المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة التوبة - روح البيان - جـ ٣

[إسماعيل حقي]

الفصل: ‌تفسير سورة التوبة

ميلاد ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا ومن الجانب الرابع اربعة وعشرون ميلا هكذا قال الفقيه ابو جعفر. وكما ان للاماكن الشريفة والبقاع المنيفة قدرا وحرمة عند الله تعالى وعند الناس فكذا القلوب الصافية لاهل الكمالات الوافية بل خطرها أعظم

مسجدى كو اندرون اولياست

سجده كاه جمله است آنجا خداست

آن مجاز است اين حقيقت اى خران

نيست مسجد جز درون سروران

وفى قوله تعالى فَأُولئِكَ مِنْكُمْ اشارة الى ان كل سالك صادق سلك طريق الحق من المتأخرين على قدم الايمان والهجرة والجهاد الحقيقي فهو من المتقدمين لانه ليس عند الله صباح ولا مساء فالواصلون كلهم كنفس واحدة وهم متبرئون من الزمان والمكان استوى عندهم الأمس واليوم والغد والقرب والبعد والعلو والسفل ولهذا قال عليه السلام (أمتي كالمطر لا يدرى أولهم خير أم آخرهم) وعد المتأخرين من إخوانه وقال (ووا شوقاه الى لقاء إخواني) هذا وكان الحسن إذا قرأ سورة الأنفال قال طوبى لجيش قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبارزهم اسد الله وجهادهم طاعة الله ومددهم ملائكة الله وثوابهم رضوان الله نسأل الله تعالى ان يوفقنا لصالحات الأعمال وحسنات الأقوال والأحوال وان تجعلنا مشغولين بطاعة الله فى كل آن وحال تمت سورة الأنفال بفضل الله المتعال فى اواخر شهر ربيع الآخر من شهور سنة الف ومائة وواحد

‌تفسير سورة التوبة

مائة وثلاثون آية وهى مدينة اعوذ بالله من الشيطان الرجيم انما تركت التسمية أول براءة لعدم المناسبة بين الرحمة التي تدل عليها البسملة والتبري الذي يدل عليه أول براءة ورده فى الفتوحات بانها جاءت فى أوائل السور المبدوءة بويل قال واين الرحمة من الويل وقال فى التأويلات النجمية الحكمة فى ترك كتابة بسم الله الرحمن الرحيم فى أول سورة براءة وكتابتها فى سورة النمل ليعلم انها آية مكررة فى القرآن واكثر ما أنزلت فى أوائل السور لتكون فاصلة بين السورتين ولتكون كل سورة متوجّة بتاج اسم الله تعالى وصفة جماله وجلاله فحيث نزلت كتبت وحيث لم تنزل لم تكتب فلما لم تنزل فى أول براءة ما كتبت فى أولها ونزلت فى أول النمل واثنائها فكتبت فى الموضعين جميعا اه [در ترجمه اسباب نزول از بستان فقيه ابو الليث نقلى ميكند كه ثقات مشايخ بعنعنه از ذى النورين رضى الله عنه روايت كرد كه كاتب خاتمه يسألونك عن الأنفال وفاتحه براءة من الله من بودم حضرت مصطفى عليه الصلاة والسلام ميان اين دو سوره إملاء بسم الله نفرمودند] كذا فى تفسير الكاشفى وهو مؤيد لكلام التأويلات وقال حضرة الشيخ الأكبر والمسك الأذفر قدس سره الأطهر اعلم ان بسملة سورة براءة هى التي فى سورة النمل فان الحق سبحانه إذا وهب شيأ لم يرجع فيه ولا يرده الى العدم فلما خرجت رحمة براءة وهى البسملة وحكم التبري من أهلها برفع الرحمة الاختصاصية عنهم ووقف الملك بها لا يدرى اين يضعها فان كل

ص: 381

امة من الأمم الانسانية أخذت رحمتها بايمانها قال تعالى اعطوا هذه البسملة للبهائم التي آمنت بسليمان عليه السلام وهى لا يلزمها ايمان الا برسولها فلما عرفت قدر سليمان وآمنت به أعطيت من الرحمة الانسانية حظا وهو بسم الله الرحمن الرحيم الذي سلب من المشركين فلما وسعت الرحمة الرحمانية كل شىء فى الوجود الكونى أقيمت الباء فى براءة مقامها لانها من حروف آية الرحمة والامان لان كل شىء فى الوجود الكونى لا يخلو من رحمة الله عامة او خاصة انتهى واعلم ان الاستعاذة واجبة على كل من شرع فى قراءة القرآن سواء بدأ من أوائل السور او من اجزائها مطلقا وان أراد بها افتتاح الكتب والدرس كما يقرأ التلميذ على الأستاذ لا يتعوذ ثم ان البسملة لا بد منها فى أول الفاتحة مطلقا وفى أول كل سورة ابتدأت بها سوى براءة فانها لا تسمية فى أولها اجماعا والقارئ مخير فى التسمية وعدمها فيما بين اجزاء السور سوى اجزاء براءة فانه لا بسملة فى اجزائها ايضا كذا فى شرح الشاطبية للجعبرى بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ اى هذه براءة مبتدأة من جهة الله ورسوله واصلة إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ ايها المسلمون مِنَ الْمُشْرِكِينَ فمن لابتداء الغاية والى لانتهاء الغاية متعلقان بمحذوف كما تقول هذا كتاب من فلان الى فلان اى واصل منه اليه وليست كلمة من صلة براءة كما فى قولك برئت من فلان والبراءة من الله انقطاع العصمة ونقض العهد ولم يذكر ما تعلق به البراءة كما فى ان الله بريىء من المشركين اكتفاء بما فى حيز الصلة واحترازا عن تكرير لفظة من ولما كانت المعاهدة غير واجبة بل مباحة مأذونة وكان الاتفاق للعهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسب إليهم مع ان مباشرة أمرها انما تتصور من المسلمين لامن الله تعالى وان كانت بإذن الله تعالى بخلاف البراءة فانها واجبة أوجبها الله تعالى وامر منوط بجناب الله تعالى كسائر الأوامر غير متوقفة على رأى المخاطبين. والمعنى ان الله ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين فانه منبوذ إليهم والعهد العقد الموثق باليمين وقد كانوا عاهدوا مشركى العرب من اهل مكة وغيرهم بإذن الله واتفاق الرسول فنكثوا الا بنى ضمرة وبنى كنانة فامر المسلمون بنبذ العهد الى الناكثين وأمهلوا اربعة أشهر كما قال تعالى فَسِيحُوا اى فقولوا لهم سيحوا وسيروا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مقبليين مدبرين آمنين من القتال غير خائفين من النهب والغارة. والسيح والسياحة الذهاب فى الأرض والسير فيها بسهولة على مقتضى المشيئة كسيح الماء على موجب الطبيعة ففيه من الدلالة على كمال التوسعة والترفيه ما ليس فى سيروا ونظائره وزيادة فى الأرض لقصد التعميم لا قطارها من دار الإسلام وغيرها والمراد اباحة ذلك لهم وتخليتهم وشأنهم للحرب او تحصين الأهل والمال او تحصيل الحرب او غير ذلك لا تكليفهم بالسياحة فيها والمراد بالأشهر الاربعة هى الأشهر الحرم التي علق القتال بانسلاخها هى شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لان السورة نزلت فى شوال سنة تسع من الهجرة بعد فتح مكة فانه كان فى السنة الثامنة منها أمروا بان لا يتعرضوا للكفار بتلك المدة صيانة للاشهر الحرم عن القتال فيها ثم نسخ وجوبها ليتفكروا ويعلموا ان ليس لهم بعد هذه المدة الا الإسلام او السيف فيصير ذلك حاملا لهم على الإسلام ولئلا ينسبوا المسلمين الى الخيانة ونقض العهد على غفلة المعاهدين وقيل هى عشرون

ص: 382

من ذى الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من شهر ربيع الآخر لان التبليغ كان يوم النحر كما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى سنة الفتح عتاب بن أسيد الوقوف بالناس فى الموسم واجتمع فى تلك السنة فى الوقوف المسلمون والمشركون فلما كانت سنة تسع بعث أبا بكر رضى الله عنه أميرا على الموسم فلما خرج منطلقا نحو مكة اتبعه عليا رضى الله عنه راكب العضباء ليقرأ هذه السورة على اهل الموسم فقيل له عليه السلام لو بعثت بها الى ابى بكر فقال (لا يؤدى عنى الأرجل منى) وذلك لان عادة العرب ان لا يتولى امر العهد والنقض على القبيلة إلا رجل منها سيدهم او واحد من رهطه وعترته فبعث عليا ازاحة للعلة لئلا يقولوا هذا خلاف ما نعرفه فينا فى العهد والنقض فلما

دنا على سمع أبو بكر الرغاء وهو صوف ذوات الحوافر فوقف وقال هذا رغاء ناقة رسول الله فلما لحقه قال أمير أم مأمور قال مأمور فمضيا فلما كان قبل يوم التروية خطب أبو بكر وحدثهم عن مساكنهم وقام علىّ يوم النحر عند جمرة العقبة فقال (يا ايها الناس انى رسول الله إليكم فقالوا بماذا فقرأ عليهم ثلاثين او أربعين آية من أول هذه السورة ثم قال أمرت بأربع ان لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة الا كل نفس مؤمنة وان يتم الى كل ذى عهد عهده) وقال الحدادي كان الحج فى السنة التي قرأ على رضى الله عنه فيها هذه السورة فى العاشر من ذى القعدة ثم صار الحج فى السنة الثانية فى ذى الحجة وكان السبب فى تقديم الحج فى سنة العهد ما كان يفعله بنوا كناية فى النسيء وهو التأخير انتهى فعلى هذا كان المراد بالأشهر الاربعة من عشر ذى القعدة الى عشر من شهر ربيع الاول كما ذهب اليه البعض وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بسياحتكم فى أقطار الأرض فى العرض والطول وان ركبتم متن كل صعب وذلول غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ اى لا تفوتونه بالهرب والتحصين قال فى ربيع الأبرار غير معجزى الله سابقى الله وكل معجز فى القرآن سابق بلغة كنانة وَأَنَّ اللَّهَ اى واعلموا انه تعالى مُخْزِي الْكافِرِينَ اى مذلكم فى الدنيا بالقتل والاسر وفى الآخرة بالعذاب وما يحصل لكم من الافتضاح. والاخزاء هو الازلال بما فيه فضيحة وعار قال القشيري قطع لهم مدة على وجه المهلة على انهم ان أقلعوا عن الضلال وجدوا فى المال ما فقدوا من الوصال وان أبوا الا التمادي فى الحرمة والجريمة انقطع ما بينهم وبينه من العصمة ثم ختم الآية بما معناه ان أصررتم على قبيح آثاركم مشيتم الى هلاككم بقدمكم وسعيتم فى عاجلكم فى اراقة دمكم وحصلتم فى آجلكم على ندمكم فما خسرتم الا فى صفقتكم

تبدلت وتبدلنا واخسرنا

من ابتغى عوضا يسعى فلم يجد

ففى الآية دعوة الى الصلح والايمان بعد الحراب والكفران فمن كفر وعصى فقد خاصم ربه فجاء الندم فى تأخيره التوبة والاستغفار وعدم مبالاته بمباغتة قهر الملك الجبار قال بعض العرفاء ان شئت ان تصير من الابدال فحول خلقك الى بعض خلق الأطفال ففيهم خمس خصال لو كانت فى الكبار لكانوا ابدالا لا يهتمون للرزق: قال الصائب

فكر آب ودانه در كنج قفس بي حاصلست

زير چرخ انديشه روزى چرا باشد مرا

ص: 383

ولا يشكون من خالقهم إذا مرضوا

حافظ از جور تو حاشاك بنالد روزى

كه از ان روز كه در بند توام دلشادم

ويأكلون الطعام مجتمعين

اگر خواهى كه يابى ملك ودولت

بخور شاها بدرويشان نعمت

وإذا تخاصموا تسارعوا الى الصلح: قال السلطان سليم الاول

خواهى كه كنج عشق كنى لوح سينه را

از دل بشوى آينه سان كرد كينه را

وإذا خافوا جرت عيونهم بالدموع: وفى المثنوى

سوز مهر وكريه ابر جهان

چون همى دارد جهانرا خوش دهان

آفتاب عقل در سوز دار

چشم را چون ابر أشك افروز دار

چشم كريان بايدت چون طفل خرد

كم خور اين نانرا كه نان آب تو برد

واشارت الآية الكريمة الى النفوس المتمردة المشركة التي اتخذت الهوى الها وعبدت صنم الدنيا فهادنها الروح والقلب فى أوان الطفولية وعاهداها على ان لا يجاهداها ولا يقاتلاها الى حد البلوغ وهى ايضا لا تتعرض لهما الى استكمال القالب واستواء القوى البشرية التي بها تتحمل حمل الامانة وأعباء اركان الشريعة وظهور كمال العقل الذي به يستعد لقبول الدعوة وإجابتها وبه يعرف الرسل ومعجزاتهم وبه يثبت الصانع ويرى تعبده واجبا لاداء شكر نعمة الله وان الله ورسوله بريىء من تلك المعاهدة بعد البلوغ فانه أوان نقض عهد النفوس مع القلوب والأرواح لان النفس قبل البلوغ كانت تتصرف فى المأكول والمشروب والملبوس لتربية القالب ودفع الحاجة الماسة غالبا وذلك لم يكن مضرا جدا للقلب والروح فاما بعد البلوغ فزادت فى تلك التربية بالمأكول والمشروب والملبوس الضروري لاجل الشهوة ولما ظهرت الشهوة شملت آفتها المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح واشتعلت نيرانها يوما فيوما وفيها مرض القلب والروح وبعثت الأنبياء لدفع هذا المرض وعلاجه كما قال عليه السلام (بعثت لدفع العادات وترك الشهوات) وفى قوله فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ اشارة الى ان للنفوس فى ارض البشرية سيرا وسياحة لتكميل الأوصاف الاربعة من النباتية والحيوانية والشيطانية والانسانية التي تتولد بازدواج الروح العلوي الروحاني المفرد والقالب السفلى المركب من العناصر الاربعة. فالنباتية تولد الماء. والحيوانية تولد الريح. والشيطانية تولد النار. والانسانية تولد التراب فلتكميل هذه الصفات أرخيت ازمة النفوس فى مراتع الدنيا ونعيمها الى البلاغة ثم قال وَاعْلَمُوا يعنى نفوس اهل السعادة أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ اى لا تعجزونه ان ينزعكم عن المراتع الدنيوية ويمتعكم بالمنافع الاخروية وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ يعنى مهلك اهل الشقاوة فى تيه الغفلات والشهوات كذا فى التأويلات النجمية وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الاذان بمعنى الإيذان كالعطاء بمعنى الإعطاء اى هذا اعلام واصل منهما إِلَى النَّاسِ كافة المؤمنين والكافرين ناكثين او غيرهم فالاذان عام والبراءة خاصة بالناكثين من المعاهدين والجملة عطف على قوله براءة يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ منصوب بما يتعلق

ص: 384

به الى الناس وفيه قولان. أحدهما انه يوم العيد فانه يتم فيه اركان الحج كطواف الزيادة وغيره ويتم فيه معظم أفعاله كالنحر والرمي وغيرهما واعلام البراءة كان فيه- وروى- ان النبي صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر عند الجمرات فى حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الأكبر- وروى- ان عليا رضى الله عنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء الى الجبانة فجاء رجل فاخذ بلجامها وسأله عن يوم الحج الأكبر فقال هو يومك هذا خل سبيلها. والثاني انه يوم عرفة لقوله عليه الصلاة والسلام (الحج عرفة) حصر النبي عليه السلام افعال الحج فى الوقوف بعرفة لانه معظم أفعاله من حيث ان من أدرك الوقوف بعرفة فقد أدرك الحج ومن فاته الوقوف فاته الحج ووصف الحج بالأكبر لان العمرة تسمى الحج الأصغر ولاجتماع المسلمين والمشركين فى ذلك اليوم وموافقته لاعياد اهل الكتاب ولم يتفق ذلك قبله وبعده فعظم ذلك اليوم فى قلوب جميع الطوائف والملل وورد (ان الوقفة يوم الجمعة تعدل سبعين حجة) وهو الحج الأكبر أَنَّ اللَّهَ اى بان الله والباء صلة الاذان حذفت تخفيفا بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اى من عهدهم الذي نقضوه فالمراد بالمشركين المعاهدون الناكثون وَرَسُولِهِ قال المفسرون هو مرفوع معطوف على المستكن فى بريىء او منصوب على ان الواو بمعنى مع اى بريىء معه منهم او مجرور على القسم ولا تكرير فى ذكر بريىء لان قوله براءة اخبار بثبوت البراءة وهذا اخبار بوجوب الاعلام بذلك ولذلك علقه بالناس ولم يخصه بالمعاهدين كما قال اولا إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ فَإِنْ تُبْتُمْ من الكفر والغدر فَهُوَ اى فالتوبة خَيْرٌ لَكُمْ فى الدارين من الاقامة على الكفر والغدر وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ اى أعرضتم عن التوبة فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ غير سابقين ولا فائتين اى لا تفوتونه طلبا ولا تعجزونه هربا فى الدنيا. وبالفارسية [شما نه عاجز كنندكانيد خدايرا يعنى توانيد كه ازو بكر يزيد يا با او ستيزيد] وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ فى الآخرة والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر التبشير فى مقام الانذار تهكم بهم وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال كنت مع علىّ رضى الله عنه حين بعثه رسول الله بالبراءة الى مكة فقيل لابى هريرة بماذا كنتم تنادون قال كنا ننادى انه لا يدخل الجنة الا مؤمن ولا يحجن هذا البيت بعد هذا العام مشرك ولا عريان ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله الى اربعة أشهر فاذا مضت اربعة أشهر فان الله بريىء من عهد المشركين ورسوله إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ استدراك اى استثناء منقطع من النبذ السابق الذي اخر فيه القتال اربعة أشهر كأنه قيل لا تمهلوا الناكثين فوق اربعة أشهر لكن الذين لم ينكثوا عهدهم فلا تجروهم مجرى الناكثين فى المسارعة الى قتلهم بل أتموا إليهم عهدهم ثُمَّ للدلالة على ثباتهم على عهدهم مع تمادى المدة لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً من شروط العهد ولم ينكثوا وينقص يتعدى الى اثنين فكم مفعول أول وشيأ مفعول ثان والى واحد فشيأ منصوب على المصدرية اى شيأ من النقصان قال الكاشفى [پس ايشان كم نكردند چيزى از عهدهاء شما يعنى نشكستند پيمان شما را] وَلَمْ يُظاهِرُوا لم يعاونوا عَلَيْكُمْ أَحَداً من أعدائكم كما عدت بنوا بكر على خزاعة حلفاء النبي عليه السلام فظاهرتهم قريش بالسلاح فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ عدى أتموا بالى

ص: 385

لتضمنه معنى فأدوا اى فأدوه إليهم تاما كاملا إِلى مُدَّتِهِمْ ولا تفاجئوهم بالقتال عند مضىّ الاجل المضروب للناكثين ولا تعاملوهم معاملتهم- روى- ان بنى ضمرة وهم حى من بنى كنانة عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية عند البيت وكان بقي لهم من عهدهم تسعة أشهر فأتم عليه الصلاة والسلام إليهم عهدهم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ تعليل لوجوب الامتثال وتنبيه على ان مراعاة حقوق العهد من باب التقوى وان التسوية بين الوفى والغادر منافية لذلك وان كان المعاهد مشركا: قال الحافظ

وفا وعهد نكو باشد ار بياموزى

وكرنه هر كه تو بينى ستمكرى داند

قال الشيخ نصرآباديّ للمتقى علامات اربع حفظ الحدود وبذل المجهود والوفاء بالعهود والقناعة بالموجود: قيل فى الترجمة

متقى را بود چهار نشان

حفظ احكام شرع أول آن

ثانيا آنچهـ دست رس باشد

بر فقيران وبي كسان باشد

عهد را با وفا كند پيوند

هر چهـ باشد بدان شود خرسند

واعلم ان الحج الأكبر يوم الوصول الى كعبة الوصال والحج الأصغر يوم الوصول الى كعبة القلب. وزيارة كعبة الوصال وطوافها حرام على مشركى الصفات الناسوتية لانها تميل الى غير الله وتركن الى ما سواه فلا تطوف الناسوتية حول كعبة اللاهوتية الا بعد فنائها وفناؤها انما يكون بالجذبات الالهية فاذا تداركت العناية الازلية العبد يخاطب يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ اما فى حال الحياة واما فى وقت الوفاة لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ أما ترى الى سحرة فرعون كيف قالوا إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ وفى حديث المعراج (ثم ذهبت الى الجنة فرأيت رضوان خازنها فلما رآنى فرح بي ورحب بي وأدخلني الجنة وأراني فيها من العجائب ما وعد الله فيها لاوليائه مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ورأيت فيها درجات أصحابي ورأيت فيها الأنهار والعيون وسمعت فيها صوتا وهو يقول آمنا برب العالمين فقلت ما هذا الصوت يا رضوان قال هم سحرة فرعون وسمعت صوتا آخر وهو يقول لبيك اللهم فقلت من هو قال أرواح الحجاج وسمعت التكبير فقال هؤلاء الغزاة فسمعت التسبيح فقال هؤلاء الأنبياء ورأيت قصور الصالحين ثم بلغت الى سدرة المنتهى) وسميت المنتهى لان علم الخلائق ينتهى إليها (ثم تخلف عنى جبريل فقلت له أتتركني وحيدا فقال يا أكرم الخلق على الله ما جاوز هذا المكان أحد قبلك ولا يجاوز بعدك فاذا نادانى ربى فقال لى ادن منى يا محمد فلم ازل ادنو وهو يقول ادن الف كرة حتى قربت منه كما قال تعالى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى وما من مرة ادنو من ربى إلا قضى لى فيها حاجة ثم وقفت فقطرت على لسانى قطرة كانت احلى من العسل وأبرد من الثلج فعلمت علم الأولين والآخرين وقال لى يا محمد قد جعلت الإسلام حلوا فى قلوب أمتك حتى احبوه وجعلت الكفر مرا فى قلوبهم حتى ابغضوه) يقول الفقير ومنه يعرف ان الله تعالى جعل الكفر حلوا فى قلوب امة الدعوة حتى احبوه وجعل الايمان مرا فى قلوبهم حتى ابغضوه فحب الايمان من الجذبة الالهية والعناية الازلية وبه اتقى المؤمن من الكفر ثم من

ص: 386

العصيان ثم من الجهل ثم من رؤية ما سوى الله والميل اليه. فيا اهل الايمان ادركتكم العناية العامة. ويا اهل العرفان جذبتكم الهداية الخاصة فقوموا واشكروا الله تعالى على ما أنعم عليكم وأوصله من كمال كرمه إليكم وقد نص على انه يحب المتقين فتارة تكون محبا وهو محبوب وتارة تكون محبوبا وهو محب ومقام المحبوبية أعلى المقامات ولو كان فوقه ما هو أعلى منه لما قيل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حبيب الله فعليك ايها العاقل بالرجوع الى المولى قبل تمام المدة وهو حلول الاجل وقبل ان تكتنفك الموانع من الجبن والكسل وطريق الاختيار مقبولة دون طريق الاضطرار فان أقبلت فلك سعادة الوقت وان أعرضت فلك الشقاوة والمقت نسأل الله تعالى ان يهدينا الى طريق الرضى ويقيل عثرتنا فيما مضى آمين فَإِذَا انْسَلَخَ اى انقضى استعير له من الانسلاخ الواقع بين الحيوان وجلده الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ وانفصلت عما كانت مشتملة عليه ساترة له انفصال الجلد عن الشاة وانكشفت عنه انكشاف الحجاب عما وراءه وتحقيقه ان الزمان محيط بما فيه من الزمانيات مشتمل عليه اشتمال الجلد للحيوان وكذا كل جزء من اجزاءه الممتدة من الأيام والشهور والسنين فاذا مضى فكأنه انسلخ عما فيه ووصفت الأشهر بالحرم وهى جمع حرام لان الله تعالى حرم فيها القتال وهى شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم التي أبيح للناكثين ان يسيحوا فيها لا الأشهر الدائرة فى كل سنة وهى رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لان نظم الآية يقتضى توالى الأشهر المذكورة وهذه ليست كذلك لان ثلاثة منها سرد وواحد فرد فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ الناكثين ابد الآباد فهذه الآية ناسخة لكل آية فى القرآن فيها ذكر الاعراض عن المشركين والصبر على إيذائهم على وفق ما اجمع عليه جمهور العلماء حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ادركتموهم فى حل او حرم وَخُذُوهُمْ اى ائسروهم والأخيذ الأسير وَاحْصُرُوهُمْ الحصر المنع والمراد اما حبسهم ومنعهم عن التبسط والتقلب فى البلاد او منعهم عن المسجد الحرام وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ اى كل ممر ومجتاز يجتازون منه فى أسفارهم وانتصابه على انه ظرف لاقعدوا اى ارصدوهم فى كل مكان يرصد فيه وارقبوهم حتى لا يمروا به وهذا امر لتضييق السبيل عليهم فليس معناه حقيقة القعود قال الكاشفى [بسته كردانيد بر ايشان راهها تا منتشر نشوند در بلاد وقرى] فَإِنْ تابُوا عن الشرك بالايمان حسبما اضطروا بما ذكر من القتل والاسر والحصر وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ تصديقا لتوبتهم وايمانهم واكتفى بذكرهما عن بقية العبادات لكونهما رئيسى العبادات البدنية والمالية فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ فدعوهم وشأنهم لا تتعرضوا لهم بشىء مما ذكر قال القاضي فى تفسيره فيه دليل على ان تاركي الصلاة ومانعى الزكاة لا يخلى سبيلهم انتهى وعن ابى حنيفة رحمه الله ان من ترك الصلاة ثلاثة ايام فقد استحق القتل قال الفقهاء الكافر إذا اكره على الإسلام فأجرى كلمة الإسلام على لسانه يكون مسلما فاذا عاد الى الكفر لا يقتل ويجبر على الإسلام كما فى هدية المهديين للمولى أخي چلبى وفيه ايضا كافر لم يقر بالإسلام الا انه إذا صلى مع المسلمين بجماعة يحكم بإسلامه وبلا جماعة لا وان صام او حج او ادى الزكاة لا يحكم بإسلامه فى ظاهر الرواية وفى اخرى انه ان حج على وجه الذي

ص: 387

يفعله المسلمون فى الإتيان بجميع الاحكام والتلبية وشهود كل المناسك يصير مسلما إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ تعليل للامر بتخلية السبيل اى فخلوهم فان الله يغفر لهم ما سلف من الكفر والغدر لان الايمان يجب ما قبله اى يقطعه كالحج ويثيبهم بايمانهم وطاعتهم واعلم ان الله تعالى امر فى هذه الآية بالجهاد وهو اربعة انواع. جهاد الأولياء بالقلب بتحليته بالأخلاق الحميدة. وجهاد الزهاد بالنفس بتزكيتها عن الأوصاف الرذيلة. وجهاد العلماء بإظهار الحق خصوصا عند سلطان جائر وامام ظالم. وجهاد الغزاة ببذل الروح

بهر روز مرك اين دم مرده باش

تا شوى با عشق سرمد خواجه تاش «1»

كشته ومرده به پيشت اى قمر

به كه شاه زندكان جاى دكر «2»

فالقتل اما قتل النفوس المشركة بالسيف الظاهر واما قتل النفوس العاصية بالسيف الباطن وقتلها فى نهيها عن هواها ومنعها عن مشتهاها واستعمالها على خلاف طبعها وضد طبيعتها قيل للحسين بن على رضى الله عنهما أي الجهاد أفضل قال مجاهدتك هواك ووصى رجل ولده فقال يا بنىّ اعص هواك والنساء واصنع ما شئت وقوله تعالى حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ يشير الى قتلها فى الطاعة والمعصية فقتلها فى الطاعة بملازمتها ومداومتها عليها وفطامها غن مشاربها فيها وإعجابها وتخليصها إياها: قال فى القصيدة الشهيرة بالبردة

وراعها وهى فى الأعمال سائمة

وان هى استحلت المرعى فلا تسم

اى راع النفس فى اشتغالها بالأعمال عما هو مفسد ومنقص للكمال من الرياء والعجب والغفلة والضلال وان عدت النفس بعض التطوعات حلوا واعتادت به وألفته فاجتهد فى ان تقطع نفسك عنه واشتغل بما هو أشق عليها لان اعتبار العبادة انما هو بامتيازها من العادة فَإِنْ تابُوا ورجعوا الى الله اى رجعت النفوس عن هواها الى طلب الحق تعالى وَأَقامُوا الصَّلاةَ وداومت على العبودية والتوجه الى الحق وَآتَوُا الزَّكاةَ اى تزكت عن أوصافها الذميمة فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ عن مقاساة الشدائد بالرياضات والمجاهدات ليعملوا بالشريعة بعد الوصول الى الحقيقة فان النهاية هى الرجوع الى البداية كما فى التأويلات النجمية يقول الفقير ظهر من هذا ان السالك وان بلغ الى غاية المراتب ونهاية المطالب فهو متقيد فى إطلاقه بمرتبة الشريعة والعمل باحكامها بحيث لو انخلع عن الاحكام والآداب كان ملحدا سيىء الأدب مطرودا عن الباب مهجورا عن حريم قرب رب الأرباب فالشريعة الشريفة محك لكل سالك مبتدىء ولكل واصل منتهى يظهر بها صدق الطلب وخدمة الشكر وفى الكتب الكلامية ولا يصل العبد مادام عاقلا بالغا الى حيث يسقط الأمر والنهى لعموم الخطابات الواردة فى التكاليف واجماع المجتهدين على ذلك اللهم اجعلنا من المتقيدين بوثاق عبوديتك والمراعين لحقوق ربوبيتك وَإِنْ أَحَدٌ رفع بفعل يفسره ما بعده لا بالابتداء لان ان من عوامل الفعل مِنَ الْمُشْرِكِينَ الذين امرتك بقتلهم اسْتَجارَكَ اى طلب منك الامان والجوار بعد انسلاخ الأشهر الحرم فَأَجِرْهُ فآمنه ولا نسارع الى قتله حَتَّى يَسْمَعَ اى الى ان يسمع او ليسمع كَلامَ اللَّهِ اى القرآن فيما له وما عليه من الثواب والعقاب استدل الأشعري بهذه الآية الى انه يجوز ان يسمع

(1) در اواخر دفتر سوم در بيان پيدا شدن روح القدس بصورت آدمي إلخ.

(2)

در اواخر دفتر سوم در بيان عزم كردن آن وكيل از عشق كه رجوع كند بخارا.

ص: 388

الكلام القديم الذي هو صفة الله تعالى ومنعه الشيخ ابو منصور. فمعنى حتى يسمع كلام الله يسمع ما يدل عليه كما يقال سمعت علم فلان فان حقيقة العلم لا تسمع بل سمعت خبرا دالا على علمه وكما يقال انظر الى قدرته تعالى اى الى ما يدل على قدرته تعالى والتفصيل فى كتب الكلام ثُمَّ أَبْلِغْهُ بعد استماعه له ان لم يؤمن مَأْمَنَهُ اى مسكنه الذي يأمن فيه وهو دار قومه [وبعد از ان باو مقاتله نماى] ذلِكَ يعنى الأمر بالاجارة وإبلاغ المأمين بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ ما الإسلام وما حقيقته او قوم جهلة فلا بد من إعطاء الامان حتى يفهموا الحق ولا يبقى لهم معذرة أصلا. ومن هاهنا قال الفقهاء حربى اسلم فى دار الحرب ولا يعلم بالشرائع من الصوم والصلاة ونحوهما ثم دخل دار الإسلام لم يكن عليه قضاؤها ولا يعاقب عليه إذا مات ولو اسلم فى دار الإسلام ولم يعلم بالشرائع يلزمه القضاء واعلم كما ان الكفار قوم لا يعلمون احكام الله فكذا النفس وصفاتها قوم لا يعلمون الله والطافه فلا يقبلون اليه ويعلمون الدنيا وشهواتها فيرغبون فيها وقد أمهل الله تعالى بفضله ليرجع العبد اليه والى طاعته- روى- انه كان فى بنى إسرائيل شاب قد عبد الله عشرين سنة ثم عصاه عشرين سنة ثم نظر فى المرآة فراى الشيب فى لحيته فساءه ذلك فقال الهى أطعتك عشرين سنة وعصيتك عشرين سنة فان رجعت إليك تقبلنى فسمع هاتفا من وراء البيت ولم ير شخصا وهو يقول احببتنا فاحببناك وتركتنا فتركناك وعصيتنا فامهلناك فان رجعت إلينا قبلناك وينبغى للعبد ان يسارع الى التوبة والاستغفار فان توبة الشاب احسن من توبة الشيخ فان الشاب ترك الشهوة مع قوة الداعي إليها والشيخ قد ضعفت شهوته وقل داعيه فلا يستويان: قال السعدي قدس سره [قحبه پير از نابكارى چهـ كند توبه نكند] لانه لا رغبة فى مجامعتها فانها تؤدى الى موت الفجأة [وشحنه معزول از مردم إزاري] لانه لا ولاية له على الناس

جوان كوشه نشين شير مرد راه خداست

كه پير خود نتواند ز كوشه برخاست

شيخ كبير له ذنوب

تعجز عن حملها المطايا

قد بيضت شعره الليالى

وسودت قلبه الخطايا

يا من يأتى عليه عام بعد عام وقد غرق فى بحر الخطايا وهام. يا من يشاهد الآيات والعبر كلما توالت عليه الأعوام والشهور ويسمع الآيات والسور ولا ينتفع بما يسمع ولا بما يرى من عظائم الأمور ما الحيلة فيمن سبق عليه الشقاء فى الكتاب المسطور فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي فى الصدور ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور اللهم اجعلنا من المتلذذين بحسن خطابك والمستسعدين بقرب جنابك والمتصفين بمعرفة آيات صفاتك والواصلين الى اسرار ذاتك انك أنت الفياض كَيْفَ فى محل النصب على التشبيه بالحال والظرف والاستفهام إنكاري لا بمعنى انكار الواقع كما فى قوله تعالى كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ بل بمعنى انكار الوقوع يَكُونُ من الكون التام لِلْمُشْرِكِينَ هم الناكثون. والمعنى على أي حال يوجد لهم عَهْدٌ معتد به عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ يستحق ان يراعى حقوقه ويحافظ عليه الى تمام المدة ولا يتعرض لهم بحسبه قتلا وأخذا اى مستنكر مسنبعد ان يكون لهم عهد يجب الوفاء به

ص: 389

إِلَّا الَّذِينَ استدراك من النفي المفهوم من الاستفهام المتبادر شموله لجميع المعاهدين اى لكن الذين عاهَدْتُمْ يعنى بنى ضمرة وبنى كنانة عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [نزديك مسجد حرام يعنى در حديبية كه قريبست بمكه معظمه] والتعرض لكون المعاهدة عند المسجد الحرام لزيادة بيان أصحابها والاشعار بسبب وكادتها ومحل الموصول الرفع على الابتداء خبره قوله تعالى فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ والفاء لتضمنه معنى الشرط وما اما مصدرية منصوبة المحل على الظرفية بتقدير المضاف اى فاستقيموا لهم بوفاء أجلهم مدة استقامتهم لكم فى وفاء العهد فلم ينقضوه كما نقض غيرهم واما شرطية منصوبة المحل على الظرفية الزمانية اى أي زمان استقاموا لكم فى عهدهم فاستقيموا لهم بالوفاء او مرفوعة على الابتداء والعائد محذوف اى أي زمان استقاموا لكم فيه فاستقيموا لهم فيه إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ لنقض العهد تعليل للامر بالاستقامة واشعار بان المحافظة على العهد من لوازم التقوى وفى الحديث (لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف بقدر غدره) قال فى شرح الشهاب المراد باللواء التشهير يعنى يفتضح الغدّار يوم.

القيامة بقدر غدره: وفى المثنوى

سوى لطف بيوفايان هين مرو

كان پل ويران بود نيكو شنو

نقض ميثاق وعهود از احمقيست

حفظ ايمان ووفا كار تقيست

كَيْفَ يكون للمشركين عهد حقيق بالمراعاة عند الله سبحانه وعند رسوله عليه الصلاة والسلام وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ اى وحالهم انهم ان يظفروا بكم لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ اى لا يراعوا فى شأنكم. واصل الرقوب النظر بطريق الحفظ والرعاية ومنه الرقيب ثم استعمل فى مطلق الرعاية إِلًّا اى حلفا او قرابة وقيل الال اسم عبرى بمعنى الا له قال الأزهري ايل من اسماء الله تعالى بالعبرانية فجاز ان يكون معرب ال اى لا يراعوا حق الله تعالى وَلا ذِمَّةً اى عهدا حقا يعاقب على إغفاله واضاعته مع ما سبق لهم من تأكيد الايمان والمواثيق يعنى ان وجوب مراعاة حقوق العهد على كل من المتعاهدين مشروطة بمراعاة الآخر لها فاذا لم يراعها المشركون فكيف تراعونها يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ استئناف بيانى كأنه قيل بأى وجه لا يراعون الحلف او القرابة فكيف يقدمون على عدم المراعاة فاجيب بانهم يرضونكم بأفواههم حيث يظهرون الوفاء والمصافاة ويعدون لكم بالايمان والطاعة ويؤكدون ذلك بالايمان الفاجرة ويتعللون عند ظهور خلافه بالمعاذير الكاذبة ونسبة الإرضاء للافواه للايذان بان كلامهم مجرد ألفاظ يتفوهون بها من غير ان يكون لها مصداق فى قلوبهم وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ ما تتفّوه به أفواههم يعنى ان ألسنتهم تخالف قلوبهم وما فى بواطنهم من الضغائن ينافى ما أظهروه بألسنتهم من وعد الايمان والطاعة والوفاء بالعهد فهم انما يقولون كلاما حلوا مكرا وخديعة وفى الحديث (المكر والخديعة فى النار) يعنى أربابهما وفى الحديث (اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع) وهى جمع بلقمة وهى الأرض القفر التي لا شىء فيها وامرأة بلقعة إذا كانت خالية من كل خير والمعنى يفتقر الحالف ويذهب ماله وجاهه فينبغى للعاقل ان لا يجعل عادنه ان يحلف فى كل صغير وكبير فانه ربما يحلف كاذبا فيستحق العقوبة- ورد- ان البياع الحلاف إذا كان كاذبا

ص: 390

فى يمينه يكون ثمن ما باعه أشد حرمة من لحم الخنزير وَأَكْثَرُهُمْ اى اكثر المشركين فاسِقُونَ خارجون عن الطاعة فان مراعاة حقوق العهد من باب الطاعة متمردون فى الكفر ليست لهم عقيدة تمنعهم ولا مروءة تردعهم وتخصيص الأكثر لما فى بعض الكفرة من التفادى عن الغدر والتعفف عما يجر احدوثة السوء والاحدوثة ما يتحدث الناس فى حقه من المثالب والمعائب يفول الفقير ذكر عند حضرة شيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة مروءة بعض اهل الذمة فقال انه من آثار السعادة الازلية ويرجى ان ذلك يدعوه الى الايمان والتوحيد ويصير عاقبته الى النجاة والفلاح: وفى المثنوى

من نديدم در جهان جست وجو

هيچ اهليت به از خوى نكو «1»

در پى خوباش وبا خوشخو نشين

خو پذيرى روغن وكل را ببين «2»

پس يقين دان صورت خوب ونكو

با خصال بد نيرزد يك طسو «3»

ور بود صورت حقير وناپذير

چون بود خلقش نكو در پاش مير

وقد اوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا بوصية جامعة لمحاسن الأخلاق فقال (يا معاذ أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الامانة وترك الخيانة وحفظ الجوار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل وقصر الأمل ولزوم الايمان والتفقه فى القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وخفض الجناح وإياك ان تسب حكيما او تكذب صادقا او تطيع آثما او تعصى اماما عادلا او تفسد أرضا. أوصيك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومدر وان تحدث لكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية بذلك ادب الله عباده ودعاهم الى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب) كذا فى العوارف اعلم ان النفس خلقت من السفليات وجبلت ميالة الى الدنيا وشهواتها ولذاتها والى الجفاء والغدر والرياء والنفاق وقد عاهدها الله يوم الميثاق على الصدق والإخلاص فهى ما دامت حية باقية على صفاتها الذميمة لا يمكنها العبودية الخالصة من شوب الطمع فى المقاصد الدنيوية والاخروية فاذا تنورت بالأنوار المنعكسة من تجلى صفات الجمال والجلال لمراءة القلب تفنى عن أوصافها المخلوقة وتبقى بالأنوار الخالقية فيثبتها الله بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة فتسلم من نقض العهد والمسجد الحرام اشارة الى مقام الوصول الذي هو حرام على اهل الدنيا والآخرة وهو مقام اهل الله وخاصته نسأل الله الوصول الى هذا المقام المكين والدخول فى هذا الحرم الامين: قال بعضهم

الزم الصدق والتقى

واترك العجب والريا

واغلب النفس والهوى

ترزق السؤل والمنى

فعلى العاقل المجاهدة مع النفس ورعاية العهود والحقوق ومجانبة الفسوق والعقوق قال الشبلي قدس سره عقدت وقتا ان لا آكل الا من الحلال فكنت أدور فى البراري فرأيت شجرة تين فمددت يدى إليها لآكل فنادتنى الشجرة احفظ عليك عقدك لا تأكل منى فانى ليهودى يقول الفقير فى هذه الحكاية شيآن. الاول ظهور الكرامة وهو تكلم الشجرة. والثاني

(1) در أوائل دفتر دوم در بيان تمثيل بر حقيقت سخن واطلاع بر كشف آن.

(2)

در اواسط دفتر ششم در بيان قصه عبد الغوث وربودن پريان او را إلخ.

(3)

در أوائل دفتر دوم باز پرسيدن شاه حال از غلام ديكر. [.....]

ص: 391

تذكير الله تعالى إياه عقده وذلك بسبب صدقه فى إرادته وإخلاصه فى طلبه فمن أراد ان يصل الى هذه الرتبة فليحافظ وقته وليراقب فان فى المراقبة حصول المطالب عصمنا الله وإياكم من تجاوز الحد والخروج عن الطريق وشرفنا بالوقوف فى حد الحق والثبات فى طريق التحقيق اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ يعنى المشركين الناقضين تركوا الآيات الآمرة بالايفاء بالعهود والاستقامة فى كل امر وأخذوا بدلها ثَمَناً قَلِيلًا اى شيأ حقيرا من حطام الدنيا وهو اهواؤهم وشهواتهم التي اتبعوها فَصَدُّوا اى عدلوا واعرضوا من صد صدودا فيكون لازما او منعوا وصرفوا غيرهم من صده عن الأمر صدا فيكون متعديا عَنْ سَبِيلِهِ اى دينه الموصل اليه او سبيل بيته الحرام حيث كانوا يصدون الحجاج والعمار عنه ويحصرونهم إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى بئس العمل عملهم المستمر فما المضدرية مع ما فى حيزها فى محل الرفع على انها فاعل ساء والمخصوص بالذم محذوف وقيل ان أبا سفيان بن حرب جمع الاعراب وأطعمهم ليصدهم بذلك عن متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليحملهم على نقض العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله فنقضوه بسبب تلك الاكلة ففاعل اشتروا الاعراب والثمن القليل هو ما أطعمهم ابو سفيان يقول الفقير هذا جار الى الآن فان بعض اهل الهوى والظلم يضيف بعض اهل الطمع والمداهنة ممن يعد من اعيان القوم ليشهدوا له عند السلطان او القاضي بالحق والعدل فيشترون بآيات الله ثمنا قليلا هو الضيافة لهم لا يَرْقُبُونَ اى لا يراعون ولا يحفظون فِي مُؤْمِنٍ اى فى شأنه وحقه إِلًّا اى حلفا او حق قرابة وَلا ذِمَّةً اى عهدا هذا ناعى عليهم عدم مراعاة حقوق عهد المؤمنين على الإطلاق فلا تكرار وَأُولئِكَ الموصوفون بما عدّ من الصفات السيئة هُمُ الْمُعْتَدُونَ المجاوزون الغاية القصوى من الظلم والشرارة فَإِنْ تابُوا عن الكفر وسائر العظائم وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ اى التزموا اقامتهما واعتقدوا فرضيتهما فَإِخْوانُكُمْ اى فهم إخوانكم فِي الدِّينِ متعلق بإخوانكم لما فيه من معنى الفعل اى لهم ما لكم وعليهم ما عليكم فعاملوهم معاملة الاخوان ومتى لم توجد هذه الثلاثة لا تحصل الاخوة فى الدين ولا عصمة الدماء والأموال وَنُفَصِّلُ الْآياتِ اى نبين الآيات المتعلقة بأحوال المشركين الناكثين وغيرهم وأحكامهم حالتى الكفر والايمان لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اى ما فيها من الاحكام ويتفكرونها ويحافظون عليها وَإِنْ نَكَثُوا عطف على قوله تعالى فَإِنْ تابُوا اى وان لم يفعلوا ذلك بل نقضوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ الموثق بها وأظهروا ما فى ضمائرهم من الشر وأخرجوه من القوة الى الفعل وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ عابوه وقدحوا فيه بتصريح التكذيب وتقبيح الاحكام فَقاتِلُوا [پس بكشيد] أَئِمَّةَ الْكُفْرِ اى فقاتلوهم فوضع الظاهر موظع الضمير للاشارة الى علة وجوب مقاتلهم اى للايذان بانهم صاروا بذلك ذوى رياسة وتقدم فى الكفر أحقاء بالقتل وقيل المراد بأئمتهم رؤساؤهم كابى سفيان والحرث ابن هشام وابى جهل بن هشام وسهل بن عمرو وعكرمة بن ابى جهل واشاههم وتخصيصهم بالذكر ليس لنفى الحكم عما عداهم بل لان قتلهم أهم من حيث انهم هم المعتدون فى الشرارة

ص: 392

ويدعون اتباعهم الى الافعال الباطلة كأنه قيل فقاتلوا من نكث الوفاء بالعهود لا سيما أئمتهم والرؤساء منهم. واصل ائمة أءممة جمع امام نحو مثال وامثلة إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ اى على الحقيقة حيث لا يراعونها ولا يعدون نقضها محذورا وان اجروها على ألسنتهم فالمراد بالايمان المثبتة لهم بقوله تعالى وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ ما أظهروه من الايمان وبالمنفية ما هو ايمان على الحقيقة فانهم إذا لم يراعوها فلا وجود لها فى الحقيقة ولا اعتبار بها لان ما لم يترتب عليه أحكامه ولوازمه فهو فى حكم المعدوم وهو تعليل لاستمرار القتال المأمور به المستفاد من سياق الكلام كأنه قيل فقاتلوهم الى ان يؤمنوا لانهم لا ايمان لهم حتى تعقدوا معهم عقدا آخر لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ متعلق بقوله فقاتلوا اى قاتلوهم ارادة ان ينتهوا اى ليكن غرضكم من القتال انتهاءهم عما هم عليه من الكفر وسائر العظائم التي يرتكبونها لا إيصال الاذية كما هو ديدن المؤذين والاذية هو المكروه اليسير أقول فيه اشارة الى ان الفاعل ينبغى ان يكون له غرض صحيح شرعى فى فعله كدفع المضرة فى قتل القملة والنملة وأشباههما لا ارادة التشفي

والانتقام وإيصال الأذى والآلام للقرص او لغيره وليكن هذا على ذكر من الصوفية المحتاطين فى كل الأمور والساعين فى طريق الفناء الى يوم ينفخ فى الصور قال الحدادي فى الآية بيان ان اهل العهد متى خالفوا شيأ مما عاهدوهم عليه فقد نقضوا العهد واما إذا طعن واحد منهم فى الإسلام فان كان شرط فى عهودهم ان لا يذكروا كتاب الله ولا يذكروا محمدا صلى الله عليه وسلم بما لا يجوز ولا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يقطعوا عليه طريقا ولا يعينوا اهل الحرب بدلالة على المسلمين فانهم إذا فعلوا ذلك فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسول الله فان فعلوا شيأ من هذه الأشياء حل دمهم وان كان لم يشرط ذلك عليهم فى عهودهم وطعنوا فى القرآن وشتموا النبي عليه الصلاة والسلام ففيه خلاف من الفقهاء قال أصحابنا يعزرون ولا يقتلون واستدلوا بما روى انس بن مالك ان امرأة يهودية أتت النبي عليه السلام بشاة مسمومة ليأكل منها فجيىء بها وقيل له أنقتلها فقال لا ولحديث عائشة رضى الله عنها (فان الله عز وجل يحب الرفق فى امره كله) فقالت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا فقال (بلى قد قلت عليكم) ولم يقتلهم النبي عليه السلام بذلك وذهب مالك الى ان من شتم النبي عليه السلام من اليهود والنصارى قتل الا ان يسلم انتهى ما فى تفسير الحدادي قال ابن الشيخ فى الآية دليل على ان الذمي إذا طعن فى الإسلام اى عابه وازدراه جاز قتله لانه عوهد على ان لا يطعن فى الدين فاذا طعن فقد خرج عن الذمة وعند ابى حنيفة يستتاب الذمي بطعنه فى الدين ولا ينقض عهده بمجرد طعنه ما لم يصرح بالنكث انتهى قال المولى أخي چلبى فى هدية المهديين الذمي إذا صرح بسبه عليه السلام او عرض او استخف بقدره او وصفه بغير الوجه الذي كفر به فلا خلاف عند الشافعي فى قتله ان لم يسلم لانه لم يعط له الذمة او العهد على هذا وهو قول عامة العلماء الا ان أبا حنيفة والثوري واتباعهما من اهل الكوفة قالوا لا يقتل لان ما هو عليه من الشرك أعظم لكن يعزر ويؤدب. وقيل لا يسقط اسلام الذمي الساب قتله لانه حق النبي عليه السلام وجب عليه لهتكه حرمته وقصده لحاق النقيصة والمعرة به عليه السلام فلم يكن

ص: 393

رجوعه الى الإسلام مسقطاله كما لم يسقط سائر حقوق المسلمين من قبل إسلامه من قتل او قذف وإذا كنا لا نقبل توبة المسلم فلان لا نقبل توبة الكافر اولى كما فى الاسرار والحاوي فالمختار ان من صدر منه ما يدل على تخفيفه عليه السلام بعمد وقصد من عامة المسلمين يجب قتله ولا تقبل توبته بمعنى الخلاص من القتل وان اتى بكلمتي الشهادة والرجوع والتوبة لكن لو مات بعد التوبة او قتل حدّا مات ميته الإسلام فى غسله وصلاته ودفنه ولو أصر على السب وتمادى عليه وابى التوبة منه فقتل على ذلك كان كافرا وميراثه للمسلمين ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن بل تستر عورته ويوارى كما يفعل بالكفار. والفرق بين من سب الرسول وبين من سب الله على مشهور القول باستتابته ان النبي عليه السلام بشر والبشر من جنس تلحقهم المعرة إلا من أكرمه الله تعالى بنبوته والباري منزه عن جميع المعائب قطعا وليس من جنس تلحقهم المعرة بجنسه واعلم انه قد اجتمعت الامة على ان الاستخفاف بنبينا وبأى نبى كان من الأنبياء كفر سواء فعله فاعل ذلك استحلالا أم فعله معتقدا بحرمته ليس بين العلماء خلاف فى ذلك والقصد للسب وعدم القصد سواء إذ لا يعذر أحد فى الكفر بالجهالة ولا بدعوى زلل اللسان إذا كان عقله فى فطرته سليما. فمن قال ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اسود او يتيم ابى طالب او زعم ان زهده لم يكن قصدا بل لكمال فقره ولو قدر على الطيبات أكلها ونحو ذلك يكفر وكذا من عيره برعاية الغنم او السهو او النسيان او السحر او بالميل الى نسائه او قال لشعره شعير بطريق الاهانة وان أراد بالتصغير التعظيم لا يكفر ومن قال جن النبي ساعة يكفر ومن قال أغمي عليه لا يكفر- وحكى- عن ابى يوسف انه كان جالسامع هارون الرشيد على المائدة فروى عن النبي عليه السلام انه كان يحب القرع فقال حاجب من حجابه انا لا أحبه فقال لهارون انه كفر فان تاب واسلم فبها والا فاضرب عنقه فتاب واستغفر حتى أمن من القتل ذكره فى الظهيرية قالوا هذا إذا قال ذلك على وجه الاهانة اما بدونها فلا كما فى الخاقانية ولو قال رجل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل يلحس أصابعه الثلاث فقال الآخر [اين بي ادبيست] فهذا كفر والحاصل انه إذا استخف سنة او حديثا من أحاديثه عليه السلام يكفر ولو قال لو كانت الصلاة زائدة على الأوقات الخمسة او الزكاة على خمسة دراهم والصوم على شهر لا افعل منها شيأ يكفر ولو قال لآخر صل فقال الآخر ان الصلاة عمل شديد الثقل يكفر ولو صلى رجل فى رمضان لا فى غيره فقال [اين خود بسيارست] يكفر ولو ترك الصلاة متعمدا ولم ينو القضاء ولم يخف عقاب الله فانه يكفر ولو قال عند مجيىء شهر رمضان [آمد آن ماه كران] او جاء الضيف الثقيل يكفر ومن إشارات الآيات ان الطعن فى الدين هو الإنكار على مذهب السلوك والطلب وائمة الكفر هم النفوس كما ان ائمة الايمان هم القلوب والأرواح والنفوس لا وفاء لهم بالعهد على طلب الحق تعالى وترك ما سواه فلا بد من جهادهم حق جهادهم كى ينتهوا عن طبيعتهم وعما جبلوا عليه من الامارية بالسوء أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً [آيا كار زار نميكنيد با كروهى كه] نَكَثُوا [بشكنند] أَيْمانَهُمْ التي حلفوها مع الرسول والمؤمنين على ان لا يعاونوا عليهم فعاونوا بنى بكر

