واستقباحه كالتى فى قوله تعالى أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً عظيما إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ التي هى الشرك وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان عدنا فى ملتكم

ص: 202

بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها فقد افترينا على الله كذبا عظيما حيث نزعم حينئذ ان لله تعالى ندا وليس كمثله شىء وانه قد تبين لنا ان ما كنا عليه من الإسلام باطل وان ما كنتم عليه من الكفر حق وأي افتراء أعظم من ذلك وَما يَكُونُ لَنا اى وما يصح وما يستقيم لنا أَنْ نَعُودَ فِيها فى حال من الأحوال او فى وقت من الأوقات إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ اى إلا حالة مشيئة الله تعالى لعودنا فيها وذلك مما لا يكاد يكون كما ينبىء عنه قوله رَبُّنا فان التعرض لعنوان ربوبيته تعالى لهم مما ينبىء عن استحالة مشيئته تعالى لارتدادهم قطعا وكذا قوله تعالى بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها فان تنجيته تعالى لهم منها من دلائل عدم مشيئته تعالى لعودهم فيها وقيل معناه الا ان يشاء الله خذلاننا وفيه دليل على ان الكفر بمشيئة الله تعالى وأياما كان فليس المراد بذلك بيان ان العود فيها فى حيز الإمكان وخطر الوقوع بناء على كون مشيئته تعالى كذلك بل بيان استحالة وقوعها كأنه قيل وما كان لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله ربنا وهيهات ذلك بدليل ما ذكر من موجبات عدم مشيئته تعالى له وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً علما نصب على التمييز منقول عن الفاعلية تقديره وسع علم ربنا كل شىء كقوله وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً والمعنى احاطة علمه بكل ما كان وما سيكون من الأشياء التي من جملتها احوال عباده وعزائمهم ونياتهم وما هو اللائق بكل واحد منهم فمحال من لطفه ان يشاء عودنا فيها بعد ما نجانا منها مع اعتصامنا به خاصة حسبما ينطق به قوله تعالى عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا

فى ان يثبتنا على الايمان ويخلصنا من الأشرار ثم اعرض عن المعاندين وتوجه الى مناجاة رب العالمين فقال رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ احكم بيننا وبينهم واقض بما يدل على انا على الحق وهم على الباطل وافصل بما يليق بحال كل من الفريقين وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ والفاتح هو الحاكم بلغة اهل عمان سمى فاتحا لانه يفتح المشكلات ويفصل الأمور ويجوز ان يكون من فتح المشكل إذا بينه. والمعنى اظهر أمرنا حتى ينكشف ما بيننا وبينهم ويتميز المحق من المبطل وفى التأويلات النجمية فاحكم بيننا وبينهم بإظهار حقيقة ما قدرت لنا من خاتمة الخير واظهار ما قدرت لهم من خاتمة السوء وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ عطف على قوله قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا اى قال اشرافهم الذين أصروا على الكفر لاعقابهم بعد ما شاهدوا صلابة شعيب عليه السلام ومن معه من المؤمنين فى الايمان وخافوا أن يستتبعوا قومهم تثبيطا لهم عن الايمان وتنفيرا لهم منه على طريقة التوكيد القسمي والله لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً ودخلتم فى دينه وتركتم دين آبائكم إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ اى فى الدين لاشترائكم الضلالة بهداكم او فى الدنيا لفوات ما يحصل لكم بالبخس والتطفيف فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ اى الزلزلة الشديدة وهكذا فى سورة العنكبوت وفى سورة هود وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ اى صحيحة جبريل ولعلها من مبادى الرجفة فاسند هلاكهم الى السبب القريب تارة والى البعيد اخرى قال ابن عباس رجفت بهم الأرض وأصابهم حر شديد فرفعت لهم سحابة فخرجوا إليها يطلبون الروح منها فلما كانوا تحتها سالت عليهم بالعذاب ومعه صيحة جبريل عليه السلام فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ اى صاروا فى مدينتهم وفى سورة هود فِي دِيارِهِمْ قال الحدادي اى بقرب دارهم تحت الظلة كما قال تعالى فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ جاثِمِينَ اى ميتين على وجوههم وركبهم لازمين لاماكنهم

ص: 203

لا براح لهم منها- وروى- انهم احترقوا تحت السحابة فصاروا ميتين بمنزلة الرماد الجاثم أجساما ملقاة على الأرض محترقة وقال ابن عباس فتح الله عليهم بابا من جهنم فارسل عليهم منه حرا شديدا فاخذ بانفاسهم فدخلوا جوف البيوت فلم ينفعهم ماء ولا ظل وأنضجهم الحر فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها وظل السحابة فتنادوا عليكم بها فخرجوا نحوها فلما اجتمعوا تحتها رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ألهبها الله عليهم نارا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلى وصاروا رمادا وهو عذاب يوم الظلة قال فى التأويلات النجمية من عنادهم رأوا الحق باطلا والباطل حقا والفلاح خسرانا والخسران فلاحا فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فصارت صورتهم تبعا لمعناهم فانهم كانوا جاثِمِينَ الأرواح فى ديار الأشباح الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً استئناف لبيان ابتلائهم بشؤم قولهم فيما سبق لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا وعقوبتهم بمقابلته والموصول مبتدأ وخبره قوله تعالى كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا اى استأصلوا بالمرة وصاروا كأنهم لم يقيموا بقريتهم أصلا اى عوقبوا بقولهم ذلك وصاروا هم المخرجين من القرية إخراجا لا دخول بعده ابدا والمغني المنزل والمغانى المنازل التي كانوا بها يقال غنينا بمكان كذا اى نزلنا فيه. وفيه اشارة الى ان المكذبين والمتكبرين وان كانت لهم علبة فى وقتهم ولكن تنقضى ايامهم بسرعة ويسقط صيتهم ويخمل ذكرهم ويضمحل آثارهم ويكون اهل الحق مع الحق غالبا فى كل امر والباطل زاهق بكل وصف: وفى المثنوى

يك مناره در ثناى منكران

كو درين عالم كه تا باشد عيان

منبرى كو كه بر آنجا مخبرى

ياد آرد روز كار منكرى

يار غالب شو كه تا غالب شوى

يار مغلوبان مشو هين اى غوى

الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ استئناف آخر لبيان ابتلائهم بعقوبة قولهم الأخير اى الذين كذبوه عليه السلام عوقبوا بمقالتهم الاخيرة فصاروا هم الخاسرين للدنيا والدين لا الذين اتبعوه وبهذا الحصر اكتفى عن التصريح بانجائه عليه السلام كما وقع فى سورة هود من قوله تعالى وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ الآية فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ قاله عليه السلام بعد ما هلكوا تأسفا بهم لشدة حزنه عليهم ثم أنكر على نفسه ذلك فقال فَكَيْفَ آسى اى احزن حزنا شديدا بالفارسية [پس چهـ كونه اندوه خورم وغمناك شوم] فهو مضارع متكلم من الاسى من باب علم وهو شدة الحزن عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ مصرين على الكفر ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم او قاله اعتذارا من عدم تصديقهم له وشدة حزنه عليهم. والمعنى لقد بالغت فى الإبلاغ والانذار وبذلت وسعى فى النصح والإشفاق فلم تصدقوا قولى فكيف آسى عليكم: وفى المثنوى

چون شوم غمكين كه غم شد سرنكون

غم شما بوديد اى قوم حرون

كژ مخوان اى راست خواننده ببين

كيف آسى خلف قوم ظالمين

قال فى التأويلات النجمية يعنى خرجت عن عهدة تكليف التبليغ فانه ما على الرسول الا البلاغ فانه وان نصحت لكم فما على من إقراركم وانكاركم شىء ان أحسنتم فالميراث الجميل لكم وان

ص: 204

اسأتم فالضرر بالتألم عائد عليكم ومالك الأعيان اولى بها من الأعيان فالخلق خلقه والملك ملكه ان شاء هداهم وان شاء أغواهم فكيف آسى على قوم كافرين فلا تأسف على نفى وفقد ولا اثر من كون ووجود لان الكل صادر من حكيم بالغ فى حكمته كامل فى قدرته انتهى قال الله تعالى لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وهذا انما يحصل عند الفناء الكلى وهو للانبياء عليهم السلام وكمل الأولياء واعلم ان كل اهل ابتلاء ليس بمحل للرحمة عند نظر الحقيقة لان الله تعالى ابتلاه بسبب جفائه إياه فقد اكتسبه بعلمه فكيف يترحم له ولذا كان اهل الحقيقة كالسيف الصارم مع كونهم رحم خلق الله تعالى ألا ترى الى قوله تعالى وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ:

قال السعدي قدس سره

كرا شرع فتوى دهد بر هلاك

ألا تا ندارى ز كشتنش باك

والله تعالى غيور وعبده فى غيرته فالحلم والغضب بقدر ما اذن فيه الشرع من اخلاق الأنبياء وهو لا يقدح فى فراغ القلب عن كل وصف لان رعاية الاحكام الظاهرة لا تنافى التوغل فى الحقيقة فعلى العاقل ان يدور بالأمر الإلهي ويرفع عن لسانه وقلبه لم لا وكيف فان الأمر بيد الله تعالى لا بيده قال ابراهيم بن أدهم لرجل أتحب ان تكون لله وليا قال نعم قال لا ترغب فى شىء من الدنيا والآخرة وفرغ نفسك لله واقبل بوجهك عليه ليقبل عليك ويواليك فعلم من هذا ان من كان إقباله الى نفسه والى هواها لا يجد الحق وإقباله وموالاته فى كل حالاته ومقاماته كما لا يخفى وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ [در شهرى وديهى] مِنْ مزيدة نَبِيٍّ كذبه أهلها إِلَّا قد أَخَذْنا أَهْلَها استثناء مفرغ من أعم الأحوال. والمعنى وما أرسلنا فى قرية من القرى المهلكة نبيا من الأنبياء المكذبين فى حال من الأحوال الا فى حال كوننا آخذين أهلها بِالْبَأْساءِ بالبؤس والفقر وَالضَّرَّاءِ بالضر والمرض لكن لا على معنى ان ابتداء الإرسال مقارن للاخذ المذكور بل على انه مستتبع له غير منفعك عنه بالآخرة لاستكبارهم عن اتباع نبيهم وتعززهم عليه لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ كى يتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر والعزة عن أكتافهم فان الشدة خصوصا الجوع يؤدى الى التواضع والانقياد فى حق اكثر العباد. ومن بلاغات الزمخشري المرض والحاجة خطبان امرّ من نقيع الخطبان وهم بضم الخاء نوع من ورق الحنظل اصفر وهو ابلغ فى المرارة ثُمَّ بَدَّلْنا عطف على أخذنا داخل فى حكمه مَكانَ السَّيِّئَةِ التي أصابتهم الْحَسَنَةَ اى أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة الرخاء والسعة لان ورود النعمة بعد الشدة يدعوا الى الانقياد والاشتغال بالشكر انما سميت الشدة سيئة لانها تسوء الإنسان كما سمى الرخاء حسنة لانه يحسن اثره على الإنسان والا فالسيئة هى الفعلة القبيحة والله تعالى لا يفعل القبيح والحسنة والسيئة من الألفاظ المستغنية عن ذكر موصوفاتها حالة الافراد والجمع سواء كانتا صفتين للاعمال او المثوبة او الحالة من الرخا والشدة حَتَّى عَفَوْا كثروا عددا وعددا وابطرتهم النعمة يقال عفا النبات إذا كثر وتكاثف ومنه إعفاء اللحى فى الحديث وهو (احفوا الشوارب واعفوا اللحى) : قال الشاعر

عفوا من بعد إقلال وكانوا

زمانا ليس عند همو بعير

ص: 205

وَقالُوا غير واقفين على ان ما أصابهم من الامرين ابتلاء من الله سبحانه قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ كما مسنا ذلك وما هو الا عادة الدهر يسيىء تارة ويحسن اخرى فكما ان آباءنا قد تبتوا على دينهم ولم ينتقلوا عنه مع ما أصابهم فاثبتوا أنتم على دينكم ولا تنتقلوا عنه فَأَخَذْناهُمْ اثر ذلك بَغْتَةً فجأة أشد الاخذ وأفظعه وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بنزول العقاب وهم لا يخطرون ببالهم شيأ من المكاره وهو أشد وحسرته أعظم لان المرء إذا رأى مقدمات الابتلاء يوطن نفسه عليها بخلاف حال الفجأة وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى اى القرى المهلكة المدلول عليها بقوله تعالى مِنْ قَرْيَةٍ آمَنُوا وَاتَّقَوْا مكان كفرهم وعصيانهم لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لو سعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب مكان ما أصابهم من فنون العقوبات التي بعضها من السماء وبعضها من الأرض واكثر اهل التفسير على ان بركات السماء هى المطر وبركات الأرض النبات والثمار وَلكِنْ كَذَّبُوا الرسل فَأَخَذْناهُمْ هذا الاخذ عبارة عما فى قوله تعالى فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من انواع الكفر والمعاصي وفى الآية دلالة على ان الكفاية والسعة فى الرزق من سعادة المرء إذا كان شاكرا او المراد بقوله لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة الكثرة التي تكون وبالا على من لا يشكر الله تعالى قال فى التفسير الفارسي [در حقايق سلمى فرموده كه اگر بندگان بگرديدندى بمواعد من وحذر كردندى از مخالفت يا بترسيدندى از تهديد من دلهاء ايشانرا بنور مشاهده خود روشنى دادمى كه ببركت سما اشارت بدانست وجوارح وأعضاء ايشانرا بخدمت خود بياراستمى كه بركت زمين عبارت از آنست

در زمين وآسمان درهاء جود

مى كشايند از پى اهل سجود

از زمين پر اطاعت باز كن

بر سماى معرفت پرواز كن

أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى الهمزة لانكار الواقع واستقباحه لا لانكار الوقوع ونفيه والفاء للعطف على قوله فاخذناهم بغتة. والمعنى ابعد ذلك الاخذ أمن اهل مكة ومن حولها من المكذبين لك يا محمد أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا عذابنا بَياتاً ليلا وَهُمْ نائِمُونَ فى فرشهم ومنازلهم لا يشعرون بالعذاب لغفلتهم أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى [يا ايمن شدند اهل شهرها] أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى ضحوة النهار وبالفارسي [در وقت چاشت] وهو فى الأصل ضوء الشمس إذا ارتفعت وَهُمْ يَلْعَبُونَ اى يلهون من فرط الغفلة بصرف الهمم فيما لا ينفع لا فى امر الدين ولا فى امر الدنيا او يشتغلون بما لا ينفعهم من امور الدنيا فان من اشتغل بدنياه واعرض عن آخرته فهو كاللاعب [ملخص سخن آنست كه بعد از تكذيب رسل از عذاب الهى ايمن نتوان بود نه بروز ونه بشب] أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ مكر الله استعارة لاستدراجه العبد واخذه من حيث لا يحتسب والمراد به إتيان بأسه تعالى فى الوقتين المذكورين قال الحدادي انما سمى العذاب مكرا على جهة الاتساع والمجاز لان المكر ينزل بالممكور من جهة الماكر من حيث لا يشعر واما المكر الذي هو الاحتيال للاظهار بخلاف الإضمار فذلك لا يجوز على الله فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ الفاء فاء جواب شرط محذوف اى إذا كان استدراجه واخذه على هذا

ص: 206

الوجه فلا يأمن مكره بهذا المعنى إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ الذين ليسوا من القوم الرابحين قيل معنى الآية ولا يأمن عذاب الله من العصاة او لا يأمن عذاب الله من المذنبين والأنبياء عليهم السلام لا يأمنون عذاب الله على المعصية ولهذا لا يعصون بانفسهم انتهى قال فى التأويلات النجمية مكره تعالى مع اهل القهر بالقهر ومع اهل اللطف باللطف فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ من اهل القهر إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ الذين خسروا سعادة الدارين ومن اهل اللطف الا الخاسرون الذين خسروا الدنيا والعقبى وربحوا المولى فعلى هذا اهل الله هم الآمنون من مكر الله لان مكر الله فى حقهم مكر باللطف دل عليه قوله أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ولهذا قال وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ لان مكرهم مكر فى مستحقيه وغير مستحقيه بالقهر ومكره فى مستحقيه باللطف فافهم واعتبر جدا انتهى واعلم ان الامن من مكر الله تعالى قد عد كفرا لكن هذا بالنسبة الى اهل المكر دون اهل الكرم فان كمل الأولياء مبشرون بالسلامة فى حياتهم الدنيوية كما قال تعالى هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

فلهم سلامة دنيوية واخروية كما قال تعالى فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ لكنهم يكتمون سلامتهم لكونهم مأمورين بالكتمان وعلمهم بسلامتهم يكفى لهم ولا حاجه لهم بعلم غيرهم واما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلهم ان يخبروا بسلامتهم لكونهم شارعين فلا بد لغيرهم من العلم بسلامتهم حتى يؤمن ويقبل دعوتهم أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها عدى فعل الهداية باللام لانها بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل قوله ان لو نشاء ومعنى يرثون الأرض من بعد أهلها يخلفون من خلا قبلهم من الأمم المهلكة ويرثون ديارهم والمراد بهم اهل مكة ومن حولها. والمعنى أو لم يبين ويوضح لهم عاقبة أمرهم ان سلكوا طريق أسلافهم أَنْ مخففة اى ان الشان لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ اى بجزاء ذنوبهم وسيآتهم او بسبب ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم قال سعدى چلبى المفتى ويجوز ان يضمن معنى أهلكناهم فلا حاجة الى تقدير المضاف وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ عطف على ما يفهم من قوله تعالى أَوَلَمْ يَهْدِ كأنه قيل لا يهتدون ونطبع على قلوبهم اى نختم عليها عقوبة لهم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ اى اخبار الأمم المهلكة فضلا عن التدبر والنظر فيها والاغتنام بما فى تضاعيفها من الهدايات قال الكاشفى [كوش دل از استماع سخن حق فائده دارد نه كوش آب وگل]

اين سخن از كوش دل بايد شنود

كوش كل اينجا ندارد هيچ سود

كوش سر با جمله حيوان همدم است

كوش سر مخصوص نسل آدم است

كوش سر چون جانب گوينده است

كوش سر سهلت اگر آكنده است

تِلْكَ الْقُرى يعنى قرى الأمم المار ذكرهم قاللام للعهد نَقُصُّ عَلَيْكَ [خوانده ايم بر تو] مِنْ أَنْبائِها من للتبعيض اى بعض اخبارها التي فيها عظة وتذكير وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ الباء متعلقة اما بالفعل المذكور على انها للتعدية واما بمحذوف وقع حالا من فاعله اى ملتبسين بالبينات. والمعنى وبالله لقد جاء كل امة من تلك الأمم المهلكة رسولهم الخاص بهم بالمعجزات البينة المتكثرة المتواردة عليهم الواضحة الدلالة على صحة رسالته الموجبة

ص: 207

للايمان حتما فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا اى فما صح وما استقام لقوم من أولئك الأقوام ان يؤمنوا عند مجىء الرسل بها بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ الباء صلة لم يؤمنوا اى بما كذبوه من قبل مجىء الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب فما كذبوه عبارة عن اصول الشرائع التي أجمعت عليها الرسل قاطبة ودعوا أممهم إليها مثل ملة التوحيد ولوازمها ومعنى تكذيبهم بها قبل مجىء رسلهم انهم ما كانوا فى زمن الجاهلية بحيث لم يسمعوا كلمة التوحيد قط بل كانت كل امة من أولئك الأمم يتسامعون بها من بقايا من قبلهم فيكذبونها ثم كانت حالتهم بعد مجىء رسلهم كحالتهم قبل ذلك كأن لم يبعث إليهم أحد ويجوز ان يكون المراد بعدم ايمانهم المذكور إصرارهم على ذلك وبما أشير بقوله تعالى بما كذبوا من قبل تكذيبهم من لدن مجىء الرسل الى وقت الإصرار والعناد. فالمعنى حينئذ فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به اولا حين جاءتهم الرسل ولم تؤثر فيهم قط دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة فما كذبوه عبارة عن جميع الشرائع التي جاء بها كل رسول أصولها وفروعها وعلى كلا التقديرين فالضمائر الثلاثة متوافقة فى المرجع. وقيل ضمير كذبوا راجع الى أسلافهم. والمعنى فما كان الأبناء ليؤمنوا بما كذب به الآباء وحمله المولى ابو السعود على التعسف يقول الفقير لو كانت الضمائر الثلاثة متوافقة فى المرجع ايضا وجعل التكذيب تكذيب الآباء فى الحقيقة وانما أسند الى الأبناء ما حقه ان ينسب إليهم من حيث الاتصال بينهم ورضى بعضهم عن بعض فيما فعله لكان معنى لا تعسف فيه أصلا كما سبق أمثاله فى البقرة فى مخاطبات اليهود المعاصرين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كَذلِكَ فى محل النصب على انه مفعول يَطْبَعُ اى مثل ذلك الطبع الشديد المحكم يطبع اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ اى من المذكورين وغيرهم فلا يكاد يؤثر فيها الآيات والنذر ويجوز ان يكون اشارة الى ما قبله اى مثل ذلك الطبع الذي طبع الله على قلوب كفار الأمم الخالية يطبع على قلوب الكفرة الذين كتب عليهم ان لا يؤمنوا ابدا وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ لقينا فوجدنا بمعنى صادفنا مِنْ عَهْدٍ من مزيدة فى المفعول والمضاف محذوف إذ لا وجه لنفى نفس العهد اى ما وجدنا لاكثرهم من وفاء عهد فانهم نقضوا ما عاهدوا الله عليه عند مساس البأساء والضراء قائلين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين وتخصيص هذا الشان بأكثرهم ليس لان بعضهم كانوا يفون بعهودهم بل لان بعضهم كانوا لا يعاهدون ولا يفون ويحتمل ان يكون وجدنا بمعنى علمنا ويكون من عهد مفعوله الاول ولاكثرهم مفعوله الثاني وَإِنْ مخففة اى ان الشان وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ اى علمنا اكثر الأمم لَفاسِقِينَ خارجين عن الطاعة ناقضين للعهود وفى ترجمة الجلد الأخير من الفتوحات المكية [حق تعالى بموسى عليه السلام وحي كرد هر كه باميد تو آيد او را بي بهره مكذار وهر كه زينهار خواست او را زينهار ده موسى عليه السلام در سياحت بود ناكاه كبوترى بر كتف نشست وبازي عقب او آمد وقصد آن كبوتر داشت بر كتف ديكر فرود آمد آن كبوتر در آستين موسى عليه السلام در آمد وزينهار ميخواست وباز بزبان فصيح بموسى آواز داد كه اى پسر عمران مرا بي بهره مكذار وميان من ورزق من جدايى ميفكن

ص: 208

موسى عليه السلام كفت چهـ زود مبتلا شدم ودست كرد تا از ران خود پاره قطع كند براى طعمه باز تا حفظ عهد كرده باشد وبكار هر دو وفا نموده كفتند يا ابن عمران تعجيل مكن كه ما رسولانيم وغرض آن بود كه صحت عهد تو آزمايش كنيم]

أيا سامعا ليس السماع بنافع

إذا أنت لم تفعل فما أنت سامع

إذا كنت فى الدنيا عن الخير عاجزا

فما أنت فى يوم القيامة صانع

ولا كلام فى وفاء الأنبياء بعهودهم ونقض الفاسقين لمواثيقهم وانما الكلام فيمن ادعى الايمان والاستسلام ثم لم يف بعهده يوما من الايمان: قال الحافظ

وفامجو ز كس ور سخن نمى شنوى

بهر زه طالب سيمرغ وكيميا ميباش

وعن عبد الرحمن بن عوف بن مالك الأشجعي قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة او ثمانية او سبعة فقال (ألا تبايعون رسول الله) وكنا حديثى عهد ببيعته فقلنا قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك قال (ان تعبدوا الله ولا تشركوا به شيأ وتقيموا الصلوات الخمس وتطيعوا) واسر كلمة خفية (ولا تسألوا الناس) فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم لم يسأل أحدا يناوله إياه يعنى خوفا من نقض العهد واهتماما فى امر الوفاء فانظر الى هؤلاء الرجال ومبايعتهم ودخولهم فى طريق الحق ومسارعتهم فاذا احترزوا عن سؤال مناولة السوط الذي سقط من أيديهم فما ظنك فى الاحتراز عما فوقه من الأحوال المتواردة عليهم وأنت يا رجل وكلنا ذلك الرجل تجول فى ميدان الخواطر الفاسدة ثم لا تقنع بذلك بل تطير الى جانب مرادك من الافعال الباطلة والأقوال الكاسدة ولعمرى هذا ليس فى طريق العوام فكيف فى طريق الصوفية الذين عقدوا عقدا على ان لا يخطر ببالهم سوى الله ولا يسألوا منه تعالى غير الوصول الى ذاته اين هم والله ان هذا زمان لم يبق من التصوف الا الاسم ولا من لباس التقوى الا الرسم نسأل الله تعالى ان يوجهنا الى محراب ذاته ويسلك بنا الى طريق أفعاله وصفاته ويفيض علينا من سجال بركاته ويشرفنا بالخاصة من هداياته انه هو الفياض من مشرع عناياته ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى اى أرسلنا من بعد انقضاء وقائع الرسل المذكورين وهم نوح وهود ولوط وصالح وشعيب عليهم السلام والتصريح بذلك مع دلالة ثم على التراخي للايذان بان بعثه عليه السلام جرى على سنن السنة الإلهية من إرسال الرسل تترى فان الله تعالى من كمال رحمته على خلقه يبعث عند انصرام كل قرن وانقراض كل قوم نبيا بعد نبى كما يخلف قوما بعد قوم وقرنا بعد قرن ويظهر المعجزات على يدى النبي ليخرجهم بظهور نور المعجزات من ظلمات الطبيعة الى نور الحقيقة قان اغلب اهل كل زمان وقرن وأكثرهم غافلون عن الدين وحقائقه مستغرقون فى بحر الدنيا مستهلكون فى اودية الشهوات واللذات النفسانية الحيوانية ظلمات بعضها فوق بعض بِآياتِنا حال من مفعول بعثنا وهو موسى اى بعثناه عليه السلام ملتبسا بآياتنا وهى الآيات التسع المفصلات التي هى العصا واليد البيضاء والسنون ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم كما سيأتى إِلى فِرْعَوْنَ هو لقب لكل من ملك مصر من العمالقة كما ان كسرى لقب لكل من ملك فارس. وقيصر

ص: 209

لكل من ملك الروم. وخاقان لكل من ملك الصين. وتبع لكل من ملك اليمن. والقيل لكل من ملك العرب. والنجاشي لكل من ملك الحبش. والخليفة لكل من ملك بغداد. والسلطان لآل سلجوق واسمه قابوس وقيل الوليد بن مصعب بن ريان وكان من القبط وعمر اكثر من اربعمائة سنة وَمَلَائِهِ اى اشراف قومه وتخصيصهم مع عموم رسالته للقوم كافة لاصالتهم فى تدبر الأمور واتباع غيرهم لهم فى الورود والصدور فَظَلَمُوا بِها عدى بالباء لتضمين ظلموا معنى كفروا اى كفروا بالمعجزات وظلموا عليها بان جعلوها سحرا فوضعوها فى غير موضعها فَانْظُرْ بعين عقلك يا من شأنه النظر والتأمل كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ الى كيفية ما فعلنا بهم فكيف خبر كان وعاقبة اسمها والجملة فى محل النصب بنزع الخافض إذ التقدير فانظر الى كذا ووضع المفسدين موضع ضميرهم للايذان بان الظلم مستلزم للافساد وفى التفسير الفارسي [حضرت موسى عليه السلام چون از مصر فرار نمود ودر مدين بصحبت شعيب عليه السلام رسيد ودختر او صفورا بعقد در آورده عزم مراجعت با مصر نمود در اثناى طريق بوادي ايمن رسيد وخلعت پيغمبرى يافت بمعجزه عصا ويد بيضا اختصاص پذيرفت حق سبحانه وتعالى فرمود كه بمصر رو وفرعون را بخداى تعالى دعوت كن موسى بيامد وبعد از مدتى كه ملاقات فرعون دست داد آغاز دعوت كرد] قال الحدادي نقلا عن ابن عباس كان طول عصا موسى عشرة اذرع على طوله وكانت من آس الجنة يضرب بها الأرض فيخرج بها النبات فيلقيها فاذا هى حية تسعى ويضرب بها الحجر فيتفجر وضرب بها باب فرعون ففزع منها فشاب رأسه فاستحيى فخضب بالسواد وأول من خضب بالسواد فرعون وهو حرام لا يجد فاعله رائحة الجنة قال صاحب المحيط هذا فى حق غير الغزاة اما من فعله من الغزاة ليكون اهيب فى عين العدو لا للتزين فغير حرام وَقالَ مُوسى اى لما دخل على فرعون ومعه اخوه هارون بعثهما الله اليه بالرسالة قال يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ اى إليك مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أدعوك الى عبادة رب العالمين وأنهاك عن دعوى الربوبية فقال له فرعون كذبت ما أنت برسول فقال موسى حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ اى جدير بان لا أقول على الله الا الحق فوضع على موضع الباء لافادة التمكن كقولك رميت على القوس وجئت على حالة حسنة اى رميت بالقوس وجئت بحالة حسنة او ضمن حقيق معنى حريص وفى المدارك ويجوز تعلق على بمعنى الفعل فى الرسول اى انى رسول حقيق جدير بالرسالة أرسلت على ان لا أقول على الله الا الحق انتهى. وقرأ نافع على بتشديد الياء ثم ان موسى لما ادعى انه رسول من رب العالمين ذكر ما يدل على صحة دعواه فقال قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ اى بمعجزة ظاهرة كائنة مِنْ رَبِّكُمْ يعنى العصا واليد فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ اى فخلهم حتى يذهبوا معى الى الأرض المقدسة التي هى وطن آبائهم وكان قد استعبدهم [وسبب آن بود كه چون يعقوب عليه السلام با أولاد وأحفاد خود بمصر آمدند همانجا قرار گرفتند ونسل ايشان بسيار شد ويعقوب ويوسف با برادران درگذشتند وملك ريان كه فرعون زمان يوسف بود وبمرد پسرش مصعب بنى إسرائيل را حرمت ميداشت ومتعرض

ص: 210

ايشان نمى شد چون او بمرد وليد كه فرعون زمان موسى بود بر تخت سلطنت نشست وزبان بلاف أنا ربكم الأعلى بگشاد بنى إسرائيل دعوى او قبول نكردند كفت پدر شما در مخريده كسان ما بود وشما بنده زادكان ماييد پس ايشانرا ببندگى كرفت] وكان يستعملهم فى الأعمال الشاقة مثل ضرب اللبن ونقل التراب وبناء المنازل وأشباه ذلك فلما جاء موسى أراد أن يرجع بهم الى موطن آبائهم الذين هو الأرض المقدسة وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف مصر واليوم الذي دخل فيه موسى اربعمائة عام قالَ فرعون وهو استئناف بيانى إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ اى من عند من أرسلك كما تدعيه فَأْتِ بِها قاحضرها عندى ليثبت بها صدقك فان الإتيان والمجيء وان كانا بمعنى واحدا لان بينها فرقا من حيث ان المجيء يلاحظ فيه نقل الشيء من جانب المبدأ والإتيان يلاحظ فيه إيصاله الى المنتهى فان مبدأ المجيء هو جناب المرسل ومنتهى الإتيان هو المرسل اليه إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى دعواك فَأَلْقى عَصاهُ من يده فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ وهو الحية الصفراء الذكر أعظم الحيات لها عرف كعرف الفرس مُبِينٌ اى ظاهر امره لا يشك فى كونه ثعبانا ولا يختلج ببال أحد كونه من جنس العصا- روى- انه لما القاها صارت ثعبانا أشعر اى كان له على ظهره شعور سود مثل الرماح الطوال فاغرا فاه اى فاتحابين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون فهرب منه وأحدث وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون الفا فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذه وانا أؤمن بك وأرسل معك بنى إسرائيل فاخذه فعاد عصا والاشارة ان الله تعالى جعل عصاه ثعبانا لانه أضافها الى نفسه حين قال هِيَ عَصايَ ثم جعلها محل حاجاته حيث قال وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى ففيه اشارة الى ان كل شىء أضفته الى نفسك ورأيته محل حاجاتك فانه ثعبان يبتلعك ولهذا ف أَلْقِها يا مُوسى يعنى لا تتمسك بها ولا تتوكأ عليها ولا كان قادرا على ان يجعلها فى يده ثعبانا كذا فى التأويلات النجمية ثم قال له فرعون هل معك آية اخرى قال نعم وَنَزَعَ يَدَهُ اى أخرجها من جيبه او من تحت إبطه فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ اى بيضاء بياضا نورانيا خارجا عن العادة ويجتمع عليها النظارة تعجبا من أمرها وذلك ما يروى انه ارى فرعون يده وقال ما هذه فقال يدك ثم أدخلها جيبه وعليه مدرعة من صوف ونزعها فاذا هى بيضاء بياضا نورانيا غلب شعاعه شعاع الشمس وكان عليه السلام آدم شديد الادمة وفيه اشارة الى ان الا يدى قبل تعلقها بالأشياء كانت بيضاء فلما تمسكت بالأشياء سارت ظلمانية فاذا نزعت عنها تصير بيضاء كما كانت فافهم جدا فلما شاهد فرعون هذه المعجزة تشاور مع اشراف قومه فى امر موسى قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ اى الاشراف منهم وهم اصحاب مشورته إِنَّ هذا لَساحِرٌ [جادويست] عَلِيمٌ مبالغ فى علم السحر ماهر فيه ولما كان السحر غالبا فى ذلك الزمان ولا شك ان اهل كل صنعة على طبقات مختلفة بحسب الحذاقة والمهارة زعم القوم ان موسى كان حاذقا فى علم السحر بالغا فيه الى أقصى الغاية وانه جعل علمه وسيلة الى طلب الملك والرسالة فلذلك قالوا يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ

ص: 211

بسحره مِنْ أَرْضِكُمْ مصر ويجعل الحكومة لبنى إسرائيل فلما سمع فرعون هذا قال فَماذا تَأْمُرُونَ بفتح النون وما فى فماذا فى محل النصب على انه مفعول ثان لتأمرون بحذف الجار والاول محذوف والتقدير بأى شىء تأمروننى اى فاذا كان كذلك فماذا تشيرون قالُوا لفرعون أَرْجِهْ أصله ارجئه بهمزة ساكنة وهاء مضمومة والارجاء التأخير وَأَخاهُ هارون وعدم التعرض لذكره قيل لظهور كونه معه حسبما تنادى به الآيات الأخر. والمعنى آخر أمرهما ولا تعجل وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ الجار متعلق بأرسل. والمدائن جمع مدينة وهى البقعة المسوّرة المستولى عليها ملك والمدائن صعيد مصر وكان له مدائن فيها السحرة المعدة لوقت الحاجة إليهم. والمعنى وابعث الشرط الى هذه المدائن حاشِرِينَ مفعوله محذوف اى حاشرين السحرة. والمعنى ليحشروا ويجمعوا إليك من فيها من السحرة يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ اى ماهر فى السحر. والسحر فى اللغة لطف الحيلة فى اظهار الاعجوبة واصل ذلك من خفاء الأمر ومن ذلك سمى آخر الليل سحرا لخفاء الشخص ببقاء ظلمته والسحر الرئة سميت بذلك لخفاء أمرها بانتفاخها تارة وضمورها اخرى [آورده اند كه بهيچ قرن چندان ساحر نبوده كه در قرن موسى ورؤساء سحره بأقصى مداين صعيد بودند در تفسير دمياطى آورده كه در مداين صعيد دو برادر بودند كه ايشانرا در فن سحر وقوفي تمام بود چون فرستاده فرعون بديشان رسيد مادر خود را گفتند ما را بسر قبر پدر ما بر چنان كرد وايشان پدر خود را آواز دادند كه يا ابتا ملك مصر ما را طلبيده بجهت آنكه دو كس آمده اند بي لشكر وسپاه وكاربر وبد وننك آورده وايشانرا عصاييست چون مى افكنند اژدرها ميشود وهر چهـ پيش او آيد مى خورد وفرعون داعيه نموده كه ما را با او معارضه فرمايد صاحب قبر جواب داد كه چون بمصر رسيد پرسيد كه وقتى كه ايشان در خواب ميشود آن عصا همان اژدرها ميشود يا نه اگر ميكردد بدانيد كه جادويى نيست چهـ سحر ساحر وقتى كه در خواب باشد اثر ندارد چون حال بدين منوال باشد نه شما وهيچكس از عالميان را قوت معارضه با ايشان نخواهد بود القصة برادران با شاكردان ومصاحبان كه دوازده هزار بودند ودر زاد المسير كويد هفتاد هزار بمصر آمدند وبنزد فرعون جمع شدند] توهموا انهم بالتأخير وحسن التدبير وبذلك الجد والتشمير يغيرون شيأ من التقدير ولم يعلموا ان الحق غالب والحكم سابق وعند حلول الحكم فلا سلطان للعلم والفهم وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ بعد ما أرسل إليهم الحاشرين قالُوا واثقين بغلبتهم إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ بطريق الاخبار بثبوت الاجر وإيجابه كأنهم قالوا لا بدلنا من اجر عظيم حينئذ او بطريق الاستفهام التقريرى بحذف الهمزة وقولهم ان كنا لمجرد تعيين مناط ثبوت الاجر لا لترددهم فى الغلبة وتوسيط الضمير وتحلية الخبر باللام للقصر اى ان كنا نحن الغالبين لا موسى قالَ نَعَمْ اى ان لكم لاجرا وَإِنَّكُمْ مع ذلك لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عندى فى المنزلة قال الكلبي قال لهم تكونون أول من يدخل مجلسى وآخر من يخرج منه وفى التأويلات النجمية اجرى الله هذا على لسان فرعون حقا

ص: 212

وصدقا بانهم صاروا من المقربين عند الله لا عند فرعون انتهى [آورده اند كه مهتر اين جماعت چهار تن بودند وآن دو برادر كه شابور وغادور ميكفتند وديكر حطط ومصفى ودر لباب آورده كه اين چهار نيز مهترى بود شمعون نام چون بمصر آمدند وشابور وغادور واقعه سؤال وجواب پدر با قوم كفتند ايشان از قصه خواب وبيدارىء موسى واژدرها شدن عصا استفسار بليغ نمودند معلوم شد كه هرگاه موسى در خوابست عصا اژدرها شده پاسبانى ميكند ايشانرا ترددى پديد آمد ودغدغه در خاطر خطور كرد نهان ميداشتند تا وقتى كه فرعون موسى را طلبيده ومقرر شد كه جادوان مناظره كنند ومجلس معارضه انتظام يافت ساحران وعصا ور سنى چند بميدان آوردند فرعون بالاى تخت بتفرج بنشست ومردم مصر بنظاره حاضر شدند هفتاد هزار ساحر بر يك طرف وموسى وهارون بر يك جانب بايستادند جادوان بطريق ادب پيش آمده] قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ اى عصاك اولا وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ اى حبالنا وعصينا اوّلا خيروا موسى عليه السلام فان كلمة اما فيها للتخيير ويطلق عليها حرف العطف مجازا قال المفسرون تأدبوا مع موسى عليه السلام فكان ذلك سبب ايمانهم قالَ أَلْقُوا ان قيل كيف قال القوا والأمر بالسحر لا يجوز أجيب يجوز القوا ان كنتم محقين على زعمكم ويجوز ان يكون أمرهم بالإلقاء لتأكيد المعجزة قال القاضي قال القوا كرما وتسامحا وازدراء بهم ووثوقا على شأنه يعنى ليس أمرهم بالإلقاء قبله من قبيل الإباحة للسحر والرضى بالكفر. والمعنى القوا ما تلقون فَلَمَّا أَلْقَوْا ما القوا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ [جادويى كردند بر چشمهاى مردمان] بان خيلوا إليهم ما لا حقيقة له قال ابن الشيخ قلبوها وصرفوها على ان تدرك الشيء على ما هو عليه بسبب ما فعلوه من التمويهات وَاسْتَرْهَبُوهُمْ استفعل هاهنا بمعنى افعل والسين لتأكيد معنى الرهبة اى بالغوا فى ارهابهم وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ فى وقته- روى- انهم جمعوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا كأنها حيات جسام غلاظ ولطخوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا الزئبق داخل تلك العصى فلما اثرت حرارة الشمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض وكانت كثيرة جدا تخيل الناس انها تتحرك وتلتوى باختيارها وصار الميدان كأنه مملوء بالحيات وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ الفاء فصيحة اى فالقاها فصارت حية فاذا هى تلقف اى تلقم وتبتلع من لقف يلقف على وزن علم يعلم يقال لقفته القفة لقفا وتلقفته اتلقفه تلقفا إذا أخذته بسرعة فاكلته وابتلعته ويأفكون اى يزورون من الافك وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه- روى- انها لما تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعتها بأسرها أقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم لا يعلم عددهم الا الله تعالى ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت وأعدم الله بقدرته القاهرة تلك الاجرام العظام او فرقها اجزاء لطيفة فقالت السحرة لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا فَوَقَعَ الْحَقُّ اى ثبت وصدق موسى عليه السلام فى قوله انى رسول من رب العالمين حيث صدقه الله تعالى بما اظهر على يده من المعجزة الباهرة وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى ظهر بطلان ما كانوا مستمرين على عمله وهو السحر فَغُلِبُوا اى فرعون واتباعه هُنالِكَ

ص: 213

اى فى مجلسهم وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ اى صاروا أذلاء مبهوتين فالانقلاب هنا بمعنى الصيرورة وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ اى خروا سجدا كأنما ألقاهم ملق لشدة خرورهم كيف لا وقد بهرهم الحق واضطرهم الى ذلك. ففى الكلام استعارة تمثيلية حيث شبه حالهم فى سرعة الخرور وشدته حين شاهدوا المعجزة القاهرة بحال من القى على وجهه فعبر عن حالهم بما يدل على حال المشبه به قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ابدلوا الثاني من الاول لئلا يتوهم ان مرادهم فرعون لان فرعون وان ربى موسى وهو صغير الا انه لم يرب هارون قطعا قال ابن عباس آمنت السحرة واتبع موسى من بنى إسرائيل ستمائة الف قالَ فِرْعَوْنُ منكرا على السحرة موبخا لهم على ما فعلوه آمَنْتُمْ بِهِ بهمزة واحدة اما على الاخبار المحض المتضمن للتوبيخ او على الاستفهام التوبيخي بحذف الهمزة كمامر فى ان لنا لأجرا قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ اى بغير ان آذن لكم كما فى قوله تعالى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي لا ان الاذن منه ممكن فى ذلك إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ يعنى ان ما صنعتموه ليس مما اقتضى الحال صدوره عنكم لقوة الدليل وظهور المعجزة بل هو حيلة احتلتموها أنتم وموسى فِي الْمَدِينَةِ يعنى مصر قبل ان تخرجوا الى الميعاد- روى- ان موسى وامير السحرة التقيا فقال له موسى أرأيتك ان غلبتك لتؤمنن بي وتشهدون أن ما جئت به الحق فقال الساحر والله لئن غلبتنى لاؤمنن لك وفرعون يسمعها وهو الذي نشأ عنه هذا القول لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها يعنى القبط وتخلص لكم ولبنى إسرائيل فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة ما فعلتم وهو تهديد مجمل تفصيله لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ اى من كل شق طرفا يعنى ايديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ على شاطىء نهر مصر على جذوع النخل تفضيحا لكم وتنكيلا لامثالكم قيل هو أول من سن ذلك فشرعه الله تعالى لقطاع الطريق تعظيما لجرمهم ولذلك سماهم تعالى محاربة الله ورسوله قالُوا ثابتين على ما أحدثوا من الايمان وهو استئناف بيانى إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ راجعون اى بالموت لا محالة سواء كان ذلك من قبلك أم لا فلا نبالى بوعيدك او انا الى رحمة ربنا وثوابه منقلبون ان فعلت بنا ذلك كأنهم استطابوه شغفا على لقاء الله تعالى: وفى المثنوى

جانهاى بسته اندر آب وگل

چون رهند از آب وكلها شاد دل «1»

در هواى عشق حق رقصان شوند

همچوقرص بدر بي نقصان شوند

چون نقاب تن برفت از روى روح

از لقاى دوست دارد صد فتوح «2»

ميزند جان در جهان آبگون

نعره يا ليت قومى يعلمون «3»

وَما تَنْقِمُ مِنَّا اى وما تنكر وما تعيب منا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا وهو خير الأعمال واصل المناقب ليس مما يتأتى لنا العدول عنه طلبا لمرضاتك ثم فزعوا الى الله تعالى فقالوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً اى أفض علينا من الصبر على وعيد فرعون ما يغمرنا كما يغمر الماء فافراغ الماء اى صبه من قبيل الاستعارة شبه الصبر على وعيد فرعون بالماء الغامر تشبيها مضمرا فى النفس وجعل نسبة الإفراغ اليه تخييلا للاستعارة بالكناية لان الإفراغ

(1) در اواسط دفتر يكم در بيان مژده بردن خركوش سوى تخجيران إلخ

(2)

لم أجد

(3)

در اواسط دفتر پنجم در بيان جواب حضرت عزت عزرائيل را كه آنكه نظر بر زحم وتير ندارد إلخ

ص: 214

من لوازم الماء وملائماته وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ ثابتين على ما رزقتنا من الإسلام غير مفتونين من الوعيد قيل لم يقدر عليهم لقوله تعالى أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ وقال ابن عباس رضى الله عنهما فأخذ فرعون السحرة فقطعهم ثم صلبهم على شاطىء نيل مصر وفى المثنوى

ساحران چون حق او بشناختند

دست و پادر جرمها در باختند

وفى القصة اشارة الى ان فرعون النفس ايضا منكر على ايمان سحرة صفاتها ويقول آمَنْتُمْ بِهِ اى بموسى الروح من قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ يعنى بالايمان به إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ يا سحرة الصفات فى موافقة موسى الروح فِي الْمَدِينَةِ مدينة القالب والبدن لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها وهو اللذات والشهوات البدنية الجسمانية فان صفات النفس إذا آمنت ووافقت الروح وصفاته خرجت من البدن لذات الدنيا وشهواتها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ حيلى ومكايدى فى ابطالكم واستيفاء اللذات والشهوات لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ بسكين التسويل عن الأعمال الصالحة ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ فى جذوع تعلقات الدنيا وزخارفها قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ لا الى الدنيا وما فيها وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً على قطع تعلقات الدنيا وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ لعبوديتك وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ- روى- ان فرعون بعد ما رأى من موسى عليه السلام ما رأى من معجزة العصا واليد البيضاء خافه أشد الخوف فلذلك لم يجب ولم يتعرض له بسوء بل خلى سبيله فلذلك قال له اشراف قومه أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ اى أتتركهم لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ اى يفسدوا على الناس دينهم فى ارض مصر ويصرفوهم عن متابعتك وَيَذَرَكَ عطف على يفسدوا وَآلِهَتَكَ معبوداتك قيل كان يعبد الكواكب والأصح كما فى التفسير الفارسي انه صنع لقومه أصناما على صورته وأمرهم بان يعبدوها تقربا اليه ولذلك قال انا ربكم الأعلى قالَ فرعون مجيبا لهم سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ [زود باشد كه بكشيم پسران ايشانرا] وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ اى نتركهن احياء ولا نقتلهن بل نستخدمهن والمقصود سنعود الى قتل أبنائهم واستخدام نسائهم كما كنا نفعل وقت ولادة موسى ليعلم انا على ما كنا عليه من القهر والغلبة ولا يتوهم انه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يديه وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ اى مستعلون عليهم بالقوة كما كنا لم يتغير حالنا أصلا وهم مقهورون تحت أيدينا كذلك قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ تسلية لهم وعدة لحسن العاقبة حين سمعوا قول فرعون وعجزوا عنه اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ [يارى خواهيد از خداى تعالى در دفع بلاي فرعون] وَاصْبِرُوا على ما سمعتم من أقاويله الباطلة إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ اى ارض مصر يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [ميراث دهد هر كرا ميخواهد از بندگان خود] وَالْعاقِبَةُ [عاقبة نيكو يا نصرت وظفر يا بهشت] لِلْمُتَّقِينَ الذين أنتم منهم لانه روى انه لما غلب سحرة فرعون وتبين نبوة موسى بسطوع حجته آمن بموسى من بنى إسرائيل ستمائة الف نفس واتقوا عن الشرك والعصيان وفيه إيذان بان الاستعانة بالله تعالى والصبر من باب التقوى: قال الحافظ

آنكه پيرانه سرم صحبت يوسف بنواخت

اجر صبريست كه در كلبه احزان كردم

ص: 215

قالُوا اى بنوا إسرائيل أُوذِينا اى من جهة فرعون مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا اى بالرسالة يعنون بذلك قتل أبنائهم قبل مولد موسى عليه السلام وبعده وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا اى رسولا يعنون به ما توعدهم به من إعادة قتل الأبناء وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليه السلام من فنون الجور والظلم والعذاب قالَ اى موسى عليه السلام لما رأى شدة جزعهم مما يشاهدونه مسليا لهم بالتصريح بما لوّح به فى قوله إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ الآية عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ اى يرجى ان ربكم قارب إهلاك عدوكم الذي فعل بكم ما فعل وتوعدكم باعادته. فعسى من العبد لطمع مضمون خبرها ومن الله تعالى اطماع وما أطمع الله فيه فهو واجب لان الكريم إذا أطمع ووعد وفى فيصير كأنه أوجبه على نفسه وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ اى يجعلكم خلفاء فى ارض مصر وفى الأرض المقدسة فَيَنْظُرَ النظر قد يراد به الفكر المؤدى الى العلم وقد يراد به تقليب الحدقة نحو المرئي ليترتب عليه الرؤية وكل واحد من المعنيين مستحيل فى حقه تعالى فهو مجاز عن الرؤية التي هى غاية للنظر اى فيرى كَيْفَ تَعْمَلُونَ أحسنا أم قبيحا فيجازيكم حسبما يظهر منكم من شكر وكفران وطاعة وعصيان وفى الحديث (ان الدنيا حلوة خضرة) يعنى حسنة فى المنظر تعجب الناظر والمراد من الدنيا صورتها ومتاعها وانما وصفها بالخضرة لان العرب تسمى الشيء الناعم خضرا او لتشبهها بالخضراوات فى سرعة زوالها وفيه بيان كونها غرارة يفتتن الناس بحسنها وطعمها وان الله مستخلفكم فيها اى جاعلكم خلفاء فى الدنيا يعنى ان أموالكم ليست هى فى الحقيقة لكم وانما هى لله تعالى جعلكم فى التصرف فيها بمنزلة الوكلاء فناظر كيف تعملون اى تتصرفون قيل معناه جاعلكم خلفاء ممن كان قبلكم ومعطى ما فى أيديهم إياكم فناظر هل تعتبرون بحالهم وتتدبرون فى مآلهم: قال السعدي قدس سره