ص: 394

على خزاعة قال الكاشفى [ديكر از عهدها ميان پيغمبر وقريش آن بود كه حلفا يكديكر را نرنجانند وبر قتال ايشان با يكديكر مظاهره نكنند قريش ببني بكر را كه حلفاء ايشان بودند بسلاح ومرد مدد دادند با بنى خزاعه كه حلفاى رسول بودند جنك كردند] وَهَمُّوا [وقصد كردند مشركان] بِإِخْراجِ الرَّسُولِ حين تشاوروا فى امره بدار الندوة فيكون نعيا عليهم جنايتهم القديمة وقيل هم اليهود نكثوا عهد الرسول وهموا بإخراجه من المدينة وَهُمْ بَدَؤُكُمْ اى بدأوا نقض العهد بالمعاداة والمقاتلة أَوَّلَ مَرَّةٍ لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم اولا بالكتاب المبين وتحداهم به فعدلوا عن المحاجة لعجزهم عنها الى المقاتلة فما يمنعكم ان تعارضوهم وتصادموهم أَتَخْشَوْنَهُمْ أتتركون قتالهم خشية ان ينالكم مكروه منهم فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فقاتلوا أعداءه ولا تتركوا امره. قوله فالله مبتدأ خبره أحق وان تخشوه بدل من الله اى أي خشية أحق من خشيتهم فان تخشوه فى موضع رفع ويجوز ان يكون فى موضع نصب او جر على الخلاف إذا حذف حرف الجر وتقديره بان تخشوه اى أحق من غيره بان تخشوه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فان قضية الايمان ان لا يخشى الا منه قال فى التأويلات النجمية أتخشون فوات حظوظ النفس فى اجتهادها وخشية فوات حقوق الله والوصول اليه اولى ان كنتم مؤمنين بالوصول اليه قاتِلُوهُمْ [كارزار كنيد با مشركان] يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ يعنى [بشمشيرهاى شما مقتول شوند] وَيُخْزِهِمْ [ورسوا سازد شان بمقهوريت ومغلوبيت] وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ اى يجعلكم جميعا غالبين عليهم أجمعين ولذلك اخر عن التعذيب وَيَشْفِ [شفا بخشد] صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ممن لم يشهد القتال وهم خزاعة قال ابن عباس رضى الله عنهما هم بطن من اليمن وسبأ قدموا مكة فاسلموا فلقوا من أهلها أذى كثيرا فبعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون اليه فقال عليه السلام (ابشروا فان الفرج قريب) : قال الحافظ

آنكه پيرانه سرم صحبت يوسف بنواخت

اجر صبريست كه در كلبه احزان كردم

وَيُذْهِبْ [وببرد خداى تعالى بنصرت شما بر كفار] غَيْظَ قُلُوبِهِمْ [اندوه دلهاء آنان را كه بواسطه اذاء كفار ملول بودند] ولقد أنجز الله ما وعدهم به على أجمل ما يكون وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ كلام مستأنف ينبىء عما سيكون من بعض اهل مكة من التوبة المقبولة فكان كذلك حيث اسلم ناس منهم وحسن إسلامهم مثل ابى سفيان وعكرمة بن ابى جهل وسهل بن عمر وغيرهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بما كان وما سيكون حَكِيمٌ لا يفعل ولا يأمر الا على وفق الحكمة أَمْ حَسِبْتُمْ [آيا مى پنداريد اى مؤمنان] وأم منقطعة. والمعنى بل أحسبتم ومعنى بل الاضراب عن أمرهم بالقتال الى توبيخهم على الحسبان أَنْ تُتْرَكُوا مهملين غير مأمورين بالجهاد وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ اى والحال انه لم يتبين الخلص وهم الذين جاهدوا من غيرهم وفائدة التعبير عن عدم التبين بعدم علم الله تعالى ان المقصود هو التبيين من حيث كونه متعلقا للعلم ومدارا للثواب قال

ص: 395

الحدادي وكان الله تعالى قد علم قبل أمرهم بالقتال من لا يقاتل ممن يقاتل ولكنه يعلم ذلك غيبا وأراد العلم الذي يجازى عليه وهو علم المشاهدة لانه يجازيهم على علمهم لا على علمه فيهم انتهى وعدم التعرض لحال المقصرين لما ان ذلك بمعزل من الاندراج تحت ارادة أكرم الأكرمين وَلَمْ يَتَّخِذُوا عطف على جاهدوا داخل فى حيز الصلة اى ولما يعلم الله الذين لم يتخذوا مِنْ دُونِ اللَّهِ متعلق بالاتخاذ ان أبقى على حاله او مفعول ثان له ان جعل بمعنى التصيير وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً اى بطانة وصاحب سر وهو الذي تطلعه على ما فى ضميرك من الاسرار الخفية من الولوج وهو الدخول قال ابو عبيدة كل شىء أدخلته فى شىء وليس منه فهو وليجة تكون للواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ اى بجميع أعمالكم لا يخفى عليه شىء منها فيعلم غرضكم من الجهاد هل فيه اخلاص او هو مشوب بالعلل كاحراز الغنيمة او جلب الثناء او نحو ذلك: قال السعدي

منه آب زر جان من بر پشيز

كه صراف دانا نكيرد بچيز

زر اندود كانرا بآتش برند

پديد آيد آنكه كه مس يا زرند

وفى الآية حث على الجهاد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لرباط يوم فى سبيل الله محتسبا من غير شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم اجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها ورباط يوم فى سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم اجرا من عبادة الفى سنة صيامها وقيامها فان رده الله الى اهله سالما لم يكتب عليه سيئة الف سنة ويكتب له الحسنات ويجرى له اجر الرباط الى يوم القيامة) وفى الحديث (من آمن بالله وبرسوله واقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله ان يدخل الجنة جاهد فى سبيل الله او جلس فى ارضه التي ولد فيها) قالوا أفلا نبشر الناس قال (ان فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فاذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فانه اوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر انهار الجنة) وفى الحديث (المجاهد من جاهد نفسه لله تعالى جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم أشجع الناس اقهرهم لهواه) كم عاقل أسير هواه عليه امير عبد الشهوات أذل من عبد الرق ان المرآة لا تريك خدوش وجهك مع صداها وكذلك نفسك لا تريك عيوب نفسك مع هواها وفى الآية بيان ان المؤمن المخلص يجتنب عن الكافر والمنافق ولا يتخذهما صاحبى سر- روى- عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت قالا بينما كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال (هل فيكم غريب) يعنى اهل كتاب قلنا لا يا رسول الله فامر يغلق الباب فقال (ارفعوا ايديكم فقولوا لا اله الا الله) فرفعنا أيدينا ساعة ثم وضع رسول الله يده ثم قال (الحمد لله اللهم انك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة انك لا تخلف الميعاد) ثم قال (ابشروا فان الله قد غفر لكم) أقول هذا التلقين تلقين خاص قد توارثه الخواص من لدنه عليه السلام الى هذا اليوم ولم يطلعوا عليه العوام ولم يفشوا أسرارهم الى الأجانب فان ذلك من الخيانة وكذا ولاية المؤمن للكافر ومحبته له من الخيانة وما الاختلاط الا من محبة الكفر والعياذ بالله تعالى من ذلك ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ نزلت الآية فى جماعة من رؤساء قريش

ص: 396

أسروا يوم بدر فبهم العباس عم النبي عليه السلام فاقبل عليهم نفر من اصحاب رسول الله فعيروهم بالشرك وجعل على رضى الله عنه يوبخ العباس بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع رحمه وعون المشركين عليه واغلظ القول له فقال العباس مالكم تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا فقال له على وهل لكم من محاسن قال نعم نعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقى الحاج فقال الله تعالى ردا ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ اى ما صح وما استقام على معنى نفى الوجود والتحقق لا نفى الجواز كما فى قوله تعالى أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ اى ما وقع وما تحقق لهم أَنْ يَعْمُرُوا عمارة معتدا بها مَساجِدَ اللَّهِ اى المسجد الحرام وانما جمع لانه قبلة المساجد وامامها فعامره كعامرها أو لأن كل ناحية من نواحيه المختلفة الجهات مسجد على حاله بخلاف سائر المساجد إذ ليس فى نواحيها اختلاف الجهة قيل لعكرمة لم تقرأ مساجد وانما هو مسجد واحد قال إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ اى شيأ من المساجد فضلا عن المسجد الحرام الذي هو أفضل افراد الجنس على ان تعريف الجمع بالاضافة للجنس فالآية على هذا الوجه كناية عن عمارة المسجد على وجه آكد من التصريح بذلك ذكر فى القنية ان أعظم المساجد حرمة المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت المقدس ثم الجوامع ثم مساجد الشوارع فانها أخف مرتبة حتى لا يعتكف فيها إذا لم يكن لها امام معلوم ومؤذن ثم مساجد البيوت فانه لا يجوز الاعتكاف فيها الا للنساء انتهى وهذه المساجد هى المساجد المجازية. واما المساجد الحقيقة فهى القلوب الطاهرة عن لوث الشرك مطلقا كما قال من قال

مسجدى كو اندرون اولياست

سجده كاه جمله است آنجا خداست

آن مجازست اين حقيقت اى خران

نيست مسجد جز درون سروران

ولهذا يعبر عن هدم المسجد بهدم قلب المؤمن شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ اى بإظهار آثار الشرك من نصب الأوثان حول البيت للعبادة فان ذلك شهادة صريحة على أنفسهم بالكفر وان أبوا ان يقولوا نحن كفار كما نقل عن الحسن وقال السدى شهادتهم على أنفسهم بالكفر ان اليهودي لو قيل له ما أنت قال يهودى ويقول النصراني هو نصرانى ويقول المجوسي هو مجوسى او قولهم نعبد الأصنام ليقربونا الى الله زلفى وهو حال من الضمير فى يعمروا اى محال ان يكون ما سموه عمارة عمارة بيت الله مع ملابستهم لما ينافيها ويحبطها من عبادة غيره تعالى فانها ليست من العمارة فى شىء أُولئِكَ الذين يدعون عمارة المسجد وما يضاهيها من اعمال البر مع ما بهم من الكفر حَبِطَتْ [تباه وباطل شده است بواسطه كفر] أَعْمالُهُمْ التي يفتخرون بها وان كانت من جنس طاعة المسلمين وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ لكفرهم ومعاصيهم قال القاضي عياض انعقد الإجماع على ان الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا بتخفيف عذاب لكن بعضهم يكون أشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم وذكر الامام الفقيه ابو بكر البيهقي انه يجوز ان يراد مما ورد فى الآيات والاخبار فى بطلان خيرات الكفار انهم لا يتخلصون بها من النار ولكن يخفف عنهم ما يستوجبونه بجنايات ارتكبوها سوى الكفر

ص: 397

ووافقه المازري قال الواحدي دلت الآية على ان الكفار ممنوعون من عمارة مسجد المسلمين ولو اوصى لم تقبل وصيته وهو مجمع عليه بين الحنفية ويمنع من دخول المساجد فان دخل بغير اذن مسلم استحق التعزير وان دخل باذنه لم يعزر والاولى تعظيم المساجد ومنعها منهم إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ شامل للمسجد الحرام وغيره مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وحده والايمان بالرسول داخل فى الايمان بالله لما علم من تقارنهما وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر فى مثل الشهادة والاذان والاقامة وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بما فيه من البعث والحساب والجزاء وَأَقامَ الصَّلاةَ مع الجماعة واكثر المشايخ على انها واجبة وفى الحديث (صلاة الرجل فى جماعة تضعف على صلاته فى بيته وفى سوقه خمسا وعشرين ضعفا) والجماعة فى التراويح أفضل وكل ما شرع فيه الجماعة فالمسجد فيه أفضل فثواب المصلين فى البيت بالجماعة دون ثواب المصلين فى المسجد بالجماعة وَآتَى الزَّكاةَ اى الصدقة المفروضة عن طيب نفس وقرن الزكاة بالصلاة فى الذكر لما ان إحداهما لا تقبل الا بالأخرى اى انما تستقيم عمارتها ممن جمع هذه الكمالات العلمية والعلمية وَلَمْ يَخْشَ فى امور الدين إِلَّا اللَّهَ فعمل بموجب امره ونهيه غير آخذ له فى الله لومة لائم ولا خشية ظالم فيندرج فيه عدم الخشية عند القتال ونحو ذلك. واما الخوف الجبلي من الأمور المخوفة كالظلمة والسباع المهلكة والدواهي العظيمة فهو لا يقدح فى الخشية من الله إذ الخشية من الله ارادة ناشئة من تصور عظمة الله واحاطة علمه بجميع المعلومات وكمال قدرته على مجازاة الأعمال مطلقا وهذا الخوف الجبلي لا يدخل تحت القصد والارادة فَعَسى أُولئِكَ [پس آن كروه شايد] أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ الى مباغيهم من الجنة وما فيها من فنون المطالب العلية وإبراز اهتدائهم مع ما بهم من الصفات السنية فى معرض التوقع لقطع اطماع الكفرة عن الوصول الى مواقف الاهتداء والانتفاع بأعمالهم التي يحسبون انهم لها محسنون ولتوبيخهم بقطعهم بانهم مهتدون فان المؤمنين مع ما بهم من هذه الكمالات إذا كان أمرهم دائرا بين لعل وعسى فما بال الكفرة وهم هم وأعمالهم أعمالهم

جايى كه شير مردان در معرض عتابند

روباه سيرتان را آنجا چهـ تاب باشد

[وديكر منع مؤمنانست از اغترار باعمال خويش وبر ان اعتماد نمودن] كما قال الحدادي كلمة عسى من الله واجبة والفائدة فى ذكرها فى آخر هذه الآية ليكون الإنسان على حذر من فعل ما يحبط ثواب عمله [كه هر كه بعمل مغرورست از فيض ازل مهجورست]

مباش غره بعلم وعمل كه شد إبليس

بدين سبب ز در باركاه عزت دور

واعلم ان عمارة المساجد تعم أنواعا منها البناء وتجديد ما انهدم منها وفى الحديث (سبع يجرى للعبد أجرهن وهو فى قبره بعد موته من تعلم علما او كرى نهرا او حفر بئرا او غرس نخلا او بنى مسجدا او ورث مصحفا او ترك ولدا يستغفر له بعد موته) وفى الحديث (من بنى مسجدا لله تعالى أعطاه الله بكل شبر او بكل ذراع أربعين الف الف مدينة من ذهب وفضة وياقوت وزبر جد ولؤلؤ فى الجنة فى كل مدينة الف الف بيت فى كل بيت الف الف سرير على كل

ص: 398

سرير زوجة من الحور العين فى كل بيت أربعون الف مائدة على كل مائدة أربعون الف قصة فى كل قصعة أربعون الف الف لون من طعام ويعطى الله له من القوة حتى يأتى على تلك الأزواج وعلى ذلك الطعام والشراب) ذكره الزندوستى فى الروضة. فان خرب المسجد وتعطل او خربت المحلة ولا يصلى فيه أحد صار المسجد ميراثا لورثة الباني عند محمد. وقال ابو يوسف هو على حاله مسجد وان تعطل ولو أرادوا ان يجعلوا المسجد مستغلا والمستغل مسجدا لم يجز يقول الفقير من الناس من جعل المسجد إصطبل الدواب او مطمورة الغلة او نحوه وكذا الكتاب ونحوه من محال العلم والعبادات وقد شاهدناه فى ديار الروم والعياذ بالله تعالى قال على رضى الله عنه ست من المروءة ثلاث فى الحضر وثلاث فى السفر. فاما اللاتي فى الحضر فتلاوة كتاب الله وعمارة مسجد الله واتخاذ الاخوان فى الله. واما اللاتي فى السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح فى غير معاصى الله ذكره

الخطيب فى الروضة ومنها قمها اى كنسها وتنظيفها قال الحسن مهور الحور العين كنس المساجد وعمارتها وفى الحديث (نظفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود بجمع الاكباء) اى الكناسات فى دورها وفى الحديث (غسل الانا وطهارة الفنا يورثان الغنى) فاذا كان الأمر فى طهارة الفناء وهو فناء البيت والدكان ونحوهما هكذا فما ظنك فى تنظيف المسجد والكتاب ونحوهما ومنها تزيينها بالفرش قال بعضهم أول من فرش الحصير فى المساجد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وكانت قبل ذلك مفروشة بالحصى وهو بالفارسية [سنك ريزه] اى فى زمنه صلى الله عليه وسلم وذلك ان المطر جاء ذات ليلة فاصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتى بالحصباء فى ثوبه فيبسطها تحته ليصلى عليها فلما قضى رسول الله الصلاة قال ما احسن هذا البساط ثم امر ان يحصب جميع المسجد فمات قبل ذلك فحصبه عمر رضى الله عنه وفى الاحياء اكثر معروفات هذه الاعصار منكرات فى عصر الصحابة إذ من عد المعروف فى زماننا من فرش المساجد بالبسط الرقيقة وقد كان يعد فرش البواري فى المسجد بدعة كانوا لا يرون ان يكون بينهم وبين الأرض حائل انتهى قال الفقهاء يستحب له ان يصلى على الأرض بلا حائل او ما تنبته كالحصير والبوريا لانه اقرب الى التواضع وفيه خروج عن خلاف الامام مالك فان عنده يكره السجود على ما ليس من جنس الأرض ولا بأس بان يصلى على اللبود وسائر الفرش إذا كان المفروش رقيقا بحيث يجد الساجد تمكنه من الأرض وقد روى انه عليه السلام سجد على فروة مدبوغة ولا بأس بتبييض المسجد بالجص او بالتراب الأبيض- ذكر- ان الوليد بن عبد الملك أنفق على عمارة مسجد دمشق فى تزيينه مثل خراج الشام ثلاث مرات- وروى- ان سليمان بن داود عليهما السلام بنى مسجد بيت المقدس وبالغ فى تزيينه حتى نصب الكبريت الأحمر على رأس القبة وكان ذلك أعز ما يوجد فى ذلك الوقت وكان يضيىء من ميل وكانت الغزالات يغزلن فى ضوئه من مسافة اثنى عشر ميلا وكان على حاله حتى خربه بخت نصر ونقل جميع ما فيه من الذهب والفضة والجواهر والآنية الى ارض بابل وحمل مائة الف وسبعين عجلة ومنها تعليق القناديل فى المساجد وإسراج المصابيح والشموع وفى الحديث (من علق

ص: 399

قنديلا صلى عليه سبعون الف ملك حتى ينكسر ذلك القنديل) كما فى الكشف وقال انس رضى الله عنه من أسرج فى مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له مادام فى ذلك المسجد ضوؤه. وكان سليمان عليه السلام امر باتخاذ الف وسبعمائة قنديل من الذهب فى سلاسل الفضة. ذكر ان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءت العتمة يوقد فيه سعف النخل فلما قدم تميم الداري المدينة صحب معه قناديل وحبالا وزيتا وعلق تلك القناديل بسوارى المسجد وأوقدت فقال صلى الله عليه وسلم (نورت مسجدنا نور الله عليك اما والله لو كان لى بنت لأنكحتها هذا) وفى كلام بعضهم أول من جعل فى المسجد المصابيح عمر بن الخطاب ويوافقه قول بعضهم والمستحب من بدع الافعال تعليق القناديل فيها يعنى المساجد وأول من فعل ذلك عمر بن الخطاب فانه لما جمع الناس على ابى بن كعب رضى الله عنه فى صلاة التراويح علق القناديل فلما رأها على كرم الله وجهه تزهر قال نورت مسجدنا نور الله قبرك يا ابن الخطاب ولعل المراد تعليق ذلك بكثرة فلا يخالف ما تقدم عن تميم الداري. وعن بعضهم قال أمرنا المأمون ان اكتب بالاستكثار من المصابيح فى المساجد فلم أدر ما اكتب لانه شىء لم اسبق اليه فاريت فى المنام اكتب فان فيه أنسا للمتهجدين ونفيا لبيوت الله تعالى عن وحشة الظلم فانتبهت وكتبت بذلك قال بعضهم لكن زيادة الوقود كالواقع ليلة النصف من شعبان ويقال لها ليلة الوقود ينبغى ان يكون ذلك كتزيين المساجد ونقشها وقد كرهه بعضهم والله اعلم الكل من انسان العيون فى سيرة النبي المأمون قال الشيخ عبد الغنى النابلسى فى كشف النور عن اصحاب القبور ما خلاصته ان البدعة الحسنة الموافقة لمقصود الشرع تسمى سنة فبناء القباب على قبور العلماء والأولياء والصلحاء ووضع الستور والعمائم والثياب على قبورهم امر جائز إذا كان القصد بذلك التعظيم فى أعين العامة حتى

لا يحتقروا صاحب هذا القبر وكذا إيقاد القناديل والشمع عند قبور الأولياء والصلحاء من باب التعظيم والإجلال ايضا للاولياء فالمقصد فيها مقصد حسن. ونذر الزيت والشمع للاولياء يوقد عند قبورهم تعظيما لهم ومحبة فيهم جائز ايضا لا ينبغى النهى عنه ومنها الدخول والقعود فيها والمكث والعبادة والذكر ودراسة العلوم ونحو ذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما ألا أدلكم على ما هو خير لكم من الجهاد قالوا بلى قال ان تبنوا مسجدا فيتعلم فيه القرآن والفقه فى الدين او السنة كما فى الاسرار المحمدية ومنها صيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش) ويقال حديث الدنيا فى المسجد وفى مجلس العلم وعند الميت وفى المقابر وعند الاذان وعند تلاوة القرآن يحبط ثواب عمل ثلاثين سنة وفى الحديث (قال الله تعالى ان بيوتى فى ارضى المساجد وان زوارى فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر فى بيته ثم زارنى فى بيتي) فحق على المزور ان يكرم زائره قال الامام القشيري قدس سره عمارة المساجد التي هى مواقف العبودية لا تتأتى الا بتخريب أوطان البشرية فالعابد يعمر المسجد بتخريب أوطان شهوته والزاهد يعمره بتخريب أوطان ملاحظته ولكل منهم

ص: 400

صنف مخصوص وكذلك رتبهم بالايمان مختلفة فايمان من حيث البرهان وايمان من حيث البيان وايمان من حيث العيان وشتان ما بينهم انتهى كلامه نسأل الله الغفار ان يجعلنا من العمار والزوار أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ- روى- ان المشركين قالوا القيام على السقاية وعمارة المسجد الحرام خير ممن آمن وجاهد وكانوا يفتخرون بالحرم ويستكثرون به من أجل انهم اهله وعماره فانزل الله هذه الآية قال الكاشفى [آورده اند كه بعض از اهل حرم در جاهليت زمره حاج را نبيذ زبيب با عسل وسويق ميدادند ودر زمان آن حضرت رسالت پناه صلى الله عليه وسلم آن منصب سقايت بعباس تعلق داشت ومتصدىء عمارة مسجد الحرام شيبة بن طلحة بود روزى اين هر دو با مرتضى على بمقام مفاخرت در آمده عباس بسقايت وشيبه بعمارت مباهات مى نمودند وعلى بإسلام وجهاد مفتخر مى بود حق سبحانه وتعالى بتصديق على آيت فرستاد]- وروى- النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول الله فقال رجل ما أبالي ان لا اعمل بعد ان أسقي الحاج وقال آخر ما أبالي ان لا أعمل عملا بعد ان اعمر المسجد الحرام وقال آخر الجهاد فى سبيل الله أفضل مما قلتما فزجرهم عمر رضى الله عنه وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله وهو يوم الجمعة ولكن إذا صليتم استفتيت رسول الله فيما اختلفتم فيه فدخل فأنزل الله هذه الآية، والمعنى أجعلتم ايها المشركون او المؤمنون المؤثرون للسقاية والعمارة ونحوهما على الهجرة والجهاد ونظائرهما سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام فى الفضيلة وعلو الدرجة كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ السقاية والعمارة مصدران لا يتصور تشبيههما بالجثث فلا بد من تقدير مضاف فى أحد الجانبين اى أجعلتم أهلهما كمن آمن او أجعلتموها كايمان من آمن فان السقاية والعمارة وان كانتا فى أنفسهما من اعمال البر والخير لكنهما بمعزل عن صلاحية ان يشبه أهلهما باهل الايمان والجهاد او يشبه نفسهما بنفس الايمان والجهاد وذلك قوله تعالى لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ اى لا يساوى الفريق الاول الثاني من حيث اتصاف كل واحد منهما بوصفيهما ومن ضرورته عدم التساوي بين الوصفين الأولين وبين الآخرين لان المدار فى التفاوت بين الموصوفين وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ اى الكفرة الظلمة بالشرك ومعاداة الرسول منهمكون فى الضلالة فكيف يساوون الذين هداهم الله ووفقهم للحق والصواب الَّذِينَ آمَنُوا استئناف لبيان مراتب فضلهم اثر بيان عدم الاستواء وضلال المشركين وظلمهم وَهاجَرُوا من أوطانهم الى رسول الله وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ العدو فى طاعة الله بِأَمْوالِهِمْ [ببذل كردن مالهاى خود بمجاهدان وتهيه اسباب قتال ايشان] وَأَنْفُسِهِمْ [در باختن نفسهاى خود در معارك حرب] اى هم باعتبار اتصافهم بهذه الأوصاف الجليلة أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ اى أعلى رتبة واكثر كرامة ممن لم يتصف بها كائنا من كان وان حاز جميع ما عداها من الكمالات التي من جملتها السقاية والعمارة قال الحدادي وانما قال أعظم وان لم يكن للكفار درجة عند الله لانهم كانوا يعتقدون ان لهم درجة عند الله وهذا كقوله تعالى أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا وَأُولئِكَ

ص: 401

المنعوتون بتلك النعوت هُمُ الْفائِزُونَ المختصون بالفوز العظيم او بالفوز المطلق كأن فوز من عداهم ليس بفوز من نسبة الى فوزهم واما على الثاني فهو لمن يؤثر الثقاية والعمارة من المؤمنين على الهجرة والجهاد يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ فى الدنيا على ألسنة الرسل بِرَحْمَةٍ عظيمة مِنْهُ هى النجاة من العذاب فى الآخرة وَرِضْوانٍ [خشنودى كامل ازيشان] وَجَنَّاتٍ اى بساتين عالية لَهُمْ فِيها اى فى تلك الجنات نَعِيمٌ مُقِيمٌ نعم لانفاد لها خالِدِينَ فِيها اى فى الجنات أَبَداً تأكيد للخلود لزيادة توضيح المراد إذ قد يراد به المكث الطويل إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ اى ثواب كثير فى الجنة لا قدر عنده لا جور الدنيا [در كشف الاسرار فرموده كه رحمت براى عاصيانست ورضوان براى مطيعان وجنت براى كافه مؤمنان رحمت را تقديم كرد تا اهل عصيان رقم نا اميدى بر صفحات احوال خود نكشند كه هر چند گناه عظيم بود رحمت از ان أعظم است]

كنه ما فزون بود ز شمار

عفوت افزونتر از كناه همه

قطره ز آب رحمت تو بس است

شستن نامه سياه همه

اعلم انه كما ان الكفار بالكفر الجلى لا يساوون المؤمنين فى أعمالهم وطاعاتهم كذلك المشركون بالشرك الخفي لا يساوون المخلصين فى أحوالهم ومقاماتهم فالزهد والتصوف والتعرف والتعبد المشوبة بالرياء والهوى والأغراض لا ثمرة لها عند اهل الطلب لانها خدمة فاسدة كبذر فاسد

دنيا دارى وآخرت مى طلبى

اين ناز بخانه پدر بايد كرد

قيل لا تطمع فى المنزلة عند الله وأنت تريد المنزلة عند الناس وفرقوا بين الخادم والمتخادم بان المتخادم من كانت خدمته مشوبة بهواه فلا يراعى واجب الخدمة فى طرفى الرضى والغضب لانحراف مزاج قلبه بوجود الهوى وبحب المحمدة والثناء من الخلق والخادم من ليس كذلك قال السرى الزهد ترك حظوظ النفس من جميع ما فى الدنيا ويجمع هذه الحظوظ المالية والجاهلية حب المنزلة عند الناس وحب المحمدة والثناء. وجاء فى الأثر (لا يزال لا اله الا الله يدفع عن العباد سخط الله ما لم يبالوا بما نقص من دنياهم فاذا فعلوا ذلك وقالوا لا اله الا الله قال الله تعالى كذبتم لستم بها صادقين) - روى- ان عابدا من بنى إسرائيل راودته ملكة عن نفسه فقال اجعلوا لى ماء فى الخلاء اتنظف به ثم صعد أعلى موضع فى القصر فرمى بنفسه فاوحى الله تعالى الى ملك الهواء ان الزم عبدى قال فلزمه ووضعه على الأرض وضعا رفيقا فقيل لابليس ألا اغويته قال ليس لى سلطان على من خالف هواه وبذل نفسه لله فهذا هو الجهاد فى الله وثمرته الخلاص من الهلاك مطلقا قال العلماء بالله ينبغى للمريد ان يكون له فى كل شىء نية لله تعالى حتى فى أكله وشربه وملبوسه فلا يلبس الا لله ولا يأكل الا لله ولا ينام الا لله وقد ورد فى الخبر (من تطيب لله جاء يوم القيامة وريحه أطيب من المسك الأذفر ومن تطيب لغير الله جاء يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة) فالمريد ينبغى ان يتفقد جميع أقواله وأفعاله ولا يسامح نفسه ان تتحرك بحركة او تتكلم بكلمة الا لله تعالى. وفى الأخير من الآيات اشارة الى من جاهد النفس وبذل الوجود والموجود جميعا فانه

ص: 402

أعظم قربة فى مقام العندية من النفوس المتمردة ومن وصل الى مقام العندية فالله يعظم اجره اى يجده فى مقام العندية فافهم واسأل ولا تغفل عن حقيقة الحال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا سبب نزولها انه لما امر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة الى المدينة كان من الناس من يتعلق به زوجته وولده وأقاربه فيقولون ننشدك الله ان لا تروح وتدعنا الى غير شىء فنضيع بعدك فيرق لهم ويدع الهجرة فقال الله تعالى أيها المؤمنون لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ الكفرة بمكة أَوْلِياءَ يعنى [اين كروه بدوستى مگيريد] إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ اى اختاروه عَلَى الْإِيمانِ عدى استحب بعلى لتضمنه معنى اختار وحرص وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ [وهر كرا از شما ايشانرا دوست دارد يعنى اين عمل ازيشان پسندد] ومن للجنس لا للتبعيض فَأُولئِكَ المتولون هُمُ الظَّالِمُونَ بوضعهم الموالاة فى غير موضعها كأن ظلم غيرهم كلاظلم عند ظلمهم قال الامام الصحيح ان هذه السورة انما نزلت بعد فتح مكة فكيف يمكن حمل هذه الآية على إيجاب الهجرة والحال ان الهجرة انما كانت واجبة قبل فتح مكة. والأقرب ان تكون هذه الآية محمولة على إيجاب التبري من اقربائهم المشركين وترك الموالاة معهم باتخاذهم بطانة وأصدقاء بحيث يفشون إليهم أسرارهم ويؤثرون المقام بين أظهرهم على الهجرة الى دار الإسلام ويدل عليه قوله تعالى وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ اى المشركون مثلهم قال الحدادي انما جعلوا ظالمين لموالاة الكفار لان الراضي بالكفر يكون كافرا قال الكاشفى [چواين آيت آمد متخلفان از هجرت گفتند كه حالا ما در ميان قبائل وعشائر خوديم وبمعاملات وتجارات اشتغال نموده اوقات ميگذرانيم چون عزيمت هجرت كنيم بالصرورة قطع پدر وفرزند بايد كرد تجارت از دست برود وما بي كسبى وبي مالى بمانيم آيت ديگر آمد كه] قُلْ يا محمد للذين تركوا الهجرة إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ اى اقرباؤكم من المعاشرة وهى المخالطة وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها اى اكتسبتموها وأصبتموها بمكة وانما وصفت بذلك ايماء الى عزتها عندهم لحصولها بكدّ اليمين وَتِجارَةٌ اى امتعة اشتريتموها للتجارة والربح تَخْشَوْنَ كَسادَها بفوات وقت رواجها بغيبتكم عن مكة المعظمة فى ايام الموسم وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها اى منازل تعجبكم الاقامة فيها لكمال نزاهتها من الدور والبساتين أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ اى من طاعة الله وطاعة رسوله بالهجرة الى المدينة وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ اى وأحب إليكم من الجهاد فى طاعة الله والمراد الحب الاختياري المستتبع لاثره الذي هو الملازمة وعدم المفارقة لا الحب الجبلي الذي لا يخلو عنه البشر فانه غير داخل تحت التكليف الدائر على الطاقة فَتَرَبَّصُوا اى انتظروا جواب للشرط حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ [تا بيارد خداى تعالى] بِأَمْرِهِ هى عقوبة عاجلة او آجلة وهو وعيد لمن آثر حظوظ نفسه على مصلحة دينه وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ الخارجين عن الطاعة فى موالاة المشركين اى لا يرشدهم الى ما هو خير لهم وفى الآية الكريمة وعيد شديد لا يتخلص منه الا اقل قليل فانك لو تتبعت اخوان زماننا من الزهاد الورعين لوجدتهم يتحيرون ويتحزنون بفوات احقر شىء من الأمور الدنيوية ولا يبالون بفوات اجلّ حظ

ص: 403

من الحظوظ الدينية فان محصول الآية ان من اثر هذه المشتهيات الدنيوية على طاعة الرحمن فليستعد لنزول عقوبة آجلة او عاجلة ولينظر ان ما آثره من الحظوظ العاجلة هل يخلص من الأهوال والدواهي النازلة اللهم عفوك وغفرانك يا ارحم الراحمين قال الكاشفى [اى عزيز مردى بايد كه ابراهيم وار روى از كون بگرداند فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ مال را بذل مهمان. وفرزند را قصد قربان وخود را فداى آتش سوزان كند تا درو دعوىء دوستى صادق باشد]

آنكس كه ترا شناخت جانرا چهـ كند

فرزند وعيال وخانمانرا چهـ كند

ديوانه كنى هر دو جهانش بخشى

ديوانه تو هر دو جهانرا چهـ كند

[آورده نماند كه حضرت صلى الله عليه وسلم فرموده است كه](لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من ماله وولده والناس أجمعين) قال ابن ملك المراد به نفى كمال الايمان وبالحب الحب الاختياري مثلا لو امر رسول الله مؤمنا بان يقاتل الكافر حتى يكون شهيدا او امر بقتل أبويه وأولاده الكافرين لاحب ان يختار ذلك لعلمه ان السلامة فى امتثال امره عليه السلام وان لا يخير كما ان المريض ينفر بطبعه عن الدواء ولكن يميل اليه ويفعله لظنه ان صلاحه فيه كيف ونينا عليه السلام اعطف علينا منا ومن آبائنا وأولادنا لانه عليه السلام يسعى لنا لا لغرض قال القاضي ومن محبته عليه السلام نصرة سنته والذب اى المنع والدفع عن شريعته [از حضرت شيخ الإسلام قدس سره منقولست كه احمد بن يحيى دمشقى روزى پيش مادر و پدر نشسته بود قصه قربان كردن حضرت إسماعيل از قرآن بريشان ميخواند گفتند اى احمد از پيش ما بر خيز وبرو كه ما ترا در كار خدا كرديم احمد برخاست وگفت الهى اكنون جز تو كسى ندارم رو بكعبه نهاد وبعد از ان كه بيست و چهار موقف ايستاده بود قصد زيارت والدين كرد چون بدمشق آمد وبدر سراى خود رسيد حلقه در بجنبانيد مادرش آواز داد كه من على الباب جواب داد كه انا احمد ابنك مادرش گفت پيش ازين ما را فرزندى بود او را در كار خدا كرديم احمد ومحمود را با ما چهـ كار

ما هر چهـ داشتيم فداى تو كرده ايم

جانرا اسير بند هواى تو كرده ايم

ما كرده ايم ترك خود وهر دو كون نيز

وينها كه كرده ايم براى تو كرده ايم

وهذا لما ان المهاجرين كانوا يكرهون الموت فى بلدة هاجروا منها وتركوها لله تعالى لئلا ينقص ثواب الهجرة إذ في العود نقض العمل الا ان يكون لضرورة دون اختيار قال فى التأويلات اصل الدين هو محبة الله تعالى وان صرف استعداد محبة الله فى هذه الأشياء المذكورة فيه فسق وهو الخروج من محبة الخالق الى محبة المخلوق وان من آثر محبة المخلوق على محبة الخالق فقد أبطل الاستعداد الفطري لقبول الفيض الإلهي واستوجب الحرمان وأدركه القهر والخذلان فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ اى بقهره وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ الخارجين عن حسن الاستعداد يعنى لا يهديهم الى حضرت جلاله وقبول فيض جماله بعد ابطال حسن الاستعداد وعن بشر بن الحارث رضى الله عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فى المنام فقال لى يا بشر أتدري لم رفعك الله تعالى على اقرانك قلت لا يا رسول الله قال باتباعك لسنتى وخدمتك الصالحين ونصحك لاخوانك ومحبتك لاصحابى واهل بيتي هو الذي بلغك منازل الأبرار

ص: 404

أقول المحبة الخالصة باب عظيم لا يفتح الا لاهل القلب السليم وتأثيرها غريب وأمرها عجيب نسأل الله تعالى سبحانه ان يجعلنا من الذين آثروا حب الله وحب رسوله على حب ما سواهما آمين لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ اى بالله قد أعانكم يا اصحاب محمد على عدوكم وأعلاكم عليهم مع ضعفكم وقلة عددكم وعددكم فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ من الحروب وهى مواقعها ومقاماتها. جمع موطن وهو كل موضع اقام به الإنسان لأمر والمراد بها واقعات بدر والأحزاب وقريظة والنضير والحديبية وخيبر وفتح مكة وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عطف على محل فى مواطن بحذف المضاف فى أحدهما اى وموطن يوم حنين ليكون من عطف المكان على المكان او فى ايام مواطن كثيرة ويوم حنين ليكون من عطف الزمان على الزمان وأضيف اليوم الى حنين لوقوع الحرب يومئذ بها فيوم حنين هى غزوة حنين ويقال لها غزوة هوازن ويقال لها غزوة أوطاس باسم الموضع الذي كانت به الواقعة فى آخر الأمر وحنين واد بين مكة والطائف إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ [چون بشگفت آورد شما را] اى سرتكم كثرة عددكم ووفور عددكم والاعجاب هو السرور بالتعجب رهو بدل من يوم حنين وكانت الواقعة فى حنين بين المسلمين وهم اثنا عشر الفا عشرة آلاف منهم ممن شهد فتح مكة من المهاجرين والأنصار والفان من الطلقاء وهم اهل مكة سموا بذلك لانه عليه السلام اطلقهم يوم فتح مكة عنوة ولم يقيدهم بالاسار وبين هوازن وثقيف وكانوا اربعة آلاف سوى الجم الغفير من امداد سائر العرب- روى- انه عليه السلام فتح مكة فى اواخر رمضان وقد بقيت منه ثلاثة ايام وقيل فتحها لثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان ومكث فيها الى ان دخل شوال فغدا يوم السبت السادس منه خارجا الى غزوة حنين واستعمل على مكة عتاب بن أسيد يصلى بهم ومعاذبن جبل يعلمهم السنن والفقه وحين فتحت مكة أطاعه عليه الصلاة والسلام قبائل العرب الا هوازن ونقيفا فان أهلهما كانوا طغاة مردة فخافوا ان يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وظنوا انه عليه السلام يدعوهم الى الإسلام فثقل ذلك عليهم فحشدوا وبغوا وقالوا ان محمدا لاقى قوما لا يحسنون القتال فاجمعوا أمرهم على ذلك فاخرجوا معهم أموالهم ونساءهم وأبناءهم وراءهم فحملوا النساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال ثم جاؤا بالإبل والغنم والذراري وراء ذلك كى يقاتل كل منهم عن اهله وماله ولا يفر أحد بزعمهم فساروا كذلك حتى نزلوا باوطاس وقد كان عليه السلام بعث إليهم عينا ليتجسس عن حالهم وهو عبد الله بن ابى حدر من بنى سليم فوصل إليهم فسمع مالك بن عوف امير هوازن يقول لاصحابه أنتم اليوم اربعة آلاف رجل فاذا لقيتم العدو فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا جفون سيوفكم فو الله لا تضربون باربعة آلاف سيف شيأ الا فرج فاقبل العين الى النبي عليه السلام فاخبره بما سمع من مقالتهم فقال سلمة ابن سلامة الوقسى الأنصاري يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة معناه بالفارسية [ما امروز از قلت لشكر مغلوب نخواهم شد] فساءت رسول الله كلمته وقيل ان هذه الكلمة قالها أبو بكر رضى الله عنه وقيل قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الامام صاحب التفسير الكبير وهو بعيد لانه عليه السلام كان فى اكثر الأحوال متوكلا على الله منقطع القلب عن الدنيا وأسبابها

ص: 405

قال ابن الشيخ فى حواشيه الظاهر ان القول بها لا ينافى التوكل على الله ولا يستلزم الاعتماد على الأسباب الظاهرة فان قوله لن نغلب اليوم من قلة نفى للقلة وإعجاب بالكثرة. والمعنى ان وقعت مغلوبية فلامر آخر غير القلة فركب صلى الله عليه وسلم بغلته دلدل ولبس درع داود عليه السلام التي لبسها حين قتل جالوت ووضع الالوية والرايات مع المهاجرين والأنصار فلما كان بحنين وانحدروا فى الوادي وذلك عند غبش الصبح يوم الثلاثاء خرج عليهم القوم وكانوا كمنوالهم فى شعاب الوادي ومضايقه وكانوا رماة فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم المشركون وخلوا الذراري فاكب المسلمون فتنادى المشركون يا حماة السوء اذكروا الفضائح فتراجعوا وحملوا عليهم فادركت المسلمين كلمة الاعجاب اى لحقهم شؤم كلمة الاعجاب فانكشفوا ولم يقوموا لهم مقدار حلب شاة وذلك قوله تعالى فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً [پس

دفع نكرد از شما آن كثرت شما] والإغناء إعطاء ما تدفع به الحاجة اى لم تعطكم تلك الكثرة مما تدفعون به حاجتكم شيأ من الإغناء وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ اى رحبها وسعتها على ان ما مصدرية والباء بمعنى مع اى لا تجدون فيها مقرا تطمئن اليه نفوسكم من شدة الرعب ولا تثبتون فيها كمن لا يسعه مكانه: قال الشاعر

كان بلاد الله وهى عريضة

على الخائف المطلوب كفة حابل

اى حبالة صيد ثُمَّ وَلَّيْتُمْ الكفار ظهوركم مُدْبِرِينَ اى منهزمين لا تلوون على أحد يقال ولى هاربا اى أدبر. فالادبار الذهاب الى خلف خلاف الإقبال- روى- انه بلغ فلهم اى منهزمهم مكة وسر بذلك قوم من اهل مكة وأظهروا الشماتة حتى قال أخو صفوان ابن امية لامه ألا قد أبطل الله السحر اليوم فقال له صفوان وهو يومئذ مشرك اسكت فض الله فاك اى أسقط اسنانك والله لان يربنى من الربوبية اى يملكنى ويدبر امرى رجل من قريش أحب الى من ان يربنى رجل من هوازن ولما انهزموا بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وليس معه إلا عمه العباس آخذا بلجام بغلته وابن عمه ابو سفيان بن حرب بن عبد المطلب أخذا بركابه وهو يركض البغلة نحو المشركين ويقول

انا النبي لا كذب

انا ابن عبد المطلب

وهذا ليس بشعر لانه لم يقع عن قصد وانما قال انا ابن عبد المطلب ولم يقل انا ابن عبد الله لان العرب كانت تنسبه صلى الله عليه وسلم الى حده عبد المطلب لشهرته ولموت عبد الله فى حياته فليس من الافتخار بالآباء الذي هو من عمل الجاهلية وقال الخطابي انه عليه السلام انما قال انا ابن عبد المطلب لا على سبيل الافتخار ولكن ذكرهم عليه السلام بذلك رؤيا رأها عبد المطلب ايام حباته وكانت القصة مشهورة عندهم فعرفهم بها وذكرهم إياها وهى احدى دلائل نبوته عليه السلام وقصة الرؤيا على ما فى عقد الدرر واللآلى ان عبد المطلب جد النبي عليه السلام بينا هو مائم فى الحجر انتبه مذعورا قال العباس فتبعته وانا يومئذ غلام اعقل ما يقال فاتى كهنة قريش فقال رأيت كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهرى ولها اربعة أطراف طرف قد بلغ مشارق الأرض وطرف قد بلغ مغاربها وطرف قد بلغ عنان السماء وطرف قد جاوز الثرى فبينا انا انظر عادت شجرة خضراء لها نور فبينا انا كذلك قام علىّ شيخان فقلت لاحدهما من أنت قال

ص: 406

انا نوح نبى رب العالمين وقلت للآخر من أنت قال انا ابراهيم خليل رب العالمين ثم انتبهت قالوا ان صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك نبى يؤمن به اهل السموات واهل الأرض ودلت السلسلة على كثرة اتباعه وأنصاره لتداخل حلق السلسلة ورجوعها شجرة يدل على ثبات امره وعلو ذكره وسيهلك من لم يؤمن به كما هلك قوم نوح وستظهر به ملة ابراهيم والى هذا وقعت اشارة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين قال

انا النبي لا كذب

انا ابن عبد المطلب

كانه يقول انا ابن صاحب تلك الرؤيا مفتخرا بها لما فيها من علم نبوته وعلو كلمته انتهى- روى- انه عليه السلام كان يحمل على الكفار فيفرون ثم يحملون عليه فيقف لهم فعل ذلك بضع عشرة مرة قال العباس كنت اكف البغلة لئلا تسرع به نحو المشركين وناهيك بهذا شهادة على تناهى شجاعته حيث لم يخف اسمه فى تلك الحال ولم يخف الكفار على نفسه وما ذلك الا لكونه مؤيدا من عند الله العزيز الحكيم فعند ذلك قال (يا رب ائتنى بما وعدتني) وقال للعباس وكان صيتا جمهورىّ الصوت (صح بالناس) يروى من شدة صوته انه أغير يوما على مكة فنادى وا صباحاه فاسقطت كل حامل سمعت صوته وكان صوته يسمع من ثمانية أميال فنادى الأنصار فخذا فخذا ثم نادى يا اصحاب الشجرة وهم اهل بيعة الرضوان يا اصحاب سورة البقرة وهم المذكورون فى قوله آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ وكانوا يحفظون سورة البقرة ويقولون من حفظ سورة البقرة وآل عمران فقد جد فينا فكروا عنقا واحدا اى جماعة واحدة يعنى دفعة وهم يقولون لبيك لبيك وذلك قوله تعالى ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ اى رحمته التي تسكن بسببها القلوب وتطمئن إليها اطمئنانا كليا مستتبعا للنصر القريب واما مطلق السكينة فقد كانت حاصلة له عليه السلام قبل ذلك ايضا وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ شامل للمنهزمين وغيرهم فعاد المنهزمون وظفروا وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها اى بأبصاركم كما يرى بعضكم بعضا وهم الملائكة عليهم البياض على خيول بلق وكان يراهم الكفار دون المؤمنين فنظر النبي عليه السلام الى قتال المشركين فقال (هذا حين حمى الوطيس) والوطيس حجارة توقد العرب تحتها النار يشوون عليها اللحم وهو فى الأصل التنور وهذه من الكلمات التي لم تسمع إلا منه صلى الله عليه وسلم. وحمى الوطيس كناية عن شدة الحرب ثم نزل عن بغلته وقيل لم ينزل بل قال (يا عباس ناولنى من الحصباء) او انخفضت بغلته حتى كادت بطنها تمس الأرض ثم قبض قبضة من تراب فرمى به نحو المشركين وقال (شاهت الوجوه) فلم يبق منهم أحد الا امتلأت به عيناه ثم قال عليه السلام (انهزموا ورب الكعبة) وهو أعظم من انقلاب العصا حية لان ابتلاعها لحبالهم وعصيهم لم يقهر الغدو ولم يشتت شمله بل زاد بعدها طغيانه وعتوه على موسى بخلاف هذا الحصى فانه أهلك العدو وشتت شمله وكان من دعائه عليه السلام يومئذ (اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان) فقال له جبريل عليه السلام لقد لقنت الكلمات التي لقنها الله موسى يوم فلق البحر. واختلفوا فى عدد الملائكة يومئذ فقيل خمسة آلاف وقيل ثمانية آلاف وقيل ستة عشر الفا. وفى قتالهم ايضا فقيل قاتلوا وقيل لم يقاتلوا الا يوم بدر وانما كان نزولهم لتقوية قلوب المؤمنين بإلقاء الخواطر الحسنة وتأييدهم

ص: 407

بذلك وإلقاء الرعب فى قلوب المشركين وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالقتل والاسر والسبي وَذلِكَ اى ما فعل بهم مما ذكر جَزاءُ الْكافِرِينَ فى الدنيا ولما هزم الله المشركين بوادي حنين ولوا مدبرين ونزلوا باوطاس وبها عيالهم وأموالهم فبعث رسول الله رجلا من الأشعريين يقال له ابو عامر وامره على جيش الى أوطاس فسار إليهم فاقتتلوا وهزم الله المشركين وسبى المسلمون عيالهم وهرب أميرهم مالك بن عوف فاتى الطائف وتحصن بها وأخذوا اهله وماله فيمن أخذ وقتل امير المؤمنين ابو عامر ثم انه عليه السلام اتى الطائف فحاصرهم بقية ذلك الشهر فلما دخل ذو القعدة وهو شهر حرام انصرف عنهم فاتى الجعرانة وهو موضع بين مكة والطائف سمى المحل باسم امرأة وهى ريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة وهى المرادة فى قوله تعالى كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها فاحرم منها بعمرة بعد ان قام بها ثلاث عشرة ليلة وقال اعتمر منها سبعون نبيا وقسم بها غنائم حنين وأوطاس وكان السبي ستة آلاف رأس والإبل اربعة وعشرين الفا والغنم اكثر من أربعين واربعة آلاف اوقية قضة وتألف أناسا فجعل يعطى الرجل الخمسين والمائة من الإبل ولما قسم ما بقي خص كل رجل اربع من الإبل وأربعون شاة فقال طائفة من الأنصار يا للعجب ان اسيافنا تقطر من دمائهم وغنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك النبي عليه السلام فجمعهم فقال (يا معشر الأنصار ما هذا الذي بلغني عنكم) فقالوا هو الذي بلغك وكانوا لا يكذبون فقال (الم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي وكنتم اذلة فأعزكم الله بي وكنتم وكنتم اما ترضون ان ينقلب الناس بالشاء والإبل وتنقلبون برسول الله الى بيوتكم) فقالوا بلى رضينا يا رسول الله والله ما قلنا ذلك الا محبة لله ولرسوله فقال صلى الله عليه وسلم (ان الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ [از پس اين جنك] عَلى مَنْ يَشاءُ ان يتوب عليه منهم لحكمة تقتضيه اى يوفقه للاسلام وَاللَّهُ غَفُورٌ يتجاوز عما سلف منهم من الكفر والمعاصي رَحِيمٌ يتفضل عليهم ويثيبهم- روى- ان ناسا منهم جاؤا رسول الله وبايعوه على الإسلام وقالوا يا رسول الله أنت خير الناس وابرّ الناس وقد سبى أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا فقال عليه السلام (ان عندى ما ترون ان خير القول أصدقه اختاروا اما ذراريكم ونساءكم واما أموالكم) قالوا ما كنا نعدل بالاحساب شيأ هو جمع حسب وهو ما بعد من المفاخر كنوا بهذا القول عن اختيار ما سبى منهم من الذراري والنسوان على استرجاع الأموال فان ترك الذراري والنسوان فى ذل الاسر واختيار استرجاع الأموال عليها يفضى الى الطعن فى أحسابهم وينافى المروءة فقام النبي عليه السلام فقال (ان هؤلاء جاؤنا مسلمين وانا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالاحساب شيأ فمن كان بيده سبى وطابت نفسه ان يرد فشأنه) اى فيلزم شأنه (وليفعل ما طاب له ومن لا فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيأ فنعطيه مكانه) قالوا رضينا وسلمنا فقال عليه السلام (انا لا ندرى لعل فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا) فرفعت اليه العرفاء انهم قد رضوا ثم قال صلى الله تعالى عليه وسلم (لوفد هوازن ما فعل مالك بن عوف) قالوا يا رسول الله هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف فقال صلى الله عليه وسلم (اخبروه انه ان أتاني مسلما رددت عليه اهله