نرود مرغ سوى دانه فراز

چون دكر مرغ بيند اندر بند

پند كير از مصائب دكران

تا نكيرند ديكران ز تو پند

والاشارة ان فرعون النفس قال له قوم الهوى والغضب والكبر أَتَذَرُ مُوسى الروح وَقَوْمَهُ من القلب والسر والعقل لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ فى ارض البشرية وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ من الدنيا والشيطان والطبع لا تعبد قالَ فرعون النفس سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وأبناء صفات الروح والقلب والنفس أعمالها الصالحة اى نبطل أعمالهم بالرياء والعجب وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ

اى الصفات التي منها تتولد الأعمال وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ بالمكر والخديعة والحيلة قالَ مُوسى الروح لِقَوْمِهِ وهم القلب والعقل والسر اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا على جهاد النفس ومخالفاتها ومتابعة الحق إِنَّ الْأَرْضَ اى ارض البشرية لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يورث ارض بشرية السعداء الروح وصفاته فيتصف بصفاته ويورث ارض بشرية الأشقياء النفس وصفاتها فتتصف بصفاتها وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ يعنى عاقبة الخير والسعادة للاتقياء والسعداء منهم قالُوا يعنى قوم الروح له أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا اى قبل ان تأتينا بالواردات الروحانية قبل البلوغ كنا نتأذى من أوصاف البشرية ومعاملاتها وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا

ص: 216

بالواردات والإلهامات الروحانية بعد البلوغ تتأذى من دواعى البشرية قالَ يعنى الروح عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ النفس وصفاتها بالواردات الربانية ويدفع اذيته عنكم فبه يشير الى ان الواردات الروحانية لا تكفى لا فناء النفس وصفاتها ولا بد فى ذلك من تجلى صفات الربوبية وَيَسْتَخْلِفَكُمْ يعنى إذا تجلى الرب بصفة من صفاته لا يبقى فى ارض البشرية من صفات النفس صفة الا ويبدلها بصفات الروح والقلب ويستخلفها فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فى اقامة العبودية وأداء شكر نعم الربوبية كذا فى التأويلات النجمية وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ اى قوم فرعون واهل دينه وآل الرجل خاصته الذين يؤول امره إليهم وأمرهم اليه بِالسِّنِينَ جمع سنة وهى فى الأصل بمعنى العام مطلقا الا انها غلبت على عام القحط لكثرة ما يذكر عنه ويؤرخ به حتى صارت كالعلم له كالنجم غلب على الثريا وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ باصابة العاهات زيادة فى القحط لان الثمار قوت الناس وغذاؤهم وعن كعب يأتى على الناس زمان لا تحمل النخلة الا تمرة قال ابن عباس اما السنون فكانت لباديتهم واهل ماشيتهم واما نقص الثمرات فكان فى أمصارهم لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ كى يتذكروا ويتعظوا بذلك ويتيقنوا ان ذلك لاجل معاصيهم وينزجروا عما هم عليه من العتو والعناد فلعل علة المأخذ اما بناء على تجويز تعليل أفعاله تعالى بأغراض راجعة الى العباد كما ذهب اليه كثير من اهل السنة. واما تنزيلا لترتب الغاية على ماهى ثمرة له منزلة ترتب الغرض له فان استتباع أفعاله تعالى لغايات ومصالح متقنة جليلة من غيران تكون هى علة غائية لها بحيث لولاها لما اقدم عليها مما لا نزاع فيه دلت الآية على ان المحن والشدائد والمصيبات موجبات الانتباه والاعتبار ولكن لاهل السعادة واولى الابصار فاما اهل الشقاوة فلا ينبههم كثرة النعمة ولا يوقظهم شدة النقمة: قال الشيخ السعدي قدس سره

بكوشش نرويد كل از شاخ بيد

نه زنكى بگرمابه كردد سفيد

فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ اى السعة والخصب وغيرهما من الخيرات قالُوا لَنا هذِهِ اى لاجلنا واستحقاقنا لها ولم يروا ذلك فضلا من الله وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ اى جدب وبلاء يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ اى يتشاءموا بموسى وأصحابه ويقولوا ما أصابتنا الا بشؤمهم وأصله يتطيروا أدغمت التاء فى الطاء لقرب مخرجهما واشتقاق التطير من الطير كالغراب وشبهه سمى الشؤم ضد اليمن طيرا وطائرا تسمية للمدلول باسم ما يدل عليه فانهم يجعلون الطير والطائر امارة ودليلا على شؤم الأمر وبناء التفعل فيه للتجنب اى لبعد الفاعل عن أصله كتحوب اى تجنب وتباعد من الحوب وهو الإثم وسيجيئ تفصيل الطيرة قال سعيد بن جبير كان ملك فرعون اربعمائة سنة فعاش ثلاثمائة سنة لا يرى مكروها ولوارى فى تلك المدة جوع يوم او حمى يوم او وجع ساعة لما ادعى الربوبية ولما قالوا سبب ما جاءنا من الخير والحسنة هو استحقاق أنفسنا إياه وسبب ما أصابنا من السيئة والشر هو شأمة موسى ومن معه كذبهم الله تعالى فى كل واحد من الحكمين بقوله أَلا اعلموا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ اى سبب ما أصابهم من الخير والشر انما هو عند الله تعالى وصفة قائمة به وهى قضاؤه وتقديره ومشيئته

ص: 217

وهو الذي أيهما شاء أصابهم به وليس بيمن أحد ولا بشؤمه عبر عما عند الله تعالى بالطائر تشبيها له بالطائر الذي يستدل به على الخير والشر او سببه شؤمهم عند الله تعالى وهو أعمالهم السيئة المكتوبة عنده فانها التي ساقت إليهم ما يسوءهم لا ما عداها فالطائر عبارة عن الشؤم على طريق تسمية المدلول باسم الدليل بناء على انهم يستدلون بالطير على الشؤم وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ان ما يصيبهم من الله تعالى او من شؤم أعمالهم فيقولون ما يقولون مما حكى عنهم واسناد عدم العلم الى أكثرهم للاشعار بان بعضهم يعلمون ذلك ولكن لا يعملون بمقتضاه عنادا واستكبارا واعلم ان الطير بمعنى التشاؤم والاسم منه الطيرة على وزن العنبة وهو ما يتشاءم به من الفأل الرديء والأصل فى هذا ان العرب كانوا يتفاءلون بالطير فان خرج أحدهم الى مقصده واتى الطير من ناحية يمينه يتمين به وينبرك ويسميه سانحا وان اتى من ناحية شماله يتشاءم به ويسميه بارحا فيرجع

الى بيته ثم كثر قولهم فى الطير حتى استعملوه فى كل ما تشاءموا به وأبطل النبي عليه السلام الطيرة بقوله (الطيرة شرك) قاله ثلاثا وانما قال شرك لاعتقادهم ان الطيرة تجلب لهم نفعا او تدفع عنهم ضررا إذا عملوا بموجبها فكأنهم أشركوها مع الله تعالى قال عبد الله من خرج من بيته ثم رجع لم يرجعه الا الطيرة رجع مشركا او عاصيا وذكر فى المحيط إذا صاحت الحمامة فقال رجل يموت المريض كفر القائل عند بعض المشايخ. وإذا خرج الرجل الى السفر فصاح العقعق فرجع من سفره فقد كفر عند بعض المشايخ قال عكرمة كنا عند ابن عمر وعنده ابن عباس رضى الله عنهما فمر غراب يصيح فقال رجل من القوم خير خير فقال ابن عباس لا خير ولا شر وانما اختص الغراب غالبا بالتشاؤم به أخذا من الاغتراب بحيث قالوا غراب البين لانه بان عن نوح عليه السلام لما وجهه لينظر الى الماء فذهب ولم يرجع ولذا تشاءموا به واستخرجوا من اسمه الغربة قال ابن مسعود لا تضر الطيرة الا من تطير ومعناه ان من تطير تطيرا منهيا عنه او يراه مما يتطير به حتى يمنعه مما يريده من حاجته فانه قد يصيبه ما يكرهه فاما من توكل على الله ووثق به بحيث علق قلبه بالله خوفا ورجاء وقطعه عن الالتفات الى الأسباب المخوفة وقال ما امر به من الكلمات ومضى فانه لا يضره فالمراد بالكلمات ما فى قوله عليه السلام (ليس عبد الا سيدخل قلبه الطيرة فاذا أحس بذلك فليقل اللهم لا طير الا طيرك ولا خير الا خيرك ولا اله غيرك ولا حول ولا قوة الا بالله ما شاء الله كان لا يأتى بالحسنات الا الله ولا يذهب بالسيئات الا الله واشهد ان الله على كل شىء قدير) ثم يمضى الى حاجته اى كل ما أصاب الإنسان من الخير والشر واليمين والشؤم ليس الا بقضائك وتقديرك وحكمك ومشيئتك وفى الحديث (الشؤم فى المرأة والفرس والدار) . فشؤم المرأة سوء خلقها او غلاء مهرها. وقيل ان لا تلد.

وشؤم الفرس عدم انقياده او انه لا يغزى عليه. وشؤم الدار ضيقها او سوء جارها وهذا الحكم على وجه الغلبة لا القطع خص الثلاث بالذكر لان فيها يصل الضرر الكثير الى صاحبها او لانها اقرب الى الآفة فيما يبتلى به الإنسان فمن تشاءم بالمذكورات فليفارقها واعترض عليه بحديث (لا طيرة) أجاب ابن قتيبة بان هذا مخصوص منه اى لا طيرة الا فى

ص: 218

هذه الثلاث وسمع فيلسوف صوت مغن بارد فقال يزعم اهل الكهانة ان صوت البوم يدل على موت الإنسان فان كان ما ذكروه حقا فصوت هذا يدل على موت البومة

زيبقم در كوش كن تا نشنوم

يا درم بگشاى تا بيرون روم

وتساقطت النجوم فى ايام بعض الأمراء فخاف من ذلك واحضر المنجمين والعلماء فما أجابوا بشىء فقال جميل الشاعر

هذى النجوم تساقطت

لرجوم اعداء الأمير

فتفائل به وامر له بصلة حسنة ولا بأس بان يتفاءل بالفأل الحسن وكان النبي عليه السلام يحب الفأل ويكره الطيرة والفأل الحسن هى الكلمة الصالحة يسمعها من أخيه نحو ان يسمع أحد وهو طالب امر يا واجد يا نجيح او يكون فى سفر فيسمع يا راشد يعنى يا واجد الطريق المستقيم او مريضا فيسمع يا سالم فالتفاؤل بالأمور المشروعة مشروع والطيرة منهى عنها والفرق بين الفأل والطيرة مع ان كل واحد منهما استدلال بالامارة على مآل الأمر وعاقبته ان الأرواح الانسانية أقوى وأصفى من الأرواح البهيمية والطيرية فالكلمة الحسنة التي تجرى على لسان الإنسان يمكن الاستدلال بها بخلاف طيران الطير وحركات البهائم فان أرواحها ضعيفة فلا يمكن الاستدلال بها على شىء من الأحوال ويروى ان النبي عليه السلام حول رداءه فى الاستسقاء وذكر فى الهداية انه كان تفاؤلا يعنى قلب علينا الحال كما قلبنا رداءنا وروى عن ابى هريرة رضى الله عنه انه قال قلت يا رسول الله انى اسمع منك حديثا كثيرا أنساه فقال (ابسط رداءك) فبسطته ففرق بيديه ثم قال (ضمه) فضممته فما نسيت شيأ بعده وهذا البسط والفرق والضم ليس إلا تفاؤلا والا فالعلم ليس مما يسقط على الرداء ويمكن فيه الفرق والضم ولكن التفاؤل يحصل به يعنى كما بسطت ردائى توقيا لما يسقط فيه فكذلك أصغيت سمعى لما يقع فيه من الكلام وكما أعطيت شخصا كثيرا من الرزق يفرق بين اليدين فكذا أعطيته شيأ كثيرا من العلم وكما يؤمن بالضم من سقوط ما فى الرداء كذلك يؤمن من خروج ما فى السمع او نسيان ما فى الخاطر فبعض الأوضاع يدل على بعض الأحوال كما ان بعض الأسماء يدل على بعض الأمور كما حكى ان عمر رضى الله عنه قال لرجل ما اسمك قال جمرة قال ابن من قال ابن شهاب قال من اين قال من الخرقة قال اين تسكن قال فى الحرة وهى ارض ذات حجارة سود كأنها أحرقت فقال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا فرجع فوجدهم قد احترقوا وأراد عمر رضى الله عنه الاستعانة برجل فسأله عن اسمه فقال ظالم بن سراق فقال تظلم أنت ويسرق أبوك ولم يستعن ودل هذا على تبديل الأسماء القبيحة بالأسماء الحسنة فان فى الأسماء الحسنة التفاؤل ونظير ذلك ما يفهم من قوله عليه السلا (لا تمارضوا فتمرضوا) يعنى ان من اظهر المرض وقال انا مريض فهذا القول والفعل منه يثمر المرض ويؤاخذ به

كفت پيغمبر كه رنجورى بلاغ

رنج آرد تا بميرد چون چراغ

والله الهادي الى الحسنات وهو دافع السيئات وَقالُوا اى فرعون وقومه بعد ما رأوا

ص: 219

من شأن العصا والسنين ونقص الثمرات مَهْما اسم شرط يجزم فعلين كقولك مهما تفعل افعل كأن قائلا قال لك لا تقدر على ان تفعل ما افعل فتقول له مهما تفعل افعل ومحله الرفع على الابتداء وخبره فما نحن لك بمؤمنين اى أي شىء وبالفارسية [هر چيز كه] تَأْتِنا بِهِ تظهر لدينا وتحضره والضمير لمهما مِنْ آيَةٍ بيان لمهما وانما سموها آية على زعم موسى لا لاعتقادهم لِتَسْحَرَنا بِها اى لتسحر بتلك الآية أعيننا وتسكرها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ اى بمصدقين لك ومؤمنين بنبوتك فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ- روى- ان القوم لما عالجهم موسى بالآيات الأربع العصا واليد والسنين ونقص الثمرات فكفروا ودعا وكان حديدا فقال يا رب ان عبدك فرعون علا فى الأرض وبغى وعتا وان قومه نقضوا عهدك فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة ولقومى عظة ولمن بعدهم عبرة فارسل الله عليهم عقوبة لجرائمهم الطُّوفانَ اى الماء الذي طاف بهم وأحاط وغشى أماكنهم وحرثهم من مطر او سيل وَالْجَرادَ فى التفسير الفارسي [ملخ پرنده] وفى حياة الحيوان الجراد البرى إذا خرج من بيضته يقال له الدباء فاذا بدت فيه الألوان واصفرت الذكور واسودت الإناث يسمى جرادا حينئذ وفى الحديث (لا تقتلوا الجراد فانه جند الله الأعظم) وهذا ان صح أراد به إذا لم يتعرض لا فساد الزرع فان تعرض له جاز دفعه بالقتل وغيره ووقعت بين يدى النبي عليه السلام جرادة فاذا مكتوب على جناحيها بالعبرانية نحن جند الله الأكبر ولنا تسع وتسعون بيضة ولو تمت لنا المائة لاكلنا الدنيا وما فيها فقال النبي عليه السلام (اللهم أهلك الجراد اقتل كبارها وامت صغارها وأفسد بيضها وسد أفواهها عن مزارع المسلمين وعن معايشهم انك سميع الدعاء) فجاء جبرائيل عليه السلام فقال انه قد استجيب لك فى بعضه وعن حسن بن على كنا على مائدة نأكل انا وأخي محمد بن الحنفية وبنوا عمى عبد الله وقثم والفضل بن العباس فوقعت جرادة على المائدة فاخذها عبد الله وقال لى ما مكتوب على هذه فقلت سألت ابى امير المؤمنين عن ذلك فقال سألت عنه رسول الله فقال مكتوب عليها انا الله لا اله الا انا رب الجراد ورازقها وان شئت بعثتها رزقا لقوم وان شئت بعثتها بلاء على قوم فقال عبد الله هذا من العلم المكنون وليس فى الحيوان اكثر فسادا لما يقتاته الإنسان من الجراد واجمع المسلمون على اباحة أكله قال الاربعة يحل أكله سواء مات حتف انفه او بذكاة او باصطياد مجوسى او مسلم قطع منه شى اولا والدليل على عموم حله قوله عليه السلام (أحلت لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال والسمك والجراد) وإذا تبخر انسان بالجراد البرى نفعه من عسر البول وقال ابن سينا إذا أخذ منها اثنا عشر ونزعت رؤسها وأطرافها وجعل معها قليل آس يابس وشرب للاستسقاء نفعه. واما الجراد البحري فهو من انواع الصدف كثير بساحل البحر ببلاد المغرب ويأكلونها كثيرا مشويا ومطبوخا ولحمها نافع للجذام وَالْقُمَّلَ فى التفسير الفارسي [ملخ پياده] وقيل هو كبار القردان وهو جمع قراد يقال له بالتركى «كنه» مسلط على البعير وفى الأمثال اسمع من قراد وذلك انه يسمع صوت اخفاف الإبل من مسيرة يوم فيتحرك لها وقيل هو السوس الذي يخرج من الحنطة وقيل انه

ص: 220

شىء يقع فى الزرع ليس بجراد فيأكل السنبلة وهى غضة قبل ان تقوى فيطول الزرع ولا سنبل له وقرأ الحسن والقمل بفتح القاف وسكون الميم يريد به القمل المعروف الذي يقع فى بدن الإنسان وثوبه وإذا ألقيت القملة حية أورثت النسيان قال الجاحظ وفى الحديث (أكل الحامض وسؤر الفار ونبذ القمل يورث النسيان) وإذا أردت ان تعلم هل المرأة حامل بذكر او أنثى فخذ قملة واحلب عليها من لبنها فى كف انسان فان خرجت من اللبن فهى جارية وان لم تخرج فهو ذكر وان حبس على انسان بوله فخذ قملة من قمل بدنه واجعلها فى إحليله فانه يبول من وقته والقمل المعروف يتولد من العرق والوسخ إذا أصاب ثوبا او ريشا او شعرا حتى يصير المكان عفنا قال الجاحظ وربما كان للانسان قمل الطباع وان تنطف وتعطر

وبدل الثياب كما عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام حين استأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى لباس الحرير فاذن لهما فيه ولولا انهما مكانا فى حد ضرورة لما اذن لهما لما فى ذلك من التشديد فيجوز لبس الثوب الحرير لدفع القمل لانه لا يقمل بالخاصية قال فى أنوار المشارق والأصح ان الرخصة لا تختص بالسفر انتهى وفى الواقعات المحمودية ان القمل يكون من البرودة ولذلك يكثر فى الشتاء ولا يكون فى الصيف قال السيوطي ولم يقع على ثيابه عليه السلام ذباب قط ولا أذاه القمل وَالضَّفادِعَ جمع ضفدع مثل خنصر وهو الأشهر الصحيح من حيث اللغة والأنثى ضفدعة وناس يقولون بفتح الدال كدرهم وأنكره الخليل حيث قال ليس فى الكلام فعلل الا اربعة أحرف درهم وهجدهم وهبلع وبلعم وهو اسم والضفادع انواع كثيرة ويكون من سفاد وغير سفاد فالذى من سفاد يبيض فى البر ويعيش فى الماء والذي من غير سفاد يتولد فى المياه القائمة الضعيفة الجري ومن العفونات وغب الأمطار الغزيرة حتى يظن انه يقع من السحاب لكثرة ما يرى منه على الاسطحة عقيب المطر والريح وليس ذلك عن ذكر وأنثى وانما الله تعالى يخلقه فى تلك الساعة من طباع تلك التربة وهى من الحيوانات التي لا عظام لها وفيها ما ينق وفيها ما لا ينق والذي ينق منها يخرج صوته من قرب اذنه وتوصف بحدة السمع إذا تركت النقيق وكانت خارج الماء وإذا أرادت ان لا تنق ادخلت فكها الأسفل فى الماء ومتى دخل الماء فى فيها لا تنق وما اظرف قول بعض الشعراء وقد عوتب فى كلامه

قالت الضفدع قولا

فسرته الحكماء

فى فمى ماء وهل

ينطق من فى فيه ماء

قال سفيان يقال انه ليس شىء اكثر ذكر الله منه قال الزمخشري تقول فى نقيقها سبحان الملك القدوس- روى- ان داود عليه السلام قال لاسبحن الله الليلة تسبيحا ما سبحه أحد من خلقه فنادته ضفدع من ساقية فى داره يا داود أتفخر على الله تعالى بتسبيحك وان لى لسبعين سنة ما جف لى لسان من ذكر الله وان لى لعشر ليال ما طعمت خضراء ولا شربت ماء اشتغالا بكلمتين قال ما هما قالت يا مسبحا بكل لسان ومذكورا بكل مكان فقال داود فى نفسه وما عسى ان أكون ابلغ من هذا وعن انس لا تقتلوا الضفادع فانها صرت بنار ابراهيم عليه السلام فحملت فى أفواهها الماء وكانت ترشه على النار وقال ابن سينا إذا كثرت الضفادع فى سنة وزادت

ص: 221

على العادة يقع الوباء عقيبه وفى الواقعات المحمودية تعبير الضفدع انه نقصان خفى فانه يذكر انه كان فى الأصل كيالا فلاجل نقصانه فى الكيل ادخل فيه. ومن خواصه انه إذا أخذت امرأة ضفدع الماء وفتحت فاه وبصقت فيه ثلاث مرات ورمته الى الماء فانها لا تحبل ودمه إذا طلى به الموضع الذي نتف شعره لم ينبت ابدا وشحم الضفادع الآجامية إذا وضع على الأسنان قلعها من غير وجع قال القزويني ولقد كنت بالموصل ولنا صاحب فى بستان بنى مجلسا وبركة فتولدت فيها الضفادع وتأذى سكان المكان بنقيقها وعجزوا عن ابطاله حتى جاء رجل وقال اجعلوا طشتا على وجه الماء مقلوبا ففعلوا فلم يسمعوا لها نقيقا بعد ذلك وَالدَّمَ- روى- انهم مطروا ثمانية ايام فى ظلمة شديدة لا يستطيع ان يخرج واحد من بيته ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه الى تراقيهم وهى جمع ترقوة وهى العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهو موضع الرداء من المنكب ولم يدخل بيوت بنى إسرائيل منه قطرة مع انها كانت مختلطة ببيوت القبط فاض الماء على ارضهم وركد فمنعهم من الحرث والتصرف ودام سبعة ايام فقالوا له عليه السلام ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك فدعا فكشف عنهم فنبت من العشب والكلاء ما لم يعهد مثله فقالوا هذا كنا نتمناه وما كان هذا الماء إلا نعمة علينا وخصبا فلا والله لا نؤمن بك يا موسى فنقضوا العهد وأقاموا على كفرهم شهرا فبعث الله عليهم الجراد بحيث وقع على الأرض بعضه على بعض ذراعا فاكل زروعهم وثمارهم وأبوابهم وسقوفهم وثيابهم ولم يدخل بيوت بنى إسرائيل منه شىء ففزعوا اليه عليه السلام كما ذكر فخرج الى الصحراء وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجع الى النواحي التي جاء منها بعد ان اقام فى ارضهم سبعة ايام فلم يبق جرادة واحدة ثم نظروا فاذا فى بعض المواضع من نواحى مصر بقية كلاء وزرع فقالوا هذا يكفنا بقية عامنا هذا والله لا نؤمن بك فسلط الله عليهم القمل فمكث فى ارضهم سبعة ايام فلم يبق لهم عودا اخضر ولحس جميع ما فى أراضيهم مما أبقاه الجراد وكان يقع فى أطعمتهم ويدخل بين ثيابهم وجلودهم فيمصها وينهشهم ويأكل شعورهم وحواجبهم وأشفار عيونهم ومنعهم النوم والقرار وظهر بهم منه الجدري قال الحدادي فى تفسيره هم أول من عذبوا بالجدري وبقي فى الناس الى الآن ثم فزعوا اليه عليه السلام ثالثا فرفع عنهم فقالوا قد تحققنا الآن انك ساحر قالوا وما عسى ربك ان يفعل بنا وقد أهلك كل شىء من نبات ارضنا فعلى أي شىء نؤمن بك اذهب فما استطعت ان تفعل فافعله ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام الا وجدت فيه وكانت تمتلىء منها مضاجعهم وتثب الى قدورهم وهى تغلى والى أفواههم عند التكلم وكان بعضهم لا يسمع كلام بعض من كثرة صراخ الضفادع وكانوا إذا قتلوا واحدا منها خافوا ما حول محله حتى لا يستطيعون الجلوس فيه ففزعوا اليه رابعا وتضرعوا فاخذ عليهم العهود فدعا فكشف الله عنهم بريح عظيمة نبذتها فى البحر فنقضوا العهد فارسل الله عليهم الدم فصارت مياههم وآبارها وأنهارها دما احمر عبيطا حتى كان يجتمع القبطي والاسرائيلى على اناء فيكون ما يليه دما وما يلى الاسرائيلى ماء على حاله ويمص الماء من فم الاسرائيلى فيصير

دما فيه

ص: 222

قوم موسى شو بخور اين آب را

صلح كن با مه ببين مهتاب را

ثم ان فرعون أجهده العطش وكانوا يأتونه باوراق الأشجار الرطبة فيمصها فتصير دما عبيطا او أجاجا وكانوا لا يأكلون ولا يشربون سبعة ايام الا الدم فقال فرعون اقسم بإلهك يا موسى لئن كشفت عنا هذا الدم لنؤمنن لك فدعا فعذب ماؤهم فعادوا لكفرهم الى ان كان من امر الغرق ما كان آياتٍ مُفَصَّلاتٍ حال من مفعول أرسلنا اى أرسلنا عليهم هذه الأشياء حال كونها آيات وعلامات مبينات لا يشكل على عاقل انها آيات الله ونقمته وقيل معنى مفصلات مفرقات ومنفصلات بان فصل بعضها عن بعض بزمان لامتحان أحوالهم هل يعتبرون او يستمرون على المخالفة والعناد وما كان بين كل اثنتين منها شهر وكان امتداد كل واحدة منها اسبوعا فَاسْتَكْبَرُوا اى تعظموا عن الايمان بها وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ [گروهى مجرم يعنى معاند در كفر كه با وجود تظاهر آيات وتتابع ان ايمان نياوردند] وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ اى العذاب المذكور من الطوفان وغيره اى كلما وقع عليهم عقوبة من تلك العقوبات قالُوا فى كل مرة يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ الباء صلة لادع وما مصدرية والمراد بالعهد النبوة اى ادع لنا ربك يكشف عنا العذاب بحق ما عندك من عهد الله تعالى وهو النبوة فان حق النبوة ومقتضاها ان يدعو النبي لامته لدفع ما أصابهم من البلايا والمحن سميت النبوة عهدا للمبالغة فى كونها معهودا بها فانه تعالى لما بعثه رسولا وأوصاه بتحمل أعباء الرسالة وميثاق التبليغ فقد جعلت النبوة مما اوصى به وعهده فجعلت نفس العهد للمبالغة فى كونها معهودا بها وفى التفسير الفارسي (بما عهد عندك)[بآنچهـ عهد كرده وآن عهد نزديك تست يعنى خداى تو با تو وعده كرده كه چون او را بخوانى اجابت كند] فما موصولة عبر بها عما يدعو به المتضرع الى الله تعالى فى طلب حاجته والباء ايضا صلة لادع لَئِنْ كَشَفْتَ اى [باز برى وزائل كردانى] عَنَّا الرِّجْزَ الذي وقع علينا لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ الى موطن آبائهم وهو الأرض المقدسة ولنطلقنهم من التسخير والأعمال الشاقة فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ اى الى حد من الزمان معذبون فيه او مهلكون وهو وقت الغرق والى أجل متعلق بقوله لما كشفنا وقوله هم بالغوه فى محل الجر على انه صفة لاجل إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ جواب لما اى فلما كشفنا عنهم فاجأوا النكث من غير تأمل وتوقف والنكث بالفارسي [عهد شكستن] فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ الفاء لسببية لنكث للانتقام والعقاب وأريد بالانتقام نتيجته وهو الإهلاك ومثله الغضب لان التشفي فى حقه تعالى محال قال ابن الشيخ الانتقام العقاب الواقع على مجازاة السيئة بالسيئة وانما أسند الانتقام الى ذاته لان الأنبياء وكمل الأولياء كانوا فانين عما سوى الله باقين بالله فكان الله خليفتهم فى أخذ الانتقام من أعدائهم. والمعنى فاردنا الانتقام منهم اى من فرعون وقومه لما اسلموا من المعاصي والجرائم فان قوله تعالى فَأَغْرَقْناهُمْ عين الانتقام منهم فلا يصح دخول الفاء بينهما فاطلق اسم المسبب على السبب تنبيها على ان الانتقام لم ينفك عن الارادة ويجوز ان يكون المراد مطلق الانتقام. والفاء تفسيرية كما فى قوله تعالى وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إلخ فِي الْيَمِّ اى فى البحر الذي لا يدرك قعره

ص: 223

او فى لجته ولجة البحر معظم مائه قال الحدادي فى اليم اى فى البحر بلسان العبرانية وهى لغة اليهود وفى التفسير الفارسي فِي الْيَمِّ [در درياى قلزم بنزديك مصر] وذلك ان الله تعالى امر موسى ان يخرج ببني إسرائيل فاستعار نسوة بنى إسرائيل من نساء آل فرعون حليهم وقلن ان لنا خروجا الى عيد فخرج ببني إسرائيل فى أول الليل وهم ستمائة الف من رجل وامرأة وصبى فبلغ الخبر فرعون فركب ومعه الف الف ومائتا الف فادركهم فرعون حين طلعت الشمس وانتهى موسى الى البحر فضرب البحر فانفلق اثنى عشر طريقا وكانت بنو إسرائيل اثنى عشر سبطا فعبر كل سبط طريقا فاقبل فرعون ومن معه فدخلوا بعدهم من حيث دخلوا فلما صاروا جميعا فى البحر امر الله البحر فالتطم عليهم فغرقوا بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ تعليل للاغراق اى كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات التسع التي جاء بها موسى واعراضهم عنها وعدم تفكرهم فيها بحيث صاروا كالغافلين عنها بالكلية والفاء وان دلت على ترتب الإغراق على ما قبله من النكث لكنه صرح بالتعليل إيذانا بان مدار جميع ذلك تكذيب آيات الله والاعراض عنها ليكون ذلك مزجرة للسامعين عن تكذيب الآيات الظاهرة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم والاعراض عنها وَأَوْرَثْنَا [ميراث داديم] الْقَوْمَ الَّذِينَ يعنى بنى إسرائيل والقوم مفعول أول لاورثنا كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ اى يستضعفهم القبط ويقهرونهم ويستذلونهم بذبح الأبناء واستخدام النساء والاستعباد مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا مفعول ثان لأورثنا والأرض ارض الشام ومشارقها ومغاربها جهاتها الشرقية والغربية ملكها بنوا إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا فى نواحيها الَّتِي بارَكْنا فِيها بالخصب وسعة الأرزاق صفة للمشارق والمغارب وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى المراد بالكلمة وعده تعالى إياهم بالنصر والتمكين وهو ما ذكره بقوله وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ

وتمامها مضيها وانتهاؤها الى الإنجاز لان العدة بالشيء التزام لا يقاعه بالعبارة واللسان وتمامها لا يكون الا بوقوع الموعود فى الخارج والعيان عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا اى بسبب صبرهم على الشدائد التي كابدوها من جهة فرعون وقومه وَدَمَّرْنا اى خربنا وأهلكنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ من العمارات والقصور اى ودمرنا الذي كان فرعون يصنعه على ان فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم والجملة الكونية صلة ما والعائد محذوف تقديره ودمرنا الذي كان يصنعه فرعون وَما كانُوا يَعْرِشُونَ اى يرفعون من الجنات اى الكروم والأشجار قال فى زبدة التفاسير العرش سقف فى الكروم والأشجار واشارت الآية الى ان العزيز من أعزه الله والذليل من اذله الله ومن صبر على مقاساة الذل فى الله توجه بتاج العزة وجعل له حسن العاقبة والله تعالى كما وعد لبنى إسرائيل وأنجز وعده فاستخلفهم فى مشارق الأرض ومغاربها كذلك وعد لهذه الامة كما قال تعالى فى سورة النور وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ والمراد بالأرض ارض الكفار من العرب والعجم

ص: 224

والمراد بالذين من قبلهم بنوا إسرائيل وفى الحديث (ان الله زوى لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وان ملك أمتي سيبلغ ما زوى لى منها) يقول ان الله تعالى جمع وضم جميع هذه الأرض ليلة المعراج او فى غير ذلك الوقت فرأيت جميع آفاق الأرض من المشارق والمغارب ثم وعد أمته بان الله تعالى يملأ الدنيا كلها عدلا وقسطا كما ملئت قبل ذلك جورا وظلما ويملك المؤمنين جميع الأرض هذا على تقدير حمل اللام فى الأرض على الاستغراق وقيل اللام للعهد الخارجي كما إذا قيل اغلق الباب إذا كان مشاهدا ومن للتبيين ولا دليل على جمع جميع الأرض ولم يبلغ ملك أمته جميع اجزائها فأى موضع من الأرض وقع نظره عليه السلام عليه كان دار الإسلام وأي مكان كان محجوبا عنه كان دار الكفر والله اعلم بحقيقة الحال ومنه الكرم والنوال واليه الرجوع والمآل وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فاعل بمعنى فعل يقال جاوز وجاز بمعنى واحد وجاوز الوادي إذا قطعه وجاوز بغيره البحر عبربه فالباء هنا معدية كالهمزة والتشديد فكأنه قال وجزنا ببني إسرائيل البحر اى اجزناهم البحر وجوزناهم بالفارسية [وبگذرانيديم بنى إسرائيل را از دريا بسلامت] والمراد بحر القلزم واخطأ من قال انه نيل مصر قال فى القاموس القلزم كقنفذ بلد بين مصر ومكة قرب جبل الطور واليه يضاف بحر القلزم لانه على طرفه أو لأنه يبتلع من ركبه لان القلزمة الابتلاع- روى- انه عبر بهم موسى عليه السلام يوم عاشوراء فصاموا شكرا لله تعالى فَأَتَوْا اى مروا عَلى قَوْمٍ كانوا من العمالقة الكنعانين الذين امر موسى عليه السلام بقتالهم وقيل كانوا من لخم وهو حى من اليمن ومنهم كانت ملوك العرب فى الجاهلية وعن الزمخشري انه قبيلة بمصر يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ اى يواظبون على عبادتها ويلازمونها قال فى تاج المصادر العكوف [كرد چيزى در آمدن ودر جايى مقيم شدن] يقال عكفه حبسه وعكف عليه اقبل عليه مواظبا قالُوا عند ما شاهدوا أحوالهم يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً مثالا نعبده كَما لَهُمْ آلِهَةٌ يعبدونها. والكاف متعلقة بمحذوف وقع صفة لآلها وما موصولة ولهم صلتها وآلهة بدل من ما والتقدير اجعل لنا آلها كائنا كالذى استقر هو لهم فالعائد محذوف وكانت أصنامهم تماثيل بقر وهو أول شأن العجل قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ وصفهم بالجهل المطلق حيث لم يذكر المفعول لبعد ما صدر عنهم عن العقل بعد ما شاهدوا من الآية الكبرى والمعجزة العظمى إِنَّ هؤُلاءِ يعنى القوم الذين يعبدون تلك التماثيل مُتَبَّرٌ اسم مفعول من باب التفعيل يقال تبره تتبيرا اى كسره وأهلكه والمعنى مكسر ومهلك ما هُمْ فِيهِ اى من الدين الباطل. يعنى ان الله تعالى يهدم دينهم الذي هم عليه عن قريب ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضا اى فتاتا. قوله ما هم فيه مبتدأ ومتبر خبر له ويجوز ان يكون ما هم فيه فاعل متبر لاعتماده على المسند اليه وَباطِلٌ اى مضمحل بالكلية ما كانُوا يَعْمَلُونَ من عبادتها وان كان قصدهم بذلك التقرب الى الله تعالى فانه كفر محض قالَ موسى أَغَيْرَ اللَّهِ أغير المستحق للعبادة أَبْغِيكُمْ بحذف اللام اى أبغي لكم اى اطلب لكم إِلهاً تمييز من غير

ص: 225

او حال فانه مفعول أبغي والهمزة فيه للانكار والمنكر هو كون المبغى غيره تعالى وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ اى والحال انه تعالى خصكم بنعم لم يعطها غيركم وهى الآيات القاهرة والمعجزات الباهرة وانما لم يحصل مثلها لاحد من العالمين قال الحدادي على عالمى زمانكم من القبط وغيرهم بعد ما كنتم مستعبدين أذلاء وفيه تنبيه على سوء معاملتهم حيث قابلوا تخصيص الله إياهم من بين أمثالهم بما لم يستحقوه تفضلا بان قصدوا الى اخس شىء من مخلوقاته تعالى فجعلوه شريكا له تعالى: قال الحافظ

همايى چون تو عالى قدر حرص استخوان تا كى

دريغ آن سايه دولت كه بر نا اهل افكندى

فتبا لمن لا يعرف قدره ويعلق همته بما لا ينبغى له

خلق را نيست سيرت پدران

همه بر سيرت زمانه روند

ثم ذكر نعمة الانجاء وما يتبعه فقال تعالى وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ اى واذكروا يا بنى إسرائيل صنيعة الله معكم فى وقت انجائكم وتخليصكم من أيدي آل فرعون باهلاكهم بالكلية ثم استأنف ببيان ما أنجاهم منه فقال يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ اى يبغونكم أشد العذاب وأفظعه من سام السلعة إذا طلبها ثم أبدل منه وبين فقال يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ اى يذبحونهم وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ اى يستبقونهن للاستخدام وَفِي ذلِكُمْ اى الانجاء او سوء العذاب بَلاءٌ اى نعمة او محنة فان البلاء يطلق على كل واحد منهما قال تعالى وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ مِنْ رَبِّكُمْ من مالك أموركم فان النعمة والنقمة كلتيهما منه سبحانه وتعالى عَظِيمٌ لا يقادر قدره. تقدم الكلام على الانجاء وفضيلة عاشوراء فى سورة البقرة فليطلب ثمة والاشارة ان بنى إسرائيل صفات القلب كانت معذبة فى مصر القالب وصفاتها فلما خلصها الله تعالى من بحر الدنيا وفرعون النفس فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ اى وصلوا الى صفات الروح يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ من المعاني المعقولة والمعارف الروحانية فاستحسنوها وأرادوا العكوف على عتبة عالم الأرواح قالُوا الموسى الوارد الرباني الذي جاوز بهم بحر الدنيا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ يشير الى انه لولا ان فضل الله ورحمته على العبد يثبته على قدم العبودية وصدق الطلب الى ان يبلغه الى المقصد الأعلى لكان العبد يركن الى كل شىء من حسائس الدنيا فضلا عن نفائس العقبى كقوله تعالى لسيد البشر عليه السلام وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا قالَ لهم موسى الوارد الرباني عند ركونهم الى الروحانية إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ قدر الله وعنايته معكم إِنَّ هؤُلاءِ يعنى صفات الروح مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ من الركون والعكوف على استجلاء المعاني المعقولة والمعارف الروحانية وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فى غير طلب الحق والوصول الى المعارف الربانية قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً اى أنزلكم منزلا غير الوصال وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ من الحيوانات والجن والملك تفضيل العبور من الجسمانيات والروحانيات والوصول الى المعارف والحقائق الآلهيات وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يعنى من النفس وصفاتها يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ اى سوء عذاب البعد يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ اى يبطلون أعمالكم الصالحة التي هى متولدات من صفات القلب بآفة الرياء

ص: 226

والعجب النفساني وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يعنى صفات القلب لاستخدام النفس وصفاتها وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ يعنى فكان فى استخدام صفات القلب للنفس وصفاتها بان تعمل الصالحات رياء وسمعة لجلب المنافع الدنيوية لحظوظ النفس بلاء عظيم من ربكم فخلصكم منه لئلا تطلبوا غيره ولا تعبدوا سواه فلا تركنوا الى الروحانية والى المعقولات لكى تظفروا بمراتب الوصول ودرجات الوصال كذا فى التأويلات النجمية وعن بعض الكبار أول وصال العبد الحق هجرانه لنفسه وأول هجران الحق العبد مواصلته لنفسه وأول درجات القرب محو شواهد النفس واثبات شواهد الحق ومن طلب الدلالة فانها لا غاية لها ومن طلب الله عز وجل وحده باول خطوة يقصده بها: قال الحافظ

غرض ز مسجد وميخانه أم وصال شماست

جز اين خيال ندارم خدا كواه منست

قال بعض الصالحين عرضت على الدنيا بزينتها فاعرضت عنها ثم عرضت الاخرى بحورها وقصورها وزينتها فاعرضت عنها فقيل لى لو أقبلت على الاولى حجبناك عن الاخرى ولو أقبلت على الاخرى حجبناك عنا فها نحن لك وقسمتك فى الدارين تأتيك وقال احمد بن حضرويه رأيت رب العزة فى المنام فقال لى يا احمد كل الناس يطلبون منى الا أبا يزيد فانه يطلبنى وقال ابراهيم بن أدهم رأيت جبريل عليه السلام فى المنام وبيده قرطاس فقلت ما تصنع به قال اكتب اسماء المحبين فقلت اكتب تحتهم محب المحبين ابراهيم بن أدهم فنودى يا جبريل اكتبه فى أولهم وَواعَدْنا الوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها مُوسى اسم أعجمي لا اشتقاق فيه واما موسى الحديد فهو مفعل من اوسيت رأسه إذا حلقته او فعلى من ماس يميس إذا تبختر فى مشيه فسميت موسى لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الخلق ثَلاثِينَ لَيْلَةً [سى شبانه روز چون مدار حساب شهور عرب برؤية هلالست وآن بشب مرئى ميشود تاريخ را بشب مقيد كرد] وثلاثين مفعول ثان لواعدنا على حذف المضاف اى تمام او مكث ثلاثين قال ابن الشيخ الموعود يجب ان يكون من فعل الواعد ونفس الثلاثين ليس كذلك فكأنه قيل وواعدنا موسى ما يتعلق بثلاثين ليلة وهو منا إنزال عند إتمام صوم الثلاثين ومن موسى صوم تلك المدة وإتيان الطور انتهى بتغيير عبارته فواعدنا ليس بمعنى وعدنا بل على بابه بناء على تنزيل قبول موسى عليه السلام منزلة الوعد وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ اى زدنا على تلك الثلاثين عشر ليال فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ ما وقت له فى الوقت الذي ضرب له والفرق بين الميقات والوقت ان الميقات وقت تقدر لان يقع فيه عمل من الأعمال وان الوقت ما يقع فيه شىء سواء قدره مقدر لان يقع فيه ذلك الشيء أم لا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً حال من قوله ميقات ربه اى تم بالغا هذا العدد وقيل هو مفعول تم لانه بمعنى بلغ- روى- ان موسى عليه السلام وعد بنى إسرائيل وهم بمصر ان أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فامره بصوم ثلاثين وهو ذو القعدة بتمامه ليكلمه ويوحى اليه ويكرمه بماتيم به امر نبوته فصامهن موسى عليه السلام على طريق المواصلة بين ليلهن ونهارهن وانما لم يجع فى تلك المدة وصبر ولم يصبر نصف

ص: 227

يوم فى سفر الخضر حيث قال آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قيل لان سفر الحضر سفر التأديب والامتحان والابتلاء فزاد البلاء على الابتلاء حتى جاع فى نصف يوم فى صحبة المخلوق وحضوره الجبل وسفره اليه سفر اللقاء وصحبة الحق فانساه هيبة الموقف الطعام والشراب وأغناه من غيره ثم لما أتم الثلاثين وانسلخ الشهر أنكر خلوف فيه اى كره ان يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم فتسوك بعود خرنوب وتناول شيأ من نبات الأرض فمضغه فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فافسدته بالسواك وقيل اوحى الله تعالى اليه اما علمت ان ريح فم الصائم أطيب عندى من ريح المسك ولذاكره التسوك عند الشافعي فى آخر نهار الصوم بناء على ان السواك يزيل الخلوف فامر الله تعالى بان يزيد عليها عشرة ايام من ذى الحجة ليعودفوه الى ما كان عليه فصام فتشرف بالوحى والكليم يوم النحر كذا قال اهل التفسير وفيه ان الوحى والتكليم إذا كان يوم النحر يلزم ان لا يكون ايام الصوم أربعين كملا

وهو مخالف للنص اللهم الا ان تعتبر الليالى او كان صوم يوم النحر مشروعا فى شريعته هكذا لاح بالبال ثم ان موسى عليه السلام لما أراد الانطلاق الى الجبل للمناجاة امره الله تعالى ان يختار سبعين رجلا من قومه من ذوى الحجى والعقل ليشهدوا له على ما يشاهدونه من كرامة الله تعالى إياه ففعل واستخلف هارون أخاه فى قومه كما قال تعالى وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ قبل انطلاقه الى الجبل الذي امر بالعبادة فيه كما فى تفسير الحدادي وهارون عطف بيان اخْلُفْنِي كن خليفتى وقم مقامى فِي قَوْمِي وراقبهم فيما يأتون ويذرون وَأَصْلِحْ ما يحتاج الى الإصلاح من أمورهم وسرفيهم السيرة الصالحة التي لا فساد فيها وثبتهم على ما اخلفهم عليه من الايمان واخلاص العبادة وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ اى ولا تتبع من سألك الإفساد ولا تطع من دعاك اليه وذلك ان موسى عليه السلام كان يشاهد كثرة خلافهم حالا بعد حال فاوصاه فى أمرهم فان قيل ان هارون كان شريك موسى فى النبوة قال تعالى خبرا عن موسى وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فكيف استخلفه قلنا المأموران بشىء لا ينفرد أحدهما بفعله الا بامر صاحبه فلذلك قال اخلفني ولأن موسى كان أصلا فيها وهارون معينا له قال موسى فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ولهذا كان هو المناجى على الخصوص والمعطى للالواح ولما امر بالذهاب الى فرعون سأل الله ان يشرك معه هارون ولما ذهب الى الطور للمناجاة خلفه فى قومه واستخلفه وهو موضع الاعتراض فى الظاهر ولكن لا اعتراض على الأكابر لان حركاتهم الظاهرة انما تنبعث من دواعى قلوبهم وتلك الدواعي الهامات واردة من الله تعالى لا صنع لهم فيها فمن عرف دورانهم بامر الهى هان عليه التطبيق والتوفيق وسقط عنه الاعتراض على اصحاب التحقيق مع ان درجات الأنبياء متفاضلة كما قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فمن منع الرؤية عن موسى منع المناجاة عن هارون وكون هارون شريكه فى الأمر الظاهر لا يقتضى ان يكون رديفه فى الأمر الباطن فان لكل مقام رجالا

رموز مصلحت ملك خسروان دانند

كداى كوشه نشينى تو حافظا مخروش

انظر ان موسى عليه السلام استخلف هارون واعتمد عليه فى حفظ قومه فعبدوا العجل

ص: 228

فى العشر الذي زيد على الثلاثين ورسولنا صلى الله عليه وسلم قال الله خليفتى على أمتي فثبتهم الله على الحق واعلم ان ذا القعدة وذا الحجة من الأشهر الحرم ويكفى شرفا لهما ان الله تعالى امر موسى بصومهما وجعلهما محل قبول الحاجات وميقات المناجاة وفى الحديث (صيام يوم من الأشهر الحرم يعدل شهرا وصيام يوم من غير الأشهر الحرم يعدل عشرا) وفى الحديث (من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة) وقال كعب الأحبار اختار الله الزمان فاحبه اليه الأشهر الحرم وذو القعدة من الأشهر الحرم وبغير خلاف وسمى ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال احتراما له فعلى السالك ان يتهيأ فيه لمناجاة ربه بالصوم الظاهري والإمساك الباطني فان موسى روحه متشوف لنوال الوصال ومتطلب لرؤية الجمال والاشارة فى الآية ان الميعاد فى الحقيقة كان أربعين ليلة وانما اظهر الوعد ثلاثين ليلة لضعف البشرية ولئلا تستكثر النفس الأربعين وتسوّل له ان لا يقوى على ذلك فيداخله خوف البشرية فواعده ثلاثين ليلة ثم أتمها بالعشر وفيه ان للاربعين خصوصية فى استحقاق استماع الكلام للانبياء كما ان لها اختصاصا فى ظهور ينابيع الحكمة من قلوب الأولياء كقوله عليه السلام (من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) قال اهل العرفان ان سر التربيع جار فى الحقائق الكلية كتربيع العرش الأعظم والعناصر الاربعة والأركان الاربعة والأربعين الموسوية وكان بين خلق آدم ونفخ روحه اربع جمع من جمع الآخرة فاكمل الاشكال تأثيرا صورة التربيع فى الآحاد والأعشار والمآت والألوف كما أشار صلى الله عليه وسلم بقوله (خير الاصحاب اربعة وخير السرايا اربعمائة) وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا اى لوقتنا الذي وقتناه وعيناه وحددناه له وهو تمام الأربعين اى اختص مجيئه بميقاتنا كما فى قولك أتيته لعشر خلون من الشهر فاللام للاختصاص وليست بمعنى عند والميقات بمعنى الوقت وقد سبق الفرق بينهما فى المجلس المتقدم ان قيل لم وعده الله بالكلام فى الجبل وفوق العلى وتحت الثرى واحد عند حضرته وهو منزه عن الجهات قيل ان فى الجبل وصف الثبات والعلو والتفرد لان الأرض ما استقرت بغير الجبال فاثبتها الحق بها واوتدها حكمة منه وعرض الامانة عليها لا تصافها بصفة التثبت والتمكن والتفرد والتعلى ولذلك فضل الجبال فى الامكنة وشرفها بمشهد الكلام وتعلق تجلى الجمال وعرض الامانة عليها وشرح الصدر المحمدي فيها ومناجاة موسى عليها فبدا من ذلك ان فى المقامات فاضلا ومفضولا قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى البروسوى خير الجماعة جماعة الأرواح وجماعتهم فى الجبال والمواضع الخالية وعلامة مجمعهم انه لا يذهب خضرة ذلك الموضع ونظارته فى الصيف والشتاء قال ونحن انما جئنا الى هذا المكان فى هذا الجبل بناء على مجيئهم يقول الفقير عنى به موضع زاويته المنيفة فى مدينة بروسة فى سفح الجبل المعروف هناك وقد زرته وزرت مرقده العالي فى داخل القلعة قدس الله سره وقال وهب جاء الى طور سيناء ومعه جبريل فتطهر وطهر ثوبه وانزل الله الظلمة على سبعة فراسخ وطرد عنه الشيطان وطرد عنه هوام الأرض ونحى عنه الملكين وكشط له السماء فرأى