ص: 408

وماله وأعطيته مائة من الإبل) فلما بلغه هذا الخبر نزل من الحصن مستخفيا خوفا ان تحبسه ثقيف إذا علموا الحال وركب فرسه وركضه حتى اتى الدهناء محلا معروفا وركب راحلته ولحق برسول الله فادركه بالجعرانة واسلم فرد عليه أهله وماله واستعمله عليه السلام على من اسلم من هوازن وكان مالك بن عوف بعد ذلك ممن افتتح عامة الشام ثم فى القصة إشارات منها ان عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك الواقعة كانوا فى غاية الكثرة والقوة فلما اعجبوا بكثرتهم صاروا منهزمين فلما تضرعوا فى حال الانهزام الى الله تعالى قواهم حتى هزموا عسكر الكفار وذلك يدل على ان الإنسان متى اعتمد على الدنيا فاته الدين ومتى أطاع الله ورجح الدين على

الدنيا آتاه الله الدين والدنيا على احسن الوجوه. وكما ان اكثر الأسباب الصورية وان كان مدارا للفتح الصوري لكنه فى الحقيقة لا يحصل الا بمحض فضل الله. فكذا كثرة الأعمال والطاعات وان كانت سببا للفتح المعنوي لكنه فى الحقيقة ايضا لا يحصل الا بخصوص هداية الله تعالى فلا بد من العجز والافتقار والتضرع الى الله الغفار: قال الحافظ

تكيه بر تقوى ودانش در طريقت كافريست

راهرو كر صد هنر دارد توكل بايدش

ومنها ان المؤمن لا يخرج من الايمان وان عمل الكبيرة لانهم قد ارتكبوا الكبيرة حيث هربوا وكان عددهم اكثر من عدد المشركين فسماهم الله تعالى مؤمنين فى قوله ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وذلك لان حقيقة الايمان هو التصديق القلبي فلا يخرج المؤمن عن الاتصاف به الا بما ينافيه ومجرد الاقدام على الكبيرة لغلبة شهوة او غيرة جاهلية او عار أو كسل او خوف خصوصا إذا اقترن به خوف العقاب ورجاء العفو والعزم على التوبة لا ينافيه قال الحافظ

بپوش دامن عفوى بزلت من مست

كه آب روى شريعت بدين قد نرود

وقال السعدي پرده از روى لطف كو بردار كه اشقيا را اميد مغفرتست ومنها انه صلى الله عليه وسلم لم ينهزم قط فى موطن من المواطن واما ما روى عن سلمة ابن الأكوع رضى الله عنه مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما فمنهزما حال من سلمة لامن النبي عليه السلام قال القاضي عبد الله بن المرابط من قال ان نبى الله عليه السلام هزم فى بعض غزاوته يستتاب فان تاب فيها ونعمت وإلا قتل فانه نسب اليه ما لا يليق بمنصبه وألحق به نقصا وذلك لا يجوز عليه إذ هو على بصيرة من امره، ويقين من عصمته وقد أعطاه الله تعالى من الشجاعة ورباطة الجاش ما لم يعط أحدا من العالمين فكيف يتصور الانهزام فى حقه

شاهى وملائكه سپاهست

خلق تو عظيم وحق كواهست

ومنها ان ذا القعدة شهر شريف ينبغى ان يعرف قدره ويجاهد المرء فيه نفسه وهو الثلاثون يوما التي واعد الله فيها موسى عليه السلام وامره ان يصومها حتى يجيىء بعدها الى طور المناجاة والمكالمات والمشاهدات قال كعب الأحبار. رضى الله عنه اختار الله الزمان فاحبه اليه الأشهر الحرم وذو القعدة من الأشهر الحرم بلا خلاف وسمى ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال

ص: 409

وعن قتادة قال سألت انساكم اعتمر النبي عليه السلام قال أربعا. عمرة الحديبية فى ذى القعدة حيث صده المشركون. وعمرة من العام القابل حيث صالحهم. وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة أراها حنين قلت كم حج قال واحدة ومعناه بعد الهجرة الى المدينة فانه صلى الله عليه وسلم قد حج قبلها كما فى عقد الدرر واللآلى وكذا قال صاحب الروضة وفى السنة التاسعة حج أبو بكر رضى الله عنه بالناس. وفى العاشرة كانت حجة الوداع ولم يحج النبي عليه السلام بعد الهجرة سواها وحج قبل النبوة وبعدها حجات لم يتفق على عددها واعتمر بعد الهجرة اربع عمر وفى هذه السنة مات ابراهيم ابن النبي عليه السلام. وفى الحادية عشرة فاته صلى الله عليه وسلم انتهى اللهم اختم لنا بالخير واجعل لنا فى رياض انسك مبوأ ومنزلا وفى حظائر قدسك مستقرا ومقاما وموئلا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ النجس بفتحتين مصدر بمعنى النجاسة وصفوا بالمصدر مبالغة كأنهم عين النجاسة يجب الاجتناب عنهم والتبري منهم وقطع مودتهم قال الحدادي سمى المشرك نجسا لان الشرك يجرى مجرى القذر فى انه يجب تجنبه كما يجب تجنب النجاسات او لانهم لا يتطهرون من الجنابة والحدث ولا يجتنبون عن النجاسة الحقيقية فهم ملابسون لها غالبا فحكم عليهم بانهم نجس بمعنى ذوى نجاسة. حكمية وحقيقية فى أعضائهم الظاهرة او انهم نجس بمعنى ذوى نجاسة فى باطنهم حيث تنجسوا بالشرك والاعتقاد الباطل. فعلى هذا يحتمل ان يكون نجس صفة مشبهة كحسن فيجوز ترك تقدير المضاف فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ الفاء سببية اى فلا يقربوه بسبب انهم عين النجاسة فضلا عن ان يدخلوه فان نهيهم عن اقترابه للمبالغة فى نهيهم عن دخوله قال فى التبيان اى لا يدخلوا الحرم كله وحدود الحرم من جهة المدينة على ثلاثة أميال ومن طريق العراق على سبعة أميال ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال ومن طريق الطائف على تسعة أميال ومن طريق جدة على عشرة أميال انتهى بَعْدَ عامِهِمْ هذا وهو السنة التاسعة من الهجرة التي حج فيها أبو بكر رضى الله عنه أميرا وكانت حجة الوداع فى السنة العاشرة هو الظاهر الذي عليه الامام الشافعي واما على مذهب الامام الأعظم فالمراد من الآية المنع من الدخول حاجا او معتمرا فالمعنى لا يحجوا ولا يعتمروا بعد هذا العام ويدل عليه قول على رضى الله عنه حين نادى ببراءة ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك فلا يمنع المشرك عنده من دخول الحرم والمسجد الحرام وساتر المساجد قال فى الأشباه فى احكام الذمي ولا يمنع من دخول المسجد جنبا بخلاف المسلم ولا يتوقف دخوله على اذن مسلم عندنا ولو كان المسجد الحرام. ثم قال فى احكام الحرم ولا يسكن فيه كافر وله الدخول فيه انتهى يقول الفقير لعل الحكمة فى ان الجنب المسلم يمنع من دخول المسجد دون الجنب الكافر ان ما هو عليه الكافر من الشرك او الخبث القلبي والجنابة المعنوية أعظم من حدثه الصوري فلا فائدة فى منعه نعم إذا كان عليه نجاسة حقيقية يمنع لانا مأمورون بتطهير المساجد عن القاذورات ولذا قالوا بحرمة إدخال الصبيان والمجانين فى المساجد حيث غلب تنجيسهم وإلا فيكره كما فى الأشباه هذا فلما منعوا من قربان المسجد الحرام. قال أناس من تجار بكر بن وائل وغيرهم من المشركين بعد قراءة على هذه الآية ستعلمون يا اهل

ص: 410

مكة إذا فعلتم هذا ماذا تلقون من الشدة ومن اين تأكلون اما والله لنقطعن سبلكم ولا نحمل إليكم شيأ فوقع ذلك فى انفس اهل مكة وشق عليهم والقى الشيطان فى قلوب المسلمين الحزن وقال لهم من اين تعيشون وقد نفى المشركون وانقطعت عنكم الميرة فقال المسلمون قد كنا نصيب من تجاراتهم فالآن تنقطع عنا الأسواق والتجارات ويذهب عنا الذي كنا نصيبه فيها فانزل الله تعالى قوله وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً اى فقرا بسبب منعهم من الحج وانقطاع ما كانوا يجلبونه إليكم من الأرزاق والمكاسب فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من عطائه او من تفضله بوجه آخر وقد أنجز وعده بان أرسل السماء عليكم مدرارا اكثر من خيرهم وميرهم ووفق اهل تبالة وجرش واسلموا وامتاروا لهم ثم فتح عليهم البلاد والغنائم وتوجه إليهم الناس من أقطار الأرض إِنْ شاءَ ان

يغنيكم قيده بالمشيئة مع ان التقييد بها ينافى ما هو المقصود من الآية وهو ازالة خوفهم من العيلة لفوائد الفائدة الاولى ان لا يتعلق القلب بتحقق الموعود بل يتعلق بكرم من وعد به ويتضرع اليه فى نيل جميع المهمات ودفع جميع الآفات والبليات والثانية التنبيه على ان الإغناء الموعود ليس يجب على الله تعالى بل هو متفضل فى ذلك لا يتفضل به الا عن مشيئته وإرادته والثالثة التنبيه على ان الموعود ليس بموعود بالنسبة الى جميع الاشخاص ولا بالنسبة الى جميع الامكنة والأزمان إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بمصالحكم حَكِيمٌ فيما يعطى ويمنع قال الكاشفى [حكم كننده است بتحقيق آمال ايشان اگر درى در بندد ديگرى بگشايد]

كمان مدار اگر ضايعم تو بگذارى

كه ضايعم نگذارد مسبب الأسباب

براى من در احسان اگر تو در بندى

درى دگر بگشايد مفتح الأبواب

- روى- عن الشيخ ابى يعقوب البصري رضى الله عنه قال جعت مرة فى الحرم عشرة ايام فوجد ضعفا فحدثتنى نفسى ان اخرج الى الوادي لعلى أجد شيأ ليسكن به ضعفى فخرجت فوجدت سلجمة مطروحة فاخذتها فوجدت فى قلبى منها وحشة وكأن قائلا يقول لى جعت عشرة ايام فآخرها يكون حظك سلحمة مطروحة متغيرة فرميت بها فدخلت المسجد فقعدت فاذا برجل جاء فجلس بين يدى ووضع قمطرة وقال هذه لك قلت كيف خصصتنى بها فقال اعلم انا كنا فى البحر منذ عشرة ايام فاشرفت السفينة على الغرق فنذر كل واحد منا نذرا ان خلصنا الله ان يتصدق بشىء ونذرت انا ان خلصنى الله ان أتصدق بهذه على أول من يقع عليه بصرى من المجاورين وأنت أول من لقيته قلت افتحها فاذا فيها كعك سميذ ممصر ولوز مقشر وسكر كعاب فقبضت قبضة من ذا وقبضه من ذا وقلت رد الباقي الى صبيانك هدية منى إليهم وقد قبلتها ثم قلت فى نفسى رزقك يسير إليك مند

عشرة ايام وأنت تطلبه من الوادي

قال الصائب

فكر آب ودانه در كنج قفس بي حاصلست

زير چرخ انديشه روزى چرا باشد مرا

وفى الآية اشارة الى ان الله تعالى قد رفع قلم التكليف عن الإنسان الى ان يبلغ استكمال القالب ففى تلك المدة كانت النفس وصفاتها يطفن حول كعبة القلب مستمدة من القوى

ص: 411

العقلية والروحانية وبهذا يظفرن بمشتهياتهن من الدنيا ونعيمها حتى صار تعبد الدنيا دأبهن والإشراك بالله طبعهن وبذلك تكامل القالب واستوت أوصاف البشرية الحيوانية عند ظهور الشهوة بالبلوغ ثم اجرى الله عليهم قلم التكليف ونهى القلب عن اتباع النفوس وامره بقتالها ونهاها عن تطوافها لئلا تنجس كعبة القلب بنجاسة شرك النفس والأوصاف الذميمة فلما منعت النفس عن تطوافها بحوالى القلب خاف القلب من فوات حظوظه من الشهوات بتبعية النفس فاغناه الله عن تلك الحظوظ بما يفتح عليه من فضل مواهبه من الواردات الربانية والشواهد والكشوف الرحمانية وفى قوله إِنْ شاءَ اشارة الى ان ما عند الله لا ينال الا بمشيئة الله كذا فى التأويلات النجمية: قال الحافظ

سكندر را نمى بخشند آبى

بزورو زر ميسر نيست اين كار

قاتِلُوا [بكشيد اى مؤمنان وكارزار كنيد] الَّذِينَ [با آنانكه] لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ كما ينبغى فان اليهود مثنية والنصارى مثلثة فايمانهم بالله كلا ايمان وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ كما ينبغى فان اليهود ذهبوا الى نفى الاكل والشرب فى الجنة والنصارى الى اثبات المعاد الروحاني فعلمهم بأحوال الآخرة كلا علم فكذا ايمانهم المبنى عليه ليس بايمان والمؤمن الكامل هو الذي يصف الله تعالى بما يليق به فيوحده وينزهه ويثبت المعاد الجسماني والروحاني كليهما والنعيم الصوري والمعنوي ايضا فان لكل من الجسم والروح حظا من النعيم يليق بحاله ويناسب لمقامه وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اى ما ثبت تحريمه بالوحى المتلو وهو الكتاب او غير المتلو وهو السنة وذلك مثل الدم والميتة ولحم الخنزير والخمر ونظائرها وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ يجوز ان يكون مصدر يدينون وان يكون مفعولا به ويدينون بمعنى يعتقدون ويقبلون. والحق صفة مشبهة بمعنى الثابت واضافة الدين اليه من قبيل اضافة الموصوف الى صفته واصل الكلام ولا يدينون الدين الحق وهو دين الإسلام فانه دين ثابت نسخ جميع ما سواه من الأديان وعن قتادة ان الحق هو الله تعالى. والمعنى ولا يدينون دين الله الذي هو الإسلام فان الدين عند الله الإسلام مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من التوراة والإنجيل وهو بيان للذين لا يؤمنون حَتَّى للغاية يُعْطُوا اى يقبلوا ان يعطوا فان غاية القتال ليست نفس هذا الإعطاء بل قبوله الْجِزْيَةَ فعلة من جزى دينه إذا قضاه سمى ما يعطيه المعاهد مما تقرر عليه بمقتضى عهده جزية لوجوب قضائه عليه أو لأنها تجزى عن الذمي اى تقضى وتكفى عن القتل فانه إذا قبلها يسقط عنه القتل عَنْ يَدٍ حال من الضمير فى يعطوا اى عن يدهم بمعنى مسلمين بايديهم غير باعثين بايدى غيرهم ولذلك منع من التوكيل فيه او عن يد مطيعة غير ممتنعة اى منقادين مطيعين فاذا احتيج فى أخذها منهم الى الجبر والإكراه لا يبقى عقد الذمة بل يعود حكم القتل والقتال فالاعطاء عن يد كناية عن الانقياد والطوع يقال اعطى فلان بيده إذا استسلم وانقاد وعلاقة المجاز ان من ابى وامتنع لا يعطى بيده بخلاف المطيع او عن غنى. ولذلك قيل لم تجب الجزية على الفقير العاجز عن الكسب او عن انعام عليه فان ابقاء مهجتهم بما بذلوا من الجزية نعمة عظيمة عليهم او عن يد قاهرة مستولية عليهم وهى

ص: 412

يد الآخذ فعن سببية كما فى قولك يسمنون عن الاكل والشرب اى يبلغون الى غاية السمن وحسن الهيئة بسبب الاكل والشرب وَهُمْ صاغِرُونَ اى أذلاء وذلك بان يأتى بها بنفسه ماشيا غير راكب ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس ويؤخذ بتلبيبه اى بجيبه ويجر ويقال له أد الجزية يا ذمى او يا عدو الله وان كانوا يؤدونها واعلم ان الكفار ثلاثة انواع نوع منهم يقاتلون حتى يسلموا إذ لا يقبل منهم الا الإسلام وهم مشركوا العرب والمرتدون. اما مشركوا العرب فلان النبي عليه السلام بعث منهم فظهرت المعجزات لديهم فكفرهم يكون افحش. واما المرتدون فلانهم عدلوا عن دين الحق بعد اطلاعهم على محاسنه فيكون كفرهم أقبح فالعقوبة على قدر الجناية وفى وضع الجزية تخفيف لهم فلم يستحقوه ونوع آخر يقاتلون حتى يسلموا او يعطوا الجزية وهم اليهود والنصارى والمجوس. اما اليهود والنصارى فهذه الآية. واما المجوس فبقوله عليه السلام (سنوابهم سنة اهل الكتاب غير ناكحى نسائهم وآكلى ذبائحهم)

والنوع الثالث منهم الكفرة الذين ليسوا مجوسا ولا اهل كتاب ولا من مشركى العرب كعبدة الأوثان من الترك والهند ذهب ابو حنيفة وأصحابه رحمهم الله الى جواز أخذ الجزية منهم لجواز اجتماع الدينين فى غير جزيرة العرب وهم من غير العرب ومقدارها على الفقير المعتمل اثنا عشر درهما فى كل شهر درهم هذا إذا كان فى اكثر الحول صحيحا اما إذا كان فى أكثره او نصفه مريضا فلا جزية عليه وعلى المتوسط الحال اربعة وعشرون درهما فى كل شهر درهمان وعلى الغنى ثمانية وأربعون درهما فى كل شهر اربعة دراهم ولا شىء على فقير عاجز عن الكسب ولا على شيخ فان او زمن او مقعد او أعمى او صبى او امرأة او راهب لا يخالط الناس وانما لم توضع عليهم الجزية لان الجزية شرعت زجرا عن الكفر وحملاله على الإسلام فيجرى مجرى القتل فمن لا يعاقب بالقتل وهم هؤلاء لا يؤاخذ بالجزية لان الجزية خلف من القتال وهم ليسوا باهله فاذا حصل الزاجر فى حق المقاتلة وهم الأصل انزجر التبع قال الحدادي اما طعن الملحدة كيف يجوز أقدار الكفار على كفرهم بأداء الجزية بدلا من الإسلام فالجواب انه لا يجوز ان يكون أخذ الجزية منهم رضى بكفرهم وانما الجزية عقوبة لهم على إقامتهم على الكفر وإذا جاز إمهالهم بغير الجزية للاستدعاء الى الايمان كان إمهالهم بالجزية اولى انتهى فعلى الولاة والمتسلمين ان لا يتعدوا ما حد الله تعالى فى كتابه فان الظلم لا يجوز مطلقا ويعود وباله على الظالم بل يسرى الى غيره ايضا وفى الحديث (خمس بخمس إذا أكل الربا كان الخسف والزلزلة وإذا جار الحكام قحط المطر وإذا ظهر الزنى كثر الموت وإذا منعت الزكاة هلكت الماشية وإذا تعدى على اهل الذمة كانت الدولة لهم) كذا فى الاسرار المحمدية لابن فخر الدين الرومي: وفى المثنوى

جمله دانند اين اگر تو نكروى

هر چهـ مى كاريش روزى بدروى

يقول الفقير رأينا من السنة الرابعة والتسعين بعد الالف الى هذا الآن وهى السنة الاولى بعد المائة والالف من استيلاء الكفار على البلاد الرومية وعلى البحر الأسود والأبيض ما لم يره أحد قبلنا ولا يدرى أحد ماذا يكون غدا والأمر بيد الله تعالى وذلك بسبب الظلم

ص: 413

المفرط على اهل الإسلام واهل الذمة الساكنين فى تلك الديار فعاد الصغار والذل من الكفار الى المسلمين الكاذبين فصاروا هم صاغرين والعياذ بالله تعالى وليس الخبر كالمعاينة نسأل الله تعالى اللحوق بأهل الحق والدخول فى الأرض المقدسة ثم ان مما حرم الله على اهل الحق الدنيا ومحبتها فان حب الدنيا رأس كل خطيئة والكفار لما قصروا انظارهم على الدنيا وأخذوها بدلا من الآخرة وضعت عليهم الجزية وجزية النفس الامارة معاملاتها على خلاف طبعها لتكون صاغرة ذليلة تحت احكام الشرع وآداب الطريقة فلا بد من جهادها وتذليلها ليعود العز والدولة الى طرف الروح: وفى المثنوى

آنچهـ در فرعون بود اندر تو هست

ليك اژدرهات محبوس چهست

آتشت را هيزم فرعون نيست

زانكه چون فرعون او را عون نيست

فهذه حال النفس فلا بد من قهرها الى ان تفنى عن دعواها واسناد العز إليها وعند ذلك تكون فانية مطمئنة مستسلمة لامر الله منقادة مسخرة تحت حكمه وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ يقرأ بالتنوين على ان عزيز مبتدأ وابن خبره ولم يحذف التنوين إيذانا بان الاول مبتدأ وان ما بعده خبره وليس بصفة [وعزيز بن شرحيا از نسل يعقوبست از سبط لاوى وبچهارده پشت بهارون بن عمران ميرسد] وهو قول قدمائهم ثم انقطع فحكى الله تعالى عنهم ذلك ولا عبرة بانكار اليهود وفى البحر وتذم طائفة او تمدح بصدور ما يناسب ذلك من بعضهم- روى- ان بخت نصر البابلي لما ظهر على بنى إسرائيل قتل علماءهم ولم يبق فيهم أحد يعرف التوراة وكان عزير إذ ذاك صغيرا فاستصغره فلم يقتله وذهب به الى بابل مع جملة من اخذه من سبايا بنى إسرائيل فلما نجا عزير من بابل ارتحل على حمارله حتى نزل بدير هر قل على شط دجلة فطاف فى القرية فلم يرفيها أحدا وعامة شجرها حامل فاكل من الفاكهة واعتصر من العنب فشرب منه وجعل فضل الفاكهة فى سلة وفضل العصير فى زق فلما رأى خراب القرية وهلاكها قال أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها قالها تعجبا لا شكا فى البعث فالقى الله تعالى عليه النوم ونزع منه الروح وبقي ميتا مائة عام وأمات حماره وعصيره وتينه عنده وأعمى الله تعالى عنه العيون فلم يره أحد ثم انه تعالى أحياه بعد ما أماته مائة سنة واحيى حماره ايضا فركب حماره حتى اتى محلته فانكره الناس وأنكر هو ايضا الناس ومنازله فتتبع اهله وقومه فوجد ابنا له شيخا ابن مائة سنة وثمانى عشرة سنة وبنو بنيه شيوخ فوجد من دونهم عجوزا عمياء مقعدة اتى عليها مائة وعشرون سنة كانت امة لهم وقد كان خرج عزيز عنهم هى بنت عشرين سنة فقال لهم انا عزيز كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني قالت العجوز ان عزيرا كان مستجاب الدعوة يدعو للمريض وصاحب البلاء بالعافية فادع الله يرد الى بصرى حتى أراك فان كنت عزيرا عرفتك فدعا ربه ومسح بيده على عينيها فصحت وأخذ بيدها وقال لها قومى بإذن الله تعالى فاطلق رجلها فقامت صحيحة فنظرت فقالت اشهد انك عزير وقال ابنه كان لابى شامة مثل الهلال بين كتفيه فكشف عن كتفيه فاذا هو عزير قال السدى والكلبي لما رجع عزير الى قومه وقد احرق بخت نصر التوراة

ص: 414

ولم يكن من الله عهد بين الخلق بكى عزير على التوراة فاتاه ملك باناء فيه ماء فسقاه من ذلك الماء فمثلت التوراة فى صدره فقال لبنى إسرائيل يا قوم ان الله بعثني إليكم لاجدد لكم توراتكم قالوا فاملها علينا فاملاها عليهم من ظهر قلبه ثم ان رجلا قال ان أبى حدثنى عن جدى ان التوراة جعلت فى خابية ودفنت فى كرم كذا فانطلقوا معه حتى أخرجوها فعارضوها بما كتب لهم عزير فلم يجدوه غادر منها حرفا فقالوا ان الله تعالى لم يقذف التوراة فى قلب رجل الا انه ابنه فعند ذلك قالت اليهود المتقدمون عزير ابن الله وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ هو ايضا قول بعضهم وانما قالوه استحالة لان يكون ولد بلا أب أو لأن يفعل ما فعله من إبراء الأكمه والأبرص واحياء الموتى من لم يكن الها ذلِكَ اشارة الى ما صدر عنهم من العظيمتين قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ اى ليس فيه برهان ولا حجة وانما هو قول بالفم فقط كالمهمل قال الحدادي معناه انهم لا يتجاوزون فى هذا القول عن العبارة الى المعنى إذ لا برهان لهم لانهم يعترفون ان الله لم يتخذ صاحبة فكيف يزعمون ان له ولدا يُضاهِؤُنَ اى يضاهى ويشابه قولهم فى الكفر والشناعة فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه فانقلب مرفوعا قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ اى من قبلهم وهم المشركون الذين يقولون الملائكة بنات الله او اللات والعزى بنات الله قاتَلَهُمُ اللَّهُ دعاء عليهم جميعا بالإهلاك فان من قاتله الله هلك فهو من قبيل ذكر الملزوم وارادة اللازم لتعذر ارادة الحقيقة ويجوز ان يكون تعجبا من شناعة قولهم من قطع النظر عن العلاقة المصححة للانتقال من المعنى الأصلي الى المعنى المراد أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون من الحق الى الباطل والحال انه لا سبيل اليه أصلا والاستفهام بطريق التعجب اتَّخَذُوا اى اليهود أَحْبارَهُمْ اى علماءهم جمع حبر بالكسر وهو افصح وسمى العالم حبرا لكثرة كتابته بالجر أو لتحبره المعاني او بالبيان الحسن وغلب فى علماء اليهود من أولاد هارون وَرُهْبانَهُمْ اى اتخذوا النصارى علماء هم جمع راهب وهو الذي تمكنت الرهبة والخشية فى قلبه وظهرت آثارها فى وجهه ولسانه وهيئته وغلب فى عباد النصارى واصحاب الصوامع منهم أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ اى كالارباب فهو من باب التشبيه البليغ. والمعنى أطاعوا علماءهم وعبادهم فيما امروهم به طاعة العبيد للارباب فحرموا ما أحل الله وحللوا ما حرم الله وفى الحديث (ان محرم الحلال كمحلل الحرام) اى ان عقوبة محرم الحلال كعقوبة محلل الحرام وذلك كفر محض ومثاله ان من اعتقد ان اللبن حرام يكون كمن اعتقد ان الخمر حلال ومن اعتقد ان لحم الغنم حرام يكون كمن اعتقد ان لحم الخنزير حلال وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ عطف على رهبانهم اى اتخذه النصارى ربا معبودا بعد ما قالوا انه ابن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وجمع اليهود والنصارى فى ضمير اتخذوا لا من اللبس وَما أُمِرُوا اى والحال ان أولئك الكفرة ما أمروا فى التوراة والإنجيل وبادىء العقل إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً عظيم الشأن هو الله تعالى ويطيعوا امره ولا يطيعوا امر غيره بخلافه فان ذلك مخل بعبادته فان جميع الكتب السماوية متفقة على ذلك قاطبة واما إطاعة الرسول وسائر من امر الله بطاعته فهى فى الحقيقة إطاعة الله تعالى لا إِلهَ إِلَّا هُوَ صفة ثانية لالها سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ما مصدرية اى

ص: 415

تنزيها له عن الإشراك به فى العبادة والطاعة يُرِيدُونَ اى يريد اهل الكتابين أَنْ يُطْفِؤُا يخمدوا نُورَ اللَّهِ اى يردوا القرآن ويكذبوه فيما نطق به من التوحيد والتنزه عن الشرك والأولاد والشرائع التي من جملتها ما خالفوه من امر الحل والحرمة بِأَفْواهِهِمْ بأقاويلهم الباطلة الخارجة منها من غير ان يكون لها مصداق تنطبق عليه واصل تستند اليه حسبما حكى عنهم وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ انما صح الاستثناء المفرغ من الموجب لكونه بمعنى النفي اى لا يريد الله شيأ من الأشياء الا إتمام نوره بإعلاء كلمة التوحيد وإعزاز دين الإسلام وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ جواب لو محذوف لدلالة ما قبله عليه والجملة معطوفة على جملة قبلها مقدرة كلتاهما فى موقع الحال اى لا يريد الله الا إتمام نوره ولو لم يكره الكافرون ذلك بل ولو كرهوا اى على كل حال مفروض وقد حذفت الاولى فى الباب حذفا مطردا لدلالة الثانية عليها دلالة واضحة لان الشيء إذا تحقق عند المانع فلان يتحقق عند عدمه اولى

چراغى را كه ايزد بر فروزد

كسى كش پف كند سبلت بسوزد

هُوَ الَّذِي اى الذي لا يريد شيأ الا إتمام نوره ودينه هو الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ملتبسا بِالْهُدى اى القرآن الذي هو هدى للمتقين وَدِينِ الْحَقِّ اى الدين الحق وهو دين الإسلام لِيُظْهِرَهُ اى ليغلب الرسول عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ اى على اهل الأديان كلهم فالمضاف محذوف او ليظهر الدين الحق على سائر الأديان بنسخه إياها حسبما تقتضيه الحكمة واللام فى ليظهره لاثبات السبب الموجب للارسال فهذه اللام لام الحكمة والسبب شرعا ولام العلة عقلا لان افعال الله تعالى ليست بمعللة بالأغراض عند الاشاعرة لكنها مستتبعة لغايات جليله. فنزل ترتب الغاية على ما هى ثمرة له منزلة ترتب الغرض على ما هو غرض له وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ذلك الإظهار ووصفهم بالشرك بعد وصفهم بالكفر للدلالة على انهم ضموا الكفر بالرسول الى الكفر بالله قال ابن الشيخ وغلبة دين الحق على سائر الأديان تكون على التزايد ابدا وتتم عند نزول عيسى عليه السلام لما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى نزول عيسى ويهلك فى زمانه الملل كلها الا الإسلام وقيل ذلك عند خروج المهدى فانه حينئذ لا يبقى أحد إلا دخل فى الإسلام والتزم أداء الخراج وفى الحديث (لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا الا إدبارا ولا الناس الا شحا ولا تقوم الساعة الا على شرار الناس ولا مهدى الا عيسى بن مريم) ومعناه لا يكون أحد صاحب المهدى الا عيسى بن مريم فانه ينزل لنصرته وصحبته والمهدى الذي من عترة النبي عليه السلام امام عادل ليس بنبي ولا رسول والفرق بينهما ان عيسى هو المهدى المرسل الموحى اليه والمهدى ليس بنبي موحى اليه وايضا ان عيسى خاتم الولاية المطلقة والمهدى خاتم الخلافة المطلقة وكل منهما يخدم هذا الدين الذي هو خير الأديان وأحبها الى الله تعالى وعن بعض الروم قال كان سبب إسلامي انه غزانا المسلمون فكنت أساير جيشهم فوجدت غزاة فى الساقة فاسرت نحو عشرة نفر وحملتهم على البغال بعد ان قيدتهم وجعلت مع كل واحد منهم رجلا موكلابه فرأيت فى بعض الأيام رجلا من الأسرى يصلى فقلت للموكل به

ص: 416

فى ذلك فقال لى انه فى كل وقت صلاة يدفع الىّ دينارا فقلت وهل معه شىء قال لا ولكنه إذا فرغ من صلاته ضرب بيده الى الأرض ودفع لى ذلك فلما كان الغد لبست ثوبا خلقا وركبت فرسادونا وسرت مع الموكل لا تعرف صحة ذلك فلما دنا وقت صلاة الظهر أومى الى ان يدفع لى دينارا حتى اتركه يصلى فاشرت اليه انى لا آخذ إلا دينارين فاومى برأسه نعم فلما فرغ من صلاته رأيته قد ضرب بيده الى الأرض فدفع الى منها دينارين فلما كان وقت العصر أشار كالمرة الاولى فاشرت اليه انى لا آخذ الا خمسة دنانير فاشار الى بالاجابة فلما فرغ من صلاته فعل كفعله الاول فدفع الىّ خمسة دنانير فلما كان وقت المغرب أشار كذلك فقلت لا آخذ الا عشرة فاجابنى فلما صلى فعل كما تقدم فدفع الىّ عشرة فلما نزلنا وأصبحنا دعوت به وسألته عن خبره وخيرته فى رجوعه الى بلاد الإسلام فاختار الرجوع فاركبته بغلا ودفعت له زادا وحملته بنفسي على البغل فقال أماتك الله تعالى على أحب الأديان اليه فوقع فى قلبى من ذلك الوقت الإسلام فعلى المؤمن المخلص ان يعظم الرسول الذي أرسله الله بهذا الدين الحق وقد عظمه الله ورفع ذكره وكتب اسمه على صفحات الكون قال بعض الشيوخ دخلت بلاد الهند فوصلت الى مدينة رأيت فيها شجرة تحمل ثمرا يشبه اللوز له قشرة فاذا كسرت خرجت منها ورقة خضراء مطوية مكتوب عليها بالحمرة لا اله الا الله محمد رسول الله كتابة هندية واهل الهند يتبركون بها ويستسقون بها إذا منعوا الغيث ويتضرعون عندها فحدثت بهذا الحديث أبا يعقوب الصياد فقال لى ما استعظم هذا كنت بالأيلة فاصطدت سمكة مكتوب على اذنها اليمنى لا اله الا الله وعلى اليسرى محمد رسول الله فقذفت بها الى الماء وانما قذف بها احتراما لها لما عليها من اسم الله تعالى واسم رسوله عليه السلام

شهباز هواى قاب قوسين

پر شد ز تو آشيان كونين

وفى الحديث (لا تجعلونى كقدح الراكب) اى لا تنسونى فى حالة الشدة والرخاء (ولا تذكرونى كصنيع الراكب مع قدحه المعلق فى مؤخر رحله إذا احتاج اليه من العطش استعمله وإذا لم يحتج اليه تركه) وقيل لا تجعلونى فى آخر الدعاء فان اللائق ان يذكر اسمه الشريف اولا وآخرا ويجعل الدعاء له عنوان الادعية

هر چند شد آخرين مقدم

شد بر همه نور تو مقدم

جعلنا الله وإياكم من خدام عتبة بابه والمتقربين بكل وسيلة الى عالى جنابه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ اى علماء اليهود وهم من ولد هارون وَالرُّهْبانِ وهم اصحاب الصوامع من النصارى جمع راهب وقد سبق لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ يأخذونها بطريق الرشوة لتغيير الاحكام والشرائع والتخفيف والمسامحة فيها ويوهمون الناس انهم حذاق مهرة فى تأويل الآية وبيان مراد الله تعالى منها يقول الفقير وهكذا يفعل المفتون الماجنون والقضاة الجائرون فى هذا الزمان يفتون على مراد المستفتى طمعا لما له ويقضون بمرجوح الأقوال بل على خلاف الشرح ويرون ان لهم فى ذلك سندا

ص: 417

قويا قاتلهم الله وانما عبر عن الاخذ بالأكل مع ان المذموم منهم مجرد أخذها بالباطل اى بطريق الارتشاء سواء أكلوا ما أخذوه أو لم يأكلوا بناء على ان الاكل معظم الغرض من الاخذ وَيَصُدُّونَ اى يمنعون الناس عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عن دين الإسلام او يعرضون عنه بانفسهم بأكلهم الأموال بالباطل وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ اى يجمعونهما ويحفظونهما سواء كان ذلك بالدفن او بوجه آخر والكنز فى كلام العرب هو الجمع وكل شىء جمع بعضه الى بعض فهو مكنوز يقال هذا جسم مكتنز الاجزاء إذا كان مجتمع الاجزاء وسمى الذهب ذهبا لانه يذهب ولا يبقى وسميت فضة لانها تنفض اى تنفرق ولا تبقى وحسبك بالاسمين دلالة على فنائهما وانه لا بقاء لهما- يقال- لما خرج آدم عليه السلام من الجنة بكى له كل شىء فيها إلا شجرة العود والذهب والفضة فقال الله تعالى لو كان فى قلوبكم رأفة لبكيتم من خوفى ولكن من قسا قلبه أحرقته بالنار وعزتى وجلالى لا يصاغ منكم حلقة ولا دينار ولا درهم ولا سوار الا بتوقد النار وأنت يا شجرة العود لا تبرحي فى النار والأحزان الى يوم القيامة. ثم المراد بالموصول ما يعم الكثير من الأحبار والرهبان وغيرهم من المسلمين الكانزين الغير المنفقين وهو مبتدأ خبره فبشرهم وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ اى لا ينفقون منها اى يؤدون زكاتها ولا يخرجون حق الله منها فحذف من وأريد إثباتها بدليل قوله تعالى فى آية اخرى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً وقال عليه السلام (فى مائتى درهم خمسة دراهم وفى عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال) ولو كان الواجب انفاق جميع المال لم يكن لهذا التقدير وجه كما فى تفسير الحدادي وانما قيل ولا ينفقونها مع ان المذكور شيآن لان المراد بهما دنانير ودراهم كثيرة وقيل الضمير يعود على الأموال او على الكنوز المدلول عليها بالفعل او على الفضة لكونها اقرب فاكتفى ببيان أحدهما عن بيان الآخر ليعلم بذلك كقوله تعالى وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وكذا الكلام فى قوله عَلَيْها الآتي فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وضع الوعيد لهم بالعذاب موضع البشارة بالتنعم لغيرهم يَوْمَ منصوب بعذاب يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ يقال حميت النار اى اشتدت حرارتها اى يوم توقد النار الحامية اى الشديدة الحرارة على تلك الدنانير والدراهم وعليها فى موضع رفع لقيامه مقام الفاعل فَتُكْوى [پس داغ كرده شود] بِها [بدان دينارها ودرمهاى سوزان] جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ وانما تكوى هذه الأعضاء دون غيرها لان الغنى إذا رأى الفقير الطالب للزكاة كان يعبس جبهته وإذا بالغ فى السؤال يعرض عنه بجنبه وإذا بالغ يقوم من موضعه ويولى ظهره ولم يعطه شيأ غالبا أو لأن مقصود الكانز من جميع المال لما كان طلب الوجاهة بالغنى تعلق الكي بأعلى وجهه وهو الجبهة ولما قصد به ايضا التنعم بالمطاعم الشهية التي ينتفخ بسببها جنباه وبالملابس البهية التي يلقيها على ظهره تعلق الكي بالجنوب والظهور ايضا هذا ما كَنَزْتُمْ اى يقال لهم حين الكي فى ذلك اليوم هذا ما جمعتم فى دار الدنيا لِأَنْفُسِكُمْ اى لمنفعتها فكان عين مضرتها وسبب تعذيبها فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ

ص: 418

تَكْنِزُونَ

اى وبال كنزكم فما مصدرية والمضاف محذوف لان المعنى المصدري ليس بمذوق وانما يذاق وباله وعذابه وانما ذاقوه فى الآخرة لانهم فى الدنيا فى منام الغفلة عن الآخرة والنائم لا يذوق ألم الكي فى النوم وانما يذوقه عند الانتباه والناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا

مردمان غافلند از عقبى

همه كويا بخفتگان مانند

ضرر غفلتى كه مى ورزند

چون بميرند آنگهى دانند

[در امالى امام ظهير الدين ولواجى مذكور است كه. اگر ديگران خزينه مال كنند تو خزانه اعمال كن. واگر ديگران كنوز اعراض فانيه جويند تو رموز اسرار باقيه جوى]

يكدرم كان دهى بدرويشى

بهتر از كنجهاى مدخرست

زانچهـ دارى تمتعى بر دار

كان دكر روزى كسى دكرست

وفى الحديث (ما من صاحب كنز لا يؤدى زكاته الا احمى عليها فى نار جهنم فتجعل صفائح فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره حتى يحكم الله بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار وما من صاحب ابل لا يؤدى زكاتها الأبطح لها بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها واخفافها) اى ترفع يديها (وتطرحهما معا على صاحبها كلما مضى عليه آخرها رد عليه أولها حتى يحكم الله بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار وما من صاحب غنم لا يؤدى زكاتها الأبطح لها بقاء قرقر تطأه باظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها جماع ولا منكسر قرنها كلما مضى عليه آخرها رد عليها أولها حتى يقضى الله بين عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار) واعلم ان الزكاة شكر لنعمة المال كما ان الصوم والصلاة والحج شكر لنعمة الأعضاء ولذا صارت صلاة الضحى شكر النعمة ثلاثمائة وستين مفصلا فى البدن وهى اى الزكاة تمليك خمسة دراهم فى مائتين للفقير المسلم لله تعالى ولرضاه فالتمليك رجاء للعوض ليس بزكاة وعائل يتيم لو أطعمه من زكاته صح خلافا لمحمد لوجود الركن وهو التمليك وهذا إذا سلم الطعام اليه واما إذا لم يدفع اليه فلا يجوز لعدم التمليك وهذا ايضا إذا لم يستخدمه فلو دفع شيأ من زكاته الى خادمه الغير المملوك وجاء للعوض وهو خدمته لم يكن لله تعالى وهذا غافل عنه اكثر الناس ولو أنفق على أقاربه بنية الزكاة جاز الا إذا حكم عليه بنفقتهم قالوا الأفضل فى صرف الزكاة ان يصرفها الى اخوته ثم أعمامه ثم أخواله ثم ذوى الأرحام ثم جيرانه ثم اهل سكنه ثم اهل مصره والفرق بين الزكاة وصدقة الفطر انه لا يجوز دفع الزكاة لذمى بخلاف صدقة الفطر ولا وقت لها ولصدقة الفطر وقت محدود يأثم بالتأخير عن اليوم الاول قال الفقهاء افتراض الزكاة عمرى وقيل فورى وعليه الفتوى فيأثم بتأخيرها وترد شهادته. أي رجل يستحب له اخفاؤها فقل الخائف من الظلمة حتى لا يعلموا كثرة ماله. أي رجل غنى عند الامام فلا تحل له فقير عند محمد فتحل له فقل من له دور يستغلها ولا يملك نصابا فمن

ص: 419

كان له دار لا تكون للسكنى ولا للتجارة وقيمتها تبلغ النصاب يجب بها صدقة الفطر دون الزكاة ولو اشترى زعفرانا ليجعله على كعك التجارة لا زكاة فيه ولو كان سمسما وجبت والفرق ان الاول مستهلك دون الثاني والملح والحطب للطباخ والحرض والصابون للقصار والشب والقرظ للدباغ كالزعفران والعصفر والزعفران للصباغ كالسمسم كذا فى الأشباه ثم المعتبر فى الذهب والفضة الوزن وجوبا وأداء لا الذي يروج بين الناس من ضرب الأمير وجاز دفع القيمة فى زكاة وكفارة غير الاعتاق وعشر ونذر وإذا قال الناذر على ان أتصدق اليوم بهذا الدرهم على هذا الفقير فتصدق غدا بدرهم آخر على غيره يجزئه عندنا ولا تؤخذ الزكاة من تركته بغير وصية وان اوصى اعتبرت من الثلث والمريض إذا خاف من ورثته يخرجها سرا عنهم إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ العدة مصدر بمعنى العدد أي ان عدد الشهور التي تتعلق بها الاحكام الشرعية من الحج والعمرة والصوم والزكاة والأعياد وغيرها وهى الشهور العربية القمرية التي تعتبر من الهلال الى الهلال وهى تكون مرة ثلاثين يوما ومرة تسعة وعشرين ومدة السنة القمرية ثلاثمائة واربعة وخمسون يوما وثلث يوم دون الشهور الرومية والفارسية التي تكون تارة ثلاثين يوما وتارة أحدا وثلاثين ومدة السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وللشمس اثنا عشر برجا تسير فى كلها فى سنة والقمر فى كل شهر وهى حمل ثور جوزاء سرطان اسد سنبلة ميزان عقرب قوس جدى دلو حوت واصطلحوا على ان جعلوا ابتداء السنة الشمسية من حين حلول مركز الشمس نقطة رأس الحمل الى عودها الى تلك النقطة لان الشمس إذا حلت هناك ظهر فى النبات قوة ونشو ونماء وتغير الزمان من رثاثة الشتاء الى نضارة الربيع واعتدل الزمان فى كيفيتى الحر والبرد. ولما كانت السنة عند العرب عبارة عن اثنى عشر شهرا من الشهور القمرية وكانت السنة القمرية اقل من السنة الشمسية بمقدار وبسبب ذلك النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل الى فصل كان الحج والصوم والفطر يقع تارة فى الصيف واخرى فى الشتاء. ولما كانت عند سائر الطوائف عبارة عن مدة تدور فيها الشمس دورة تامة كانت أعيادهم وصومهم تقع فى موسم واحد ابدا عِنْدَ اللَّهِ اى فى حكمه وهو ظرف لقوله عدة اثْنا عَشَرَ خبر لان شَهْراً تمييز مؤكد كما فى قولك عندى من الدنانير عشرون دينارا فِي كِتابِ اللَّهِ صفة لاثنا عشر والتقدير اثنا عشر شهرا مثبتة فى كتابه وهو اللوح المحفوظ وانما قال فى كتاب الله لان كثيرا من الأشياء توصف بانها عند الله ولا يقال انها فى كتاب الله يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ظرف منصوب بما تعلق به قوله فى كتاب الله اى مثبتة فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض اى منذ خلق الاجرام اللطيفة والكثيفة وانما قال ذلك لان الله تعالى اجرى الشمس والقمر فى السموات يوم خلق الله السموات والأرض فمبلغ عدد الشهور اثنا عشر من غير زيادة أولها المحرم وآخرها ذو الحجة وانما خصت باثنى عشر لانهم كانوا ربما جعلوها ثلاثة عشر وذلك انهم كانوا يؤخرون الحج فى كل عامين من شهر الى آخر ويجعلون الشهر الذي انسأوا فيه اى أخروا ملغى فتكون تلك السنة ثلاثة عشر شهرا ويكون العام الثاني على ما كان عليه

ص: 420

الاول سوى ان الشهر الملغى فى الاول لا يكون فى العام الثاني وعلى هذا تمام الدورة فيستدير حجهم فى كل خمس وعشرين سنة الى الشهر الذي بدىء منه ولذا خرج الحساب من أيديهم وربما يحجون فى بعض السنة فى شهر ويحجون من قابل فى غيره الى ان كان العام الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصادف حجهم ذا الحجة فوقف بعرفة يوم التاسع وأعلمهم بطلان النسيء كما سيجيئ وهذه الشهور قد نظمها بعضهم بقوله

چون محرم بگذرد آيد بنزد تو صفر

پس ربيعين وجمادين ورجب آيد ببر

باز شعبانست وماه صوم وعيد وذى القعد

بعد از ان ذى الحجة نام ماهها آيد بسر

. اما المحرم فسمى بذلك لانهم كانوا يحرمون القتال فيه حتى ان أحدهم كان يظفر بقاتل أبيه او ابنه فلا يكلمه ولا يتعرض له. واما صفر فسمى بذلك لخلوهم من الطعام وخلو منازلهم من الزاد ولذلك كانوا يطلبون الميرة فيه ويرحلون لذلك يقال صفر السقاء إذا لم يكن فيه شىء والصفر الخالي من كل شىء كذا فى التبيان وقال فى شرح التقويم سمى بذلك لخلوه عن التحريم الذي كان فى المحرم. واما الربيعان فسميا بذلك لان العرب كانت تربع فيهما لكثرة الخصب فيهما. والربيع عند العرب اثنان ربيع الشهور وربيع الازمنة. اما ربيع الشهور فهو شهران بعد صفر اى ربيع الاول وربيع الآخر بتنوين ربيع على ان الاول صفته وكذا الآخر والاضافة غلط. واما ربيع الازمنة فهو ايضا اثنان الربيع الاول وهو الذي تأتى فيه الكماة والنور ويسمونه ربيع الكلاء والربيع الثاني وهو الفصل الذي تدرك فيه الثمار فربيعا الشهور لا يقال فيهما الأشهر ربيع الاول وشهر ربيع الآخر ليمتازا عن الربيعين فى الازمنة. واما الجماديان فسميا بذلك لان الماء كان يجمد فيهما لشدة البرد فيهما كذا فى التبيان وقال فى شرح التقويم جمادى الاولى بضم الجيم وفتح الدال فعالى من الجمد بضم الجيم والميم وسكون الميم لغة فيه وهو المكان الصلب المرتفع الخشن وانما سمى بذلك لان الزمان فى أول وضع هذا الاسم كان حارا والامكنة فى الصلابة والارتفاع والخشونة من تأثير الحرارة وجمادى الآخرة تالية للشهر المتقدم فى المعنى المذكور قال ابن الكمال جمادى الاولى والآخرة فعالى كحبارى والدال مهملة والعوام يستعملونها بالمعجمة المكسورة ويصفونها بالأول فيكون فيها ثلاث تحريفات قلب المهملة معجمة والفتحة كسرة والتأنيث تذكيرا. وكذا جمادى الآخرة يقولون جمادى الآخر بلا تاء والصحيح الآخرة بالتاء او الاخرى وهما معرفتان من اسماء الشهور فادخال اللام فى وصفهما صحيح. وكذا ربيع الاول وربيع الآخر فى الشهور واما ربيع الازمنة فالربيع الاول باللام انتهى. واما رجب فسمى بذلك لان العرب فى الجاهلية كانوا يعظمونه ويتركون فيه القتال والمحاربة يقال رجبته بالكسر اى عظمته والترجيب التعظيم وكانوا يسمونه رجب مضر وهو اسم قبيلة لكونه أشد تعظيما له من بقية العرب ولذلك قال عليه السلام فيه (رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) وانما وصف رجب بقوله الذي للتأكيد او لبيان ان رجب الحرام هو الذي بينهما الا ما كانوا يسمونه رجب على حساب النسيء او يسمون رجب وشعبان رجبين فيغلبون رجب عليه وربما يقال شعبانان تغليبا له على رجب. واما شعبان فسمى بذلك

ص: 421

لانهم كانوا يتفرقون ويتشعبون من التشعيب وهو التفريق. واما رمضان فسمى بذلك لشدة الحر الذي كان يكون فيه حتى ترمض الفصال كما قيل للشهر الذي يحج فيه ذو الحجة قال فى شرح التقويم الرمض شدة وقع الشمس على الرمل وغيره وسبب تسمية هذا الشهر بهذا الاسم ان العرب كانت تسمى الشهور بلوازم الازمنة التي كانت الشهور واقعة فيها وكانت اللوازم وقت التسمية هاهنا رمض الجر اى شدته انتهى. وقيل سمى رمضان لانه ترمض فيه الذنوب رمضا اى تغفر. وكان مجاهد يكره ان يقول رمضان ويقول لعله اسم من اسماء الله فالوجه ان يقال شهر رمضان لما روى (لا تقولوا جاء رمضان وذهب رمضان ولكن قولوا جاء شهر رمضان فان رمضان اسم من اسماء الله تعالى) على ما فى التيسير قال فى التلويح العلم هو شهر رمضان بالاضافة ورمضان محمول على الحذف للتخفيف ذكره فى الكشاف وذلك لانه لو كان رمضان علما لكان شهر رمضان بمنزلة انسان زيد ولا يخفى قبحه ولهذا كثر فى كلام العرب شهر رمضان ولم يسمع شهر رجب وشهر شعبان على الاضافة انتهى قال المولى حسن چلبى قد يمنع القبح بان الاضافة البيانية شائعة عرفا فلا مجال لاستقباحها بعد ان تكون مطردة انتهى. واما شوال فسمى بذلك لانه يشول الذنوب اى يرفعها ويذهبها لانه من شال يشول إذا رفع الشيء ومن ذلك قولهم شالت الناقة بذنبها اى رفعته إذا طلبت الضراب كذا فى التبيان وقال فى شرح التقويم هو من الشول وهو الخفة من الحرارة فى العمل والخدمة