ص: 229

الملائكة قياما فى الهواء ورأى العرش بارزا وسمع صرير القلم وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ من غير واسطة وكيفية كما يكلم الملائكة وكان جبريل معه فلم يسمع ما كلمه ربه ولذا خص باسم الكليم لاختصاصه بذلك من بين البشر فان سائر الأنبياء عليهم السلام انما يكلمهم الله بواسطة الكتاب والملك فان قيل بأى شىء علم موسى انه كلام الله قيل لم ينقطع كلامه بالنفس مع الحق كما ينقطع مع المخلوق بل كلمه بمدد وحداني غير منقطع شاهد نفسه بمنزلة الآلة عند الصانع والآلة يحركها الأستاذ كيف يشاء لانه ليس للآلة تصنع وتعمل وقيل علم انه كلام الحق وميزه عن غيره بانه سمع الكلام من الجوانب الستة فصارت جميع جوارحه كسمعه فصار الوجود كله سمعا فوجد لذة الكلام بوجوده كما وجدها بسمعه قال ابن الشيخ فى حواشيه كلامه تعالى صفة ازلية قائمة بذاته ليست من جنس هذه الحروف والأصوات وكما لا تبعد رؤيته تعالى مع ان ذاته ليست جسما ولا عرضا فكذلك

لا يبعد سماع كلامه مع كونه ليس من جنس الحرف والصوت انتهى وفى حل الرموز المؤمن فى الآخرة وجه محض وعين محض وسمع محض ينظر من كل جهة وبكل جهة وعلى كل جهة وكذا يسمع بكل عضو من كل جهة بغير جهة خاصة وإذا شاهد الحق يشهده بكل وجه ليس فيه من الجهات ولا يحتجب سمعه وبصره بالجهات كما أشار سبحانه بقوله (كنت سمعه وبصره) والكامل الواصل له حكم الآخرة فى الدنيا كما قال سيد الواصلين (موتوا قبل ان تموتوا وحاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا) انتهى يقول الفقير هذا ليس بمحل الجرح والإنكار لان الله تعالى وان خلق حاسة السمع لادراك الأصوات لكن يجوز ان يدرك بحاسة ما يدرك بحاسة اخرى كما ذهب اليه علماء الكلام لان ذلك الإدراك بمحض خلق الله تعالى من غير تأثير للحواس فلا يمتنع ان يخلق عقيب صرف الباصرة ادراك الأصوات مثلا فثبت ان كل عضو من الأعضاء الانسانية يجوز ان يخلق الله تعالى فيه ما خلق فى السمع من ادراك الأصوات ان قيل لم لم يكلم الله سائر الأنبياء مشافهة الا موسى قيل لانه لم يكن لهم من الأعداء ما لموسى كفرعون وهامان وقارون واليهود ولم يكن قوم أسوأ أدبا وأقسى قلبا من قومه فخصه الله بكلامه ألا ترى سحرة القبط آمنوا فى أول دعوته وكفر قوم من اليهود بعد مشاهدتهم معجزات كثيرة فايده الله بكلامه ليتحمل به ما امتحن به من البلايا فى قومه يقول الفقير كون عدو موسى أقوى وأشد انما هو بالنسبة الى اعداء الأنبياء غير نبينا صلى الله عليه وسلم فانه قد ثبت ان فرعون آمن عند الغرق واما ابو جهل فلا بل اظهر العداوة عند النزع فاعتبر منه قوة حاله وعلو مقامه صلى الله عليه وسلم فى المكالمة والرؤية ليلة المعراج وفى الحديث (ناجى موسى ربه بمائة الف وأربعين الف كلمة فى ثلاثة ايام وصايا كلها) كذا فى الوسيط وقال بعضهم كلم الله موسى أربعين يوما وليلة وهذا والله اعلم غير الأربعين المتقدمة على الوحى والتعليم وعن فضيل بن عياض قال حدثنى بعض أشياخي ان إبليس جاء الى موسى وهو يناجى ربه فقال الملك ويلك ما ترجو منه وهو على هذه الحال يناجى ربه قال أرجو منه مارجوت من أبيه آدم وهو فى الجنة وكذا قال السدى لما كلم الله موسى غاص الخبيث إبليس فى الأرض حتى خرج من بين يدى موسى فوسوس اليه ان مكلمك

ص: 230

شيطان يقول الفقير يرده ما سبق من ان الشيطان طرد عنه وقتئذ وهو الصحيح لان المقام لا يسع الشيطان وانما سلطانه على اهل الملك دون ارباب الملكوت وفرق بينه وهو مناج فى الطور وبين آدم وهو معاشر فى الجنة فان قلت قوله تعالى فى سورة الحج (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى الا إذا تمنى القى الشيطان فى أمنيته) يدل على ان كل نبى مبتلى بذلك خصوصا وقت التلاوة وهى من انواع المناجاة قلت فرق بين التلاوة الظاهرة والمناجاة الباطنة ألا ترى الى قوله عليه السلام (لى مع الله وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل) فما ظنك بالشيطان المردود الى أسفل سافلين البعد هكذا لاح ببالي والله اعلم ولما سمع موسى كلام ربه غلب عليه الشوق الى رؤيته وقال هذه لذة الخبر فكيف لذة النظر مع ان الكل يعمل على شاكلته وشاكلة البشر وفطرته على طلب العلو والترقي إذا ظفر بشىء طلب ما هو أعلى منه ولا أعلى من تجلى الجمال وفيض الوصال فسأل الرؤية وفى التفسير الفارسي [چون موسى كلام حق شنيد واز جام كلام ربانى جرعه ذوق محبت چشيد فراموش كرد كه او در دنياست خيال بست كه در فردوس اعلاست و چون جنت جاى مشاهده لقاست] قالَ رَبِّ أَرِنِي ذاتك اى مكننى من رؤيتك أَنْظُرْ إِلَيْكَ أرك فالنظر بمعنى الرؤية الا ان المطلوب بقوله أرني ليس ان يخلق الله تعالى رؤية ذاته المقدسة فى موسى حتى يلزم كون الشيء غاية لنفسه بان يكون المعنى أرني نفسك حتى أراك لانه فاسد بل المطلوب به ان يمكنه من رؤية ذاته المقدسة وتمكينه تعالى إياه من الرؤية سبب لرؤية موسى إياه تعالى فاطلق عليه اسم الرؤية المسببة عنه مجازا- روى- عن ابن عباس رضى الله عنهما قال

لما قال موسى عليه السلام أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ كشف الحجاب وابرز له الجبل وقال أَنْظُرْ فنظر فاذا امامه مائة الف نبى واربعة وعشرون الف نبى محرمين ملبين كلهم يقول أرني أرني واعلم ان الأجساد تنمو بنماء الأقوات كذلك الأحوال تصفو بصفاء الأوقات فقوت جسدك ما غذيته من الطيبات وقوت روحك ماربيت به من أقوات الطاعات فى اوقات الخلوات وكلما صفت الأواني جلت ما فيها من جواهر المعاني فاذا كان عين بصيرتك منطمسة وخيول همتك منحبسة فما لك والتطاول الى منازل قوم عيون قلوبهم منبجسة وسرائرهم لانوار معارفهم من جذوة الغيب مقتبسة فلا تدع بما ليس فيك وحسبك ما يعلم الله منك ويكفيك فينبغى لك ان تقف وقوف الأصاغر وتتأدب بآداب الأكابر هذا كليم الله موسى لما كان طفلا فى حجر تربية الحق سبحانه ما تجاوز حده بل قال رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فلما بلغ مبلغ الرجال ما رضى بطعام الأطفال بل قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ وهو حجة اهل السنة والجماعة على جواز رؤية الله تعالى فان موسى اعتقد جوازها حين سألها واعتقاد جواز ما لا يجوز على الله تعالى كفر ومن جوز ذلك على موسى او على أحد من الأنبياء فهو كافر كما فى التيسير قال حضرة الشيخ الكبير صدر الدين القنوى فى فك ختم الفص الداودي من شأن الكمل ان كل ما هو متعذر الحصول لاحد من الخلق هو عندهم وبالنسبة الى كمال قابليتهم غير متعذر ولا يستحيل الا ان يخبرهم الحق بأخبار مخصوص خارج من خواص المواد والوسائط فحينئذ يصدقون ربهم ويحكمون باستحالته

ص: 231

وحصول ذلك كحال موسى فى طلب الرؤية على وجه مخصوص فلما اخبر بتعذر ذلك ناب وآمن انتهى قالَ الله تعالى وهو استئناف بيانى لَنْ تَرانِي لم يقل لن تنظر الى كقوله انظر إليك لان المطلوب هى الرؤية التي معها ادراك لا النظر الذي هو عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي لانه قد بتخلف عنه الإدراك فى بعض الصور قال فى التفسير لَنْ تَرانِي [نتوانى ديد مرا در دنيا چهـ حكم ازلى بر آن وجه واقع شده كه هر بشرى كه در دنيا بمن نظر كند بميرد] وفى المدارك لَنْ تَرانِي بالسؤال بعين فانية بل بالعطاء والنوال بعين باقية [صاحب كشف الاسرار كويد كه مقام موسى در ان ساعت كه خطاب لن ترانى شنيد عالى بود از ان وقت كه كفت أرني زيرا اين ساعت در عين مراد حق بود وآن وقت در عين مراد خود قائم بمراد حق بود كاملترست ار قيام بمراد خود]

لن ترانى ميرسد از طور موسى را جواب

هر چهـ آن از دوست آيد سر إ كردن متاب

وهو دليل لنا ايضا لانه لم يقل لن ارى ليكون نفيا للجواز ولو لم يكن مرئيا لا خبر بانه ليس بمرئى إذا لحالة حالة الحاجة الى البيان فهو لا يدل على امتناع رؤيته فى نفس الأمر بل يدل على قصور الطالب عن رؤيته لتوقف الرؤية على حصول ما يستعد به الطالب لرؤيته وعدم حصول ذلك المعد فيه بعد فانه يجوز ان يبقى فيه حينئذ شىء من الحجاب المانع لرؤيته إياه لم يرتفع ذلك الحجاب بعد يقول الفقير هذا ما عليه اكثر اهل التفسير وهو ليس بمرضى عندى لان إتيان الطور لم يكن فى أوائل حاله عليه السلام بل كان ذلك نظير المعراج المحمدي بالنسبة الى مرتبته والتحقيق بعيد عن درك اهل التقليد وقد سألت حضرة شيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة عن قولهم فى قوله تعالى لَنْ تَرانِي اى ببشريتك ووجودك فقال ان البشرية تنافى الرؤية وموسى عليه السلام انما سأل الرؤية بالنسبة الى ظاهر البشرية والوجود الكونى وهى لا تمكن ابدا بل لو تعلقت الرؤية بذات الله تعالى لتعلقت حالة الفناء فى الله واضمحلال حال البشرية فقلت يرد عليه ما وقع ليلة المعراج من الرؤية بعين الرأس فقال انه حبيب الله رأى ربه فى تلك الليلة بالسر والروح فى صورة الجسم ولا جسم هناك لانه تجاوز فى سيره عن عالم الأجسام كلها بل عن عالم الأرواح حتى وصل الى عالم الأمر فقلت يرد عليه ان الأنبياء والأولياء مشتركون فى الرؤية بالبصيرة حالة الفناء الكلى فلا فرق بين موسى ومحمد عليهما السلام فأى فائدة فى قوله لَنْ تَرانِي وايضا فى عروجه عليه السلام الى ما فوق العرش فان تلك الرؤية انما تحصل فى مقام العينية الجمعية

القلبية لا فى مقام الغيرية الفرقية القالبية فقال ان امر الرؤية وان كان محتاجا الى الانسلاخ التام عن الأكوان مطلقا الا ان الانسلاخ بالقلب والقالب مختص بنبينا عليه السلام فان موسى وكذا غيره من الأنبياء عليهم السلام انما يرون بالانسلاخ حين كون قوالبهم فى عالم العناصر. واما محمد صلى الله عليه وسلم فقد تجاوز عن عالم العناصر ثم عن عالم الطبيعة وذلك بالقلب والقالب جميعا فأنى يكون هذا لغيره فافهم جدا انتهى ما جرى بينى وبين حضرة الشيخ من السؤال والجواب وما تحاورناه فى المجلس الخاص المفتوح بابه للاحباب لا للاغيار واهل الإنكار والارتياب وقد كان ذلك كالقطرة من البحر الزاخر بالنسبة الى ما يحويه قلبه الحاضر قدس الله

ص: 232

سره ورزقنى وجميع الأحباب شفاعته قال مرجع طريقتنا الجلوتية بالجيم حضرة الشيخ الشهير بافتاده البروسوى كما ان للانسان عينين فى الظاهر كذلك له عينان فى قلبه فاذا انفتحتا يشاهد بهما تجلى الصفات ولهما ايضا حدقتان لكنهما فى غاية اللطافة وانما قلنا يشاهد بهما تجلى الصفات لان تجلى الذات لا يشاهد إلا بعين معنوية وراء عين القلب لا حدقة لها لا كما زعمت الملاحدة والعياذ بالله تعالى فان الممكن الحقيقي غير الواجب الحقيقي كيف والسالك الواصل إذا أفنى وجوده يصير معدوما والمعدوم لا يحكم عليه بشىء فضلا عن الحلول والاتحاد بل إذا عبر بالاتحاد يراد به التقرب التام على وفق رضاه تعالى كما يراد ذلك فى قولهم فلان متحد مع فلان إذ لا شك انهما شخصان مستقلان حقيقة ومعنى كونه معدوما إذ ذاك انه يتلاشى ويغيب فى بحر الاستغراق وأنوار التجلي بحيث يغيب عن نظره ما سوى الله تعالى حتى ينظر ولا يجد نفسه للتوجه التام الى جنابه والاعراض الكلى عما سوى الله تعالى كمن جعل نظره الى جانب السماء لا ترى له الأرض ومن نظر الى المشرق لا يرى له المغرب لا انه يعدم وجوده الخارجي ويضمحل والأنبياء عليهم السلام وان تجلى لهم الذات الا ان تعين نبينا فوق الكل حتى ان موسى لما سأل ربه التجلي عن تعين نبينا قال تعالى لَنْ تَرانِي كذا اوله بعضهم وليس بشىء لانه عالم بمرتبة المصطفى صلى الله عليه وسلم فكيف يطلبها فخاطب موسى لَنْ تَرانِي لقطع طمع قومه حيث فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً لانه إذا خوطب بذلك فهم اولى به فهذا فى الحقيقة ليس بالنسبة الى موسى عليه السلام فانه قد نال سعادة التجلي مرارا واصطفاه برسالته وبكلامه الى هنا كلام افتاده افندى كما فى الواقعات المحمودية وقال الشيخ على دده فى اسئلة الحكم فان قلت ما الحكمة الربانية فى منعه الرؤية فى الموطن الدنيوي قيل لان الرؤية غاية الكرامة فى الدنيا وغاية الكرامة فيها لاكرم الخلق وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود الذي شاهد ربه ليلة المعراج بعيني رأسه على هذا فابحث وقيل لو أعطاه الرؤية بالسؤال لكانت الرؤية مكافأة لسؤاله والرؤية فضل لا مكافأة وهى ربانية لا مدخل للسؤال والتعمل فيها فهى امتنان محض من الله تعالى قال الامام الواحدي كون كلمة لن مفيدة لتأبيد النفي دعوى باطلة على اهل اللغة لا يشهد لصحتها كتاب معتبر ولا نقل صحيح ويدل على فساده قوله تعالى فى صفة اليهود وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً مع انهم يتمنون الموت يوم القيامة ويقولون فيه يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ. ويا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ اى الموت فالاخبار بان موسى لا يرى الله لا يدل على انه لا يراه ابدا كما ذهبت اليه المعتزلة: قال المولى الجامى

جهان مرآت حسن شاهد ماست

فشاهد وجهه فى كل ذرات

: قال الحافظ

چومستعد نظر نيستى وصال مجوى

كه جام جم نكند سود وقت بي بصرى

وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ اى لا تطلب النظر الىّ فانك لا تطيقه ولكن اجعل بينى وبينك ما هو أقوى منك وهو الجبل الذي بحضرتك قال الكلبي هو أعظم جبل بمدين يقال له زبير وفى القاموس زبير كامير الجبل الذي كلم الله عليه موسى وقال ابن الجوزي فى مرآة الزمان

ص: 233

والأصح انما خوطب موسى على جبل الطور الذي بقرب بحر القلزم فلما سمعت الجبال تعاظمت رجاء ان يتجلى لها وجعل زبير او الطور يتواضع فلما رأى الله تواضعه رفعه من بينها وخصه بالتجلى كذا فى عقد الدرر واللآلى: وفى المثنوى

اى خنك آنرا كه ذلت نفسه

واى آن كز سركشى شد چون كه او

وقال اهل الاشارة ان موسى عليه السلام لما أراد الخروج الى الميقات جعل بين قومه وبين ربه واسطة بقوله لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي فلما سأله الرؤية جعل الله بينه وبينها واسطة وهى الجبل فقال لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فقال ان لم أصلح لخلافتك دون أخيك فانت لا تصلح لرؤيتى دون الجبل فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ اى سكن وثبت فَسَوْفَ تَرانِي فسوف تطيق ان تنظر الىّ وان لم يستقر مكانه فانك لا تطيق النظر الىّ فان الجبل مع صلابته لما تأثر من التجلي ولم يطق ذلك بل اندك وتفتت وتلاشى فكيف يطيق الإنسان الذي يدهش عند مشاهدة الأمور الهائلة فكيف عند مشاهدة ذى العظمة والجلال المطلق الذي لا يوصف جلاله وكبرياؤه وهو دليل لنا ايضا لانه علق الرؤية باستقرار الجبل وهو ممكن وتعليق الشيء بما هو ممكن يدل على إمكانه كالتعليق بالممتنع يدل على امتناعه ألا ترى ان دخول الكفار الجنة لما استحال علقه بمستحيل قال حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ والدليل على انه ممكن قوله جَعَلَهُ دَكًّا ولم يقل اندك وما أوجده تعالى كان جائزا ان لا يوجد لانه مختار فى فعله ولانه تعالى ما أيأسه من ذلك ولا عاتبه عليه ولو كان ذلك محالا لعاتبه كما عاتب نوحا عليه السلام بقوله إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ حين سأل إنجاء ابنه من الغرق فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ طهر له عظمته وتصدى له اقتداره وامره ومعنى ظهور عظمته واقتداره للجبل تعلقها به وظهور اثرها فيه وانما حمل على هذا المعنى لان ظهور ذاته للجمال غير معقول قال فى التفسير العيون كشف نوره من حجبه قدر ما بين الخنصر والإبهام إذا جمعتهما اى إذا وضعت الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر وعن سهل بن سعد الساعدي ان الله اظهر من سبعين الف حجاب نورا قدر الدرهم وفى التفسير الفارسي: يعنى [ظاهر كردانيد از نور خود يا از نور عرش بمقدار سوفار سوزنى] وقال الشيخ ابو منصور معنى التجلي للجبل ما قال الأشعري انه تعالى خلق فى الجبل حياة وعلما ورؤية حتى رأى ربه وهذا ايضا فيه اثبات كونه مرثيا جَعَلَهُ دَكًّا مصدر بمعنى المفعول اى صيره مدكوكا مفتتا وإذا حل بالجبل ما حل مع عظم خلقه فما ظنك بابن آدم الضعيف كما فى تفسير الكواشي قال بعض الكبار جعل الله الجبل فداء لموسى ولولا ان موسى كان مدهوشا لذاب كما ذاب الجبل قالوا عذب إذ ذاك كل ماء وأفاق كل مجنون وبرىء كل مريض وزال الشوك عن الأشجار واخضرت الأرض وازهرت وحمدت نيران المجوس وخرت الأصنام لوجوههن وانقطعت أصوات الملائكة وجعل الجبل ينهدم وينهال ويضطرب من تحت موسى حتى اندق كله فصار ذرات فى الهواء والذر هو الذي يرى إذا دخل الشعاع فى الكوى بتلك الكوة وفى بعض التفاسير صار لعظمته ستة اجبل وقعت ثلاثة بالمدينة أحد ورقان ورضوى وثلاثة بمكة ثور وثبير وحراء وفى تفسير

ص: 234

الحدادي فصار ثمانى فرق اربع قطع منه وقعن بمكة ثور وثبير وحراء وغار ثور واربع قطع وقعن بالمدينة أحد ورقان ورضوى والمهراس وقال الحسن صار الجبل ثلاث فرق ساخت فرقة منه فى الأرض وطارت فرقة فى البحر وطارت فرقة فوقعت بعرفات فهو شاحب مقشعر من مخافة الله تعالى وفى التفسير الفارسي [عجب سريست كه كوه بآن عظمت تحمل ديدار نداشت ودل انسان را بحكم (ولكن ينظر الى قلوبكم) طاقت آن نظر هست نكته درين آنست كه تجلى بر كوه بنظر وهيبت بود وتجلى بر دل بنظر رحمت آن نظر كوهرا ويران ساخت واين نظر دلرا معمور سازد] والاشارة ان الجبل صورة الجسم الحجابى والجسم غير مستعد للتجلى ما لم يندك وينحل بالرياضة والفناء وانما التجلي للروح فى مقام القلب والجبل صورة التحيز الكونى والحصر الجسماني ومشهد التجلي غير متحيز والسر فافهم وعليه فابحث كذا فى اسئلة الحكم وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً اى سقط مغشيا عليه من هول ما رأى من عشية الخميس وهو يوم عرفة الى عشية يوم الجمعة وهو قول ابن عباس رضى الله عنهما وقال قتادة ميتا وقول ابن عباس اظهر لان الله تعالى قال فَلَمَّا أَفاقَ

ولا يقال للميت أفاق من موته ولكن يقال بعث من موته كما قال فى حديث السبعين ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ: وفى المثنوى

جسم خاك از عشق بر أفلاك شد

كوه در رقص آمد و چالاك شد

عشق جان طور آمد عاشقا

طور مست وخرّ موسى صعقا

قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره الجبل المذكور وان احترق ظاهره ولكن له وجود معنوى كان ذلك لعلا خالصا بانعكاس التجلي من موسى ولذلك رآه كاللعلل وكالمه وذلك الجبل يدخل الجنة وان كان من الدنيا بسبب كونه مظهرا للتجلى كما ان الكعبة ومسجد المدينة وبيت المقدس تدخل الجنة فَلَمَّا أَفاقَ من صعقته قال المولى ابو السعود رحمه الله الافاقة رجوع العقل والفهم الى الإنسان بعد ذهابهما بسبب من الأسباب قالَ تعظيما لما شاهده سُبْحانَكَ اى تنزيها لك من ان اسألك بغير اذن منك تُبْتُ إِلَيْكَ اى من الجراءة والاقدام على السؤال بغير ازن او من السؤال فى الدنيا فانك انما وعدتها فى الآخرة وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ اى بعظمتك وجلالك او أول من آمن بانك لا ترى فى الدنيا [اى كه زيك لمعه ات كوه بصد پاره شد چهـ عجب از مشت كل عاجز وبيچاره شد] قال وهب بن اسحق لما سأل موسى ربه الرؤية أرسل اليه الضباب والصواعق والظلمة والرعد والبرق وأحاطت بالجبل الذي عليه موسى اربعة فراسخ من كل جانب وامر الله عز وجل ملائكة السموات ان يعرضوا على موسى فمرت به ملائكة السماء الدنيا كثيران البقر تنبع أفواههم بالتسبيح والتقديس بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد ثم امر الله ملائكة السماء الثانية ان اهبطوا على موسى فهبطوا عليه أمثال الأسود ولهم لجب بالتسبيح والتقديس ففزع موسى مما رأى وسمع واقشعرت كل شعرة فى رأسه وجسده ثم قال لقد ندمت على مسألتى فهل ينجينى من مكانى الذي انا فيه شىء فقال له خير الملائكة ورأسهم يا موسى اصبر لما سألت فقليل من كثير ما رأيت ثم امر الله ملائكة السماء الثالثة ان اهبطوا على موسى فهبطوا عليه أمثال النسور لهم لجب شديد وأفواههم تنبع بالتسبيح

ص: 235

والتقديس كجلبة الجيش العظيم ألوانهم كلهب النار ففزع موسى واشتد نفسه وايس من الحياة وقال له خير الملائكة مكانك يا ابن عمران حتى ترى ما لا تصبر عليه ثم امر الله ملائكة السماء الرابعة فهبطوا ألوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج الأبيض أصواتهم عالية مرتفعة بالتسبيح والتقديس لا يشبههم شىء من الذين مروا به قبلهم فاصطكت ركبتاه وارتعد قلبه واشتد بكاؤه فقال له رئيس الملائكة اصبر يا ابن عمران لما سألت فقليل من كثير ما أريت ثم امر الله ملائكة السماء الخامسة فهبطوا ولهم سبعة ألوان فلم يستطع موسى ان يتبعهم بصره ولم يرمثلهم ولم يسمع مثل أصواتهم فامتلأ جوفه خوفا واشتد حزنه وكثر بكاؤه فقال له خير الملائكة يا ابن عمران مكانك حتى ترى بعض ما لا تصبر عليه ثم امر الله ملائكة السماء السادسة فهبطوا وفى يد كل ملك منهم نار مثل النخلة الطويلة أشد ضوأ من الشمس ولباسهم كلهب النار كلهم يقولون بشدة أصواتهم سبوح قدوس رب العزة ابدا لا يموت فى رأس كل ملك منهم اربعة أوجه فجعل يسبح موسى معهم وهو يبكى ويقول رب اذكرني ولا تنس عبدك فقال كبير الملائكة يا ابن عمران اصبر لما سألت ثم امر الله ان يحمل عرشه فى السماء السابعة وقال اروه إياه فلما بدا نور العرش انفرج الجبل من عظمة الرب ورفعت ملائكة السموات جميعا أصواتهم يقولون سبحان الله القدوس رب العزة ابدا لا يموت فاندك الجبل وكل شجرة كانت فيه وخر موسى على وجهه ليس معه روح فارسل الله برحمته الروح فتغشاه وقلب الحجر الذي عليه موسى وجعله كهيئة القبة لئلا يحترق موسى ثم اقامه كما تقيم الام جنينها إذا وضعته فقام موسى يسبح الله تعالى ويقول آمنت بك رب وصدقت انه لا يراك أحد فى الدنيا فيحيى من نظر الى ملائكتك انخلع قلبه فما أعظمك وأعظم ملائكتك أنت رب الأرباب وملك الملوك لا يعدلك شىء ولا يقوم لك شىء تبت إليك الحمد لك لا شريك لك قال فى التيسير قد روى فى هذا أحاديث فيها ذكر نزول الملائكة والتعنيف على موسى بما سأل ولكن ليس ورودها على وجه يصح ولا يجوز قبولها لانها لا تليق بحال الأنبياء انتهى قال بعض المحققين من ارباب المكاشفة ان موسى عليه السلام طلب رؤية ذاته تعالى مع هوية نفسه حيث قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ مشيرا الى هويته بصيغة المتكلم فرد الله تعالى

بقوله لَنْ تَرانِي اى مع بقاء هويتك التي تخاطب بها وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ اى بذاتك وهويتك فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ ولم يكن فانيا فَسَوْفَ تَرانِي بهويتك فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ اى القى عليه من نوره فاصطرب بدنه من رهبته جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً وفنى عن هويته فرأى الحق بعين الحق فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ الان من مسألة الرؤية مع بقاء الهوية وقال فى التأويلات النجمية وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ يعنى ولما حصل على بساط القرب تتابع عليه كاسات الشراب من صفو الصفات ودارت أقداح المكالمات واثر فيه لذاذات الكلمات فطرب واضطرب إذ سكر من شراب الواردات وتساكر من سماع الملاطفات فى المخاطبات فطال لسان انبساطه عند التمكن على بساطه وعند استيلاء سلطان الشوق وغلبات دواعى المحبة فى الذوق قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قيل هيهات أنت فى بعد الاثنينية منكوب وبحجب جبل الانانية محجوب وانك إذا نظرت بك الى لَنْ تَرانِي لانه لا يرانى الا من كنت له يصر افبى يبصر وَلكِنِ انْظُرْ الى الجبل جبل الانانية

ص: 236

فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ عند التجلي فَسَوْفَ تَرانِي ببصر انانيتك فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جبل انانيته جَعَلَهُ دَكًّا فانيا كان لم يكن وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً بلا انانية وكان ما كان بعد ان بان ما بان فأشرقت الأرض بنور ربها وجاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا

قد كان ما كان سرا لا ابوح به

فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر

ولو لم يكن جبل انانية النفس بين موسى الروح وتجلى الرب لطاش فى الحال وما عاش ولولا القلب كان خليفته عند الفناء بالتجلى لما امكنه الافاقة والرجوع الى الوجود فافهم جدا ولو لم يكن تعلق الروح بالجسد لما استسعد بالتجلى ولا بالتحلي تفهم ان شاء تعالى فَلَمَّا أَفاقَ من غشية الانانية بسطوة تجلى الربوبية قالَ موسى بلا هويته سُبْحانَكَ تنزيها لك من خلقك واتصال الخلق بك تُبْتُ من انانيتى إِلَيْكَ الى هويتك بك وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بانك لا ترى بالانانية ولا ترى الا بنور هويتك بك انتهى وقال القشيري وَلَمَّا جاءَ مُوسى مجيىء المشتاقين ومجيىء المغلوبين جاء موسى بلا موسى ولم يبق من موسى لموسى وآلاف آلاف رجال قطعوا مسافات وتحملوا مخافات فلم يذكرهم أحد وهذا موسى خطى خطوات والى يوم القيامة يقرأ الصبيان ولما جاء موسى لميقاتنا باسطه الحق بالكلام فلم يتمالك ان قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فان غلبات الوجد استنطقته بكمال الوصلة من الشهود وقالوا لا يؤاخذ المغلوب بما يقول وقالوا انه لا يشكر ثم ينكر قال وأشد الخلق شوقا الى الحبيب أقربهم من الحبيب هذا موسى وقف فى محل المناجاة وحفت به الكرامات وكلمه بلا واسطة ولا جهات قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ كأنه غائب هو شاهد لكن ما ازداد القوم شربا الا ازدادوا عطشا ولا ازدادوا قربا الا ازدادوا شوقا وقال سأل موسى الرؤية بالكلام فاجيب لَنْ تَرانِي بالكلام واسر المصطفى فى قلبه ما كان يرجوه من تحويل القبلة من ربه فقيل له قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها وقال انه سأل الله الرؤية فقال لَنْ تَرانِي وقال للخضر هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً فصار جوابه لن من الحق ومن الخلق ليبقى موسى بلا موسى ويصفو موسى عن كل نصيب لموسى بموسى وانشد فى معناه فقيل

ابني أبينا نحن اهل منازل

ابدا غراب البين فينا يزعق

والبلاء الذي ورد عليه بقوله تعالى فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا أشد من قوله لَنْ تَرانِي لانه صريح فى الرؤية وفى اليأس راحة وقوله فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي هذا اطماع فيما يمنعه فلما اشتد توقعه جعل الجبل دكا وكان قادرا على إمساك الجبل لكنه قهر الأحباب وبه سبق الكتاب وفى قوله انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ بلاء شديد لموسى لانه منع عن رؤية مقصوده وامر برؤية غيره ولوامر بان يغمض عينيه لا ينظر الى شىء بعده لكان الأمر أسهل عليه ولكنه قيل له لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ثم أشد من ذلك ان الجبل اعطى التجلي ثم امر موسى عليه السلام بالنظر الى الجبل الذي قدم عليه فى هذا السؤال وهذا

صعب شديد ولكن موسى رضى به وانقاد لحكمه وفى معناه انشدوا

أريد وصاله ويريد هجرى

فاترك ما أريد لما يريد

ص: 237

وقيل بل هو لطف به حيث لم يصرح برده بل علله عونا له على صبره وقيل قددنا اصبر قليلا قليلا ولما منع النظر رجع الى رأس الأمر فقال تبت إليك ان لم تكن الرؤية التي هى غاية الرتبة من رأس الأمر وهو التوبة ثم هذا اناخة لعقوق العبودية وشرطها ان لا تبرح عن محل الخدمة ان حال بينك وبينى وجود القربة لان القربة حظ نفسك والخدمة حق ربك ولأن تكون بحق ربك أتم من ان تكون بحظ نفسك كذا فى تفسير التيسير نقلا عن القشيري ذكر بعضهم ان رؤية الله تعالى ممكنة فى الدنيا قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى الرؤية فى الآخرة موعودة واما فى الدنيا وان كانت فى حيز الإمكان لكنها غير موعودة ولم تجر عادة الله عليها انتهى وقد ذكرنا موانع الرؤية فى سورة البقرة وانواع الرؤية فى سورة الانعام وفى الواقعات المحمودية سأل بعض الكبار من العلماء وقال الذي لا زمان له ولا مكان فى أي مكان والأدب فى السؤال ان يقال المنزه ذاته عن الزمان والمكان بأى وجه يطلب وبأى طريق يوجد ويوصل اليه وكذا الأدب فى الجواب ان يقال من أراد رؤية جماله فلينظر فى قلوب أوليائه فان قلوبهم مظاهر ومرايا لجماله واعلم ان المعتزلة أنكروا رؤية الله تعالى حتى قال صاحب الكشاف تشنيعا وتقبيحا وتضليلا لاهل السنة والجماعة ثم تعجب من المتسمين بالإسلام المتسمين باهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهبا ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة فانه من مصوبات اشياخهم والقول ما قال بعض العدلية فيهم

لجماعة سموا هواهم سنة

لكنهم حمر لعمرى مؤكفه

قد شبهوه بخلقه وتخوفوا

شنع الورى فتستروا بالبلكفه

وقال بعضهم جوابا عنهم

عجبا لقوم ظالمين تلقبوا

بالعدل ما فيهم لعمرى معرفه

قد جاءهم من حيث لا يدرونه

تعطيل ذات الله مع نفى الصفة

قال المولى ابراهيم الاروسقى

رضينا كتاب الله للفصل بيننا

وقول رسول الله أوضح فاصل

وتحريف آيات الكتاب ضلالة

وليس بعدل رد نص الدلائل

وتضليل اصحاب الرسول وذمهم

وتصويب آراء النظام وواصل

ولو كان تكذيب الرسول عدالة

فاعدل خلق الله عاص بن وائل

فلولاك جار الله من فرقة الهوى

لكنت جديرا باجتماع الفضائل

قالَ الله تعالى لموسى حين قال تبت إليك وانا أول المؤمنين يا مُوسى ان منعتك الرؤية لصلاح حالك وبقاء ذاتك فلا تكن مغموما محزونا لذلك إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ اى اخترتك واتخذتك صفوة وآثرتك عَلَى النَّاسِ اى الموجودين فى زمانك وهارون وان كان نبيا واكبر منه سنا كان مأمورا باتباعه وما كان كليما ولا صاحب شرع او على الناس جميعا لان الرسالة مع الكلام ولم يحصل هذا المجموع لغيره وانما قال على الناس ولم يقل على الخلق لان الملائكة قد سمعوا كلامه تعالى من غير واسطة كما سمعه موسى عليه السلام بِرِسالاتِي جمع الرسالة وهى فى الأصل مصدر بمعنى الإرسال والمراد به هنا الشيء المرسل به الى الغير

ص: 238

وهو اسفار التوراة جمع سفر بمعنى الكتاب يقال سفره إذا كتبه والواح التوراة اسفار من حيث انها كتب فيها التوراة وَبِكَلامِي اى وبتكلمى إياك بلا واسطة وقيل المضاف محذوف اى وسماع كلامى وهذا يرد قول من يقول ان السبعين الذين اختارهم موسى سمعوا كلام الله تعالى لان فى الآية بيان الاصطفاء وهو تنصيص على التخصيص واعلم ان كل نبى قد اصطفاه الله على الخلق بنوع او نوعين او انواع من الكمال عند خلقته وركب فى ذرة طينته استعداده لظهور ذلك النوع من الكمال حين خمر طينة آدم بيده فاصطفى موسى بالرسالة والمكالمة دون نوح وكمال الرؤية مخصوص بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته حتى استدعى موسى لنيل مقام رؤية ربه فقال اللهم اجعلنى من أصحابه- روى- انه لما كلم الله تعالى موسى عليه السلام يوم الطور كان على موسى جبة من صوف مخللة بالعيدان محزوم وسطه بشريط ليف وهو قائم على الجبل وقد أسند ظهره الى صخرة من الجبل فقال الله يا موسى انى قد اقمتك مقاما لم يقمه أحد قبلك ولا يقومه أحد بعدك وقربتك نجيا فقال موسى عليه السلام يا رب فلم أقمتني هذا المقام قال لتواضعك يا موسى فلما سمع موسى لذاذة الكلام من ربه نادى الهى أقريب فاناجيك أم بعيد فاناديك قال يا موسى انا جليس من ذكرنى وكان موسى عليه السلام بعد ما كلمه الله تعالى لا يستطيع أحد ان ينظر اليه لما غشى وجهه من النور ولم يزل على وجهه برقع حتى مات- ويروى- ان امرأته قالت له انا ايم منك اى كأنى بلا زوج منذ كلمك ربك فكشف لها عن وجهه فاخذها مثل شعاع الشمس فوضعت يدها على وجهها ساعة وقالت ادع الله ان يجعلنى زوجتك فى الجنة قال ذاك ان لم تتزوجى بعدي فان المرأة لآخر أزواجها. وقيل ان الرجل إذا تبكر بالمرأة تزوجها فى الجنة. وقيل انها تكون لا حسن أزواجها خلقا ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم تحريم أزواجه اللاتي توفى عنهن على غيره ابدا فَخُذْ ما آتَيْتُكَ اى أعطيتك من شرف النبوة والحكمة وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ على النعمة وفى التأويلات النجمية فَخُذْ ما آتَيْتُكَ يعنى ما ركبت فيك استعداده واصطفيتك به من الرسالة والمكالمة وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ فان الشكر يبلغك الى ما سألت من الرؤية لان الشكر يستدعى الزيادة لقوله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ والزيادة هى الرؤية لقوله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وقال عليه السلام (الزيادة هى الرؤية والحسنى هى الجنة) وَكَتَبْنا [ونوشتيم ما يعنى قلم أعلى را فرموديم كه كتابت كرد يا جبريل را كفتيم كه بقلم ذكر امداد نهر النور نوشت] لَهُ [براى موسى] فِي الْأَلْواحِ اى فى تسعة الواح من الزمرد الأخضر وهو الأصح وفيها التوراة كنقش الخاتم طول كل لوح عشرة اذرع وفى القاموس اللوح كل صفيحة عريضة خشبا او عظما جمعه الواح- روى- ان سؤال الرؤية كان يوم عرفة وإعطاء التوراة يوم النحر مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مما يحتاجون اليه من امور دينهم مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ بدل من الجار والمجرور لانه فى محل النصب على انه مفعول كتبنا ومن مزيدة لا تبعيضية اى كتبنا له كل شىء من المواعظ وتفصيل الاحكام قال مقاتل كتب فى الألواح انى انا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيأ ولا تقطعوا السبيل ولا تزنوا ولا تعقوا الوالدين فَخُذْها على إضمار القول عطفا على كتبنا اى فقلنا خذها اى الألواح

ص: 239

بِقُوَّةٍ بجد وعزيمة وَأْمُرْ قَوْمَكَ اى على طريق الندب والحث على اختيار الأفضل يَأْخُذُوا اى ليأخذوا بِأَحْسَنِها الباء زائدة فى المفعول به. الأحسن العزائم والحسن الرخص يعنى ليعلموا ان ما هو عزيمة يكون ثوابه اكثر كالجمع بين الفرائض والنوافل والصبر بالاضافة الى الانتصار وغير ذلك قال قطرب اى بحسنها وكلها حسن كقوله تعالى وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ سَأُرِيكُمْ يا بنى إسرائيل دارَ الْفاسِقِينَ دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها ومنازل عاد وثمود واضرابهم لتعتبروا فلا تفسقوا بمخالفة ما أمرتم به من العمل باحكام التوراة او ارض مصر وارض الجبابرة والعمالقة بالشام. ومعنى الاراءة الإدخال بطريق الايراث فعلى الاول يكون وعيدا وترهيبا وعلى الثاني وعدا وترغيبا وفى الآية اشارة الى ان طلب الآخرة كان احسن من طلب الدنيا كذلك طلب الله احسن من طلب الآخرة فعلى العاشق ان يختار الأحسن وقوله سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ يعنى الخارجين من طلب الآخرة فدارهم الجنة ودار الخارجين من طلب الآخرة الى طلب الله فى مقعد صدق عند مليك مقتدر: قال الحافظ

سايه طوبى ودلجويىء حور ولب حوض

بهواي سر كوى تو برفت از يادم

نيست بر لوح دلم جز الف قامت دوست

چهـ كنم حرف دكر ياد نداد استادم

سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ المراد بالآيات ما كتب فى الواح التوراة من المواعظ والاحكام وغيرها من الآيات التكوينية التي من جملتها ما وعد إراءته من دار الفاسقين ومعنى صرفهم عنها الطبع على قلوبهم بحيث لا يكادون يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها لاصرارهم على ما هم عليه من التكبر والتجبر. والمعنى ساطبع على قلوب الذين يعدون أنفسهم كبراء ويرون لهم على الخلق مزية وفضلا فلا ينتفعون بآياتى التنزيلية والتكوينية المنصوبة فى الأنفس والآفاق ولا يغتنمون بمغانم آثارها فلا تسلكوا يا بنى إسرائيل مسلكهم فتكونوا أمثالهم بِغَيْرِ الْحَقِّ صلة للتكبر اى يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل وظلمهم المفرط قال ابن الشيخ لما كان التكبر مؤديا الى الحرمان من الانتفاع بالآيات المذكورة وتضييعها كان المقصود من الآية تحذير بنى إسرائيل عن التكبر المفضى الى ان يصرفهم الله عن التفكر فى الآيات والاهتداء بها حتى يأخذوا احكام التوراة بجد ورغبة انتهى فالآية متصلة بقصة بنى إسرائيل ويحتمل ان تكون كلاما معترضا خلال قصتهم اخبر به رسول الله انه حرم المتكبرين من أمته فهم معانى القرآن والتدبر فيها كما قيل ابى الله تعالى ان يكرم قلوب الظالمين بتمكينهم من فهم حكمة القرآن والاطلاع على عجائبه حيفست چنين كنج در ان ويرانه وَإِنْ يَرَوْا يشاهدوا كُلَّ آيَةٍ من الآيات كانت معجزة لا يُؤْمِنُوا بِها اى كفروا بكل واحدة منها لعدم اجتلائهم إياها كما هى وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا اى لا يتوجهون الى الحق ولا يسلكون سبيله أصلا لاستيلاء الشيطنة عليهم ومطبوعيتهم على الانحراف والزيغ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا اى يختارونه لانفسهم مسلكا مستمرا لا يكادون يعدلون عنه لموافقته لاهوائهم الباطلة وافضائه بهم الى

ص: 240

شهواتهم ذلِكَ اشارة الى ما ذكر من تكبرهم وعدم ايمانهم بشىء من الآيات واعراضهم عن سبيل الرشد وإقبالهم التام على سبيل الغى بِأَنَّهُمْ اى حاصل بسبب انهم كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على بطلان ما اتصفوا به من القبائح وعلى حقية أضدادها وهى الآيات المنزلة والمعجزة وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ لا يتفكرون فيها والا لما فعلوا ما فعلوا من الأباطيل فالمراد بالغفلة عنها عدم التفكر والتدبر فيها عبر عن عدم تدبر الآيات بالغفلة عنها تشبيها للمعرض عن الشيء بمن غفل عنه وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ من اضافة المصدر الى مفعوله والفاعل محذوف اى ولقائهم الدار الآخرة حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ اى ظهر بطلان أعمالهم التي كانوا عملوها من صلة الأرحام واغاثة الملهوفين ونحو ذلك فلا ينتفعون بها هَلْ يُجْزَوْنَ استفهام بمعنى النفي والإنكار يعنى لا يجزون إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى الاجزاء ما كانوا يعملون من الكفر والمعاصي قال فى التأويلات النجمية يعنى لما حبطت اعمالنا عندهم من بعثة الأنبياء وإنزال الكتب واظهار المعجزات لتكبرهم عنها جازيناهم بان حبطت أعمالهم عندنا لكبريائنا وغنانا عن اهل الشرك وشركهم نظيره قوله تعالى وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها وفى الآية ذم التكبر وانه من أعظم أوصاف البشر حجبا لانه يزيد فى الانانية وما لعن إبليس وطرد الا للتكبر وصف بعض البلغاء متكبرا فقال كأن كسرى حامل غاشيته وقارون وكيل نفقته وبلقيس احدى داياته وكأن يوسف لم ينظر الا بمقلته ولقمان لم ينطق الا بحكمته كأن الخضراء له عرشت والغبراء باسمه فرشت: وفى المثنوى

اين تكبر زهر قاتل دانكه هست

از مى پر زهر شد آن گيج مست

چون مى پر زهر نوشد مدبرى

از طرب يكدم بجنباند سرى

بعد يكدم زهر بر جانش زند

زهر بر جانش كند داد وستد

كر ندارى زهريش را اعتقاد

كرچهـ زهر آمد نكر در قوم عاد

چونكه شاهى دست يابد بر شهى

بكشدش يا باز دارد در چهى

ور بيابد خسته افتاده را

مرهمش سازد شه وبدهد عطا

كه نه زهر است اين تكبر پس چرا

كشت شه را بي كناه وبي خطا

وين دكر را پى ز خدمت چون نواخت

زين دو جنبش زهر را شايد شناخت

نردبان خلق اين ما ومنيست

عاقبت زين نردبان افتاد نيست

هر كه بالاتر رود ابله ترست

كاستخون او بتر خواهد شكست

اين فروعست واصولش آن بود

كه ترفع شركت يزدان بود

چون نمردى ونكشتى زنده زو

باغىء باشى بشركت ملك جو

چون بدو زنده شدى آن خود ويست

وحدت محض است آن شركت كى است

فعلى العاقل ان يزكى نفسه عن الكبر ويأخذ التواضع فى طريق الحق ويخلص العمل لله تعالى فان من أخلص فى العمل وان لم ينو ظهرت آثار بركته عليه وعلى عقبه الى يوم القيامة كما قيل انه لما اهبط آدم عليه السلام الى الأرض جاءت وحوش الفلاة تسلم عليه وتزوره فيدعو لكل جنس بما يليق به فجاءت طائفة من الظباء فدعا لهن ومسح على ظهورهن فظهر فيهن نوافج

ص: 241

المسك فلما رأى بواقيها ذلك قلن من اين هذا لكن فقلن زرنا صفى الله آدم فدعالنا ومسح على ظهورنا فمضى البواقي اليه فدعا لهن ومسح على ظهورهن فلم يظهر لهن من ذلك شىء فقالوا قد فعلنا كما فعلتم فلم نرشيأ مما حصل لكن فقالوا أنتم كان عملكم لتنالوا كما نال إخوانكم وأولئك كان عملهم لله من غير شوب فظهر ذلك فى نسلهم وعقبهم الى يوم القيامة فظهر ان الخلق لا يجزون الا ما كانوا يعملون والجزاء لا بد وان يكون من جنس العمل نسأل الله تعالى دفع الكسل ورفع الزلل وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ اى من بعد ذهابه الى الطور ومن للابتداء الغاية مِنْ للتبعيض حُلِيِّهِمْ جمع حلى كثدى وثدى وهو ما تزين به من الذهب والفضة واضافة الحلي إليهم مع انها كانت للقبط لادنى الملابسة حيث كانوا استعاروها من أربابها حين هموا بالخروج من مصر عِجْلًا مفعول أول لقوله اتخذ لانه متعدالى اثنين بمعنى التصيير والمفعول ثانى محذوف اى صيروه آلها والعجل ولد البقر وابو العجل الثور والجمع العجاجيل والأنثى عجلة سمى عجلا لاستعجال بنى إسرائيل عبادته وكانت مدة عبادتهم له أربعين يوما فعوقبوا فى التيه أربعين سنة فجعل الله تعالى كل سنة فى مقابلة يوم جَسَداً بدل من عجلا اى جثة ذادم ولحم او جسدا من ذهب لا روح معه فان الجسد اسم لجسم له لحم ودم ويطلق على جثة لا روح لها لَهُ خُوارٌ اى صوت البقر وذلك ان موسى كان وعد قومه بالانطلاق الى الجبل ثلاثين يوما فلما تأخر رجوعه قال لهم السامري رجل من قرية يقال لها سامرة وكان رجلا مطاعا من قوم موسى انكم أخذتم الحلي من آل فرعون فعاقبكم الله بتلك الجناية ومنع موسى عنكم فاجمعوا الحلي حتى أحرقها لعل الله يرد علينا موسى او سألوه آلها يعبدونه وقد كان لهم ميل الى عبادة البقر منذ مروا على العمالقة التي كانوا يعبدون تماثيل البقر وذلك بعد عبور النهر وقد مرت قصته فجعل السامر الحلي بعد جمعها فى النار وصاغ لهم من ذلك عجلا لانه كان صاغا والقى فى فمه ترابا من اثر فرس جبريل عليه السلام وكان ذلك الفرس فرس الحياة ما وضع حافره فى موضع الا اخضر وكان قد أخذ ذلك التراب عند فلق البحر او عند توجهه الى الطور فانقلب ذلك الجسد لحما ودما وظهر فيه خوار وحركة ومشى فقال السامري هذا آلهكم واله موسى فعبدوه الا اثنى عشر الفا من ستمائة الف وقيل انه جعل ذلك العجل مجوفا وجعل فى جوفه أنابيب على شكل مخصوص وكان وضع ذلك التمثال على مهب الريح فكانت الريح تدخل فى تلك الأنابيب فظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل فاهوم بنى إسرائيل انه حى يخور فزفنوا حوله اى رقصوا نقل القرطبي عن الطرشوشى انه سئل عن قوم يجتمعون فى مكان يقرأون شيأ من القرآن ثم ينشد لهم منشد شيأ من الشعر يرقصون ويطربون ويضربون بالدف والشنانير هل الحضور معهم حلال أو لا قال مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة وما الإسلام الا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. واما الرقص والتواجد فاول من أحدثه اصحاب السامري فلما اتخذوا عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حوله ويتواجدون فهو دين الكفار وعباد العجل وانما كان يجلس النبي عليه السلام مع أصحابه كأنما على رؤسهم الطير من الوقار فينبغى للسلطان ونوابه ان يمنعهم من الحضور فى المساجد وغيرها ولا يحل لاحد