وانما سمى بذلك لخروج الإنسان فيه عن مخالفة النفس الامارة وقمع شهواتها اللذين كانا فى الإنسان فى رمضان بإطلاق طوع المستلذات والمشتهيات فعند خروجه عن ذلك كان يجد خفة فى نفسه ويستريح. واما ذو القعدة فسمى بذلك لانهم كانوا يقعدون فيه لكثرة الخصب فيه او يقعدون عن القتال قال فى شرح التقويم انما سمى هذا الشهر بهذا الاسم لانه زمان يحصل فيه قعود مكة. والقعدة بفتح القاف وسكون العين المهملة قال ابن ملك قولهم ذو القعدة وذو الحجة يجوز فيهما فتح القاف والحاء وكسرهما لكن المشهور فى القعدة الفتح وفى الحجة الكسر. واما ذو الحجة فسمى بذلك لانهم كانوا يحجون فيه وقال فى كتاب عقد الدرر واللآلي فى فضائل الأيام والشهور والليالى تكلم بعض اهل العلم على معانى اسماء الشهور فقال كانت العرب إذا رأوا السادات تركوا العادات وحرموا الغارات قالوا المحرم. وإذا مرضت أبدانهم وضعفت اركانهم واصفرت ألوانهم قالوا صفر. وإذا نبتت الرياحين واخضرت البساتين قالوا ربيعين. وإذا قلت الثمار وبرد الهواء وانجمد الماء قالوا جماديين. وإذا ماجت البحار وجرت الأنهار ورجبت الأشجار قالوا رجب. وإذا تشعبت القبائل وانقطعت الوسائل قالوا شعبان. وإذا حر الفضاء ورمضت الرمضاء قالوا رمضان. وإذا ارتفع التراب وكثر الذباب وشالت الإبل الاذناب قالوا شوال. وإذا رأوا التجار قعدوا من الاسفار والمماليك والأحرار قالوا ذو القعدة. وإذا قصدوا الحج من كل فج ووج وكثر العج والثج قالوا ذو الحجة انتهى مِنْها اى من تلك الشهور الاثني عشر أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ واحد فرد وهو رجب وثلاثة سرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم. والحرم بضمتين جمع الحرام اى اربعة أشهر حرم

ص: 422

يحرم فيها القتال جعلت انفس الأشهر حرما لكونها ازمنة لحرمة ما حل فيها من القتال وهو من قبيل اسناد الحكم الى ظرفه اسنادا مجازيا واجزاء الزمان وان كانت متشابهة فى الحقيقة الا انه تعالى له ان يميز بعض الأمور المتشابهة بمزيد حرمة لم يجعلها فى البعض الآخر. كما ميز يوم الجمعة. ويوم عرفة بحرمة لم يجعلها فى سائر الأيام حيث خصهما بعبادة مخصوصة تميزا بها عن سائر الأيام. وكذا ميز شهر رمضان عن سائر الشهور بمزيد حرمة لم يجعلها لسائر الشهور. وميز بعض ساعات الليل والنهار بان جعلها اوقاتا لوجوب الصلاة فيها. وكما ميز الأماكن والبلدان وفضلها على سائرها كالبلد الحرام والمسجد الحرام فخص الله تعالى بعض الأوقات وبعض الأماكن بمزيد التعظيم والاحترام فلا بعد فى تخصيص بعض الأشهر بمزيد الحرمة بان جعل انتهاك المحارم فيها أشد وأعظم من انتهاكها فى سائر الأشهر ويضاعف فيها السيئات بتكثير عقوباتها ويضاعف فيها الحسنات بتكثير مثوباتها وفى اسئلة الحكم فضل الأشهر والأيام والأوقات بعضها على بعض كما فضل الرسل والأمم بعضها على بعض لتبادر النفوس وتسارع القلوب الى إدراكها واحترامها وتتشوق الأرواح الى إحيائها بالتعبد فيها ويرغب الخلق فى فضائلها. واما تضاعف الحسنات فى بعضها فمن المواهب اللدنية والاختصاصات الربانية وفى الاسرار المحمدية ان الله تعالى إذا أحب عبدا استعمله فى الأوقات الفاضلات بفواضل الأعمال الصالحات وإذا مقته والعياذ بالله شتت همه واستعمله بسيىء الأعمال وأوجع فى عقوبته وأشد لمقته بحرمان بركة الوقت وانتهاك حرمته فليبذل المريد كل وسعه حتى لا يغفل عنها اى عن الأوقات الفاضلة فانها موسم الخيرات ومظانّ التجارات ومتى غفل التاجر عن المواسم لم يربح ومتى غفل عن فضائل الأوقات لم تنحج دع التكاسل تغنم قد جرى مثل [كه زاد راهروان جستيست و چالاكى] واتفق اهل العلم على افضلية شهر رمضان لانه انزل فيه القرآن. ثم شهر ربيع الاول لانه مولد حبيب الرحمن. ثم رجب لانه فرد لانه فرد أشهر الحرم. ثم شعبان لانه شهر حبيب الرحمن مقسم الأعمال والآجال بين شهرين عظيمين رجب ورمضان ففيه فضل الجوارين العظيمين ليس لغيره. ثم ذو الحجة لانه موطن الحج والعشر التي تعادل كل ليلة منها ليلة القدر. ثم المحرم شهر الأنبياء عليهم السلام ورأس السنة واحد الأشهر الحرم ثم الأقرب الى أفضل الأشهر من وجوه ذلِكَ اى تحريم الأشهر الاربعة المعينة هو الدِّينُ الْقَيِّمُ المستقيم دين ابراهيم وإسماعيل عليهما السلام والعرب ورثوه منهما حتى أحدثت النسيء فغيروا فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ بهتك

حرمتهن وارتكاب ما حرم فيهن قال فى التبيان قال فى الاثني عشر منها فوحد الضمير لانه للكثرة. وقال فى الاربعة فيهن فجمع الضمير لانه للقلة وسببه ان الضمير فى القلة للمؤنث يرجع بالهاء والنون وفى الكثرة يرجع بالهاء والالف للفرق بين القلة والكثرة والجمهور على ان حرمة القتال فيهن منسوخة واوّلوا الظلم بارتكاب المعاصي فيهن فانه أعظم وزرا كارتكابها فى الحرم وخلال الإحرام يعنى ان هذه الأشهر الاربعة خصت بالنهى عن ظلم النفس فيها مع ان الظلم حرام فى كل وقت لبيان ان الظلم فيها اغلظ كأنه قيل فلا تظلموا فيهن خصوصا أنفسكم وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً مصدر كف فان

ص: 423

مصدر الثلاثي قد يجىء على فاعلة نحو عافية ومعناه معنى كل وجميع وهو منصوب على الحال اما من الفاعل وهو الواو فالمعنى قاتلوا جميعا المشركين اى مجتمعين على قتالهم متعاونين متناصرين ومن التعاون الدعاء بالنصرة إذ هو سلاح معنوى كما ان السيف سلاح صورى فمن تأخر ودعا فقلبه مجتمع بمن اقدم وغزا إذ التفرق الصوري لا يقدح فى الاجتماع المعنوي: كما قال الحافظ

در راه عشق مرحله قرب وبعد نيست

مى بينمت عيان ودعا مى فرستمت

كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً كذلك اى مجتمعين واما من المفعول فالمعنى قاتلوا المشركين جميعا اى بكليتهم ولا تتركوا القتال مع بعضهم كما انهم يستحلون قتال جميعكم واما منهما معها نحو ضرب زيد عمرا قائمين فان المصدر عام للتثنية والجمع. فجميع المؤمنين يقاتل جميع الكافرين ويجوز ان يكون منصوبا على الظرف اى فى الحل والحرم وفى جميع الأزمان فى الأشهر الحرم وفى غيرها والى الابد فان الجهاد مستمر الى آخر الزمان وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ اى معكم بالنصر والامداد فيما تباشرون من القتال وانما وضع المظهر موضعه مدحالهم بالتقوى وحثا للقاصرين عليه وإيذانا بانه المدار فى النصر كذا فى الإرشاد وقال القاضي هى بشارة وضمان لهم بالنصرة بسبب تقواهم فان السلاح والدعاء لا ينفذان الا بالتقوى على مراتبها فكلمة التقوى هى كلمة الشهادة وبها بقي المؤمن نفسه وماله وعياله من التعرض فى الدنيا ومن العذاب فى العقبى ثم انها إذا قارنت بشرائطها الظاهرة والباطنة يحصل تقوى القلب وهو التخلي عن الأوصاف الذميمة ثم يحصل تقوى السر وهو التخلي عما سوى الله فمن كان لله كان الله له بالنصرة والامداد واعلم ان السيف سيفان سيف ظاهر وهو سيف الجهاد الصوري وسيف باطن وهو سيف الجهاد المعنوي فبالاول تنقطع عروق الكفرة الظاهرة الباغية وبالثاني عروق القوى الباطنة الطاغية والاول بيد مظهر الاسم الظاهر وهو السلطان وجنوده والثاني بيد مظهر الاسم الباطن وهو القطب وجنوده فنسأل الله تعالى ان ينصر سلطاننا بالاسم الممد والناصر والمعين ويخذل أعدائنا بالاسم المنتقم والقهار وذى الجلال: وقد قال السعدي

دعاى ضعيفان اميدوار

ز بازوى مردى به آيد بكار

ففى الآية حث على المجاهدة مع الأعداء وفى الحديث (القتل فى سبيل الله مصمصة) اى مطهرة غاسلة من الذنوب يقال مصمص الإناء إذا جعل فيه الماء وحركه ومضمضه كذلك عن الأصمعي كذا فى تاج المصادر وفى الحديث (ان أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) يعنى كون المجاهد فى القتال بحيث يعلوه سيوف الأعداء سبب للجنة حتى كان ابوابها حاضرة معه او المراد بالسيوف سيوف المجاهد هذا كناية عن الدنو من العدو فى الضراب لانه إذا دنا منه كان تحت ظل سيفه حين رفعه ليضربه وانما ذكر السيوف لانها اكثر سلاح العرب ومن التقوى الاحتراز عن الرياء والسمعة فى حضور معارك الحروب ومحافل الدعاء: قال خسرو الدهلوي

غازىء رسمى كه بغارت رود

هست چوحاجى كه تجارت رود

آنكه غزا خوانى وجويى رضا

كر غرضى هست نباشد غزا

رو بغزا دل غرض آلوده واى

جهد خود است اين نه جهاد خداى

ص: 424

والاشارة إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ اى تعديد عدة الشهور عِنْدَ اللَّهِ فى الأزل اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ فى علم الله يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ يعنى اقتضت الحكمة الإلهية الازلية ان يكون من الشهور يوم خلق السموات والأرض اربعة أشهر حرم اى يعظم انتهاك المحارم فيها باشد مما يعظم فى غيرها بل هى أشهر الطاعات والعبادات محرمة فيها الشواغل الدنيوية والحظوظ النفسانية على الطلاب. وفيه اشارة الى ان ايام الطالب واوقات عمره ينبغى ان تصرف جملتها فى الطلب فان لم يتيسر له ذلك فثلثها والا فنصفها وان لم يكن فمحرم صرف ثلثها فى غير الطلب ولا يفلح من نقص من صرف الثلث شيأ فى الطلب إذ لا بد له من صرف بعض عمره فى تهيىء معاشه ومعاش اهله وعياله ومن استغنى عن هذا المانع فمحرم عليه صرف لحظة من عمره فى غير الطلب وتوابعه كما قال ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ اى المستقيم يعنى من صرف شيأ من عمره فى شىء غير طلب الحق ما استقام دينه بل فيه اعوجاج بقدر ذلك فافهم جدا ثم قال فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ اى فى ثلث العمر لان الاربعة هى ثلث الاثني عشر يعنى ان صرفتم شيأ من ثلث اعماركم المحرم فى شىء من المصالح الدنيوية فقد ظلمتم أنفسكم باستيلائها على القلوب والأرواح عند غلبات صفاتها لانه مهما يكن صرف اكثر العمر فى الدنيا ومصالحها واستيفاء الحظوظ النفسانية تكون النفس غالبة على القلب والروح فتخالفهما وتنازعهما بجميع صفاتها الذميمة وتميل الى الدنيا وشهواتها وتعبد هواها فتكون مشركة بالله فلهذا قال وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً اى قلوبكم وصفاتها وأرواحكم وصفاتها كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً اى النفوس وصفاتها جميعا ومقاتلة النفوس بمخالفتها وردعها عن هواها وكسر صفاتها ومنعها عن شهواتها وشغلها بالطاعات والعبادات واستعمالها فى المعاملات الروحانية والقلبية وجملتها التزكية عن الأوصاف الذميمة والتحلية بالأخلاق الحميدة ثم قال وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ وهم القلوب والأرواح المتقية عن الشرك يعنى عن الالتفات لغير الله ولو لم يكن الله معهم بالنصر والتوفيق لما اتقوا وانما اتقوا بالله عما سواه كذا فى التأويلات النجمية إِنَّمَا النَّسِيءُ مصدر نسأه اى أخره كمس مسيسا كانت العرب إذا جاء شهر حرام وهم محاربون احلوه وحرموا مكانه شهرا آخر حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد قال الكاشفى [آورده اند كه طباع اهل جاهليت بقتل وغارت مستأنس شده بود ودر ماههاى حرام قتال نميكردند و چون سه ماه متصل حرام بود بتنك آمده گفتند ما سه ماه پى در پى بى تاراج وغارت تحمل نداريم پس قلمش كنانى صورتى بر انگيخت ودر موسم ندا كرد وايستاده شد وخطبه خواند كه يا معشر العرب خداى شما را درين محرم حلال كردانيد وحرمت او را تأخير كرد بماه صفر مردمان قول او را قبول نمودند باز سال ديگر منادى فرمود كه خداى تعالى درين سال محرم را حرام ساخت وصفر را حلال كرد وكاه بودى كه در اثناى محاربات ايشان حرام نوشتى حرمت او را تأخير كردندى بما هى بعد ازو او را حلال داشتندى ودر هر سالى چهار ماه را حرام ميدانستند اما اختصاص أشهر حرم را فرو گذاشته مجرد عدد را اختيار كردندى واعتبار داشتندى واين عمل را نسىء مى گفتند حق سبحانه وتعالى فرمود] إِنَّمَا النَّسِيءُ اى انما تأخير حرمة شهر الى شهر آخر زِيادَةٌ [افزونيست]

ص: 425

فِي الْكُفْرِ لانه تحليل ما حرمه الله وتحريم ما حلله فهو كفر آخر مضموم الى كفرهم وبدعة زائدة على بدع سائر الكفار يُضَلُّ على بناء المفعول من أضل بِهِ [بدين عمل] وهو النسيء الَّذِينَ كَفَرُوا والمضل هو الله تعالى اى يخلق فيهم الضلال عند مباشرتهم لمباديه وأسبابه او الرؤساء فالموصول عبارة عن الاتباع اى الاتباع يضلون به بإضلال الرؤساء او الشيطان فانه مظهر الاسم المفضل يقول الفقير سمعت من حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة ان الشيطان والنفس والضلال امر واحد فى الحقيقة لكن الاول بحسب الشريعة والثاني بحسب الطريقة والثالث بحسب الحقيقة فلكل مقام تعبير لا يناسب تعبير المقام الآخر يُحِلُّونَهُ اى الشهر المؤخر فالضمير الى النسيء المدلول عليه بالنسيىء عاماً من الاعوم ويحرمون مكانه شهرا آخر مما ليس بحرام وَيُحَرِّمُونَهُ اى يحافظون على حرمته كما كانت

والتعبير عن ذلك بالتحريم باعتبار احلالهم له فى العام الماضي عاماً آخر إذا لم يتعلق بتغييره غرض من أغراضهم لِيُواطِؤُا المواطأة عبارة عن الموافقة والاجتماع على حكم اى ليوافقوا قال الكاشفى [تا موافق سازند وتمام كنند] عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ اى عدد ما حرمه من الأشهر الاربعة فانهم كانوا يقولون الأشهر الحرم اربعة وقد حرمنا اربعة أشهر فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ اى يتوصلوا بهذه الحيلة الى إحلال الشهر الذي حرمه الله بخصوصه من الأشهر المعينة فهم وان راعوا أحد الواجبين وهو نفس العدد الا انهم تركوا الواجب الآخر وهو رعاية حكم خصوص الشهر زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ اى جعل أعمالهم مشتهاة للطبع محبوبة للنفس والمزين هو الله تعالى فى الحقيقة او الشيطان او النفس على تفاوت المراتب وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ هداية موصلة الى المطلوب البتة وانما يهديهم الى ما يوصل اليه عند سلوكه وهم قد أعرضوا عنه بسوء اختيارهم فتاهوا فى تيه الضلال [در ينابيع آورده كه جاهلان عرب در سالى چهار ماه حرام ميداشتند وخلق را از دست وزبان خود ايمن ميساختند مؤمنان مؤدب بدان سزاوارترند كه در همه ماهها مسلمانانرا از ضرر خود سالم دارند وايذا وآزار خلق بزبان ودست فرو گذارند كه مجازات إضرار همان اضرارست ومكافات آزار آزار]

آزار دل خلق مجو بي سببى

تا بر نكشند يا ربى نيمشبى

بر مال وجمال خويشتن تكيه مكن

كانرا بشبى برند واين را به تبى

يقول الفقير سامحه الله التقدير بلغت مسامحات الناس فى هذا الزمان الى حيث تساوت عندهم الأشهر الحرم وغيرها أما ترى إليهم فى شهر رمضان الذي جعله الله شهر هذه الامة المرحومة وفضله على سائر الشهور كيف لا يبالون من ارتكاب المحرمات فيه وأمسكوا عنها فى النار بسبب نوم او غيره من الموانع البشرية وأكبوا عليها فى الليالى فوا أسفا على غربة هذا الدين وزوال أنوار اليقين ومن الله التوفيق الى الأعمال المرضية خصوصا فى الأوقات الفاضلة نهارا أو ليالي ثم ان النسيء المذكور وقعت اليه الاشارة فى قوله عليه السلام (لا عدوى ولا هامة ولا صفر) اما العدوى فهو اسم من الأعداء كالدعوى من الادعاء وهو مجاوزة العلة من صاحبها

ص: 426

الى غيره وكانت العرب فى الجاهلية تعتقد ان الأمراض تعدى بطبعها من غير اعتقاد تقدير الله لذلك. فالمعنى ليس نفى سراية العلة فان السراية والتعدية واقعة بل اضافتها الى العلة من غير ان يكون ذلك بفعل الله تعالى ويدل عليه قوله عليه السلام (لا يورد ممرض على مصحح) والممرض صاحب الإبل المريضة والمصحح صاحب الإبل الصحيحة والمراد النهى عن إيراد الإبل المريضة على الصحيحة وهو من باب اجتناب الأسباب التي هى سبب البلاء إذا كان فى عافية منه فكما انه مأمور ان لا يلقى نفسه فى الماء او فى النار او يدخل تحت ما اشرف على الانهدام ونحوه مما جرت العادة بانه يهلك او يؤذى فكذلك مأمور بالاجتناب عن مقاربة المريض كالمجزوم والقدوم على بلد الطاعون فان هذه كلها اسباب المرض والتلف والله تعالى هو خالق الأسباب ومسبباتها ففى الأمر بالاجتناب صيانة للمؤمن الضعيف يقينه لئلا يعتقد التأسير من الأسباب اى عند وقوع البلاء او يعتقدان السراية كانت بالطبع لا بقضاء الله تعالى وقدره واما إذا قوى التوكل على الله والايمان بقضائه وقدره فتجوز مباشرة بعض هذه الأسباب كما ورد ان النبي عليه السلام أكل مع مجذوم وقال (بسم الله ثقة بالله توكلت على الله) ونظيره ما روى عن خالد بن الوليد وعمر رضى الله عنهما من شرب السم وانما لم يؤثر فيهما لانهما انما شرباه فى مقام الحقيقة لا ببشريتهما وانما اثر فى النبي عليه السلام بعد تنزله الى حالة بشرية وذلك ان إرشاده عليه السلام كان فى عالم التنزل غير ان تنزله كان من مرتبة الروح وهى اعدل المراتب ولم يؤثر فيه حتى مضى عليه اثنتا عشرة سنة فلما احتضر تنزل الى ادنى المراتب لان الموت انما يجرى على البشرية فلما تنزل الى تلك المرتبة اثر فيه فليفهم هذا المقام فانه من مزالق الاقدام. واما قوله (ولا هامة) بالتخفيف ففيه تأويلان. أحدهما ان العرب كانت تتشاءم بالهامة وهى الطير المعروف من طير الليل وقيل هى البومة كانت إذا سقطت على دار أحدهم قالوا نعت اليه نفسه او بعض اهله هذا تفسير مالك بن انس. والثاني ان العرب كانت تعتقد ان روح القتيل الذي لم يؤخذ بثاره تصير هامة فتنشر جناحيها عند قبره وتصحيح اسقوني اسقوني من دم قاتلى فاذا أخذ بثاره طارت وقيل كانوا يزعمون ان عظام الميت إذا بليت تصير هامة ويسمونها الصدى بالفارسية [كوف] وتخرج من القبر وتتردد وتأتى الميت بأخبار اهله وهذا تفسير اكثر العلماء وهو المشهور ويجوز ان يكون المراد النوعين وانه عليه السلام نهى عنهما جميعا وفى فتاوى قاضى خان إذا صاحت الهامة فقال أحد يموت رجل قال بعضهم يكون ذلك كفرا وكذا لو رجع فقال ارجع لصياح العقعق كفر عند بعضهم. واما قوله (ولا صفر) ففيه تأويلان ايضا. الاول ان الجاهلية كانت تعتقد ان فى الجوف حية يقال لها الصفر تعض كبد الإنسان عضا إذا جاع. والثاني ان المراد تأخيرهم تحريم المحرم الى صفر وهو النسيء الذي كانوا يفعلونه ويجوز ان يكون المراد هذا والاول جميعا وان الصفرين جميعا باطلان لا اصل لهما وقيل كانوا يتشاءمون بصفر فنفاه النبي عليه السلام بقوله ولا صفر يحكى ان بعض الاعراب أراد السفر فى أول السنة فقال ان سافرت فى المحرم كنت جديرا ان احرم وان رحلت فى صفر خشيت على يدى ان نصفر فاخر السفر الى شهر ربيع

ص: 427

الاول فلما سافر مرض ولم يحظ بطائل فقال ظننته من ربيع الرياض فاذا هو من ربيع الأمراض. وكانت وقعة صفين بين على ومعاوية غرة صفر سنة سبع وثلاثين قيل لذلك احترز عن صفر قال فى روضة الاخبار ذهب الجمهور الى ان القعود فى صفر اولى من الحركة عن النبي عليه السلام (من بشرنى بخروج صفر أبشره بالجنة) انتهى يقول الفقير هذا الحديث لا يدل على مدعاه وهو اولوية القعود فى صفر فان النبي عليه السلام انما قال كذلك شغفا بشهر ولادته ووفاته وحبا لدخوله فان الأنبياء والأولياء يستبشرون بالموت لكونه تحفة لهم وينتظرون زمانه إذ ليس انتقالهم الا الى جوار الله تعالى وفى الحديث (لا تسافروا فى محاق الشهر ولا إذا كان القمر فى العقرب) وكان على يكره التزوج والسفر إذا نزل القمر فى العقرب وهو اسناد صحيح قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى ان نحوسة الأيام قد ارتفعت عن المؤمنين بشرف نبينا عليه السلام واما ما نقل عن على من انه عد سبعة ايام فى كل شهر نحسا فعلى تقدير صحة النقل محمول على نحوسة النفس والطبيعة فليست السعادة والشقاوة الا لسعادتهما وشقاوتهما فاذا تخلصتا من الشقاوة لم يبق نحوسة انتهى قال فى عقد الدرر واللآلى وكثير من الجهال يتشاءم من صفر وربما ينهى عن السفر والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهي عنها وكذا التشاؤم بيوم من الأيام كيوم الأربعاء وايام العجائز فى آخر الشتاء وكذا تشاؤم اهل الجاهلية بشوال فى النكاح فيه خاصة. وقد قيل ان طاعونا وقع فى شوال فى سنة من السنين فمات فيه كثير من العرائس فتشاءم بذلك اهل الجاهلية وقد ورد الشرع بابطاله قالت عائشة رضى الله عنها تزوجنى رسول الله فى شوال وبنى بي فى شوال فأى نسائه كان أحظى عنده منى فتخصيص الشؤم بزمان دون زمان كصفر او غيره غير صحيح وانما الزمان كله خلق الله تعالى وفيه تقع اعمال بنى آدم فكل زمان اشتغل فيه المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك عليه وكل زمان اشتغل فيه بمعصية الله فهو مشئوم عليه فالشؤم فى الحقيقة هو المعصية كما قال ابن مسعود رضى الله عنه ان كان الشؤم فى شىء ففيما بين اللحيين يعنى اللسان وفى الحديث (الشؤم فى ثلاث فى المرأة والدار والفرس) وتفسيره ان شؤم المرأة إذا كانت غير ولود وشؤم الدار جار السوء فان المرء يتأذى به كما جاء فى الحديث (ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين فان الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحي بجار السوء) وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه فى سبيل الله فان الخيل ثلاثة فرس للرحمن وفرس للانسان وفرس للشيطان فاما الذي للرحمن فما اتخذ فى سبيل الله وقوتل عليه اعداؤه واما الذي للانسان فهو الذي يرتبطها يلتمس بطنها فهو ستر من الفقر واما الذي للشيطان فهو مار وهن عليه وقومر يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شروع فى بيان غزوة تبوك وهى ارض بين الشام والمدينة ويقال لها غزوة العسرة ويقال لها الفاضحة لانها أظهرت حال كثير من المنافقين- وروى- انه عليه السلام لما فتح مكة وغزا هوازن وثقيفا بحنين وأوطاس وحاصر الطائف وفتحها واتى الجعرانة واحرم بها للعمرة واعتمر ثم اتى المدينة فامر بالخروج الى غزوة الروم قبل الشام وذلك فى شهر رجب سنة تسع بلغه عليه السلام ان الروم قد جمعت له جموعا كثيرة بالشأم وانهم قدموا مقدماتهم الى البلقاء المحل المعروف

ص: 428

وقيل للروم بنوا الأصفر لانهم ولد روم بن العيص بن اسحق نبى الله عليه الصلاة والسلام وكان يسمى الأصفر لصفرة به. فقد ذكر العلماء بأخبار القدماء ان العيص تزوج بنت عمه إسماعيل فولدت له الروم وكان به صفرة فقيل له الأصفر وقيل الصفرة كانت بابيه العيص وكان ذلك فى زمان عسرة من الناس وجدب فى البلاد وشدة من الحر حين طابت ثمار المدينة وأينعت واستكملت ظلالها وطالت المسافة بينهم وبين العدو فشق عليهم الخروج فانزل الله تعالى هذه الآية وقال ايها المؤمنون ما لَكُمْ استفهام فى اللفظ وانكار وتوبيخ فى المعنى إِذا قِيلَ لَكُمُ من طرف رسول الله الآمر بامر الله انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [بيرون رويد در راه خداى تعالى وجهاد كنيد] ومعناه بالعربية اخرجوا الى الغزو يقال نفر القوم ينفرون نفرا ونفيرا إذا خرجوا الى مكان لمصلحة توجب الخروج والقوم الذين يخرجون يقال لهم النفير واستنفر الامام الناس لجهاد العدو اى طلب منهم الخروج الى الغزو وحثهم عليه اثَّاقَلْتُمْ أصله تثاقلتم وهو ماض لفظا مضارع معنى لانه حال من مالكم إِلَى الْأَرْضِ متعلق باثاقلتم على تضمينه معنى الميل والإخلاد. والمعنى أي سبب وغرض حصل لكم واستقر إذا قيل لكم ذلك كنتم متثاقلين اى مائلين الى الدنيا وشهواتها الفانية عما قريب وكرهتم مشاق السفر والجهاد المستتبعة للراحة الخالدة فالارض هى الدنيا وشهواتها وقيل ملتم الى الاقامة بأرضكم ودياركم أَرَضِيتُمْ باستفهام التوبيخ [آيا راضى شديد وخوشدل گشتيد] بِالْحَياةِ الدُّنْيا ولذاتها من الثمار والظلال مِنَ الْآخِرَةِ اى بدل الآخرة ونعيمها فكلمة من بمعنى البدل كما فى قوله تعالى لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً اى بدلكم فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا اى فما التمتع بها وبلذائذها فِي الْآخِرَةِ اى فى جنب الآخرة إِلَّا قَلِيلٌ اى مستحقر لا يعتدبه لان متاع الدنيا فان معيوب ومتاع الآخرة باق مرغوب- روى- انه عليه السلام قال (والله ما الدنيا فى الآخرة الأمثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه فى اليم فلينظر بم يرجع) إِلَّا كلمتان ان للشرط ولا للننفى اى ان لم تَنْفِرُوا تخرجوا الى الغزو يُعَذِّبْكُمْ اى الله تعالى عَذاباً أَلِيماً وجيعا لابدانكم وقلوبكم اى يهلككم بسبب فظيع كقحط وظهور عدو وَيَسْتَبْدِلْ بكم بعد إهلاككم قَوْماً غَيْرَكُمْ اى قوما مطيعين مؤثرين للآخرة على الدنيا ليسوا من أولادكم ولا أرحامكم كاهل اليمن وأبناء فارس وَلا تَضُرُّوهُ اى الله تعالى بترك الجهاد شَيْئاً اى لا يقدح تثاقلكم فى نصرة دينه أصلا فانه الغنى عن كل شىء فى كل شىء وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على إهلاككم والإتيان بقوم آخرين واعلم ان البطالة تقسى القلب كما جاء فى الحديث [زيرا مرد بايد بشغل معاد مشغول باشد يا بشغل معاش از وجه مباح تا در شغل دين فضل وثواب مى ستاند ودر شغل معاش خانه را آبادان مى دارد پس چون نه باين شغل مشغول شود ونه بآن بي كار ماند واز بى كارى سياه دل وسخت طبع شود] فلا بد من الحركة فان البركات فى الحركات الحضرية والسفرية والسفر على نوعين سفر الدنيا وسفر الآخرة وفى كليهما مشقة وان كان الثاني أشق وفى الحديث (السفر قطعة من العذاب) [بعض مشايخ گفته اند كه اگر نه آنستى كه لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم نشايد گردانيدن

ص: 429

من گفتمى السفر قطعة من السقر و پيغمبر عليه السلام سفر را پاره از دوزخ گفت از مرگ نگفت زيرا كه در مرگ رنج تن باشد رنج دل نبود ودر سفر رنج دل وتن باشد وحجاج گفتى كه اگر نه شادى بخانه آمدن بودى كه مسافر چون بخانه رسد همه رنج سفر فراموش كند من مردمانرا نكشتمى بسفر عذاب دادمى] ومن سفر الدين الخروج الى الغزو وفى الحديث (لغدوة فى سبيل الله) وهو الذهاب فى أول النهار (او روحة) وهو الذهاب فى آخره (خير من الدنيا وما فيها) يعنى ان فضل الغدوة والروحة فى سبيل الله وثوابهما خير من نعيم الدنيا بأسرها لانه زائل ونعيم الآخرة باق وحق الجهاد ان ينوى نصرة الدين بقهر اعداء الله وبذل النفوس فى رضاه تعالى ويكثر ذكره تعالى ويكف عن ذكر النساء والأولاد والأموال والموطن فهو يفتره فالجهاد بهذا الوجه أفضل الأعمال [على مرتضى رضى الله عنه كويد كه معصيت غازيان زيان ندارد وطاعت سخن چينان سود ندارد ودعاى مخنث نشنوند ونماز خمر خواره نپذيرند] فعلى المرء ان يغتنم ايام حياته ويجتهد فى تحصيل مرضاة ربه وفى الحديث (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) شبه النبي عليه السلام المكلف بالتاجر والصحة والفراغ برأس المال لانهما من اسباب الأرواح ومقدمات نيل النجاح فمن عامل الله تعالى بامتثال أوامره يربح كما قال تعالى هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ومن عامل الشيطان باتباعه يضيع رأس ماله ولا ينفعه ندم باله وفى امتثال امر الله عاقبة حميدة إذ رب شىء تكرهه النفس كالجهاد وهو عند الله محبوب فبترك الراحة واختيار المشقة ينال العبد أمانيه الدنيوية والاخروية والتوفيق اليه من الله تعالى وليس كل أحد من لا يبالى بانتقاص دنياه إذا كان التكامل فى طرف دينه: قال الحافظ

حام را طاقت پروانه پر سوخته نيست

ناز كانرا نرسد شيوه جان افشانى

ثم اعلم انه كما ان الله تعالى يستبدل بذوات ذواتا اخر كذلك يستبدل بصفات صفات اخر فالذاهب خلف مشتهياته والتابع لهواه فى كل حركاته وسكناته يهلك فى وادي الطبيعة والنفس ولا يصل الى مقامات رجال عالم القدس والانس ولا يتفق له معهم الصحبة فى مقالهم ومقامهم وحالهم إذ بينهما بون بعيد من حيث ان صفاته صفات النفس وأحواله احوال الطبيعة وصفاتهم صفات الروح واخلاقهم اخلاق الله ولذا يحشر كثير من الناس فى صورة صفاته الغالبة المذمومة الا ان يتداركه الله تعالى بفضله ويكسوه كسوة الوجود الإنساني على الحقيقة إِلَّا تَنْصُرُوهُ ان لم تنصروا محمدا فى غزوة تبوك فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ فسينصره الله كما نصره إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا اى تسببوا لخروجه بان هموا بقتله والا فهو عليه السلام انما خرج بإذن الله تعالى وامره لا بإخراج الكفرة إياه ثانِيَ اثْنَيْنِ حال من ضميره عليه السلام اى أحد اثنين من غير اعتبار كونه عليه السلام ثانيا فان معنى قولهم ثالث ثلاثة ورابع اربعة ونحو ذلك أحد هذه الاعداد مطلقا لا الثالث والرابع خاصة والاثنان أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ هُما فِي الْغارِ بدل من إذ أخرجه بدل البعض إذ المراد به زمان متسع والغار ثقب فى أعلى ثور وثور جبل فى يمنى مكة على مسير ساعة وقال فى التبيان

ص: 430

على فرسخين او نحوهما وفى القاموس ويقال له ثور اطحل واسم الجبل اطحل نزله ثور بن عبد مناة فنسب اليه وفى انسان العيون وانما قيل للجبل ذلك لانه على صورة الثور الذي يحرث عليه- وتحرير القصة- انه لما ابتلى المسلمون بأذى الكفار اذن صلى الله عليه وسلم لهم فى الهجرة وقال (انى رأيت دار هجرتكم ذات نخيل بين لابتين) وهما الحرتان وقال (انى لارجو ان يؤذن لى فى الهجرة إليها) فقال أبو بكر وهل ترجو ذلك بابى أنت قال (نعم) فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ليصحبه عند هجرته فلم يتخلف الا هو وعلىّ وصهيب ومن كان محبوسا او مريضا او عاجزا عن الخروج فابتاع أبو بكر بعد هذا المقال النبوي راحلتين بثمانمائة درهم فحبسهما فى داره يعلفهما الخبط إعدادا لذلك والخبط محركة ورق

ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق او غيره ويعجن بالماء فتوجره الإبل اى تأكله فكانتا عنده قريبا من ثلاثة أشهر لان الهجرة كانت فى ذى الحجة ومهاجرته عليه السلام كانت فى ربيع الاول ولما رأت قريش قوة امر رسول الله حيث بايعه الأوس والخزرج وصار له أنصار فى القبائل والأقطار خافوا من ان يخرج ويجمع الناس على حربهم وقد وقعوا فيما خافوا منه ولو كان بعد حين ونعم ما قيل إذا أدبر الأمر كان العطب فى الحيلة فاجتمعوا فى دار الندوة ليتشاوروا فى امره عليه السلام ودار الندوة هى أول دار بنيت بمكة كانت منزل قصى بن كلاب وكانت جهة الحجر عند مقام الحنفي الآن وكان لها باب للمسجد وقيل لها دار الندوة لاجتماع الندوة وهى الجماعة فيها وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة لانه اجتمع فيه اشراف بنى عبد شمس وبنى نوفل وبنى عبد الدار وبنى اسد وبنى محزوم وغيرهم ممن لا يعد من قريش ولم يتخلف من اهل الرأى والحجى أحد وكانت مشاورتهم فى يوم السبت فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن يوم السبت فقال (يوم مكرو خديعة) قالوا ولم يا رسول الله قال (ان قريشا أرادوا ان يمكروا فيه) وجاء إليهم إبليس فى صورة شيخ نجدى وقال انا من اهل نجد وانما قال ذلك لان قريشا قالوا لا يدخلن معكم فى المشاورة أحد من اهل تهامة لان هواهم كان مع محمد فعند ذلك قالوا هو من اهل نجد لامن مكة فلا يضركم حضوره معكم وعند المشورة قال بعضهم بالحبس وبعضهم بالنفي كما بين فى تفسير قوله تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا فى سورة الأنفال فمنعه إبليس واتفقت آراؤهم على قول ابى جهل وهو ان يخرجوا اليه من كل قبيلة من قريش شابا جليدا اى قويا بسيف صارم ويقتلوه فيفرق دمه فى القبائل بحيث لا يقدر بنوا عبد مناف على حرب قومهم جميعا فيرضون بالدية واستحسن الشيخ النجدي هذا الرأى وتفرقوا عن تراض فلما امسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فاخبره بمكر قريش وامره بمفارقة مضجعه تلك الليلة فلما علم ما يكون منهم قال لعلى رضى الله عنه (نم على فراشى واتشح بردائي هذا الحضرمي فانه لن يخلص إليك شىء تكرهه منهم) وكان عليه السلام يشهد العيدين فى ذلك الرداء وكان طوله اربعة اذرع وعرضه ذراعين وشبرا وهل كان اخضر او احمر يدل للثانى قول جابر رضى الله عنه كان يلبس رداء احمر فى العيدين والجمعة وفى سيرة الحافظ الدمياطي وارتد بردائي هذا الأحمر والحضرمي منسوب الى حضر موت التي هى القبيلة او البلدة باليمن كان عليه السلام يتسجى بذلك البرد عند نومه وانما امر عليا رضى الله عنه

ص: 431

ان يضطجع على فراشه ليمنعهم سواد علىّ عن طلبه حتى يبلغ هو وصاحبه الى ما امره الله ان يبلغا اليه فلما مضى عتمة من الليل اى الثلث الاول منه اجتمعوا على باب رسول الله وكانوا مائة فجعلوا يتطلعون من شق الباب ويرصدون متى ينام فيثبون عليه فيقتلونه فخرج عليه السلام عليهم وهم ببابه وقرأ قوله تعالى يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ الى قوله فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ فاخذ الله أبصارهم عنه عليه السلام فلم يبصروه حتى خرج من بينهم. وعن النبي عليه السلام انه ذكر فى فضل يس انها (إذا قرأها خائف أمن او جائع شبع او عار كسى او عاطش سقى او سقيم شفى) وعند خروجه عليه السلام أخذ حفنة من تراب فذرها عليهم فاتاهم آت فقال ما تنتظرون قالوا محمدا قال قد خيبكم الله والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك رجلا منكم الا وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته فما ترون ما بكم فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فاذا عليه تراب فدخلوا على علىّ فقالوا له يا على اين محمد فقال لا أدرى اين ذهب وكان قد انطلق الى بيت ابى بكر باشارة جبرائيل عليه السلام فلما دخل عليه قال (قد اذن لى فى الخروج) فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله بابى أنت اى اسألك الصحبة قال (نعم) فبكى أبو بكر سرورا ولله در القائل ورد الكتاب من الحبيب بانه سيزورنى فاستعبرت اجفانى هجم السرور على حتى انه من فرط ما قد سرنى أبكاني يا

عين صار الدمع عندك عادة تبكين من فرح ومن احزان قال ابو بكر فخذ بابى أنت احدى راحلتى هاتين فانى اعددتهما للخروج فقال عليه السلام (نعم بالثمن) وذلك لتكون هجرته عليه السلام الى الله بنفسه وماله وإلا فقد أنفق أبو بكر رضى الله عنه على رسول الله اكثر ماله. فعن عائشة رضى الله عنها أربعين الف درهم. وفى رواية أربعين الف دينار وهى الناقة القصوى او الجدعاء وقد عاشت بعده عليه السلام وماتت فى خلافة ابى بكر واما ناقته عليه السلام العضباء فقد جاء ان ابنته فاطمة رضى الله عنها تحشر عليها ثم استأجر رسول الله وابو بكر رجلا من بنى الدئل وهو عبد الله بن أريقط ليدلهما على الطريق للمدينة وكان على دين قريش فدفعا اليه راحلتيهما وواعداه غار جبل ثور بعد ثلاث ليال ان يأتى بالراحلتين صباح الليلة الثالثة فمكث عليه السلام فى بيت ابى بكر الى الليلة القابلة فخرجا الى طرف الغار وجعل ابو بكر يمشى مرة امام النبي ومرة خلفه فسأله رسول الله عن ذلك فقال يا رسول اذكر الرصد فاكون امامك واذكر الطلب فاكون خلفك لا كون فداءك فمشى عليه السلام ليلته على أطراف أصابعه اى لئلا يظهر اثر رجليه على الأرض حتى حفيت رجلاه فلما رآهما ابو بكر قد حفيتا حمله على كاهله وجعل يشتد به حتى اتى فم الغار فانزله وفى رواية كانت قدما رسول الله قد قطرتا دما ويشبه ان يكون ذلك من خشونة الجبل والا فبعد المكان لا يحتمل ذلك ولعلهم ضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه قوله فمشى ليلته او انه عليه السلام ذهب الى جبل حنين فناداه اهبط عنى فانى أخاف ان تقتل على ظهرى فاعذب فناداه جبل ثور الى يا رسول الله وكان الغار معروفا بالهوام فلما أراد رسول الله دخوله قال له أبو بكر مكانك يا رسول حتى أستبرئ الغار فدخل واستبرأه وجعل يسد الحجرة بثيابه خشية

ص: 432

ان يخرج منها شىء يؤذيه اى رسول الله فبقى جحر وكان فيه حية فوضع رضى الله عنه عقبه عليه ثم دخل رسول الله فجعلت تلك الحية تلسعه وصارت دموعه تتحدر فتفل رسول الله على محل اللدغة فذهب ما يجده وقال بعضهم والسر فى اتخاذ رافضة العجم اللباد المفضض على رؤسهم تعظيما للحية التي لدغت أبا بكر فى الغار وذلك لانهم يزعمون ان ذلك على صورة تلك الحية ولما دخل رسول الله وأبو بكر الغار امر الله شجرة وهى التي يقال لها القتاد وقيل أم غيلان فنبتت فى وجه الغار فسترته بفروعها ويقال انه عليه السلام دعا تلك الليلة الشجرة وكانت امام الغار فاقبلت حتى وقفت على باب الغار وانها كانت مثل قامة الإنسان وقال الحدادي وكان عليه السلام مر على ثمامة وهى شجرة صغيرة ضعيفة فامر أبا بكر ان يأخذها معه فلما صار الى باب الغار امره ان يجعلها على باب الغار وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بين فروعها نسجا متراكما بعضه على بعض كنسج اربع مسنين كما قال فى القصيدة البردية

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على

خير البرية لم تنسج ولم تحم

اى ظنوا ان الحمام ما وكر وما باض على باب الغار الذي فيه خير البرية وظنوا ان العنكبوت لم تنسج ولم تحم اى لم تطف من حام حوله اى طاف ودار فهو من قبيل علفتها تبنا وماء باردا: وقال المولى الجامى

شد دو سه تارى كه عنكبوت تنيد

بر دران غار پرده دار محمد

وقد نسج العنكبوت ايضا على نبى الله داود عليه السلام لما طلبه جالوت. ونسج ايضا على عورة سيدنا زيد بن على بن الحسين بن ابى طالب وهو أخو الامام محمد الباقر وعم جعفر الصادق وقد كان يوسف بن عمر الثقفي امير العراقين من قبل هشام بن عبد الملك صلبه عريانا للخروج عليه وذلك فى سنة ست وعشرين ومائة واقام مصلوبا اربع سنين وقيل خمس سنين فلم تر عورته وقيل بطنه الشريف ارتخى على عورته فغطاها ولا مانع من وجود الامرين وكانوا عند صلبه وجهوه الى غير القبلة فدارت خشبته التي عليها الى ان صار وجهه الى القبلة ثم احرقوا خشبته وجسده رضى الله عنه قال العلماء ويكفى للعنكبوت شرفا نسجها على الغار ونهى النبي عليه

السلام يومئذ عن قتل العنكبوت وقال (انها جند من جنود الله تعالى) : قال فى المثنوى

جمله ذرات زمين وآسمان

لشكر حقنده كاه امتحان

واما قوله عليه السلام (العنكبوت شيطان فاقتلوه) وفى لفظ (العنكبوت شيطان مسخه الله فاقتلوه) فان صح فلعله صدر قبل وقعة الغار فهو منسوخ. وعن على طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فان تركه فى البيوت يورث الفقر وهذا لا يقدح فى شرفها وذكر فى حياة الحيوان ان ما تنسجه العنكبوت يخرج من خارج جلدها لا من جوفها. ومن خواصها انها إذا وضع نسجها على الجراحة الطرية فى ظاهر البدن حفظها بلا ورم ويقطع سيلان الدم إذا وضع عليه والعنكبوت التي تنسج على الكنيف إذا علقت على المحموم يبرأ قاله ابن زهير. وامر الله تعالى حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار وباضتا وبارك عليه السلام على الحمامتين وانحدرتا فى الحرم وهل حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين اولا ففيه اختلاف والظاهر انه ليس من نسلهما لانه

ص: 433

روى فى قصة نوح عليه السلام انه بعث الحمامة من السفينة لتأتيه بخبر الأرض ووقعت بوادي الحرم فاذا الماء قد نضب من موضع الكعبة وكانت طينتها حمراء فاختضبت رجلها ثم جاءته فمسح عنقها وطوّقها طوقا ووهب لها الحمرة فى رجليها وأسكنها الحرم ودعالها بالبركة. وذكر ان حمام مكة أظلته عليه السلام يوم فتحها فدعا لها بالبركة. وكان المسيح عليه السلام يقول لاصحابه ان استطعتم ان تكونوا بلها فى الله مثل الحمام فافعلوا وكان يقال انه ليس شىء ابله من الحمام انك تأخذ فرخه من تحته فتذبحه ثم يعود الى مكانه ذلك فيفرخ فيه ومن طبعه انه يطلب وكره ولو أرسل من الف فرسخ يحمل الاخبار ويأتى بها من المسافة البعيدة فى المدة القريبة كما قال فى المغرب الحمام بأرض العراق والشام تشترى باثمام غالية وترسل من الغايات البعيدة بكتب الاخبار فتؤديها وتعود بالاجوبة قال الجاحظ لولا الحمام لما عرف بالبصرة ما حدث بالكوفة فى بياض يوم واحد واليه الاشارة فى اشعار البلغاء: كما قال المولى جلال الدين قدس سره فى المثنوى

رقعه كر بر پرّ مرغى دوختى

پرّ مرغ از تفّ رقعه سوختى

: قال السلطان سليم الاول يعنى فاتح مصر

مرغ چشم من كه پروازش بجز سوى تو نيست

بسته أم از أشك صد جا نامه شوقش ببال

وقال فى حياة الحيوان اتخاذ الحمام للبيض والفراخ وللانس ولحمل الكتب جائز بلا كراهة واما اللعب بها والتطير والمسابقة فقيل يجوز لانه يحتاج إليها فى الحرب لنقل الاخبار والأصح كراهيته فان قامر بالحمام ردت شهادته ولما فقد المشركون رسول الله شق عليهم ذلك وخافوا وطلبوه بمكة أعلاها وأسفلها وبعثوا القافة اى الذين يقفون الأثر فى كل وجه ليقفوا اثره فوجد الذي ذهب الى جبل ثور وهو علقمة بن كرز اسلم عام الفتح اثره انتهى الى الغار فقال هاهنا انقطع الأثر ولا أدرى أخذ يمينا أم شمالا أم صعد الجبل وكان عليه السلام شثن الكفين والقدمين يقال شثنت كفه شثنا وشثونة خشنت وغلظت فهو شثن الأصابع بالفتح كذا فى القاموس فاقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وسيوفهم فلما انتهوا الى فم الغار قال قائل منهم ادخلوا الغار فقال امية بن خلف وما اربكم اى حاجتكم الى الغار ان عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد ولو دخل لما نسج ذلك العنكبوت وتكسر البيض وعند ما حاموا حول الغار حزن ابو بكر رضى الله عنه خوفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى إِذْ يَقُولُ بدل ثان او ظرف ثان والقائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لِصاحِبِهِ وهو أبو بكر الصديق رضى الله عنه ولذلك قالوا من أنكر صحبة ابى بكر فقد كفر لانكاره كلام الله تعالى وكذا الروافض إذا كانوا يسبون الشيخين اى أبا بكر وعمر رضى الله عنهما ويلعنونهما يكفرون وإذا كانوا يفضلون عليا عليهما يكونون مبتدعين والمبتدع صاحب الكبيرة والبدعة الكبيرة كما فى هدية المهديين وعن ابى بكر رضى الله عنه انه قال لجماعة أيكم يقرأ سورة التوبة قال رجل انا اقرأ فلما بلغ الى قوله إذ يقول لصاحبه الآية بكى رضى الله عنه وقال انا والله صاحبه لا تَحْزَنْ ولم يقل لا تخف لان حزنه على رسول

الله يغفله عن حزنه

ص: 434

على نفسه وهذا النهى تأنيس وتبشير له كما فى قوله تعالى له عليه السلام وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ وبه يرد ما زعمته الرافضة ان ذلك كان غضبا من ابى بكر وذماله لان حزنه ان كان طاعة فالنبى عليه السلام لا ينهى عن الطاعة فلم يبق الا انه معصية كذا فى انسان العيون إِنَّ اللَّهَ مَعَنا بالعون والعصمة والمراد بالمعية الولاية التي لا تحوم حولها شائبة من الحزن وما هو المشهور من اختصاص مع بالمتبوع فالمراد ما فيه من المتبوعية فى الأمر المباشر وتأمل الفرق بين قوله عليه السلام إِنَّ اللَّهَ مَعَنا وبين قول موسى عليه السلام إِنَّ مَعِي رَبِّي كيف تجده دقيقا والله الهادي- روى- ان المشركين لما طلعوا فوق الغار وعلوا على رؤسهما اشفق ابو بكر على رسول الله عليه السلام فقال عليه السلام (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) فاعماهم الله عن الغار فجعلوا يترددون حوله فلم يروه وذكر ان أبا بكر لما قال للنبى عليه السلام لو ان أحدهم نظر الى قدميه لا بصرنا قال له النبي عليه السلام (لو جاؤنا من هاهنا لذهبنا من هاهنا) فنظر الصديق الى الغار فاذا هو قد انفرج من الجانب الآخر وإذا البحر قد اتصل به وسفينة مشدودة الى جانبه قال ابن كثير وهذا ليس بمنكر من حيث القدرة العظيمة وفى الآية دلالة على علو طبقة الصديق وسابقة صحبته وهو ثانى رسول الله فى عالم الأرواح حين خرج من العدم وثانيه حين خرج مهاجرا وثانيه فى الغار وثانيه فى الخلافة وثانية فى القبر بعد وفاته وثانيه فى انشقاق الأرض عنه يوم البعث وثانيه فى دخول الجنة كما قال عليه السلام (اما انك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي) وقال ايضا (ألا أبشرك) قال بلى بابى أنت وأمي قال (ان الله عز وجل يتجلى للخلائق يوم القيامة ويتجلى لك خاصة) - وروى- ان أبا بكر عطش فى الغار فقال عليه السلام (اذهب الى صدر الغار فاشرب فانطلق ابو بكر الى صدر الغار فوجد ماء احلى من العسل وابيض من اللبن واذكى رائحة من المسك فشرب منه فقال عليه السلام (ان الله امر الملك الموكل بانهار الجنة ان يخرق نهرا من جنة الفردوس الى صدر الغار لتشرب يا أبا بكر) قال أبو بكر يا رسول الله ولى عند الله هذه المنزلة فقال عليه السلام (نعم وأفضل والذي بعثني بالحق نبيا لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان عمله عمل سبعين نبيا) فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ أمنته التي تسكن عندها القلوب وقال الكاشفى [رحمت خود را كه سبب آرامش است] عَلَيْهِ اى على النبي عليه السلام فالمراد بها ما لا يحوم حوله شائبة الخوف أصلا او على صاحبه وهو الأظهر إذ هو المنزعج وكان رسول الله ساكنا وعلى طمأنينة من امره واليه أشار الشيخ فريد الدين العطار قدس سره

خواجه أول كه أول يار اوست

ثانى اثنين إذ هما فى الغار اوست

چون سكينه شد ز حق منزل برو

كشت مشكلهاى عالم حل برو

وقال سعدى چلبى المفتى فى حواشيه بل الاول هو الأظهر المناسب للمقام وإنزال السكينة لا يلزم ان يكون لرفع الانزعاج بل قد يكون لدفعه كما سبق فى قصة حنين والفاء للتعقيب الذكرى انتهى. وفى مصحف حفصة فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ اى قوّى النبي عليه السلام بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وهم الملائكة النازلون يوم بدر والأحزاب وحنين ليعينوه على العدو

ص: 435

والجملة معطوفة على نصره الله وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى يعنى جعل الله الشرك مقهورا مغلوبا ابدا الى يوم القيامة او دعوتهم الى الكفر: يعنى [دعوت كفر را كه از ايشان صادر مى شد خوار وبيمقدار ساخت وَكَلِمَةُ اللَّهِ اى التوحيد او الدعوة الى الإسلام وهى بالرفع على الابتداء هِيَ ضمير فصل لدفع توهم انه قد يفوق غير كلمة الله الْعُلْيا الى يوم القيامة وهو خبر المبتدأ وجعل الله ذلك بان اخرج رسوله من بين الكفر. وقرأ يعقوب كلمة الله بالنصب عطفا على كلمة الذين وهو ضعيف لانه يشعر بان كلمة الله كانت سفلى ثم صارت عليا وليس كذلك بل هى عالية فى نفسها ابدا. وفى مناظرات المكي لو قال أحد وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله وقطع ولم يقل وكلمة الله هى العليا كان كافرا ان كان عمدا وَاللَّهُ عَزِيزٌ [وخداى تعالى عاليست عزيز كند اهل توحيد را] حَكِيمٌ فى امره وتدبيره وحكمه قال الكاشفى [داناست خوار ساز داهل كفر را ومقصود از إيراد قصه غار در اثناى امر بغزوه تبوك آنست كه اگر شما اى كارهاى جهاد يارى نكنيد پيغمبر مرا من او را يارى كنم چنانچهـ در آن محل كه با او يك كس بيش نبود تمام صناديد قريش بقصد او بر خواسته بودند من او را يارى كردم واز ميان دشمنانش بسلامت بيرون آوردم پس مفتاح نصرت بقبضه منست: وما النصر إلا من عند الله]

يارى از من جو نه از خيل وسپاه

راز با من كوى نه بامير وشاه

هر كرا يارى كنم برتر شود

هر كرا دور افكنم ابتر شود

وتمام القصة انه لما انصرف قريش من الغار وايسوا منهما أرسلوا لاهل السواحل ان من اسر او قتل أحدهما كان له مائة ناقة وفى رواية مائتان ومكثا فى الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن ابى بكر وهو غلام يعرف يأتيهما حين يختلط الظلام ويخبرهما بما وعاه من اخبار اهل مكة ويدلج من عندهما بفجر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فى بيته وكان عامر بن فهيرة مولى ابى بكر يرعى لابى بكر اغناما له نهاره ثم يروح عليهما فيحلبها لهما وكانت اسماء بنت ابى بكر تأتيهما إذا امست بطعامهما وشرابهما فلما طلع صبح الليلة الثالثة اتى الدليل بالراحلتين فركباهما وانطلقا نحو المدينة وانطلق معهما عامر بن فهيرة رديفا لابى بكر وانزل الله عليه وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً قال زيد بن اسلم جعل الله له مدخل صدق المدينة ومخرج صدق مكة وسلطانا نصيرا الأنصار رضى الله عنهم ولما خرج من مكة التفت إليها وبكى وقال (انى لا خرج منك وانى لاعلم انك أحب بلاد الله وأكرمها على الله ولولا ان أهلك أخرجوني ما خرجت) وهو يدل على ان مكة أفضل من سائر البلاد وفى الحديث (من صبر على حرمكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام والحسنة فيها بمائة الف حسنة) والكلام فى غير ما ضم أعضاءه الشريفة من ارض المدينة والا فذاك أفضل بقاع الأرض بالإجماع حتى من العرش والكرسي- ذكر- ان الطوفان موّج تلك التربة المكرمة عن محل الكعبة حتى أرساها بالمدينة فهى من جملة ارض مكة ولما سمع سراقة بن مالك بن جعشم الكناني ان الكفار جعلوا فيهما ان قتلا او اسرا مائة

ص: 436

ناقة ركب خلفهما حتى أدركهما فى طريق الساحل فصاح وقال يا محمد من يمنعك منى اليوم فقال عليه السلام (يمنعنى الجبار الواحد القهار) ونزل جبريل وقال يا محمد ان الله يقول لك قد جعلت الأرض مطيعة لك فائمرها بما شئت فقال عليه السلام (يا ارض خذيه) فاخذت ارجل جواده الى الركب فقال يا محمد الامان فقال عليه السلام (يا ارض اطلقيه) فاطلقته يقال عاهد سبع مرات ثم نكث العهد وكلما نكث تغوص قوائم فرسه فى الأرض وفى السابعة تاب توبة صدق ورجع الى مكة وصار لا يرى واحدا من طلابه عليه السلام إلا رده يقول اختبرت الطريق فلم ار أحدا وقصة نزوله المدينة مذكورة فى السير انْفِرُوا اى اخرجوا ايها المؤمنون مع النبي عليه السلام الى غزوة تبوك قال تاج المصادر النفير والنفور [بسفر بيرون شدن] خِفافاً وَثِقالًا جمع خفيف وثقيل اى حال كونكم شبانا وشيوخا او فقراء واغنياء او ركبانا ومشاتا او أصحاء ومرضى او عزبا او متأهلين او خفافا مسرعين خارجين ساعة استماع النفير وثقالا بعد التروية فيه والاستعداد له او مقلين من السلاح ومكثرين منه او نشاطا وغير نشاط اى خفت عليكم الحركة او ثقلت او مشاغيل وغير مشاغيل او مهازيل وسمانا او أقوياء وضعفاء يا غريبان وكدخدايان كما فى الكاشفى وهذا ليس لتخصيص الامرين المتقابلين بالارادة من غير مقارنة للباقى قال المولى ابو السعود اى على أي حال كان من يسر او عسر بأى سبب كان من الصحة والمرض او الغنى والفقر او قلة العيال وكثرتهم او غير ذلك مما ينتظمه مساعدة الأسباب وعدمها بعد الإمكان والقدرة فى جملة. وعن ابن أم مكتوم أعليّ ان انفر فقال عليه السلام (نعم) فرجع الى اهله فلبس سلاحه ووقف بين يديه فنزل قوله تعالى لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وعن ابن عباس رضى الله عنهما نسخت بقوله تعالى لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى الآية [سلمى ميكويد سبك روحان بارتكاب طاعات وكران باران از مباشرت مخالفات. امام قشيرى ميفرمايد كه خفاف آنانند كه از بند شهود ما سوى آزادند وثقال ايشانند كه بقيد تعلقات مقيدانند] وفى بحر الحقائق انفروا ايها الطلاب فى طلب الحق خفافا مجردين عن علائق الأولاد والاهالى منقطعين عن عوائق الأموال والاملاك وثقالا متمولين ومتأهلين وايضا خفافا مجذوبين بالعناية وثقالا سالكين بالهداية [يعنى خفاف مجذوبانند از كشش عنايت براه سلوك در آمده وثقال سالكانند كه بپرورش متوجه جذبه حقانى شده هر دو طائفه در راهند اما يكى ببال كشش مى پرد ويكى بپاى كوشش راه ميبرد آنكه بپاميره د در هر قدمى عالمى زير پاميكند وآنكه ببال اقبال مى پرديدم بساط مشاهده ما سوى را طى مى كند]

مرد عارف چون بدان پر مى پرد

در دمى از نه فلك مى بگذرد

سير زاهد در دمى يك روزه راه

سير عارف هر زمان تا تخت شاه

وَجاهِدُوا [وجهاد كنيد] والجهاد فى الاصطلاح قتال الكفار لتقوية الدين كما فى شرح الترغيب المنذرى وهو المراد بما فى خالصة الحقائق نقلا عن اهل الحكمة الجهاد بذل المجهود وقتال المتمردين حملا لهم على الإسلام ومنعا لهم عن عبادة الأصنام واعلم ان الجهاد لا ينافى كونه عليه السلام نبى الرحمة وذلك انه مأمور بالجهاد مع من خالفه من الأمم

ص: 437

بالسيف ليرتدعوا عن الكفر وقد كان عذاب الأمم المتقدمة عند مخالفة أنبياءهم بالهلاك والاستئصال فاما هذه الامة فلم يعاجلوا بذلك كرامة لنبيهم عليه السلام ولكن يجاهدوا بالسيف وله بقية بخلاف العذاب المنزل وقد روى ان قوما من العرب قالوا يا رسول الله أفنانا السيف فقال (ذلك أبقى لآخركم) كذا فى أبكار الافكار بِأَمْوالِكُمْ [بمالهاى خود كه تهيه زاد وسلاح كنيد] وَأَنْفُسِكُمْ [وبنفسهاى خود كه مباشر كارزار كرديد] فهو إيجاب للجهاد بهما ان أمكن وبأحدهما عند إمكانه وإعواز الآخر حتى ان من ساعده النفس والمال يجاهد بهما ومن ساعده المال دون النفس يغزى مكانه من حاله على عكس حاله وفى التأويلات النجمية وانما قدم انفاق المال فى طلب الحق على بذل النفس لان بذل النفس مع بقاء الصفات الذميمة غير معتبر وهى الحرص على الدنيا والبخل بها قاشار بانفاق المال الى ترك الدنيا وفى الحديث (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم) قوله تعس بفتح العين وكسرها عثر او هلك او لزمه الشر او سقط لوجهه او انتكب وهو دعاء عليه اى أتعسه الله وانما دعا عليه السلام على عبد الدنيا والدرهم لانه حرص على تحصيل المال من الحرام والحلال وبخل بالإنفاق فى سبيل الملك الخلاق فوقف على متاع الدنيا الفاني وترك العمل لنعيم الآخرة الباقي: قال السلطان ولد قدس سره

بگذار جهان را كه جهان آن تو نيست

وين دم كه همى زنى بفرمان تو نيست

كر مال جهان جمع كنى شاد مشو

ور تكيه بجان كنى جان آن تو نيست

فِي سَبِيلِ اللَّهِ هذا اللفظ عام يقع على كل عمل خالص لله تعالى سلك به طريق التقرب الى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وانواع الطاعات وإذا اطلق فهو فى الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه كما فى شرح الترغيب يقول الفقير فمعنى فى سبيل الله اى فى الطريق الموصل الى الجنة والقربة والرضى وهو ان لا يكون بهوى وغرض وان كان حصول الجنة كما فى المفاتيح- حكى- انه كتب واحد الى يوسف بن أسباط وهو من متقدمى الصوفية ان نفسى تنازعنى الى الغزو فما تقول فيه فكتب فى الجواب لان ترد نفسك عن هواها خير من ان تقتل او تقتل فى المعركة- وحكى- انه لما دنا قتيبة بن مسلم من بلدة بخارى ليفتحها فانتهى الى جيحون أخذ الكفار السفن حتى لا يعبر جيش المسلمين عليها فقال قتيبة اللهم ان كنت تعلم انى ما خرجت الا للجهاد فى سبيلك ولاعزاز دينك ولو جهك فلا تغرقنى فى هذا البحر وان خرجت لغير هذا فاغرقنى فى هذا البحر ثم أرسل دابته فى جيحون فعبره مع أصحابه بإذن الله- روى- ان بعضهم رأى إبليس فى صورة شخص يعرفه وهو ناحل الجسم مصفر اللون باكى العين محقوقف الظهر فقال له ما الذي انحل جسمك قال صهيل الخيل فى سبيل الله ولو كان فى سبيلى لكان أحب الىّ فقال له فما الذي غير لونك فقال تعاون الجماعة على الطاعة ولو تعاونوا على المعصية لكان أحب الىّ قال فما الذي ابكى عينك قال خروج الحاج اليه لا بتجارة أقول قد قصدوه وأخاف ان لا يخيبهم فيحزننى ذلك وفى الصحيحين عن ابى سعيد يرفعه قيل يا رسول الله اى الناس أفضل فقال رسول الله (مؤمن مجاهد بنفسه وماله) قالوا ثم من قال (مؤمن فى شعب من الشعاب يتقى الله ويدع الناس من شره) ذلِكُمْ اى ما ذكر

ص: 438

من النفير والجهاد خَيْرٌ لَكُمْ من القعود وترك الامداد فان قيل ما معنى كون الجهاد خيرا من تركه والحال انه لا خير فى تركه أجيب بان معناه ان ما يستفاد من الجهاد من ثواب الآخرة خير مما يستفيده القاعد عنه من الراحة وسعة العيش والتنعم بهما كما قال فى البحر الخيرية فى الدنيا بغلبة العدو ووراثة الأرض وفى الآخرة بالثواب ورضوان الله تعالى قال سعد چلبى وفى الترك خير دنيوى فيه الراحة إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الخير علمتم انه خير لان فيه استجلاب خير الدنيا وخير الآخرة وفى خلافه مفاسد ظاهرة وفى بحر الحقائق ترك الدنيا وبذل النفس خير لكم فى طلب الحق من المال والنفس إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قدر طلب الحق وعزة السير اليه فان الحاصل من المال والنفس الوزر والوبال والحاصل من الطلب الوصول والوصال انتهى قال فى زبدة التفاسير عن انس رضى الله عنه ان أبا طلحة رضى الله عنه قرأ سورة براءة فاتى على هذه الآية انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فقال اى بنى جهزونى فقال بنوه رحمك الله قد غزوت مع النبي عليه السلام حتى مات ومع ابى بكر وعمر رضى الله عنهما حتى ماتا فنحن نغزو عنك فقال لا جهزونى فغزا بحرا فمات فى البحر فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها الا بعد سبعة ايام فدفنوه فيها ولم يتغير يقول الفقير وذلك لان أجساد الأنبياء والأولياء والشهداء لا تبلى ولا تتغير لما ان الله تعالى قد نقى أبدانهم من العفونة الموجبة للتفسخ وبركة الروح المقدس الى البدن كالا كسير ثم ان الناس صنفان ارباب رخصة واصحاب عزيمة ولله در اصحاب العزيمة فى مسابقتهم ومسارعتهم فعليك بطريقتهم وسيرتهم وهذه الآية الكريمة متعلقة بمرتبة النفس وإصلاحها فان النفس مجبولة على حب المال وفى بذله تزكيتها عن هذه الرذيلة فمن علم ان الغنى والفقر من الله تعالى وآمن بالقدر ايمانيا عيانيا هان عليه البذل ولم يبق عنده مقدار للمال كما ان من علم ان الموت بالأجل وان المرء لا يموت قبل حلول ذلك الاجل لا يفر من محاربة العدو وحفظ المال وإمساكه انما يحسن لاجل الانفاق وقت الحاجة والا فكنزه مذموم [گويند كه نافع مولاى عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كه استاد امام شافعى بود در وقت

مردن گفت اين جايكه را بكنيد بكندند بيست هزار درم در سبويى پديد آمد گفت آنگاه كه از جنازه من باز آمده باشيد بدرويش دهيد او را گفتند يا شيخ چون تو كسى درم نهد گفت بحق اين وقت تنگ كه زكاة وى بر گردن من نيست وهرگز عيالان خود را بسختى نداشتم لكن هرگاه كه مرا آرزويى بودمى آنچهـ بدان آرزو بايستى دادن در سبو افكند مى تا اگر مرا سختى پيش آيد بدر سفله نبايد رفتن] كذا فى شرح الشهاب وفى هذه الحكاية امور. الاول ان من كان اماما للناس ومقتدى فى الدين لا ينبغى له ان يدخر ويكنز المال طمعا وحرصا لان الناس على دين ملوكهم وقد قيل [شيخ چون مائل بمال آيد مريد او مباش مائل دينار هرگز مالك ديدار نيست] . والثاني ان من غلبت عليه شهوته فمنع طبيعته عن مقتضاها بامساك ماله عن الصرف لها رجاء بذله لخير منه فقد جاهد مع نفسه وطبيعته اما مع نفسه فلانه ما كتم المال لا جل الكنز بل لا جل البذل لا نفع شىء فى وقت ما. واما مع طبيعته فلانه منعها من مقتضاها وراضها ومثل هذا هو الجهاد الأكبر. والثالث ان عرض الاحتياج على اللئيم ملوم مذموم شرعا وطريقة ولذا من جاع

ص: 439

واحتاج فكتمه عن الناس واقبل الى الله تعالى كان على الله ان يفتح له رزق سنة والشكاية من الحبيب الى الحبيب عين التوحيد والى غيره شرك تعلق به الوعيد فعلى العاقل ان يختار طريق اصحاب الصفة فانهم كانوا مع الحق وفى معاونته دائما ببذل أموالهم ان منحوا وأنفسهم ان منعوا لان ما لا يدرك كله لا يترك كله فكل مأمور بمقدار طاقته الا بقدر الطاقة هذا هو اللائح بالبال والله اعلم بحقيقة الحال نسأل الله سبحانه ان يوفقنا لبذل المجهود وترك ملاحظة المفقود ويوصلنا الى جنابه انه هو المروم والمقصود لَوْ كانَ [آورده اند كه چون حضرت رسول صلى الله عليه وسلم مردمانرا بغزوه تبوك اشارت فرمود ايشان سه فرقه شدند. جمعى مسارعت نمودند وفرمانرا بسمع اطاعت شنودند وآن أكابر مهاجرين وأنصار بودند. وبعضى ضعفاء مؤمنانرا كران آمد فرمان خدا وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بر هواى نفس اختيار كردند. وبرخى دستورى اقامت وتخلف طلبيدند وآنها منافقان بودند ودرشان ايشان نازل شد كه] لو كان يا محمد ما دعوتهم اليه فاسم كان محذوف دل عليه ما قبله عَرَضاً قَرِيباً العرض ما عرض لك من نافع الدنيا اى غنما سهل المأخذ قريب المنال وَسَفَراً قاصِداً ذا قصد وتوسط بين القريب والبعيد ففاعل بمعنى ذى قصد كلابن وتامر بمعنى ذى لبن وذى تمر وسمى السفر سفرا لانه يسفر اى يكشف عن اخلاق الرجال لَاتَّبَعُوكَ فى الخروج طمعا فى المال وتعليق الاتباع بكلا الامرين يدل على عدم تحققه عند توسط السفر فقط وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ اى المسافة الشاقة التي تقطع بمشقة وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ السين للاستقبال اى سيحلف المتخلفون عن الغزو إذا رجعتم إليهم من غزوة تبوك وقد صنع كما اخبر فهو من جملة المعجزات النبوية لَوِ اسْتَطَعْنا اى قائلين لو كان لنا استطاعة من جهة العدة او من جهة الصحة او من جهتهما جميعا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ اى الى الغزاة. فقوله بالله متعلق بسيحلفون. وقوله لخرجنا ساد مسد جوابى القسم والشرط جميعا لان قولهم لو استطعنا فى قوة بالله لو استطعنا فيكون بالله قسما يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بدل من سيحلفون لان الحلف الكاذب إهلاك للنفس ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع) جمع بلقع وبلقعة وهى الأرض القفر التي لا شىء بها والمرأة البلقعة الخالية من الخير يعنى من حلف عمدا كذبا لاجل الدنيا وزيادة المال وبقاء الجاه فقد تعرض لزوال ما فى يده من المال والجاه وبزواله يفتقر وتخرب داره من البركة وفى الحديث (اليمين الكاذبة منفقة للسلعة) اى سبب لنفاقها ورواجها فى ظن الحالف (ممحقة للكسب) اى سبب لمحق بركة المسكوب وذهابها اما بتلف يلحقه فى ماله او بانفاقه فى غير ما يعود نفعه اليه فى العاجل او ثوابه فى الآجل او بقي عنده وحرم نفعه او ورثه من لا يحمده وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ اى فى مضمون الشرطية وفيما ادعوا ضمنا من انتفاء تحقيق المقدم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ لام لم ولام لهم متعلقتان بالاذن لاختلافهما فى المعنى فان الاولى للتعليل والثانية للتبليغ والضمير المجرور لجميع المستأذنين اى لأى سبب أذنت لهم فى التخلف حين اعتلوا بعللهم واعلم ان قوله تعالى لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ دل على

ص: 440

ان قوما تخلفوا عن اتباعه عليه السلام لان لو لانتفاء الجواب لانتفاء الشرط وقوله عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ دل على ان ذلك التخلف كان بإذن رسول الله والعفو يستدعى سبق الخطأ وهذا الخطأ ليس من قبيل الذنب بل من ترك الاولى والأفضل الذي هو التأنى والتوقف الى انجلاء الأمر وانكشاف الحال. فقوله عفا خبر: يعنى [در گذار پند خداى از تو] . وقوله لم أذنت لهم بيان لما أشير اليه بالعفو من ترك الاولى وانما قدم الله العفو على العتاب تصديقا وتحقيقا لقوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وقوله لم أذنت لهم ما كان على وجه العتاب حقيقة بل كان على اظهار لطفه به وكمال رأفته فى حقه كما فى التأويلات النجمية قال سفيان ابن عيينة انظروا الى هذا اللطف بدا بالعفو قبل ذكر المعفو ولقد اخطأ وأساء الأدب وبئسما فعل فيما قال

وكتب من زعم ان الكلام كناية عن الجناية وان معناه اخطأت وبئسما فعلت كما فى الإرشاد ويجوز ان يكون إنشاء كما قال الكاشفى فى تفسيره عَفَا اللَّهُ عَنْكَ [دعاء له است حق سبحانه وتعالى پيغمبر خود را ميفرمايد كه عفو كناد از تو خداى وعادت مردم مى باشد كه دعا كند كسى را بعفو ورحمت ومغفرت بي وقوع خطايى از وى چنانچهـ مثلا يكى تشنه را آب دهد او در جواب ميگويد غفر الله لك يا در جواب عاطس ميگويد يرحمك الله] انتهى أقول ولقد أصاب فى تفسيره وأجاد فى تقريره فان خطأ النبي عليه السلام وسهوه ونسيانه ليس من قبيل خطأ الامة وسهوهم ونسيانهم فالاولى للتأدب ان يسكت عما يشين بحاله او لا يليق بكماله حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا اى فيما أخبروا به عند الاعتذار من عدم الاستطاعة من جهة المال او من جهة البدن او من جهتهما معا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ فى ذلك فتعامل كلا من الفريقين بما يستحقه وهو بيان لذلك الاولى والأفضل. وحتى متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام تقديره لم سارعت الى الاذن لهم وهلا أخرتهم وتأنيت الى ان يتبين الأمر وينجلى او ليتبين كما هو قضية الجزم فحتى بمعنى الى او بمعنى اللام ولا يجوز ان يتعلق بأذنت لان ذلك يوجب ان يكون اذن لهم الى هذه الغاية او لاجل التبين وهذا لا يعاتب عليه واعلم ان الآية الاولى اشارت الى ان من كان مطلوبه الدنيا وزينتها يجد له مساعدا ومصاحبا كثيرا ومن كان مطلوبه الحق والوصول اليه لا يجد له مرافقا وموافقا الا اقل من القليل لصعوبة الانقطاع عن الحظوظ والأماني: وفى المثنوى

حفت الجنة بمكروهاتنا

حفت النيران من شهواتنا

يعنى جعلت الجنة محفوفة بالأشياء التي كانت مكروهة لنا وجعلت لنار محاطة بالأمور التي كانت محبوبة لنا وإتيان الحظوظ أسهل من تركها ولذا ترى الرجل يدخل النار بألف درهم ولا يدخل الجنة بدرهم واحد والآية الاخيرة أفادت التحري والتأنى فى الأمور وفى حديث انس رضى الله عنه ان رجلا قال للنبى أوصني فقال النبي عليه السلام (خذ الأمر بالتدبر فان رأيت فى عاقبته خيرا فامضه وان خفت غيا فامسك) والعجلة صفة من صفات الشيطان- روى- انه لما رأى خلقة آدم من الطين قبل ان ينفخ فيه الروح عجل فى امره وقال وعزة ربى ان جعل هذا خيرا وفضله على فلا أطيعه وان جعلنى خيرا منه لاهلكنه فلما نفخ فيه الروح وامر الملائكة

ص: 441

وإبليس بالسجود له عجل إبليس بالاباء لاظهار العداوة والسعى فى هلاكه على ما عزم عليه اولا ولم يتأن وينظر فى امره. واما التأنى فمن أوصاف الرحمن ولذا خلق السموات والأرض فى ستة ايام وان كان قادرا على ان يخلقها فى مقدار طرفة عين فعلى العاقل العمل بالتأنى والأفضل والجهاد الى آخر العمر وحلول الاجل كيلا يكون من المتخلفين قال شقيق ان الله تعالى اظهر هذا الدين وجعل عزه فى الجهاد فمن أخذ منه حظه فى زمانه كان كمن شاهده كله وشارك من مضى قبله من الغزاة ومن تبطأ عنه فى زمانه فقد شارك المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اثمهم وعارهم والتبطؤ والتخلف انما هو من الكسل الطبيعي البدني ومن كان له حظ روحانى يجد فى نفسه المسارعة الى الخيرات: وفى المثنوى

هر كرانى وكسل خود از تنست

جان ز خفت جمله در پريدنست

اللهم اعصمنا من الكسل فى باب الدين وأعنا انك أنت المعين لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فى أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وان الخلص منهم يبادرون اليه من غير توقف على الاذن فضلا عن ان يستأذنوك فى التخلف وحيث استأذنك هؤلاء فى التخلف كان مظنة للتأنى فى أمرهم بل دليلا على نفاقهم وعلة عدم الاستئذان الايمان كما ان علة الاستئذان عدم الايمان بناء على قاعدة ان تعليق الحكم بالوصف يشعر بعلية الوصف له وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ شهادة لهم بالانتظام فى زمرة المتقين وعدة لهم باجزال الثواب واشعار بان ما صدر عنهم معلل بالتقوى إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ فى التخلف الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قال فى التبيان كان الاستئذان فى ذلك الوقت علامة النفاق قيل كانوا تسعة وثلاثين رجلا وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ عطف على الصلة والماضي للدلالة على تحقق الريب والريب شك مع اضطراب القلب ودل على ان الشاك المرتاب غير مؤمن فَهُمْ حال كونهم فِي رَيْبِهِمْ وشكهم المستقر فى قلوبهم يَتَرَدَّدُونَ اى يتحيرون فان التردد [ديدن المتحير] كما ان الثبات [ديدن المستبصر] وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ يدل على ان بعضهم قالوا عند الاعتذار كنا نريد الخروج لكن لم نتهيأ له وقد قرب الرحيل بحيث لا يمكننا فكذبهم الله وقال لو أرادوا الخروج معك الى العدو فى غزوة تبوك لَأَعَدُّوا لَهُ اى للخروج فى وقته عُدَّةً اى اهبة من الزاد والراحلة والسلاح وغير ذلك مما لا بد منه للسفر وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ ولكن ما أرادوه لما انه تعالى كره نهوضهم للخروج لما فيه من المفاسد الآتية. والانبعاث [برانگيخته شدن] كما فى التاج فلكن للاستدراك من المقدم وفى حواشى سعدى چلبى الظاهر ان لكن هاهنا للتأكيد انتهى فَثَبَّطَهُمْ اى حبسهم بالجبن والكسل فتثبطوا عنه ولم يستعدوا له والتثبيط صرف الإنسان عن الفعل الذي يهم به وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ الذين شأنهم القعود وملازمة البيوت وهم الزمنى والمرضى والعميان والنساء والصبيان ففيه ذم لهم وظاهره يخالف قوله تعالى انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فلذا حملوه على التمثيل بان يشبه إلقاء الله تعالى فى قلوبهم كراهة الخروج بامر آمر أمرهم بالقعود ثم بين سر كراهته تعالى لانبعاثهم فقال لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ [در ميان شما] اى مخالطين لكم ما زادُوكُمْ اى ما اورثوكم شيأ من الأشياء

ص: 442

إِلَّا خَبالًا اى فسادا وشرا كالتجبين وتهويل امر الكفار والسعى للمؤمنين بالنميمة وإفساد ذات البين وإغراء بعضهم على بعض وتحسين الأمر لبعضهم وتقبيحه للبعض الآخر ليتخلفوا وتفترق كلمتهم فهو استثناء مفرغ من أعم العام الذي هو الشيء فلا يلزم ان يكون فى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خبال وفساد ويزيد المنافقون ذلك الفساد بخروجهم فيما بينهم لان الزيادة المستثناة انما هى الزيادة بالنسبة الى أعم العام لا بالنسبة الى ما كان فيهم من القبائح والمنكرات وفى البحر قد كان فى هذه الغزوة منافقون كثير ولهم لا شك خبال فلو خرج هؤلاء لا لتأموا فزاد الخبال انتهى وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ اى لسعوا بينكم واسرعوا بإلقاء ما يهيج العداوة او ما يؤدى الى الانهزام. والإيضاع تهيج المركوب وحمله على الاسراع من قولهم وضع البعير وضعا إذا اسرع واوضعته انا إذا حملته على الاسراع. والمعنى لأوضعوا ركائبهم بينكم على حذف المفعول والمراد به المبالغة فى الاسراع بالنمائم لان الراكب اسرع من الماشي. والخلال جمع خلل وهو الفرجة بين الشيئين وهو بمعنى بينكم منصوب على انه ظرف اوضعوا يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ حال من فاعل اوضعوا اى حال كونهم باغين اى طالبين الفتنة لكم وهى افتراق الكلمة وَفِيكُمْ [ودر ميان شما] سَمَّاعُونَ لَهُمْ اى نمامون يسمعون حديثكم لاجل نقله إليهم فاللام للتعليل أو فيكم قوم ضعفة يسمعون للمنافقين اى يطيعونهم فاللام لتقوية العمل لكون العامل فرعا كقوله تعالى فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ علما محيطا بضمائرهم وظواهرهم وما فعلوا فيما مضى وما يأتى منهم فيما سيأتى وهو شامل للفريقين السماعين والقاعدين لَقَدِ ابْتَغَوُا اى طلب هؤلاء المنافقون الْفِتْنَةَ تشتيت شملك وتفريق أصحابك عنك مِنْ قَبْلُ اى قبل غزوة تبوك يعنى يوم أحد فان أبيا انصرف يوم أحد مع ثلاثمائة من أصحابه وبقي النبي عليه السلام مع سبعمائة من خلص المؤمنين وقد تخلف بمن معه عن تبوك ايضا بعد ما خرج النبي عليه السلام الى ذى جدة أسفل من ثنية الوداع وكذا ابتغوا الفتنة فى حرب الخندق حيث قالوا يا اهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا وفى ليلة العقبة ايضا حيث القوا شيأ بين قوائم ناقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالليل حتى تنفر وتلقى النبي عليه السلام عن ظهرها وايضا وقف اثنا عشر رجلا من المنافقين على ثنية الوداع ليلة العقبة ليفتكوا به عليه السلام فاخبره الله بذلك وسلمه منهم والفتك ان يأتى الرجل صاحبه وهو غارّ غافل حتى يشد عليه فيقتله وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ تقليب الأمر تصريفه من وجه الى وجه وترديده لاجل التدبير والاجتهاد فى المكر والحيلة يقال للرجل المتصرف فى وجوه الحيل حول قلب اى اجتهدوا ودبروا لك الحيل والمكايد ورددوا الآراء فى ابطال أمرك حَتَّى جاءَ الْحَقُّ اى النصر والتأييد الإلهي وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ غلب دينه وعلا شرفه وَهُمْ كارِهُونَ والحال انهم كارهون لذلك اى على رغم منهم وقال الكاشفى [وايشان ناخواهانند نصرت ودولت ترا اما چون خداى تعالى مى خواهد كراهت ايشانرا اثرى نيست]

چون ترا اندر حريم قرب خود ره داده شاه

از نفير پرده دار وطعن دربان غم مخور

ص: 443

انظر الى ما فى هذه الآيات من تقبيح حال المنافقين وتسلية رسول الله والمؤمنين وبيان كون العاقبة للمتقين ولن يزال الناس مختلطا مخلصهم بمنافقهم من ذلك الوقت الى هذا الحين لكن من كان له نية صادقة صالحة يختار فراق اهل الهوى والرياء أجمعين لان صحبة غير الجنس لا تزيد الا تشويشا وتفرقه فى باب الدين وكسلا فى عزيمة اهل اليقين فاجهد ان لا ترى الاضداد ولا تجاورهم فكيف ان تعاشرهم وتخالطهم يا مسكين: وفى المثنوى

چون ببندى تو سر كوزه تهى

در ميان حوض ويا جوئى تهى «1»

تا قيامت او فرو نايد ببست

كه دلش خاليست دروى باد هست

ميل بادش چون سوى بالا بود

ظرف خود را هم سوى بالا كشد

باز آن جانها كه جنس انبياست

سوى ايشان كش كشان چون سايه هاست

جان هامان جاذب قبطى شده

جان موسى جاذب سبطى شده «2»

معدهء خركه كشد در اجتذاب

معدهء آدم جذوب كندم آب

ثم فى قوله تعالى وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ذم للنمام والنميمة وهى كشف ما يكره كشفه يقال ان ثلث عذاب القبر من النميمة قال عبد الله بن المبارك ولد الزنى لا يكتم الحديث قال الامام الغزالي أشار به الى ان كل من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة دل على انه ولد الزنى وفى حديث المعراج (قلت لمالك أرني جهنم فقال لا تطيق على ذلك فقلت مثل سم الخياط فقال انظر فنظرت فرأيت قوما على صورة القردة قال هم القتاتون) اى النمامون وفرق بعضهم بين القتات والنمام بان النمام هو الذي يتحدث مع القوم والقتات هو الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم كذا فى شرح المصابيح- روى- ان الحسن البصري جاء اليه رجل بالنميمة وقال ان فلانا وقع فيك فقال له الحسن متى قال قال اليوم قال اين رأيته قال فى منزله قال ما كنت تصنع فى منزله قال كانت له ضيافة قال ماذا أكلت فى منزله قال كيت وكيت حتى عدد تمانية ألوان من الطعام فقال الحسن يا هذا قد وسع بطنك ثمانية ألوان من الطعام أوسع حديثا واحدا قم من عندى يا فاسق. وفيه اشارة الى ان النمام ينبغى ان يبغض ولا يوثق بصداقته- وذكر- ان حكيما من الحكماء زاره بعض إخوانه وأخبره بخبر عن غيره فقال له الحكيم قد ابطأت فى الزيارة وأتيتني بثلاث جنايات بغضت الىّ أخي وشغلت قلبى الفارغ واتهمت نفسك الامينة كذا فى الروضة والاحياء وهذا عادة الاخوان خصوصا فى هذا الزمان سامحهم الله الملك الديان فعلى العاقل حفظ اللسان وحفظ الجوارح من مساوى الكلام وانواع الآثام فان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا وَمِنْهُمْ اى من المنافقين مَنْ يَقُولُ لك يا محمد ائْذَنْ لِي فى القعود عن غزوة تبوك وَلا تَفْتِنِّي من فتنه يفتنه أوقعه فى الفتنة كفتنه وافتتنه- يلزم ويتعدى كما قال فى تاج المصادر الفتون والفتن [دو فتنه افكندن وفتنه شدن] والمعنى لا توقعنى فى الفتنة وهى المعصية والإثم يريد انى متخلف لا محالة أذنت أو لم تأذن لى حتى لا أقع فى المعصية بالمخالفة اولا تلقنى فى الهلكة فانى ان خرجت

(1) در اواخر دفتر چهارم در بيان قصه آن زن كه طفل او بر سر إلخ.

(2)

در اواسط دفتر چهارم در بيان نصيحت دنيا اهل دنيا كه زبان حال وبيوفائى إلخ.

ص: 444

معك هلك مالى وعيالى لعدم من يقوم بمصالحهم أَلا [بدانكه] فِي الْفِتْنَةِ اى فى عينها ونفسها وأكمل افرادها سَقَطُوا لا فى شىء مغاير لها وهى فتنة التخلف ومخالفة الرسول وظهور النفاق. يعنى انهم وقعوا فيما زعموا انهم محترزون عنه فالفتنة هى التي سقطوا فيها لا ما احترزوا عنه من كونهم مأمورين بالخروج الى غزوة تبوك وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ معطوف على الجملة السابقة داخل تحت التنبيه اى جامعة للمنافقين وغيرهم من الكفار يوم القيامة من كل جانب اى انهم يدخلون جهنم لا محالة لان الشيء إذا كان محيطا بالإنسان فانه لا يفوته كما فى الحدادي او جامعة لهم الآن لا حاطة أسبابها من الكفر والمعاصي وقيل تلك المبادي المتشكلة بصور الأعمال والأخلاق هى النار بعينها ولكن لا يظهر ذلك فى هذه النشأة وانما يظهر عند تشكلها بصورها الحقيقة فى النشأة الآخرة وقس عليها الأعمال والأخلاق المرضية ألا ترى ان دم الشهيد يتشكل بصورة المسك فلا يفوح منه الا المسك كما ورد فى الشرع وقال بعضهم هذه الآية نزلت فى جد بن قيس من المنافقين دعاه النبي عليه السلام الى الخروج الى العدو وحرضه على الجهاد (فقال له يا جد بن قيس هل لك فى جلاد بنى الأصفر) يعنى طوال القدّ منهم فان الجلاد من النخل هى الكبار الصلاب (نتخذ منهم سرارى ووصفاء) فقال جد ائذن لى فى القعود ولا تفتنى بذكر نساء الروم فانه قد علمت الأنصار انى رجل مولع بالنساء اى مفرط فى التعلق بهن فاخشى ان ظفرت ببنات الأصفر ان لا اصبر عنهن فاواقعهن قبل القسمة فاقع فى الفتنة والإثم فلما سمع النبي عليه السلام قوله اعرض عنه وقال (أذنت لك) ولم يقبل الله تعالى عذر جد وبين انه قد وقع فى الفتنة بمخالفة النبي عليه السلام والمراد ببني الأصفر الروم وهم جبل من ولد روم بن عيصو بن اسحق بن ابراهيم عليهم السلام والوجه فى تسمية الروم ببني الأصفر ان ملوك الروم انقضوا فى الزمان الاول فبقيت منهم امرأة فتنافسوا فى الملك حتى وقع بينهم شر عظيم فاتفقوا على ان يملكوا أول من اشرف عليهم فجلسوا مجلسا لذلك وأقبل رجل من اليمن معه عبد له حبشى يريد الروم فابق العبد فاشرف عليهم فقالوا انظروا فى أي شىء وقعتم فزوجوه تلك المرأة فولدت غلاما فسموه الأصفر فخاصمهم المولى فقال صدق انا عبده فارضوه فذلك قيل للروم بنوا الأصفر لصفرة لون هذا الولد لكونه مولدا بين الحبشي والمرأة البيضاء وفى الروض قيل لهم بنوا الأصفر لان عيصو بن اسحق كان به صفرة وهو جدهم وقيل ان الروم بن عيصو هو الأصفر وهو أبوهم وامه تسمة بنت إسماعيل عليه السلام وليس كل الروم من ولد بنى الأصفر فان الروم الاول فيما زعموا من ولد يونان بن يافث بن نوح عليهم السلام انتهى وقيل قيل لهم بنوا الأصفر لان جدهم روم بن عيصو ابن اسحق بن ابراهيم تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل له الأصفر وقيل لاولاده بنوا الأصفر وقيل لان جيشا من الحبشة غلب على ناحيتهم فى وقت فوطئ نساءهم فولدت أولادا صفراء بين سواد الحبشة وبياض الروم- حكى- عن بعض العارفين انه رأى النبي عليه السلام فى المنام فقال يا رسول الله انى أريد ان أتوجه الى الروم

ص: 445

فقال عليه السلام الروم لا يدخله المعصوم فاختلج فى صدره ان فى الروم العلماء والصلحاء والأولياء اكثر من ان يحصى ثم تتبع فوجد ان المراد من المعصوم الأنبياء واما هؤلاء فيسمون المحفوظين الكل من أنوار المشارق وثبت فى الصحيح انه (لا يبقى مسلم وقت قيام الساعة) لكن يكون الروم وهم قوم معروف اكثر الكفرة فى ذلك الوقت كما كانوا اليوم أكثرهم ثم ان القعود عن الغزو من بخل الرجل وهو من اذم الصفات قال ابراهيم بن أدهم إياك والبخل قبل وما البخل قال اما البخل عند اهل الدنيا فهو ان يكون الرجل شحيحا بماله واما الذي عند اهل الآخرة فهو الذي يبخل بنفسه عن الله تعالى ألا وان العبد إذا جاد بنفسه لله تعالى أورث قلبه الهدى والتقى وأعطاه السكينة والوقار والعلم الراجح والعقل الكامل فعلى العاقل الجود بماله ونفسه فى الجهاد الأصغر والأكبر حتى ينال الرضى من الله تعالى والجود من امدح الصفات- وحكى- عن ابى جهيم بن حذيفة قال انطلقت يوم تبوك اطلب عمى ومعى ماء أردت ان اسقيه ان كان به رمق فرأيته ومسحت وجهه فقلت له أسقيك الماء فاشار برأسه نعم فاذا رجل يقول آه من العطش فاومى برأسه ان اذهب اليه فاذا هو هشام بن العاص فقلت أسقيك قال نعم فلما دنوت منه سمعت صوتا يقول آه من العطش فاشار الى ان اذهب به اليه فذهبت فاذا هو ميت فرجعت بالماء الى هشام فاذا هوميت فرجعت الى عمى فاذا هو ميت كذا فى خالصة الحقائق: قال الحافظ الشيرازي قدس سره

فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ

كه كار عشق ز ما اين قدر نمى آيد

: قال السعدي قدس سره

اگر كنج قارون بچنك آورى

نماند مگر آنچهـ بخشى برى

إِنْ تُصِبْكَ فى بعض غزواتك حَسَنَةٌ ظفر وغنيمة كيوم بدر تَسُؤْهُمْ تلك الحسنة اى تورثهم يعنى المنافقين مساءة وحزنا لفرط حسدهم وعداوتهم لك وَإِنْ تُصِبْكَ فى بعضها مُصِيبَةٌ جراحة وشدة كيوم أحد او قتل وهزيمة على ان يكون المراد بالخطاب المؤمنين كما يدل عليه ما بعد الآية من إيراد ضمائر المتكلم مع الغير والا فمن قال ان النبي عليه السلام هزم فى بعض غزواته يستتاب فان تاب فيها ونعمت والا قتل لانه نقص ولا يجوز ذلك عليه خاصة إذ هو على بصيرة من امره ويقين من عصمته كما فى هدية المهديين نقلا عن القاضي عبد الله بن المرابط يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا [احتياط كار خود را] مِنْ قَبْلُ اى من قبل إصابة المصيبة: يعنى [دور انديشى كرديم وبدين حرب نرفتيم] وَيَتَوَلَّوْا اى يدبروا عن مجلس الاجتماع والتحدث الى أهاليهم وَهُمْ فَرِحُونَ بما صنعوا من الاعتزال عن المسلمين والقعود عن الحرب والجملة حال من الضمير فى يقولوا او يتولوا لامن الأخير فقط لمقارنة الفرح لهما معا قُلْ بيانا لبطلان ما بنوا عليه مسرتهم من الاعتقاد لَنْ يُصِيبَنا ابدا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ فى اللوح المحفوظ لَنا اللام للتعليل اى لا جلنا من خير وشر وشدة ورخاء لا يتغير بموافقتكم ومخالفتكم وامور العباد لا تجرى الأعلى تدبير قد احكم وأبرم هُوَ مَوْلانا ناصرنا ومتولى أمورنا وَعَلَى اللَّهِ

ص: 446

وحده وهو من تمام الكلام المأمور به ويجوز ان يكون ابتداء كلام من الله تعالى فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ التوكل تفويض الأمر الى الله تعالى والرضى بما فعله وان كان ذلك بعد ترتيب المبادي العالية والمعنى ان حق العبد ان يتوكل على مولاه ويبتغى رضوانه ويعتقد انه لن يصيبه شىء من الأشياء الا ما قدر له

پير ما گفت خطا بر قلم صنع نرفت

آفرين بر نظر پاك خطا پوشش باد

وفى الحديث (ان العبد لا يبلغ حقيقة الايمان حتى يعلم ان ما أصابه لم يكن ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه) قُلْ للمنافقين هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا التربص التمكث مع انتظار مجيىء شىء خيرا كان او شرا والباء للتعدية واحدى التاءين محذوفة إذ الأصل تتربصون. والمعنى ما تنتظرون بنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ اى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما من حسنى العواقب وهما النصر والشهادة وهذا نوع بيان لما أبهم فى الجواب الاول وكشف لحقيقة الحال باعلام ان ما يزعمونه مضرة للمسلمين من الشهادة انفع مما يعدونه منفعة من النصر والغنيمة. والمعنى فما تفرحون الا بما نلنا مما هو احسن العواقب وحرمانكم من ذلك فأين أنتم من التيقظ والعمل بالحزم كما زعمتم وفى الحديث (يضمن الله لمن خرج فى سبيله لا يخرج الا ايمانا بالله وتصديقا برسوله ان يدخله الجنة او يرجعه الى منزله الذي خرج منه نائلا مانال من اجر أو غنيمة)

دولت اگر مدد دهد دامنش آورم بكف

گر بكشد زهى طرب ور بكشد زهى شرف

وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أحد السوأيين من العواقب أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ [آنكه برساند خداى تعالى بشما] بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ كما أصاب من قبلكم من الأمم المهلكة من الصيحة والرجفة والخسف وكون العذاب من عند الله عبارة عن عدم كونه بايدى العباد أَوْ بعذاب بِأَيْدِينا وهو القتل بسبب الكفر فَتَرَبَّصُوا الفاء فصيحة اى إذا كان الأمر كذلك فتربصوا بنا ما هو عاقبتنا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ما هو عاقبتكم فاذا القى كل منا ومنكم ما يتربصه لا تشاهدون الا ما يسرنا ولا نشاهد الا ما يسوؤكم وفى الحديث (مثل المؤمن مثل السنبلة تحركها الريح فتقوم مرة وتقع اخرى ومثل الكافر مثل الأرزة لا تزال قائمة حتى تنقعر) أي تنقطع يقال قعر الشجرة قلعها من أصلها فانقعرت. والأرزة شجر يشبه الصنوبر يكون بالشام وبلاد الأرمن وقيل هو شجر الصنوبر: يعنى [مؤمن را عيش خوش نبود شادى با غم ونعمت با شدت ودرستى با بيمارى و چنين بسيار بماند وكافر تن درست ودل خوش بود لكن بيك كرت بسر اندر آيد وهلاك شود] وفى الحديث (من أهان لى وليا فقد بارزني بالمحاربة) يعنى ان الولي وهو المؤمن المطيع ينصر الله تعالى فيكون الله ناصره فمن عادى من كان الله ناصره فقد بارز بمحاربة الله وكل كافر ومنافق فهو مهين الأولياء واهانتهم بذر محصوله الهلاك والاستئصال وفى المثنوى

قصه عاد وثمود از بهر چيست

تا بدانى كانبيا را ناز كيست

اين نشان خسف وقذف وصاعقه

شد بيان عز نفس ناطقه

جمله حيوانرا پى انسان بكش

جمله انسان را بكش از بهرهش

هش چهـ باشد عقل كل هوشمند

هوش جزئى هش بود اما نژند

ص: 447

وقد ذم الله المنافقين بتغيير الحال وعدم مواطأة الحال بالمقال وفى الحديث (لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه) وفى الحديث (طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره) وفى الحديث (من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه آخر ومن كان ذا وجهين فى الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار) كما فى أبكار الافكار قُلْ جوابا لجد بن قيس من المنافقين وهو قد استأذن فى التخلف عن غزوة تبوك وقال أعينك بمالى أَنْفِقُوا ايها المنافقون أموالكم فى سبيل الله حال كونكم طَوْعاً اى طائعين من قبل أنفسكم أَوْ كَرْهاً او كارهين مخافة القتل كما فى الحدادي وقال فى الإرشاد طَوْعاً اى من غير الزام من جهته عليه السلام ولا رغبة من جهتكم او هو فرضى لتوسيع الدائرة انتهى اى فلا يخالفه قوله وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ كما سيأتى لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ يحتمل ان يكون المراد منه انه عليه السلام لا يقبله منهم بل يرد عليهم ما يبذلونه او انه تعالى لا يقبله منهم ولا يثيبهم عليه قوله أنفقوا امر فى معنى الخبر اى أنفقتم وذلك لان قوله لن يتقبل منكم يأبى عن حمله على معناه الظاهر إذ لا وجه لان يؤمر بشىء ثم يخبر بانه عبث لا يجدى نفعا بوجه ما- روى- انه لما اعتذر من الخروج لامه ولده عبد الله عنه وقال له والله لا يمنعك الا النفاق وسينزل الله فيك قرآنا فاخذ نعله وضرب به وجه ولده فلما نزلت الآية قال له ألم اقل لك فقال له اسكت يا لكع فو الله لأنت أشد علىّ من محمد ثم علل رد انفاقهم بقوله إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ اى كافرين فالمراد بالفسق ما هو الكامل منه لا الذي هو دون الكفر كما قال الكاشفى [بدرستى كه شما هستيد گروهى بيرون رفتگان از دائره اسلام ونفقه كافر قبول نيست] فالتعليل هنا بالفسق وفيما بعده بالكفر حيث قال ألا انهم كفروا بالله واحد- روى- انه تاب من النفاق وحسنت توبته ومات فى خلافة عثمان رضى الله عنه وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ استثناء من أعم الأشياء اى ما منعهم من قبول نفقاتهم منهم شىء من الأشياء الا كفرهم فالمستثنى المفرغ مرفوع المحل على انه فاعل منع. وقوله ان تقبل مفعوله الثاني بنزع الخافض او بنفسه فانه يقال منعت الشيء ومنعت فلانا حقه ومنعته من حقه وقال ابو البقاء ان تقبل فى موضع نصب بدلا من المفعول فى منعهم وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ [ونمى آيند بنماز جماعت] وهو معطوف على كفروا إِلَّا وَهُمْ كُسالى اى لا يأتونها فى حال من الأحوال الا حال كونهم متثاقلين قال الكاشفى [مگر ايشان كاهلانند بنماز مى آيند بكسالت وكراهت نه بصدق وأرادت] والكسالى جمع كسلان كما يقال سكارى وسكران قال البغوي كيف ذكر الكسل فى الصلاة ولا صلاة لهم أصلا قيل الذم واقع على الكفر الذي يبعث على الكسل فان الكفر مكسل والايمان منشط وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ قال ابن الشيخ الرغبة والنشاط فى أداء العبادات متفرعة على رجاء الثواب بها وخوف العقاب على تركها المتفرعين على الايمان بما جاء به النبي عليه السلام من عند الله والمنافق لا يؤمن بذلك فلا يرجو ثواب الآخرة ولا يخاف عقابها فيكون كسلان فى إتيان الصلاة وكارها للانفاق لزعمه انهما اتعاب للبدن وتضييع للمال بلا فائدة وفيه ذم الكسل قيل من دام كسله خاب أمله: قال أبو بكر الخوارزمي