ص: 242

يؤمن بالله واليوم الآخر ان يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم هذا مذهب مالك والشافعي وابى حنيفة واحمد وغيرهم من ائمة المسلمين كذا فى حياة الحيوان قال فى نصاب الاحتساب هل يجوز له الرقص فى السماع الجواب لا يجوز ذكر فى الذخيرة انه كبيرة ومن اباحه من المشايخ فذلك للذى صارت حركاته كحركات المرتعش وهل يجوز السماع الجواب ان كان السماع سماع القرآن او الموعظة يجوز وان كان السماع الغناء فهو حرام لان التغني واستماع الغناء حرام ومن اباحه من مشايخ الصوفية فلمن تخلى عن الهوى وتحلى بالتقوى واحتاج الى ذلك احتياج المريض الى الدواء وله شرائط. احداها ان لا يكون فيهم امرد. والثانية ان لا يكون جمعيتهم الا من جنسهم ليس فيهم

فاسق ولا اهل دنيا ولا امرأة. والثالثة ان يكون نية القوال الإخلاص لا أخذ الاجرة والطعام. والرابعة ان لا يجتمعوا لاجل طعام او نظر الى فتوح والخامسة لا يقومون الا مغلوبين. والسادسة لا يظهرون الوجد الا صادقين قال الشيخ عمر ابن الفارض فى القصيدة الموسومة بنظم الدر

إذ هام شوقا بالمناغى وهمّ ان

يطير الى أوطانه الاولية

يسكن بالتحريك وهو بمهده

إذا ناله أيدي المربى بهزة

قال الامام القاشاني فى شرحه إذا هام الولي واضطرب شوقا الى مركزه الأصلي ووطنه الاولى بسبب مناغاة المناغى وهم طائر روحه الى ان يطير الى عشه ووكره الاولى تهزه أيدي من يربيه فى المهد فيسكن بسبب التحريك من قلقه وهمه بالطيران والمقصود من إيراد هذا المعنى ان يشير الى فائدة الرقص والحركة فى السماع وذلك ان روح السامع يهم عند السماع ان يرجع الى وطنه المألوف ويفارق النفس والقالب فتحركه يدالحال وتسكنه عما يهم به بسبب التحريك الى حلول الاجل المعلوم وذلك تقدير العزيز العليم انتهى: قال السعدي قدس سره

مكن عيب درويش مدهوش ومست

كه غرقست از آن مى زند پاودست

نكويم سماع اى برادر كه چيست

مكر مستمع را بدانم كه كيست

كر از برج معنى پرد طير او

فرشته فرو ماند از سير او

اگر مرد بازي ولهوست ولاغ

قوى تر شود ديوش اندر دماغ

چهـ مرد سماعست شهوت پرست

بآواز خوش خفته خيزد نه مست

قال السروري [چون سماع آواز خوش سبب حركت شد حركت را سماع كفتند] بطريق تسمية المسبب باسم السبب [و چون كسى آوازى خوش شنود درو حالتى پيدا شود اين حالت را وجد كويند] : وفى المثنوى

پس غداى عاشقان آمد سماع

كه در او باشد خيال واجتماع

قوتى كيرد خيالات ضمير

بلكه صورت كردد از بانك صفير

واعلم ان الرقص والسماع حال المتلون لا حال المتمكن ولذا تاب سيد الطائفة الجنيد البغدادي قدس سره عن السماع فى زمانه فمن الناس من هو متواجد ومنهم من هو اهل وجد ومنهم من هو اهل وجود. فالاول المبتدى الذي له انجذاب ضعيف. والثاني المتوسط الذي له انجذاب قوى. والثالث

ص: 243

المنتهى الذي له انجذاب قوى وهو مستغن عن الدوران الصوري بالدوران المعنوي بخلاف الأولين ولا بد من العشق فى القلب والصدق فى الحركة حتى يصح الدوران والعلماء وان اختلفوا فى ذلك فمن مثبت ومن ناف لكن الناس متفاوتون والجواز للاهل المستجمع لشرائطه لا لغيره قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره ليس فى طريقتنا رقص ولا فى طريق الشيخ الحاج بيرام ولى ايضا لان الرقص والأصوات كلها انما وضع لدفع الخواطر ولا شىء فى دفعها أشد تأثير أمن التوحيد ونبينا عليه الصلاة والسلام لم يلقن الا التوحيد- ذكر- ان عليا قال يوما لا أجد لذة العبادة يا رسول الله فلقنه التوحيد ووصاه ان لا يكلم أحدا بما ظهر له من آثار التوحيد فلما امتلأ باطنه من أنوار التوحيد واضطر الى التكلم جاء الى بئر فتكلم فيها فنبت منها قصب فأخذه راع وعمل منه المزمار وكان ذلك مبدأ لعلم الموسيقى وقال وقد يقال ان رجلا يقال له عبد المؤمن سمع صوت الافلاك فى دورها فأخذ منه العلم الموسيقى ولذلك كان أصله اثنى عشر على عدد البروج ولكن صداها على طرز واحد فالانسان لقابليته الحق به زيادات كذا فى الواقعات المحمودية فقد عرفت من هذا البيان انه ليس فى الطريقة الجلوتية بالجيم دور ورقص بل توحيد وذكر قياما وقعودا بشرائط وآداب وانما يفعله الخلوتية بالخاء المعجمة ما يتوارثون من أكابر اهل الله تعالى لكن انما يقبل منهم ويمدح إذا قارن شرائطه وآدابه كما سبق والا يرد ويذم وقد وجدنا فى زماننا اكثر المجالس الدورية على خلاف موضوعها فالعاقل يختار الطريق الأسلم ويجتنب عن القيل والقال وينظر الى قولهم لكل زمان رجال ولكل رجال مقام وحال قال الشيخ ابو العباس من كان من فقراء هذا الزمان آكلا لاموال الظلمة مؤثرا للسماع ففيه نزغة يهودية قال الله تعالى سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ وقال الحاتمي السماع فى هذا الزمان لا يقول به مسلم ولا يفتدى بشيخ يعمل السماع وقد عرفت وشاهدت فى هذا الزمان ان المجالس الدورية يحضرها المرادان الملاح والنساء وحضورهم آفة عظيمة فانهم والاختلاط بهم والصحبة معهم كالسم القاتل ولا شىء اسرع إهلاكا للمرء فى دينه من صحبتهم فانهم حبائل الشيطان ونعوذ بالله من المكر بعد الكرم ومن الحور بعد الكور انه هو الهادي الى طريق وصاله وكاشف القناء عن ذاته وجماله والمواصل الى كماله بعد جماله وجلاله وهو الصاحب والرفيق فى كل طريق أَلَمْ يَرَوْا [آيا نديدند ونداستند أَنَّهُ اى العجل لا يُكَلِّمُهُمْ اى ليس فيه شىء من احكام الالوهية حيث لا يقدر على كلام ولا امر ولا نهى وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اى ولا يرشدهم طريقا الى خير ليأتوه ولا الى شر لينتهوا عنه اتَّخَذُوهُ آلها ولو كان آلها لكلمهم وهداهم لان الإله لا يهمل عباده قوله اتخذوه تكرير للذم اى اتخذوه آلها وحسبوا انه خالق الأجسام والقوى والقدر وَكانُوا ظالِمِينَ اى واضعين الأشياء فى غير موضعها فلم يكن اتخاذ العجل بدعا منهم وفى التفسير الفارسي [در لطائف قشيرى مذكورست كه چهـ دورست ميان أمتي كه مصنوع خود را پرستند وأمتي كه عبادت صانع خود كنند]

آنرا كه تو ساختى نسازد كارت

سازنده توست در دو عالم يا رب

ص: 244

وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ كناية عن شدة ندمهم فان الذي يشتد ندمه وتحسره يعض يده مسقوطا فيها كأنّ فاه وقع فيها. والمعنى ندموا على ما فعلوا من عبادة العجل غاية الندم وسقط مسند الى فى أيديهم وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا باتخاذ العجل آلها اى تبينوا بحيث تيقنوا بذلك حتى كأنهم رأوه بأعينهم قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا بانزال التوراة المكفرة وَيَغْفِرْ لَنا بالتجاوز عن الخطيئة لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [از زيانكاران وهلاك شدكان] وما حكى عنهم من الندامة والرؤية والقول وان كان بعد ما رجع موسى عليه السلام إليهم كما ينطق به الآيات الواردة فى سورة طه لكن أريد بتقديمه عليه حكاية ما صدر عنهم من القول والفعل فى موضع واحد وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى من جبل الطور إِلى قَوْمِهِ حال كونه غَضْبانَ أَسِفاً اى شديد الغضب يقال آسفنى فاسفت اى أغضبني فغضبت ومنه قوله تعالى فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ وهو يدل على انه عليه السلام كان عالما باتخاذهم العجل آلها قبل مجيئه إليهم بسبب انه تعالى أخبره فى حال المكالمة بما كان من قومه من عبادة العجل قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي اى ساء ما عملتم خلفى ايها العبدة بعد غيبتى وانطلاقى الى الجبل لانه يقال خلفه بما يكره إذا عمل خلفه ذلك. وما نكرة موصوفة مفسرة لفاعل بئس المستكن فيه والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ الهمزة للانكار اى أتركتموه غير تام كأنه ضمن عجل معنى سبق وإلا فعجل يتعدى بعن يقال عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ونفيضه تم عليه. والمعنى أعجلتم عن امر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به الى ان يجيىء. فالامر واحد الأوامر او انه بمعنى المأمور به. والعجلة العمل بالشيء قبل وقته ولذلك صارت مذمومة بخلاف السرعة فانها غير مذمومة لكونها عبارة عن العمل بالشيء فى أول وقته وفى التأويلات النجمية استعجلتم يا صفات الروح بالرجوع الى الدنيا وزينتها والتعلق بها قبل أوانه من غير ان يأمر به ربكم وفيه اشارة الى ان ارباب الطلب واصحاب السلوك لا ينبغى ان يلتفتوا الى شىء من الدنيا ولا يتعلقوا بها فى أثناء الطلب والسلوك لئلا ينقطعوا عن الحق اللهم الا إذا قطعوا مفاوز النفس والهوى ووصلوا الى كعبة وصال المولى فلهم ان يرجعوا الى الدنيا لدعوة الخلق الى المولى وتسليكهم فى طريق الدنيا والعقبى وَأَلْقَى الْأَلْواحَ التي كانت فيها التوراة من يده وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ

اى بشعر رأس هارون حال كونه اى موسى يَجُرُّهُ إِلَيْهِ [بطرف خود كشيد او را بطريق معاتبه نه از روى اهانت] توهما انه قصر فى كفهم وهارون كان اكبر منه بثلاث سنين وكان حمولا لينا ولذلك كان أحب الى بنى إسرائيل قالَ اى هارون مخاطبا لموسى ابْنَ أُمَّ بحذف حرف النداء وأصله يا ابن اما حذفت الالف المبدلة من الياء اكتفاء بالفتحة زيادة فى التخفيف لطوله باشتماله على اضافة بعد اضافة وكان هارون أخاه لاب وأم ولكنه ذكر الام ليرفقه عليه اى يحمله على الرفق والشفقة وعلى هذا طريق العرب إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ازاحة لتوهم التقصير فى حقه. والمعنى بذلت وسعى فى كفهم حتى قهرونى واستضعفوني

ص: 245

وقاربوا قتلى فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ اى فلا تفعل بي ما يكون سببا لشماتتهم بي وبالفارسي [پس شادمان مكردان بمن دشمنانرا و چنان مكن كه آرزوى ايشان حاصل شود از اهانت من] يقال شمت به شمت شماتة من باب علم يعلم إذا فرح ببلية أصابت عدوه ثم ينقل الى باب الافعال للتعدية فالشماتة [شادى كردن بمكروهى كه دشمن را رسد] ويعدى بالباء. والاشمات [شاد كام كردن دشمن] كما فى تاج المصادر وشماتة العدو أشد من كل بلية فلذلك قيل والموت دون شماتة الأعداء وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى معدودا فى عدادهم بالمؤاخذة او النسبة الى التقصير والاشارة ان هارون القلب أخ موسى الروح والأعداء النفس والشيطان والهوى والقوم الظالمون هم الذين عبدوا عجل الدنيا وهم صفات القلب يشير الى ان صفات القلب تتغير وتتلون بلون صفات النفس ورعوناتها ومن هنا يكون شنشنة الشطار من ارباب الطريقة ورعوناتهم وزلات أقدامهم ولكن القلب من حيث هو هو لا يتغير عما جبل عليه من محبة الله وطلبه وانما تتغير صفاته كما ان النفس لا تتغير من حيث هى هى عما جبلت عليه من حب الدنيا وطلبها وانما تتغير صفاتها من الامارية الى اللوامية والملهمية والمطمئنية والرجوع الى الحق ولو وكلت الى نفسها طرفة عين لعادت المشومة الى طبعها وجبلتها سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا قالَ موسى وهو استئناف بيانى رَبِّ اغْفِرْ لِي اى ما فعلت بأخي من غير ذنب مقرر من قبله وَلِأَخِي اى ان فرط فى كفهم استغفر عليه السلام لنفسه ليرضى أخاه ويظهر للشامتين رضاه لئلا تتهم به ولاخيه للايذان بانه محتاج الى الاستغفار حيث كان عليه ان يقاتلهم وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ بمزيد الانعام علينا بعد غفران ما سلف منا قال الحدادي اى فى جنتك وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وأنت ارحم بنا منا على أنفسنا ومن آبائنا وأمهاتنا- حكى- انه اعتقل لسان فتى عن الشهادة حين اشرف على الموت فاخبروا النبي عليه السلام فدخل عليه وعرض الشهادة فاضطرب ولم يعمل لسانه فقال عليه السلام اما كان يصلى اما كان يزكى اما كان يصوم قالوا بلى قال فهل عق والديه قالوا نعم قال هاتوا بامه فجاءت وهى عجوز عوراء فقال عليه السلام هلا عفوت عنه فقالت لا أعفو لانه لطمنى ففقاء عينى قال هاتوا بالحطب والنار قالت ما تصنع قال أحرقه بالنار بين يديك جزاء لما عمل قالت عفوت عفوت أللنار حملته تسعة أشهر أللنار ارضعته سنتين فأين رحمة الام فعند ذلك انطلق لسانه بالكلمة والنكمة انها كانت رحيمة لارحمانة فللقليل من رحمتها ما جوزت إحراقه بالنار فالله الذي لا يتضرر بجناية العباد كيف يستجيز إحراق المؤمن المواظب على كلمة الشهادة سبعين سنة وهو ارحم الراحمين: قال الحافظ

لطف خدا بيشتر از جرم ماست

نكته سربسته چهـ دانى خموش

وقال

دلا طمع مبر از لطف بى نهايت دوست

كه ميرسد همه را لطف بى نهايت او

قال بعض اهل التفسير ان قابيل لما قتل أخاه هابيل اشتد ذلك على آدم فقال الله تعالى يا آدم

ص: 246

جعلت الأرض فى أمرك مرها فلتفعل ما تهوى بمكان ابنك قابيل فقال آدم عليه السلام يا ارض خذيه فاخذت الأرض قابيل فقال قابيل يا ارض بحق الله ان تمهلينى حتى أقول قولى ففعلت فقال يا رب ان ابى قد عصاك فلم تخسف به الأرض فقال الله تعالى نعم ولكنه ترك امرا واحدا وأنت تركت امرى وامر أبيك وقتلت أخاك فقال آدم ثانيا يا ارض خذيه فقال قابيل بحرمة محمد عليه السلام ان تمهلينى حتى أقول قولى ففعلت فقال يا رب ان إبليس ترك أمرك وعاداك ولم تخسف به الأرض فما بالى تخسف بي الأرض فاجاب الله تعالى مثل الاولى فقال الهى أليس لك تسعة وتسعون اسما فقال الله تعالى بلى فقال أليس الرحمن الرحيم من جملة ذلك قال بلى قال ألست سميت نفسك رحمانا رحيما لكثرة الرحمة قال بلى قال يا رب ان أردت إهلاكي فاخرج هذين الاسمين من بين أسمائك ثم أهلكني لان أخذ العبد بجريمة واحدة لا يكون رحمة فامر الله الأرض حتى خلت سبيله ولم تهلكه فاعتبر إذا كانت رحمته بهذه المرتبة للكافر فما ظنك للمؤمن فينبغى للمقصر ان يرفع حاجته الى المولى ويستغفر من ذنبه الأخفى والاجلى كى يدخل فى الرحمة التي هى الفردوس الأعلى: قال الحافظ

سياه نامه تراز خود كسى نمى بينم

چكونه چون قلمم دود دل بسر نرود

وفى قوله تعالى رَبِّ اغْفِرْ لِي الآية اشارة الى السير فى الصفات لان المغفرة والرحمة من الصفات فيشير الى ان لموسى الروح ولاخيه هارون القلب استعداد لقبول الجذبة الالهية التي تدخلهما فى عالم الصفات وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ لان غيرك من الراحمين عاجز عن إدخال غيره فى صفاته وأنت قادر على ذلك لمن تشاء ويدل عليه قوله يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ كذا فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ اى آلها واستمروا على عبادته كالسامرى وأشياعه من الذين اشربوه فى قلوبهم سَيَنالُهُمْ اى فى الآخرة غَضَبٌ عظيم كائن مِنْ رَبِّهِمْ اى مالكهم لما ان جريمتهم أعظم الجرائم وأقبح الجرائر والمراد بالغضب هاهنا غايته وهى الانتقام والتعذيب لان حقيقة الغضب لا تتصور فى حقه تعالى وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا هى ذلة الاغتراب والمسكنة المنتظمة لهم ولاولادهم والذلة التي اختص بها السامري من الانفراد بالناس والابتلاء بلا مساس كما روى ان موسى عليه السلام هم بقتل السامري فاوحى الله اليه لا تقتل السامري فانه سخى ولكن أخرجه من عندك فقال له موسى فاذهب من بيننا مطرودا فان لك فى الحياة اى فى عمرك ان تقول لمن أراد مخالطتك جاهلا بحالك لا مساس اى لا يمسنى أحد ولا أمس أحد او ان مسه أحدهما جميعا فى الوقت وروى ان ذلك موجود فى أولاده الى الآن وإيراد مانالهم فى حيز السين مع مضيه بطريق تغليب حال الأخلاف على حال الاسلاف وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ على الله ولا فرية أعظم من فريتهم هذا إلهكم واله موسى ولعله لم يفتر مثلها أحد قبلهم ولا بعدهم وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ أية سيئة كانت ثُمَّ تابُوا من تلك السيئات مِنْ بَعْدِها اى من بعد عملها وَآمَنُوا ايمانا صحيحا خالصا واشتغلوا بما هو من مقتضياته من الأعمال الصالحة ولم يصروا على ما فعلوا كالطائفة الاولى إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها اى من بعد تلك التوبة

ص: 247

المقرونة بالايمان لَغَفُورٌ للذنوب وان عظمت وكثرت رَحِيمٌ مبالغ فى افاضة فنون الرحمة الدنيوية والاخروية والاشارة إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ عجل الهوى آلها يدل عليه قوله أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يعنى عبادة الهوى موجبة لغضب الله تعالى دل عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام (ما عبد فى الأرض اله ابغض على الله من الهوى) وان عابد الهوى يكون ذليل شهوات النفس وأسير صفاتها الذميمة من الحيوانية والسبعية والشيطانية مادام يميل الى الحياة الدنيوية وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ يعنى وكذلك نجازى بالغضب والطرد والابعاد والذلة عباد الهوى المدعين الذين يفترون على الله انه أعطانا قوة لا تضربنا عبادة الهوى والدنيا ومتابعة النفس وشهواتها وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ يعنى سيآت عبادة الهوى والدنيا والافتراء على الله تعالى ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا بعبودية الحق تعالى وطلبه بالصدق إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها اى من بعد ترك عبادة الهوى والرجوع الى طلب الحق لَغَفُورٌ رَحِيمٌ يعنى يعفو عنهم تلك السيئات ويرحمهم بنيل القربات والكرامات كذا فى التأويلات النجمية واعلم ان التوبة عند المعتزلة علة موجبة للمغفرة وعندنا سبب محض للمغفرة والتوبة الرجوع فاذا وصف بها العبد كان المراد بها الرجوع عن المعصية وإذا وصف بها الباري تعالى أريد بها الرجوع عن العذاب بالمغفرة والتوبة على ضربين ظاهر وباطن. فالظاهر هو التوبة من الذنوب الظاهرة وهى مخالفات ظواهر الشرع وتوبتها ترك المخالفات واستعمال الجوارح بالطاعات. والباطن هو توبة القلب من ذنوب الباطن وهى الغفلة عن الذكر حتى يتصف به بحيث لوصمت لسانه لم يصمت قلبه وتوبة النفس قطع علائق الدنيا والاخذ باليسير والتعفف. وتوبة العقل التفكر فى بواطن الآيات وآثار المصنوعات. وتوبة الروح التحلي بالمعارف الإلهية. وتوبة السر التوجه الى الحضرة العليا بعد الاعراض عن الدنيا والعقبى: قال حضرة جلال الدين الرومي قدس سره

كرسيه كردى تو نامه عمر خويش

توبه كن زانها كه كردستى تو پيش «1»

عمر اگر بگذشت بيخش اين دم است

آب توبش ده اگر او بي نم است

چون بر آرند از بشيمانى انين

عرش لرزد از انين المذنبين «2»

والعبد إذا رجع عن السيئة وأصلح عمله أصلح الله تعالى شأنه وأعاد عليه نعمه الفائتة عن ابراهيم بن أدهم بلغني ان رجلا من بنى إسرائيل ذبح عجلا بين يدى امه فيبست يده فبينما هو جالس إذ سقط فرح من وكره وهو يتبصبص فاخذه ورده الى وكره فرحمه الله تعالى لذلك ورد عليه يده بما صنع فينبغى للمؤمن ان يسارع الى التوبة والعمل الصالح فان الحسنات يذهبن السيئات عن ابى ذر رضى الله عنه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله علمنى عملا يقربنى الى الجنة ويباعدنى عن النار (قال إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فانها عشر أمثالها قال الله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) فقلت يا رسول الله لا اله الا الله من الحسنات قال (هى احسن الحسنات) كار نيكوتر بدان جز ذكر نيست والله الهادي وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ اى لما سكن عنه الغضب باعتذار أخيه وتوبة القوم

(1) در اواسط دفتر پنجم در بيان رسيدن زن بخانه وجدا شدن زاهد بدان كنيزك.

(2)

در اواخر دفتر ششم در بيان استمداد عارف از چشمه حيات أبدى إلخ

ص: 248

والسكوت قطع الكلام وقطع الكلام فرع ثبوته وهو لا يتصور فى الغضب فلا يتصور قطعه ايضا فهو محمول على المعنى المجازى الذي هو السكون شبه الغضب بانسان يغرى موسى عليه السلام ويقول له ان أخاك قصر فى كف قومك عن الكفر فاستحق اهانتك وعقوبتك فخذ بشعر رأسه فجره الى نفسك وقل له كذا وكذا والق ما فى يدك من الألواح ثم يقطع الإغراء ويترك الكلام ففيه استعارة مكنية وسكت قرينة الاستعارة قال الحدادي قيل معناه سكت موسى عن الغضب وهذا من المقلوب كما يقال ادخلت قلنسوة فى رأسى يريد ادخلت رأسى فى قلنسوة أَخَذَ الْأَلْواحَ التي القاها وهو دليل على انها لم تتكسر حين القاها وعلى انه لم يرفع منها شىء كما ذهب اليه بعض المفسرين وَفِي نُسْخَتِها اى والحال انه فيما نسخ فيها وكتب نقلا عن الأصل وهو اللوح المحفوظ فان النسخ عبارة عن نقل إشكال الكتابة وتحويلها من الأصل المنقول عنه فاذا كتبت كتابا من كتاب آخر حرفا بعد حرف قلت نسخت هذا الكتاب من ذلك الكتاب اى نقلته منه هُدىً اى بيان للحق وهو مبتدأ وفى نسختها خبره وَرَحْمَةٌ للخلق بإرشادهم الى ما فيه الخير والصلاح كائنة لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ اى يخشون واللام فى لربهم لتقوية عمل الفعل المؤخر كما فى قوله تعالى إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ يعنى انها دخلت جابرة للضعف العارض للفعل بسبب تأخره عن مفعوله وانما خص اهل الرهبة بالذكر لانهم هم المنتفعون بآيات الكتاب فالعبد إذا رغب الى الله بصدق الطلب والى الجنة بحسن العمل ورهب من اليم عذاب فرقته والانقطاع ومن دخول النار فقد أخذ بالخوف والرجاء ووصل بهما الى ما هوى واعلم ان الخشية انما تنشأ عن العلم بصفات الحق سبحانه وعلامة خشية الله تعالى ترك الدنيا والخلق ومحاربة النفس والشيطان قالوا رهبوت خير من رحموت اى لان ترهب خير من ان ترحم وذلك لان التخلية قبل التحلية ومن الترهيبات ما حكى عن يحيى بن زكريا عليهما السلام انه شبع مرة من خبز شعير فنام عن حزبه تلك الليلة فاوحى الله تعالى اليه يا يحيى هل وجدت دارا خيرا لك من دارى او جوارا خيرا لك من جوارى وعزتى وجلالى لو اطلعت على الفردوس اطلاعة لذاب جسمك ولزهقت نفسك اشتياقا الى الفردوس الأعلى ولو اطلعت على نار جهنم اطلاعة لبكيت الصديد بعد الدموع وللبست الحديد بعد المنسوج قال الحسن البصري الكلب إذا ضرب وطرد وجفى عليه وطرح له كسرة أجاب ولم يحقد على ما مضى وذلك من علامة الخاشعين فينبغى لكل مؤمن ان تكون فيه تلك الصفة: قال الحافظ

وفا كنيم وملامت كشيم وخوش باشيم

كه در طريقت ما كافريست رنجيدن

وفى الحديث (من لم يخف الله خف منه) قال الامام السخاوي معناه صحيح فان عدم الخوف من الله تعالى يوقع صاحبه فى كل محذور ومكروه: وفى المثنوى

لا تخافوا هست نزل خائقان

هست در خور از براى خائف آن

هر كه ترسد مرورا ايمن كنند

مر دل ترسنده را ساكن كنند

آنكه خوفش نيست چون كويى مترس

درس چهـ دهى نيست او محتاج درس

ص: 249

وَاخْتارَ مُوسى الاختيار افتعال من لفظ الخير يقال اختار الشيء إذا أخذ خيره وخياره قَوْمَهُ اى من قومه بحذف الجار وإيصال الفعل الى المجرور وهو مفعول ثان سَبْعِينَ رَجُلًا مفعول أول لِمِيقاتِنا اى للوقت الذي وقتناه له وعيناه ليأتى فيه بسبعين رجلا من خيار بنى إسرائيل ليعتذروا عن ما كان من القوم من عبادة العجل فهذا الميقات ميقات التوبة لا ميقات المناجاة والتكليم وكان قد اختار موسى عليه السلام عند الخروج الى كل من الميقاتين سبعين رجلا من قومه وكانوا اثنى عشر سبطا فاختار من كل سبط ستة فزاد اثنان فقال موسى ليتخلف منكم رجلان فانى انما أمرت بسبعين فتنازعوا فقال ان لمن قعد مثل اجر من خرج فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين الى الجبل فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ مما اجترءوا عليه من طلب الرؤية حيث قالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً والرجفة هى الارتعاد والحركة الشديدة والمراد اخذتهم رجفة الجبل فصعقوا منها اى ماتوا واكثر المفسرين على انهم سمعوه تعالى يكلم موسى يأمره بقتل أنفسهم توبة فطمعوا فى الرؤية وقالوا ما قالوه ويرده قوله تعالى يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي كما ذهب اليه صاحب التيسير قالَ موسى رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ اى حين فرطوا فى النهى عن عبادة العجل وما فارقوا عبدته حين شاهدوا إصرارهم عليها وَإِيَّايَ ايضا حين طلبت منك الرؤية اى لو شئت أهلا كنا بذنوبنا لاهلكتنا حينئذ أراد به تذكر العفو السابق لاستجلاب العفو اللاحق أَتُهْلِكُنا الهمزة لانكار وقوع الإهلاك ثقة بلطف الله تعالى اى لا تهلكنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ حال كونهم مِنَّا من العناد والتجاسر على طلب الرؤية وكأن ذلك قاله بعضهم اى لا يليق بشأنك ان تهلك جما غفيرا بذنب صدر عن بعضهم الذي كان سفيها خفيف الرأى إِنْ هِيَ اى ما الفتنة التي وقع فيها السفهاء إِلَّا فِتْنَتُكَ اى محنتك وابتلاؤك حيث اسمعتهم كلامك فافتتنوا بذلك ولم يتثبتوا فطمعوا فى الرؤية يقول الفقير هذا يدل على انهم سمعوا كلامه تعالى على وجه الامتحان والابتلاء لا على وجه التكرمة والإجلال وذلك لا يقدح فى كون موسى عليه السلام مصطفى بالرسالة والكلام مع انه فرق كثير بين سماعهم وسماعه عليه السلام والله اعلم [ودر فصل الخطاب مذكورست كه حق تعالى موسى عليه السلام را در مقام بسط بداشت تا بكمال حال انس رسيده واز روى دلال بدين جراءت أقدام نمود ودلال در مرتبه محبوبيت است وحضرت مولوى قدس سره فرموده كه كستاخى عاشق ترك ادب نيست بلكه عين ادبست]

كفت وكوى عاشقان در كار رب

جوشش عشقست نه ترك ادب

هر كه كرد از جام حق يكجرعه نوش

نه ادب ماند درو نه عقل وهوش

تُضِلُّ بِها اى بسبب تلك الفتنة مَنْ تَشاءُ ضلاله فيتجاوز عن حده بطلب ما ليس له وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ هدايته الى الحق فلا يتزلزل فى أمثالها فيقوى بها إيمانه أَنْتَ وَلِيُّنا اى القائم بامورنا الدنيوية والاخروية وناصرنا وحافظنا لا غير فَاغْفِرْ لَنا اى ما اقترفناه من المعاصي وَارْحَمْنا بافاضة آثار الرحمة الدنيوية والاخروية قال ابن الشيخ المغفرة هى إسقاط

ص: 250

العقوبة والرحمة إيصال الخير وقدم الاول على الثاني لان دفع المضرة مقدم على تحصيل المنفعة وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة. وايضا كل من سواك انما يتجاوز عن الذنب اما طلبا للثناء الجميل او للثواب الجزيل او دفعا للقسوة من القلب واما أنت فتغفر ذنوب عبادك لا لاجل غرض وعوض بل بمحض الفضل والكرم فلا جرم أنت خير الغافرين وارحم الراحمين وتخصيص المغفرة بالذكر لانها الأهم بحسب المقام وَاكْتُبْ لَنا اى اثبت وعين لنا وذكر الكتابة لانها أدوم فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً حسن معيشة وتوفيق طاعة وَفِي الْآخِرَةِ اى واكتب لنا فيها ايضا حسنة وهى المثوبة الحسنى او الجنة إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ تعليل لطلب الغفران والرحمة من هاد يهود إذا رجع اى تبنا ورجعنا إليك عما صنعنا من المعصية العظيمة التي جئناك للاعتذار عنها وعما وقع هاهنا من طلب الرؤية فبعيد من لطفك وفضلك ان لا تقبل توبة التائبين. قيل لما اخذتهم الرجفة ماتوا جميعا فاخذ موسى عليه السلام يتضرع الى الله حتى أحياهم وقد تقدم فى سورة البقرة قالَ استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قال الله تعالى عند دعاء موسى عليه السلام فقيل قال عَذابِي [عذاب من وصفت او آنست كه] أُصِيبُ بِهِ الباء للتعدية معناه بالفارسية [ميرسانم] مَنْ أَشاءُ تعذيبه من غير دخل لغيرى فيه وَرَحْمَتِي [ورحمت من وصفت او آنست كه] وَسِعَتْ فى الدنيا معناه [رسيده است] كُلَّ شَيْءٍ المؤمن والكافر بل المكلف وغيره من كل ما يدخل تحت الشيئية وما من مسلم ولا كافر الا وعليه آثار رحمته ونعمته فى الدنيا فبها يتعيشون وبها ينقلبون ولكنها تخص فى الآخرة بالمؤمنين كما قال تعالى فَسَأَكْتُبُها اى أثبتها وأعينها فى الآخرة لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكفر والمعاصي وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ خصها بالذكر لانها كانت أشق عليهم وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا جميعا يُؤْمِنُونَ ايمانا مستمرا فلا يكفرون بشىء منها قال ابن عباس رضى الله عنهما لما أنزلت هذه الآية تطاول لها إبليس فقال انا شىء من الأشياء فاخرجه الله تعالى من ذلك بقوله فَسَأَكْتُبُها إلخ فقالت اليهود والنصارى نحن نتقى ونؤتى الزكاة ونؤمن بآيات ربنا فاخرجهم الله تعالى منها بقوله الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ فى محل الجر على انه صفة للذين يتقون او بدل منه يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم الذي نوحى اليه كتابا مختصا به النَّبِيَّ اى صاحب المعجزة وقال البيضاوي انما سماه رسولا بالاضافة الى الله ونبيا بالاضافة الى العباد الْأُمِّيَّ الذي لا يكتب ولا يقرأ وكونه عليه السلام اميا من جملة معجزاته فانه عليه السلام لو كان يحسن الخط والقراءة لصار متهما بانه ربما طالع فى كتب الأولين والآخرين فحصل هذه العلوم بتلك المطالعة فلما اتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على علوم الأولين والآخرين من عير تعلم ومطالعة كان ذلك من جملة معجزاته الباهرة.

نكار من كه بمكتب نرفت وخط ننوشت

بغمزه مسأله آموز صد مدرس شد

من كان القلم الأعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره لا يحتاج الى تصوير الرسوم وقد وصف الله تعالى هذه الامة فى الإنجيل امة محمد أناجيلهم فى صدورهم ولو لم يكن رسم الخطوط لكانوا يحفظون شرائعه صلى الله عليه وسلم بقلوبهم لكمال قوتهم وظهور استعداداتهم. والام

ص: 251

الأصل وعنده أم الكتاب الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً باسمه وصفته عِنْدَهُمْ متعلق يجدون او بمكتوبا وكذا قوله فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ اللذين تعبد بهما بنوا إسرائيل سابقا ولا حقا: وفى المثنوى

پيش از انكه نقش احمد رو نمود

نعت او هر كبر را تعويذ بود

سجده مى كردند كارى رب بشر

در عيان آريش هر چهـ زودتر

نقش او مى كشت اندر راهشان

در دل ودر كوش در أفواه شان

اين همه تعظيم وتفخيم ووداد

چون بديدنش بصورت برد باد

قلب آتش ديد در دم شد سياه

قلب را در قلب كى بودست راه

فان قيل الرحمة المذكورة لو اختصت بهم لزم ان لا تثبت لغيرهم من المؤمنين وليس كذلك أجيب بان هذا الاختصاص بالاضافة الى بنى إسرائيل الموجودين فى زمان النبي الأمي ولم يؤمنوا به لا بالاضافة الى جميع ما عداهم يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ اى بالتوحيد وشرائع الإسلام وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ اى عن كل ما لا يعرف فى شريعة ولا سنة وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ التي حرمت عليهم بشؤم ظلمهم كالشحوم وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ كالدم ولحم الخنزير. فالمراد بالطيبات ما يستطيبه الطبع ويستلذه. وبالخبائث ما يستخبثه الطبع ويتنفر منه فتكون الآية دليلا على أن الأصل فى كل ما يستطيبه الطبع الحل وكل ما يستخبثه الطبع الحرمة الا لدليل منفصل. ويجوز ان يراد بهما ما طاب فى حكم الشرع. وما خبث كالربا والرشوة ومدلول الآية حينئذ ان ما يحكم الشرع بحله فهو حلال وما يحكم بحرمته فهو حرام ولا حكم لاستطابة الطبع واستخباثه فيهما وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ اى يخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة كتعين القصاص فى العمد والخطأ من غير شرع الدية وقطع الأعضاء الخاطئة وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب وعدم الاكتفاء بغسله وإحراق الغنائم وتحريم العمل يوم السبت بالكلية شبهت هذه التكاليف الشاقة بالحمل الثقيل وبالاغلال التي تجمع اليد الى العنق واصل الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه اى يحبسه من الحراك لثقله فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ اى بنبوة الرسول النبي الأمي وأطاعوه فى أوامره ونواهيه وَعَزَّرُوهُ اى عظموه ووقروه وأعانوه بمنع أعدائه عنه وَنَصَرُوهُ على أعدائه فى الدين وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ يعنى القرآن الذي ضياؤه فى القلوب كضياء النور فى العيون قال صاحب الكشاف فان قلت ما معنى قوله انزل معه وانما انزل مع جبريل قلت انزل مع نبوته لان استنباءه كان مصحوبا بالقرآن مشفوعا به انتهى فمعه متعلق بانزل حال من ضميره بتقدير المضاف اى انزل ذلك النور مصاحبا لنبوته أُولئِكَ المنعوتون بتلك النعوت الجلية هُمُ الْمُفْلِحُونَ اى الفائزون بالمطلوب الناجون من الكروب لا غيرهم من الأمم فيدخل فيهم قوم موسى دخولا أوليا حيث لم ينجوا مما فى توبتهم من المشقة الهائلة وبه يتحقق التحقيق ويتأتى التوفيق والتطبيق بين دعائه عليه السلام وبين الجواب وهو من قوله عذابى الى هنا فقد علم ان اتباع القرآن وتعظيم النبي عليه السلام بعد الايمان سبب للفوز والفلاح

ص: 252

عند الرحمن ونصرته عليه السلام على العموم والخصوص فالعموم للعامة من اهل الشريعة والخصوص للخاصة من ارباب الطريقة واصحاب الحقيقة وهم الواصلون الى كمال أنوار الايمان واسرار التوحيد بالإخلاص والاختصاص واعلم ان المقصود الإلهي من ترتيب سلسلة الأنبياء عليهم السلام هو وجود محمد صلى الله عليه وسلم فوجود الأنبياء قبله كالمقدمة لوجوده الشريف فهو الخلاصة والنتيجة والزبدة واشرف الأنبياء والمرسلين كما قال عليه السلام (فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لى الغنائم وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبيون) وكذلك المقصود من الكتب الالهية السالفة هو القرآن الذي انزل على النبي عليه السلام فهو زبدة الكتب الالهية وأعظمها ومصدق لما بين يديه لانه بلفظ قد أعجز البلغاء ان يأتوا بسورة من مثله وبمعناه جامع لما فى الكتب السالفة من الاحكام والآداب والفضائل متضمن للحجج والبراهين والدلائل وكذا المقصود من الأمم السالفة هو هذه الامة المرحومة اعنى امة محمد صلى الله عليه وسلم فهى كالنتيجة لما قبلها وهى الامة الوسط كما قال تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً وكذا المقصود من الملوك الماضية والسلاطين السالفة هو الملوك العثمانية فهم زبدة الملوك ودولتهم زبدة الدول حيث لا دولة بعدها لغيرهم الى ظهور المهدى وعيسى ويقاتلون من هم مبادى الدجال من الكفرة الفجرة من الافرنج والانكروس وغيرهم ولهم الجمعية الكبرى واليد الطولى والدولة العظمى فى الأقاليم السبعة وأطراف البلاد من المغرب والمشرق ولم يعط هذا لواحد قبل دولتهم ويدل على هذه الجمعية كون اسم جدهم الأعلى عثمان فان عثمان رضى الله عنه جامع القرآن فهم مظاهر لاسم الحق كما كان عمر رضى

الله عنه كذلك حيث انه لما اسلم قال يا رسول الله ألسنا على الحق قال عليه السلام (والذي بعثني بالحق نبيا كلنا على الحق) قال انا والذي بعثك بالحق نبيا لا نعبد الله بعد اليوم سرا فاظهر الله الدين بايمانه فكان ظهور الدين مشروطا بايمانه فهذا أول الظهور ثم وثم الى ان انتهى الى زمن الدولة العثمانية ولذلك يقاتلون على الحق فالسيف الذي بيدهم قد ورثوه كابرا عن كابر ومجاهدا عن مجاهد- حكى- ان عثمان الغازي جد السلاطين العثمانية انما وصل الى ما وصل برعاية كلام الله تعالى وذلك انه كان من أسخياء زمانه يبذل النعم للمترددين فثقل ذلك على اهل قريته وانعكس اليه ذلك وذهب ليشتكى من اهل القرية الى الحاج بكتاش او غيره من الرجال فنزل فى بيت رجل قد علق فيه مصحف فسأل عنه فقالوا هو كلام الله تعالى فقال ليس من الأدب ان نقعد عند كلام الله فقام وعقد يديه مستقبلا اليه فلم تزل الى الصبح فلما أصبح ذهب الى طريقه فاستقبله رجل وقال انا مطلبك ثم قال له ان الله تعالى عظمك واعطاك وذريتك السلطنة بسبب تعظيمك لكلامه ثم امر بقطع شجرة وربط برأسها منديلا وقال ليكن ذلك لواء ثم اجتمع عنده جماعة فجعل أول غزوته الى بلاجك وفتح بعناية الله تعالى ثم اذن له السلطان علاء الدين فى الظاهر ايضا فصار سلطانا ثم بعد ارتحاله صار ولده او رخان سلطانا ففتح هو بروسة المحروسة بالعون الإلهي فالدولة العثمانية من ذلك الوقت الى هذا الآن على الازدياد

ص: 253

بسبب تعظيم كلام الله القديم وكما ان الله تعالى اظهر لطفه للاولين كذلك يظهره للآخرين وان كان فى بعض الأوقات بظهر القهر والجلال تأديبا وتنبيها فتحته لطف وجمال: قال السعدي قدس سره

ز ظلمت مترس اى پسنديده دوست

كه ممكن بود كاب حيوان دروست

دل از بي مرادى بفكرت مسوز

شب آبستن است اى برادر بروز

والاشارة فى الآيات ان الله تعالى امتحن موسى عليه السلام باختيار قومه ليعلم ان المختار من الخلق من اختاره الله لا الذي اختاره الخلق وان الله الاختيار الحقيقي لقوله وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ وليس للخلق الاختيار الحقيقي لقوله ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ثم استخرج من القوم المختار ما كان موجبا للرجفة والصعقة والهلاك وهو سوء الأدب فى سؤال الرؤية جهارا وكان ذلك مستورا عن نظر موسى متمكنا فى جبلتهم وكان الله المتولى للسرائر وحكم موسى بظاهر صلاحيتهم فاراه الله ان الذي اختاره يكون مثلك كقوله تعالى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى والذي تختاره يكون كالقوم فلما تحقق لموسى ان المختار من اختاره الله حكم بسفاهة القوم واظهر الاستكانة والتضرع والاعتذار والتوبة والاستغفار والاسترحام كما قال فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا وفيه اشارة اخرى الى ان نار شوق الرؤية كما كانت متمكنة فى قلب موسى بالقوة وانما ظهرت بالفعل بعد ان سمع كلام الله تعالى فان من اصطكاك زناد الكلام وحجر القلب ظهر شرر نار الشوق فاشتعل منه كبريت اللسان الصدوق وشعلت شعلة السؤال فقال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ كذلك كانت نار الشوق متمكنة فى أحجار قلوب القوم فباصطكاك زناد سمع الكلام ظهر شرر الشوق فاشتعل منه كبريت اللسان ولما لم يكن اللسان لسان النبوة صعد منه دخان السؤال الموجب للصعقة والرجفة والسر فيه ان يعلم موسى وغيره ان قلوب العباد مختصة بكرامة إيداع نار المحبة فيها لئلا يظن موسى انه مخصوص به ويعذر غيره فى تلك المسألة فانها من غلبات الشوق تطرأ عند استماع كلام المحبوب ولذا قال عليه السلام (ما خلق الله من بنى آدم من بشر الا وقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن ان شاء اقامه وان شاء ازاغه) وبالاصبعين يشير الى صفتى الجمال والجلال وليس لغير الإنسان قلب مخصوص بهذه الكرامة واقامة القلب وازاغته فى ان يجعله مرآة صفات الجمال فيكون الغالب عليه الشوق والمحبة لطفا ورحمة وفى ان يجعله مرآة صفات الجلال فيكون الغالب عليه الحرص على الدنيا والشهوة قهرا وعزة فانكتة فيه ان قلب موسى عليه السلام لما كان مخصوصا بالاصطفاء للرسالة والكلام دون القوم كان سؤاله لرؤية شعلة نار المحبة مقرونا بحفظ الأدب على بساط القرب بقوله رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قدم عزة الربوبية واظهر ذلة العبودية وكان سؤال القوم من القلوب الساهية اللاهية فان نار الشوق تصاعدت بسوء الأدب فقالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً قدموا الجحود والإنكار وطلبوا الرؤية جهارا فاخذتهم الصاعقة بظلمهم فشتان بين صعقه موسى وصعقة قومه فان صعقته كانت صعقة اللطف مع تجلى صفة الربوبية وان صعقتهم كانت صعقة القهر عند اظهار صفة العزة والعظمة ولما كان موسى عليه السلام ثابتا فى مقام

ص: 254

التوحيد كان ينظر بنور الوحدة فيرى الأشياء كلها من عند الله فرأى سفاهة القوم وما صدر منهم من آثار صفة قهره فتنة واختبارا لهم فلما دارت كؤوس شراب المكالمات وسكر موسى باقداح المناجاة زل قدمه على بساط الانبساط فقال إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ اى تزيغ قلب من تشاء بإصبع صفة القهر وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ اى تقيم قلب من تشاء بإصبع صفة اللطف أَنْتَ وَلِيُّنا اى المتولى لامورنا والناصر فى هدايتنا فَاغْفِرْ لَنا ما صدر منا وَارْحَمْنا بنعمة الرؤية التي سألنا كها وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ اى خير من يستر على ذنوب المذنبين يعنى انهم يسترون الذنب ولا يعطون سؤلهم فانت الذي تستر الذنب وتبدله بالحسنات وتعطى سؤل اهل الزلات وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً يعنى حسنة الرؤية كما كتبت لمحمد عليه السلام ولخواص أمته هذه الحسنة فى الدنيا وفى الآخرة يعنى خصنا بهذه الفضيلة فى الدنيا وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ رجعنا إليك فى طلب هذه الفضيلة بالسر لا بالعلانية وأنت الذي تعلم السر والأخفى وأجابهم الله تعالى سرا بسر وإضمارا بإضمار قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ اى بصفة قهرى آخذ من أشاء وبقراءة من قرأ من أساء اى من أساء فى الأدب عند سؤال الرؤية حيث قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله

جهرة آخذهم على سوء أدبهم فادبهم بتأديب عذاب الفرقة وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ نعمة وإيجادا وتربية فَسَأَكْتُبُها يعنى حسنة الرؤية والرحمة بها التي أنتم تسألونها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ يعنى يتقون بالله عن غيره ويؤتون من نصاب هذا المقام الزكاة الى طلابه وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ يعنى الذين هم يؤمنون بانوار شواهد الآيات لا بالتقليد بل بالتحقيق وهم خواص هذه الامة كما عرف أحوالهم وصرح أعمالهم بقوله الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وفيه اشارة الى ان فى أمته من يكون مستعدا لاتباعه فى هذه المقامات الثلاثة وهى مقامات الرسالة والنبوة التي هى مشتركة بينه وبين الرسول والأنبياء والمقام الأمي الذي هو مخصوص به صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياء والرسل عليهم السلام ومعنى الأمي انه أم الموجودات واصل المكونات كما قال (أول ما خلق الله روحى) وقال حكاية عن الله (لولاك لما خلقت الكون) فلما كان هو أول الموجودات وأصلها سمى اميا كما سميت مكة أم القرى لانها كانت مبدأ القرى وأصلها وكما سمى أم الكتاب اما لانه مبدأ الكتب وأصلها فاما اتباعه فى مقام الرسالة والنبوة فبان يأخذ ما آتاه الرسول وينتهى عما نهاه عنه كما قال تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فان الرسالة تتعلق واحكام الظاهر والنبوة تتعلق بأحوال الباطن فللعوام شركة مع الخواص فى الانتفاع من الرسالة وللخواص اختصاص بالانتفاع من النبوة فمن ادى حقوق احكام الرسالة فى الظاهر يفتتح له بها احوال النبوة فى الباطن من مقام تنبئة الحق تعالى بحيث يصير صاحب الإشارات والإلهامات الصادقة والرؤيا الصالحة والهواتف الملكية وربما يؤول حاله الى ان يكون صاحب المكالمة والمشاهدة والمكاشفة ولعله يصير مأمورا بدعوة الخلق الى الحق بالمتابعة لا بالاستقلال كما قال عليه السلام (علماء أمتي كانبياء بنى إسرائيل) يشير الى هذا القوم وذلك ان المتقدمين من بنى إسرائيل فى زمن الأنبياء عليهم السلام لما وصلوا الى مقام