ص: 448

لا تصحب الكسلان فى حالاته

كم صالح بفساد آخر يفسد

عدوى البليد الى الجليد سريعة

والجمر يوضع فى الرماد فيخمد

: وفى المثنوى كر هزاران طالبند ويك ملول از رسالت باز مى ماند رسول كى رسانند آن امانت را بتو تا نباشى پيششان راكع دو تو فَلا تُعْجِبْكَ الاعجاب استحسان على وجه التعجب من حسنه قال الكاشفى [پس بايد كه ترا بشكفت نيارد خطاب بآن حضرتست ومراد امت اند مؤمنانرا ميفرمايد كه متعجب نگردانند شما را] أَمْوالُهُمْ اى اموال المنافقين وَلا أَوْلادُهُمْ فان ذلك وبال عليهم واستدراج لهم كما قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ضمير بها راجع الى الأموال دون الأولاد. والمعنى ليعذبهم بالتعب فى جمعها والوجل فى حفظها والكره فى إنفاقها ويجوز ان يرجع إليهما معا بناء على ان الأولاد ايضا اسباب للتعذيب الدنيوي من حيث انهم ان عاشوا يبتلى أصولهم بمتاعب تربيتهم وتحصيل اسباب معاشهم من المآكل والمشارب والملابس وان ماتوا يبتلى أصولهم بحسرة فراقهم فان من أحب شيأ كان تألمه على فراقه شديدا يقول الفقيران قلت ان المؤمن والكافر يشتركان فى هذا التعب والحسرة فما معنى تخصيص الكافر اى المنافق قلت نعم الا ان المؤمن أخف حالا لايمانه وأمله ثواب الآخرة وصبره على الشدائد فيكون التعذيب بتربية الأولاد وحسرة فراقهم كلا تعذيب بالنسبة اليه وَتَزْهَقَ اصل الزهوق خروج الشيء بصعوبة أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ اى فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر فى العاقبة فيكون ذلك لهم نقمة لا نعمة [نه مال ايشانرا دست گيرد ونه فرزند بفرياد رسد] وفى ارادة الله زهوق أنفسهم على الكفر لينالوا وباله اشارة الى جواز الرضى بكفر الغير وموته عليه إذا كان شريرا مؤذيا ينتقم الله منه اى من غير استحسان واستجازة كما قال الفقهاء إذا دعا على ظالم أماتك الله على الكفر او قال سلب الله عنك الايمان او دعا عليه بالفارسية [خدا جان تو بكافرى بستاند] فهذا لا يكون كفرا إذا كان لا يستحسنه ولا يستجيزه ولكن تمنى ان يسلب الله الايمان منه حتى ينتقم الله منه على ظلمه وإيذائه الخلق واعلم ان الطاعة فى العبودية بثلاثة انواع بالمال والبدن والقلب اما بالمال فهو الانفاق فى سبيل الله وفى الحديث (من جهز غازيا ولو بسلك ابرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن جهز غازيا ولو بدرهم أعطاه الله سبعين درجة فى الجنة من الدر والياقوت) وعن ابى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بفرس يجعل كل خطوة منه أقصى بصره فسار ومعه جبريل فأتى على قوم يزرعون فى يوم ويحصدون فى يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال (يا جبرائيل من هؤلاء) قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه واما بالبدن فهو القيام بالأوامر والنواهي والسنن والآداب المستحسنة المستحبة واما بالقلب فهو الايمان والصدق والإخلاص فى النية فالطاعة بالمال والبدن لا تقبل عند إعواز طاعة القلب كطاعة المنافقين وطاعة القلب عند إعواز الطاعة

ص: 449

بالمال والبدن مقبولة لقوله عليه السلام (نية المؤمن ابلغ من عمله) فالقربة لا تقبل الأعلى حقيقة الايمان وهو شرط اقامة الطاعات المالية والبدنية وفى الحديث (ان إعطاء هذا المال فتنة وإمساكه فتنة) وذلك لان إنفاقه على طريق الرياء او بالمنة والأذى فتنة وكذا إمساكه إذ فى الإمساك ملامة وذلالة بل ضلالة وفى الحديث (ان لكل امة فتنة وان فتنة أمتي المال)[حقيقت فتنه آنست كه هر چيزى كه آن مرورا از دين ورشد مشغول دارد آنرا كه از توفيق محرومست وآنرا كه موافقيست اگر پادشاه دنيا شود آن پادشاهى او را از دين مشغول ندارد] : وفى المثنوى

چيست دنيا از خدا غافل بدن

نى قماش ونقره وميزان وزن

مال را كز بهر دين باشى حمول

نعم مال صالح خواندش رسول

آب در كشتى هلاك كشتى است

آب اندر زير كشتى پستى است

چونكه مال وملك را از دل براند

زان سليمان خويش جز مسكين نخواند

[ومعاويه زنى را پرسيد كه على را ديده گفت بلى گفت چهـ گونه مردى بود على گفت لم يبطره الملك ولم تعجبه النعمة وعمر بن الخطاب رضى الله عنه گويد كه هر كه مال او را نفريبد هيچ جادويى وديوى او را نفريبد ومردى پيغمبر را صلى الله عليه وسلم گفت مرا چاره بياموز كه ديو مرا نفريبد گفت دوستىء مال در دل مدار وبا هيچ زن نا محرم خالى مباش] كذا فى شرح الشهاب

مكن تكيه بر ملك وجاء وحشم

كه پيش از تو بودست وبعد از تو هم

وَيَحْلِفُونَ اى المنافقون بِاللَّهِ يحتمل ان يتعلق بيحلفون ويحتمل ان يكون من كلامهم إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ اى لمن جملة المسلمين وَما هُمْ مِنْكُمْ لكفر قلوبهم وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ اى يخافون منكم ان تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين فيظهرون الإسلام تقية ويؤكدونه بالايمان الفاجرة يقال فرق كفرح اى فزع والفرق بفتحتين الفزع لَوْ يَجِدُونَ [اگر بيابيد] وإيثار صيغة الاستقبال فى الشرط وان كان المعنى على المضي لافادة استمرار عدم الوجدان مَلْجَأً اى مكانا حصينا يلجأون اليه من رأس جبل او قلعة او جزيرة مفعل من لجأ اليه يلجأ اى انضم اليه ليتحصن به أَوْ مَغاراتٍ هى الكهوف الكائنة فى الجبال الرفيعة اى غير انا وكهوفا يخفون فيها أنفسهم جمع مغارة وهى مفعلة اسم للموضع الذي يغور فيه الإنسان اى يغيب ويستتر أَوْ مُدَّخَلًا هو السرب الكائن تحت الأرض كالبئر اى نفقا يندسون فيه وينحجرون او قوما يمكنهم الدخول فيما بينهم يحفظونهم منكم كما فى الحدادي وهو مفتعل من الدخول أصله مدتخل قال ابن الشيخ عطف المغارات والمدخل على الملجأ من قبيل عطف الخاص على العام لتحقيق عجزهم عن الظفر بما يتحصنون فيه فان الملجأ هو المهرب الذي يلتجىء اليه الإنسان ويتحصن به من أي نوع كان لَوَلَّوْا اى لصرفوا وجوههم واقبلوا إِلَيْهِ اى الى أحد ما ذكر وَهُمْ يَجْمَحُونَ اى يسرعون اسراعا لا يردهم شىء كالفرس الجموح لئلا يجتمعوا معكم ويتبعدوا عنكم

ص: 450

والجموح النفور باسراع يقال فرس جموح إذا لم يرده لجام. والمعنى انهم وان كانوا يحلفون لكم انهم منكم الا انهم كاذبون فى ذلك وانما يحلفون خوفا من القتل لتعذر خروجهم من بلادهم ولو استطاعوا ترك دورهم وأموالهم والالتجاء الى بعض الحصون او الغيران التي فى الجبال او السروب التي تحت الأرض لفعلوه تسترا عنكم واستكراها لرؤيتكم ولقائكم وفيه بيان لكمال عتوهم وطغيانهم واشارة الى ان المنافق يصعب عليه صحبة المخلص فان الجنس الى الجنس يميل لا الى خلافه: قال السعدي فى كتاب الگلستان [طوطى را با زاغى همقفس كردند از قبح مشاهده او مجاهده برده مى گفت اين چهـ طلعت مكروهست وهيأت ممقوت ومنظر ملعون وشمائل ناموزون يا غراب البين يا ليت بينى وبينك بعد المشرقين

على الصباح بروى تو هر كه بر خيزد

صباح روز سلامت برو مسا باشد

بداخترى چوتو در صحبت تو بايستى

ولى چنانكه تو در جهان كجا باشد

عجبتر انكه غراب هم از محاورت طوطى بجان آمده بود لا حول كنان از گردش گيتى همى ناليد ودستهاى تغابن يكديگر همى ماليد وميگفت اين چهـ بخت نكونست وطالع دون وايام بوقلمون لايق قدر من آنستى كه با زاغى در ديوار باغي حرامان همى رفتمى

پارسا را بس اين قدر زندان

كه بود هم طويله رندان

تا چهـ كنه كرده ام روزگارم بعقوبت آن در سلك صحبت چنين ابلهى خود رأى وناجنس ويافه دراى بچنين بند بلا كرده است

كس نيايد بپاى ديوارى

كه بران صورتت نكار كنند

كر ترا در بهشت باشد جاى

ديگران دوزخ اختيار كنند

اين مثل براى ان آوردم تا بدانى كه صد چندانكه دانا را زنادان نفرتست نادانرا از دانا وحشتست] قيل أضيق السجون معاشرة الاضداد وقال الأصمعي دخلت على الخليل وهو جالس على الحصير الصغير فاشار الى بالجلوس فقلت أضيق عليك فقال مه ان الدنيا بأسرها لا تسع متباغضين وان شبرا بشبر يسع المتحابين قال بعضهم الصديق الموافق خير من الشقيق المخالف فعلى العاقل ان يراعى جانب الآفاق والأنفس بقدر الإمكان ويجتهد فى إصلاح الظاهر والباطن فى كل زمان ويجانب الأعداء وان ادعوا انهم من جملة الاخوان ومن الأعداء النفس وصفاتها وهى تدعى انها على سيرة الروح والقلب والسر وسجيتها وليست كذلك لان منشأ هذه عالم الأمر والأرواح ومنشأ تلك عالم الحلق والأشباح فلا بد من إصلاحها وازالة أخلاقها الرديئة لتكون لائقة بصحبة الروح ويحصل بسببها انواع الذوق والفتوح وَمِنْهُمْ اى من المنافقين مَنْ يَلْمِزُكَ ان يعيبك فان اللمز والهمز العيب واللامز كالهامز واللماز واللمزة كالهماز والهمزة بمعنى العياب وقيل اللامز هو من يعيبك فى وجهك والهامز من يعيبك بالغيب فِي الصَّدَقاتِ اى فى شأن الزكاة ويطعن عليك فى قسمتها جمع صدقة من الصدق يسمى بها عطية يراد بها المثوبة لا التكرمة لان بها يظهر صدقه فى العبودية كما فى الكرامانى والآية نزلت فى ابى الجواظ المنافق حيث قال

ص: 451

ألا ترون الى صاحبكم يقسم صدقاتكم فى رعاة الغنم ويزعم انه يعدل فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها بيان لفساد لمزهم وانه لا منشأ له سوى حرصهم على حطام الدنيا اى ان اعطوا من تلك الصدقات قدر ما يريدون رَضُوا بما أعطوه وما وقع من القسمة واستحسنوها وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها ذلك المقدار بل اقل مما طمعوا إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ اى يفاجئون السخط دلت إذا الفجائية على انهم إذا لم يعطوا فاجأسخطهم ولم يمكن تأخره لما جبلوا عليه أمن محبة الدنيا والشره فى تحصيلها وفى التأويلات النجمية النفاق تزيين الظاهر بأركان الإسلام وتعطيل الباطن عن أنوار الايمان والقلب المعطل عن نور الايمان يكون مزينا بظلمة الكفر بحب الدنيا ولا يرضى الا بوجدان الدنيا ويسخط بفقدها: قال السعدي نكند دوست زينهار از دوست دل نهادم بر آنچهـ خاطر اوست كر بلطفم بنزد خود خواند ور بقهرم براند او داند وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اى ما أعطاهم الرسول من الصدقات طيبى النفوس به وان قل وذكر الله تعالى للتعظيم والتنبيه على ان ما فعله الرسول عليه السلام كان بامره سبحانه فلا اعتراض عليه لكون المأمور به موافقا للحكمة والصواب وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ اى كفانا فضله وصنعه بنا وما قسمه لنا فان جميع ما أصابنا انما هو تفضل منه سواء كان لكسبنا مدخل فيه او لم يكن سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ صدقة اخرى وَرَسُولُهُ فيعطينا منها اكثر مما أعطانا اليوم إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ ان يغنينا من فضله والآية بأسرها فى حيز الشرط والجواب محذوف بناء على ظهوره ولتذهب فيه النفس كل مذهب ممكن اى لكان خيرا لهم [زيرا كه رضا بقسمت سبب بهجت است وجزع در ان موجب محنت. سلمى از ابراهيم أدهم نقل ميكند كه هر كه بمقادير خرسند شد از غم وملال بازرست]

رضا بداده بده وز جبين كره بگشا

كه بر من وتو در اختيار نگشادست

ودرين معنى فرموده است بشنو اين نكته كه خود را ز غم آزاده كنى خون خورى گر طلب روزىء ننهاده كنى يقال إذا كان القدر حقا كان السخط حمقا ولما قدم سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه مكة بعد ما كف بصره قيل له أنت مجاب الدعوة لم لا تسأل رد بصرك فقال قضاء الله تعالى أحب الىّ من بصرى قيل لحكيم ما السبب فى قبض الكف عند الولادة وفتحه عند الموت فانشد ومقبوض كف المرء عند ولادة دليل على الحرص المركب فى الحي ومبسوط كف المرء عند وفاته يقول انظروا انى خرجت بلا شىء- حكى- ان نباشا تاب على يد ابى يزيد البسطامي قدس سره فسأله ابو يزيد عن حاله فقال نبشت عن ألف فلم ار وجوههم الى القبلة الا رجلين فقال ابو يزيد مساكين أولئك نهمة الرزق حولت وجوههم عن القبلة فعلى العاقل التوكل على الله والاعتماد بوعده فان الله كاف لعبده ومن وجد الله فقد ما دونه لان فقدان الله فى وجدان ما سواه ووجدانه

ص: 452

فى فقدان ما سواه ومن وجده يرضى به ويقول سيؤتينا الله من فضله ما نحتاج اليه فى كمال الدين ونظام الدنيا انا الى الله راغبون لا الى الدنيا والعقبى وما فيهما غير المولى- روى- ان عيسى عليه السلام مر بقوم يذكرون الله تعالى فقال لهم ما الذي حملكم عليه قالوا الرغبة فى ثواب الله فقال أصبتم ومر على قوم آخرين يذكرون الله تعالى فقال لهم ما الذي حملكم عليه قالوا الخوف من عقاب الله تعالى فقال أصبتم ومر على قوم ثالث مشتغلين بذكر الله فسألهم عن سببه فقالوا لا نذكره للخوف من العقاب ولا للرغبة فى الثواب بل لاظهار ذلة العبودية وعزة الربوبية وتشريف القلب بمعرفته وتشريف اللسان بالألفاظ الدالة على صفات قدسه وعزته فقال أنتم المتحققون وفى هذا المعنى: قال الحافظ

پدرم روضه جنت بدو كندم بفروخت

نا خلف باشم اگر من بجوى نفروشم

إِنَّمَا الصَّدَقاتُ اى جنس الزكوات المشتملة على الأنواع المختلفة من النقدين وغيرهما سميت الزكاة صدقة لدلالتها على صدق العبد فى العبودية كما فى الكافي وذكر فى الأزاهير ان تركيبها يدل على قوة فى الشيء قولا وفعلا وسمى بها ما يتصدق به لان بقوته يرد البلاء وقيل لان أول عامل بعثه صلى الله عليه وسلم لجمع الزكاة رجل من بنى صدق بكسر الدال وهم قوم من كندة والنسبة إليهم صدقى بالفتح فاشتقت الصدقة من اسمهم لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ اى مخصوصة بهؤلاء الأصناف الثمانية الآتية لا تتجاوزهم الى غيرهم من المنافقين والفقير من له شىء دون نصاب والمسكين من لا شىء له وهو المروي عن ابى حنيفة وقيل بالعكس وفائدة الخلاف تظهر فى الوصية للفقير او المسكين وَالْعامِلِينَ عَلَيْها الساعي فى جمعها وتحصيلها فيعطى العامل مما فى يده من مال الزكاة بقدر عمله فقيرا كان او غنيا او هاشميا فلو ضاع ذلك المال لم يعط شيأ وكذا لو اعطى المالك بنفسه زكاته الى الامام لا يستحق العامل شيأ وفى التبيين لو استغرقت كفاية الزكاة لا يزاد على النصف لان التنصيف عين الانصاف وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وهم طائفة مخصوصة من العرب لهم قوة واتباع كثيرة منهم مسلم ومنهم كافر قد اعطوا من الصدقة تقريرا على الإسلام او تحريضا عليه او خوفا من شرهم وَفِي الرِّقابِ اى وللصرف فى فك الرقاب اى فى تخليصها من الرق بان يعان المكاتبون بشىء منها على أداء بدل كتابتهم لا للرقاب فان المكاتب لا يستحق المال ولا يملكه بل يملكه مولاه وكذا مال المديون يملكه الدائن فالعدول عن اللام للدلالة على ان استحقاق الاربعة الاخيرة ليس لذواتهم اى لكونهم مكاتبا ومديونا ومجاهدا ومسافرا حتى يتصرفوا فى الصدقة كيف شاؤا كالاربعة الاول بل لجهة استحقاقهم كفك الرقبة من الرق وتخليص الذمة من مطالبة من له الحق والاحتياج الى ما يتمكن به من الجهاد وقطع المسافة ووجه الدلالة ان فى قد تستعمل لبيان السبب كما يقال عذب فلان فى سرقة لقمة اى بسببها والمراد مكاتب غيره ولو غنيا فيعطى ما عجز عنه فيؤدى الى عنقه. والرقاب جمع رقبة وهى يعبر بها عن الجملة وتجعل اسما للمملوكة وَالْغارِمِينَ اى الذين تدينوا لانفسهم فى غير معصية إذا لم يكن لهم نصاب فاضل عن ديونهم والغارم والغريم وان كان يطلق كل واحد منهما على من له

ص: 453

الدين الا ان المراد بالغارم فى الآية الذي عليه الدين وان المديون قسمان. الاول من ادّان لنفسه فى غير معصية فيعطى له من الزكاة ما يفى بدينه بشرط ان لا يكون له من المال ما يفى بدينه وان كان له ذلك فلا يعطى. والثاني من أدان فى المعروف وإصلاح ذات البين فانه يعطى من مال الزكاة ما يقضى به دينه وان كان غنيا واما من ادّان فى معصية او فساد فانه لا يعطى له شىء منها وعن مجاهد ان الغارم من احترق بيته او ذهب السيل بماله او ادّان على عياله وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ اى فقراء الغزاة عند ابى يوسف وهم الذين عجزوا عن اللحوق بجيش الإسلام لفقرهم اى لهلاك النفقة او الدابة او غيرهما فتحل لهم الصدقة وان كانوا كاسبين إذ الكسب يقعدهم عن الجهاد فى سبيل الله. وسبيل وان عم كل طاعة الا انه خص بالغزو إذا اطلق وعند محمد هو الحجيج المنقطع بهم

وَابْنِ السَّبِيلِ اى المسافر الكثير السير المنقطع عن ماله سمى به لملازمة الطريق فكل من يريد سفرا مباحا ولم يكن له ما يقطع به المسافة يعطى من الصدقة قدر ما يقطع به تلك المسافة سواء كان له فى البلد المنتقل اليه مال او لم يكن وهو متناول للمقيم الذي له مال فى غير وطنه فينبغى ان يكون بمنزلة ابن السبيل وللدائن الذي مديونه مقر لكنه معسر فهو كابن السبيل كما فى المحيط فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ مصدر لما دل عليه صدر الآية لان قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ فى قوة ان يقال فرض الله لهم الصدقات فريضة قال الكاشفى [حق سبحانه وتعالى براى اين جماعت فرض كرده است زكاترا فريضه فرض كردنى من الله ثابت از نزديك خداى تعالى] وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوال الناس ومراتب استحقاقهم حَكِيمٌ لا يفعل الا ما تقتضيه الحكمة من الأمور الحسنة التي من جملتها سوق الحقوق الى مستحقيها حق تعالى چون در قسمت گشاد هر كسى را هر چهـ مى بايست داد نيست واقع اندر ان قسمت غلط بنده را خواهى رضا خواهى سخط واعلم ان سهم المؤلفة قلوبهم ساقط بإجماع الصحابة لما ان ذلك كان لتكثير سواد الإسلام فلما أعزه الله وأعلى كلمته استغنى عن ذلك كما قال عمر رضى الله عنه فى زمن خلافة ابى بكر رضى الله عنه الإسلام أعز من ان يرشى عليه فان ثبتم على الإسلام بغير رشوة فبها والا فبيننا وبينكم السيف فبقيت المصارف السبعة على حالها فللمتصدق ان يدفع صدقته الى كل واحد منهم وان يقتصر على صنف منهم بل لو صرف الى شخص واحد منهم جاز فان اللام فى للفقراء لبيان انهم مصارف لا يخرج عنهم كما يقال الخلافة لبنى العباس وميراث فلان لقرابته اى ليست الخلافة لغيرهم لا أنها بينهم بالسوية فاللام لام الاختصاص لا التمليك لعدم جواز التمليك للمجهول قال مشايخنا من أراد ان يتصدق بدرهم يبتغى فقيرا واحدا ويعطيه ولا يشترى به فلوسا ويفرقها على المساكين كما فى المحيط وكذلك الأفضل فى الفطر ان يؤدى صدقة نفسه وعياله الى واحد كما فعله ابن مسعود كما فى التمر تاشى وكره دفع نصاب او اكثر الى فقير غير مديون اما إذا كان مديونا او صاحب عيال او إذا فرق عليهم لم يخص كلا منهم نصاب فلا يكره كما فى الأشباه. وقوله كره اى جاز مع الكراهة اما الجواز فلان الأداء يلاقى

ص: 454

الفقر لان الزكاة انما تتم بالتمليك وحالة التمليك المدفوع اليه فقير وانما يصير غنيا بعد تمام التمليك فيتأخر الغنى عن التمليك ضرورة فيجوز واما الكراهة فلان الانتفاع به صادف حال الغنى ولو صادف حال الفقر لكان أكمل وندب دفع ما يغنى عن السؤال يومه لقوله عليه السلام (اغنوهم عن المسألة) والسؤال ذل فكان فيه صيانة المسلم عن الوقوع فيه ولا يسأل من له قوت يومه لان فى السؤال ذلا ولا يحل للمسلم ان يذل نفسه وبغير الاحتياج نكد والتكدي حرام ثم اعلم ان الأوصاف التي عبر بها عن الأوصاف المذكورة وان كانت تعم المسلم والكافر الا ان الأحاديث خصتها بالمسلم منهم وقال ابو حفص لا يصرف الى من لا يصلى الا أحيانا. والتصدق على الفقير العالم أفضل من الجاهل. وصدقة التطوع يجوز صرفها الى المذكورين وغيرهم من المسلم والذمي والى بناء المساجد والقناطر وتكفين الميت وقضاء دينه ونحوها لعدم اشتراط التمليك فى التطوع وان أريد صرف الفرض الى هذه الوجوه صرف الى الفقير ثم يؤمر بالصرف إليها فيثاب المزكى والفقير ولو قضى دين حى اى من مال الزكاة وان كان بأمره جاز كأنه تصدق على المديون فيكون القابض كالوكيل له فى قبض الصدقة وان كان بغير امره يكون متبرعا فلا يجوز من زكاة ماله ولا تصرف الزكاة الى مجنون وصبى غير مراهق الا إذا قبض لهما من يجوز له قبضها كالاب والوصي وغيرهما وتصرف الى مراهق يعقل الاخذ كما فى المحيط قال فى مجمع الفتاوى جملة ما فى بيت المال اربعة اقسام الاول الصدقات وما ينضم إليها تصرف الى ما قال الله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ الآية. والثاني الغنائم تصرف الى اليتامى والمساكين وابن السبيل. والثالث الجزية والخراج تصرف الى ما فيه صلاح دار الإسلام والمسلمين نحو سد الثغور والمقاتلة وعطياتهم وسلاحهم وكراعهم

ويصرف الى أمن الطريق والى إصلاح القناطر وكرى الأنهار والى أرزاق الولاة والقضاة والائمة والمؤذنين والقراء والمحتسبين والمفتين والمعلمين. والرابع ما أخذ من تركة الميت إذا مات بلا وارث او الباقي من فرض الزوج او الزوجة إذا لم يترك سواه يصرف الى نفقة المرضى وأدويتهم وعلاجهم ان كانوا فقراء والى نفقة من هو عاجز عن الكسب انتهى والاشارة انما الصدقات اى صدقات الله كما قال عليه السلام (ما من يوم ولا ليلة ولا ساعة الا لله فيها صدقة يتصدق بها على من يشاء من عباده) والفقراء هم الأغنياء بالله الفانون عن غيره الباقون به وهذا حقيقة قوله عليه الصلاة والسلام (الفقراء الصبر هم جلساء الله يوم القيامة) وهو سر ما قال الواسطي الفقير لا يحتاج الى الله وذلك لانه غنى به والغنى بالشيء لا يحتاج اليه والمساكين وهم الذي لهم بقية أوصاف الوجود لهم سفينة القلب فى بحر الطلب وقد خرقها خصر المحبة وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وهم ارباب الأعمال كما كان الفقراء والمساكين اصحاب الأحوال وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وهم الذين تتألف قلوبهم بذكر الله الى الله المتقربون اليه بالتباعد عما سواه وَفِي الرِّقابِ وهم المكاتبون قلوبهم عن رق الموجودات تحريا لعبودية موجدها والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم وَالْغارِمِينَ وهم الذين استقرضوا من مراتب المكونات أوصافها وطبائعها وخواصها وهم محبوسون فى سجن

ص: 455

الوجود بقروضهم وانهم فى استخلاص ذممهم عن القروض بردها فهم معاونون بتلك الصدقات للخلاص من حبس الوجود وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وهم الغزاة المجاهدون فى الجهاد الأكبر وهو الجهاد مع كفار النفوس والهوى والشيطان والدنيا وَابْنِ السَّبِيلِ وهم المسافرون عن أوطان الطبيعة والبشرية السائرون الى الله على أقدام الشريعة والطريقة بسفارة الأنبياء والأولياء فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ اى هذا السير والجهاد ورد القرض والحرية عن رق الموجودات وتألف القلوب الى الله واستعمال آمال الشريعة والتمسكن والافتقار الى الله طلبا للاستغناء به امر واجب على العباد من الله وهذه الصدقات من المواهب الربانية والألطاف الالهية للطالبين الصادقين امر أوجبه الله تعالى فى ذمة كرمه لهم كما قال تعالى (ألا من طلبنى وجدنى) وَاللَّهُ عَلِيمٌ بطالبيه حَكِيمٌ فيما يعاونهم على الطلب للوجدان كما قال تعالى (من تقرب الىّ شبرا تقربت اليه ذراعا) كذا فى التأويلات النجمية فعلى السالك الفناء عن أوصاف الموجودات والحرية عن رق الكائنات وعرض الافتقار الى هذه النفحات والصدقات وَمِنْهُمُ اى من المنافقين كالجلاس بن سويد وأحزابه الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ بان يقولوا فى حقه ما يتأذى به الإنسان وَيَقُولُونَ إذا قيل لهم من قبل بعضهم لا تفعلوا هذا الفعل فانا نخاف ان يبلغه ما تقولون فتفضحوا هُوَ اى النبي عليه السلام أُذُنٌ يسمع كل ما قيل له يعنى انا نقول ما شئنا ثم نأتيه فننكر ما قلنا ونحلف فيصدقنا بما نقول انما محمد اذن سامعة اى صاحبها وانما سموه اذنا مبالغة فى وصفه باستماعه كل ما يقال وتصديقه إياه حتى صار بذلك كأنه نفس الاذن السامعة يريدون بذلك انه ليس له ذكاء ولا بعد غور بل هو سليم القلب سريع الاغترار بكل ما يسمع فيسمع كلام المبلغ اولا فيتأذى منه ثم إذا وقع الإنكار او الحلف والاعتذار يقبله ايضا صدقا كان او كذبا وانما قالوه لانه عليه السلام كان لا يواجههم بسوء ما صنعوا ويصفح عنهم حلما وكرما فظن أولئك انه عليه السلام انما يفعله لقلة فطنته وقصور شهامته قُلْ هو أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ من اضافة الموصوف الى صفته كرجل صدق والمعنى نعم انه اذن لكنه نعم الاذن فان من يسمع العذر ويقبله خير ممن لا يقبله خير ممن لا يقبله لانه انما ينشأ من الكرم وحسن الخلق سلم الله تعالى قول المنافقين فى حقه عليه السلام انه اذن الا انه اذن الا انه حمل ذلك القول على ما هو مدح له وثناء عليه وان كانوا قصدوا به المذمة يُؤْمِنُ بِاللَّهِ تفسير لكونه اذن خير لهم اى يقربه لما قام عنده من الادلة الموجبة له فيسمع جميع ما جاء من عنده ويقبله وكون ذلك خيرا للمخاطبين كما انه خير للعالمين مما لا يخفى وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ اى يسلم لهم قولهم ويصدقهم فيما أخبروا به لما علم من خلوصهم وصدقهم ولا شك ان ما اخبر به المؤمنون الخلص يكون حقا فمن استمعه وقبله يكون اذن خير. واللام مزيدة للتفرقة بين الايمان المشهور وهو ايمان الامان من الخلود فى النار الذي هو نقيض الكفر بالله فانه يعدى بالباء حملا للنقيض على النقيض فيقال آمن بالله ويؤمنون بالغيب وبين الايمان بمعنى التصديق والتسليم والقبول فانه يعدى باللام مثل وما أنت بمؤمن لنا اى بمصدق وَرَحْمَةٌ عطف على اذن خير اى وهو رحمة بطريق اطلاق المصدر على الفاعل للمبالغة لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ

ص: 456

اى للذين أظهروا الايمان منكم وهم المنافقون حيث يقبله منهم لكن لا تصديقا لهم فى ذلك بل رفقا بهم وترحما عليهم ولا يكشف أسرارهم ولا يهتك استارهم قال الكاشفى: يعنى [نه آنست كه بقول شما دانا نيست صدق وكذب شما را ميداند اما پرده از روى كار شما بر نميدارد واز روى رحمت با شما رفق مينمايد] فالواجب على المؤمن الاقتداء بالرسول المختار فى التحفظ عن كشف الاسرار والتحقق بالاسم الستار وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ بالقول او الفعل لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [عذابى دردناك در آخرت بسبب إيذائه] فانه قد تبين انه عليه السلام خير ورحمة لهم فاذاه مقابلة لاحسانه بالاساءة فيكون مستوجبا للعذاب الشديد وكان المنافقون يتكلمون بالمطاعن ثم يأتون المؤمنين فيعتذرون إليهم ويؤكدون معاذيرهم بالايمان ليعذورهم ويرضوا عنهم فقال تعالى يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ ايها المؤمنون انهم ما قالوا ما نقل إليكم مما يورث اذية النبي عليه السلام لِيُرْضُوكُمْ بذلك وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ بالتوبة وترك الطعن والعيب والمبالغة فى باب الإجلال والإعظام مشهدا ومغيبا واما قبول عذرهم وعدم تكذيبهم فهو ستر عيوبهم لا عن رضى بما فعلوا. وضمير يرضوه الى الله فافراده للايذان بان رضاه عليه السلام مندرج تحت رضاه سبحانه وهما متلازمان فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر لعدم انفكاك الآخر أو إلى الرسول فان الكلام فى أذاه وأرضاه وذكر الله للتعظيم وللتنبيه على ان إرضاء الرسول إرضاء الله فاكتفى بذكر ارضائه عليه السلام عن ذكر ارضائه تعالى كما فى قوله تعالى وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ اكتفى بذكر حكم الرسول للتنبيه على ان حكم الرسول حكم الله او الى الله والرسول باستعارته لاسم الاشارة الذي يشار به الى الواحد والمتعدد بتأويل المذكور لا يقال أي حاجة الى الاستعارة بعد التأويل لانا نقول لولا الاستعارة لم يتسن التأويل لما ان الضمير لا يتعرض الا لذات ما يرجع اليه من غير تعرض لوصف من أوصافه التي من جملتها المذكورية وانما المتعرض لها اسم الاشارة قال الحدادي لم يقل يرضوهما لانه يكره الجمع بين ذكر اسم الله وذكر اسم رسول له فى كناية واحدة كما روى ان رجلا قام خطيبا عند النبي عليه السلام فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال عليه السلام (بئس الخطيب أنت هلا قلت ومن يعص الله ورسوله) قال فى أبكار الافكار انما أراد بذلك تعليم الأدب فى المنطق وكراهة الجمع بين اسم الله واسم غيره تحت حرفى الكناية لانه يتضمن نوعا من التسوية: قال السعدي قدس سره

متكلم را تا كسى عيب نگيرد

سخنش صلاح نپذيرد

مشو غره بر حسن گفتار خويش

بتحسين نادان و پندار خويش

وفى الحديث (لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان) قال الخطابي وهذا ارشاد الى الأدب لان الواو للجمع والتشريك وثم للعطف مع الترتيب والتراخي فارشدهم عليه السلام الى تقديم مشيئة الله على مشيئة من سواه. ومن هذا قال النخعي يكره ان يقول الرجل أعوذ بالله وبك ويجوز أعوذ بالله ثم بك ويقال لولا الله ثم فلان لفعلت كذا ولا يقال لولا الله وفلان وانما يقال من يطع الله ورسوله لان الله تعبد العباد بان فرض عليهم

ص: 457

طاعة رسول الله فاذا اطيع رسول الله فقد اطيع الله بطاعة رسوله إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ اى صادقين فيما أظهروه من الايمان فليرضوا الله ورسوله بالطاعة واخلاص الايمان فانهما أحق بالارضاء أَلَمْ يَعْلَمُوا اى أولئك المنافقون والاستفهام للتوبيخ على ما اقدموا عليه من العظمة مع علمهم بسوء عاقبتهم أَنَّهُ اى الشان مَنْ شرطية معناها بالفارسية [هر كس كه] يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [خلاف كند با خداى تعالى وبا رسول او واز حد در گذراند. والمحادة با كسى حرب يا خلاف كردن] كما فى تاج المصادر مفاعلة من الحد وهو الطرف والنهاية وكل واحد من المتخالفين والمتعاندين فى حد غير حد صاحبه فَأَنَّ لَهُ بالفتح على انه مبتدأ حذف خبره اى فحق ان له نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ العذاب الخالد الْخِزْيُ الْعَظِيمُ الخزي الذل والهوان المقارن للفضيحة والندامة وهى ثمرات نفاقهم حيث يفتضحون على رؤوس الاشهاد بظهورها ولحوق العذاب الخاص بهم واعلم ان كل نبى أوذي بما لا يحيط به نطاق البيان وكان النبي عليه السلام أشدهم فى ذلك كما قال (ما أوذي نبى مثل ما أوذيت) ولما كانت الاذية سبب التصفية كان المعنى ما صفى نبى مثل ما صفيت واما قوله عليه السلام حين قسم غنائم الطائف فقال بعض المنافقين بعدم العدل (من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحمة الله على أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر) فيحتمل ان يكون بالنسبة الى ذلك الوقت وقد زاد أذاه الى آخر العمر كمية واشتد كيفية هذا هو اللائح بالبال فاذا كان الأنبياء عليهم السلام مبتلين بالاذية والنفي من البلد والقتل فما ظنك بالأولياء الكرام وهم أحوج منهم الى التصفية لان قدس الأنبياء اغلب وبواطنهم أنور وسرائرهم أصفى قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره وانما كان الحسن مسموما والحسين مذبوحا رضى الله عنهما بسبب ان كمال تعينهما كان بالشهادة وكان النبي عليه السلام قادرا على تخليصهما بالشفاعة من الله تعالى ولكنه رأى كما لهما فى مرتبتهما راجحا على الخلاص حتى انه عليه السلام دفع قارورتين لواحدة من الأزواج المطهرة وقال (إذا أصفر ما فى إحداهما يكون الحسن شهيدا بالسم وإذا احمر ما فى الاخرى يكون الحسين شهيدا بالذبح) فكان كذلك فعلى العاقل الاطاعة والتسليم وتحمل الأذى من كل منافق لئيم فان الله تعالى مع المؤمن المتقى أينما كان فاذا كان الله معه وكاشف عن ذلك هان عليه الابتلاء لمشاهدته المبتلى على كل حال فى فرح وترح: وفى المثنوى

هر كجا باشد شه ما را بساط

هست صحرا كر بود سم الخياط

هر كجا يوسف رضى باشد چوماه

جنتست او گر چهـ باشد قعر چاه

يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ اى على المؤمنين سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ اى تخبر تلك السورة المؤمنين بِما فِي قُلُوبِهِمْ اى قلوب المنافقين من الشرك والنفاق فتفضحهم وتهتك عليهم استارهم فالضميران الأولان للمؤمنين. والثالث للمنافقين ولا يبالى بالتفكك عند ظهور الأمر ويجوز ان تكون الضمائر كلها للمنافقين. فالمعنى يحذر المنافقون ان تنزل عليهم اى فى شأنهم فان ما نزل فى حقهم نازل عليهم سورة تنبئهم بما فى قلوبهم من الاسرار الخفية فضلا

ص: 458

عما كانوا يظهرونه فيما بينهم من أقاويل الكفر والنفاق ومعنى تنبيئها إياهم مع انها معلومة لهم وان المحذور عندهم اطلاع المؤمنين على أسرارهم لا اطلاع أنفسهم عليها انها تذيع ما كانوا يخفونه من أسرارهم فتنتشر فيما بين الناس فيسمعونها من أفواه الرجال فان قلت كيف يحذر المنافقون نزول الوحى الكاشف عن نفاقهم مع انهم ينكرون نبوته عليه السلام فكيف يجوزون نزول الوحى عيله قلت ان بعض المنافقين كانوا يعلمون النبوة لكنهم كانوا يكفرون عند اهل الشرك عنادا وحسدا وبعضهم كانوا شاكين مترددين فى امره صلى الله تعالى عليه وسلم والشاك يجوز نزول الوحى فيخاف ان ينزل عليه ما يفضحه وقال ابو مسلم كان اظهار الحذر منهم بطريق الاستهزاء فانهم كانوا إذا سمعوا رسول الله يذكر كل شىء ويقول انه بطريق الوحى يكذبونه ويستهزئون به بان يقولوا فيما بينهم على وجه الاستهزاء به عليه السلام انا نحدر ونخاف ان ينزل عليه ما يفصحنا ولذلك قيل قُلِ اسْتَهْزِؤُا اى افعلوا الاستهزاء وهو امر تهديد: يعنى [استهزا مكنيد كه جزا خواهيد يافت وجزا آنست كه براى تفضيح شما] إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ اى من القوة الى الفعل او من الكمون الى البروز ما تَحْذَرُونَ اى ما تحذرونه من إنزال السورة او ما تحذرون إظهاره من مساويكم ومن هذا سميت هذه السورة الفاضحة لانها فضحت المنافقين وتسمى ايضا الحافرة لانها حفرت عن قلوب المنافقين وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ عما قالوا بطريق الاستهزاء لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ فى الكلام ونتحدث كما يفعل الركب لقطع الطريق بالحديث وَنَلْعَبُ كما يلعب الصبيان- روى- انه عليه الصلاة والسلام كان يسير فى غزوة تبوك وبين يديه ركب من المنافقين يستهزئون بالقرآن وبالرسول عليه السلام ويقولون انظروا الى هذا الرجل يريد ان يفتتح حصون الشام وقصوره وهيهات هيهات يحسب محمد أن قتال بنى الأصفر معه اللعب والله لكأنهم يعنى الصحابة غدا مفرقون فى الجبال فاطلع الله نبيه على ذلك فقال (احبسوا علىّ الركب) فاتاهم فقال (قلتم كذا وكذا) فقالوا يا نبى الله لا والله ما كنا فى شىء من أمرك ولا من امر أصحابك انما كنا نخوض ونلعب فلما أنكروا ما هم فيه من الاستهزاء والتخفيف امر الله تعالى رسوله فقال قُلْ يا محمد على طريق التوبيخ غير ملتفت الى اعتذارهم أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ عقب حرف التقرير بالمستهزأ به اشارة الى تحقق الاستهزاء وثبوته فانه فرق بين ان يقال تستهزئ بالله وبين ان يقال أبا لله تستهزئ فان الاول يقتضى الإنكار على ملابسة الاستهزاء والثاني يقتضى الإنكار على إيقاع الاستهزاء فى الله لا تَعْتَذِرُوا لا تشتغلوا بالاعتذار فانه معلوم الكذب بين البطلان والاعتذار عبارة عن محواثر الذنب قال فى التبيان اصل الاعتذار القطع يقال اعتذرت اليه اى قطعت ما فى قلبه من الموجدة قَدْ كَفَرْتُمْ الكفر بأذى الرسول والطعن فيه بَعْدَ إِيمانِكُمْ اى بعد اظهاركم له فانهم قط لم يكونوا مؤمنين ولكن كانوا منافقين إِنْ نَعْفُ [اگر عفو كنيم] عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ لتوبتهم وإخلاصهم او لتجنبهم عن الاذية والاستهزاء نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم كانُوا مُجْرِمِينَ مصرين على الاجرام وهم غير التائبين او مباشرين له وهم غير المجتنبين واعتذر النبي عليه السلام لمن قال ألا تقتلهم لظهور كفرهم

ص: 459

بقوله اكره ان تقول العرب قاتل أصحابه بل يكفيناهم الله بالدبيلة اى بالداهية وفى الآيات إشارات الاولى ان المنافقين وان اعتقدوا نزول الوحى على النبي عليه السلام واعتقدوا نبوته لكن لم ينفعهم مجرد الاعتقاد والإقرار باللسان فى ثبوت الايمان مع ادنى شك داخلهم ولم ينفعهم الحذر مع القدر وهذا تحقيق قوله (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) وفى هدية المهديين من قال آمنت بجميع الأنبياء ولا اعلم أآدم نبى أم لا يكفرو من لم يعرف ان سيدنا محمدا عليه السلام خاتم الرسل لا نسخ لدينه الى يوم القيامة لا يكون مؤمنا والثانية ان اظهار اللطف والرحمة بلا سبب محتمل ولكن اظهار القهر والفرق لا يكون الا بسبب جرم من المجرمين كما قال بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ: وفى المثنوى

چونكه بد كردى بترس ايمن مباش

زانكه تخمست وبروياند خداش

چند گاهى او بپوشاند كه تا

آيدت زان بد پشيمان وحيا

بارها پوشد پى اظهار فضل

باز گيرد از پى اظهار عدل

تا كه اين هر دو صفت ظاهر شود

آن مبشر گردد اين منذر شود

والثالثة ان الاستهزاء بالله وبرسوله وبالآيات القرآنية كفر والاستهزاء استحقار الغير بذكر عيوبه على وجه يضحك قولا او فعلا وقد يكون الاستهزاء بالاشارة والايمان وبالضحك على كلامه إذا تخبط فيه او غلط او على صنعته ونحو ذلك وهو حرام بالإجماع معدود من الكبائر عند البعض كما قال علاء الدين التركستانى فى منظومته العادّة لكبائر الذنوب وهى سبعون

ويل لمن من الأنام يسخر

مقامه يوم الجزاء سقر

وفى الحديث (ان المستهزئين بالناس يفتح لاحدهم فى الآخرة باب من الجنة فيقال له هلم هلم فيجيىء بكربه وغمه فاذا جاء اغلق دونه ثم يفتح له باب آخر فيقال له هلم هلم فيجيىء بغمه وكربه فاذا جاء اغلق دونه فما يزال كذلك حتى ان أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة فيقال له هلم فلما يأتيه من الإياس) وفى الحديث (ثلاثة لا يستخف بهم الا منافق ذو الشيبة فى الإسلام وذو العلم وامام مقسط) كما فى الترغيب والترهيب للامام المنذرى وانما خص هذه الثلاثة لان اوصافهم راجعة الى أوصاف الله تعالى فذو الشيبة حصل له كبر السن والباري له الكبرياء والعالم اتصف بصفة العلم والامام المقسط اتصف بصفة العدل وهما من صفات الله تعالى ايضا فمن إجلال الله تعالى وإكرامه إجلال هذه الثلاثة وإكرامهم ومن استخفافه استخفافهم وفى الحديث (ارحموا عزيز قوم ذل وغنى قوم افتقر وعالما بين الأقوام الجهال لا يعرفون حقه)

گفت پيغمبر كه با اين سه گروه

رحم آريد ارنه سنگيدونه كوه

آنكه او بعد از عزيزى خوار شد

وان توانكر هم كه بي دينار شد

وان سوم آن عالمى كاندر جهان

مبتلا گردد ميان ابلهان

زانكه از عزت بخوارى آمدن

همچوقطع عضو باشد از بدن

عضو گردد مرده كز تن وا بريد

كو بريده جنبد اما نى مديد

ومن تعظيم الرسول تعظيم أولاده- قيل- ركب زيد بن ثابت رضى الله عنه فدنا ابن عباس

ص: 460

رضى الله عنه ليأخذ ركابه فقال لا يا ابن عم رسول الله فقال هكذا أمرنا ان نفعل بكبرائنا فقال زيد أرني يدك فاخرجها اليه فقبلها فقال هكذا أمرنا ان نفعل باهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أولاده المعنوية من اقتدى به قولا وفعلا وحالا فتعظيمه تعظيم الرسول وتحقيره تحقيره فعليك التعظيم والتبجيل الْمُنافِقُونَ [مردان منافق كه سيصد نفر بودند] وَالْمُنافِقاتُ [وزنان منافقه كه صد وهفتاد بودند] بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ اى متشابهون فى النفاق والبعد عن الايمان كابعاض الشيء الواحد بالشخص يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ اى بالكفر والمعاصي وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ اى عن الايمان والطاعة استئناف مقرر لمضمون ما سبق ومفصح عن مضادة حالهم لحال المؤمنين وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ اى عن الانفاق فى سبيل الله وعن الصدقة وعن كل خير فان قبض اليد كناية عن الشح او عن رفعها للدعاء والمناجاة كما فى الكاشفى نَسُوا اللَّهَ صاروا غافلين عن ذكره وتركوا امره حتى صار كالمنسى عندهم ذكر الملزوم وهو النسيان وأريد اللازم وهو الترك لان النسيان ليس من الافعال الاختيارية فلا يذم عليه فَنَسِيَهُمْ فتركهم من لطفه وفضله لا من قهره وتعذيبه وفسر النسيان ايضا بالمعنى المجازى الذي هو الترك لانه محال فى حقه تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ الكاملون فى التمرد والفسق الذي هو الخروج عن الطاعة والانسلاخ عن كل خير وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ الوعد يستعمل فى الخير بمعنى الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها وفى الشر بمعنى الاخبار بايصال المضرة قبل وقوعها يقال وعدته خيرا ووعدته شرا فاذا سقط الخير والشر قالوا فى الخير الوعد والعدة وفى الشر الإيعاد والوعيد وقد أوعده ويوعده اى وعد العقاب وَالْكُفَّارَ اى المجاهرين نارَ جَهَنَّمَ وهى من اسماء النار تقول العرب للبئر البعيدة القعر جهنام فيجوز ان يكون جهنم مأخوذة من هذا اللفظ لبعد قعرها- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوتا هاله فاتاه جبريل فقال عليه السلام (ما هذا الصوت يا جبرائيل) قال هذه صخرة هوت من شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين بلغت قعرها فاحب الله ان يسمعك صوتها فما رؤى رسول الله ضاحكا ملىء فيه حتى قبضه الله خالِدِينَ فِيها اى مقدرا خلودهم فيها هِيَ حَسْبُهُمْ عقابا وجزاء ولا شىء ابلغ من تلك العقوبة ولا يمكن الزيادة عليها وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ اى ابعدهم من رحمته وأهانهم وهو بيان لبعض ما تضمنه الخلود فى النار فان النار المخلد فيها مع كونها كافية فى الإيلام تتضمن شدائد آخر من اللعن والاهانة وغيرهما وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ لا ينقطع والمراد به ما وعدوه وهو الخلود فى نار جهنم ذكر بعده تأكيدا له لان الخلود والدوام بمعنى واحد كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ اى أنتم ايها المنافقون مثل الذين من قبلكم من الأمم المهلكة كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً [يعنى بتن از شما قوى تر بودند] وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ اى تمتعوا بنصيبهم من ملاذ الدنيا سمى النصيب خلاقا لانه مشتق من الخلق بمعنى القدير ونصيب كل واحد هو الخير المقدر له فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ الكاف فى محل النصب على انه نعت لمصدر محذوف اى استمتاعا كاستمتاعهم وليس فى الآية تكرار

ص: 461

لان قوله فاستمتعوا بخلاقهم ذم للاولين بالاشتغال بالحظوظ الفانية وذمهم بذلك تمهيد لذم المخاطبين بسلوكهم سبيل الأولين وتشبيه حالهم بحالهم وَخُضْتُمْ اى دخلتم فى الباطل وشرعتم فيه كَالَّذِي اى كالفوج الذي خاضُوا ويجوز ان يكون أصله الذين حذفت النون تخفيفا أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من الافعال الذميمة من المشبهين والمشبه بهم والخطاب لرسول الله او لكل من يصلح للخطاب حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ التي كانوا يستحقون بها الأجور لو قارنت الايمان مثل الانفاق فى وجوه الخير وصلة الرحم وغير ذلك اى ضاعت وبطلت بالكلية ولم يترتب عليها اثر فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ. اما فى الآخرة فظاهر. واما فى الدنيا فلأن ما يترتب على أعمالهم فيها من الصحة والسعة وغير ذلك حسبما ينبىء عنه قوله تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ ليس ترتيبه عليها على طريق المثوبة والكرامة بل بطريق الاستدراج وَأُولئِكَ الموصوفون بحبوط الأعمال فى الدارين هُمُ الْخاسِرُونَ الكاملون فى الخسران فى الدارين الجامعون لمباديه وأسبابه طرا فانه قد ذهبت رؤوس أموالهم فيما ضرهم ولم ينفعهم قط ولو انها ذهبت فيما لا يضرهم ولا ينفعهم لكفى به خسرانا: قال السعدي قدس سره

قيامت كه بازار مينو نهند

منازل باعمال نيكو نهند

بضاعت بچندان كه آرى برى

اگر مفلسى شرمسارى برى

كه بازار چندانكه آكنده تر

تهى دست را دل پراكنده تر

أَلَمْ يَأْتِهِمْ اى المنافقين نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى خبرهم الذي له شأن وهو ما فعلوا وما فعل بهم والاستفهام للتقرير والتحذير اى قد اتاهم خبر الأمم السالفة وسمعوه فليحذروا من الوقوع فيما وقعوا قَوْمِ نُوحٍ اغرقوا بالطوفان وهو بدل من الذين وَعادٍ اهلكوا بريح صرصر وَثَمُودَ اهلكوا بالرجفة والصيحة وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ أهلك نمرود ببعوضة وأهلك أصحابه بالهدم وَأَصْحابِ مَدْيَنَ اى واهل مدين وهم قوم شعيب اهلكوا بالنار يوم الظلة ومدين هو مدين بن ابراهيم نسبت القربة اليه وَالْمُؤْتَفِكاتِ الظاهر انه عطف على مدبن وهى قريات قوم لوط ائتفكت بهم اى انقلبت بهم فصار عاليها سافلها وامطروا حجارة من سجيل أَتَتْهُمْ اى جميع من تقدم من المهلكين رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ اى بالحجج والبراهين فكذبوهم فاهلكهم الله فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ اى لم يكن من عادته ما يشابه ظلم الناس كالعقوبة بلا جرم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ حيث عرضوها للعقاب بالكفر والتكذيب: قال الصائب

چرا زغير شكايت كنم كه همچوحباب

هميشه خانه خراب هواى خويشتنم

فعلى العاقل ان لا يغتر بالقوة والأولاد والأموال فان كلها فى معرض الزوال: قال الحافظ