ص: 255

الأنبياء اعطوا النبوة والله اعلم وكانوا مقررين لدين رسولهم حاكمين بالكتب المنزلة على رسلهم فكذلك هذا القوم كما قال تعالى وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا الآية واما اتباعه فى مقام أميته صلى الله عليه وسلم فذلك مخصوص بأخص الخواص من متابعيه وهو انه صلى الله عليه وسلم رجع من مقام بشريته الى مقام روحانيته الاولى ثم بجذبات الوحى انزل فى مقام التوحيد ثم اختطف بانوار الهوية عن انانيته الى مقام الوحدة كما قال تعالى قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ وكما قال ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فقاب قوسين عبارة عن مقام التوحيد وأو أدنى عن مقام الوحدة تفهم ان شاء الله تعالى فمن رجع بالسير فى متابعته من مقام البشرية الى ان بلغ مقام روحانيته ثم بجذبات النبوة انزل فى مقام التوحيد ثم اختطف بانوار المتابعة عن انانيته الى مقام الوحدة فقد حظى بمقام أميته صلى الله عليه وسلم وبقوله تعالى الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يشير الى انه مكتوب عندهم والا فهو مكنون عنده فى مقعد صدق يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وهو طلب الحق والنيل اليه وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو طلب ما سواه والانقطاع عنه وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ اى القربات الى الله وان الطيب هو الله وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وهى الدنيا وما يباعدهم عن الله وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ يعنى إصرهم من العهد الذي كان بين الله تعالى وبين حبيبه صلى الله عليه وسلم بان لا يصل أحد الى مقام أميته وحبيبيته الا أمته واهل شفاعته بتبعيته كما قال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي الآية وقال عليه السلام (الناس يحتاجون الى شفاعتى حتى ابراهيم) فكان من هذا العهد عليهم شدة وأغلال تمنعهم من الوصول الى هذا المقام فقد وضع النبي عليه السلام عنهم هذا الإصر والاغلال بالدعوة الى متابعته ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ اى وقروه باختصاص هذا المقام فانه مخصوص به من بين سائر الأنبياء والرسل ونصروه بالمتابعة وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ يعنى حين اختطف بانوار الهوية عن انانيته فاستفاد نور الوحدة فلم يبق من ظلمة انانيته شىء وكان نورا صرفا فلما أرسل الى الخلق انزل معه نور الوحدة كما قال تعالى قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم وكتاب مبين يعنى القرآن فامروا بمتابعة هذا النور ليقتبسوا منه نور الوحدة فيفوزوا بالسعادة الكبرى والنعمة العظمى أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فى حجب الانانية الفائزون بنور الوحدة كذا فى التأويلات النجمية قُلْ يا محمد يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الخطاب عام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثا الى الكافة من الثقلين الى من وجد فى عصره والى من سيوجد بعده الى يوم القيامة بخلاف سائر الرسل فانهم بعثوا الى أقوامهم اهل عصرهم ولم تستمر شرائعهم الى يوم القيامة وإليكم متعلق بقوله رسول وجميعا حال من ضمير إليكم قال الحدادي انى رسول الله إليكم كافة أدعوكم الى طاعة الله وتوحيده واتباعه فيما اؤديه إليكم وفى آكام المرجان لم يخالف أحد من طوائف المسلمين فى ان الله تعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم الى الجن والانس والعرب والعجم فان قلت فى بعثة سليمان عليه السلام مشاركة له لانه ايضا كان مبعوثا الى الانس والجن وحاكما عليهما بل على جميع الحيوانات قلت ان سليمان لم يبعث

ص: 256

الى الجن بالرسالة بل بالملك والضبط والسياسة والسلطنة لانه عليه السلام استخدمهم وقضى بينهم بالحق وما دعاهم الى دينه لان الشياطين والعفاريت كانوا يقومون فى خدمته وينقادون له مع انهم على كفرهم وطغيانهم كذا حققه والهى الاسكوبى قال ابن عقيل الجن داخلون فى مسمى الناس لغة وهو من ناس ينوس إذا تحرك قال الجوهري وصاحب القاموس الناس يكون من الانس ومن الجن جمع انس أصله أناس جمع عزيز ادخل عليه ال الَّذِي منصوب او مرفوع على المدح اى اعنى الله الذي او هو الذي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [مر او راست پادشاهى آسمانها وزمينها وتدبير وتصرف در ان] لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [هيچ معبودى نيست مستحق عبادت جز او] وهو بدل من الصلة

التي قبله وفيه بيان لها لان من ملك العالم كان هو الا له المتفرد بالالوهية واسم هو ضمير غيبة وهو من أخص أسمائه تعالى إذا الغيبة الحقيقية انما هى له إذ لا تتصوره العقول ولا تحده الأوهام وهو اسم لحضرة الغيب الثانية التي هى أول تعينات الذات الذي هو برزخ جامع بين حكمى الاسم الباطن والظاهر وحيث تخفى فيه الواو فهو اسم لحضرة غيب الغيب وهى الحضرة الاولى من حضرات الذات وهو فاتحة الأسماء وأم كتابها تنزل منزلة الالف من الحروف كذا فى ترويح القلوب لعبد الرحمن البسطامي قدس سره واعلم ان المقربين لا يرون موجودا سوى الله تعالى فاذا قالوا هو اشاروا به الى الحق سبحانه سواء تقدم له مرجع او لا وتحقيقه فى حواشى ابن الشيخ فى سورة الإخلاص يُحيِي وَيُمِيتُ زيادة تقرير للالوهية لانه لا يقدر على الاحياء والاماتة الا الذي لا اله الا هو قال الحدادي يحيى الخلق من النطفة ويميتهم عند انقضاء آجالهم لا يقدر على ذلك أحد سواه وقيل معناه يحيى الأموات للبعث ويميت الاحياء فى الدنيا فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ الفاء لتفريع الأمر على ما تمهد وتقرر من رسالته عليه الصلاة والسلام النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ مدح له عليه السلام ومعنى الأمي لا يقرأ ولا يكتب فيؤمن من جهته ان يقرأ الكتب وينقل إليهم اخبار الماضين ولكن يتبع لما يوحى اليه الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ اى ما انزل عليه من اخبار سائر الرسل ومن كتبه ووحيه وانما وصف به لحمل اهل الكتابين على الامتثال بما أمروا به والتصريح بايمانه بالله تعالى للتنبيه على ان الايمان به تعالى لا ينفك عن الايمان بكلماته ولا يتحقق الا به وَاتَّبِعُوهُ اى فى كل ما يأتى وما يذر من امور الدين لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ علة للفعلين او حال من فاعليهما اى رجاء لاهتدائكم الى المطلوب او راجين له وفى تعليقه بهما إيذان بان من صدقه ولم يتبعه بالتزام احكام شريعته فهو بمعزل من الاهتداء مستمر على الغى والضلالة قال سيد الطائفة الجنيد قدس سره الطرق كلها مسدودة على الخلق الأعلى من اقتفى اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته لان طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه وعلى المقتفين اثره والمتابعين سنته قال الشيخ العارف الواصل الوارث الكامل محيى الدين ابن العربي قدس سره فى بيان السنة والسنى الإنسان لا يخلو ان يكون واحدا من ثلاثة بالنظر الشرعي وهو اما ان يكون باطنيا محضا وهو القائل بتجريد التوحيد عندنا حالا وفعلا وهذا يؤدى الى تعطيل احكام الشرائع وقلب أعيانها وكل ما يؤدى الى هدم قاعدة من قواعد الدين او سنة من سننه ولو فى العادات كالاكل والشرب والوقاع فهو مذموم بالإطلاق عصمنا الله وإياكم

ص: 257

من ذلك واما ان يكون ظاهريا محضا متقلقلا بحيث ان يؤديه ذلك الى التجسيم والتشبيه نعوذ بالله منهما فى باب الاعتقادات او يكون معتمدا على مذهب فقيه من الفقهاء اصحاب علوم الاحكام المحجوبة قلوبهم بحب الدنيا عن معاينة الملكوت فتراه خائفا من الخروج عن مذهبه فاذا سمع سنة من سنن النبي عليه السلام يحيلها على مذهب فقيه آخر فيترك العمل بها ولو أوردت الف حديث مأثور فى فضائلها فيتصامم عن سماعها بل يسيىء الظن برواية المتقدمين من التابعين والسلف بناء على عدم إيراد ذلك الفقيه إياها فى كتابه فمثل ذلك ايضا ملحوق بالذم شرعا والى الله نفزع ونلتجىء من ان يجعلنا وإياكم منهم واما ان يكون جاريا مع الشريعة على فهم اللسان حيث ما مشى الشارع مشى وحيث ما وقف وقف قد ما بقدم حتى فى اقل شىء من الفضائل فى العبادات والعادات صارفا جل عنايته وباذلا كل مجهوده فى ان لا يفوته شىء من الافعال المحمدية فى عباداته وعاداته على حسب ما سنح له فى أثناء مطالعاته من كتب الأحاديث المعول عليها او القى فى اذنه من استاذه وشيخه المعتمد عليه ان لم يكن من اهل المطالعة فهذا هو الوسط وهو السنة والآخذ به هو السني وبهذا يصح محبة الله له- وحكى- ان الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر قال راعيت جميع ما صدر عن النبي عليه السلام سوى واحد وهو انه عليه السلام زوج بنته عليا رضى الله عنه وكان يبيت فى بيتها بلا

تكلف ولم يكن لى بنت حتى افعل كذلك- وحكى- عن سلطان العارفين ابى يزيد البسطامي قدس سره انه قال ذات يوم لاصحابه قوموا بنا حتى ننظر الى ذلك الذي قد سهر نفسه بالولاية قال فمضينا فاذا بالرجل قد قصد المسجد فرمى بزاقه نحو القبلة فانصرف ابو يزيد ولم يسلم عليه وقال هذا ليس بمأمون على ادب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه من مقامات الأولياء والصديقين- وحكى- عن احمد بن حنبل رحمه الله قال كنت يوما مع جماعة تجردوا ودخلوا الماء فعملت بالحديث وهو (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر) ولم اتجرد فرأيت تلك الليلة قائلا يقول لى يا احمد ابشر فان الله قد غفر لك باستعمالك السنة وجعلك اماما يقتدى بك فقلت من أنت قال جبريل عليه السلام وعن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقبل الحجر الأسود ويقول انى لا علم انك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا انى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك واتفق المشايخ على ان من القى زمامه فى يد كلب مثلا حتى لا يكون تردده بحكم طبعه فنفسه أقوم لقبول الرياضة ممن جعل زمامه فى حكم نفسه يسترسل بها حيث شاء كالبهائم فالواجب عليك ان تكون تابعا لا مسترسلا

سك اصحاب كهف روزى چند

پى مردم كرفت ومردم شد

فاذا اتبعت فاتبع سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم الذي آدم ومن دونه من الأنبياء والأولياء تحت لوائه فاذا اتبعت واحدا من أمته فلا تتبعه لمجرد كونه رجلا مشهورا بين الناس مقبولا عند الأمراء والسلاطين بل كان الواجب عليك ان تعرف اولا الحق ثم تزن الرجال به وفيه قال باب العلم الرباني على رضى الله عنه من عرف الحق بالرجال حارفى متاهات الضلال بل اعرف الحق تعرف اهله وبقدر متابعتك للنبى صلى الله عليه وسلم تستحكم مناسبتك به وتتأكد علاقة المحبة بينك وبينه وبكل

ص: 258

ما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه او زيارة قبره او جواب المؤذن والدعاء له عقيبه كنت مستحقا لشفاعته قالوا لو وضع شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم او عصاه او سوطه على قبر عاص لنجا ذلك العاصي ببركات تلك الذخيرة من العذاب وان كانت فى دار انسان او بلدة لا يصيب سكانها بلاء ببركاتها وان لم يشعروا بها ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول به وبطانة أستار الكعبة والتكفن بها قال الامام الغزالي رحمه الله وإذا أردت مثالا من خارج فاعلم ان كل من أطاع سلطانا وعظمه فاذا دخل بلدته ورأى فيها سهما من جعبته او سوطا له فانه يعظم تلك البلدة وأهلها فالملائكة يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم فاذا رأوا ذخائره فى دار او بلدة او قبر عظموا صاحبه وخففوا عنه العذاب ولذلك السبب ينفع الموتى ان توضع المصاحف على قبورهم ويتلى عليهم القرآن ويكتب القرآن على القراطيس وتوضع فى أيدي الموتى كذا فى الاسرار المحمدية: قال فى الجلد الثالث من المثنوى

از انس فرزند مالك آمدست

كه بمهمانى او شخصى شدست

او حكايت كرد كز بعد طعام

ديد انس دستار خوانرا زرد فام

چرك آلوده وكفت اى خادمه

اندر افكن در تنورش يكدمه

در تنور پر ز آتش در فكند

آن زمان دستار خوانرا هوشمند

جمله مهمانان در ان حيران شدند

انتظار دود كندورى بدند

بعد يكساعت بر آورد از تنور

پاك واسپيد واز ان أوساخ دور

قوم كفتند اى صحابىء عزيز

چون نسوزيد ومنقا كشت نيز

كفت زانكه مصطفى دست ودهان

بس بماليد اندرين دستار خوان

اى دل ترسنده از نار وعذاب

با چنان دست ولبى كن اقتراب

چون جمادى را چنين تشريف داد

جان عاشق را چها خواهد كشاد

اللهم اجعل حرفتنا محبته وارزقنا شفاعته وَمِنْ قَوْمِ مُوسى لما ذكر الله تعالى عبدة العجل ومن قالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً وهم الأشقياء اتبع ذكرهم بذكر أضدادهم السعداء فالمراد بالقوم بنوا إسرائيل الموجودون فى زمن موسى عليه السلام أُمَّةٌ اى جماعة يَهْدُونَ [راه مينمايند خلق را] فالمفعول محذوف بِالْحَقِّ ملتبسين به اى محقين وَبِهِ اى بالحق يَعْدِلُونَ اى فى الاحكام الجارية بينهم وصيغة المضارع فى الفعلين لحكاية الحال الماضية والأشهر ان المراد بهذه الامة قوم وراء الصين بأقصى المشرق وذلك ان بنى إسرائيل لما بالغوا فى العتو والطغيان بعد وفاة موسى ووفاة خليفة يوشع حتى اجترءوا على قتل أنبيائهم ووقع الهرج والمرج تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله تعالى ان يفرق بينهم وبين أولئك الطاغين ففتح الله لهم وهم فى بيت المقدس نفقا فى الأرض وجعل امامهم المصابيح لتضىء لهم بالنهار فاذا امسوا اظلم عليهم النفق فنزلوا فاذا أصبحوا أضاءت لهم المصابيح فساروا ومعهم نهر من ماء يجرى واجرى الله تعالى عليهم أرزاقهم فساروا فيه على هذا الوجه سنة ونصف سنة حتى خرجوا من وراء الصين الى ارض بأقصى المشرق طاهرة طيبة فنزلوها وهم مختلطون بالسباع والوحوش والهوام

ص: 259

لا يضر بعضهم بعضا وهم متمسكون بالتوراة مشتاقون الى الإسلام لا يعصون الله تعالى طرفة عين تصافحهم الملائكة وهم فى منقطع من الأرض لا يصل إليهم أحد منا ولا أحد منهم إلينا اما لان بين الصين وبينهم واديا جاريا من رمل فيمنع الناس من إتيانهم كما قال ابن عباس رضى الله عنهما او نهرا من شهد كما قال السدى وانهم كبنى اب وأحد ليس لاحد منهم مال دون صاحبه يمطرون بالليل ويضحون بالنهار ويزرعون ويحصدون جميعا فيضعون الحاصل فى أماكن من القرية فيأخذ كل رجل منهم قدر حاجته ويدع الباقي- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبرائيل ليلة المعراج انى أحب ان ارى القوم الذين اننى الله عليهم بقوله وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ الآية فقال ان بينك وبينهم مسيرة ست سنين ذهابا وست سنين إيابا ولكن سل ربك حتى يأذن لك فدعا النبي عليه السلام وأمن جبريل فاوحى الله تعالى الى جبريل انه أجيب الى ما سأل فركب البراق فخطا خطوات فاذا هو بين اظهر القوم فسلم عليهم وردوا عليه سلامه وسألوه من أنت فقال (انا النبي الأمي) قالوا أنت الذي بشر بك موسى عليه السلام واوصانا بان قال لنا من أدرك منكم احمد عليه الصلاة والسلام فليقرأ عليه منى السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم على موسى سلامه وقالوا فمن معك قال (أو ترون قالوا) نعم قال هو جبريل قال (فرأيت قبورهم على أبواب دورهم فقلت فلم ذلك) قالوا أجدر ان نذكر الموت صباحا ومساء فقال (ارى بنيانكم مستويا) قالوا ذلك لئلا يشرف بعضنا على بعض ولئلا يسد أحد على أحد الريح والهواء قال (فمالى لا ارى لكم قاضيا ولا سلطانا) قالوا أنصف بعضنا بعضا وأعطينا الحق فلم نحتج الى قاض ينصف بيننا قال (فمالى ارى أسواقكم خالية) قالوا نزرع جميعا ونحصد جميعا فيأخذ كل أحد منا ما يكفيه ويدع الباقي لاخيه فلا نحتاج الى مراجعة الأسواق قال (فمالى ارى هؤلاء القوم يضحكون قالوا مات لهم ميت فيضحكون سرورا بما قبضه الله على التوحيد قال (فما لهؤلاء القوم يبكون) قالوا ولد لهم مولود فهم لا يدرون على أي دين يقبض فيغتمون لذلك قال (فاذا ولد لكم ذكر فماذا تصنعون) قالوا نصوم لله شكرا شهرا قال (فالانثى) قالوا نصوم لله شكرا شهرين قال (ولم) قالوا لان موسى عليه السلام أخبرنا ان الصبر على الأنثى أعظم اجرا من الصبر على الذكر قال (أفتزنون) قالوا وهل يفعل ذلك أحد لو فعل ذلك أحد لحصبته السماء وخسفت به الأرض من تحته قال (أفترابون) قالوا انما يرابى من لا يؤمن برزق الله قال (أفتمرضون) قالوا لا نمرض ولا نذنب انما تذنب أمتك فيمرضون ليكون ذلك كفارة لذنوبهم قال (هل فى أرضكم سباع وهوام) قالوا نعم تمر بنا ونمر بها ولا تؤذينا ولا نؤذيها فعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم شريعته والصلوات الخمس عليهم وعلمهم الفاتحة وسورا

من القرآن قال الحدادي اقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة ولم يكن يومئذ نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة فامرهم بالصلاة والزكاة وان يتركوا تحريم السبت ويجمعوا وأمرهم ان يقيموا مكانهم فهم اليوم هناك حنفاء مسلمون مستقبلون قبلتنا يقول الفقير التجميع وهو بالفارسي [نماز آذينه آمدن وكزاردن آن] انما شرع بعد الهجرة فتناقض أول الكلام مع آخره وكذا امر القبلة ولعل النبي عليه السلام علمهم

ص: 260

اولا ما نزل بمكة من الشرائع والاحكام ثم أكمل لهم الدعوة بطريق آخر فان المعراج بالروح والجسد معاوان حصل له عليه السلام مرة واحدة بمكة وفى ليلته فرضت الصلاة على ما عليه الكل الا انه عليه السلام كان يصل جسده الشريف فى لمحة الى حيث يصل اليه بصره وكان عنده القريب والبعيد على السواء هذا ما خطر بالضمير بعد ما رأيت من اهل التفسير ما يتنافى الاول منه بالأخير والله هو العليم الخبير والاشارة فى الآية وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يعنى خواصهم يهدون بالحق يرشدون الخلق بالكتاب المنزل بالحق على موسى عليه السلام وَبِهِ يَعْدِلُونَ اى به يحكمون بين العوام وشتان بين امة امية بلغوا أعلى مراتب الروحانية بالسير فى متابعة النبي الأمي ثم اختطفوا عن انانية روحانيتهم بجذبات أنوار المتابعة الى مقام الوحدة التي هى مصدر وجودهم فى بقاء الوحدة كما قال تعالى كنت له سمعا وبصرا ولسانا فى يسمع وبى يبصر وبى ينطق وبالرجوع الى هذا المقام سموا أميين فانهم رجعوا الى أصلهم الذي صدروا عنه إيجادا وبين امة كان نبيهم محجوبا بحجاب الانانية عند سؤال الرؤية بقوله أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فاجيب لَنْ تَرانِي لانك كنت بك لابى فانه لا يرانى الا من كان بي لابه فاكون بصره الذي يبصر به وهذا مقام الامة الامية فلهذا قال موسى عليه السلام اللهم اجعلنى من امة احمد شوقا الى لقاء ربه فافهم جدا كذا فى التأويلات النجمية

مصطفى را انبيا امت شدند

جمله در زير لواء او بدند

پايه اين امت مرحومه بين

كى يقالوا بين ارباب اليقين

رفعتش بين الأمم چون آفتاب

در ميان أنجم اى عالى جناب

پيشه كن اى حقى شرع اين نبى

تا نباشد فوت از تو مطلبى

وَقَطَّعْناهُمُ اى قوم موسى لا الامة المذكورة منهم اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثانى مفعولى قطع لتضمنه معنى التصيير والتأنيث للحمل على الامة او القطعة اى صيرناهم اثنتي عشرة امة او قطعة متميزا بعضها من بعض أَسْباطاً بدل منه ولذلك جمع لان مميز أحد عشر الى تسعة عشر يكون مفردا منصوبا وأسباطا جمع فلا يصلح ان يكون مميزا له وهى جمع سبط والسبط من ولد اسحق كالقبيلة من ولد إسماعيل وهو فى الأصل ولد الولد أُمَماً بدل بعد بدل جمع امة وهى بمعنى الجماعة وانحصر فرق بنى إسرائيل فى اثنتي عشرة فرقة لانهم تشعبوا من اثنى عشر رجلا من أولاد يعفوب فانعم الله عليهم بهذا التقطيع والتمييز لتنتظم أحوالهم ويتيسر عيشهم وكانوا أقواما متباغضة متعصبة وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ اى طلبوا منه الماء حين استولى عليهم العطش فى التيه الذي وقعوا فيه بسوء صنيعهم أَنِ مفسرة لفعل الإيحاء اضْرِبْ بِعَصاكَ كان عصاه من آس الجنة وكان آدم حملها معه من الجنة الى الأرض فتوارثها الأنبياء صاغرا عن كابر حتى وصلت الى شعيب فاعطاها موسى الْحَجَرَ قد سبق فى البقرة على الاختلاف الواقع فيه وقال فى التفسير الفارسي [آن سنك را كه چون بتيه در آمدى با تو بسخن در آمد كه مرا بردار كه ترا بكار آيم وتو برداشتى وحالا در تو بره دارى موسى عليه السلام عصا بر ان سنك زد] فَانْبَجَسَتْ [پس شكافته شد وكشاده

ص: 261

كشت] مِنْهُ [از آن سنك] اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً [دوازده چشمه] بعدد الأسباط قال الحدادي الانبجاس خروج الماء قليلا والانفجار خروجه واسعا وانما قال فانجبست لان الماء كان يخرج من الحجر فى الابتداء قليلا ثم يتسع فاجتمع فيه صفة الانجباس والانفجار قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ كل سبط عبر عنهم بذلك إيذانا بكثرة كل واحد من الأسباط مَشْرَبَهُمْ اى عينهم الخاصة بهم وكان كل سبط يشربون من عين لا يخالطهم فيها غيرهم للعصبية التي كانت بينهم قال ابن الشيخ كان فى ذلك الحجر اثنتا عشرة حفرة فكانوا إذا نزلوا وضعوا الحجر وجاء كل سبط الى حفرته فحفروا الجداول الى أهلهم فذلك قوله تعالى قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ اى موضع شربهم وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ اى جعلناها بحيث تلقى عليهم ظلها تسير فى التيه بسيرهم وتسكن بإقامتهم لتقيهم حر الشمس فى النهار وكان ينزل بالليل عمود من نار يسيرون بضوئه وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ الترنجبين قال فى القاموس المن كل طل ينزل من السماء على شجر او حجر ويحلو وينعقد عسلا ويجف جفاف الصمغ كالشير خشت والترنجبين وَالسَّلْوى قال القزويني وابن البيطار انه السمانى وقال غيرهما طائر قريب من السمانى قال فى التفسير الفارسي [مرغى بر شكل سمانى وآن طائريست در طرف يمن از كنجشك بزركتر واز كبوتر خردتر] وانما سمى سلوى لان الإنسان يسلو به عن سائر الادام وفى الحديث (أطيب اللحم لحم الطير) وفى الحديث ايضا (سيد الادام فى الدنيا والآخرة اللحم وسيد الشراب فى الدنيا والآخرة الماء وسيد الرياحين فى الدنيا والآخرة الفاغية) ويدل على كون اللحم سيد الطعام ايضا قوله صلى الله عليه وسلم (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) قيل كان ينزل عليهم المن مثل الثلج من الفجر الى الطلوع لكل انسان صاع وتبعث الجنوب عليهم السمانى فيذبح الرجل منه ما يكفيه كُلُوا اى قلنا لهم كلوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ اى مستلذاته وما موصولة كانت او موصوفة عبارة عن المن والسلوى قال فى التفسير الفارسي [از پاكيزها آنچهـ بمحض عنايت روزى كرديم شما را يعنى هر چهـ روزى ميرسد بخوريد وبراى خود ذخيره منهيد پس ايشان خلاف كرده وذخيره مى نهادند همه متعفن ومتغير ميشد] وَما ظَلَمُونا عطف على جملة محذوفة للايجاز اى فظلموا بان كفروا بتلك النعم الجليلة وما ظلمونا بذلك وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ إذ لا يتخطاهم ضرره قال الحدادي اى يضرون أنفسهم باستيجابهم عذابى وقطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا كلفة ولا مشقة فى الدنيا ولا حساب ولا تبعة فى العقبى وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اى واذكر لهم يا محمد وقت قوله تعالى لاسلافهم اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ منصوبة على المفعولية يقال سكنت الدار وقيل على الظرفية اتساعا وهى بيت المقدس او اريحاء وهى قرية الجبارين بقرب بيت المقدس وكان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة رأسهم عوج بن عنق وَكُلُوا مِنْها اى من مطاعمها وثمارها حَيْثُ شِئْتُمْ اى من نواحيها من غير ان يزاحمكم فيها أحد وَقُولُوا حِطَّةٌ اى مسألتنا حطة ذنوبنا عنا فعلة من الحط كالردة

ص: 262

من الرد. والحط وضع الشيء من أعلى الى أسفل والمراد هنا بالحط المغفرة وحط الذنوب وَادْخُلُوا الْبابَ اى باب القرية سُجَّداً منحنين متواضعين او ساجدين شكرا على إخراجهم من التيه. ثم ان كان المراد بالقرية اريحاء فقد روى انهم دخلوها حيث سار إليها موسى عليه السلام بمن بقي من بنى إسرائيل او بذرياتهم على اختلاف الروايتين ففتحها كما مر فى سورة المائدة. وان كان بيت المقدس فقد روى انهم لم يدخلوه فى حياة موسى فقيل المراد بالباب باب القبة التي كانوا يصلون فيها كذا فى الإرشاد نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ ما سلف من ذنوبكم باستغفاركم وخضوعكم سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ استئناف بيانى كأنه قيل فماذا لهم بعد الغفران فقيل سنزيد المحسنين إحسانا وثوابا فالمغفرة مسببة عن الامتثال والاثابة محض تفضل فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ما أمروا به من التوبة والاستغفار حيث اعرضوا عنه ووضعوا موضعه قَوْلًا آخر مما لا خير فيه- روى- انهم دخلوا زاحفين على أستاههم وقالوا مكان حطة حنطة استخفافا بامر الله تعالى واستهزاء بموسى عليه السلام وعدولا عن طلب عفو الله تعالى ورحمته الى طلب ما يشتهون من اعراض الدنيا الفانية الدنية غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ نعت لقولا صرح بالمغايرة مع دلالة التبديل عليها قطعا تحقيقا للمخالفة وتنصيصا على المغايرة من كل وجه فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ اى على الذين ظلموا اثر ما فعلوا من غير تأخر والإرسال من فوق كالانزال رِجْزاً مِنَ السَّماءِ عذابا كائنا منها والمراد الطاعون- روى- انه مات منهم فى ساعة واحدة اربعة وعشرون ألفا بِما كانُوا يَظْلِمُونَ بسبب ظلمهم المستمر السابق واللاحق لا بسبب التبديل فقط كذا من لم يعرف قدر النعماء يقرع باب البلاء ليجرى عليه احكام القضاء فامتحن بانواع المحن والوباء واعلم ان الذين ظلموا من بنى إسرائيل أفسدوا عليهم النعمتين نعمة الدنيا وهى المن والسلوى وغيرهما ونعمة العقبى وهى المغفرة والاثابة وبعد فوت زمان التدارك لا ينفع نفسا إيمانها ولا تحسرها وندمها- حكى- ان أخوين فى الجاهلية خرجا مسافرين فنزلا فى ظل شجرة تحت صفاة فلما دنا الرواح خرجت لهما من تحت الصفاة حية تحمل دينارا فألقته إليهما فقالا ان هذا لمن كنز فاقاما عليه ثلاثة ايام كل يوم تخرج لهما دينارا فقال أحدهما للآخر الى متى ننتظر هذه الحية الا نقتلها ونحفر عن هذا الكنز فنأخذه فنهاه اخوه فقال ما تدرى لعلك تعطب ولا تدرك المال فابى عليه فأخذ فأسا معه ورصد الحية حتى خرجت وضربها ضربة جرحت رأسها ولم تقتلها فبادرت الحية فقتلته ورجعت الى حجرها فدفنه اخوه واقام حتى إذا كان الغد خرجت الحية معصوبا رأسها ليس معها شىء فقال يا هذه انى والله ما رضيت بما أصابك ولقد نهيت أخي عن ذلك فهل لك ان نجعل الله بيننا لا تضرينى ولا اضرك وترجعين الى ما كنت عليه فقالت الحية لا فقال ولم قالت لانى اعلم ان نفسك لا تطيب لى ابدا وأنت ترى قبر أخيك ونفسى لا تطيب لك وانا اذكر هذه الشجة كذا فى حياة الحيوان: قال فى المثنوى

بر كذشته حسرت آوردن خطاست

باز نايد رفته ياد آن هباست

ص: 263

اللهم اجعلنا من المتيقظين قبل طلوع صبح الآخرة ولا تجعلنا غافلين عما يهمنا من الأمور الباطنة والظاهرة ووفقنا كى نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا وعن بواطننا خبيرا وَسْئَلْهُمْ عطف على واذكر المقدر عند قوله وَإِذْ قِيلَ والضمير البارز عائد الى اليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس المقصود من السؤال استعلام ما ليس معلوما للسائل لانه عليه السلام كان قد علم هذه القصة من قبل الله تعالى بالوحى بل المقصود منه ان يحملهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ان يقروا بقديم كفرهم وتجاوزهم لحدود الله تعالى ومخالفتهم الأنبياء على طريق التوارث من أسلافهم وتقريعهم بذلك وان يظهر بذلك معجزة دالة على انه نبى حق اوحى اليه ما لا يعلم الا بتعليم او وحي فانه عليه السلام لما كان اميا ولم يخالط اهل الكتب السابقة وبين هذه القصة على وجهها من غير زيادة ولا نقصان تعين انه علم ذلك بالوحى فكان بيانها على ما وقعت معجزة ظاهرة من جملة معجزاته عليه السلام عَنِ الْقَرْيَةِ اى عن حالها وخبرها وما جرى على أهلها من الداهية الدهياء وهى ايلة بين مدين والطور والعرب تسمى المدينة قرية الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ اى قريبة منه مشرفة على شاطئه إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ اى يتجاوزون حدود الله تعالى بالصيد يوم السبت وهم منهيون عن الاشتعال فيه بغير العبادة وإذ ظرف للمضاف المحذوف إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ ظرف ليعدون. والحيتان جمع حوت قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها كنون ونينان لفظا ومعنى. وكان على بن ابى طالب يقول سبحان من يعلم اختلاف النينان فى البحار الغامرات واضافتها إليهم لان المراد بالحيتان الكائنة فى تلك الناحية يَوْمَ سَبْتِهِمْ ظرف لتأتيهم اى تأتيهم يوم تعظيمهم لامر السبت فالسبت هنا مصدر سبتت اليهود إذا عظمت السبت بالتجرد للعبادة وفى التفسير الفارسي [روز شنبه ايشان] فهو اسم لليوم شُرَّعاً جمع شارع من شرع عليه إذا دنا واشرف وهو حال من حيتانهم اى تأتيهم يوم سبتهم ظاهرة على وجه الماء قريبة من الساحل وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ اى لا يراعون امر السبت لكن لا بمجرد عدم المراعاة مع تحققق يوم السبت كما هو المتبادر بل مع انتفائهما معا اى لا سبت ولا مراعاة لا تَأْتِيهِمْ كما كانت تأتيهم يوم السبت جذارا من صيدهم فان الله تعالى قوى دواعيها الى الشروع فى يوم السبت معجزة لنبى ذلك الوقت وابتلاء لتلك التي فصلت بين يوم السبت وغيره من الأيام كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ الكاف فى موضع النصب بقوله نبلوهم اى مثل ذلك البلاء العجيب الفظيع نعاملهم معاملة من يختبرهم ليظهر عدوانهم ونؤاخذهم به بِما كانُوا يَفْسُقُونَ اى بسبب فسقهم المستمر فى كل ما يأتون وما يذرون وَإِذْ قالَتْ عطف على إذ يعدون أُمَّةٌ مِنْهُمْ اى جماعة من صلحائهم الذين ركبوا فى عظتهم متن كل صعب وذلول حتى يئسوا من احتمال القبول لآخرين لا يقلعون عن التذكير رجاء للنفع والتأثير مبالغة فى الاعذار وطمعا فى فائدة الانذار لِمَ تَعِظُونَ [چرا پند ميدهيد] قَوْماً [كروهى را كه بي شبهه] اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ اى مستأصلهم ومطهر الأرض منهم أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً دون الاستئصال بالمرة. والمفهوم من بقية الآية كون المراد عذاب

ص: 264

الدنيا قالوه مبالغة فى ان الوعظ لا ينجح فيهم لا إنكارا لوعظهم ورضى بالمعصية منهم قالُوا اى الوعاظ مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ مفعول له اى نعظم معذرة اليه تعالى. والمعذرة اسم مصدر بمعنى العذر وهو بضم فسكون فى الأصل تحرى الإنسان ما يمحو به ذنوبه بان يقول لم افعل او فعلت لاجل كذا او فعلت ولا أعود وهذا الثالث التوبة فكل توبة عذر بلا عكس وقيل المعذرة بمعنى الاعتذار يقال اعتذرت الى فلان من جرمى ويعدى بمن والمعتذر قد يكون محقا وغير محق كذا فى تاج المصادر: قال السعدي قدس سره

كر بمحشر خطاب قهر كند

انبيا را چهـ جاى معذرتست

پرده از لطف كو كه بردارد

كاشقيا را اميد مغفرتست

وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ عطف على معذرة اى ورجاء لان يتقوا بعض التقاة ويتركوا المعصية لان قبول الحق الواضح يرجى من العاقل واليأس لا يحصل الا بالهلاك وهذا صريح فى ان القائلين لم تعظون إلخ ليسوا من الفرقة الهالكة والا لوجب الخطاب اى ولعلكم فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ اى تركوا ما ذكرهم به صلحاؤهم ترك الناسي للشىء واعرضوا عنه إعراضا كليا بحيث لم يخطر ببالهم شىء من تلك المواعظ أصلا فيكون من ذكر المسبب وارادة السبب أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ اى خلصنا الذين ينهون عن الاصطياد وهم الفريقان المذكوران قال ابن عباس رضى الله عنهما نزل والله بالمداهن ما نزل بالمستحل وقال الحسن نجت فرقتان وهلكت فرقة وأنكر القول الذي ذكر له عن ابن عباس وقال ما هلك الا فرقة لانه ليس شىء ابلغ فى الأمر بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد وقد ذكرت الفرقة الثالثة الوعيد فقالت لم تعظون قوما الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا وقول الحسن اقرب الى ظاهر الآية كذا فى تفسير الحدادي وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بالاعتداء ومخالفة الأمر بِعَذابٍ بَئِيسٍ اى شديد وزنا ومعنى بِما كانُوا يَفْسُقُونَ متعلق باخذنا كالباء الاولى ولا ضير فيه لاختلافهما معنى اى أخذناهم بما ذكر من العذاب بسبب تماديهم فى الفسق الذي هو الخروج عن الطاعة وهو الظلم والعدوان ايضا ولعله تعالى قد عذبهم بعذاب شديد دون الاستئصال فلم يقلعوا عما كانوا عليه بل ازدادوا فى الغى فمسخهم بعد ذلك لقوله تعالى فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ اى تمردوا وتكبروا وأبوا عن ترك ما نهوا عنه قدر المضاف إذ التكبر والإباء من نفس المنهي عنه لا يذم فهو كقوله تعالى وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ اى عن امتثال امر ربهم والعاتي هو شديد الدخول فى الفساد المتمرد الذي لا يقبل الموعظة قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ صاغرين أذلاء بعداء عن الناس. فى القاموس خسأ الكلب كمنع طرده والكلب بعد. والقردة جمع قرد بالفارسي [پوزينه] والأنثى قردة وجمعها قرد مثل قربة وقرب والمراد هو الأمر التكويني لا القولى التكليفي لانهم لا يقدرون على قلب أنفسهم قردة وتكليف العاجز غير معقول فليس ثمة قول ولا امر ولا مأمور حقيقة وانما هو تعلق قدرة وارادة بمسخهم نعوذ بالله تعالى- روى- ان اليهود أمروا باليوم الذي أمرنا به وهو يوم الجمعة فتركوه واختاروا السبت وهو المعنى بقوله تعالى إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فابتلوا

ص: 265

به وحرم عليهم الصيد وأمروا بتعظيمه فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت كأنها المخاض والكباش البيض السمان تنتطح لا يرى وجه الماء لكثرتها ولا تأتيهم فى سائر الأيام فكانوا على ذلك برهة من الدهر ثم جاءهم إبليس فقال لهم انما نهيتم عن أخذها يوم السبت فاتخذوا حياضا سهلة الورود صعبة الصدور ففعلوا فجعلوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت فلا تقدر على الخروج ويأخذونها يوم الأحد وأخذ رجل منهم حوتا وربط فى ذنبه حيطا الى خشبة فى الساحل ثم شواه يوم الأحد فوجد جاره ريح السمك فتطلع على تنوره فقال له انى ارى الله سيعذبك فلما لم يره عذاب أخذ فى السبت القابل حوتين فلما رأوا ان العذاب لا يعاجلهم استمروا على ذلك فصادوا وأكلوا وملحوا وباعوا وكانوا نحوا من سبعين الفا فكان اهل القرية أثلاثا. ثلث استمروا على النهى. وثلث ملوا التذكير وشموه وقالوا للواعظين لم تعظون إلخ.

وثلث باشروا الخطيئة فلما لم ينتهوا قال المسلمون نحن لا نساكنكم فباعوا الدور والمساكن وخرجوا من القرية فضربوا الخيام خارجا منها او اقتسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب ولعنهم داود عليه السلام فاصبح الناهون ذات يوم فخرجوا من أبوابهم وانتشروا لمصالحهم ولم يخرج من المعتدين أحد فقالوا لعل الخمر غلبتهم أو إن لهم لشأنا من خسف او مسخ او رمى بالحجارة فعلوا الجدر فنظروا فاذا هم قردة او صار الشبان قردة والشيوخ خنازير ففتحوا الباب ودخلوا عليهم فعرفت القردة أنسابهم من الانس وهم لا يعرفونها فجعل القرد يأتى نسيبه فيشم ثيابه فيبكى ويقول له نسيبه ألم ننهكم فيقول القرد برأسه بلى ودموعهم تسيل على خدودهم ثم ماتوا عن مكث ثلاثة ايام كما قال ابن عباس رضى الله عنهما لم يعش ممسوخ قط اكثر من ثلاثة ايام وعليه الجمهور. واما قوله عليه السلام (فقدت امة من بنى إسرائيل لا يدرى ما فعلت ولا أراها الا الفأر ألا ترونها إذا وضع لها البان الإبل لم تشربها وإذا وضع لها البان غيرها شربتها) وما روى ان النبي عليه السلام اتى بضب فابى ان يأكله وقال (لا أدرى لعله من القرون التي مسخت) فالجواب عنهما ان ذلك كان قبل ان يوحى اليه ان الله لم يجعل لممسوخ نسلا فلما اوحى اليه زال عنه ذلك المتخوف وعلم ان الضب والفأر ليسا مما مسخ فعند ذلك أخبرنا بقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن القردة والخنازير أهي مما مسخ فقال (ان الله لم يهلك قوما او يعذب قوما فيجعل لهم نسلا وان القردة والخنازير كانوا قبل ذلك وثبت النصوص بأكل الضب بحضرته وعلى مائدته ولم ينكره) كذا فى حياة الحيوان وعن مجاهد وانما مسخت قلوبهم فقط وردت افهامهم كافهام القردة وهذا قول تفرد به عن جميع المسلمين يقول الفقير مسخ القلب مشترك بين عصاة جميع الأمم وعادة الله تعالى فى النبوة الاولى تعجيل عقوبة الدنيا على أقبح وجه وأفظعه ولا عقوبة أدهى من تبديل الصورة الحسنة الانسانية الى صورة اخس الحيوانات وهى صورة القردة والخنازير القبيحة نعم مسخ القلب والمعنى سبب لمسخ القالب والصورة نعوذ بالله وعن الحسن وايم الله ما حوت اخذه قوم فاكلوه أعظم عند الله من قتل رجل مسلم ولكن الله جعل ذلك موعدا والساعة أدهى وامر قال انس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل هل فى أمتك خسف (قال

ص: 266

نعم) قيل ومتى ذلك يا رسول الله قال (إذا لبسوا الحرير واستباحوا الزنى وشربوا الخمور وطففوا المكيال والميزان واتخذوا القينات والمعازف وضربوا بالدفوف واستحلوا الصيد فى الحرم) والاشارة ان القرية هى قرية الجسد الحيواني على شاطىء بحر البشرية واهل قرية الحس الصفات الانسانية وهى على ثلاثة اصناف. منها صنف روحانى كصفات الروح. وصنف قلبى كصفات القلب. وصنف نفسانى كصفات النفس الامارة بالسوء وكل قد نهوا عن صيد حيتان الدواعي البشرية فى سبت محارم الله. فصنف امسك عن الصيد ونهى عنه وهو الصفات الروحانية وصنف امسك ولم ينه وهو الصفات القلبية. وصنف انتهك الحرمة وهو الصفات النفسانية قال حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة يوم طور النفس الامارة بالسوء يوم السبت لانقطاع اهله باتباع الطاغوت والجبت وشهره شهر المحرم لحرمانه من القربة والنيل والوصلة ونجمه القمر وفلكه فلك السماء الدنيا وآيته قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ انتهى وتتوفر الدواعي البشرية فيما حرم الله بإغراء الشيطان وتزيينه لان الإنسان حريص على ما منع ولا يرغب فيما لم يحرم الله فمن كان الغالب عليه صفات الروح وقهر النفس وتبديل صفاتها بالتزكية والتحلية فانه من اهل النجاة وارباب الدرجات واصحاب القربات.

ومن كان الغالب عليه النفس وصفاتها فانه من اهل الهلاك وارباب الدركات واصحاب المباعدات: وفى المثنوى

نفس تو تامست وتازه است وقديد

دانكه روحت حاسه غيبى نديد

كه علاماتست زان ديدار نور

التجافي منك عن دار الغرور

واى آنكه عقل او ماده بود

نفس زشتش نرو آماده بود

لا جرم مغلوب باشد عقل او

جز سوى خسران نباشد نقل او

وصف حيوانى بود بر زن فزون

زانكه سوى رنك وبو دارد ركون

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ بمعنى آذن مثل توعد بمعنى أوعد. والإيذان الاعلام وبمعنى عزم لان من عزم على الأمر وصمم نيته عليه يحدث به نفسه ويؤذنها بفعله وعزم الله تعالى على الأمر عبارة عن تقرر ذلك الأمر فى علمه وتعلق إرادته بوقوعه فى الوقت المقدر له. والمعنى واذكر يا محمد لليهود وقت إيجابه تعالى على نفسه لَيَبْعَثَنَّ البتة عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ متعلق بقوله ليبعثن واللام فيه لام جواب القسم لان قوله وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ جار مجرى القسم كعلم الله وشهد الله من حيث دلالته على تأكد الخبر المؤذن به مَنْ يَسُومُهُمْ السوم [رنج بخشانيدن] كذا فى تاج المصادر فالمعنى [كسى كه بخشاند ايشانرا] سُوءَ الْعَذابِ [عذابى سخت] كالاذلال وضرب الجزية وغير ذلك من فنون العذاب. وقد بعث الله تعالى عليهم بعد سليمان عليه السلام بخت نصر فخرب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم وكانوا يؤدونها الى المجوس حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ففعل ما فعل ثم ضرب الجزية فلا تزال مضروبة الى آخر الدهر قال الحدادي وفى هذه الآية دلالة على ان اليهود لا ترفع لهم راية عز الى يوم القيامة إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ يعاقبهم فى الدنيا

ص: 267

وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لمن تاب وآمن منهم وفى الآية اشارة الى ان الشيطان وهو المنظر الى يوم القيامة يبعث ليسوم الخلق سوء العذاب وهو الابعاد من القربة والإغراء فى الضلالة والاقعاد عن العبودية والإضلال عن الصراط المستقيم ان ربك لسريع العقاب يعاقبهم فى الدنيا ويملى لهم ليزدادوا اثما هذا عقوبة فى الدنيا وهى تورث العقوبة فى الآخرة وانه لغفور يغفر ذنوب من يرجع اليه ويتوب اى الأرواح والقلوب لو رجعت عن متابعة النفس وهواها وتابت الى الله واستغفرت لغفر لها لانه رحيم يرحم من تاب اليه وفيه معنى آخر انه لسريع العقاب اى يعاقب المؤمنين فى الدنيا بانواع البلاء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ويوفقهم الى الصبر على ذلك ليجعله كفارة لذنوبهم حتى إذا خرجوا من الدنيا خرجوا أنقياء لا يعذبون فى الآخرة وانه لغفور رحيم لهم فى الآخرة لقى يحيى عيسى عليهما السلام فتبسم عيسى فى وجه يحيى فقال مالى أراك لاهيا كأنك آمن فقال الآخر مالى أراك عابسا كانك آيس فقالا لا نبرح حتى ينزل علينا الوحى فاوحى الله تعالى احبكما الى احسنكما ظنابى: قال السعدي

نه يوسف كه چندان بلا ديد وبند

چوحكمش روان كشت وقدرش بلند

كنه عفو كرد آل يعقوب را

كه معنى بود صورت خوب را

بكردار بدشان مقيد نكرد

بضاعات مزجات شان رد نكرد

ز لطفت همى چشم داريم نيز

برين بي بضاعت ببخش اى عزيز

فينبغى للعاقل ان يحسن الظن بربه ولا يتكاسل فى باب العبادة فان السفينة لا تجرى على اليبس وعن مالك بن دينار رحمه الله تعالى قال دخلت جبانة البصرة فاذا انا بسعدون المجنون فقلت كيف حالك وكيف أنت قال يا مالك كيف يكون حال من امسى وأصبح يريد سفرا بعيدا بلا اهبة ولازاد ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد ثم بكى بكاء شديدا فقلت ما يبكيك قال والله ما بكيت حرصا على الدنيا ولا جزعا من الموت والبلى لكن بكيت ليوم مضى من عمرى لا يحسن فيه عمل أبكاني والله قلة الزاد وبعد المفازة والعقبة الكؤود ولا أدرى بعد ذلك أصير الى الجنة أم الى النار فسمعت منه كلام حكمة فقلت ان الناس يزعمون انك مجنون فقال وأنت اغتررت بما اغتر به بنوا إسرائيل زعم الناس انى مجنون وما بي جنة ولكن حب مولاى قد خالط قلبى واحشائى وجرى بين لحمى ودمى وعظامى فانا والله من حبه هائم مشغوف فقلت يا سعدون فلم تجالس الناس وتخالطهم فانشأ يقول

كن من الناس جانبا

وارض بالله صاحبا

قلب الناس كيف شئ

ت تجدهم عقاربا

كذا فى روض الرياحين لليافعى وَقَطَّعْناهُمْ اى فرقنا بنى إسرائيل فِي الْأَرْضِ وجعلنا كل فرقة منهم فى قطر من أقطارها بحيث لا تخلو ناحية منها منهم تتميما لجزاء ادبارهم واعراضهم عن الحق حتى لا يكون لهم شوكة بالاجتماع ابدا أُمَماً حال من مفعول قطعناهم اى حال كونهم جماعات او مفعول ثان لقطعنا باعتبار تضمنه معنى صيرنا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ صفة لامما وهم المتدينون بدين موسى وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ تقديره ومنهم ناس دون ذلك

ص: 268

على ان دون ذلك صفة لموصوف محذوف مرفوع على الابتداء. وقوله منهم خبر قدم عليه قال التفتازانيّ قد شاع فى الاستعمال وقوع المبتدأ والخبر ظرفين واستمر النحاة على جعل الاول خبرا والثاني مبتدأ بتقدير موصوف دون العكس وان كان ابعد من جهة المعنى والتأخير بالخبر اولى وكأنهم يرون المصير الى ان الحذف فى أوانه اولى انتهى وذلك اشارة الى الصلاح المدلول عليه بقوله الصالحون بتقدير المضاف ليصح المعنى اى ومنهم دون اهل ذلك الصلاح منحطون عنهم وهم كفرتهم وفسقتهم وجوز بمعنى أولئك فالاشارة الى الصالحين وقد ذكر النحويون ان اسم الاشارة المفرد قد يستعمل للمثنى والمجموع كذا فى حواشى سعدى چلبى وَبَلَوْناهُمْ اى عاملناهم معاملة المبتلى المختبر بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ بالنعم والنقم حيث فتحنا عليهم تارة باب الخصب والعافية وتارة باب الجدب والشدائد لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ينتهون فيرجعون عما كانوا عليه من الكفر والمعاصي فان كل واحد من الحسنات والسيئات يدعو الى الطاعة اما الحسنات فللترغيب فيها واما السيئات فللترهيب عن المعصية قال الكاشفى [ايشانرا در نعمت شكر بايست كرد بطر واستغنا ظاهر كردند وگفتند ان الله فقير ونحن اغنياء ودر محنت صبرى بايست كرد آغاز ناسزا كردند وكفتند يد الله مغلولة بر محك اختبار تمام عيار بيرون نيامدند]

خوش بود كر محك تجربه آيد بميان

تا سيه روى شود هر كه دروغش باشد

وفى التأويلات النجمية وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ اى بكثرة الطاعات ورؤيتها والعجب بها كما كان حال إبليس وَالسَّيِّئاتِ اى المعاصي ورؤيتها والندامة عليها والتوبة منها والخوف والخشية من ربهم كما كان حال آدم عليه السلام رجع الى الله تعالى وقال رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد المذكورين خَلْفٌ اى بدل سوء وهم الذين كانوا فى عصر النبي صلى الله عليه وسلم الذين خلفوا من اليهود الذين فرقهم الله فى الأرض امما موصوفين بانهم منهم الصالحون ومنهم دون ذلك. والخلف مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع يقال خلف فلان فلانا إذا كان خليفته وخلفه فى قومه خلافة اى قام مقامه فى تدبير احوال قومه قال ابن الاعرابى الخلف بفتح اللام الصالح وبإسكان اللام الصالح ومنه قيل لرديىء الكلام خلف وقال محمد بن جرير اكثر ما جاء فى المدح بفتح اللام وفى الذم بتسكينها وقد يحرك فى الذم ويسكن فى المدح قال واحسبه فى الذم مأخوذا من خلف اللبن إذا حمض من طول تركه فى السقاء حتى يفسد ومنه قولهم خلف فم الصائم إذا تغيرت ريحه وفسدت فكان الرجل الفاسد مشبه به والحاصل ان كليهما يستعملان فى الشر والخير الا ان اكثر الاستعمال فى الخير بالفتح كذا فى تفسير الحدادي وَرِثُوا الْكِتابَ اى التوراة من أسلافهم يقرأونها ويقفون على ما فيها. والميراث ما صار للباقى من جهة الهالك وهو فى محل الرفع على انه نعت لقوله خلف يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى استئناف اى يأخذون حطام هذا الشيء الأدنى يعنى الدنيا وهو من الدنو اى القرب سميت هذه الدار وهذه الحياة دنيا لدنوها وكونها عاجلة يقال دنوت منه دنوا اى قربت والداني القريب او من الدناءة يقال دنا الرجل دناءة اى صار

ص: 269

دنيئا خسيسا لا خير فيه والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشى فى الحكومات وعلى تحريف الكلام قال الحدادي سمى متاع الدنيا عرضا لقلة بقائه كأنه يعرض فيزول قال الله تعالى هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا يريدون بذلك السحاب وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه يقال غفر الله له ذنبه غطى عليه وعفا عنه. قوله سيغفر اما مسند الى الجار والمجرور بعده وهو لنا واما الى ضمير الاخذ فى يأخذون كقوله اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ اى سيغفر لنا أخذ العرض الأدنى وفى التأويلات النجمية من شأن النفوس ان يجعلوا المواهب الربانية والكشوف الروحانية ذريعة العروض الدنيوية ويصرفها فى تحصيل المال والجاه واستيفاء اللذات والشهوات ويقولون سيغفر لنا لانا وصلنا الى مقام ورتبة يغفر لنا مثل الزلات والخطيئات كما هو مذهب اهل الإباحة جهالة وغرورا منهم وفيه معنى آخر وهوانهم يقولون سيغفر لنا إذا استغفرنا منها وهم يستغفرون باللسان لا بالقلب وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ حال من فاعل يقولون اى يأخذون الرشى فى الاحكام وعلى تحريف الكلم للتسهيل على العامة ويقولون انه تعالى لا يؤاخذنا بأخذ ما أخذناه من عرض الدنيا ويتجاوز عنه والحال انهم مصرون على اخذه عائدون الى مثله غير تائبين عنه أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ اى العهد المذكور فى التوراة أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ عطف بيان للميثاق اى لا تفتروا على الله مثل القطع على المغفرة مع الإصرار على الذنب وَدَرَسُوا ما فِيهِ [وخوانده اند آنچهـ دروست واين حكم در وى نديده اند] وهو معطوف على ألم يؤخذ من حيث المعنى فانه تقرير اى أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه ولك ان تقول درسوا عطف على لم يؤخذ فالاستفهام التقريرى متعلق بهما وَالدَّارُ الْآخِرَةُ [ورستكارى سراى ديكر كه عقابست خَيْرٌ بهترست از عرض دنيا] لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ المعاصي والشرك وأكل الحرام والافتراء على الله تعالى أَفَلا تَعْقِلُونَ تعلمون ذلك فلا تستبدلوا الأدنى المؤدى الى العقاب بالنعيم المخلد وَالَّذِينَ اى وخير ايضا للذين يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ اى يتمسكون به فى امور دينهم يقال مسك بالشيء وتمسك به قال مجاهد هم الذين آمنوا من اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه تمسكوا بالكتاب الذي جاء به موسى عليه السلام فلم يحرفوه ولم يكتموه ولم يتخذوه مأكلة اى وسيلة وسببا لاكل اموال الناس وقال عطاء هم امة محمد عليه السلام فالمراد بالكتاب القرآن وَأَقامُوا الصَّلاةَ من قبيل ذكر الخاص بعد ذكر العام للتنبيه على شرف الخاص وفضله فان اقامة الصلاة أعظم العبادات وأفضلها بعد الايمان فافردت بالذكر لعلو قدرها بالنسبة الى سائر انواع التمسكات

خانه دين خويش را چوخدا

بر ستون نماز كرد بنا

بي شكى تا ستون بجاى بود

خانه دين حق بپاى بود

إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ اى نعطيهم أجرهم فى القول والعمل قال الكاشفى [مزد كار بصلاح آرندگان كردار خود را بلكه بتمام بديشان رسانيم] والإصلاح اما إصلاح الظواهر واما إصلاح السرائر وذلك بالتقيد بالأعمال الظاهرة وتربية النفس الى ان تصلح لقبول فيض

ص: 270

نور الله واعلم ان الغالب فى آخر الزمان ترك العمل بالقرآن ولقد خلف من بعد السعداء أشقياء اطمأنوا الى زخارف الدنيا قال الحسن رأيت سبعين بدريا كانوا فيما أحل الله لهم ازهد منكم فيما حرم الله عليكم وكانوا بالبلاء أشد منكم فرحا بالرخاء لو رأيتموهم قلتم مجانين ولو رأوا اخياركم قالوا ما لهؤلاء من خلاق ولو رأوا أشراركم حكموا بانهم ما يؤمنون بيوم الحساب إذا عرض عليهم الحلال من المال تركوه خوفا من فساد قلوبهم قال هرم لاويس اين تأمرنى ان أكون فاومأ الى الشام فقال هرم كيف المعيشة بها قال اويس أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها العظة قال من قال

خانه پر كندم ويك جو نفرستاده بكور

غم مركت چوغم برك زمستانى نيست

وهذا الشك لا يزول الا بالتوفيق الخاص الإلهي ولا بد من تربية المرشد الكامل فانه اعرف بمصالح النفس ومفاسدها

ز من اى دوست اين يك پند بپذير

برو فتراك صاحب دولتى كير

وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ النتق قلع الشيء من موضع والجبل هو الطور الذي سمع موسى كلام الله واعطى الألواح وهو عليه او جبل من جبال فلسطين او الجبل الذي كان عند بيت المقدس وفوقهم منصوب بنتقنا باعتبار تضمنه لمعنى رفعنا كأنه قيل رفعنا الجبل فوق بنى إسرائيل بنتقه وقلعه من مكانه فالنتق من مقدمات الرفع وسبب لحصوله كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ اى سقيفة وهى كل ما اظلك بالفارسية [سايبان] وَظَنُّوا اى تيقنوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ اى ساقط عليهم لان الجبل لا يثبت فى الجو ولانهم كانوا يوعدون به على تقدير عدم قبولهم احكام التوراة- روى- ان موسى عليه السلام لما اتى بنى إسرائيل بالتوراة وقرآها عليهم وسمعوا ما فيها من التكاليف الشاقة أبوا ان يقبلوها ويتدينوا بما فيها فامر الله الجبل فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم بحيث حاذى معسكرهم جميعا ولم يبق منهم أحد الا والجبل فوقه وكان معسكرهم فرسخا فى فرسخ وقيل لهم ان قبلتموها بما فيها والا ليقعن عليكم فلما نظروا الى الجبل خر كل رجل منهم ساجدا على جانبه الا يسر وهو ينظر بعينه اليمنى الى الجبل خوفا من سقوطه فلذلك لا ترى يهوديا يسجد الأعلى جانبه الا يسر ويقولون هى السجدة التي رفعت بها عنا العقوبة فقبلوها جبرا قيل كل من اتى بشىء جبرا ينكص على عقبيه حين يجد فرصة كذلك اهل التوراة لما قبلوها جبرا ما لبثوا حتى شرعوا فى تحريفها خُذُوا على إضمار القول اى قلنا خذوا ما آتَيْناكُمْ من الكتاب بِقُوَّةٍ بجد وعزم على تحمل مشاقه وهو حال من الواو وَاذْكُرُوا ما فِيهِ بالعمل ولا تتركوه كالمنسى لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ بذلك قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق وفى الآية اشارة الى ان الإنسان لو وكل الى نفسه وطبيعته لا يقبل شيأ من الأمور الدينية طبعا ولا يحمل أثقاله قطعا الا ان يعان على القبول والحمل بامر ظاهر او باطن فيضطر الى القبول والحمل فالله تعالى أعان ارباب العناية حتى حملوا أثقال المجاهدات والرياضيات وأخذوا ما آتاهم الله بقوة منه لا بقوتهم وإرادتهم: وفى المثنوى

چشمها وكوشها را بسته اند

جز مر آنها را كه از خود رسته اند

ص: 271

جز عنايت كه كشايد چشم را

حز محبت كه نشايد خشم را

جهد بي توفيق خود كس را مباد

در جهان والله اعلم بالرشاد

قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره مخاطبا لحضرة الهدايى ان كثيرا قد اجتهدوا ثلاثين سنة فلم يتيسر ما حصل لك فقال الهدايى ان بابنا الذي نخدم فيه أعلى مما خدموا فينبغى ان تكون لنا العناية بهذا القدر فتبسم حضرة الشيخ- يحكى- ان أبا يزيد البسطامي لم يأكل البطيخ الأخضر زمانا لعدم وقوفه على ان النبي عليه السلام بأى وجه قطعه والشمس التبريزي قال ان البسطامي كان فى الحجاب بسبب قصة البطيخ قال افتاده افندى كأنه أراد ان قوة زهد البسطامي جعلته محجوبا ولكن التحقيق ان كلا منهما على الكمال غايته ان أبا يزيد البسطامي وصل من طريق الرياضة والشمس التبريزي وصل من طريق المعرفة والطرق الى الله كثيرة ولكن طريق الرياضة احكم واثبت فصاحب الزهد الغالب وان لم ينفتح له الطريق زمانا ولكنه إذا انفتح يكون دفعة وبذلك لم يقدر الحلاج على ضبطه لكماله فى الشريعة والطريقة فظهر حقيقة الحال على الأسلوب المذكور فعناية الله تعالى تهدى اولا الى القبول ثم الى الزهد والرياضة ثم الى العشق والحالة ثم الى عالم الحقيقة والطرق الى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق فكل أحد يصل الى الله تعالى من طريق وهى غير متعينة وليست هى كما يزعمها الناس إذ ليست على الأسلوب الظاهر قال الله تعالى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها فالمراد بها الطريق المناسب لكل أحد وطريق الوصول هو التقوى والذكر واعلم ان الكتب الالهية انما جاءت رحمة من الله تعالى وعناية وكذا الأنبياء عليهم السلام فمن اتبعهم وقبل ما جاؤا به فقد نجا من العقبات وخرج من محبس هذا العالم وطار الى الملكوت الأعلى وللهمة تأثير عظيم- ذكر- ان فى الهند قوما إذا اهتموا بشىء اعتزلوا عن الناس وصرفوا همتهم الى ذلك الشيء فيقع على وفق اهتمامهم ومن هذا القبيل ما ذكر ان السلطان محمود غزا بلاد الهند وكانت فيها مدينة كلما قصدها مرض فسأل عن ذلك فقيل له ان عندهم جمعا من الهند إذا صرفوا همتهم الى ذلك يقع المرض على وفق ما اهتموا فاشار اليه بعض أصحابه بدق الطبول ونفخ البوقات الكثيرة لتشوش همتهم ففعل ذلك فزال المرض واستخلصوا المدينة فانت ايها السالك بضرب طبول الذكر وجهره وتشوش همّ النفس وخواطرها الفاسدة تخلص مدينة القلب من يدها بعناية الله تعالى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قال بصوته الأعلى (لا اله الا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير) قال الشيخ ابو النجيب السهروردي المراد بقوله تعالى إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ الجهر بالذكر وقال عمر النسفي والامام الواحدي فى تفسيريهما الذكر من جملة الفرائض وإعلان الفرائض اولى وأحب دفعا للتهمة والجهر يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه الى الفكر ويصرف سمعه اليه ويطرد النوم ويزيد فى النشاط: وفى المثنوى

يا دهان خويشتن را پاك كن

روح خود را چاپك و چالاك كن

ذكر حق پاكست چون پاكى رسيد

رخت بر بندد برون آيد پليد

مى كريزد ضدها از ضدها

شب كريزد چون بر افروزد ضيا

ص: 272

چون در آيد نام پاك اندر دهان

نى پليدى ماند ونى اندهان

قوله تعالى وَاذْكُرُوا ما فِيهِ يتناول الذكر اللفظي والحفظ الظاهري وان كان العمدة هى العمل كما قال سعدى قدس سره [مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب عامىء متعبد پياده رفتست وعالم متهاون سوار خفته] أيقظنا الله وإياكم من منام الغفلة والجهالة وختم عواقب أمورنا بأحسن الخاتمة والحالة آمين وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ اى واذكر يا محمد لبنى إسرائيل وقت أخذ ربك مِنْ بَنِي آدَمَ اى آدم وأولاده كأنه صار اسما للنوع كالانسان والبشر والمراد بهم الذين ولدهم كائنا من كان نسلا بعد نسل سوى من لم يولد له بسبب من الأسباب كالعقم وعدم التزوج والموت صغيرا مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بنى آدم بدل البعض اى من أصلابهم وفيه تنبيه على ان الميثاق قد أخذ منهم وهم فى أصلاب الآباء ولم يستودعوا فى أرحام الأمهات ذُرِّيَّتَهُمْ مفعول أخذ أي نسلهم قرنا بعد قرن يعنى اخرج بعضهم من بعض كما يتوالدون فى الدنيا بحسب الأصلاب والأرحام والأدوار والأطوار الى آخر ولد يولد وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ اى اشهد كل واحد من أولئك الذريات المخصوصين المأخوذين من ظهور آبائهم على نفسه لا على غيره تقريرا لهم بربوبيته التامة وما تستتبعه من العبودية على الاختصاص وغير ذلك من أحكامها أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ على ارادة القول اى قائلا ألست بربكم ومالك أمركم ومربيكم على الإطلاق من غير ان يكون لاحد مدخل فى شأن من شؤونكم قالُوا استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قالوا فقيل قالوا بَلى شَهِدْنا اى على أنفسنا بانك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك والفرق بين بلى ونعم ان بلى اثبات لما بعد النفي اى أنت ربنا فيكون ايمانا ونعم لتقرير ما سبق من النفي اى لست بربنا فيكون كفرا وهذا تمثيل وتخييل نزل تمكينهم من العلم بربوبيته بنصب الدلائل الآفاقية والانفسية وخلق الاستعداد فيهم منزلة الاشهاد وتمكينهم من معرفتها والإقرار بها منزلة الاعتراف فلم يكن هناك أخذ وإشهاد وسؤال وجواب وباب التمثيل باب واسع وارد فى القرآن والحديث وكلام البلغاء قال الله تعالى فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ أَنْ تَقُولُوا مفعول له لما قبله من الاخذ والاشهاد اى فعلنا ما فعلنا كراهة ان تقولوا يَوْمَ الْقِيامَةِ عند ظهور الأمر إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا اى عن وحدانية الربوبية وأحكامها غافِلِينَ لم ننبه عليه بدليل فانهم حيث جبلوا على الفطرة ومعرفة الحق فى القوة القريبة من الفعل صاروا محجوجين عاجزين عن الاعتذار بذلك ولو لم تكن الآية على طريقة التمثيل بل لو أريد حقيقة الاشهاد والاعتراف وقد انسى الله تعالى بحكمته تلك الحال لم يصح قوله ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين كما فى حواشى سعدى چلبى المفتى أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا عطف على ان تقولوا واو لمنع الخلو دون الجمع اى اخترعوا الإشراك وهم سنوه مِنْ قَبْلُ من قبل زماننا وَكُنَّا نحن ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ لا نهتدى الى السبيل ولا نقدر على الاستدلال بالدليل فاقتدينا بهم أَفَتُهْلِكُنا اى أتؤاخذنا فتهلكنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ من آبائنا المضلين بعد ظهور انهم المجرمون ونحن عاجزون عن التدبر والاستبداد بالرأى فان ما ذكر من

ص: 273

استعدادهم الكامل يسد عليهم باب الاعتذار بهذا ايضا فان التقليد بعد قيام الدلائل والقدرة على الاستدلال بها مما لا مساغ له أصلا وَكَذلِكَ اشارة الى مصدر الفعل المذكور بعده ومحله النصب على المصدرية اى مثل ذلك التفصيل البليغ المستتبع للمنافع الجليلة نُفَصِّلُ الْآياتِ المذكورة لا غير ذلك وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وليرجعوا عما هم عليه من الإصرار على الباطل وتقليد الآباء نفعل التفصيل المذكور. فالوا وان ابتدائيتان ويجوز ان تكون الثانية عاطفة على مقدر مرتب على التفصيل اى وكذلك نفصل الآيات ليقفوا على ما فيها ومن المرغبات والزواجر وليرجعوا إلخ هذا والأكثر على ان المقاولة المذكورة فى الآية حقيقة لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما من انه لما خلق الله آدم عليه السلام مسح ظهره فاخرج منه كل نسمة هو خالقها الى يوم القيامة فقال ألست بربكم قالوا بلى فنودى يومئذ جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة وقد روى عن عمر رضى الله عنه انه سئل عن الآية الكريمة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال (ان الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل اهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال هؤلاء للنار وبعمل اهل النار يعملون) فقال رجل ففيم العمل يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتى يموت على عمل من اعمال اهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا حلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من اعمال اهل النار فيدخل به النار) وليس المعنى انه تعالى اخرج الكل من ظهره عليه السلام بالذات بل اخرج من ظهره عليه السلام أبناءه الصلبية ومن ظهورهم أبناءهم الصلبية وهكذا الى آخر السلسلة لكن لما كان الظهر الأصلي ظهره عليه السلام وكان مساق الحديثين الشريفين بيان حال الفريقين اجمالا من غير ان يتعلق بذكر الوسائط غرض علمى نسب إخراج الكل اليه واما الآية الكريمة فحيث كانت مسوقة للاحتجاج على الكفرة المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان عدم إفادة الاعتذار بإسناد الإشراك الى آبائهم اقتضى الحال نسبة إخراج كل واحد منهم الى ظهر أبيه من غير تعرض لاخراج الأبناء الصلبية لآدم عليه السلام من ظهره قطعا كذا فى الإرشاد وقال الحدادي فان قيل كيف يكون الميثاق حجة على الكفار منهم وهم لا يذكرون ذلك حين أخرجهم من صلب آدم قيل لما أرسل الله الرسل فاخبروهم بذلك الميثاق صار قول الرسل حجة عليهم وان لم يذكروا ألا ترى ان من ترك من صلاته ركعة ونسى ذلك فذكرت له ذلك الثقات كان قولهم حجة عليه قال المولى ابو السعود على القول الثاني وهو ما ذهب اليه الأكثر من حقيقة المقاولة ان قوله تعالى أَنْ تَقُولُوا إلخ ليس مفعولا له لقوله تعالى وَأَشْهَدَهُمْ وما يتفرع عليه من قولهم بَلى شَهِدْنا حتى يجب كون ذلك الاشهاد والشهادة محفوظا لهم فى إلزامهم بل لفعل مضمر ينسحب الكلام عليه والمعنى فعلنا ما فعلنا من الأمر بذكر الميثاق وبيانه كراهة ان تقولوا ايها الكفرة يوم القيامة انا كنا غافلين عن ذلك الميثاق لم ننبه عليه فى دار التكليف والا لعملنا بموجبه انتهى

ص: 274

وقال الكاشفى [اى درويش اين آيت مركز عهد ازلست بي خبران سر كوچهـ غفلت را متنبه سازد والا هوشمندان بيدار دل از ان سؤال وجواب غافل نيستند]

ألست از ازل همچنانش بكوش

بفرياد قالوا بلى در خروش

[در نفحات مذكورست كه على سهل اصفهانى را كفتند كه روز بلى را ياد دارى كفت چون ندارم كوئى دى بود شيخ الإسلام خواجه انصارى فرمود كه درين سخن نقض است صوفى را دى وفردا چهـ بود آن روز را هنوز شب در نيامده وصوفى در همان روزست]

روز امروز است اى صوفى وشان

كى بود از دى واز فردا نشان

آنكه از حق نيست غافل يكنفس

ماضى ومستقبل وحالست وبس

وسئل ذو النون رضى الله عنه عن سر ميثاق مقام ألست بربكم هل تذكره فقال كأنه الآن فى اذنى واعلم ان لبعض أرواح الكمل تحقق الاتصاف بالعلم قبل تعينه بهذا المزاج الجزئى العنصري فى مرتبة العين والخارج من جهة كلية الروحانية المتعينة قبله فى مرتبة النفس الكلى بنفس تعين الروح الإلهي الأصلي فالروح الكلى الوصف والذات من أرواح الكمل يتعين فى كل مرتبة وعالم من المراتب والعوالم التي يمر عليها عند النزول والهبوط الى مرتبة الحس الظاهر وعالم المزاج العنصري الى حين اتصاله بهذه النشأة العنصرية تعينا يقتضيه حكم الروح الأصلي فى ذلك العالم وفى تلك المرتبة فيعلم حالتئذ اى حالة إذ تعين حين الاتصال بهذه النشأة العنصرية مما يعلم الروح الإلهي الأصلي ما شاء الله ان يعلمه من علومه ومتى كشفت هذا السر عرفت سر قوله عليه السلام (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين) وسر قول ذى النون كما سبق وان شئت زيادة تحقيق هذا المقام فارجع الى مطالعة مفتاح الغيب للصدر القنوى قدس سره وقال فى التأويلات النجمية فى الآية اشارة الى ان أخذ المخلوقين يكون أخذ الشيء الموجود من الشيء الموجود وان أخذ الخالق تارة هو أخذ الشيء المعدوم من العدم كقوله خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً وتارة هو أخذ الشيء المعدوم من الشيء المعدوم كقوله وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ فكان بنوا آدم معدومين وظهورهم معدومين وذرياتهم معدومين فاخذ بكمال قدرته ذرياتهم المعدومة الى يوم القيامة من ظهورهم المعدومة من بنى آدم المعدومين فاوجدهم الله فى تلك الحالة وأعطاهم وجودا مناسبا لتلك الحالة فلما استخرج الله من ظهر آدم ذرات بنيه واستخرج من ظهورهم ذرات ذرياتهم المودعة فيها الى يوم القيامة والأرواح فى تلك الحالة جنود مجندة فى ثلاثة صفوف. الصف الاول أرواح السابقين. والصف الثاني أرواح اصحاب الميمنة. والصف الثالث أرواح اصحاب المشأمة تنورت الذرات بانوار أرواحها ولبست تلك الذرات الموجودة بالوجود الرباني لباس الوجود الروحاني ولبست الاسماع والابصار والافئدة لباسا روحانيا ثم خاطبهم الحق بخطاب ألست بربكم فسمع السابقون بسمع نورانى روحانى خطابه وشاهدوا بأبصار نورانية جماله واحبوه بافئدة روحانية ربانية نورانية بنور المحبة للقائه فاجابوه على المحبة فقالوا بلى أنت ربنا المحبوب والمعبود شهدنا اى شاهدنا محبوبيتك وربوبيتك فاخذ مواثيقهم ان لا يحبوا ولا يعبدوا الا إياه وسمع اصحاب الميمنة بسمع روحانى خطابه وطالعوا بابصار

ص: 275

روحانية جلاله وآمنوا بافئدة ربانية الهية فاجابوه على العبودية وقالوا بلى أنت ربنا المعبود سمعنا واطعنا فاخذ مواثيقهم ان لا يعبدوا الا إياه وسمع اصحاب المشأمة خطابه بسمع روحانى من وراء حجاب العزة وفى آذانهم وقر الغرة وعلى أبصارهم غشاوة الشقاوة وعلى افئدتهم ختم المحنة فاجابوه على الكلفة وقالوا بلى أنت ربنا سمعنا كرها فاخذ مواثيقهم على العبودية فالآن يرجع التفاوت بين الخليقة فى الكفر والايمان الى تفاوت الاستعدادات الروحانية والربانية فافهم جدا ثم اعلم انا لا نجد ان الله تعالى ذكر انه كلم أحدا وهو بعد فى العدم الا بنى آدم فانه كلمهم وهم غير موجودين وأجابوه وهم معدومون فجرى بالجود ما جرى لا بالوجود فهذا بدايتهم والى هذا تنتهى نهايتهم بان يكون الله تعالى هو سمعهم وأبصارهم وألسنتهم كما قال (كنت له سمعا وبصرا ولسانا فبى يسمع وبي يبصر وبي ينطق) والى هذا أشار الجنيد حين سئل ما النهاية قال الرجوع الى البداية انتهى كلام التأويلات النجمية باختصار وقد عرفت من هذا ان اهل الحقيقة جار فى هذا المسك على حقيقته لان من غلب روحانيته على جسمائيته يرى الأمر سهلا ولا يصعب عليه شىء خلافا لاهل الظاهر والمعتزلة أنكروا هذه الرواية وقالوا ان البينة شرط لحصول الحياة والعقل والفهم فتلك الذريات المأخوذة من ظهور بنى آدم لا يكون أحد منهم عالما فاهما عاقلا الا إذا حصل له قدر من الجسامة والبنية اللحمية والدموية وإذا كان كذلك فمجموع تلك الاشخاص الذين خرجوا الى الوجود من أول تخليق آدم الى قيام الساعة لا تحويهم عرصة الدنيا فكيف يمكن ان يقال انهم حصلوا باسرهم دفعة واحدة فى صلب آدم فانظر الى هذا القول الضعيف والرأى السخيف ولو قلت لهم هل يستطيع الله ان يجعل السموات والأرضين والجبال والشجر والماء فى بيضة من عير ان يزيد فى البيضة شيأ ومن غير ان ينقص من هذا شيأ لقالوا لا والعياذ بالله فعليك برعاية عهد ألست حتى ينكشف لك ما هو مستور عنك وعن امثالك وينجلى الغيب كالشمس فى مرآة بالك فتنظر كيف الصورة والمعنى والظهور والخفاء وَاتْلُ اقرأ يا محمد عَلَيْهِمْ اى على اليهود نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا اى خبره الذي له شأن وخطر فان النبأ خبر عن امر عظيم ومعنى آتيناه آياتنا اى علمناه دلائل الوهيتنا ووحدانيتنا وفهمناه تلك الدلائل وفيه اقوال والأنسب بمقام توبيخ اليهود ببهتانهم انه أحد علماء بنى إسرائيل كما فى الإرشاد او هو بلعم بن باعورا كما فى منهاج العابدين للامام الغزالي وقولهم انه من الكنعانيين الجبارين انما هو لكونه ساكنا فى دارهم والمرء ينسب الى منشأة ومولوده كما هو اللائح فافهم والأسلم فى تقرير القصة ما ذكره الحدادي فى تفسيره نقلا عن ابن عباس وابن مسعود حيث قال كان عابدا من عباد بنى إسرائيل وكان فى المدينة التي قصدها موسى عليه السلام وكان اهل تلك المدينة كفارا وكان عنده اسم الله الأعظم فسأله ملكهم ان يدعوا على موسى بالاسم الأعظم ليدفعه عن تلك المدينة فقال لهم دينه ودينى واحد وهذا شىء لا يكون وكيف ادعو عليه وهو نبى الله ومعه الملائكة والمؤمنون وانا اعلم من الله ما اعلم وانى ان فعلت ذلك أذهبت دنياى وآخرتي فلم يزالوا به يفتنونه بالمال والهدايا حتى فتنوه

ص: 276

فافتتن قيل كان لبلعم امرأة يحبها ويطيعها فجمع قومه هدايا عظيمة فأتوا بها إليها وقبلتها فقالوا لها قد نزل بنا ماترين فكلمى بلعم فى هذا فقالت لبلعم ان لهؤلاء القوم حقا وجوارا عليك وليس مثلك يخذل جيرانه عند الشدائد وقد كانوا محسنين إليك وأنت جدير ان تكافئهم وتهتم بامرهم فقال لها لولا انى اعلم ان هذا الأمر من عند الله لاجبتهم فلم تزل به حتى صرفته عن رأيه فركب أتانا له متوجها الى الجبل ليدعو على موسى فما سار على الأتان الا قليلا فربضت فنزل عنها فضربها حتى كاد يهلكها فقامت فركبها فربضت فضربها فانطقها الله تعالى فقالت يا بلعم ويحك اين تذهب ألا ترى الى هؤلاء الملائكة امامى يردوننى عن وجهى فكيف أريد ان تذهب لتدعو على نبى الله وعلى المؤمنين فخلى سبيلها وانطلق حتى وصل الى الجبل وجعل يدعو فكان

لا يدعو بسوء إلا صرف الله به لسانه على قومه ولا يدعو بخير الا صرف الله به لسانه الى موسى فقال له قومه يا بلعم انما أنت تدعو علينا وتدعو له فقال هذا والله الذي أملكه وانطق الله به لسانى ثم امتد لسانه حتى بلغ صدره فقال لهم قد ذهبت والله منى الآن الدنيا والآخرة فلم يبق الا المكر والحيلة فسأمكر لكم واحتال حلوا النساء وزينوهن وأعطوهن الطيب وارسلوهن الى العسكر وأمروهن لا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها فانهم ان زنى منهم رجل واحد كفيتموهم ففعلوا فلما دخلت النساء المعسكر مرت امرأة منهم برجل من عظماء بنى إسرائيل فقام إليها وأخذ بيدها حين أعجبته بحسنها ثم اقبل بها الى موسى وقال له انى لأظنك ان تقول هذه حرام قال نعم هى حرام عليك لا تقربها قال فو الله لا نطيعك فى هذا ثم دخل بها قبة فوقع عليها فارسل الله على بنى إسرائيل الطاعون فى الوقت وكان فخاض بن العيزار صاحب امر موسى رجلا له بسطة فى الخلق وقوة فى البطش وكان غائبا حين صنع ذلك الرجل بالمرأة ما صنع فجاء والطاعون يجوس فى بنى إسرائيل فاخبر الخبر فاخذ حربته وكانت من حديد كلها ثم دخل على القبة فوجدهما متضاجعين فدفهما بحريته حتى انتظمهما بها جميعا فخرج بهما يحملهما بالحربة رافعا بهما الى السماء والحربة قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقه وأسند الحربة الى لحيته وجعل يقول اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك فرفع الطاعون من حينئذ عنهم فحسب من هلك من بنى إسرائيل فى ذلك الطاعون فوجدهم سبعين الفا فى ساعة من نهار وهو ما بين ان زنى ذلك الرجل بها الى ان قتل ثم ان موسى عليه السلام أفتاه يوشع بن نون حاربوا أهل تلك البلدة وغلبوهم وقتلوا منهم وأسروا وأتوا ببلعم أسيرا فقتل فجاؤا بما قبل من العطايا الكثيرة وغنموها فَانْسَلَخَ مِنْها اى من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة والحية ولم يخطرها بباله أصلا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ اتبع وتبع بمعنى واحد كاردف وردف. والمعنى ان الشيطان كان وراءه طالبا لإضلاله وهو يسبقه بالايمان والطاعة لا يدركه الشيطان ثم لما انسلخ من الآيات لحقه وأدركه فَكانَ [پس كشت آن داننده آيات] اى فصار مِنَ الْغاوِينَ من زمرة الضالين الراسخين فى الغواية بعد ان كان من المهتدين. والغى يذكر بمعنى الهلاك ويذكر بمعنى الخيبة وفى القاموس غوى ضل قال الامام الغزالي كان بلعم بن باعورا بحيث إذا

ص: 277

نظر رأى العرش ولم يكن له الا زلة واحدة مال الى الدنيا وأهلها ميلة واحدة ولم يترك لولى من أوليائه حرمة واحدة فسلبه معرفته وكان فى أول امره بحيث يكون فى مجلسه اثنا عشر الف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه ثم صار بحيث كان أول من صنف كتابا ان ليس للعالم صانع نعوذ بالله من سخطه انتهى فلا يأمن السالك المحق مكر الله ولو بلغ أقصى مقامات الأنبياء والمرسلين فلا يغلق على نفسه أبواب المجاهدات والرياضات ومخالفات النفس وهواها فى كل حال كما كان حال النبي عليه السلام والائمة الراشدين والصحابة والتابعين وائمة السلف والمشايخ المتقدمين ولا يفتح على نفسه التنعم والتمتع الدنيوي فى المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمركب والمسكن لانه كما ان لله تعالى فى مكامن الغيب للسعداء الطافا خفية مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كذلك له فيها بلايا لهم فليحترز السالك الصادق بل البالغ الواصل والكامل الحاذق من ان يتعرض لتلك البلايا بالتوسع فى الدنيا والتبسط فى الأحوال وتتبع الهوى كما فى التأويلات النجمية قال الكاشفى [شيخ الإسلام فرمود تا باد تقدير از كجا بر آيد و چهـ بو العجبى نمايد اگر از جانب فضل وزد زنار بهرام كبر را كمر عشقبازى راه دين كرداند واگر از طرف عدل وزد توحيد بلعم را بر انداخته با سك خسيس برابرى دهدى]

انرا برى از صومعه بر دير كبران افكنى

وين را كشى از بتكده سر حلقه مردان كنى

چون و چرا در كار تو عقل زبونرا كى رسد

فرمان ده مطلق تويى حكمى كه خواهى آن كنى

وَلَوْ شِئْنا رفعه لَرَفَعْناهُ الى منازل الأبرار من العلماء بِها اى بسبب تلك الآيات وملازمتها وقال بعضهم هى صحف ابراهيم عليه السلام وكان بلعم قد قرأها او الكلمات التي اشتملت على الاسم الأعظم وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ اى مال الى الدنيا فلم نشأ رفعه لمباشرته لسبب نقيضه. والإخلاد الى الشيء الميل اليه مع الاطمئنان وعبر عن الدنيا بالأرض لان ما فيها من العقار والرباع كلها ارض وسائر متاعها مستخرج من الأرض والإخلاد الى الأرض كناية عن الاعراض عن ملازمة الآيات والعمل بمقتضاها والكناية ابلغ من التصريح وَاتَّبَعَ هَواهُ فى إيثار الدنيا واسترضاه قومه فانحط ابلغ انحطاط وارتد أسفل سافلين والى ذلك أشير بقوله تعالى فَمَثَلُهُ اى فصفته التي هى مثل فى الخسة والرذالة.

والمثل لفظ مشترك بين الوصف وبين ما يضرب مثلا والمراد هاهنا الوصف كذا فى البحر كَمَثَلِ الْكَلْبِ اى كصفته فى اخس أحواله وهو إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ [اگر حمله كنى برو وبرانى او را] والخطاب لكل أحد ممن له حظ من الخطاب فانه ادخل فى اشاعة فظاعة حاله يَلْهَثْ اللهث ادلاع اللسان اى إخراجه بالنفس الشديد أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ اى يلهث دائما سواء حمل عليه بالزجر والطرد او ترك ولم يتعرض له فان فى الكلاب طبعا لا تقدر على نفض الهواء السخن وجلب الهواء البارد بسهولة لضعف قلبها وانقطاع فؤادها بخلاف سائر الحيوانات فانها لا تحتاج الى التنفس الشديد ولا يلحقها الكرب والمضايقة الا عند التعب والاعياء فكما ان الكلب دائم اللهث ضيق الحال فكذا هذا الكافر ان زجرته

ص: 278

ووعظته لم ينزجر ولم يتعظ وان تركته لم يهتد ولم يعقل فهو متردد الى ما لا غاية وراءه فى الحسة والدناءة فانظر حب الدنيا وشؤمها ماذا يجلب للعلماء خاصة وفى الحديث (من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله تعالى الا بعدا) والنعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها وهو الكفور الذي لا يؤدى شكرها وكما ان الكلب لا يعرف الإكرام من الاهانة والرفعة والشرف من الحقارة وانما الكرامة كلها عنده فى كسرة يطعمها او عراق مائدة يرمى اليه سواء تقعده على سرير معك او فى التراب والقذر فكذا العبد السوء لا يعرف قدر الكرامة ويجهل حق النعمة فينسلخ عن لباس الفضل والكرم ويرتدى برداء القهر والمكر قال فى التأويلات النجمية فلا يغترن جاهل مفتون بان اتباع الهوى لا يضره فان الله تعالى حذر الأنبياء عن اتباع الهوى وأوعدهم عليه بالضلال كقوله يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: قال الحافظ

مباش غره بعلم وعمل فقيه مدام

كه هيچكس ز قضاى خداى جان نبرد

ذلِكَ اى ذلك المثل السيّء مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وهم اليهود وكما ان بلعم بعد ما اوتى آيات الله انسلخ منها ومال الى الدنيا حتى صار كالكلب كذلك اليهود بعد ما أوتوا التوراة المشتملة على نعت الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر القرآن المعجز وبشرى الناس باقتراب مبعثه وكانوا يستفتحون به انسلخوا مما اعتقدوا فى حقه وكذبوه وحرفوا اسمه فَاقْصُصِ الْقَصَصَ [پس بخوان بر ايشان اين خبر را] والقصص مصدر سمى به المفعول كالسلب واللام للعهد لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ راجيا تفكرهم تفكرا يؤدى بهم الى الاتعاظ ساءَ مَثَلًا ساء بمعنى بئس ومثلا تمييز من الفاعل المضمر فى ساء مفسر له الْقَوْمُ مخصوص بالذم بتقدير المضاف لوجوب التصادف بينه وبين الفاعل والتمييز اى ساء مثلا مثل القوم وبئس الوصف وصف القوم قال الحدادي وهذا السوء انما يرجع الى فعلهم لا الى نفس المثل كأنه قال ساء فعلهم الذي جلب إليهم الوصف القبيح فاما المثل فهو من الله حكم وصواب الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا بعد قيام الحجة عليها وعلمهم بها وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ اى ما ظلموا بالتكذيب الا أنفسهم فان وباله لا يتخطاها مَنْ يَهْدِ اللَّهُ اى يخلق فيه الاهتداء فَهُوَ الْمُهْتَدِي لا غير كائنا من كان وانما العظة والتذكير من قبيل الوسائط العادية فى حصول الاهتداء من غير تأثير لها فيه سوى كونها دواعى الى صرف العبد اختياره نحو تحصيله وَمَنْ يُضْلِلْ بان لم يخلق فيه الاهتداء بل خلق الله فيه الضلالة لصرف اختياره نحوها فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ اى الكاملون فى الخسران لا غير وفيه اشارة الى ان من أدركته العناية ولحقته الهداية اليوم لم ينزل عن المراتب العلوية الى المدارك السفلية فهم الذين أصابهم رشاش النور الذي رش عليهم من نوره ومن خذله حتى اتبع هواه فاضله الهوى عن سبيل الله فهم الذين اخطأهم ذلك النور ولم يصبهم فوقعوا فى الضلالة والخسران وكان سفيان الثوري يقول اللهم سلم سلم كأنه فى سفينة يخشى الغرق ولما قدم البشير على يعقوب عليه السلام

ص: 279

قال على أي دين تركته قال على دين الإسلام قال الآن تمت النعمة وقيل ما من كلمة أحب الى الله تعالى ولا ابلغ عنده فى الشكر من ان يقول العبد الحمد لله الذي أنعم علينا وهدانا الى الإسلام وإياك ان تغفل عن الشكر وتغتر بما أنت عليه فى الحال من الإسلام والمعرفة والتوفيق والعصمة فانه مع ذلك لا موضع للامن والغفلة فان الأمور بالعواقب قال بعض العارفين ان بعض الأنبياء عليهم السلام سأل الله تعالى عن امر بلعم وطرده بعد تلك الآيات والكرامات فقال الله تعالى لم يشكرنى يوما من الأيام على ما أعطيته ولو شكرنى على ذلك مرة لما سلبته فمن كان له جوهر نفيس يمكنه ان يأخذ فى ثمنه الف الف دينار فباعه بفلس أليس يكون ذلك خسرانا عظيما وغبنا فظيعا ودليلا بينا على خسة الهمة وقصور العلم وضعف الرأى وقلة العقل فتيقظ حتى لا تذهب عنك الدنيا والآخرة وتنبه فان الأمر خطير والعمر قصير وفى العمل تقصير والناقد بصير فان ختم الله بالخير اعمالنا وأقال عثراتنا فما ذلك عليه بعسير اللهم حقق رجاء عبدك الفقير وَلَقَدْ ذَرَأْنا اى وبالله قد خلقنا قال فى القاموس ذرأ كجعل خلق والشيء كثر ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين لِجَهَنَّمَ اى لدخولها والتعذيب بها وهى سجن الله فى الآخرة سميت جهنم لبعد قعرها يقال بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر وهى تحتوى على حرور وزمهرير ففيها الحر والبرد على أقصى درجاتهما وبين أعلاها وقعرها خمس وسبعون مائة من السنين كَثِيراً كائنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنى المصرين على الكفر فى علم الله تعالى فاللام فى لجهنم للعاقبة لان من علم الله ان يصر على الكفر باختياره فهو يصير من اهل النار. والجن أجسام هوائية قادرة على التشكل باشكال مختلفة لها عقول وإفهام وقدرة على الأعمال الشاقة وهى خلاف الانس سميت بذلك لاستجنانهم واستتارهم عن العيون يقال جنه الليل ستره والانس البشر كالانسان من آنس الشيء أبصره وقدم الجن على الانس لانهم اكثر عددا واقدم خلقا ولان لفظ الانس أخف بمكان النون الخفيفة والسين المهموسة فكان الأثقل اولى باول الكلام من الأخف لنشاط المتكلم وراحته والإجماع على ان الجن متعبدون بهذه الشريعة على الخصوص وان نبينا صلى الله عليه وسلم مبعوث الى الثقلين ولا شك انهم مكلفون فى الأمم الماضية كما هم مكلفون فى هذه الامة لقوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ وجمع الفريقين انما هو باعتبار استعدادهم الكامل الفطري للعبادة والسعادة والألم يصح التكليف عليهم فان قلت ما الحكمة فى ان الله تعالى جعل الكفار اكثر من المؤمنين قلت ليريهم انه مستغن عن طاعتهم وليظهر عز المؤمنين فيما بين ذلك لان الأشياء تعرف بأضدادها والشيء إذا قل وجوده عز فان قلت ان رحمته غلبت غضبه فيقتضى الأمر ان يكون اهل الرحمة اكثر من اهل الغضب واهل الغضب تسع وتسعون وتسعمائة من كل الف وواحد يؤخذ للجنة قلت هذه الكثرة بالنسبة الى بنى آدم واما بالنسبة الى الملائكة واهل الجنة فكثير لان بنى آدم قليل بالنسبة الى الملائكة والحور والغلمان فيكون اهل الرحمة اكثر من اهل الغضب وقيل اكثر الكفار بشارة للاخيار بكثرة الفداء لانه ورد فى الخبر الصحيح (ان كل مؤمن يأخذ كافرا بناصيته ويرميه الى النار فداء عن نفسه) وفى الحديث (ان الله لما زرأ لجهنم ما زرأ كان ولد الزنى ممن

ص: 280

زرأ لجهنم) قال فى المقاصد حديث (لا يدخل الجنة ولد زنية) ان صح فمعناه إذا عمل بمثل عمل أبويه واتفقوا على انه لا يحمل على ظاهره وقيل فى تأويله ايضا ان المراد به من يواظب الزنى كما يقال للشهود بنوا الصحف وللشجعان بنوا الحرب ولاولاد المسلمين بنوا الإسلام واتفق المشايخ من اهل الوصول ان ولد الزنى لا يكون أهلا للولاية الخاصة لَهُمْ قُلُوبٌ فى محل النصب على انه صفة اخرى لكثيرا لا يَفْقَهُونَ بِها فى محل الرفع على انه صفة لقلوب اى لا يعقلون بها إذ لا يلقونها الى معرفة الحق والنظر فى دلائله والقلب كالمرآة يصدأ من الإنكار والغفلة وجلاؤه التصديق والانابة: قال السعدي قدس سره

غبار هوا چشم عقلت بدوخت

سموم هوا كشت عمرت بسوخت

بكن سرمه غفلت از چشم پاك

كه فردا شوى سرمه در چشم خاك

وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها اى لا ينظرون الى ما خلق الله نظر اعتبار

دو چشم از پى صنع بارى نكوست

ز عيب برادر فرو كير ودوست

وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها الآيات والمواعظ سماع تأمل وتذكر

كذركاه قرآن وبندست كوش

به بهتان وباطل شنيدن مكوش

أُولئِكَ الموصوفون بالأوصاف المذكورة كَالْأَنْعامِ [مانند چهارپايانند] فى عدم الفقه والابصار للاعتبار والاستماع للتدبر اوفى ان مشاعرهم وقواهم متوجهة الى اسباب التعيش مقصورة عليها. والانعام جمع نعم بالتحريك وقد يسكن عينه وهى الإبل والشاة او خاص بالإبل كذا فى القاموس بَلْ هُمْ أَضَلُّ بل للاضراب وليس ابطالا بل هو انتقال من حكم وهو التشبيه بالانعام الى حكم آخر وهو كونهم أضل من الانعام طريقا فانها تدرك ما يمكن لها ان تدرك من المنافع والمضار وتجهد فى جلبها ودفعها غاية جهدها وهم ليسوا كذلك وهى بمعزل من الخلود وهم يتركون النعيم المقيم ويقدمون على العذاب الخالد وقيل لانها تعرف صاحبها وتذكره وتطيعه وهؤلاء لا يعرفون ربهم ولا يذكرونه ولا يطيعونه وفى الخبر (كل شىء أطوع لله من بنى آدم)

دريغ آدمي زاده پر محل

كه باشد چوانعام بل هم أضل

أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ عن امر الآخرة وما أعد فيها للعصاة وفى الإنسان جهة روحانية وجهة جسمانية وقد ركب فيه عقل وشهوة فان كان عقله غالبا على هواه كان أفضل من الملائكة وان كان مغلوبا للنفس والهوى كان أخس وأرذل من البهائم: كما قيل فى هذا المعنى

بهره از ملكت هست ونصيبى از ديو

ترك ديويى كن وبگذر بفضيلت ز ملك

واعلم ان الله تعالى خلق الخلق أطوارا. فخلق طورا منها للقرب والمحبة وهم اهل الله وخاصته إظهارا للحسن والجمال وكانوا به يسمعون كلامه وبه يبصرون جماله وبه يعرفون كماله. وخلق طورا منها للجنة ونعميها إظهارا للطف والرحمة فجعل لهم قلوبا يفقهون بها دلائل التوحيد والمعرفة وأعينا يبصرون بها آيات الحق. وخلق طورا منها للنار وجحيمها وهم اهل النار إظهارا للقهر والعزة أولئك كالانعام لا يحبون الله ولا يطلبونه بل هم أضل لانه لم يكن للانعام

ص: 281

استعداد المعرفة والطلب وانهم كانوا مستعدين للمعرفة والطلب فابطلوا الاستعداد الفطري للمعرفة والطلب بالركون الى شهوات الدنيا وزينتها واتباع الهوى فباعوا الآخرة بالأولى والدين بالدنيا وتركوا طلب المولى فصاروا أضل من الانعام لا فساد الاستعداد أولئك هم الغافلون عن الله وكمالات اهل المعرفة وعزتهم كما قال فى التأويلات النجمية قدس الله سره وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى تأنيث الأحسن اى الأسماء التي هى احسن الأسماء وأجلها لانها دالة على معانى هى احسن المعاني وأشرفها والمراد بها الألفاظ الدالة الموضوعة على المعاني المختلفة دل على ان الاسم غير المسمى ولو كان هو المسمى لكان المسمى عدد الأسماء وهو محال قال الامام الغزالي الحق ان الاسم غير التسمية وغير المسمى فان هذه ثلاثة اسماء متباينة غير مترادفة فَادْعُوهُ بِها فسموه بتلك الأسماء واذكروه بها وفى الحديث (ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا من أحصاها دخل الجنة هو الله الذي لا اله الا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلى الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوى المتين الولي الحميد المحصى المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الاول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغنى المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور) واستحسن المشايخ المتقدمون ان يبدأ اولا ويقول اللهم انى اسألك يا رحمن يا رحيم الى آخره فيجيىء بجميع الأسماء بحرف النداء ثم يقول فى آخر الكل ان تصلى على محمد وآله وان ترزقنى وجميع من يتعلق بي بتمام نعمك ودوام عافيتك يا ارحم الراحمين كما فى الاسرار المحمدية قال عبد الرحمن البسطامي فى ترويح القلوب ان العارفين يلاحظون فى الأسماء آلة التعريف واصل الكلمة. والملامية يطرحون منها آلة التعريف لانها زائدة على اصل الكلمة ومن السر المكنون فى الدعاء ان تأخذ حروف الأسماء التي تذكر بها مثل قولك الكبير المتعال ولا تأخذ الالف واللام بل تأخذ كبير متعال وتنظر كم لها من الاعداد بالجمل الكبير فتذكر ذلك العدد فى موضع خال من الأصوات بالشرائط المعتبرة عند اهل الخلوات لا تزيد على العدد ولا تنقص منه فانه يستجاب لك للوقت وهو الكبريت الأحمر بإذن الله تعالى فان الزيادة على العدد المطلوب إسراف والنقص منه إخلال والعدد فى الذكر بالأسماء كأسنان المفتاح لانها ان زادت او نقصت لا تفتح باب الاجابة البتة فافهم السر وحسن الدر واعلم انه لما كانت المقامات الدنية ثلاثة. مقام الإسلام. ومقام الايمان. ومقام الإحسان. ومراتب الجنان

ص: 282

المرتبة على الإحصاء لاهل الدين ثلاثا. جنة الأعمال. وجنة الميراث. وجنة الامتنان لا جرم كانت انواع الإحصاء ثلاثة. التعلق فى مقام الإسلام. والتخلق فى مقام الايمان. والتحقق فى مقام الإحسان فاحصاؤها بالتعلق فى مقام الإسلام هو ان يتطلب السالك آثار كل اسم منها فى نفسه وبدنه وجميع فواه وأعضائه واجزائه وجزئياته فى جميع حالاته وهيآته النفسانية والجسمانية وفى جملة تطوراته وانواع ظهوراته فيرى جميع ذلك من احكام هذه الأسماء وآثارها فيقابل كل اثر بما يليق به كمقابلة الانعام بالشكر والبلاء بالصبر وغير ذلك فبمثل هذا الإحصاء يدخل جنة الأعمال التي هى محل ستر الأغراض الزائلة بالأعيان الثابتة الباقية وهى التي اخبر عنها ابراهيم الخليل عليه السلام بانها قيعان وان غراسها سبحان الله والحمد لله واحصاؤها بالتخلق فى مقام الايمان يكون بتطلع الروح الروحانية الى حقائق هذه الأسماء ومعانيها ومفهوماتها والتخلق بكل اسم منها على نحو ما امر به من قوله عليه السلام (تخلقوا بأخلاق الله) بحيث يكون المتخلق هو عين ذلك الاسم اى بنفعل عنه ما ينفعل عن ذلك الاسم فبمثل هذا الإحصاء يدخل هذا المتخلق جنة الميراث التي هى أعلى من الجنة الاولى بل هى باطنها المنزل منها بمنزلة عالم الملكوت من عالم الملك وهى المشار إليها بقوله عليه السلام (ما منكم من أحد إلا وله منزل فى الجنة ومنزل فى النار فاذا مات ودخل النار ورث منزله اهل