ببال و پر مرو از ره كه تير پرتابى

هوا گرفت زمانى ولى بخاك نشست

يعنى لا تغتر بقدرتك وقوتك البدنية والدنيوية ولا تخرج بسببها عن الصراط المستقيم فان حالك مشابه لحال السهم فانه وان علا على الهواء زمانا لكنه يسقط على الأرض فآخر كل علو هو

ص: 462

السفل وآخر كل قدرة هو العجز فلا بد من تدارك الأمر بالتوبة والاستغفار قبل نزول ما نزل بالقوم الأشرار قال بعض الصالحين خرجت الى السوق ومعى جارية حبشية فاجلستها فى مكان وقلت لها لا تبرحي حتى أعود إليك فذهبت ثم عدت الى المكان فلم أجدها فيه فانصرفت الى منزلى وانا شديد الغضب عليها فجاءتنى وقالت لى يا مولاى لا تعجل علىّ فانك أجلستني بين قوم لا يذكرون الله تعالى فخشيت ان ينزل بهم خسف وانا معهم فقلت ان هذه امة قد رفع عنها الخسف إكراما لنبيها محمد صلى الله عليه وسلم فقالت ان رفع عنها خسف المكان فما رفع عنها خسف القلوب يا من خسف بمعرفته وقلبه وهو فى غفلته من بلائه وكربه بادر الى حميتك ودوائك قبل موتك وفنائك وعن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والناس حوله (ايها الناس استحيوا من الله حق الحياء) فقال رجل يا رسول الله انا نستحيى من الله فقال (من كان منكم مستحييا فلا يبيتن ليلة الا واجله بين عينيه وليحفظ البطن وما وعى والرأس وما حوى وليذكر الموت والبلى وليترك زينة الدنيا) قال الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام ولو أشاء ان ازينكما بزينة علم فرعون حين يراها ان مقدرته تعجز عنها لفعلت ولكنى از وى عنكما وكذلك افعل باوليائى وليس ذلك لهو انهم علىّ ولكن ليستكملوا حظهم من كرامتى

مگو جاهى از سلطنت بيش نيست

كه ايمن تر از ملك درويش نيست

فقد تقرر حال اهل الدنيا وحال اهل الآخرة فالعاقل يعتبر ويتبصر الى ان يموت ويقبر وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ اى بعضهم على دين بعض فى الحق اى متفقون فى التوحيد وبعضهم معين بعض فى امر دينهم ودنياهم وبعضهم موصل بعض الى الدرجات العالية بسبب التربية وتزكية النفس وهم المرشدون فى طريق الله تعالى يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ اى جنس المعروف الشامل لكل خير ومنه الايمان والطاعة ويهيج بعضهم بعضا فى طلب الله وهو المعروف الحقيقي كما قال (فاحببت ان اعرف) وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ اى جنس المنكر المنتظم لكل شر ومنه الكفر والمعاصي التي تقطع العبد عن الله من الدنيا وغيرها وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ فلا يزالون يذكرون الله تعالى ويديمون مراقبة القلب وحضوره مع الله بحيث لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وهم ارباب المكاشفة واصحاب القلوب وهذا بمقابلة ما سبق من قوله نسوا الله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ بمقابلة قوله تعالى وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ فهم يؤدون الزكاة الواجبة بل ينفقون ما فضل عن كفافهم الضروري ويطهرون أنفسهم عن محبة الدنيا بالإنفاق وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اى فى كل امر ونهى وهو بمقابلة وصف المنافقين بكمال الفسق والخروج عن الطاعة قال فى التأويلات النجمية يشير الى الإخلاص فى معاملتهم فان المنافقين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ولكن لا يطيعون الله ورسوله فى ذلك وانما يطيعون النفس والهوى رعاية لمصالح دنياهم أُولئِكَ الموصوف بهذه الأوصاف الكريمة سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ اى يفيض عليهم آثار رحمته من التأييد والنصرة البتة وينجيهم من العذاب الأليم سواء كان عذاب النار او عذاب البعد من الملك الجبار بالادخال الى الجنة

ص: 463

والإيصال الى القربة والوصلة وعن بعض اهل الاشارة سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ فى خمسة مواضع عند الموت وسكراته يهون عليهم سكرات الموت ويحفظ ايمانهم من الشيطان وفى القبر وظلماته ينور قبورهم ويحفظهم من العذاب القبر وعند قراءة الكتاب وحسراته يؤتيهم كتابهم بيمينهم وبمحو سيآتهم من كتابهم كيلا يتحسروا على سيآتهم وعند الميزان وندماته يثقل موازينهم وعند الوقوف بين يدى الله وسؤالاته يسهل عليهم جوابهم ولا يؤاخذهم بعيوبهم وفى الحديث (من صلى صلاة الفجر هان عليه الموت وغصته ومن صلى صلاة الظهر هان عليه القبر وضمته ومن صلى صلاة العصر هان عليه سؤال منكر ونكير وهيبته ومن صلى صلاة المغرب هان عليه الميزان وخفته ومن صلى صلاة العشاء هان عليه الصراط ودقته) إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ تعليل الوعد اى قوى قادر على إعزاز أوليائه وقهر أعدائه ذو النعمة لمن يطيعه حَكِيمٌ بنى أحكامه على أساس الحكمة الداعية الى إيصال الحقوق من النعمة والنقمة الى مستحقيها من اهل الطاعة واهل المعصية حكم للمؤمنين بالجنة فى مقابلة تصديقهم وإقرارهم وللمحسنين بالوصلة فى مقابلة طلبهم فى جميع الحال رضى الله وتركهم ما سواه وحكم للكافرين والمنافقين بالنار لانكارهم وتكذيبهم الأنبياء وعبادتهم للاوثان والأصنام وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ اى وعدهم وعدا شاملا لكل واحد منهم على اختلاف طبقاتهم فى مراتب الفضل كيفا وكما والوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها جَنَّاتٍ جمع جنة وهى الحديقة ذات النخل والشجر تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى أشجارها وغرفها الْأَنْهارُ انهار الماء والعسل والخمر واللبن خالِدِينَ فِيها اى مقدرا خلودهم ودوامهم فيها فكل واحد من المؤمنين فائز بهذه الجنات لا محالة وَمَساكِنَ طَيِّبَةً اى وعد بعض الخواص الكمل منهم منازل تستطيبها النفوس او يطيب فيها العيش وفى الخبر انها قصور من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت الأحمر فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ هى ابهى أماكن الجنات وأسناها عن النبي عليه السلام (عدن دار الله لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاث النبيون والصديقون والشهداء طوبى لمن دخلها) - روى- ان الله تعالى خلق جنة عدن بيده من غير واسطة وجعلها له كالقلعة للملك وجعل فيها الكثيب مقام تجلى الحق سبحانه وفيها مقام الوسيلة مقام المصطفى صلى الله عليه وسلم وغرس شجرة طوبى بيده فى جنة عدن وأطالها حتى علت فروعها سور جنة عدن ونزلت مظللة على سائر الجنات كلها وليس فى أكمامها ثمر الا الحلي والحلل لباس اهل الجنة وزينتهم زائدة فى الحسن والبهاء لها اختصاص فضل لكونها خلقها الله بيده وهى اجمع الحقائق الجنانية نعمة وأتمها بركة فانها اصل لجميع أشجار الجنة كآدم عليه السلام لما ظهر منه من البنين وما فى الجنة نهر الا وهو يجرى من اصل تلك الشجرة وهى محمدية المقام وهى فى الدار النبي عليه السلام يقال عدن بالمكان إذا اقام به ومنه المعدن لمستقر الجواهر وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ اى وشىء يسير من رضوانه تعالى أَكْبَرُ وأعظم من الجنان ونعيمها لانه مبدأ جميع السعادات ومنشأ تمام الكمالات [محققان راه وعارفان آگاه را درگاه وبيگاه جز رضاى حضرت الله مطلوبى نيست]

ص: 464

يكى مى خواهد از تو جنت وحور

يكى خواهد كه از دوزخ شود دور

وليكن ما نخواهيم اين وآن جست

مراد ما همين خشنودى تست

چوتو خشنود كردى در دو عالم

همين مقصود بس والله اعلم

: قال الحافظ

صحبت حور نخواهم كه بود عين قصور

با خيال تو اگر با دگرى پردازم

- روى- انه تعالى يقول لاهل الجنة (هل رضيتم فيقولون ما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول انا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون وأي شىء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم ابدا) ذلِكَ المذكور من النعيم والرضى هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ دون ما يعده الناس فوزا من حظوظ الدنيا فانها مع قطع النظر عن فنائها وتغيرها وتنغضها وتكدرها ليست بالنسبة الى ادنى شىء من نعيم الآخرة الا بمثابة جناح البعوض قال عليه السلام (لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء) قال يحيى بن معاذ الدنيا دار خراب وأخرب منها قلب من يعمرها والآخرة دار عمران واعمر منها قلب من يطلبها وقال ايضا فى الدنيا جنة من دخلها لم يشتق الى الجنة قيل وما هى قال معرفة الله تعالى وهى الجنة المعنوية قال ابو يزيد البسطامي حلاوة المعرفة الالهية خير من جنة الفردوس وأعلى عليين لو فتحوا لى أبواب الجنان الثماني وأعطوني الدنيا والآخرة لم تعدل أنينا وقت السحر فعلى العاقل الاجتهاد والتوجه الى الحضرة العليا والاعراض عن الدنيا والفوز بالمطلب الأعلى والمقصد الأسنى نسأل الله الدخول الى حرم الوصول يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اعلم ان الله تعالى خاطب الأنبياء عليهم السلام بأسمائهم الشريفة مثل يا آدم ويا نوح ويا موسى ويا عيسى وخاطب نبينا صلى الله تعالى وسلم بالألقاب الشريفة مثل ايها النبي ويا ايها الرسول وذلك يدل على علو جنابه عليه السلام مع ان كثرة الألقاب والأسماء تدل على شرف المسمى ايضا قال ابو الليث فى آخر سورة النور عند قوله تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً اى لا تدعوا محمدا صلى الله عليه وسلم باسمه ولكن وقروه وعظموه فقولوا يا رسول الله ويا نبى الله ويا أبا القاسم وفى الآية بيان توقير معلم الخير فامر الله تعالى بتوقيره وتعظيمه. وفيه معرفة حق الأستاذ. وفيه معرفة حق اهل الفضل اه أقول ولذا يطلق على اهل الإرشاد عند ذكرهم ألفاظ دالة على تعظيمهم على أي لغة كانت لانه إذا ورد النهى عن التصريح بأسماء الآباء الصورية لكونه سوء ادب فما ظنك بتصريح اسماء الآباء المعنوية: والمعنى يا ايها المبلغ عن الله والمخبر أو يا صاحب علو المكانة والزلفى لان لفظ النبي ينبىء عن الانباء والارتفاع جاهِدِ الْكُفَّارَ اى المجاهرين منهم بالسيف والجهاد عبارة عن بذل الجهد فى صرف المبطلين عن المنكر وإرشادهم الى الحق وَالْمُنافِقِينَ بالحجة واقامة الحدود فانهم كانوا كثيرى التعاطي للاسباب الموجبة للحدود ولا تجوز المحاربة معهم بالسيف لان شريعتنا تحكم بالظاهر وهم يظهرون الإسلام وينكرون الكفر وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ اى على الفريقين جميعا فى ذلك واعنف بهم ولا ترفق

ص: 465

هست نرمى آفت جان سمور

وز درشتى ميبرد جان خارپشت

قال عطاء نسخت هذه الآية كل شىء من العفو والصفح لان لكل وقت حكما وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جملة مستأنفة لبيان آجل أمرهم اثر بيان عاجله وَبِئْسَ الْمَصِيرُ اى بئس الموضع موضعهم الذي يصيرون اليه ويرجعون. والفرق بين المرجع والمصير ان المصير يجب ان يخالف الحالة الاولى ولا كذلك المرجع وفى الحديث (أوصيك بتقوى الله فانها رأس أمرك) يعنى اصل الطاعة وهو الخوف من الله تعالى فان المرء لا يميل الى الطاعة ولا يرغب عن المعصية الا بالتقوى فاذا غرس شجرة التقوى فى القلب تميل أطراف الإنسان الى جانب الحسنات ولا يقدم على ارتكاب السيئات (وعليك بالجهاد فانه رهبانية أمتي) الرهبانية الخصال المنسوبة الى الرهبان من التعبد فى الصوامع والغيران وترك أكل اللحم والطيبات ولبس الخاص من الثياب فقد أفاد النبي عليه السلام ان الثواب الذي يحصل للامم السالفة بالرهبانية يحصل لهذه الامة المرحومة بالغزو وان لم يترهبوا بل رب آكل ما يشتهيه خير من صائم نبت حب الدنيا فيه: قال السعدي قدس سره

خورنده كه خيرى بر آيد ز دست

به از صائم الدهر دنيا پرست

قال الأوزاعي خمس كان عليها اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لزوم الجماعة

واتباع السنة وعمارة المسجد وتلاوة القرآن والجهاد فى سبيل الله وفى الحديث (أفضل رجال أمتي الذين يجاهدون فى سبيل الله وأفضل نساء أمتي اللاتي لا يخرجن من البيوت الا لامر لا بد لهن منه) وفى الحديث (اتقوا أذى المجاهدين فى سبيل الله فان الله تعالى يغضب لهم كما يغضب للرسل ويستجيب لهم كما يستجيب للرسل) وفى الحديث (إذا أخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم) دل هذا على ان ترك الجهاد والاعراض عنه والسكون الى الدنيا خروج من الدين وكفى بهذا اثما وذنبا مبينا وفى الآية اشارة الى القلب الذي له نبأ من مقام الأنبياء يأمره بالجهاد مع كفار النفس وصفاتها وهذا مقام المشايخ يجاهدون مع نفوسهم او نفوس مريدهم كما قال عليه السلام (الشيخ فى قومه كالنبى فى أمته) : قال فى المثنوى

گفت پيغمبر كه شيخى رفته پيش

چون نبى باشد ميان قوم خويش

فامر بالجهاد مع كافر النفس وصفاتها بسيف الصدق فجهاد النفوس بمنعها عن شهواتها واستعمالها فى عمل الشريعة على خلاف الطبيعة والنفوس بعضها كفار لم يسلموا اى لم يستسلموا للمشايخ فى تربيتها فجهادها بالدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وبعضها منافقون وهم الذين ادعوا الارادة والاستسلام للمشايخ فى الظاهر ولم يعرفوا بما عاهدوا عليه فجهادها بالزامها مقاساة شدائد الرياضات فى التزكية على قانونها ممتثلة أوامر الشيخ ونواهيه ولو يرى عليها الإباء والامتناع فلا ينفعها الا التشديد والغلظة كما قال تعالى وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ فالواجب ان يبالغ فى مخالفتها ومؤاخذتها فى احكام الطريقة فان فاءت الى امر الله فهو المراد والا استوجبت لما خلقت له وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ اى مرجعهم جهنم البعد

ص: 466

ونار القطيعة وبئس المصير مرجعهم كذا فى التأويلات النجمية فعلى السالك ان يجاهد مع هواه اولا فان السلطان يلزم عليه ان يحارب البغاة الذين فى مملكته ثم الذين وراءهم من الكفار نسأل الله تعالى ان يقوينا وينصرنا على القوم الكافرين أياما كانوا يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا- روى- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اقام فى غزوة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن ويعيب المنافقين المتخلفين فيسمعه من كان منهم معه عليه السلام فقال الجلاس ابن سويد منهم لئن كان ما يقول محمد حقا لاخواننا الذين خلفناهم وهم ساداتنا واشرافنا فنحن شر من الحمير فقال عامر بن قيس الأنصاري للجلاس أجل والله والله ان محمدا لصادق وأنت شر من الحمير فبلغ ذلك رسول الله فاستحضره فحلف بالله ما قال فرفع عامر يده فقال اللهم انزل على عبدك ونبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون آمِّينَ فنزل جبريل قبل ان يتفرقوا بهذه الآية وصيغة الجمع فى قالوا مع ان القائل هو الجلاس للايذان بان بقيتهم لرضاهم بقوله صاروا بمنزلة القائل وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ هى ما حكى آنفا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ اى وأظهروا ما فى قلوبهم من الكفر بعد اظهارهم الإسلام وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا الهم بالشيء فى اللغة مقارنته دون الوقوع فيه اى قصدوا الى ما لم يصلوا الى ذلك من قتل الرسول وذلك ان خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه عليه السلام من تبوك على ان يفتكوا به فى العقبة التي هى بين تبوك والمدينة فقالوا إذا أخذ فى العقبة دفعناه عن راحلته الى الوادي فاخبر الله تعالى رسوله بذلك فلما وصل الجيش الى العقبة نادى منادى رسول الله ان رسول الله يريدان يسلك العقبة فلا يسلكها أحد واسلكوا بطن الوادي فانه أسهل لكم وأوسع فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة فلما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا وسلكوا العقبة وامر عليه السلام عمار بن ياسر رضى الله عنه ان يأخذ بزمام الناقة يقودها وامر حذيفة بن اليمان رضى الله عنه ان يسوقها من خلفها فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع اخفاف الإبل وبقعقعة السلاح فرجع إليهم ومعه محجن فجعل يضرب وجوه رواحلهم وقال إليكم إليكم يا اعداء الله اى تمنعوا عن رسول الله وتنحوا فهربوا وفى رواية انه عليه السلام خرج بهم فولوا مدبرين فعلموا انه عليه السلام اطلع على مكرهم فانحطوا من العقبة مسرعين الى بطن الوادي واختلطوا بالناس فرجع حذيفة يضرب الناقة فقال عليه السلام (هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم) قال لا كان القوم ملثمين والليلة مظلمة فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء اليه أسيد بن حفير رضى الله عنه فقال يا رسول الله ما منعك البارحة من سلوك الوادي فقد كان أسهل من سلوك العقبة فقال (أتدري ما أراد المنافقون) وذكر له القصة فقال يا رسول الله قد نزل الناس واجتمعوا فمر كل بطن ان يقتل الرجل الذي هم بهذا فان أحببت بين بأسمائهم والذي بعثك بالحق لا أبرح حتى آتيك برؤسهم فقال (انى اكره ان يقول الناس ان محمدا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم اقبل عليهم يقتلهم) فقال يا رسول الله هؤلاء ليسوا باصحاب فقال عليه السلام (أليس يظهرون الشهادة) ودعا عليهم رسول الله فقال (اللهم ارمهم بالدبيلة) وهى

ص: 467

سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم. وفى لفظ شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلكه وَما نَقَمُوا قال فى القاموس نقم الأمر كرهه اى وما كرهوا وما عابوا وما أنكروا شيأ من الأشياء إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ سبحانه وتعالى وذلك انهم كانوا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فى غاية ما يكون من شدة العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة فآثروا بالغنائم اى استغنوا وكثرت أموالهم وقتل للجلاس مولى فامر رسول الله بديته اثنى عشر الف درهم فاستغنى قال سعدى چبلى يجوز ان يكون زيادة الألفين شنقا اى تكر مالانهم كانوا يعطون الدية ويتكرمون بزيادة عليها ويسمونها شنقا انتهى وهذا الكلام من قبيل قولهم مالى عندك ذنب الا إحساني إليك اى ان كان ثمة ذنب فهذا هوتهكم بهم وتوبيخ وقيل الضمير فى أغناهم للمؤمنين

اى غاظهم اغناؤه للمؤمنين كذا قال ابن عبد السلام فَإِنْ يَتُوبُوا عماهم عليه من الكفرة والنفاق يَكُ ذلك التوب خَيْراً لَهُمْ فى الدارين قيل لما تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جلاس يا رسول الله لقد عرض الله على التوبة والله لقد قبلت وصدق عامر بن قيس فتاب جلاس وحسنت توبته وَإِنْ يَتَوَلَّوْا اى استمروا على ما كانوا عليه من التولي والاعراض عن الدين يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا بالقتل والاسر والنهب وغير ذلك من فنون العقوبات وَالْآخِرَةِ بالنار وغيرها من أفانين العقاب وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مع سعتها وتباعد أقطارها وكثرة أهلها المصححة لوجدان ما نفى بقوله تعالى مِنْ وَلِيٍّ [دوستى كه دست گيرد] وَلا نَصِيرٍ [ونه يارى كه عذاب ايشان باز دارد] اى ينقذهم من العذاب بالشفاعة والمدافعة فالعاصى لا ينجو من العذاب وان كان سلطانا ذا منعة الا بالاستغفار من الذنوب واخلاص التوحيد والتوجه الى علام الغيوب- حكى- عن محمد بن جعفر انه قال كنت مع الخليفة فى زورق فقال الخليفة انا واحد وربى واحد فقلت له اسكت يا امير المؤمنين لو قلت ما قلت مرة اخرى لنغرق جميعا قال لم قلت لانك لست بواحد انما أنت اثنان الروح والجسد من الاثنين الأب والأم فى الاثنين الليل والنهار بالاثنين الطعام والشراب مع الاثنين الفقر والعجز والواحد هو الله الذي لا اله الا هو وقال حكيم لاصحاب الجنة ثلاثة أشياء يدخلون بها الجنة قول لا اله الا الله محمد رسول الله والاستغفار من الذنوب والندم عليها وتحميد الله تعالى فى الدنيا وان أول ما يقولون إذا دخلوا الجنة الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن اى حزن القبر والكتاب والنيران ان ربنا لغفور للذنوب والمعصية شكور لقليل العمل والطاعة وفى الحديث (أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله: قال المولى الجامى قدس سره

دلت آيينه خداى نماست

روى آيينه تو تيره چراست

صيقلى وار صيقلى ميزن

باشد آيينه آت شود روشن

صيقل آن اگر نه آگاه

نيست جز لا اله الا الله

وفى قوله يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ اشارة الى ان بعض المريدين عند استيلاء النفوس وغلبة هواها وظفر الشيطان بهم شأنهم ان

ص: 468

ينكروا على مشايخهم ويقولوا فى حقهم كلمة الكفر اى كلمة الإنكار والاعتراض ويعرضوا عنهم بقلوبهم بعد الارادة والاستسلام فاذا وقف المشايخ على احوال ضمائرهم وخلل الارادة فى سرائرهم يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ انهم ما قالُوا وما أنكروا وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا يعنى وهم بعضهم ان يثبت لنفسه مرتبة الشيخوخة قبل أوانها ويظهر الدعوة الى نفسه وان لم ينلها وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ اى وما أنكروا على الشيخ وخرجوا من امره الا كون الشيخ غنى بلبان فضل الله عن حلمة الولاية ليروا آثار الرشد على أنفسهم فلم يحتملوا لضيق حوصلة الهمة فزين لهم الشيطان سوء أعمالهم فاصمهم بذلك وأعمى أبصارهم فَإِنْ يَتُوبُوا يرجعوا الى ولاية الشيخ بطريق الالتجاء يَكُ خَيْراً لَهُمْ بان يتخلصوا من غيرة الولاية وردها فانها مهلكة ويتمسكوا بحبل الارادة فانها منجية وَإِنْ يَتَوَلَّوْا اى يعرضوا عن ولاية الشيخ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ بعد رد الولاية فان مرتد الطريقة أعظم ذنبا من مرتد الشريعة قال الجنيد لو اقبل صديق على الله الف سنة ثم اعرض عنه لحظة فان ما فاته اكثر مما ناله فاما عذابه فى الدنيا فبسلب الصدق والرد عن باب الطلب وإرخاء الحجاب وذله وتقوية الهوى وتبديل الإخلاص بالرياء والحرص على الدنيا وطلب الرفعة والجاه واما عذابه فى الآخرة فباشتعال نيران الحسرة والندامة على قلبه المعذب بنار القطيعة وهى نار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ يشير الى ان من ابتلى برد ولاية شيخ كامل ولو امتلأت الأرض بالمشايخ وارباب الولاية وهو يتمسك بذيل إرادتهم غير ان شيخه رده لا يمكن لاحدهم اعانته وإخراجه من ورطة الرد الا ما شاء الله كما فى التأويلات النجمية وَمِنْهُمْ اى من المنافقين مَنْ عاهَدَ اللَّهَ المعاهدة المعاقدة واليمين لَئِنْ آتانا اى الله تعالى مِنْ فَضْلِهِ [از فضل خود مالى] لَنَصَّدَّقَنَّ اى لنؤتين الزكاة وغيرها من الصدقات وأصله لنتصدقن أدغمت التاء فى الصاد والمتصدق معطى الصدقة وسميت صدقة لدلالتها على صدق العبد فى العبودية وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ قال ابن عباس رضى الله عنهما يريد الحج نزلت فى ثعلبة بن حاطب الأنصاري كان ملازما لمسجد رسول الله ليلا ونهارا وكان يلقب لذلك حمامة المسجد وكانت جبهته كركبة البعير من كثرة السجود على الأرض والحجارة المحماة بالشمس ثم جعل يخرج من المسجد كلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفجر بالجماعة من غير لبث واشتغال بالدعاء فقال له عليه السلام يوما (مالك صرت تعمل عمل المنافقين بتعجيل الخروج) فقال يا رسول الله انى فى غاية الفقر بحيث لى ولامرأتى ثوب واحد وهو الذي على وانا أصلي فيه وهى عريانة فى البيت ثم أعود إليها فانزعه وهى تلبسه فتصلى فيه فادع الله ان يرزقنى مالا فقال عليه السلام (ويحك يا ثعلبة) وهى كلمة عذاب وقيل كلمة شفقة (قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه) فراجعه فقال عليه السلام (اما ترضى ان تكون مثل نبى الله فو الذي نفسى بيده لو شئت ان تسير معى الجبال ذهبا وفضة لسارت) وأشار الى علم الكيمياء (ولكن اعرف ان الدنيا حظ من لا حظ له وبها يغتر من لا عقل له) فراجعه وقال يا رسول الله والذي بعثك

ص: 469

بالحق نبيا لو دعوت الله ان يرزقنى مالا لاؤدين كل ذى حق حقه فقال عليه السلام (اللهم ارزق ثعلبة مالا) ثلاث مرات فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت بها ازقة المدينة فنزل واديا حتى فاتته الجماعة لا يصلى بالجماعة الا الظهر والعصر ثم نمت وكثرت فتنحى مكانا بعيد حتى انقطع عن الجماعة والجمعة فسأل عنه رسول الله فقيل كثر ماله حتى لا يسعه واد اى واد واحد بل يسعه اودية وصحارى فخرج بعيدا فقال عليه السلام يا ويح ثعلبة فلما نزل قوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً استعمل النبي عليه السلام رجلين على الصدقات رجلا من الأنصار ورجلا من نبى سليم وكتب لهما الصدقة واسنانها وأمرهما ان يأخذاها من الناس فاستقبلهما الناس بصدقاتهم ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة وأقرءاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الفرائض فقال ما هذه الاجزية ما هذه الا اخت الجزية وقال ارجعا حتى أرى رأيى وذلك قوله تعالى فَلَمَّا آتاهُمْ الله تعالى المال مِنْ فَضْلِهِ وكرمه بَخِلُوا بِهِ اى منعوا حق الله منه وَتَوَلَّوْا اى اعرضوا عن طاعة الله والعهد معه وَهُمْ مُعْرِضُونَ وهو قوم عادتهم الاعراض فلما رجعا قال لهما رسول الله قبل ان يكلماه (يا ويح ثعلبة) مرتين فنزلت فركب عمر رضى الله عنه راحلته ومضى الى ثعلبة وقال ويحك يا ثعلبة هلكت قد انزل الله فيك كذا وكذا فجاء ثعلبة بالصدقة فقال عليه السلام (ان الله منعنى ان اقبل منك فجعل يحثو التراب على رأسه لا لانه تاب عن النفاق بل للحوق العار من عدم قبول زكاته مع المسلمين فقال عليه السلام (هذا) اى عدم قبول صدقتك (عملك) اى جزاء عملك أراد قوله هذه جزية امرتك فلم تطعنى فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بها الى أبي بكر رضى الله عنه فلم يقبلها ثم جاء بها الى عمر رضى الله عنه فى خلاقته فلم يقبلها وهلك فى خلافة عثمان رضى الله عنه قال الحدادي لم يقبل منه عثمان صدقته انتهى فَأَعْقَبَهُمْ اى جعل الله عاقبة فعلهم ذلك فالمعنى على تقدير المضاف اى أعقب فعلهم نِفاقاً راسخا فِي قُلُوبِهِمْ وسوء اعتقاد يقال أعقبه الله خيرا اى صير عاقبة امره ذلك خيرا ويقال أكلت سمكة واعقبتنى سقما اى صيرت تلك الاكلة او السمكة عاقبة امرى سقما إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ اى الى يوم موتهم الذي يلقون الله عنده دل على تأييد نفاقهم وان البخل ومنع حق الله تعالى مما أعطاه إياه يؤدى الى ان يموت وهو منافق ولا يثبت له حكم الإسلام أبدا نعوذ بالله كابليس ترك له امرا واحدا فطرده عن بابه وضرب وجهه بعبادته ثمانين الف سنة ولعنه الى يوم الدين وأعد له عذابا أليما أبد الآبدين: قال الحافظ

زاهد أيمن مشو از بازى غيرت زنهار

كه ره از صومعه تا دير مغان اين همه نيست

بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ بسبب اخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ اى لكونهم مستمرين على الكذب فى جميع المقالات التي من جملتها وعدهم المذكور أَلَمْ يَعْلَمُوا اى من عاهدوا الله والاستفهام للتقرير اى قد علموا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ اى ما أسروه فى أنفسهم من العزم على الأخلاف ولم يتكلموا به سرا ولا جهرا وَنَجْواهُمْ وما يتناجون به فيما بينهم من تسمية الزكاة جزية وغير ذلك مما لا

ص: 470

خير فيه. والتناجى [با يكديگر راز كردن] يقال نجاه نجوى وناجاه مناجاة ساره والنجوى السر كالنجى وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ فلا يخفى عليه شىء من الأشياء فكيف يجترئون على ما هم عليه من النفاق والعزم على الأخلاف مكن انديشه عصيان چوميدانى كه ميداند مبين در روى اين وآن چوميدانى كه مى بيند وفى الآيات إشارات منها ان من نذر نذرا فيه قربة نحو ان يقول ان رزقنى الله الف درهم فعلى ان تصدق بخمسائة لزمه الوفاء به ومن نذر ما ليس بقربة او بمعصية كقوله نذرت ان ادخل الدار او قال لله على ان اقتل فلانا اليوم فحنث يلزمه الكفارة وهى عتق رقبة او اطعام عشرة مساكين او كسوتهم فالواجب واحد من هذه الثلاثة والعبد مخير فيه فان عجز عن أحد هذه الأشياء الثلاثة صام ثلاثة ايام متتابعات وان علق النذر بشرط يريد وجوده نحو ان يقول ان قدم فلان او ان قدمت من سفرى

او ان شفى الله من مريضى او قضى دينى فلله على صيام او صدقة او ان ملكت عبدا او هذا العبد فعلى ان اعتقه يلزمه الوفاء بما نذر لانه نذر بصيغة وليس فيه معنى اليمين وان علقه بشرط لا يريد وجوده كقوله ان كلمت فلانا او دخلت الدار فعلى صوم سنة يجزئه كفارة يمين والمنذور إذا كان له اصل فى الفروض اى واجب من جنسه لزم الناذر كالصوم والصلاة والصدقة والاعتكاف وما لا اصل له فى الفروض فلا يلزم الناذر كعيادة المريض وتشييع الجنازة ودخول المسجد وبناء القنطرة والرباط والسقاية وقرآة القرآن ونحوها والأصل فيه ان إيجاب العبد معتبر بايجاب الله تعالى تحصيلا للمصلحة المعلقة بالنذر والنذر الغير المعلق لا يختض بزمان ومكان ودرهم وفقير بخلاف المعلق فلو قال الناذر على ان أتصدق فى هذا اليوم بهذا الدرهم على هذا الفقير فتصدق غدا بدرهم آخر على غيره اجزأه عندنا ولا يجزئه عند زفر واعلم ان المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الأقصى لكونها ابنية الأنبياء عليهم السلام لها فضيلة تامة ولهذا قال الفقهاء لو نذر ان يصلى فى أحد هذه الثلاثة تعين بخلاف سائر المساجد فان من نذر ان يصلى فى أحدها له ان يصلى فى الآخر ومنها ان النفاق عبارة عن الكذب وخلف الوعد والخيانة الى ما ائتمن كما ان الايمان عبارة عن الصدق وملازمة الطاعة لان الله تعالى خلق الصدق فظهر من ظله الايمان وخلق الكذب فظهر من ظله الكفر والنفاق وفى الحديث (ثلاث من كن فيه فهو منافق وان صام وصلى وزعم انه مسلم إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان) يعنى من يحدث عالما بانه كذب وتعهد عازما على عدم الوفاء وينتظر الامانة للخيانة ولعل هذا يكون فى حق من اعتاد بهذه الخصال لا فى حق من ندرت منه كما هو مذهب البخاري وبعض العلماء ومذهب الجمهور على ان هذه الخصال خصال المنافقين وصاحبها شبيه لهم فاطلاق اسم المنافق عليه على سبيل التجوز تغليظا كما ان الله تعالى قال ومن كفر مكان ومن لم يحج لكمال قبحه قال صاحب التحفة ليس الغرض ان آية المنافق محصورة فى الثلاث بل من ابطن خلاف ما اظهر فهو من المنافقين واعلم ان المنافقين صنفان صنف معلنوا الإسلام ومسروه فى بدء الأمر وذلك

ص: 471

لغلبة صفات النفاق وقوتها فى النفس وصنف معلنوا الإسلام ومسروه فى بدء الأمر الى ان استعملوا هذه الصفات المستكنة فى النفس فيظهر بالفعل كما كان بالقوة وذلك لضعفها فى النفس فيعقبهم النفاق الى الابد بالشكوك الواقعة فى قلوبهم وهم عن هذا النوع من النفاق غافلون وهم يصومون ويصلون ويزعمون انهم مسلمون قال عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل امة بمنافقيها وجئنا بالحجاج فضلناهم يقول الفقير سامحه الله القدير هذا الكلام بالنسبة الى ذلك الوقت ولو انه رأى وزراء آل عثمان ووكلاءهم فى هذا الزمان لوجدهم أرجح من كل منافق لانه بلغ نفاقهم الى حيث أخذوا الرشوة من الكفار ليسامحوهم فى مقاتلتهم ومحاربتهم خذ لهم الله ودمرهم ومنها ذم البخل والحرص على الدنيا وفى الحديث (ثلاثة لا يحبهم الله ورسوله وهم فى لعنة الله والملائكة والناس أجمعين البخيل والمتكبر والأكول) وفى الحديث (ويل للاغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم فيقول الله تعالى بعزتي وجلالى لأبعدنهم ولأقربنكم: قال الحافظ

گنج قارون كه فرو ميرود از قهر هنوز

خوانده باشى كه هم از غيرت درويشانست

وفى الحديث (ما جبل ولى لله الا على السخاء) وأجود الأجواد هو الله تعالى ألا ترى انه كيف خلع خلعة الوجود على عامة الكائنات مجانا وأنعم عليهم انواع النعم الظاهرة والباطنة اى حيث منع الخلق عن المهالك كالشهوات لا بخلا بل شوقا الى اللذات الباقية الَّذِينَ رفع على الذم اى المنافقون هم الذين يَلْمِزُونَ قال فى القاموس اللمز العيب والاشارة بالعين ونحوها اى يعيبون ويغتابون الْمُطَّوِّعِينَ اى المتطوعين المتنفلين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حال من المطوعين فِي الصَّدَقاتِ متعلق بيلمزون- روى- ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم حين أراد الخروج الى غزوة تبوك يحث الناس على الانفاق والاعانة فى تجهيز العسكر فكان أول من جاء بالصدقة ابو بكر الصديق رضى الله عنه جاء بجميع ماله اربعة آلاف درهم فقال له رسول الله (هل أبقيت لا هلك شيأ) قال أبقيت لهم الله ورسوله وجاء عمر بن الخطاب رضى الله عنه بنصف ماله فقال له عليه السلام (هل أبقيت لاهلك شيأ) قال النصف الثاني فقال (ما بينكما ما بين كلاميكما) ومنه يعرف فضل أبي بكر على عمر رضى عنه وأنفق عثمان بن عفان رضى الله عنه نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها فانه جهز عشرة آلاف أنفق عليها عشرة آلاف دينار وصب فى حجر النبي عليه السلام الف دينار واعطى ثلاثمائة بعير باحلاسها وأقتابها وخمسين فرسا وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم (اللهم ارض عن عثمان فانى عنه راض) وفى الحديث (سألت ربى ان لا يدخل النار من صاهرته او صاهرنى) وقد كان عليه السلام زوج بنته رقية من عثمان فماتت بعد ما خرج رسول الله الى بدر فلما رجع من بدر زوجه أم كلثوم ولذا سمى عثمان بذي النورين ولما ماتت أم كلثوم قال عليه السلام (لو كان عندى ثالثة لزوجتكها) وجاء عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه باربعة آلاف درهم فقال عليه السلام (بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت) فبارك الله له حتى بلغ ماله حين مات وصولحت احدى نسائه الأربع عن ربع ثمنها على ثمانين الف درهم ونيف فكان ثمن

ص: 472

ماله اكثر من ثلاثمائة الف وعشرين الفا وفى رواية جاء بأربعين اوقية من ذهب ومن ثمة قيل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كانا خزانتين من خزائن الله فى الأرض ينفقان فى طاعة الله تعالى وجاء العباس بمال كثير وكذا طلحة وتصدق عاصم بن عدى بمائة وسق من تمر والوسق ستون صاعا بصاع النبي عليه السلام وهو اربعة امداد وكل مد رطل وثلث رطل بالبغدادي عند ابى يوسف والشافعي والرطل مائة وثلاثون درهما وعند ابى حنيفة كل مد رطلا وبعثت النساء بكل ما يقدرون عليه من حليهن وجاء ابو عقيل الأنصاري بصاع من تمر وقال يا رسول الله بت ليلتى كلها اجر بالجرير على صاعين اما أحدهما فامسكته لعيالى واما الآخر فاقرضته ربى فامره رسول الله ان ينثره فى الصدقات فطعن فيهم المنافقون وقالوا ما اعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء وسمعة وان أبا عقيل جاء ليذكر بنفسه ويعطى من الصدقة بأكثر مما جاء به وان الله لغنى عن صاع ابى عقيل فانزل الله هذه الآية وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ عطف على المطوعين اى ويلمزون الذين لا يجدون الا طاقتهم من الصدقة قال الحدادي عابوا المكثر بالرياء والمقل بالاقلال يقال الجهد بالفتح المشقة والجهد بالضم الطاقة وقيل الجهد فى العمل والجهد فى القوة فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ عطف على يلمزون اى يستهزئون بهم والمراد بهم الفريق الأخير كابى عقيل سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ اى جازاهم على سخريتهم فيكون تسمية جزاء السخرية سخرية من قبيل المشاكلة لوقوعه فى صحبة قوله فيسخرون منهم وَلَهُمْ اى ثابت لهم عَذابٌ أَلِيمٌ على كفرهم ونفاقهم

اى كه دارد نفاق اندر دل

خار بادش خليده اندر حلق

هر كه سازد نفاق پيشه خويش

خوار گردد بنزد خالق وخلق

قال الحدادي ولما نزلت هذه الآية اتى المنافقون الى رسول الله وقالوا يا رسول الله استغفر لنا فكان عليه السلام يستغفر لقوم منهم على ظاهر الإسلام من غير علم منه بنفاقهم وكان إذا مات أحد منهم يسألون رسول الله الدعاء والاستغفار لميتهم فكان يستغفر لهم على انهم مسلمون فاعلمه الله انهم منافقون واخبر ان استغفاره لا ينفعهم فذلك قوله تعالى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ خرج الكلام مخرج الأمر ومعناه الشرط اى ان شئت استغفر لهم وان شئت لا تستغفر فالامران متساويان فى عدم النفع الذي هو المغفرة والرحمة إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً قوله مرة انتصب على المصدر اى سبعين استغفارة او على الظرف اى سبعين وقتا وتخصيص السبعين بالذكر لتأكيد نفى المغفرة لان الشيء إذا بولغ فى وصفه أكد بالسبع والسبعين وهذا كما يقول القائل لو سألتنى حاجتك سبعين مرة لم اقضها لا يريد انه إذا زاد على السبعين قضى حاجته فالمراد التكثير لا التحديد فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ اى امتناع المغفرة لهم ولو بعد المبالغة فى الاستغفار ليس لعدم الاعتداد باستغفارك بل بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ اى كفرا متجاوزا عن الحد كما يلوح به وصفهم بالفسق فى قوله تعالى وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ فان الفسق فى كل شىء عبارة عن التمرد والتجاوز عن حدوده اى لا يهديهم هداية موصلة الى المقصد البتة لمخالفة ذلك

ص: 473

للحكمة التي عليها يدور فلك التكوين والتشريع. واما الهداية بمعنى الدلالة على ما يوصل اليه فهى متحققة لا محالة ولكنهم بسوء اختيارهم لم يقبلوها فوقعوا فيما وقعوا وفيه اشارة الى ان استغفار النبي عليه السلام لاحد من غير استغفاره لنفسه لا ينفعه فاليأس من المغفرة وعدم قبول استغفاره ليس لبخل من الله ولا لقصور فى النبي عليه الصلاة والسلام بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها كما قال المولى جلال الدين فى شرح إليها كل المحال لا يدخل تحت قدرة قادر ولا يلزم من ذلك النقص فى القادر بل النقص فى المحال حيث لا يصلح لتعلق القدرة انتهى ومنه يعرف معنى قول العرفي الشيرازي ذات تو قادرست بايجاد هر محال الا بآفريدن چون تو يگانه وفى عبارته سوء ادب كما لا يخفى واعلم ان من كفرهم وفسقهم سخريتهم فى امر الصدقات ولو كان لهم ايمان وإصلاح لبالغوا فى الانفاق وجدّوا فى البذل كالمخلصين وفى التأويلات النجمية قلب المؤمن منور بالايمان وروحه متوجه الى الحق تعالى فالحق يؤيد روحه بتأييد نظر العناية وتوفيق العبودية فيسطع من الروح نور روحانى مؤيد بنور ربانى فتنبعث منه الخواطر الرحمانية الداعية الى الله تعالى باعمال موجبة للقربة من الفرائض والنوافل فتارة تكون الأعمال بدنية كالصوم والصلاة وتارة تكون تلك الأعمال مالية كالزكاة والصدقة فيتطوع بالصدقة فضلا عن الزكاة وفى الحديث (ان النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن أحدكم هديته وليطيبها) وقلب المنافق مظلم بظلمات صفات النفس لعدم نور الايمان وروحه متوجه الى الدنيا وزخارفها بتبعية النفس الامارة بالسوء مطرود بالخذلان لان قرينه الشيطان فبتأثير الخذلان ومقارنة الشيطان يصعد من النفس ظلمة نفسانية تمنع القلب من قبول الدعوة واجابة الرسل واتباع الأوامر واجتناب النواهي بالصدق وتنبعث منه الخواطر الظلمانية النفسانية وبذلك يمتنع عن أداء الفرائض فضلا عن النوافل والتطوعات ويهزأ بمن يفعل ذلك- روى- ان داود عليه السلام سأل ربه ان يريه الميزان فاراه إياه فى المنام فلما رأى عظمته غشى عليه فلما أفاق قال الهى من الذي يقدر ان يملأ گفته من الحسنات فقال يا داود انى إذا رضيت عن عبدى املأها بتمرة- وروى- ان الحسن مر به نخاس ومعه جارية جميلة فقال للنخاس أترضى فى ثمنها بدرهم او در همين قال لا قال فاذهب فان الله يرضى فى الحور العين بالفلس والفلسين: قال السعدي قدس سره

بدنيا توانى كه عقبى خرى

بخر جان من ور نه حسرت خورى

واعلم ان النوافل مقبولة بعد أداء الفرائض والا فهى من علامات اهل الهوى فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ المخلف ما يتركه الإنسان خلفه والمتخلف الذي تأخر بنفسه والمراد المنافقون الذين خلفهم النبي عليه السلام بالمدينة حين الخروج الى غزوة تبوك بالاذن لهم فى القعود عند استئذانهم بِمَقْعَدِهِمْ مصدر ميمى بمعنى القعود متعلق بفرح اى بقعودهم وتخلفهم عن الغزو خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ ظرف للمصدر اى خلفه وبعد خروجه حيث خرج ولم يخرجوا فالخلاف بمعنى خلف كما فى قوله تعالى وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا يقال اقام زيد خلاف القوم اى تخلف عنهم بعد ذهابهم ظعن او لم يظعن ويجوز ان يكون بمعنى المخالفة

ص: 474

فيكون انتصابه على العلة لفرح اى فرحوا لاجل مخالفتهم إياه عليه السلام بان مضى هو للجهاد وتخلفوا عنه وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيثارا للدعة والخفض اى الراحة وسعة العيش على طاعة الله مع ما فى قلوبهم من الكفر والنفاق. وفى ذكر الكراهة بعد الفرح الدال عليها تعريض بالمؤمنين الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وآثروا تحصيل رضاه تعالى وفى قوله كرهوا مقابلة معنوية مع فرح لان الفرح من ثمرات المحبة وَقالُوا اى قال بعضهم لبعض تثبيتا لهم على التخلف والقعود وتواصيا فيما بينهم بالشر والفساد او قالوا للمؤمنين تثبيطا لهم عن الجهاد ونهيا لهم عن المعروف فقد جمعوا ثلاث خصال من خصال الكفر والضلال الفرح بالقعود وكراهة الجهاد ونهى الغير عن ذلك لا تَنْفِرُوا اى لا تخرجوا فِي الْحَرِّ فانه لا تستطاع شدته وكانوا دعوا الى غزوة تبوك فى وقت نضج الرطب وهو أشد ما يكون من الحر وقول عروة بن الزبير ان حروجه عليه السلام لتبوك كان فى زمن الخريف لا ينافى وجود الحر فى ذلك الزمن لان أوائل الخريف

وهو الميزان يكون فيه الحر وكان ممن تخلف عن مسيره معه صلى الله عليه وسلم ابو خيثمة ولما سار عليه السلام أياما دخل ابو خيثمة على اهله فى يوم حار فوجد امرأتين له فى عريشتين لهما فى حائط قدرشت كل منهما عريشتها وبردت فيها ماء وهيأت طعاما فلما دخل نظر الى امرأتيه وما صنعتا فقال رضى الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحر وابو خيثمة فى ظل وماء بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ما هذا بالنصف ثم قال والله لا ادخل عريشة واحدة منكما حتى ألحق برسول الله فهيئالى زادا ففعلتا ثم قدم ناضحة فارتحلها وأخذ سيفه ورمحه ثم خرج فى طلب رسول الله حتى أدركه: قال الحافظ

ملول از همرهان بودن طريق كاردانى نيست

بكش دشوارىء منزل بياد عهد آسانى

وقال

مقام عيش ميسر نميشود بي رنج

بلى بحكم بلا بسته اند حكم الست

وقال

من از ديار حبيبم نه از ديار غريب

مهيمنا بعزيزان خود رسان باشم

قُلْ ردا عليهم وتجهيلا نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا من هذا الحر وقد آثرتموها بهذه المخالفة فما لكم لا تحذرونها لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ اى يعلمون انها كذلك لما خالفوا وفى الحديث (ان ناركم هذه جزء من سبعين جزا من اجزاء نار جهنم) وبيانه انه لو جمع حطب الدنيا فاوقد كله حتى صار نارا لكان الجزء الواحد من اجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزأ أشد من حر نار الدنيا وفى الخبر لما اهبط آدم عليه السلام مضى جبرائيل الى مالك وأخذ منه جمرة لآدم فلما تناولها أحرقت كفه فقال ما هذه يا جبرائيل قال جمرة من جهنم غسلتها سبعين مرة ثم آتيتها إليك فالق عليها الحطب واخبز وكل ثم بكى آدم وقال كيف (تقوى أولادي على حرها فقال له جبرائيل ليس لها على أولادك المطيعين من سبيل كما ورد فى الحديث تقول جهنم للمؤمن جز يا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى) ومن كان مع الله لا يحرقه شىء ألا ترى الى حال النبي عليه السلام

ص: 475

ليلة المعراج كيف تجاوز عن كرة الأثير ولم يحترق منه شعر وكانت النار بردا وسلاما على ابراهيم عليه السلام فَلْيَضْحَكُوا ضحكا قَلِيلًا فى الدنيا وهو اشارة الى مدة العمر وعمر الدنيا قليل فكيف عمر من فى الدنيا فانه اقل من القليل وَلْيَبْكُوا بكاء كَثِيراً فى الآخرة فى النار جَزاءً مفعول له للفعل الثاني اى ليبكوا جزاء بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من فنون المعاصي وهذا لفظ امر ومعناه خبر اى يضحكون قليلا ويبكون دائما وانما اخرج فى صورة الأمر للدلالة على تحتم وقوع المخبر به فان امر الآمر المطاع مما لا يكاد يتخلف عند المأمور به- يروى- ان اهل النفاق يبكون فى النار عمر الدنيا لا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم وفى الحديث (يرسل الله البكاء على اهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع ثم يبكون الدم حتى ترى وجوههم كهيئة الأخدود) ويجوز ان يكون الضحك كناية عن الفرح والبكاء عن الغم وان تكون القلة عبارة عن العدم والكثرة عن الدوام: يعنى [فردا ايشانرا غمى باشد بي فرح واندوهى بي سرور] فيكون وقت الضحك والبكاء فى الآخرة. ويجوز ان يكون وقتهما فى الدنيا اى هم لما هم عليه من الخطر مع رسول الله وسوء الحال بحيث ينبغى ان يكون ضحكهم قليلا وبكاؤهم من أجل ذلك كثيرا نحو قوله عليه السلام لامته (لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا وضحكتم قليلا) قال ابن عمر رضى الله عنهما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فاذا قوم يتحدثون ويضحكون فوقف وسلم عليهم فقال (أكثروا ذكرها ذم اللذات) قلنا وماها ذم اللذات قال (الموت) : قال الصائب

بر غفلت سياه دلان خنده ميزند

غافل مشو ز خنده داندن نماى صبح

ومر الحسن البصري بشاب وهو يضحك فقال له يا بنى هل مررت على الصراط فقال لا فقال هل تدرى الى الجنة تصير أم الى النار فقال لا فقال ففيم هذا الضحك فما رؤى الفتى بعد ذلك يضحك- قيل- لما فارق موسى الخضر عليهما السلام قال إياك واللجاجة ولا تكن مشاء الا لحاجة ولا ضحاكا من غير عجب كان وابك على خطيئتك يا ابن عمران قال محمد بن واسع إذا رأيت رجلا فى الجنة يبكى ألست تتعجب من بكائه قال بلى قال فالذى يضحك فى الدنيا ولا يدرى الى م يصير هو اعجب منه وعن وهب بن منبه انه قال ان زكريا عليه السلام فقد ابنه يحيى عليه السلام فوجده مضطجعا على قبر يبكى فقال يا بنى ما هذا البكاء قال أخبرتني أمي ان جبريل أخبرك ان بين الجنة والنار مفازة ذات لهب لا يطفىء حرها الا الدمع فقال زكريا ابك يا بنى ابك وعن كعب الأحبار انه قال ان العبد لا يبكى حتى يبعث الله اليه ملكا فيمسح كبده بجناحه فاذا فعل ذلك بكى وعن انس قال ثلاثة أعين لا تمسها النار عين فقئت فى سبيل الله وعين باتت تحرس فى سبيل الله وعين دمعت من خشية الله وفى الحديث (لان ادمع دمعة من خشية الله أحب الى من ان تصدق بألف دينار) وفى التوراة يا ابن آدم إذا دمعت عيناك فلا تمسح الدموع بثوبك ولكن امسحها بكفك فانها رحمة قال العلماء البكاء على عشرة انواع. بكاء فرح. وبكاء حزن وبكاء رحمة. وبكاء خوف مما يحصل. وبكاء كذب كبكاء النائحة لانها تبكى لشجو غيرها وجاء (تخرج النائحة من قبرها يوم القيامة شعثاء غبراء عليها جلباب