الجنة وان شئتم فاقرأوا أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) واحصاؤها بالتحقق فى مقام الإحسان يكون بالتقوى والانخلاع عما قام بك او ظهر فيك من الصور والمعاني المتسمة بسمة الحدوث والاستتار بسبحات الحضرة الحقية والاحتجاب بسجف أستارها وأعيانها: كما قال

تسترت عن دهرى بظل جناحه

بحيث ارى دهرى وليس يرانى

فلو تسأل الأيام ما اسمى مادرت

واين مكانى مادرين مكانى

فبمثل هذا الإحصاء يدخل المتحقق جنة الامتنان التي هى محل سرغيب الغيب المشار إليها بقوله عليه الصلاة والسلام (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) وإليها الاشارة ايضا بقوله تعالى إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) قال ابن ملك من أحصاها اى من أطاق القيام بحق هذه الأسماء وعمل بمقتضاها بان وثق بالرزق إذا قال الرزاق وعلم ان الخير والشر من الله تعالى إذا قال الضار النافع فشكر على المنفعة وصبر على المضرة وعلى هذا سائر الأسماء وقيل معناه من عقل معانيها وصدقها وقيل معناه من عدها كلمة كلمة تبركا وإخلاصا وقال البخاري المراد به حفظها وهذا هو الأظهر لانه جاء فى الرواية الاخرى من حفظها مكان من أحصاها انتهى ولا يظن ان اسماء الله تعالى منحصرة فى هذا المقدار بل هى أشهر الأسماء ويجوز ان تتفاوت فضيلة اسماء الله تعالى بتفاوت معانيها كالجلال والشرف ويكون التسعة والتسعون منها تجمع أنواعا للمعانى المنبئة عن الجلال لا يجمع ذلك غيرها فتختص بزيادة شرف ويدل على ان اسماء الله تعالى كثيرة قوله عليه السلام (ما أصاب أحدا هم ولا حزن فقال اللهم انى عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتى بيدك ماض فىّ حكمك اسألك

ص: 283

بكل اسم هو لك سميت به نفسك او أنزلته فى كتابك او علمته أحدا من خلقك او استأثرت به فى علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى وجلاء حزنى وذهاب همى الا اذهب الله عنه كل همه وحزنه وأبدل مكانه فرحا) وعن بريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول اللهم انى اسألك بانك أنت الله لا اله الا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال صلى الله تعالى عليه وسلم (دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به اعطى وإذا دعى به أجاب) واعلم ان اسم الله أعظم الأسماء التسعة والتسعين لانه دال على الذات الجامعة لصفات الالهية كلها حتى لا يشذ منها شىء وسائر الأسماء لا يدل آحادها الا على آحاد المعاني من علم او قدرة او فعل او غيره ولانه أخص الأسماء إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازا وسائر الأسماء قد يسمى بها غيره كالقادر والعليم والرحيم وغيرها وقد جعل العلماء من خصائص هذا الاسم انه ينسب جميع اسماء الحق اليه كما قال الله تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى قال حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة فى بعض تحريراته واعلم ان الهوية الالهية السارية فى جميع المراتب تعينت اولا فى مرتبة الحياة تعين تلك المرتبة بالاولية الكبرى فتعينت نسبة عالم الغيب ثم فى مرتبة العلم تعينت تلك المرتبة ثانيا بالآخرية العظمى فتعينت نسبة عالم المعاني ثم فى مرتبة الارادة بصورة تلك المرتبة تعينت ثالثا بالظاهرية الاولى فتعينت نسبة عالم الأرواح ثم فى مرتبة القدرة تعينت تلك المرتبة رابعا بالباطنية الاولى فتعينت نسبة عالم الشهادة هو الحي العليم المريد القدير وهو الاول والآخر والظاهر والباطن وبذلك السريان ظهرت الحقائق الأربع التي هى أمهات جميع الحقائق والأسماء الالهية الكلية التي هى تسعة وتسعون او الف وواحد وتلك الحقائق الكلية تعينت من دوران تعين الأمهات الأربع فى عوالمها الاربعة فبضرب الاربعة فى الاربعة كانت ستة عشر ثم باعتبار الظهور والبطون صارت اثنين وثلاثين ثم باعتبار احدية جمع الجميع كانت ثلاثا وثلاثين ثم باعتبار دوران تعينها بعالم السمع ورتبة البصر ورتبة الكلام فيها صارت تسعة وتسعين ثم باعتبار احدية جمع الجميع كانت مائة لذلك سن رسول الله عليه السلام فى دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة وثلاثا وثلاثين تكبيرة ثم تمم المائة بقوله لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير ثم كانت الفا باعتبار تعيناتها فى الحضرات الخمس من جهة الظهور والبطون حاصلة من ضرب المائة فى العشرة الكائنة من تلك الحضرات الخمس باعتبار ظواهرها وبواطنها ثم باعتبار احدية جمع الجميع كانت الفا وواحدا فامهات الأسماء والحقائق سبع وكلياتها تسع وتسعون او الف

وواحد وجزئيات تلك الأسماء الحسنى لا تعد ولا تحصى انتهى باختصار وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ الإلحاد واللحد الميل والانحراف عن القصد اى واتركوا الذين يميلون فى شأنها عن الحق الى الباطل اما بان يسموه تعالى بما لم يسم به نفسه ولم ينطق به كتاب سماوى ولا ورد فيه نص نبوى او بما يوهم معنى فاسدا وان كان له محمل شرعى كما فى قول اهل البدو يا أبا المكارم يا ابيض الوجه فان أبا المكارم وان كان عبارة عن المستجمع لصفات الكمال الا انه يوهم معنى لا يصح فى شأنه تعالى وكذا

ص: 284

ابيض الوجه وان كان عبارة عن تقدس ذاته عن النقائص المكدرة الا انه يوهم معنى فاسدا فالمراد بالترك المأمور به الاجتناب عن ذلك وبأسمائه ما اطلقوه عليه تعالى وسموه به على زعمهم لا أسماؤه حقيقة واما بان يعدلوا عن تسميته تعالى ببعض أسمائه الكريمة كما قالوا وما الرحمن ما نعرف سوى رحمان اليمامة. فالمراد بالترك الاجتناب ايضا. وبالأسماء أسماؤه تعالى حقيقة فالمعنى سموه تعالى بجميع الأسماء الحسنى واجتنبوا إخراج بعضها من البعض- روى- ان رجلا من الصحابة دعا الله تعالى فى صلاته باسم الله وباسم الرحمن فقال رجل من المشركين أليس يزعم محمد وأصحابه انهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا الرجل يدعو ربين اثنين فانزل الله تعالى هذه الآية فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (ادعوا الله او ادعوا الرحمن رغما لانوف المشركين) فان تعدد الاسم لا يستلزم تعدد المسمى سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى اجتنبوا الحادهم كيلا يصيبكم ما أصابهم فانه سينزل بهم عقوبة الحادهم فقوله وَذَرُوا الَّذِينَ إلخ معناه واتركوا تسمية الزائغين فيها بتقدير المضاف إذ لا معنى لترك نفس الملحدين وقال بعض العلماء المراد بالأسماء الا لحسنى الصفات العلى فان لفظ الاسم قد يطلق على ما يسمونه الذات من صفاتها العظام يقال طار اسمه فى الآفاق اى انتشرت صفته ونعته فكأنه قيل ولله الأوصاف قال فى التأويلات النجمية وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يشير الى ان اسم الله له بمثابة اسم العلم للخلق وهو اسم ذاته تبارك وتعالى والباقي من الأسماء هو اسماء الصفات لانه قال ولله الأسماء الحسنى فاضاف الأسماء الى اسم الله وأسماؤه كلها مشتقة من صفاته الا اسم الله فانه غير مشتق عندنا وعند الأكثرين لانه اسم الذات فكما ان ذاته تعالى غير مخلوق من شىء كذلك اسمه غير مشتق من شىء فان الأشياء مخلوقة فاسماء صفاته تعالى بعضها مشتق من الصفات الذاتية فهو غير مخلوق وبعضها مشتق من صفات الفعل فهو مخلوق لان صفات الذات كالحياة والسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة والارادة والبقاء قديمة غير مخلوقة وصفات الفعل مخلوقة تضاف اليه عند الإيجاد فلما أوجد الخلق وأعطاهم الرزق سمى خالقا ورازقا الا انه تعالى كان فى الأزل قادرا على الخالقية والرازقية فقوله ولله الأسماء الحسنى اى الصفات الحسنى فَادْعُوهُ بِها اى فادعوا الله بكل اسم مشتق من صفة من صفاته بان تتصفوا وتتخلقوا بتلك الصفة فالاتصاف بها بالأعمال والنيات الصالحات كصفة الخالقية فان الاتصاف بها بان تكون مناكحته للتوالد والتناسل بخلاف الخالق كما قيل لحكيم وهو يواقع زوجته ما تعمل قال ان تم فانسان. والاتصاف بصفة الرازقية بان ينفق ما رزقه الله على المحتاجين ولا يدخر منه شيأ وعلى هذا فقس البواقي.

واما التخلق بها فالاحوال وذلك بتصفية مرآة القلب ومراقبته عن التعلق بما سوى الله والتوجه اليه ليتجلى له بتلك الصفات فيتخلق بها وهذا تحقيق قوله (كنت له سمعا وبصرا فى يسمع وبي يبصر) وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ اى يميلون فى صفاته اى لا يتصفون بها وتسميته تعالى باسم لم يسم به نفسه ايضا من الإلحاد كما يسمونه الفلاسفة بالعلة الاولى والموجب بالذات يعنون به انه تعالى غير مختار فى فعله وخلقه وإيجاده تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ومن وصفه تعالى بوصف او بصفة لم يرد بها النص فايضا الحاد سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

ص: 285

يعنى سيجزون الخذلان ليعملوا بالطبع والهوى ما كانوا يعملون بالإلحاد فى الأسماء والصفات انتهى كلام التأويلات پيچيده شود بپاى هر كس عملش قال الحافظ

دهقان سالخورده چهـ خوش گفت با پسر

اى نور چشم من بجز از كشته ندروى

وَمِمَّنْ خَلَقْنا اعلم ان الله تعالى كما جعل من قوم موسى ائمة هادين مهديين كما قال وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ جعل من هذه الامة المرحومة ايضا كذلك فقال وممن خلقنا ومحل الظرف الرفع على انه مبتدأ اما باعتبار مضمونه او تقدير الموصوف وما بعده خبره اى وبعض من خلقنا او وبعض ممن خلقنا أُمَّةٌ اى طائفة كثيرة يَهْدُونَ الناس ملتبسين بِالْحَقِّ اى محقين او يهدونهم بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة وَبِهِ اى وبالحق يَعْدِلُونَ اى يحكمون فى الحكومات الجارية فيما بينهم ولا يجورون فيها وعنه عليه الصلاة والسلام (ان من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى) والمراد لا يخلوا الزمان منهم وفى الحديث (لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض الله الله) قال الشيخ الكبير صدر الدين القنوى قدس سره أكده بالتكرار ولا شك ان لا يذكر الله ذكرا حقيقيا وخصوصا بهذا الاسم الأعظم الجامع المنعوت بجميع الأسماء الا الذي يعرف الحق بالمعرفة التامة وأتم الخلق معرفة بالله فى كل عصر خليفة الله وهو كامل ذلك العصر فكأن يقول صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة وفى الأرض انسان كامل وهو المشار اليه بانه العمد المعنوي الماسك وان شئت قلت الممسك لاجله فاذا انتقل انشقت السماء وكورت الشمس وانكدرت النجوم ونشرت الصحف وسيرت الجبال وزلزلت الأرض وجاءت القيامة انتهى كلامه فى الفكوك ورووا عن ابن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان لله فى الأرض ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم وله أربعون قلوبهم على قلب موسى وله سبعة قلوبهم على قلب ابراهيم وله خمسة قلوبهم على قلب جبريل وله ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل وله واحد قلبه على قلب اسرافيل فاذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله مكانه من العامة يدفع الله بهم البلاء عن هذه الامة) والواحد المذكور فى هذا الحديث هو القطب وهو الغوث ومكانه ومكانته من الأولياء كالنقطة من الدائرة التي هى مركزها به يقع صلاح العالم ورووا عن ابى الدرداء انه قال (ان لله عبادا يقال لهم الابدال لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة الصوم والصلاة والتخشع وحسن الحلية ولكن بلغوا بصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدور والرحمة لجميع المسلمين اصطفاهم الله بعلمه واستخلصهم لنفسه وهم أربعون رجلا على مثل قلب ابراهيم لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد انشأ من يخلفه) واعلم انهم لا يسبون شيأ ولا يلعنونه ولا يؤذون من تحتهم ولا يحقرونه ولا يحسدون من فوقهم أطيب الناس خبرا وألينهم عريكة وأسخاهم نفسا لا تدركهم الخيل المجراة ولا الرياح العواصف فيما بينهم وبين ربهم انما قلوبهم

ص: 286

تصعد فى السقوف العلى ارتياحا الى الله تعالى فى استباق الخيرات أولئك حزب الله ألا ان حزب الله ألا ان حزب الله هم المفلحون انتهى كلامه فى روض الرياحين للامام اليافعي رحمه الله تعالى واعلم ان اهل الحق انما نالوا ما نالوا بهدايتهم للناس وعدلهم فيما بين الخلق بعد ما كانوا مهديين وعادلين فى أنفسهم- وروى- عن عبد الله بن المبارك انه كان يتجر ويقول لولا خمسة ما اتجرت السفيانان وفضيل وابن السماك وابن علية ليصلهم فقدم سنة فقيل له قد ولى ابن علية القضاء فلم يأته ولم يصله بشىء فاتاه ابن علية فلم يرفع رأسه اليه ثم كتب اليه ابن المبارك

يا جاعل العلم له بازيا

يصطاد اموال المساكين

احتلت للدنيا ولذاتها

بحيلة تذهب بالدين

فصرت مجنونا بها بعد ما

كنت دواء للمجانين

اين رواياتك فى سردها

لترك أبواب السلاطين

ان قلت أكرهت فذا باطل

زلّ حمار العلم فى الطين

فلما وقف إسماعيل بن علية على الأبيات ذهب الى الرشيد ولم يزل به الى ان استعفاه من القضاء فاعفاه ونعم ما قيل

ابو حنيفة قضا نكرد وبمرد

تو بميرى اگر قضا نكنى

وقيل اعدل تكن من صروف الدهر ممتنعا

فالصرف ممتنع للعدل فى عمر

والعدل من اسماء الله تعالى ومعناه العادل وهو الذي يصدر منه فعل العدل المضاد للجور والظلم ولن يعرف العادل من لم يعرف عدله ولا يعرف عدله من لم يعرف فعله وحظ العبد من العدل لا يخفى وأول ما عليه من العدل فى صفات نفسه هو ان يجعل الشهوة والغضب اسيرين تحت اشارة العقل والدين ومهما جعل العقل خادما للشهوة والغضب فقد ظلم نفسه هذا جملة عدله فى نفسه. وتفصيله مراعاة حدود الشرع كله وعدله فى كل عضو ان يستعمله على الوجه الذي اذن الشرع فيه. واما عدله فى اهله وذويه ثم فى رعيته ان كان من اهل الولاية فلا يخفى وربما ظن ان الظلم هو الإيذاء والعدل هو إيصال النفع الى الناس وليس كذلك بل لو فتح الملك خزائنه المشتملة على الاسلحة والكتب وفنون الأموال ولكن فرق الأموال على الأغنياء ووهب الاسلحة للعلماء وسلم إليهم القلاع ووهب الكتب للاجناد واهل القتال وسلم إليهم المساجد والمدارس فقد نفع ولكنه قد ظلم وعدل عن العدل إذ وضع كل شىء فى غير موضعه اللائق به ولو آذى المريض بسقى الادوية والحجامة والفصد بالإجبار عليه وآذى الجناة بالعقوبة قتلا وقطعا وضربا كان عادلا لانه وضعها فى موضعها وحظ العبد دينا من هذا الوصف انه لا يعترض على الله تعالى فى تدبيره وحكمه وسائر أفعاله وأفق مراده او لم يوافق لان كل ذلك عدل وهو كما ينبغى وعلى ما ينبغى ولو لم يفعل ما فعله لحصل منه امر آخر هو أعظم ضررا مما حصل كما ان المريض لو لم يحتجم ابصر ضررا يزيد على ألم الحجامة وبهذا يكون الله تعالى عدلا والايمان يقطع الإنكار والاعتراض ظاهرا وباطنا. وتمامه ان لا يسب الدهر ولا ينسب الأشياء الى الفلك ولا يعترض عليه كما جرت به العادة بل يعلم ان كل ذلك اسباب مسخرة وانها رتبت ووجهت

ص: 287

الى المسببات احسن ترتيب وتوجيه بأقصى وجوه العدل واللطف كذا فى المقصد الأقصى فى شرح معانى اسماء الله الحسنى للامام الغزالي عليه رحمة الملك المتعالي وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا اضافة الآيات الى نون العظمة لتشريفها واستعظام الاقدام على تكذيبها اى بآياتنا التي هى معيار الحق ومصداق الصدق والعدل سَنَسْتَدْرِجُهُمْ اى سنقربهم البتة الى الهلاك على التدريج واصل الاستدراج اما الاستصعاد وهو النقل من سفل الى علو درجة درجة. واما الاستنزال وهو النقل من علو الى سفل كذلك والأنسب هو النقل الى أعلى درجات المهالك ليبلغ أقصى مراتب العقوبة والعذاب مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ صفة لمصدر الفعل المذكور اى سنستدرجهم استدراجا كائنا من حيث لا يعلمون انه كذلك بل يحسبون انه إكرام من الله تعالى وتقريب منه او لا يعلمون ما نريد بهم وذلك ان يتواتر عليهم النعم فيظنوا انها لطف من الله بهم فيزدادوا بطرا وانهماكا فى الغى الى ان تحق عليهم كلمة العذاب على أفظع حال واشنعها

مده خود را فريب از رنك وبويم

كه هست از خنده من كريه آميز

: قال الحافظ

بمهلتى كه سپهرت دهد ز راه مرو

ترا كه كفت كه اين زال ترك دستان كفت

وَأُمْلِي لَهُمْ الاملاء اطالة مدة أحدهم بإبقائه على ما هو عليه وعدم الاستعجال فى مؤاخذته قال المولى ابو السعود عطف على سنستدرجهم غير داخل فى حكم السين لما ان الاملاء وهو عبارة عن الامهال والاطالة وليس من الأمور التدريجية كالاستدراج الحاصل فى نفسه شيأ فشيأ بل هو فعل يحصل دفعة وانما الحاصل بطريق التدريج آثاره وأحكامه لانفسه كما يلوّح به تغيير التعبير بتوحيد الضمير إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ اى ان أخذي شديد وانما سماه كيدا لان ظاهره احسان وباطنه خذلان قال سعدى چلبى المفتى الاولى ان يقول سماه كيدا لنزوله بهم من حيث لا يشعرون والكيد الاخذ بخفية وقال الحدادي الكيد هو الإضرار بالشيء من حيث لا يشعر به قال فى الحكم العطائية خف من وجود إحسانه إليك ودوام اسائتك معه ان يكون ذلك استدراجا لك قال الله تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ قال سهل رضى الله عنه فى معنى هذه الآية نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها فاذا ركنوا الى النعمة وحجبوا عن المنعم أخذوا وقال ابو العباس بن عطاء يعنى كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وانسيناهم الاستغفار من تلك الخطيئة وقال الشيخ ابو القاسم القشيري رحمه الله. الاستدراج تواتر المنة بغير خوف الفتنة الاستدراج انتشار الذكر دون خوف المكر. الاستدراج التمكن من المنية والصرف عن البغية. الاستدراج تعليل برجاء وتأميل بغير وفاء. الاستدراج ظاهر مضبوط وسر بالاغيار منوط انتهى. ومن وجوه الاستدراج ان يجهل المريد بنفسه وبحق ربه فيسيىء الأدب بإظهار دعوى او تورط فى بلوى فتؤخر العقوبة عنه امهالا له فيظنه إهمالا فيقول لو كان هذا سوء ادب لقطع الامداد فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر ولو لم يكن من قطع المدد عنه من حيث لا يشعر الا منع المزيد لكان قطعا لان من لم يكن فى زيادة فهو فى نقصان وكان احمد بن حنبل رضى الله عنه

ص: 288

يوصى بعض أصحابه ويقول خف من سطوة العدل وارج رقة الفضل ولا تأمن مكره ولو أدخلك الجنة وقع لابيك آدم ما وقع فان قلت ما الحكمة فى امهال الله العصاة فى الدنيا قلت ليرى العباد ان العفو والإحسان أحب اليه من الاخذ والانتقام وليعلموا شفقته وبره وكرمه وان رحمته سبقت غضبه وامهاله تعالى من اخلاق كرمه وجوده. وقيل يمهل من يشاء حكمة ليأخذ الظالم أخذ عزيز مقتدر ويجعل عقوبة من يشاء رحمة منه وتخفيفا بالنسبة الى عذاب الآخرة فعلى العاقل ان يخاف من المكر الإلهي ويرى الفقر والانكسار نعمة وإكراما فان الله تعالى يحب الفقراء وهو عند المنكسرة قلوبهم وحال الدنيا ليس على القرار تسلب كما تهب وتهب كما تسلب: ونعم ما قيل

زمانه به نيك وبد آبستن است

ستاره كهى دوست وكه دشمن است

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ- روى- انه عليه الصلاة والسلام كان كثيرا ما يحذر قريشا عقوبة الله تعالى ووقائعه النازلة فى الأمم الماضية فقام ليلا على الصفا وجعل يدعوهم الى عبادة الله تعالى قبيلة قبيلة يا بنى فلان يا بنى فلان الى الصباح يحذرهم بأس الله فقال قائلهم ان صاحبكم هذا يعنى محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم لمجنون بات يهوت الى الصباح فنزلت والهمزة للانكار والتعجب والتوبيخ والواو للعطف على مقدر وما اما استفهامية انكارية فى محل الرفع بالابتداء والخبر بصاحبهم واما نافية اسمها جنة وخبرها بصاحبهم والجملة معلقة لفعل التفكر لكونه من افعال القلوب ومحلها على الوجهين النصب على نزع الجار والجنة بناء نوع من الجنون ودخول من يدل على انه ليس به نوع من انواع الجنون. والمعنى أكذبوا بالآيات ولم يتفكروا فى أي شىء من جنون ما كائن بصاحبهم او فى انه ليس بصاحبهم شىء من جنة حتى يؤديهم التفكر فى ذلك الى الوقوف على صدقه وصحة نبوته فيؤمنوا به وبما انزل عليه من الآيات فالتصريح بنفي الجنون للرد على عظيمتهم الشنعاء والتعبير عنه عليه الصلاة والسلام بصاحبهم وارد على شاكلة كلامهم مع ما فيه من الإيذان بان طول مصاحبتهم له عليه السلام مما يطلعهم على نزاهته عليه السلام عن شائبة الجنة وقد كانوا يسمونه قبل اظهار النبوة محمدا الامين صلى الله تعالى عليه وسلم إِنْ هُوَ اى ما هو عليه السلام إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ اى مبالغ فى الانذار مظهر له غاية الإظهار ابرازا لكمال الرأفة ومبالغة فى الاعذار أَوَلَمْ يَنْظُرُوا الهمزة للانكار والواو للعطف على مقدر اى أكذبوا بها ولم ينظروا نظر تأمل واستدلال فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيما تدل عليه السموات والأرض من عظم الملك وكمال القدرة فيعلموا انه لم يخلقهما عبثا ولم يترك عباده سدى قال بعضهم ملكوت السموات النجوم والشمس والقمر وملكوت الأرض البحور والجبال والشجر والملكوت الملك العظيم من الملك كالرهبوت من الرهب زيدت التاء للمبالغة يقال له ملكوت العراق اى الملك الأعظم متعلق به وَما خَلَقَ اللَّهُ عطف على ملكوت اى وفيما خلق الله مِنْ شَيْءٍ بيان لما خلق مفيد لعدم اختصاص الدلالة المذكورة بجلائل المصنوعات دون دقائقها اى من جليل ودقيق مما يقع عليه اسم الشيء

ص: 289

من الأجناس التي لا يمكن حصرها اى ان كل فرد فرد من الموجودات محل للنظر والاعتبار والاستدلال على الصانع ووحدانيته كما قيل

وفى كل شىء له آية

تدل على انه واحد

وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ عطف على ملكوت وان مخففة من ان واسمها ضمير الشان والخبر قد اقترب أجلهم. والمعنى أولم ينظروا فى ان الشان عسى ان يكون الشان قد اقترب أجلهم لعلهم يموتون عن قريب فما لهم لا يسارعون الى طلب الحق والتوجه الى ما ينجيهم قبل مجىء الموت ونزول العذاب

زان پيش كاجل فرا رسد تنك

وايام عنان ستاند از چنك

بر مركب فكر خويش نه زين

مردانه در آي در ره دين

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ هو فى اللغة الجديد وفى عرف العامة الكلام بَعْدَهُ اى بعد القرآن يُؤْمِنُونَ إذا لم يؤمنوا به وهو النهاية فى البيان وليس بعده كتاب منزل ولا نبى مرسل وهو قطع لاحتمال ايمانهم ونفى له بالكلية والباء متعلقة بيؤمنون مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ [هر كرا كمراه كرداند خداى تعالى وبقرآن نكرود] فَلا هادِيَ لَهُ [پس هيچ راه نماينده نيست كه او را براه آرد] وَيَذَرُهُمْ بالياء والرفع على الاستئناف اى وهو تعالى يتركهم فِي طُغْيانِهِمْ فى مجاوزتهم الحد فى كفرهم يَعْمَهُونَ حال من مفعول يذرهم اى حال كونهم مترددين ومتحيرين فى القاموس العمه محركة التردد فى الضلال والتحير فى منازعة او طريق او ان لا يعرف الحجة وفى الآية حث على التفكر ودلالة على ان العاقل لو تفكر بالعقل السليم من آفات الوهم والخيال والتقليد والهوى فى حال النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وسيره فضلا عن معجزاته لتحقق عنده انه النبي الصادق وان ما يدعوه اليه كله حق وصدق وانه لينجو بهذا التفكر من النار كما اخبر الله تعالى عن حال اهل النار بقوله وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ وفى قوله تعالى أَوَلَمْ يَنْظُرُوا إلخ اشارة الى ان المكونات على نوعين نوع منها ما خلق من غير شىء وهو الملكوت الذي هو باطن الكون والكون به قائم وهو قائم بيد القدرة كقوله تعالى فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ونوع منها ما خلق من شىء وهو الملك الذي هو ظاهر الكون فكما ان النظر الى الملك بحسن البصر فالنظر الى الملكوت بالعقل والقلب فنظر ارباب العقول فيه يفيد رؤية الآيات والاستدلال بها على معرفة الخالق واثبات الصانع ونظر اصحاب القلوب فيه يفيد شهود شواهد الغيب بالولوج ليصير إيمانه إيقانا بل عيانا كقوله وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ وهذه الاراءة سنة آلهية قديمة للحق سبحانه يرى بها كل من جعله نبيا او وليا ناسوت العالم وملكوته وجبروته ولاهوته سواء كان عالما صغيرا او عالما كبيرا ولا تزال تلك السنة باقية الى يوم القيامة ما دام لم ينقطع السير والسلوك الى الحق سبحانه فلولاها لنوع الإنسان لكان كسائر الحيوان الا ان الله الرحمن من بها على نوع الإنسان وسار وسلك بها من شاء من اهل عنايته الى قبل الملك المنان حتى ترقى عن جميع الأكوان ونال

ص: 290

الشهود والعيان ووصل الى الحق المحسان وأتاه كمال الإيقان وتمام الإحسان ثم جاء نبيا او وليا لارشاد الاخوان فقام بالحكمة والبيان وبين الإسلام والايمان ودعا الى الله الحليم الحنان وبشر بالجنان وانذر بالنيران فمن أجاب نال اللطف والإحسان ومن لم يجب خسر خسرنا مبينا وقال عليه الصلاة والسلام عن عيسى (لن يلج ملكوت السموات والأرض من لم يولد مرتين) فالولوج لاصحاب القلوب والمشاهدة والنظر لارباب العقول والاستدلال كذا فى التأويلات النجمية مع مزج من كلام شيخنا العلامة أحياه الله بالسلامة [روزى امام ابى حنيفة رحمه الله در مسجد نشسته بود جماعتى از زنادقه در آمدند وقصد هلاك او كردند امام كفت يك سؤال را جواب دهيد بعد از ان تيغ ظلم را آب دهيد كفتند مسئله چيست كفت من سفينه ديدم پربار كران بر روى دريا روان بي آنكه هيچ ملاحى محافظت ميكرد كفتند اين محالست زيرا كه كشتى بي ملاح بر يك نسق رفتن محال باشد كفت سبحان الله سير جمله أفلاك وكواكب ونظام عالم علوى وسفلى از سير يك سفينه عجبترست همه ساكت كشتند واكثر مسلمان شدند] : قال الحافظ الشيرازي

در حشمت سليمان هر كس كه شك نمايد

بر عقل ودانش او خندند مرغ وماهى

يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ اى عن القيامة وهى من الأسماء الغالبة فيها كالنجم فى الثريا وسميت القيامة ساعة لوقوعها بغتة او لكون الحساب الواقع فيها يتم وينقضى فى ساعة يسيرة لانه تعالى لا يشغله شأن عن شأن أو لأنها على طولها عند الله تعالى كساعة من الساعات عند الخلق وأصلها ساعة قيام الناس من الأجداث فلما غلبت تعينت فاستغنت عن الاضافة- روى- ان قوما من اليهود قالوا يا محمد أخبرنا متى الساعة ان كنت نبيا فانا نعلم متى هى وكان ذلك امتحانا منهم مع علمهم انه تعالى قد استأثر بعلمها فنزلت أَيَّانَ مُرْساها أيان ظرف زمان متضمن لمعنى الاستفهام محله الرفع على انه خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر اى متى ارساؤها اى إثباتها وتقريرها فانه مصدر ميمى من ارساه إذا أثبته وأقره ولا يكاد يستعمل الا فى الشيء الثقيل كما فى قوله تعالى وَالْجِبالَ أَرْساها ولما كان أثقل الأشياء على الخلق هو الساعة سمى الله تعالى وقوعها وثبوتها بالارساء ومحل الجملة النصب بنزع الخافض فانها بدل من الجار والمجرور لا من المجرور فقط كأنه قيل يسألونك عن الساعة عن أيان مرسيها قُلْ إِنَّما عِلْمُها لم يقل انما علم وقت ارسائها لان المقصد الأصلي من السؤال نفسها باعتبار حلولها فى وقتها المعين لا وقتها باعتبار كونه محلالها ولذلك أضاف العلم المطلوب بالسؤال الى ضميرها عِنْدَ رَبِّي خاصة قد استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا ولانبيا مرسلا لا يُجَلِّيها اى لا يظهر أمرها من التجلية وهو اظهار الشيء والتجلي ظهوره لِوَقْتِها اى فى وقتها فاللام للتأقيت كاللام فى قوله أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَّا هُوَ والمعنى انه تعالى يخفيها على غيره إخفاء مستمرا الى وقت وقوعها ولا يظهرها الا فى ذلك الوقت الذي وقعت فيه بغتة بنفس الوقوع لا بالأخبار عنها لكون اخفائها ادعى الى الطاعة وازجر عن المعصية كاخفاء الاجل الخاص الذي هو وقت الموت كتم الله تعالى وقت قيام الساعة عن الخلق ليصير المكلف مسارعا الى التوبة والطاعة فى جميع الأوقات فانه لو علم وقت

ص: 291

قيام الساعة لتقاصر الخلق عنها وأخروها. وكذلك أخفى ليلة القدر ليجتهد المكلف فى العبادة فى ليالى الشهر كلها وأخفى ساعة الاجابة من يوم الجمعة ليكون المكلف مجدا فى الدعاء فى جميع ساعاته ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى كبرت وشقت على أهلهما من الملائكة والثقلين كل منهم أهمه خفاؤها وخروجها عن دائرة العقول وقيل عظمت على أهلهما خوفا من شدائدها وما فيها من الأهوال ومن جملة أهوالها فناء من فى السموات والأرض وهلاكهم وذلك ثقيل على القلوب لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً الا فجأة على غفلة فتقوم والرجل يسقى ما شيته والرجل يصلح حوضه والرجل يقوم سلعته فى سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه والرجل يهوى لقمة فى فمه فما يدرك ان يضعها فى فمه يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها اى عالم بها من حفى عن الشيء إذا بالغ فى السؤال عنه ومن استقصى فى تعلم الشيء وبالغ فى السؤال عنه لزمه ان يستحكم علمه به ويعلمه بأقصى ما يمكن ويكون ماهرا فى العلم فلذلك كنى بقوله تعالى كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها عن كونه عليه السلام عالما بها بأقصى ما يمكن والتعدية بعن مع كونه بمعنى العالم وهو يتعدى بالباء لكونه متضمنا لمعنى بليغ فى السؤال عنها حتى أحكمت علمها والجملة التشبيهية فى محل النصب على انها حال من الكاف اى يسألونك مشبها حالك عندهم بحال من هو حفى عنها اى مبالغ فى العلم بها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ الفائدة فى إعادته رد المعلومات كلها الى الله تعالى فيكون التكرار على وجه التأكيد والتمهيد للتعريض بجهلهم بقوله وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ اختصاص علمها به تعالى فبعضهم ينكرونها رأسا وبعضهم يعلمون انها واقعة البتة ويزعمون انك واقف على وقت وقوعها فيسألونك جهلا وبعضهم يدعون ان العلم بذلك من مواجب الرسالة فيتخذون السؤال عنها ذريعة الى القدح فى رسالتك قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا

اى جلب نفع ولا دفع ضر فمن لا يعلم ان نفعه فى أي الأشياء ومضرته فى أيها كيف يعلم وقت قيام الساعة واللام متعلق باملك قال سعدى چلبى المفتى والظاهر انه متعلق بنفعا ولا ضرا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ان أملكه من ذلك بان يلهمنيه فيمكننى منه ويقدرنى عليه فالاستثناء متصل او لكن ما شاء الله من ذلك كائن فالاستثناء منقطع وهذا ابلغ فى اظهار العجز عن علمها وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ اى جنس الغيب لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ اى لجعلت المال والمنافع كثيرا على ان يكون بناء استفعل للتعدية كما فى نحو استذله وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ من كيد العدو والفقر والضر وغيرها إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ اى ما انا الا عبد مرسل للانذار والبشارة شأنى ما يتعلق بهما من العلوم الدينية والدنيوية لا الوقوف على الغيوب التي لا علاقة بينها وبين الاحكام والشرائع وقد كشفت من امر الساعة ما يتعلق به الانذار من مجيئها لا محالة واقترابها واما تعيين وقتها فليس مما يستدعيه الانذار بل هو مما يقدح فيه لما مر من ان إبهامه ادعى الى الانزجار عن المعاصي لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ اما متعلق بهما جميعا لانهم ينتفعون بالإنذار كما ينتفعون بالبشارة واما بالبشير فقط وما يتعلق بالنذير محذوف اى نذير للكافرين اى الباقين على الكفر وبشير لقوم يؤمنون اى فى أي وقت كان ففيه ترغيب للكفرة فى احداث الايمان وتحذير عن الإصرار على الكفر والطغيان قال الحدادي فى تفسيره فى الآية دلالة على بطلان قول

ص: 292

من يدعى العلم بمدة الدنيا ويستدل بما روى ان الدنيا سبعة آلاف سنة لانه لو كان كذلك كان وقت قيام الساعة معلوما واما قوله صلى الله عليه وسلم (بعثت انا والساعة كهاتين) وأشار الى السبابة والوسطى فمعناه تقريب الوقت لا تحديده كما قال تعالى فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها اى مبعث النبي عليه السلام من أشراطها انتهى يقول الفقير رواية عمر الدنيا وردت من طرق شتى صحاح لكنها لا تدل على التحديد حقيقة فلا يلزم ان يكون وقت قيام الساعة معلوما لاحد أيا من كان من ملك او بشر وقد ذهب بعض المشايخ الى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف وقت الساعة باعلام الله تعالى وهو لا ينافى الحصر فى الآية كما لا يخفى وفى صحيح مسلم عن حذيفة قال أخبرني رسول الله صلى الله

عليه وسلم بما هو كائن الى ان تقوم الساعة وفى الحديث (ان لله ديكا جناحاه موشيان بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب وقوائمه فى الأرض السفلى ورأسه مثنى تحت العرش فاذا كان السحر الأعلى خفق بجناحيه ثم قال سبوح قدوس ربنا الله لا اله غيره فعند ذلك تضرب الديكة أجنحتها وتصيح فاذا كان يوم القيامة قال الله تعالى ضم جناحك وغض صوتك فيعلم اهل السموات والأرض ان الساعة قد اقتربت) ومن اشراط الساعة كثرة السبي والتسرى وذلك دليل على استعلاء الدين واستيلاء المسلمين الدال على التراجع والانحطاط إذا بلغ الأمر كماله. ومنها كون الغنم دولا يعنى إذا كان الأغنياء واصحاب المناصب يتداولون باموال الغنيمة ويمنعون عنها مستحقيها وكون الزكاة مغرما يعنى يشق عليهم أداء الزكاة ويعدونها غرامة وكون الامانة مغنما يعنى إذا اتخذ الناس الأمانات الموضوعة عندهم مغانم يغتنمونها ومن الامانة الفتوى والقضاء والامارة والوزارة وغيرها فاذا آتوها الى غير أهاليها كما ترى فى زماننا فانتظر الساعة وفى رواية عن ابى هريرة (لا تقوم الساعة حتى يكون الزهد رواية والورع تصنعا ولا تقوم الساعة الا على شرار الخلق) فان قيل قد ورد فى الصحيح عن ابن عمر رضى الله عنهما (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) قيل معناه الى قريب قيام الساعة لان قريب الشيء فى حكمه واعلم ان القيامة ثلاث حشر الأجساد والسوق الى المحشر للجزا وهى القيامة الكبرى وموت جميع الخلائق وهى الوسطى ولا يعلم وقته يقينا الا الله تعالى وانما يعلم بالعلامات المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا بعضا منها وموت كل أحد وهى الصغرى وفى الحديث (من مات فقد قامت قيامته) - وروى- ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يوما احوال جهنم فقال واحد من الاصحاب رضى الله عنه ادع لى يا رسول الله ان ادخل فيها فتعجبوا من قوله فقال عليه الصلاة والسلام (انه يريد ان يكون صاحب القيامة الكبرى) قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره نحن لا نعرف حقيقة مراده عليه السلام الا انا نوجهه بان يريد ان يشاهد القيامة الكبرى بان يصل الى مرتبة يتجلى فيها معنى قوله تعالى كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فان السالك إذا جاوز عن مرتبة الطبيعة والنفس والروح والسر يغيب عنه ما سوى الله تعالى فلا يرى له غير الله تعالى فاضمحلال ما سواه وفناؤه هو القيامة الكبرى وهذه مرتبة عظمى لا يصل إليها الا اهل العناية: قال الحافظ

ص: 293

عنقا شكار كس نشود دام باز چين

كانجا هميشه باد بدستست دام را

فعلى العاقل الاجتهاد وبذل المجهود ليترقى الى ما ترقى اليه اهل الخير والجود

بال بگشا وصفير از شجر طوبى زن

حيف باشد چوتو مرغى كه أسير قفسى

كاروان رفت وتو در راه كمين كاه بخواب

وه كه بس بيخبرى زين همه بانك جرسى

ونعم ما قيل

عاشق شورانه روزى كار جهان سر آيد

تا خوانده نقش مقصود از كاركاه هستى

نسأل الله تعالى ان يوفقنا لما يحب ويرضى ويداوى هذه القلوب المرضى وهو المعين على كل حال وفى كل حين هُوَ اى الله تعالى الَّذِي اى العظيم الشأن الذي خَلَقَكُمْ جميعا وحده من غير ان يكون لغيره مدخل فى ذلك بوجه من الوجوه مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ هو آدم عليه السلام فكما ان النفوس خلقت من نفس واحدة هى نفس آدم فكذا الأرواح خلقت من روح واحد هو روح محمد صلى الله عليه وسلم فكان هو أبا الأرواح كما كان آدم أبا البشر لقوله عليه السلام (انما انا لكم كالوالد لولده) وقوله (أول ما خلق الله روحى) فان أول كل نوع هو المنشأ منه ذلك النوع من الحيوان والنبات

كر بصورت من ز آدم زاده ام

من بمعنى جد جد افتاده ام

وَجَعَلَ انشأ مِنْها اى من جنس تلك النفس الواحدة زَوْجَها حواء او من جسدها لما يروى ان الله تعالى خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم عليه الصلاة والسلام والاول هو الأنسب إذ الجنسية هى المؤدية الى الغاية الآتية لا الجزئية لِيَسْكُنَ تلك النفس والتذكير باعتبار المعنى يعنى آدم إِلَيْها اى الى الزوج وهى حواء اى ليستأنس بها ويطمئن إليها اطمئنانا مصححا للازدواج فَلَمَّا تَغَشَّاها لم يقل تغشتها باعتبار آدم ايضا. والتغشى والتغشية التغطية بالفارسي [چيزى بر كسى پوشانيدن] كنى به عن الجماع لان الرجل يغطى المرأة ويسترها حال الوقاع لاستعلائه عليها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فى مبادى الأمر فانه عند كونه نطفة او علقة او مضغة أخف عليها بالنسبة الى ما بعد ذلك من المراتب فانتصاب حملا على المصدرية او حملت محمولا خفيفا وهو ما فى البطن من النطفة ونفس الجنين فانتصابه على المفعول به كقوله حملت زيدا وهو الظاهر والمشهور ان الحمل بالفتح ما كان فى البطن او على رأس الشجر وبالكسر ما كان على ظهر انسان او على الدابة فَمَرَّتْ بِهِ اى فاستمرت به كما كان قبل حيث قامت وقعدت وأخذت وتركت ولم تكثرث بحملها فمرت من المرور بمعنى الذهاب والمضي لا من المر بمعنى الاجتياز والوصول يقال مر عليه وبه يمر مرا اى اجتاز ومر يمر مر او مرورا اى ذهب واستمر مثله والسين فيه للطلب التقديري كما فى استخرجته فَلَمَّا أَثْقَلَتْ اى صارت ذا ثقل بكبر الولد فى بطنها دَعَوَا اللَّهَ اى آدم وحواء عليهما السلام لما دهمهما امر لم يعهداه ولم يعرفا مآله فاهتماما به وتضرعا اليه تعالى رَبَّهُما اى مالك أمرهما الحقيق بان يخص به الدعاء ومتعلق الدعاء محذوف اى دعواه تعالى فى ان يؤتيهما ولدا صالحا ووعدا بمقابلته الشكر وقالا لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً اى ولدا سوىّ الأعضاء او صالحا فى امر الدين

ص: 294

لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لك على هذه النعمة المجددة ووجه دعائهما بذلك ان آدم رأى حين أخذ الميثاق على ذريته ان منهم سوىّ الأعضاء وغير السوىّ وان منهم التقى وغير التقى فسألا ان يكون هذا الولد سوىّ الأعضاء او تقيا نقيا عن المعصية فلما أعطاهما صالحا شكرا لانهما ليسا بحيث يعدان من أنفسهما بذلك ثم لا يفعلان ذلك يقال ان حواء كانت تلد فى كل بطن ذكرا وأنثى ويقال ولدت لآدم فى خمسمائة بطن الف ولد ثم شرع فى توبيخ المسلمين بقوله فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً اى فلما اعطى أولادهما المشركين البالغين مبلغ الوالد ولدا صالحا سوىّ الأعضاء جَعَلا اى جعل هذان الأبوان لَهُ اى لله تعالى شُرَكاءَ فِيما آتاهُما بان سميا أولادهما بعبد العزى وعبد مناف ونحو ذلك وسجدا للاصنام شكرا على هذه النعمة والأظهر تقرير ابى السعود حيث قال فى تفسيره فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً اى لما آتاهما ما طلباه أصالة واستتباعا من الولد وولد الولد ما تناسلوا جعلا اى جعل أولادهما له تعالى شُرَكاءَ فِيما آتاهُما اى فيما اتى أولادهما من الأولاد ففى الكلام حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه والا لزم نسبتهما اى آدم وحواء الى الشرك وهما بريئان منه بالاتفاق ويدل على الحذف المذكور صيغة الجمع فى قوله تعالى فَتَعالَى اللَّهُ [پس بزركست خداى تعالى و پاك] عَمَّا يُشْرِكُونَ اى عن اشراكهم وهو تسميتهم المذكورة ولو كان المراد بالآية آدم وحواء لقال عما يشركان أَيُشْرِكُونَ به تعالى ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً اى لا يقدر على ان يخلق شيأ من الأشياء أصلا ومن حق المعبود ان يكون خالقا لعابده وَهُمْ يُخْلَقُونَ عطف على ما لا يخلق يعنى الأصنام وإيراد الضميرين بجمع العقلاء مبنى على اعتقاد الكفار فيها ما يعتقدونه فى العقلاء وكانوا يصورونها على صورة من يعقل ووصفها بالمخلوقية بعد وصفها بنفي الخالقية لا بانة كمال منافاة حالها لما اعتقدوه فى حقها وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ اى لعبدتهم إذا حز بهم امر مهم نَصْراً اى نصرا ما بجلب منفعة او دفع مضرة وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ فيدفعون عنها ما يعتريها من الحوادث كما إذا أراد أحد ان يكسرها او يلطخها بالالواث والأرواث قال الحدادي وكانوا يلطخون أفواه الأصنام بالخلوف والعسل وكان الذباب يجتمع عليها فلا تقدر على دفع الذباب عن أنفسها وَإِنْ تَدْعُوهُمْ ايها المشركون إِلَى الْهُدى الى ان يهدوكم الى ما تحصلون به مقاصدكم لا يَتَّبِعُوكُمْ الى مرادكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله سَواءٌ عَلَيْكُمْ ايها المشركون أَدَعَوْتُمُوهُمْ اى الأصنام أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ ساكتون اى مستوى عليكم فى عدم الافادة دعاؤكم لهم وسكوتكم فانه لا يتغير حالكم فى الحالين كما لا يتغير حالهم بحكم الجمادية ولم يقل أم صمتم لرعاية رؤوس الآي إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى تعبدونهم من دونه تعالى من الأصنام وتسمونهم آلهة عِبادٌ أَمْثالُكُمْ اى مماثلة لكم من حيث انها مملوكة لله تعالى مسخرة لامره عاجزة عن النفع والضر وقال الحدادي سماها عبادا لانهم صوروها على صورة الإنسان فَادْعُوهُمْ فى جلب نفع وكشف ضر فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ صيغته صيغة الأمر ومعناه التعجيز إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى زعمكم انهم قادرون على ما أنتم عاجزون عنه أَلَهُمْ اى للاصنام أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها حتى يمكن استجابتهم لكم والاستجابة من

ص: 295

الهياكل الجسمانية انما تتصور إذا كان لها محرك حياة وقوى محركة ومدركة وما ليس له شىء من ذلك فهو بمعزل من الأفاعيل بالمرة ووصف الأرجل بالمشي بها للايذان بان مدار الإنكار هو الوصف أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة والبطش الاخذ بقوة. والمعنى بل ألهم أيد يأخذون بها ما يريدون اخذه وبل للاضراب المفيد للانتقال من فنّ من التبكيت بعد تمامه الى فن آخر منه أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قدم المشي لانه حالهم فى أنفسهم والبطش حالهم بالنسبة الى الغير. واما تقديمه على قوله أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ إلخ مع ان الكل سواء فى انها من أحوالهم بالنسبة الى الغير فلمراعاة المقابلة بين الأيدي والأرجل. واما تقديم الأعين فلما انها أشهر من الآذان واظهر عينا واثرا ثم ان الكفار كانوا يخوفونه عليه السلام بآلهتهم قائلين نخاف ان يصيبكم بعض آلهتنا بسوء فقال الله تعالى قُلِ ادْعُوا ايها المشركون شُرَكاءَكُمْ واستعينوا بهم فى عداوتى ثُمَّ كِيدُونِ فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكر وهى أنتم وشركاؤكم فالخطاب فى كيدون للاصنام وعبدتها فَلا تُنْظِرُونِ فلا تمهلون ساعة فانى لا أبالي بكم لوثوقى على ولاية الله وحفظه

اگر هر دو جهانم خصم كردند

نترسم چون نكهبانم تو باشى

إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ تعليل لعدم المبالاة المنفهم من السوق انفهاما جليا قوله وَلِيِّيَ بثلاث يا آت. الاولى ياء فعيل وهى ساكنة. والثانية لام الفعل وهى مكسورة أدغمت فيها الياء الاولى. والثالثة ياء الاضافة وهى مفتوحة. والولي هنا بمعنى الناصر والحافظ أضيف الى ياء المتكلم. والمعنى ان الذي يتولى نصرتى وحفظى هو الذي أكرمني بتنزيل القرآن وايحائه الىّ وايحاء الكتاب اليه يستلزم رسالته لا محالة وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ اى ومن عادته تعالى ان يتولى الصالحين من عباده وينصرهم لا يخذلهم فضلا عن أنبيائه وَالَّذِينَ تَدْعُونَ يا عبدة الأصنام مِنْ دُونِهِ اى متجاوزين الله تعالى ودعاءه ومضمون هذه الآية ذكر اوّلا لتقريع عبدة الأصنام وذكر هاهنا إتماما لتعليل عدم مبالاته بهم فلا تكرار لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ فى امر من الأمور وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ إذا نابتهم ناثبة وَإِنْ تَدْعُوهُمْ اى الأصنام إِلَى الْهُدى الى ان يهدوكم الى ما تحصلون به مقاصدكم من الكيد وغيره لا يَسْمَعُوا اى دعاءكم فضلا عن المساعدة والامداد وهذا بخلاف التوجه الى روحانية الأنبياء والأولياء وان كانوا مخلوقين فان الاستمداد منهم والتوسل بهم والانتساب إليهم من حيث انهم مظاهر الحق ومجالى أنواره ومرائى كمالاته وشفعاؤه فى الأمور الظاهرة والباطنة له غايات جليلة وليس ذلك بشرك أصلا بل هو عين التوحيد ومطالعة الأنوار من مطالعها ومكاشفة الاسرار من مصاحفها: قال الصائب

مشو بمرك ز امداد اهل دل نوميد

كه خواب مردم آگاه عين بيداريست

وَتَراهُمْ الرؤية بصرية والخطاب لكل واحد من المشركين اى وترى الأصنام ايها الرائي رأى العين يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ حال من المفعول اى يشبهون الناظرين إليك ويخيل إليك انهم يبصرونك لما انهم صنعوا لها أعينا مركبة بالجواهر المضيئة المتلالئة وصوروها تصوير من

ص: 296

قلب حدقته الى الشيء ينظر اليه وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ حال من فاعل ينظرون اى والحال انهم غير قادرين على الابصار وهو بيان عجزهم عن الابصار بعد بيان عجزهم عن السمع وقيل ضمير الفاعل فى تراهم لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وضمير المفعول للمشركين على ان التعليل قدتم عند قوله تعالى لا يَسْمَعُوا اى وترى المشركين يا محمد ينظرون إليك بأعينهم وهم لا يبصرونك ببصائرهم اى كما أنت عليه فهم غائبون عنك فى الحقيقة الا ان يقروا بالتوحيد وصدق الرسالة- ذكر- ان السطر الاول من خاتم سليمان عليه الصلاة والسلام كان بسم الله الرحمن الرحيم. والسطر الثاني لا اله الا الله. والسطر الثالث محمد رسول الله فلما ادخله جبريل فى إصبعه لم يقدر أصحابه ان يروه فتضرعوا فقال قولوا لا اله الا الله محمد رسول الله فلما قالوه رأوه. وسره انه احاطه المهابة فلما اشتغلوا بالتوحيد حصل لهم الاستعداد والقدرة- وحكى- ان السلطان محمود الغازي دخل على الشيخ الرباني ابى الحسن الخرقاني قدس سره لزيارته وجلس ساعة ثم قال يا شيخ ما تقول فى حق ابى يزيد البسطامي فقال الشيخ هو رجل من رآه اهتدى

واتصل بسعادة لا تخفى فقال محمود وكيف ذلك وابو جهل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتصل بالسعادة ولم يتخلص من الشقاوة فقال الشيخ فى جوابه ان أبا جهل ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما رأى محمد بن عبد الله يتيم ابى طالب حتى لو كان رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم لخرج من الشقاوة ودخل فى السعادة ثم قال الشيخ ومصداق ذلك قول الله تعالى وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ فالنظر بعين الرأس لا يوجب هذه السعادة بل النظر بعين السر والقلب يورث ذلك فمن رأى أبا يزيد بهذه العين فاز بالسعادة

براى ديدن روى تو چشم ديكرم باشد

كه اين چشم كه من دارم جمالت را نمى شايد

وفى الحديث (طوبى لمن رآنى ولمن رآى من رآنى ولمن رأى من رأى من رآنى ولمن رأى من رأى من رأى من رآنى) كما فى الرسالة العلية للكاشفى: وفى المثنوى

كفت طوبى من رآنى مصطفى

والذي يبصر لمن وجهى رأى

چون چراغى نور شمعى را كشيد

هر كه ديد آنرا يقين آن شمع ديد

همچنين تا صد چراغ از نقل شد

ديدن آخر لقاى اصل شد

خواه نور از واپسين بستان بجان

هيچ فرقى نيست خواه از شمع دان

وظهر من هنا ان رؤية الأولياء ايضا انما تفيد إذا كانت بالبصيرة ثم ان الرؤية تتناول ما فى اليقظة وما فى المنام قال بعضهم فى قوله عليه السلام (من رآنى فقد رأى الحق) من رآنى مطلقا اى سواء كانت الرؤية فى اليقظة او فى المنام فقد رأى الرسول الحق وقال بعضهم من رآنى فى المنام فقد رأى الرؤيا الصادقة لا الرؤيا التي يلعب بها الشيطان قال الشيخ الأكمل فى شرح المشارق المنام الحق هو الذي يريه الملك الموكل على الرؤيا فان الله تعالى قد وكل بالرؤيا ملكا يضرب من الحكمة والأمثال وقد اطلعه الله سبحانه على قصص ولد آدم من اللوح المحفوظ فهو ينسخ منها ويضرب لكل قصة مثلا فاذا نام يمثل له تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون بشارة له او نذارة او معاتبة ليكونوا على بصيرة من أمرهم كذا قيل

ص: 297

انتهى واعلم ان جميع الأنبياء معصومون من ان يظهر شيطان بصورهم فى النوم واليقظة لئلا يشتبه الحق بالباطل يقول الفقير أصلحه الله القدير سمعت من حضرة شيخى المتفرد فى زمانه بعلمه وعرفانه ان الشيطان لا يتمثل ايضا بصور الكمل من الأولياء الكرام كقطب الوجود فى كل عصر فانه مظهر تام للهدى سار فى سره سر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا فعلى العاقل ان يترك القيل والقال ويدع الاعتراض بالمقال والحال ويستسلم لامر الله الملك المتعال الى ان يبلغ مبلغ الرجال ويتخلص من مكر الشيطان البعيد عن ساحة العز والإجلال ويكون هاديا بعد كونه مهديا ان كان ذلك امرا مقضيا اللهم اهدنا الى رؤية الحق وأرنا الأشياء كما هى وخلصنا من الاشغال بالمناهي والملاهي انك أنت الجواد لكل صنف من العباد منك المبدأ وإليك المعاد خُذِ الْعَفْوَ- روى- انه صلى عليه وسلم سأل جبريل (ما الاخذ بالعفو) فقال لا أدرى حتى اسأل ثم رجع فقال يا محمد ان ربك أمرك ان تعطى من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك وان تحسن الى من أساء إليك

هر كه زهرت دهد بدوده قند

وآنكه از تو برد بدو پيوند

والعفو من أخلاقه تعالى قال سعيد بن هشام دخلت على عائشة فسألتها عن اخلاق النبي عليه السلام قالت اما تقرأ القرآن قلت بلى قالت كان خلق رسول الله القرآن وانما أدبه بالقرآن بمثل قوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وبقوله وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وبقوله (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) وغير ذلك من الآيات الدالة على مكارم أخلاقه وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ بالجميل المستحسن من الافعال لانها قريبة من قبول الناس من غير نكير قال فى التيسير قالوا فى العرف تقوى الله صلة الأرحام وصون اللسان عن الكذب ونحوه وغض البصر عن المحارم وكف الجوارح عن المآثم وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم واحلم عنهم واغضض عما يسوءك منهم وذلك لانه ربما اقدم بعض الجاهلين عند الترغيب والترهيب على السفاهة والأذى والضحك والاستهزاء فلهذا السبب امر الله تعالى حبيبه فى آخر الآية بتحمل الأذى والحلم عمن جفا فظهر بهذا ان الآية مشتملة على مكارم الأخلاق فيما يتعلق بمعاملة الناس معه ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا فى الأسواق ولا يجزى السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح كذا فى الكواشي- روى- انه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كيف يا رب والغضب) فنزل قوله تعالى وَإِمَّا كلمتان ان التي هى للشرط وما التي هى صلة زائدة يَنْزَغَنَّكَ النزغ والنخس الغرز يقال نزعه طعن فيه ونزغ بينهم أفسد واغرى ووسوس ونخس الدابة غرز مؤخرها او جنبها بعود ونحوه مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ اى نازغ كرجل عدل بمعنى عادل وشبهت وسوسته للناس وإغراؤه لهم على المعاصي بغرز السائق لما يسوقه. والمعنى واما يحملنك من جهته وسوسة ما على خلاف ما أمرت به من اعتراء غضب او نحوه فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ فالتجىء اليه تعالى من شره واعتصم إِنَّهُ تعالى سَمِيعٌ يسمع استعاذتك به قولا عَلِيمٌ يعلم تضرعك اليه قلبا فى ضمن القول

ص: 298

او بدونه فيعصمك من شره قال فى البحر وختم بهاتين الصفتين لان الاستعاذة التي تكون باللسان لا تجدى الا باستحضار معناها. فالمعنى سميع للاقوال عليم بما فى الضمائر واختلفوا هل المراد الشيطان او القرين فقط والظاهر انه فى حقنا القرين قال الله تعالى وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وفى حق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إبليس اما نحن فلان الإنسان لا يؤذيه من الشياطين الا ما قرن به وما بعده فلا يضر شيأ والعاقل لا يستعيذ ممن لا يؤذيه واما الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فان قرينه قد اسلم فلا يستعيذ منه فالاستعاذة حينئذ من غيره وغيره يتعين ان يكون إبليس او أكابر جنوده لانه قدورد فى الحديث (ان عرش إبليس على البحر الأخضر وجنوده حوله وأقربهم اليه أشدهم بأسا ويسأل كلا منهم عن عمله واغوائه ولا يمشى هو الا فى الأمور العظام) والظاهر

ان امر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أهم المهمات عنده فلا يؤثر به غيره من ذريته كما ورد (ان عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله فى وجهى فقلت أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت العنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت اخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لاصبح موثقا يلعب به ولدان اهل المدينة) والدعوة قوله رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي وانما لم يشده ولم يأخذه لان التسخير التام مختص بسليمان عليه السلام فان قلت لم لم يمنع إبليس عن النبي صلى الله عليه وسلم كما منع به عن السماء الشياطين قلت ان الله تعالى جعل اكثر الأشياء كذلك يمنع بها ولا يمنع عنها ألا ترى ان الليل يمنع النهار والنهار يمنع الليل ولا يمنع عنهما النور والظلمة وكذلك احياء الموتى لعيسى عليه السلام ولم يمنع عنه الموت وايضا لما منع الشياطين عن السماء ظنوا انهم لا يقدرون على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فسلطهم عليه ثم عصمه منهم ليعلموا انه ليس بايديهم شىء وقال النيسابورى أراد ان يظهر لخلقه ان غيره مقهور غير معصوم ولا قاهر الا الله تعالى وعن بعض العلماء ان الخطاب فى قوله وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ وان كان للنبى عليه السلام الا ان المراد أمته وتشريع الاستعاذة لهم يقول الفقير حفظه الله القدير يعضده ما قال بعض الأولياء من أمته وهو ابو سليمان الداراني قدس سره ما خلق الله خلقا أهون على من إبليس لولا ان الله أمرني ان أتعوذ منه ما تعوذت منه ابدا وما قال البعض الآخر حين قيل له كيف مجاهدتك للشيطان وما الشيطان نحن قوم صرفنا هممنا الى الله فكفانا من دونه فاذا كان هذا حال الولي فما ظنك بحال النبي ويدل عليه ايضا كلمة ان الدالة على عد الجزم واعلم ان الغضب لغير الله من نزغات الشيطان وانه بالاستعاذة يسكن- روى- انه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يخاصم أخاه قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه من الغضب فقال عليه السلام (انى لا علم كلمة لوقالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان لذهب عنه ما يجده) وفى الحديث (ان الغضب من الشيطان وان الشيطان من النار وانما تطفأ النار بالماء فاذا غضب أحدكم فليتوضأ) : وفى المثنوى

چون ز خشم آتش تو در دلها زدى

مايه نار جهنم آمدى

آتشت اينجا چهـ آدم سوز بود

آنچهـ از وى زاد مرد افروز بود

ص: 299

آتش تو قصد مردم ميكند

نار كز وى زاد بر مردم زند

اين سخنهاى چومار وكژ دست

مار وكژدم كشت وميكردد دمت

خشم تو تخم سعير ودوزخست

هين بكش اين دوزخت را كين فخست

وفى الحديث (لما أراد الله ان يخلق لابليس نسلا وزوجة القى عليه الغضب فطارت منه شظية من نار فخلق منها امرأته) كذا فى حياة الحيوان والاشارة خُذِ الْعَفْوَ اى تخلق بخلق الله فان العفو من أخلاقه تبارك وتعالى وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ اى بالمعروف وهو طلب الحق تعالى لانه معروف العارفين وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ يعنى عن كل ما يدعوك الى غير الله وعمن يطلب ما سوى الله فان الجاهل هو الذي لا يعرف الله ولا يطلبه والعالم من يطلبه ويعرفه وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فى طلب غير الله فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من غير الله بان تفر الى الله وتترك ما سواه إِنَّهُ سَمِيعٌ يسمع القول والاجابة لما تدعوه اليه عَلِيمٌ بما ينفعك ويضرك فيسمع ما ينفعك دون ما يضرك كذا فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا اى اتصفوا بوقاية أنفسهم عما يضرها إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ ادنى لمة منه وهى الوسوسة والمس. والطائف اسم فاعل من طاف يطوف إذا دار حول الشيء كأنها تطوف بهم وتدور حولهم لتوقع بهم او من طاف به الخيال يطيف طيفا اى ألمّ فالطائف بمعنى الجائى والنازل. وفى الصحاح طيف الخيال مجيئه فى النوم وطيف من الشيطان وطائف منه لمم منه والخيال فى الأصل اسم بمعنى التخيل وارتسام السورة فى محل القوة المتخيلة ويطلق على نفس تلك الصورة وطيفه نزوله فى محل المتخيلة تَذَكَّرُوا اى ما امر به ونهى عنه وقال المولى ابو السعود اى الاستعاذة به تعالى والتوكل عليه فَإِذا هُمْ بسبب ذلك التذكر مُبْصِرُونَ مواقع الخطأ ومكائد الشيطان فيتحرزون عنها ولا يتبعونه فيها وَإِخْوانُهُمْ اى اخوان الشياطين وهم المنهمكون فى الغى المعرضون عن وقاية أنفسهم عن المضار فضمير إخوانهم للشيطان والجمع لكون المراد به الجنس يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ اى يكون الشياطين مددا لهم فيه ويعضدونهم بالتزيين والحمل عليه والغى الضلال ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ اى لا يمسكون عن الإغواء حتى يردونهم بالكلية يقال اقصر عن الشيء إذا كف عنه وانتهى فعلى العاقل مباعدة اهل الطغيان ومجانبة وسوسة الشيطان- حكى- ان بعض الأولياء سأل الله تعالى ان يريه كيف يأتى الشيطان ويوسوس فاراه الحق تعالى هيكل الإنسان فى سورة بلور وبين كتفيه خال اسود كالعش والوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو فى صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء من بين الكتفين فادخل خرطومه قبل قلبه فوسوس اليه فذكر الله تعالى فخنس وراءه ولذلك سمى بالخناس لانه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر فى القلب ولهذا السر الإلهي احتجم صلى الله تعالى عليه وسلم بين كتفيه وامر بذلك ووصاه جبريل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لانه يجرى وسوسته مجرى الدم ولذلك كان خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام اشارة الى عصمته عليه السلام من وسوسته لقوله عليه السلام (أعانني الله عليه فاسلم) اى بالختم الإلهي أيده به وخصه وشرفه وفضله بالعصمة الكلية فاسلم قرينه وما اسلم قرين آدم فوسوس اليه لذلك واعلم ان اصل الخواطر اثنان ما يكون بإلقاء الملك وما يكون

ص: 300

بإلقاء الشيطان والفرق ان كل ما يكون سببا للخير بحيث يكون مأمون الغائلة اى الآفة فى العاقبة ولا يكون سريع الانتقال الى غيره ويحصل بعده توجه تام الى الحق ولذة عظيمة مرغبة فى العبادة فهو ملكى وبالعكس شيطانى قال بعضهم قد يلبس الشيطان ويرى الباطل فى صورة الحق فاجمع المشايخ على ان من كان قوته من الحرام لا يفرق بين الخواطر الملكية والشيطانية بل منهم من قال من كان قوته غير معلوم لا يفرق بينهما: وفى المثنوى

طفل جان از شير شيطان باز كن

بعد از آنش با ملك انباز كن

تا تو تارك وملول وتيره

دانكه با ديو لعين همشيره

لقمه كان نور افزود وكمال

آن بود آورده از كسب حلال

چون ز لقمه تو حسد بينى ودام

جهل وغفلت زايد آنرا دان حرام

زايد از لقمه حلال اندر دهان

ميل خدمت عزم رفتن آن جهان

قال حضرة شيخنا الفريد امده الله بالمزيد فى كتاب اللائحات البرقيات الملك الموكل بامر الله على قلوب اهل الحق يلقى إليهم الحق دائما فاذا مسهم طائف من الشيطان فيذكرهم بذلك الطائف الشيطاني فهم يتذكرون ويبصرون ويمحون والشيطان المتسلط بخذلان الله على صدور اهل الباطل يلقى إليهم الباطل دائما فاذا مسهم طائف من الرحمن فينسيهم ذلك فهم لا يتذكرون ولا يبصرون ولا يمحون فالشان الرحمانى دائما اراءة الحق حقا والباطل باطلا والشان الشيطاني اراءة الحق باطلا والباطل حقا وهذا هو السر والحكمة فى كون عباد الرحمن هادين ومهديين وعباد الشيطان ضالين ومضلين لان الاراءة الاولى هى الهداية بعينها والثانية هى الإضلال بعينه والإضلال لا بد من انه يستلزم الضلال كما ان الهداية لا بد من انها تستلزم الاهتداء انتهى كلامه قال فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا هم ارباب القلوب والتقوى من شان القلب كما قال عليه الصلاة والسلام (التقوى هاهنا) وأشار الى صدره والتقوى نور يبصرون به الحق حقا والباطل باطلا فلذا قال إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ اى إذا طاف حول القلب التقى النقي نوع طيف من عمل الشيطان براه القلب بنور التقوى ويعرفه فيتذكر انه يفسده ويكدر صفاءه ويقسيه فيجتنبه ويحترز منه فذلك قوله تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ يعنى النفوس اخوان القلب فان النفس والقلب توأمان ولدا من ازدواج الروح والقالب فالقلب يمد النفس فى الطاعة ولولا ذلك ما صدر من القلب معصية لانه جبل على الا طمئنان بذكر الله وطاعته ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ لا يسأم كل واحد منهما من فعله ولا يدع ما جبل عليه لئلا يأمن ارباب القلوب من كيد النفوس ابدا ولا يقنط ارباب النفوس المسرفين على أنفسهم من رحمة الله من إصلاح احوال قلوبهم وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ اى اهل مكة بِآيَةٍ من القرآن عند تراخى الوحى او بآية مما اقترحوه كقولهم احى لنا فلانا الميت يكلمنا ويصدقك فيما تدعونا اليه ونحو ذلك قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها اجتبى الشيء بمعنى حباه لنفسه اى جمعه. فالمعنى هلا جمعتها من تلقاء نفسك تقوّلا كسائر ما تقرأه من القرآن فانهم يقولون كله افك او هلا ميزتها واصطفيتها عن سائر مهماتك وطلبتها من الله

ص: 301

تعالى فيكون الاجتباء بمعنى الاصطفاء قُلْ ردا عليهم إِنَّما أَتَّبِعُ اى ما افعل الا اتباع ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي لست بمختلق للآيات ولست بمقترح لها هذا القرآن بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ بمنزلة البصائر للقلوب بها تبصر الحق وتدرك الصواب اخبر عن المفرد بالجمع لاشتماله على سور وآيات وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إذ هم المقتبسون من أنواره والمغتنمون من آثاره والجملة من تمام القول المأمور به وفى الآية اشارة الى انه كما ان النبي يتبع الوحى الإلهي كذلك الولي يتبع الإلهام الرباني فلا قدرة على تزكية النفوس الا بالوحى والإلهام وايضا لو لم يتبع الهدى لكان اهل هوى غير صالح للارشاد وخائنا والخائن لا يكون أمينا على اسرار النبوة والولاية وعن بعض اهل العلم قال كنت بالمصطبة وإذا برجلين يتكلمان فى الخلوة مع الله تعالى فلما أرادا ان ينصرفا قال أحدهما للآخر تعال نجعل لهذا العلم ثمرة ولا يكون حجة علينا فقال له اعزم على ما شئت فقال عزمت على ان لا آكل ما للمخلوق فيه صنع قال فتبعتهما فقلت انا معكما فقالا على الشرط قلت على أي شرط شرطتما فصعدا جبل لكام ودلانى على كهف وقالا تعبد فيه فدخلت فيه وجعل كل واحد منهما يأتينى بما قسم الله تعالى وبقيت مدة ثم قلت الى متى أقيم هاهنا أسير الى طرطوس وآكل من الحلال واعلم الناس العلم واقرأ القرآن فخرجت ودخلت طرسوس وأقمت بها سنة وإذا انا برجل منهما قد وقف علىّ وقال يا فلان خنت فى عهدك ونقضت الميثاق اما انك لو صبرت كما صبرنا لوهب لك ما وهب لنا قلت ما الذي وهب لكما قال ثلاثة أشياء طى الأرض من المشرق الى المغرب بقدم واحد والمشي على الماء والحجبة إذا شئنا ثم احتجب عنى فقلت بالذي وهب لكما هذا الحال ألا ما ظهرت لى فقد شويت قلبى فظهر وقال سل فقلت هل لى الى ذلك الحال عودة فقال هيهات لا

يؤمن الخائن: قال الحافظ

وفا مجوى ز كس ور سخن نمى شنوى

بهرزه طالب سيمرغ وكيميا ميباش

وفى الحكاية اشارة الى ان الله تعالى يمن على من يشاء- حكى- ان الشيخ جوهر المدفون فى عدن كان مملوكا فعتق وكان يبيع ويشترى فى السوق ويحضر مجالس الفقراء ويعتقدهم وهو أمي فلما حضرت وفاة الشيخ الكبير سعد الحداد المدفون فى عدن قالت له الفقراء من يكون الشيخ بعدك قال الذي يقع على رأسه الطائر الأخضر فى اليوم الثالث من موتى عند ما يجتمع الفقراء فلما توفى اجتمع الفقراء عند قبره ثلاثة ايام فلما كان اليوم الثالث وفرغوا من الذكر والقرآن قعدوا ينتظرون ما وعدهم الشيخ وإذا بطائر أخضر وقع قريبا منه فبقى كل واحد من كبار الفقراء يترجى ذلك ويتمناه فبينماهم كذلك إذا بالطائر قد طار ووقع على رأس الشيخ جوهر ولم يكن يخطر له ولا لاحد من الفقراء ذلك فقام اليه الفقراء ليزفوه الى زاوية الشيخ وينزلوه منزلة المشيخة فبكى وقال كيف أصلح للمشيخة وانا رجل سوقى وانا لا اعرف طريق الفقراء وآدابهم وعلى تبعات وبينى وبين الناس معاملات فقالوا له هذا امر سماوى ولا بدلك منه والله يتولى تعليمك فقال أمهلوني حتى امضى الى السوق وابرأ من حقوق الخلق فامهلوه فذهب الى دكانه ووفى كل ذى حق حقه ثم ترك السوق ولزم الزاوية ولازمه الفقراء فصار جوهرا كاسمه: قال الحافظ

ص: 302

طالب لعل وگهر نيست وگر نه خورشيد

همچنان در عمل معدن وكانست كه بود

وقال

كوهر پاك ببايد كه شود قابل فيض

ور نه هر سنك وكلى لؤلؤ ومرجان نشود

ولما عظم سبحانه وتعالى شأن القرآن بقوله هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ اردفه بقوله وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ الذي ذكرت شؤونه العظيمة فَاسْتَمِعُوا لَهُ استماع قبول وعمل بما فيه فان شأنه يوجب الاستماع مطلقا ولما فى الافتعال من التصرف والسعى والاعتمال فى ذلك الفعل فرقوا بين المستمع والسامع بان المستمع من كان قاصدا للسماع مصغيا اليه والسامع من اتفق سماعه من غير قصد اليه فكل مستمع سامع من غير عكس وَأَنْصِتُوا اى واسكتوا فى خلال القراءة وراعوها الى انقضائها تعظيما له وتكميلا للاستماع والفرق بين الإنصات والسكوت ان الإنصات مأخوذ فى مفهومه الاستماع والسكوت فلا يقتصر فى معناه على السكوت بخلاف السكوت لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ اى تفوزون بالرحمة التي هى أقصى ثمراته قال ابن عباس رضى الله عنها كان المسلمون قبل نزول هذه الآية يتكلمون فى الصلاة ويأمرون بحوائجهم ويأتى الرجل الجماعة وهم يصلون فيسألهم كم صليتم وكم بقي فيقولون كذا فانزل الله تعالى هذه الآية وأمرهم بالإنصات عند الصلاة بقراءة القرآن لكونها أعظم أركانها استدل الامام ابو حنيفة بهذه الآية على ان انصات المقتدى واجب وان قراءة الامام قراءة المأموم فلا يقرأ خلف الامام سواء اسر الامام أم جهر لانه تعالى أوجب عليه أمرين الاستماع والإنصات فاذا فات الاستماع بقي الإنصات واجبا وجه الاستدلال ان المراد بالإنصات المأمور به وان كان هو النهى عن الكلام لا عن القراءة لكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب على ان جماعة من المفسرين قالوا ان الآية نزلت فى الصلاة خاصة حين كانوا يقرأون القرآن خلفه عليه السلام وجعله الحدادي فى تفسيره أصح قال فى الأشباه أسقط ابو حنيفة القراءة عن المأموم بل منعه منها شفقة على الامام دفعا للتخليط عليه كما يشاهد بالجامع الأزهر انتهى فقراءة المأموم مكروهة كراهة التحريم وهو الأصح كما فى شرح المجمع لابن ملك قال على رضى الله عنه من قرأ خلف الامام فقد اخطأ الفطرة اى السنة- يحكى- ان جماعة من اهل السنة جاؤا الى ابى حنيفة رضى الله عنه ليناظروه فى القراءة خلف الامام ويبكتوه ويشنعوا عليه فقال لهم لا يمكننى مناظرة الجميع ففوضوا امر المناظرة الى أعلمكم لا ناظره فاشاروا الى واحد فقال هذا أعلمكم فقالوا نعم قال والمناظرة معه مناظرة لكم قالوا نعم قال والإلزام عليه كالالزام عليكم قالوا نعم قال وان ناظرته وألزمته الحجة فقد لزمتكم الحجة قالوا نعم قال وكيف قالوا لانا رضينا به اماما فكان قوله قولنا فقال ابو حنيفة فنحن لما اخترنا الامام فى الصلاة كانت قراءته قراءة لنا وهو ينوب عنا فاقر واله بالالزام. قال الفقهاء المطلوب من القراءة التدبر والتفكر والعمل به ولا يحصل ذلك الا بالاستماع والإنصات فيجب على المؤتم ذلك وهو كالخطبة يوم الجمعة لما شرعت وعظا وتذكيرا وجب الاستماع ليحصل فائدتها لا ان يخطب كل لنفسه بخلاف سائر الأركان لانها شرعت للخشوع ولا يحصل لهم

ص: 303

الخشوع الا بالسجود معه والركوع اعلم ان ظاهر النظم الكريم يقتضى وجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن فى الصلاة وغيرها وعامة العلماء على استحبابها خارج الصلاة كما فى التفاسير قال الحدادي ولا يجب على القوم الإنصات لقراءة كل من يقرأ فى غير الصلاة وقال الحلبي رجل يكتب الفقه وبجنبه رجل يقرأ القرآن ولا يمكن للكاتب الاستماع فالاثم على القارئ لقراءته جهرا فى مواضع اشتغال الناس بأعمالهم وعلى هذا لو قرأ على السطح فى الليل جهرا والناس نيام يأثم كذا فى الخلاصة. صبى يقرأ فى البيت واهله مشغولون بالعمل يعذرون فى ترك الاستماع ان افتتحوا العمل قبل القراءة وإلا فلا. وكذا قراءة الفقه عند قراءة القرآن ولو كان القارئ فى المكتب واحدا يجب على المارين الاستماع وان اكثر ويقع الخلل فى الاستماع لا يجب عليهم. ويكره للقوم ان يقرأوا القرآن جملة لتضمنها ترك الاستماع والإنصات. وقيل لا بأس به والأصل فيه ان الإنصات والاستماع للقرآن فرض كفاية على ما حققه الحلبي فى الشرح الكبير قال فى القنية ولا بأس باجتماعهم على قراءة الإخلاص جهرا عند ختم القرآن ولو قرأ واحد واستمع الباقون

فهو اولى. ورجل يكتب من الفقه او يكرر منه وغيره يقرأ القرآن لا يلزمه الاستماع لان النبي عليه السلام دخل على أصحابه وهم فى المسجد حلقتان حلقة فى مذاكرة الفقه وحلقة فى قراءة القرآن وجلس فى حلقة مذاكرة الفقه ولو لزم الاستماع لما فعل ذلك وفيه اشارة فضيلة الفقه ومذاكرته

علم دين فقهست وتفسير وحديث

هر كه خواند غير ازين كردد خبيث

قال فى نصاب الاحتساب قراءة القرآن فى القبور تكره عند ابى حنيفة وعند محمد لا تكره ومشايخنا أخذوا بقول محمد لكن لا يقرأ جهرا إذا كان اهل المصيبة مشتغلين بالناس فان القراءة جهرا عند قوم مشاغيل مكروهة ثم اعلم انه يدخل فى الآية الخطبة لانها ملتبسة بقراءة القرآن فنعمل بظاهره فى حق قراءة القرآن وفى حق الخطبة بطريق الاحتياط اثباتا للحرمة بدليل فيه شبهة فيسمع الخطبة وينصت وان صلى الخطيب على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لان ذلك جزء من الخطبة فنعمل فيه ما نعمل فى الباقي الا إذا قرأ صلوا عليه فيصلى المستمع سرا اى فى نفسه وقلبه ولا يحرك لسانه لانه توجه عليه أمران صلوا عليه وقوله انصتوا فيصلى فى نفسه وينصت بلسانه حتى يكون آتيا بهما. واختلفوا فى البعيد عن المنبر والأحوط السكوت اقامة لفرض الإنصات وان تعذر الاستماع ولان فيه تشبها بالمستمعين ولان صوت كلامه قد يبلغ الصفوف التي امامه فيشغلهم ويمنعهم عن استماع الخطبة قال فى التتارخانية إذا شرع الخطيب فى الدعاء لا يجوز للقوم رفع الأيادي ولا ان يكون بلسانه وكذا الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام باللسان جهرا فان فعلوا أثموا ويجوز بالقلب ويجب على العلماء منعهم فان لم يمنعوا أثموا وقال فى نصاب الاحتساب ولا يتكلم حال الخطبة وان كان امرا بمعروف او نهيا عن منكر ولو لم يتكلم لكن أشار بيده او بعينه حين رأى منكرا الصحيح انه لا بأس به وفى الحديث (إذا قلت لصاحبك انصت يوم الجمعة والامام يخطب فقد لغوت) اى تكلمت بما لا ينبغى قال النووي فيه نهى عن جميع انواع الكلام لان قوله انصت إذا كان لغوا مع انه امر

ص: 304

بمعروف فغيره من الكلام اولى وانما طريق النهى هنا الإنكار بالاشارة. وفى قوله والامام يخطب اشعار بان هذا النهى انما هو فى حال الخطبة وهو مذهب الشافعي وقال ابو حنيفة يجب الإنصات بخروج الامام لقوله عليه السلام (إذا خرج الامام فلا صلاة ولا كلام) اى مطلقا سواء خطب او لم يخطب والترجيح للمحرم وقال لا بأس بالكلام إذا خرج الامام قبل ان يخطب وإذا فرغ قبل ان يشتغل بالصلاة لان التكلم بما لا اثم فيه انما كره للاستماع إذ الكلام يخل بفرض استماعها ليقصر على حال الخطبة إذ لا استماع قبلها وبعدها وفى القنية الكلام فى خطبة العيدين غير مكروه لان خطبة العيدين سنة فخطبة الجمعة شرط لصحة الصلاة بخلاف خطبة العيدين لقوله عليه السلام (يوم العيد من شاء منكم ان يخرج فليخرج) والحاصل انه إذا خرج الامام حرم كلام الناس والناقلة اما الفائتة فلا كراهة فى قضائها وقت الخطبة نص عليه فى النهاية وكذا التسبيح ونحوه جائز بالاتفاق قال فى الأشباه خرج الخطيب بعد شروعه متنفلا قطع على رأس الركعتين يعنى ان صلى ركعة ضم إليها اخرى وسلم كما فى الكافي وان كان شرع فى الشفع الثاني أتمه كما فى الاختيار ولو كان شرع فى سنة الجمعة يتمها أربعا على الصحيح كما فى الأشباه وغيره وعبارة الخروج واردة على عادة العرب لانهم يتخذون للامام مكانا خاليا تعظيما لشانه فيخرج منه حين أراد الصعود الى المنبر واما القاطع عن الصلاة والكلام فى ديارنا فهو قيام الامام للصعود قال فى التأويلات النجمية الإنصات شرط فى حسن الاستماع وحسن الاستماع شرط فى الاسماع والاشارة أَنْصِتُوا بألسنتكم الظاهرة لتستمعوا له بآذانكم الظاهرة وانصتوا بألسنتكم الباطنة لتستمعوا بآذانكم الباطنة لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بالاستماع بالسمع الحقيقي وهو قوله (كنت له سمعا فى يسمع) فمن سمع القرآن بسمع بارئه فقد سمع من قارئه وهذا سر الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ: قال المولى الجامى كوينده سنائى غزنوى است

عجب نبود كه از قرآن نصيبت نيست جز حرفى

كه از خرشيد جز كرمى نبيند چشم نابينا

وَاذْكُرْ يا محمد رَبَّكَ ويجوز ان يكون المراد جميع الخلق والذكر طرد الغفلة ولذا لا يكون فى الجنة لانها مقام الحضور الدائم فِي نَفْسِكَ وهو الذكر بالكلام الخفي فان الإخفاء ادخل فى الإخلاص واقرب من الاجابة وهذا الذكر يعم الاذكار كلها من القراءة والدعاء وغيرها كما قال فى الاسرار المحمدية ليس فضل الذكر منحصرا فى التهليل والتسبيح والتكبير والدعاء بل كل مطيع لله فى عمل فهو ذاكر تَضَرُّعاً مصدر واقع موقع الحال من فاعل اذكر اى متضرعا ومتذللا. والضراعة الخضوع والذل والاستكانة يقال تضرع الى الله اى ابتهل وتذلل والابتهال الاجتهاد فى الدعاء وإخلاصه قال بعض العارفين بالله الصلاة أفضل الحركات والصوم أفضل السكنات والتضرع فى هياكل العبادات يحل ما عقدته الافلاك الدائرات

لو لم ترد نيل ما ارجوا واطلبه

من فضل جودك ما علمتنى الطلبا

وَخِيفَةً بكسر الخاء أصلها خوفة قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها اى وحال كونك خائفا قال ابن الشيخ وهذا الخوف يتناول خوف التقصير فى الأعمال وخوف الخاتمة

ص: 305

وخوف السابقة فان ما يكون فى الخاتمة ليس الا ما سبق به الحكم فى الفاتحة ولذلك قال عليه السلام (جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة) انتهى يقول الفقير هذا بالنسبة الى ان يكون المراد بالخطاب فى الآية هو الامة والا فالانبياء بل وكمل الأولياء آمنون به من خوف الخاتمة والفاتحة نعم لهم خوف لكن من نوع آخر يناسب مقامهم ولما كان أكمل احوال الإنسان ان يظهر عزة ربوبية الله وذلة عبودية نفسه امر الله بالذكر ليتم المقصود الاول وقيده بالتضرع والخيفة ليتم المقصود الثاني

اى خنك آنرا كه ذلت نفسه

واى آنكسى را كه بردى رفسه

وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ صفة لمحذوف هو الحال اى ومتكلما كلاما هو دون الجهر فانه اقرب الى حسن التفكر فمن أم فى صلاة الجهر ينبغى له ان لا يجهر جهرا شديدا بل يقتصر على قدر ما يسمعه من خلفه قال فى الكشف لا يجهر فوق حاجة الناس والا فهو مسيىء. والفرق بين الكراهة والاساءة هو ان الكراهة افحش من الاساءة ولما رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عمر رضى الله

عنه يقرأ رافعا صوته فسأله فقال اوقظ الوسنان واطرد الشيطان قال عليه السلام (اخفض من صوتك قليلا) واتى أبا بكر رضى الله عنه فوجده يقرأ خافضا صوته فسأله فقال قد أسمعت من ناجيت فقال عليه السلام (ارفع من صوتك قليلا) وقد جمع النووي بين الأحاديث الواردة فى استحباب الجهر بالذكر والواردة فى استحباب الاسرار به بان الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء او تأذى المصلون او النائمون والجهر أفضل فى غير ذلك لان العمل فيه اكثر ولان فائدته تتعدى الى السامعين ولانه يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه الى الفكر ويصرف سمعه اليه ويطرد النوم ويزيد فى النشاط وبالجملة ان المختار عند الأخيار ان المبالغة والاستقصاء فى رفع الصوت بالتكبير فى الصلاة ونحوه مكروه والحالة الوسطى بين الجهر والإخفاء مع التضرع والتذلل والاستكانة الخالية عن الرياء جائز غير مكروه باتفاق العلماء كذا فى أنوار المشارق وقد سبق من شارح الكشاف ان الشيخ المرشد قد يأمر المبتدى برفع الصوت لتنقلع من قلبه الخواطر الراسخة فيه بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ متعلق باذكر اى اذكره فى هذين الوقتين وهما البكرات والعشيات فان الغدو جمع غدوة وهى ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس. والآصال جمع اصيل وهو الوقت بعد العصر الى المغرب والعشى والعشية من صلاة المغرب الى العتمة وخص هذان الوقتان لان فيهما تتغير احوال العالم تغيرا عجيبا يدل على ان المؤثر فيه هو الإله الموصوف بالحكمة الباهرة والقدرة القاهرة فكل من شاهد هذه التغيرات ينبغى له ان يذكر المؤثر فيها بالتضرع والابتهال والخوف من تحويل حاله الى سوء الحال. وقيل الغدو والآصال عبارتان عن الليل والنهار اكتفى عن ذكرهما بذكر طرفيهما والمراد بذكره تعالى فيهما المواظبة عليه بقدر الإمكان وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ عن ذكر الله تعالى امر اولا بان يذكر ربه على وجه يستحضر فى نفسه معانى الاذكار التي يقولها بلسانه فان المراد بذكر الله فى نفسه ان يذكره تعالى عارفا بمعاني ما يقول من الاذكار ثم اتبعه بقوله وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ للدلالة على ان الإنسان ينبغى له ان لا يغفل قلبه عن استحضار جلال الله

ص: 306

تعالى وكبريائه وفى الحديث (ألا أنبئكم بما هو خير لكم وأفضل من ان تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم ذكر الله) اى ما هو خير لكم مما ذكر ذكر الله سبحانه لان ثواب الغزو والشهادة فى سبيل الله حصول الجنة والذاكر جليس الحق تعالى كما قال (انا جليس من ذكرنى) والجليس لا بد ان يكون مشهودا فالحق مشهود الذاكر وشهود الحق أفضل من حصول الجنة ولذلك كانت الرؤية بعد حصول الجنة وكمال تلك النعمة. والذكر المطلوب من العبدان يذكر الله باللسان ويكون حاضرا بقلبه وروحه وجميع قواه بحيث يكون بالكلية متوجها الى ربه فتنتفى الخواطر وتنقطع أحاديث النفس عنه. ثم إذا داوم عليه ينتقل الذكر من لسانه الى قلبه ولا يزال يذكر بذلك حتى يتجلى له الحق من وراء أستار غيوبه فينور باطن العبد بحكم وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ويعده الى التجليات الصفاتية والاسمائية ثم الذاتية فيفنى العبد فى الحق فيذكر الحق نفسه بما يليق بجلاله وجماله فيكون الحق ذاكرا ومذكورا وذلك بارتفاع الثنوية وانكشاف الحقيقة الاحدية كذا فى شرح الفصوص لداود القيصري فى الكلمة اليونسية

چون تجلى كرد أوصاف قديم

پس بسوزد وصف حادث را كليم

واعلم ان من اشتغل باسم من الأسماء وداوم فيه فلا ريب ان يحصل بينه وبين سر هذا الاسم المشتغل به وروحه بعناية الله تعالى وفضله مناسبة ما بقدر الاشتغال ومتى قويت تلك المناسبة وكملت بحسب قوة الاشتغال وكماله يحصل بينه وبين مدلوله من الأسماء الحقية بواسطة هذه المناسبة الحاصلة مناسبة بقدرها قوة وكمالا ومتى بلغت الى حد الكمال ايضا هذه المناسبة الثانية الحاصلة بينه وبين هذا الاسم بجود الحق سبحانه وعطائه يحصل بينه وبين مسماه الحق تعالى مناسبة بمقدار المناسبة الثانية من جهة القوة والكمال لان العبد بسبب هذه المناسبة يغلب قدسه على دنسه ويصير مناسبا لعالم القدس بقدر ارتفاع حكم الدنس فحينئذ يتجلى الحق سبحانه له من مرتبة ذلك الاسم بحسبها وبقدر استعداده ويفيض عليه ما شاء من العلوم والمعارف والاسرار الالهية والكونية حسبما يقتضيه الوقت ويسعه

الموطن وتستدعيه القابلية فيطلع بعد ذلك على ما لم يطلع عليه قبله فيحصل له العلم والمعرفة بعد الجهل والغفلة كذا فى حواشى تفسير الفاتحة لحضرة شيخنا الاجل أمدنا الله بمدده الى حلول الاجل واتفق المشايخ والعلماء بالله على ان من لا ورد له لا وارد له وانقطاعه عن بعض ورده بسبب من الأسباب سوى السفر والمرض والهرم والموت علامة البعد من الله تعالى والخذلان. فينبغى لمن كان له ورد ففاته ذلك ان يتداركه ويأتى به ولو بعد أسبوع ومن هنا تقضى الصوفية التهجد مع انه ليس من الفرائض والسر فى هذا ان المراد من الأوراد بل من سائر العبادات تغيير صفات الباطن وقمع رذائل القلب وآحاد الأعمال يقال آثارها بل لا يحس بآثارها وانما يترتب الأثر على المجموع وإذا لم يكن يعقب العمل الواحد اثرا محسوسا ولم يردف بثان وثالث على القرب والتوالي انمحى الأثر الاول ايضا ولهذا السر قال صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال الى الله أدومها وان قل) اى العمل قال ابن ملك وانما كان العمل الذي يداوم عليه أحب لان النفس تألف به ويدوم بسببه الإقبال على الله تعالى ولهذا ينكر اهل التصوف ترك الأوراد كما ينكرون

ص: 307

ترك الفرائض انتهى قال بعض العلماء بالله لا يستحقر الورد الا جهول يعنى بحق ربه وحظ نفسه ووجه وصوله إليهما ان الوارد يوجد فى الدار الآخرة على حسب الورد إذ جاء فى الحديث (ان الله تعالى يقول ادخلوا الجنة برحمتي وتقاسموها بأعمالكم) والورد ينطوى بانطواء هذه الدار فيفوت ثوابه بحسب فواته إذ هو مرتب عليه. واولى ما يعتنى به عند العقلاء الأكياس ما لا يخلف وجوده إذ تذهب فائدته بذهابه فاذا تعللت نفسك بعدم طلب الثواب فقل لها الورد هو طالب ذكره منك إذ هو حق العبودية وان ركنت الى طلب العوض فقل والوارد أنت تطلبينه منه لامن حظ نفسك واين ما هو طالبه منك من واجب حقه مما هو مطلبك منه من غرضك وحظك فطب نفسا بالعمل لمولاك وسلم له فيما به يتولاك فقد قالوا كن طالب الاستقامة ولا تكن طالب الكرامة فان نفسك تهتز وتطلب الكرامة ومولاك يطالبك بالاستقامة ولان تكون بحق ربك اولى لك من ان تكون بحظ نفسك: قال الحافظ.

صحبت حور نخواهم كه بود عين قصور

با خيال تو اگر با دكرى پردازم

قال فى التأويلات النجمية وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ اى اذكره بالافعال والأخلاق والذات فى نفسك بان تبدل افعال نفسك بالأعمال التي امر الله بها وتبدل أخلاقها بأخلاق الله ونفنى ذاتها فى ذات الله وهذا كما قال (وان ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى) وهو سر قوله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ألا ترى ان الفراش لما ذكر الشمعة فى نفسه بافناء ذاته فى ذاتها كيف ذكرته الشمعة بإبقائه ببقائها على ان تلك الحضرة منزهة عن المثل والمثال تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ التضرع من باب التكلف اى بداية هذا الذكر بتبديل افعال النفس باعمال الشريعة تكون بالتكلف ظاهرة ووسطه بالتخلق بأخلاق الله وبآداب الطريقة يكون مخفيا باطنا ونهايته بافناء ذاتها فى ذاته بانوار الحقيقة تكون منهيا عن جهر القول بها وهذا حقيقة قوله عليه السلام (افشاء سر الربوبية كفر) بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ يشير الى غدو الأزل وآصال الابد فان الذكر الحقيقي والمذكور الحقيقي هو الذاكر الحقيقي والذاكر والمذكور فى الحقيقة هو الله الأزلي الابدى لانه تعالى قال فى الأزل فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ففى الأزل ذكرهم لما خاطبهم وكان هو الذاكر والمذكور على الحقيقة على انا نقول ما ذكره الا هو وهذا حقيقة قول يوسف بن حسين الرازي ما ذكر أحد الله الا الله ولهذا قال تعالى وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ الذين لا يعلمون ان الذاكر والمذكور هو الله فى الحقيقة انتهى ما فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ قال الكاشفى [آورده اند كه كفار مكه تعظم ميكردند از سجده نمودن مر خدايرا وتنفر نموده ميكفتند أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً [حق سبحانه وتعالى ميفرمايد اى محمد اگر كافران از سجود من سركشى ميكنند بدرستى آنانكه] عِنْدَ رَبِّكَ اى الملائكة المقربين لديه قرب الشرف والمكانة لا قرب المسافة والمكان لا يَسْتَكْبِرُونَ [كردن نمى كشند] عَنْ عِبادَتِهِ بل يؤدونها حسبما أمروا به وَيُسَبِّحُونَهُ اى ينزهونه عن كل ما لا يليق بجناب كبريائه وَلَهُ تقديم الجار على الفعل للحصر يَسْجُدُونَ اى يخصونه بغاية العبودية والتذلل لا يشركون به شيأ وهو تعريض بسائر المكلفين ولذلك

ص: 308

شرع السجود عند قراءتها واعلم ان السجدة نهاية الخضوع وانما شرعت فى موضع جبرا للنقصان كسجود السهو وفى موضع لمخالفة الكفار والموافقة للمسلمين قال الكاشفى [سجده تلاوت چهارده موضع است در قرآن واختلاف درد وموضع است يكى در آخر سوره حج بمذهب امام شافعى وامام احمد سجده هست وبمذهب امام أعظم نيست ودوم در سوره ص بمذهب امام أعظم هست لان النبي عليه السلام قرأ سورة ص وسجد وبمذهب باقى ائمه نه] لان المذكور فيها ركوع لا سجود واختلف فى موضع السجود فى فصلت فعند على رضى الله عنه هو قوله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ وبه أخذ الشافعي وعند عمر وابن مسعود رضى الله عنهما هو قوله لا يَسْأَمُونَ فاخذنا به احتياطا فان تأخير السجدة لازم لا تقديمها [ونزد امام أعظم سجده تلاوت بر خواننده وشنونده در نماز وغير نماز واجبست در حال واگر فوت شود قضا لازمست وبمذهب ائمه ديكر سنت وقضا لازم نه] ويكره تأخير السجدة من غير ضرورة ويستحب ان يقوم القاعد فيكبر ويسبح تسبيح الصلاة ويكبر ويقوم ثم يقعد لكون الخرور فيه أكمل. قوله تسبيح الصلاة اى يقول «سبحان ربى الأعلى» ثلاثا وهو الأصح وقيل يقول «خضعت للرحمن فاغفر لى يا رحمن» وقيل يقول «يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك وطاعتك» وهو مختار صاحب الاسرار المحمدية ويروى فيه عن نفسه سماع هاتف يأمره بالدعاء بذلك وكان صلى الله عليه وسلم يقول فى سجود التلاوة (سجد وجهى للذى خلقه وصوره فاحسن صورته وشق سمعه وبصره بحوله وقوته) يقولها مرارا ثم يقول (فتبارك الله احسن الخالقين اللهم اكتب لى بها عندك اجرا وضع عنى بها وزرا واجعلها لى عندك ذخرا وتقبلها منى كما تقبلت من عبدك داود عليه الصلاة والسلام قال ابن فخر الدين الرومي ان قرأ سجدة سبحان ضم إليها ما ذكره سبحانه وتعالى عن الطائفة الساجدين واستحسن عنهم بقوله سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا وان قرأ آية التنزيل او الأعراف قال «اللهم اجعلنى من

الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك ان أكون من المستكبرين عن أمرك» وان رأ الم السجدة قال «اللهم اجعلنى من عبادك المنعم عليهم المهديين الساجدين لك الباكين عند تلاوة كتابك» وان قرأ سجدة والنجم قال «اللهم اجعلنى من الباكين إليك الخاشعين لك» وكذا فى غيره قال المولى أخي چلبى وان لم يذكر فيها شيأ اجزأه لانها لا تكون أقوى من السجدة الصلاتية ويستحب للسامع ان يسجد مع التالي ولا يرفع رأسه قبله لانه بمنزلة امامه ويشترط نية السجود للتلاوة لا التعيين حتى لو كان عليه سجدات متعددة فعليه ان يسجد عددها وليس له ان يعين ان هذه السجدة لآية كذا وهذه لآية كذا ويستحب للتالى اخفاؤها إذا لم يكن السامع متهيئا للسجود تحرزا عن تأثيمه وإذا كان متهيئا يستحب له ان يجهر حثاله على العبادة قال الامام الخبازى فى حواشى الهداية يستحب ان يصلى على النبي عليه السلام كلما ذكر ولا تستحب السجدة كلما تليت تلك الآية إذا كان المجلس واحدا والفرق ان الرسول عليه السلام محتاج والرب عز وجل غير محتاج قال الامام محمد بن العربي قدس سره فى روح القدس له اعلم ان لا شىء انكأ على إبليس من ابن آدم فى جميع أحواله فى صلاته من سجوده لانه خطيئته فكثرة السجود وتطويله يحزن الشيطان

ص: 309