ص: 476

من لعنة ودرع من جرب وضعت يدها على رأسها تقول وا ويلاه وتنبح كما ينبح الكلب) . وبكاء موافقة بان يرى جماعة يبكون فيبكى مع عدم علمه بالسبب. وبكاء المحبة والشوق. وبكاء الجزع من حصول ألم لا يحتمله. وبكاء الجور والضعف. وبكاء النفاق وهو ان تدمع العين والقلب قاس واما التباكي فهو تكلف البكاء وهو نوعان محمود ومذموم. والاول ما يكون لاستجلاب رقة القلب. والثاني ما يكون لاجل الرياء والسمعة كما فى انسان العيون والحاصل ان طالب الآخرة ينبغى له تقليل الضحك وتكثير البكاء ولا يغفل عن الموت ولقاء الجزاء فانه كم ضاحك وكفنه عند القصار: قال الحافظ

ديد آن قهقهه كبك خرامان حافظ

كه ز سر پنجه شاهين قضا غافل بود

فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ من الرجع المتعدى دون الرجوع اللازم يقول رجع رجوعا اى انصرف ورجع الشيء عن الشيء اى صرفه ورده كارجعه. والمعنى فان ردك الله من غزوة تبوك إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ الطائفة من الشيء القطعة منه وضمير منهم الى المنافقين المتخلفين فى المدينة دون المتخلفين مطلقا منافقا كان او مخلصا فان تخلف بعضهم انما كان لعذر عائق مع الإسلام او الى من بقي من المنافقين لان منهم من مات ومنهم من غاب عن البلد ومنهم من تاب ومنهم من لم يستأذن وعن قتادة انهم كانوا اثنى عشر رجلا قيل فيهم ما قيل فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ معك الى غزوة اخرى بعد غزوتك هذه وهى تبوك فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً اى لا تأذن لهم بحال وهو اخبار فى معنى النهى للمبالغة وكذا قوله وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا من الأعداء إِنَّكُمْ تعليل لما سلف اى لانكم رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ اى عن الغزو وفرحتم بذلك أَوَّلَ مَرَّةٍ هى الخرجة الى غزوة تبوك وتذكير اسم التفضيل المصاف الى المؤنث هو الأكثر الدائر على الالسنة فانك لا تكاد تسمع قائلا يقول هى كبرى امرأة او اولى مرة فَاقْعُدُوا من بعد مَعَ الْخالِفِينَ اى المتخلفين الذين ديدنهم القعود والتخلف دائما لعدم لياقتهم للجهاد كالنساء والصبيان ففى الخالفين تغليب الذكور على الإناث فان قيل كانت اعمال المنافقين من الشهادة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد مقبولة عند النبي عليه السلام وان لم تكن مقبولة عند الله تعالى فكان النبي عليه السلام يقول نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر فما الحكمة فى ان الله تعالى امر النبي عليه السلام بان لا يقبل من المتخلفين أعمالهم من الخروج معه والقتال مع العدو وغير ذلك قلنا ان الحكمة فى ذلك والله اعلم ان المنافقين لما كانوا يظهرون الإسلام والائتمار باوامر النبي عليه السلام مع كانوا يضمرون من الكفر والنفاق كانت أعمالهم مقبولة عند النبي عليه السلام وسرائرهم موكولة الى الله تعالى طمعا فى انابتهم ورجوعهم من النفاق الى الوفاق فلما أظهروا ما اضمروا ردت إليهم أعمالهم فكان الحكم بالظاهر ايضا فافهم قال العلماء أخرجهم الله تعالى من ديوان الغزاة ومحا أساميهم من دفتر المجاهدين وابعد محلهم من محفل صحبة النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة لهم على تخلفهم لما فيه من الاهانة واظهار نفاقهم وبيان انهم ليسوا ممن يتقوى به الدين ويعز الإسلام كالمؤمنين

ص: 477

الخلص نسأل الله تعالى صحبة الدين وصحبة اهل الدين الى يوم الدين- روى- ان زيد بن حارثة كان لخديجة اشترى لها بسوق عكاظ فوهبته لرسول الله فجاء أبوه يريد شراءه منه فقال عليه السلام (ان رضى بذلك فعلت) فسئل زيد فقال ذل الرقبة مع صحبة أحب الخلق الى الحق أحب الى من الحرية مع مفارقته فقال عليه السلام (إذا اختارنا اخترناه) فأعتقه وزوجه أم ايمن وبعدها زينب بنت جحش: قال الحافظ

گدايى در جانان بسلطنت مفروش

كسى ز سايه اين در بافتاب رود

والمنافقون لما لم يكن لهم استعداد لهذه الصحبة الشريفة فارقوه عليه السلام فى السفر والحضر لان كل امرئ يصبو الى من يجانس وقدم ناس الى مكة وقالوا قدمنا الى بلدكم فعرفنا خياركم من شراركم فى يومين قيل كيف قالوا لحق خيارنا بخياركم وشرارنا بشراركم فالف كل شكله: قيل

وإذا الرجال توسلوا بوسيلة

فوسيلتى حبى لآل محمد

قال الكاشفى [جهاد كار مردان مرد ومبارزان ميدان نبرد است از هر تردامنى اين كار نيايد ونامرد بي درد مبارزت معركه مجاهدت را نشايد]

يا برو همچون زنان رنكى وبويى پيش گير

يا چومردان اندر آي وكوى در ميدان فكن

قال السعدي قدس سره

ندهد هوشمند روشن رأى

بفرومايه كارهاى خطير

بوريا باف اگر چهـ بافندست

نبرندش بكار كاه حرير

ومن بلاغات الزمخشري لا تصلح الأمور الا باولى الألباب والأرحاء لا تدور الا على الاقطاب جمع قطب وهو وتد الرحى وَلا تُصَلِّ يا محمد عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ اى من المنافقين وهو صفة لاحد ماتَ صفة اخرى ويجوز ان يكون منهم حالا من الضمير فى مات كذا فى تفسير ابى البقاء أَبَداً ظرف للنهى اى لا تدع ولا تستغفر لهم ابدا وهو الأظهر. وقيل منصوب بمات على ان يكون المعنى لا تصل على أحد منهم ميت مات ابدا بان مات على الكفر فان من مات على الكفر ميت ابدا وان إحياءه للتعذيب دون التمتع فكأنه لم يحى وكان حذيفة رضى الله عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له (يوما انى مسر إليك سرا فلا تذكرنه انى نهيت ان أصلي على فلان وفلان) وعد جماعة من المنافقين ولما توفى رسول الله كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى خلافته إذا مات الرجل ممن يظن انه من أولئك أخذ بيد حذيفة فناداه الى الصلاة عليه فان مشى معه حذيفة صلى عليه عمر وان انتزع يده من يده ترك الصلاة عليه وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ اى ولا تقف عند قبره للدفن او للزيارة والدعاء وكان النبي عليه السلام إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ تعليل للنهى على ان الاستغفار للميت والوقوف على قبره انما يكون لاستصلاحه وذلك مستحيل فى حقهم لانهم استمروا على الكفر بالله وبرسوله مدة حياتهم قال الحافظ قدس سره

ص: 478

بآب زمزم وكوثر سفيد نتوان كرد

كليم بخت كسى را كه بافتند سياه

وقال السعدي قدس سره

توان پاك كردن ز ژنك آينه

وليكن نيايد ز سنك آينه

وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ اى متمردون فى الكفر خارجون عن حدوده- روى- عن ابن عباس ان رئيس المنافقين عبد الله بن ابى بن سلول دعا رسول الله صلى الله عليه السلام فى مرضه فلما دخل عليه سأله ان يستغفر له ويصلى عليه إذا مات ويقوم على قبره ثم انه أرسل اليه عليه السلام يطلب منه قميصه ليكفن فيه فارسل اليه القميص الفوقاني فرده فطلب الذي يلى جلده فقال عمر رضى الله عنه تعطى فميصك لرجس النجس فقال عليه السلام (ان قميصى لا يغنى عنه من الله شيأ وارجوا من الله تعالى ان يدخل به الف فى الإسلام) وذلك ان المنافقين كانوا لا يفارقون ابن ابى فلما رأوه يطلب منه عليه السلام قميصه يتبرك به ويرجو ان ينفعه القميص فى دفع عذاب الله وجلب رحمته وفضله اسلم الف من الخروج وانما قال عليه السلام ان قميصى لا يغنى لعدم الأساس الذي هو الايمان ومثله انما يؤثر عند صلاح المحل ويدل عليه قوله عليه السلام (ادفنوا امواتكم وسط قوم صالحين فان الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحي بجار السوء) وما يروى الأرض المقدسة لا تقدس أحدا انما يقدس المرء عمله وقد ثبت ان عبد الله بن أنيس رضى الله عنه لما قتل سفيان بن خالد الهذلي ووضع بين يديه عليه السلام دفع اليه عصا كانت بيده وقال تخصر بهذه فى الجنة أي توكأ عليها فكانت تلك العصا عنده فلما حضرته الوفاة اوصى اهله ان يجعلوها بين جلده وكفنه ففعلوا وثبت انه عليه السلام حلق رأسه الشريف معمر بن عبد الله فاعطى نصف شعر رأسه لابى طلحة وفرق النصف الآخر بين الاصحاب شعرة وشعرتين فكانوا يتبركون بها وينصرون ما داموا حاملين لها ولذا قال فى الاسرار المحمدية لو وضع شعر رسول الله او عصاه او سوطه على قبر عاص لنجا ذلك العاصي ببركات تلك الذخيرة من العذاب وان كان فى دار انسان او بلدة لا يصيب سكانها بلاء ببركته وان لم يشعروا به ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول به وبطانة أستار الكعبة والتكفن بها وكتابة القرآن على القراطيس والوضع فى أيدي الموتى انتهى أقول ان قلت قد ثبت ان فى خزانة السلاطين خصوصا فى خزانة آل عثمان شيأ مما يتبرك به من خرقة النبي عليه السلام وغيرها ورأيناهم قد لا ينصرون ومعهم شىء من لوائه عليه السلام ويصبب بلدتهم آفات كثيرة قلت لذلك لهتكم الحرمة ألا ترى ان مكة والمدينة كان لا يدخلهما

طاعون فلما هتك السكان حرمتهما دخلهما والله الغفور فلما مات ابن ابى انطلق ابنه وكان مؤمنا صالحا الى النبي عليه السلام ودعاه الى جنازة أبيه فقال له عليه السلام (ما اسمك) قال الحباب بن عبد الله فقال عليه السلام (أنت عبد الله بن عبد الله ان الحباب هو الشيطان) اى اسمه كما فى القاموس ثم قال (صل عليه وادفنه) فقال ان لم تصل عليه يا رسول الله لا يصلى عليه مسلم أنشدك الله ان لا تشمت بي الأعداء فاجابه عليه السلام تسلية له ومراعاة لجانبه فقام ليصلى عليه فجاء عمر رضى الله عنه فقام بين رسول الله وبين القبلة لئلا يصلى عليه وقال أتصلي على عدو

ص: 479

الله القائل كذا يوم كذا وكذا وكذا وعد أيامه الخبيثة فنزلت الآية وأخذ جبرائيل عليه السلام بثوبه وقال لا تصلى على أحد منهم مات ابدا فاعرض عن الصلاة عليه وهذا يدل على منقبة عظيمة من مناقب عمر رضى الله عنه فان الوحى كان ينزل على وفق قوله فى آيات كثيرة منها هذه الآية وهو منصب عال ودرجة رفيعة له فى الدين فلذا قال عليه السلام فى حقه (لو لم ابعث لبعثت نبيا يا عمر) وقال (انه كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون فانه ان كان فى أمتي هذه فانه عمر بن الخطاب) رضى الله عنه. والمحدث بفتح الدلال المشددة هو الذي يلقى فى نفسه الشيء فيخبر به فراسة وهى الاصابة فى النظر ويكون كما قال وكأنه حدثه الملأ الأعلى وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء ولم يرد النبي عليه السلام بقوله ان كان فى أمتى التردد فى ذلك لان أمته أفضل الأمم وإذا وجد فى غيرها محدثون ففيها اولى بل أراد به التأكيد لفضل عمر كما يقال ان يكن لى صديق فهو فلان يراد به اختصاصه بكمال الصداقة لا نفى سائر الأصدقاء وقد قيل فى فضيلة عمر رضى الله عنه له فضائل لا تخفى على أحد الا على أحد لا يعرف القمرا كذا فى شرح المشارق لابن ملك فان قيل كيف يجوز ان يقال انه عليه السلام رغب فى ان يصلى عليه بعد ان علم انه كافر مات على الكفر وان صلاته عليه دعاء له بالمغفرة وقد منعه الله من ان يستغفر للمشركين واعلمه انه لا يغفر للكفار وايضا الصلاة عليه ودفع قميصه اليه توجب إعزازه وهو مأمور باهانة الكفار فالجواب ان الخبيث لما طلب منه ان يرسل اليه قميصه الذي يمس جلده الشريف ليدفن فيه غلب على ظنه انه قد تاب عن نفاقه وآمن لان ذلك الوقت وقت توبة الفاجر وايمان الكافر فلما رأى منه اظهار الإسلام وشاهد منه هذه الأمارات الدالة على إسلامه غلب على ظنه انه صار مسلما فرغب فى ان يصلى عليه فلما أتى جبريل وأخبره بانه مات على كفره ونفاقه امتنع من الصلاة عليه. وقيل نزلت الآية بعد ما صلى ولبث يسيرا فما صلى بعد ذلك على منافق ولا قام على قبره واما دفع القميص اليه فذكروا فيه وجوها منها ان العباس عم النبي عليه السلام لما أخذ أسيرا يوم بدر ولم يجدوا له قميصا يساوى قده وكان رجلا طويلا كساه عبد الله قميصه فهو عليه السلام انما دفع اليه قميصه مكافاة لاحسانه ذلك لا إعزازا له ومنها انه تعالى امره ان لا يرد سائلا حيث قال وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ فالضنة بالقميص وعدم إرساله سيما وقد سئل فيه مخل بالكرم ومنها انه لعله اوحى اليه انك ان دفعت اليه قميصك صار ذلك حاملا لدخول الف نفر من المنافقين فى الإسلام ففعل ذلك بناء عليه والله اعلم بحقيقة الحال وما علينا الا القبول وطى المقال وهو الهادي الى طريق التحقيق وَلا تُعْجِبْكَ الاعجاب [شكفتى نمودن وخوش آمدن خطاب بآن حضرتست ومراد امت اند يعنى در عجب ندارد شما را] أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ الضمير للمنافقين قال الكاشفى [مالهاى منافقانى اگر چهـ بسيارست وفرزندان ايشان كه قوى وبا اقتدارند] وتقديم الأموال فى أمثال هذه المواقع على الأولاد مع كونهم أعز منها اما لعموم مساس الحاجة إليها بحسب

ص: 480

الذات وبحسب الافراد والأوقات فانها مما لا بد منه لكل أحد من الآباء والأمهات والأولاد فى كل وقت وحين حتى ان من له أولاده ولا مال له فهو وأولاده فى ضيق ونكال واما الأولاد فانما يرغب فيهم من بلغ مبلغ الابوة واما لان المال مناط لبقاء النفس والأولاد لبقاء النوع واما لانها اقدم فى الوجود من الأولاد لان الاجزاء المنوية انما تحصل من الاغذية إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ بما متعهم به من الأموال والأولاد أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا [بسبب جمع مال ومحافظت آن پيوسته در رنج باشند وبراى رونق احوال أولاد وتهيه اسباب ايشان همواره محنت ومشقت كشند] وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ الزهوق [بر آمدن جان] اى تخرج ويموتوا وَهُمْ كافِرُونَ اى كافرون بسبب اشتغالهم بالتمتع بها والإلهاء عن النظر والتدبر فى العواقب [درويشى ميگفت اغنيا أشقى الاشقيااند مال دنيا جمع ميكنند بانواع پريشانى وزحمت ونگاه ميدارند بأصناف بليت ومشقت وميگذارند بصد هزار حسرت]

در أول چوخواهى كنى جمع مال

بسى رنج بر خويش بايد كماشت

پس از بهر آن تا بماند بجاى

شب وروز مى بايدت پاس داشت

وزين جمله آن حال مشكلترست

كه آخر بحسرت ببايد گذشت

واعلم ان هذه الآية مرت فى هذه السورة الكريمة مع التغاير فى بعض الألفاظ فالتكرير لتأكيد النصيحة بها والاعتناء بشأنها تنبيها على ان هذه النصيحة مما لا ينبغى ان يذهل السامع عنها وان الناصح لا بد له ان يرجع إليها فى أثناء كلامه دائما ولا سيما إذا تباعد أحد الكلامين عن الآخر بناء على ان الابصار طامحة اى مرتفعة ناظرة الى الأموال والأولاد وان النفوس مغتبطة اى متمنية لهما حريصة عليهما والأموال والأولاد وان كانت نعمة فى حق المؤمنين فانها نقمة فى حق المنافقين لكونها شاغلة لقلوبهم عن الله وطلبه وأشد عذاب القلوب من الحجاب ومن عذب بالحجاب فقد حرم من الايمان كما قال تعالى وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ اى مستوروا القلوب بحجاب حب الأموال والأولاد كما فى التأويلات النجمية وفى الحديث (الدنيا محفوفة بالذات والشهوات فلا تلهينكم شهوات الدنيا ولذاتها عن الآخرة فانه لا دنيا لمن لا آخرة له ولا آخرة لمن لا دنيا له يعمل فيها بطاعة الله تعالى) يعنى ان المؤمن يتزود لآخرته بالعبادات المالية وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ من القرآن أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ ان مصدرية حذف منها الجار اى بان آمنوا بالله وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ لاعزاز دينه وإعلاء كلمته اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ اى ذووا الفضل والسعة والقدرة على الجهاد بدنا ومالا من المنافقين قال الحدادي الطول فى الحقيقة هو الفضل الذي يتمكن به من مطاولة الأعداء قال الرازي فى سورة النساء اصل هذه الكلمة من الطول الذي هو خلاف القصر لانه إذا كان طويلا ففيه كمال وزيادة كما انه إذا كان قصيرا ففيه قصور ونقصان وسمى الغنى ايضا طولا لانه ينال به من المرادات ما لا ينال عند الفقر كما انه ينال بالطول ما لا ينال بالقصر انتهى وَقالُوا ذَرْنا دعنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ اى الذين قعدوا عن الغزو لما بهم من عذر رَضُوا اى المنافقون بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ اى مع النساء المتخلفات فى البيوت

ص: 481

والحي بعد أزواجهن جمع خالفة فالتاء للتأنيث وقد يقال الخالفة الذي لا خير فيه فالتاء للنقل من الوصفية الى الاسمية لا للتأنيث ولعل الوجه فى تسمية من لا خير فيه من الرجال خالفة كونه غير مجيب الى ما دعى اليه من المهمات وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ [ومهر نهاده شده بر دلهاى ايشان] قال الحدادي معنى الطبع فى اللغة جعل الشيء كالطابع نحو طبع الدينار والدرهم قال فى المصادر والتركيب يدل على نهاية ينتهى إليها الشيء حتى يختم عندها ويقاس على هذا طبع الإنسان وطبيعته وطباعه اى سجيته التي جبل عليها وخص القلب بالختم لانه محل الفهم ولذا قال فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ما فى الايمان بالله وطاعته فى أوامره ونواهيه وموافقة الرسول والجهاد من السعادة وما فى أضداد ذلك من الشقاوة لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بالله وبما جاء من عنده تعالى اى آمنوا كما آمن هو عليه السلام إذ لا شك ان زمان ايمان المؤمنين ما كان مقارنا لزمان ايمان الرسول فهو كقوله تعالى أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ

اى اسلام سليمان اى أسلمت كما اسلم سليمان جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ لكن لم يختل امر الجهاد بتخلفهم لانه قد جاهد من هو خير منهم وأخلص نية ومعتقدا وَأُولئِكَ [وآن كروه] لَهُمُ بواسطة نعوتهم المذكورة الْخَيْراتُ اى منافع الدارين النصر والغنيمة فى الدنيا والجنة والكرامة فى العقبى. ويجوز ان يكون معناه الزوجات الحسان فى الجنة وهن الحور لقوله تعالى فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ وهى جمع خيرة تخفيف خيرة وخيرات العابدين هى الحسنات فهى متعلقة بأعمالهم وخيرات العارفين مواهب الحق تعالى فهى متعلقة بأحوالهم وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ اى الفائزون بالمطلوب لا من حار بعضا من الحظوظ الفانية عما قريب أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ اى هيأ لهم فى الآخرة جَنَّاتٍ جمع جنة وهى البستان الذي فيه أشجار متمرة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى من أسافل ارضها او من تحت أشجارها او من تحت القصور والغرف لا تحت الأرض الْأَنْهارُ جمع نهر وهو مسيل الماء سمى به لسعته وضيائه وفى الحديث (فى الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر الخمر) ثم تشتق الأنهار منها بعد وقيل النهر واحد ويجرى فيه الخمر والماء والعسل واللبن لا يخالط بعضها بعضا وقال بعضهم الجاري واحد ويختلف باختلاف الامنية خالِدِينَ فِيها اى مقدرا خلودهم فى تلك الجنات الموصوفة ذلِكَ اشارة الى ما فهم من اعداد الله سبحانه لهم الجناة المذكورة من نيل الكرامة العظمى الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا فوز وراءه فازوا بالجنة ونعيمها ونجوا من النار وحجميها وفى الحديث (من شهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله حرم الله عليه النار) وفى الخبر (من قال لا اله الا الله مخلصا دخل الجنة) فقد اشترط فى هذا القول الإخلاص ولا يكون الإخلاص الا بمنعه من الذنوب والا فليس بمخلص ويخاف ان يكون ذلك القول عنده عارية والعارية تسترد منه والإخلاص من صفات القلب وتحليته بالأوصاف الحميدة انما هى بعد تزكية النفس عن الرذائل قال فى التأويلات النجمية الخلاص من حجب النفس وصفاتها هو الفوز العظيم لان عظم الفوز على قدر عظم الحجب ولا حجاب أعظم من حجاب النفس والفوز منها يكون فوزا عظيما انتهى: وفى المثنوى

ص: 482

جمله قرآن شرح خبث نفسهاست

بنكر اندر مصحف آن چشمت كجاست «1»

هين مرو اندر پى نفس چوزاغ

كو بگورستان برد نى سوى باغ «2»

نفس اگر چهـ زير كست وخرده دان

قبله اش دنياست او را مرده دان «3»

وفى الحديث (ان فى الجنة مائة درجة) المراد بالمائة هنا الكثرة وبالدرجة المرقاة (أعدها الله للمجاهدين فى سبيله) وهم الغزاة او الحجاج او الذين جاهدوا أنفسهم لمرضاة ربهم (كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض) وهذا التفاوت يجوز ان يكون صوريا وان يكون معنويا فيكون المراد من الدرجة المرتبة فالاقرب الى الله تعالى يكون ارفع درجة ممن دونه (فان سألتم الله فاسألوه الفردوس) وهو بستان فى الجنة جامع لانواع الثمر (فانه اوسط الجنة) يعنى أشرفها (وأعلى الجنة) قيل فيه دلالة على ان السموات كرية فان الأوسط لا يكون أعلى الا إذا كان كرياوان الجنة فوق السموات تحت العرش قال الامام الطيبي النكتة فى الجمع بين الأوسط والأعلى انه أراد بأحدهما الحسى وبالآخر المعنوي وأقول يحتمل ان يكونا حسيين لان كونهما احسن وازين مما يحس (وفوقه عرش الرحمن) هذا يدل على انه فوق جميع الجنان (ومنه تفجر) أصله تتفجر فحذف احدى التاءين (انهار الجنة) وهى اربعة مذكورة فى قوله تعالى فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى المراد منها اصول انهار الجنة كذا فى شرح المشارق لابن ملك نسأل الله سبحانه الرفيق الأعلى والنظر الى وجهه الابهى وجماله الأسنى وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ من عذر فى الأمر إذا قصر فيه وتوانى ولم يجدوا حقيقته ان يوهم ان له عذرا فيما يفعل ولا عذر له. فالمعذر اسم فاعل من باب التفعيل او من اعتذر إذا مهد العذر بإدغام التاء فى الذال ونقل حركتها الى العين فيكون اسم فاعل من باب الافتعال والاعتذار قد يكون بالكذب وقد يكون بالصدق وذلك لان الاعتذار عبارة عن الإتيان بما هو فى صورة العذر سواء كان للمعتذر عذر حقيقة او لم يكن. والاعراب سكان البوادي من العرب لا واحد له والعرب خلاف العجم وهم سكان الأمصار او عام والعربة ناحية قرب المدينة واقامت قريش بعربة فنسبت العرب إليها وهى باحة العرب وباحة دار ابى الفصاحة إسماعيل عليه السلام كما فى القاموس. والمراد بالمعذرين اسد وغطفان واستأذنوا فى التخلف حين الخروج الى غزوة تبوك معتذرين بالجهد اى ضيق العيش وكثرة العيال او رهط عامر بن الطفيل قالوا ان غزونا معك أغارت اعراب طى على أهالينا ومواشينا فقال عليه السلام (سيغنينى الله عنكم) واختلفوا فى انهم كانوا معتذرين بالتصنع او بالصحة والظاهر الثاني ويدل عليه كلام القاموس حيث قال قوله تعالى وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ بتشديد الذال المكسورة هم المعتذرون الذين لهم عذر وقد يكون المعذر غير محق فالمعنى المقصرون بغير عذر انتهى أقول وعلى كل حال لا يثبت النفاق إذا المقصر وهو المعتذر للفتور والكسل لا يكون كافرا وان كان مذموما وقد اضطرب كلام المفسرين هناك فعليك بضبط المبنى وأخذ المعنى وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وهم منافقوا الاعراب الذين لم يجيبوا ولم يعتذروا

(1) در اواخر دفتر ششم در بيان رجوع بقصه پروردن حق تعالى نمرود را إلخ

(2)

در اواسط دفتر چهارم در بيان آموختن پيشه كور كنى قابيل از زاغ إلخ

(3)

در اواسط دفتر چهارم در بيان خطاب با مغرور از دنيا وگرفتار از نفس اماره

ص: 483

ولم يستأذنوا فى القعود فظهر انهم كذبوا الله ورسوله فى ادعاء الايمان والطاعة قال فى انسان العيون وجاء المعذرون وهم الضعفاء والمقلون من الاعراب ليؤذن لهم فى التخلف فاذن لهم وكانوا اثنين وثمانين رجلا وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر واظهار علة وجراءة على الله ورسوله وقد عناهم الله بقوله وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ انتهى سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ اى من الاعراب او من المعذرين وعلى كل تقدير فمن تبعيضية لا بيانية إذ ليس كلهم كفرة وقد علم الله تعالى ان بعض الاعراب سيؤمن وان بعض المعذرين يعتذر لكسله لا لكفره عَذابٌ أَلِيمٌ بالقتل والاسر فى الدنيا والنار فى الآخرة قال فى التأويلات النجمية الخلق ثلاث طبقات. الاولى المعذرون وهم المقصرون المعترفون بتقصيرهم وذنوبهم التائبون عن ذنوبهم المتداركون بالرحمة والمغفرة. والثانية القاعدون وهم الكاذبون الكذابون الذين لم يؤمنوا بالله ورسوله من الكافرين والمنافقين المتداركون بالخذلان والعذاب الأليم كما قال وَقَعَدَ الَّذِينَ الآية. والثالثة المؤمنون المخلصون الصادقون الناصحون ولكن فيهم اهل العذر واليه الاشارة بقوله تعالى لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ [نيست بر ناتوانان وعاجزان] كالهرمى والزمنى جمع هرم بكسر الراء وهو كبير السن وجمع زمن وهو المقعد وَلا عَلَى الْمَرْضى [ونه بر بيماران ومعلول] جمع مريض وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ لفقرهم كمزينة وجهينة وبنى عذرة حَرَجٌ اثم فى التخلف والتأخر عن الغزو ثم انه تعالى شرط فى انتفاء الحرج عنهم شرطا معينا فقال إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ قال ابو البقاء العامل فيه معنى الكلام اى لا يخرجون حينئذ. والنصح اخلاص العمل من الغش يقال نصح الشيء إذا خلص ونصح له فى القول إذا كلمه بما هو خير محض له والناصح الخالص وفى الحديث (الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة) ذكرها ثلاث مرات قيل هذا الكلام مدار الإسلام لان النصيحة هى ارادة الخير معناه عماد الدين النصيحة كما يقال الحج عرفة اى عماده (قالوا لمن يا رسول الله قال لله) معنى نصيحته تعالى الايمان به واخلاص العمل فيما امر به (ولرسوله) نصيحته تصديقه بكل ما علم مجيئه به واحياء طريقه (ولكتابه) نصيحته الاعتقاد بانه كلام الله والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه وفى الحقيقة هذه النصائح راجعة الى العبد (ولائمة المسلمين) نصيحتهم اطاعتهم فى المعروف وتنبيههم عند الغفلة (وعامتهم) نصيحة عامة المسلمين دفع المضار عنهم وجلب المنافع إليهم بقدر الوسع كذا فى شرح المشارق لابن ملك. فمعنى الآية ان المتخلفين من اصحاب الاعذار لا اثم عليهم فى تخلفهم إذا أخلصوا الايمان لله ولرسوله وامتثلوا أمرهما فى جميع الأمور ومعظمها ان لا يفشوا ما سمعوه من الأراجيف فى حق الغزاة وان لا يثيروا الفتن وان يسعوا فى إيصال الخير الى المجاهدين ويقوموا بإصلاح مهمات بيوتهم ويسعوا فى إيصال الاخبار السارة من بيوتهم إليهم ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ استئناف مقرر لمضمون ما سبق اى ليس عليهم جناح ولا الى معاتبتهم سبيل ومن زائدة لعموم النفي ووضع المحسنين موضع الضمير للدلالة على انتظامهم بنصحهم لله ورسوله فى سلك المحسنين وقد اشتهر ان تعليق الحكم على الوصف

ص: 484

المناسب يشعر بعلية الوصف له وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يشير الى ان بهم حاجة الى المغفرة وان كان تخلفهم بعذر فان الإنسان محل التقصير والعجز فلا يسعه الا العفو: وفى المثنوى

شمس هم معده زمين را كرم كرد

تا زمين باقى حدثها را بخورد

جزؤ خاكى كشت ورست از وى نبات

هكذا يمحو الا له السيئات

اى كه من زشت وخصالم نيز زشت

چون شوم كل چون مرا او خار گشت

نو بهارا حسن كل ده خار را

زينت طاوس ده آن مار را

وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ عطف على المحسنين اى ليس شىء ثابتا على المحسنين ولا على الذين إذا ما أتوك [چون بيامدند بسوى تو ودرخواست كردند لِتَحْمِلَهُمْ تا ايشانرا دستورى دهى ويا خود بحرب برى] وهم البكاءون سبعة من الأنصار معقل بن يسار وصخر بن الخنساء وعبد الله بن كعب وسالم بن عميرة وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن مغفل وعلية بن زيد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا نذرنا الخروج فاحملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة فنغزو معك فقال عليه السلام (لا أجد) فتولوا وهم يبكون وقيل هم بنوا مقرن كمحدث وكانوا سبعة اخوة كلهم صحبوا النبي عليه السلام وليس فى الصحابة سبعة اخوة غيرهم كذا فى تفسير القرطبي قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ حال من الكاف فى أتوك بإضمار قد اى إذا ما أتوك قائلا لا أجد وما عامة لما سألوه عليه السلام وغيره مما يحمل عليه عادة من النفقة والظهر وفى إيثار لا أجد على ليس عندى من تلطيف الكلام وتطييب قلوب السائلين ما لا يخفى كأنه عليه السلام يطلب ما يسألونه على الاستمرار فلا يجده تَوَلَّوْا جواب إذا [كشتند از پيش تو] وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ اى تسيل بشدة مِنَ الدَّمْعِ [از أشك يعنى أشك از ديدهاى ايشان ميريخت] واسناد الفيض الى العين مجازى كسال الميزاب والأصل يفيض دمعها عدل الى هذه الصور للدلالة على المبالغة فى فيضان الدمع كان العين كلها دمع فياض حَزَناً نصب على العلية والعامل تفيض لا يقال فاعل الفيض مغاير لفاعل الحزن فكيف نصب لا نانقول ان الحزن يجوز اسناده الى العين مجازا فيقال عين حزينة وعين مسرورة أَلَّا يَجِدُوا ان مصدرية بتقدير لام متعلقة بحزنا اى لئلا يجدوا ما يُنْفِقُونَ فى شراء ما يحتاجون اليه إذ لم يجدوه عندك قال الكاشفى [عمر وعباس وعثمان رضى الله عنهم ايشانرا زاد وتوشه ومركب داده همراه بردند پس حق تعالى ميفرمايد كه بدين نوع مردم اگر تخلف كنند حرجى وعنابى نيست] إِنَّمَا السَّبِيلُ بالمعاتبة عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ فى التخلف وَهُمْ أَغْنِياءُ واجدون لاهبة الغزو مع سلامتهم رَضُوا استئناف تعليل لما سبق كأنه قيل ما بالهم استأذنوا وهم اغنياء فقيل رضوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ اى النساء رضى بالدناءة وإيثارا للدعة وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [ومهر نهاد خداى تعالى از خذلان بر دلهاى ايشان] حتى غفلوا عن وخامة العاقبة فَهُمْ بسبب ذلك لا يَعْلَمُونَ ابدا غائلة ما رضوا به وما يستتبعه آجلا كما لم يعلموا بخساسة شانه آجلا قال ارسطوا الارتقاء الى السؤدد صعب والانحطاط الى الدناءة سهل وسئل عيسى عليه السلام أي الناس اشرف فقبض قبضتين من تراب ثم قال أي هذين

ص: 485

اشرف ثم جمعهما وطرحهما وقال الناس كلهم من تراب وأكرمهم عند الله اتقاهم فالعلو والشرف فى التقوى واختيار المجاهدة على الراحة والحزن والبكاء على الفرح والسرور وفى الحديث (اقرب الناس الى الله يوم القيامة من طال حزنه وعطشه وجوعه) وقال حكيم الدنيا سوق الآخرة والعقل قائد الخير والمال زداء التكبر والهوى مركب المعاصي والحزن مقدمة السرور: قال الصائب

هر محنتى مقدمه راحتى بود

شد همزبان حق چوزبان كليم سوخت

وقد ذم الله تعالى اهل النفاق بالفرح والاستهزاء ومدح اهل الإخلاص بالحزن والبكاء وادي ضحك أولئك الى البكاء الكثير وبكاء هؤلاء الى الضحك الوفير: وفى المثنوى

تا نكريد ابر كى خندد چمن

تا نكريد طفل كى جوشد لبن «1»

هر كجا آب روان سبزه بود

هر كجا أشك روان رحمت شود «2»

باش چون دولاب نالان چشم تر

تا ز صحن جانت بر رويد خضر

ثم ان الله تعالى انما يمنع المرء عن مراده ليستعد له وليزداد شوقه الا ترى الى النبي عليه السلام كيف قال لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ عزة وترفعا واستغناء ودلالا كما قال تعالى لموسى عليه السلام عند سؤاله بقوله رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي ليزيد بهذا المنع والتعزر شوق موسى عليه السلام فكان منع النبي عليه السلام عنهم من هذا القبيل فزادهم الشوق والحرص على الغزو فلما غلب الشوق وزاد الطلب اعطوا مامولهم وأجيب سؤلهم كاسبق وهذه حال الصورة وقس عليها حال المعنى فكما ان الفرح فى عالم الصورة لا يقدر على الطيران قبل نبات الجناح وهو من الشعر فكذا العاشق لا يقدر على الطيران فى عالم المعنى قبل وجود الجناح وهو من العلم والعمل والشوق الى المولى والتوجه الى الحضرة العليا وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأيت جعفر بن ابى طالب ملكا يطير فى الجنة ذا جناحين يطير بهما حيث شاه مخضوبة قوادمه بالدماء) قال الامام المنذرى وكان جعفر قد ذهبت يداه فى سبيل الله يوم موته فابدله الله بهما جناحين فمن أجل ذا سمى جعفر الطيار قال السهيلي ما ينبغى الوقوف عليه فى معنى الجناحين انهما ليسا كما سبق الى الوهم على مثل جناحى الطائر وريشه لان الصورة الآدمية اشرف الصور وأكملها وفى قوله عليه السلام (ان الله خلق آدم على صورته) تشريف لها عظيم وحاش لله من التشبيه والتمثيل ولكنها عبارة عن صورة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر كما أعطيها الملائكة وقد قال الله تعالى لموسى عليه السلام وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ فعبر عن العضد بالجناح توسعا وليس ثمة طيران فكيف بمن اعطى القوة على الطيران مع الملائكة اخلق به اذن بوصف الجناح مع كمال الصورة الآدمية وتمام الجوارح البشرية وقد قال اهل العلم فى اجنحة الملائكة ليست كما يتوهم من اجنحة الطير ولكنها صفات ملكية لا تفهم الا بالمعاينة واحتجوا بقوله تعالى أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فكيف تكون كاجنحة الطير على هذا ولم ير طائر له ثلاثة اجنحة ولا اربعة فكيف بستمائة جناح كما جاء فى صفة جبريل فدل على انها صفات لا تنضبط كيفيتها للفكر ولا ورد ايضا فى بيانها خبر فيجب علينا

(1) در أوائل دفتر پنجم در بيان سبب رجوع آن كافر وديدن پيغمبر را در شستن

(2)

در أوائل دفتر يكم در بيان كثر ماندن دهان آن شخصى گستاخ إلخ

ص: 486

الايمان بها ولا يفيدنا اعمال الفكر فى كيفيتها علما وكل امرئ قريب من معاينة ذلك فاما ان يكون من الذين تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ واما ان يكون من الذين تقول لهم الْمَلائِكَةُ وهم باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ كذا فى فتح القريب والله يهدى كل مريب تم الجزء العاشر فى اليوم الثاني من ذى الحجة المنتظم فى سلك شهور سنة احدى ومائة والف وذلك فى دارى الواقعة ببلدة بروسة حماها الله والحمد لله تعالى الجزء الحادي عشر من الاجزاء الثلاثين يَعْتَذِرُونَ اى يعتذر المنافقون إِلَيْكُمْ فى التخلف وكانوا بضعة وثمانين رجلا والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والآية نزلت قبل وقوع الاعتذار ولذا قال الكاشفى [إلقاء اعتذار خواهد كرد منافقان بسوى شما] إِذا رَجَعْتُمْ من غزوة تبوك منتهين إِلَيْهِمْ وانما لم يقل الى المدينة إيذانا بان مدارا الاعتذار هو الرجوع إليهم لا الرجوع الى المدينة فلعل منهم من بادر بالاعتذار قبل الرجوع إليها قُلْ يا محمد والتخصيص لما ان الجواب من وظيفته عليه السلام لا تَعْتَذِرُوا اى لا تفعلوا الاعتذار لانه لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ لن نصدقكم فى اعتذاركم لانه قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ اى أعلمنا بالوحى بعض اخباركم المنافية للتصديق وهو ما فى ضمائركم من الشر والفساد: وفى المثنوى

از منافق عذر رد آمد نه خوب

ز انكه در لب بود آن نى در قلوب «1»

كذب چون خس باشد ودل چودهان

خس نكردد در دهان هرگز نهان «2»

وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ فيما سيأتى وَرَسُولُهُ أتتوبون عن الكفر والنفاق أم تثبتون عليه وكأنه استتابة وامهال للتوبة ثُمَّ تُرَدُّونَ يوم القيامة إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وهو ما غاب عن العباد وَالشَّهادَةِ وهو ما علمه العباد فَيُنَبِّئُكُمْ عند ردكم اليه ووقوفكم بين يديه بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ اى بما كنتم تعملونه فى الدنيا على الاستمرار من الأعمال السيئة السابقة واللاحقة والمراد بالتنبئة بذلك المجازاة به وايثارها عليها للايذان بانهم ما كانوا عالمين فى الدنيا بحقيقة أعمالهم وانما يعلمونها يومئذ حين يرونها على صورها الحقيقة سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ تأكيدا لمعاذيرهم الكاذبة القائلين والله ما قدرنا على الخروج ولو قدرنا عليه لما تخلفنا إِذَا انْقَلَبْتُمْ اى انصرفتم من الغزو إِلَيْهِمْ وهم جد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ اعراض صفح وهو الاعراض عن الذنب وتتركوا لومهم وتعنيفهم فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ لكن لا اعراض رضى كما هو طلبتهم بل اعراض اجتناب ومقت وتحقير إِنَّهُمْ رِجْسٌ اى كالنتن الذي يجب الاجتناب عنه وفيهم رجس روحانى وقال فى التبيان اى نجس وعملهم

(1) در اواسط دفتر پنجم در بيان مثل در آنكه در مخبر دولتى چون فرق اثر نبينى جاى متهم داشتن إلخ

(2)

در اواسط دفتر ششم در بيان منادى كردن سيد ملك ترمد كه إلخ

ص: 487

قبيح لا يتطهرون بالتقريع وَمَأْواهُمْ اى مصيرهم جَهَنَّمُ من تمام التعليل فان كونهم من اهل النار من دواعى الاجتناب وموجبات ترك استصلاحهم باللوم والعتاب جَزاءً اى يجزون جزاء بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فى الدنيا من فنون السيئات يَحْلِفُونَ به تعالى لَكُمْ [براى شما] لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ بحلفتهم الكاذبة ولتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ المتمردين فى الكفر فان رضاكم لا يستلزم رضى الله ورضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كانوا فى سخط الله وبصدد عقابه والمقصود من الآية نهى المخاطبين عن الرضى عنهم والاغترار بمعاذيرهم الكاذبة على ابلغ وجه وآكده فان الرضى عمن لا يرضى عنه الله تعالى مما لا يكاد يصدر عن المؤمن كما فى الإرشاد- روى- ان النبي عليه السلام حين قدم المدينة قال (لا تجالسوهم ولا تكلموهم) وفيه اشارة الى هجر المنافق والمصر على ذنبه الى ان يتوب قال محمد الباقر رضى الله عنه أوصاني ابى زين العابدين رضى الله عنه فقال لا تصحبن خمسة ولا تحاد بهم ولا ترافقهم فى الطريق. لا تصحبن فاسقا فانه يبيعك باكلة فمادونها. قلت يا أبت وما دونها قال يطمع فيها ثم لا ينالها. ولا تصحبن البخيل فانه يقطع بك أحوج ما تكون اليه. ولا تصحبن كذابا فانه بمنزلة السراب ببعد عنك القريب ويقرب منك البعيد. ولا تصحبن أحمق فانه يريد ان ينفعك فيضرك وقد قيل عدو عاقل خير من صديق أحمق. ولا تصحبن قاطع رحم فانى وجدته ملعونا فى كتاب الله تعالى فى ثلاثة مواضع ثم فى الآيات بيان ان الاعتذار الباطل مردود على صاحبه وان كان قبول العذر من اخلاق الكرام فى نفس الأمر: وفى المثنوى

عذر أحمق بد ترا از جرمش بود

عذر نادان زهر هر دانش بود

وبيان ان اليمين الكاذبة لترويج عذره وغرضه باطلة ومذمومة بل رب يمين صادقة لا يتجاسر عليها من هو بصدد التقوى حذرا من ابتذال اسم الله تعالى فلا بد من ضبط اللسان وفى الحديث (لا يبلغ العبد ان يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس) وبيان ان المنافقين رجس اى جعلوا على طينة خبيثة غير طيبة ولذا كسبوا بخباثة تلك الطينة أعمالا خبيثة واوصافا ذميمة وبها صاروا مستحقين للنار مطلقا اى صورية وهى نار جهنم ومعنوية وهى نار القطيعة والهجران من الله تعالى ومن الرسول عليه السلام والمؤمنين أجمعين [شبلى ديد زنى را كه مى كريد وميگويد يا ويلاه من فراق ولدي شبلى گريست وگفت يا ويلاه من فراق الأخدان زن گفت چرا چنين ميگويى شبلى گفت تو گريه ميكنى بر مخلوقى كه هر آيينه فانى خواهد شد من چرا گريه نكنم بر فراق خالقى كه باقى باشد]

فرزند ويار چونكه بميرند عاقبت

اى دوست دل مبند بجز حى لا يموت

فعلى العاشق المهجور ان يبكى من ألم الفراق ويبالغ فى الوجد والاشتياق لعل الله تعالى يزيل البين من البين ويجعله بعد غمه وهمه قرير العين ويرضى عنه كما رضى عن الأبرار والمقربين ولا يسخط عليه الى ابد الآبدين الْأَعْرابُ جمع أعرابي كما ان العرب جمع عربى والمجوس جمع مجوسى واليهود جمع يهودى بحذف ياء النسبة فى الجمع والفرق بين العرب والاعراب

ص: 488

ان العرب صنف خاص من بنى آدم سواء سكن البوادي أم القرى. واما الاعراب فلا يطلق الا على من يسكن البوادي فالعرب أعم. وقيل العرب هم الذين استوطنوا المدن والقرى والاعراب اهل البدو فيكونان متباينين اى اصحاب البدو أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً من اهل الحضر لان اهل البدو تشبه الوحوش من حيث انهم مجبولون على الامتناع عن الطاعة والانقياد لان استيلاء الهواء الحار اليابس عليهم يزيدهم قساوة لقلوبهم وهى تستتبع التكبر والفخر والطيش عن الحق ولان من لم يدخل تحت تأدب مؤدب ولم يخالط اهل العلم والمعرفة ولم يستمع كتاب الله ومواعظ رسوله كيف يكون مساويا لمن أصبح وامسى فى صحبة اهل العلم والحكمة مستمعا لمواعظ الكتاب والسنة ولذا ورد فى الحديث (اهل الكفور اهل القبور) الكفور جمع كفر وهى القرية لسترها الناس. والمعنى ان سكان القرى بمنزلة الموتى لا يشاهدون الأمصار والجمع وفى الفردوس الأعلى يريد بها القرى البعيدة عن الأمصار ومجتمع اهل

العلم لكون الجهل عليهم اغلب وهم الى البدع اسرع: قال فى المثنوى

ده مرو ده مرد را أحمق كند

عقل را بي نور وبي رونق كند

قول پيغمبر شنو اى مجتبى

كور عقل آمد وطن در روستا

وان شئت تعرف الفرق بين اهل الحضر والبادية فقابل الفواكه الجبلية بالفواكه البستانية قال فى الإرشاد هذا من باب وصف الجنس بوصف بعض افراده كما فى قوله تعالى وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً إذ ليس كل الاعراب كما ذكر على ما ستحيط به خبرا قال الكاشفى [مراد بنو تميم وبنو اسد وغطفان واعراب حوالىء مدينه اند نه تمام اهل باديه بلكه اين جمع مخصوص] وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا اى أحق واولى ان لا يعلموا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ اى حدود العبادات والشرائع المنزلة من الله تعالى على رسوله فرائضها وسننها وذلك لكونهم ابعد عن استماع القرآن والسنن ولذلك تكره امامة الاعرابى فى الصلاة كما فى الحدادي قال العلماء إذا كان الامام يرتكب المكروهات فى الصلاة كره الاقتداء به وينبغى للناظر وولى الأمر عزله كما فى فتح القريب وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوال كل من اهل الوبر والمدر حَكِيمٌ فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم من العقاب والثواب قال فى التأويلات النجمية ان فى عالم الإنسان بدوا وهو نفسه وحضرا وهو قلبه كما ان فى عالم الصورة بدوا وحضرا والاعراب اشارة الى النفس وهواها وهو الكفر والنفاق لها ذاتى كما ان الايمان للقلب ذاتى من فطرة الله التي فطر الناس عليها فيحتمل ان يصير القلب كافرا بسراية صفة النفس اليه فيتلوّن بلون النفس: وفى المثنوى

اندك اندك آب را دزدد هوا

وين چنين دزددهم أحمق از شما

گر ميت را دزدد وسردى دهد

همچنان كو زير خود سنگى نهد

كما يحتمل ان تصير النفس مؤمنة لسراية صفة القلب فتلون بلون القلب

مكو زنهار اصل عود چوبست

ببين دودش چهـ مستثنى وخوبست

يعنى بسب مجاورة كلاب وذلك مشهور والنفس تكون أشد كفرا ونفاقا من القلب وان كان

ص: 489

كافرا كما ان القلب يكون أشد ايمانا من النفس وان كانت مؤمنة وَأَجْدَرُ يعنى النفس وصفاتها اولى من القلب أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ اى من الواردات النازلة على الأرواح فان الروح بمثابة الرسول فى عالم الصورة وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فى ان يجعل بعض النفس الكافرة مؤمنة وبعض القلب المؤمن كافرا وَمِنَ الْأَعْرابِ اى ومن جنس الاعراب الذي نعت بنعت بعض افراده مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ من المال اى يعد ما يصرفه فى سبيل الله ويتصدق به صورة مَغْرَماً مصدر بمعنى الغرامة والغرم وهو ما ينوب الإنسان فى ماله من ضرر لغير جناية ومن لا يؤمن بالله واليوم الآخر ولا يرجو على إنفاقه فى سبيل الله ثوابا ولا يخاف على تركه عقابا فلا جرم يعد ما أنفقه غرامة وضياع مال بلا فائدة وانما ينفق رياء او تقية وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ والتربص الانتظار. والدوائر جمع دائرة وهى ما يدور حول الإنسان من المصائب والآفات ومعنى تربص الدوائر انتظار المصائب بان تنقلب دولة المسلمين بموت الرسول صلى الله عليه وسلم وغلبة الكفار عليهم فيتخلصوا من الانفاق يقول الفقير وهذا النفاق موجود الآن ألا ترى الى بعض المتسمين بسمة الإسلام كيف يتمنى ظهور الكفار ليتخلص من الانفاق والتكاليف السلطانية ولذا يتصدق الا كرها خلصه الله وإيانا من كيد النفس والشيطان وجعله الله وإيانا من المتحققين بحقيقة الايمان عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ [بر ايشان باد گردش روزگار بدايشان منقلب شود] فهو دعاء عليهم بنحو ما أرادوا بالمؤمنين. والسوء بالفتح مصدر ساء نقيض سر ثم اطلق على كل ضرر وشر وأضيف اليه الدائرة ذاتا كما يقال رجل سوء لان من دارت عليه يذمها وهى من باب اضافة الموصوف الى صفته فوصفت فى الأصل بالمصدر مبالغة ثم أضيفت الى صفتها وَاللَّهُ سَمِيعٌ لما يقولون عند الانفاق مما لا خبر فيه عَلِيمٌ بما يضمرونه من الأمور الفاسدة التي من جملتها ان يتربصوا بكم الدوائر وَمِنَ الْأَعْرابِ اى من جنسهم على الإطلاق كما فى الإرشاد من اسد وجهينة وغفار واسلم كما فى التبيان مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قال فى الروضة سمع أعرابي قوله تعالى الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً فانقبض ثم سمع وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فقال الله اكبر هجانا الله ثم مدحنا وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ اى ينفقه فى سبيل الله قُرُباتٍ اى سبب قربات وذرائع إليها وهى ثانى مفعولى يتخذ عِنْدَ اللَّهِ صفتها قال الحدادي اى يتخذ نفقته فى الجهاد تقربا الى الله تعالى فى طلب المنزلة عنده والثواب والجمع باعتبار انواع القربات او افرادها وفيه اشارة الى الحديث القدسي (من تقرّب الى شبرا تقربت اليه ذراعا) وَصَلَواتِ الرَّسُولِ اى وسائل إليها وسببها فانه عليه السلام كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم ولذلك سن للمتصدق عليه وهو من يأخذ الصدقة ان يدعو للمتصدق اى معطى الصدقة عند أخذ صدقته لكن ليس له ان يصلى عليه كما فعله عليه السلام حين قال (اللهم صل على آل ابى اوفى) فان ذلك منصبه فله ان يتفضل به على من يشاء أَلا كلمة تنبيه إِنَّها اى النفقة المدلول عليها بما ينفق والتأنيث باعتبار الخير قُرْبَةٌ عظيمة لَهُمْ اى سيقربهم الله بهذا الانفاق إذا فعلوه وهو شهادة لهم من جناب الله تعالى بصحة ما اعتقدوه من كون ما ينفقونه

ص: 490

فى سبيل الله سبب قربات وتصديق لرجائهم سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ وعد لهم بإحاطة رحمته الواسعة بهم وتفسير للقربة. والسين لتحقيق الوعد لانها فى الإثبات بمنزلة لن فى النفي وقال الكاشفى [زود باشد كه در آرد خداى تعالى ايشانرا در بهشت خود كه محل نزول رحمتست] إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ [آمر زنده است مر متصدقانرا] رَحِيمٌ [مهربانيست بر مقربان] واعلم ان فضل الصدقة والانفاق لا يخفى على أحد- حكى- انه وقع القحط فى بنى إسرائيل فدخل فقير سكة من السكك وكان فيها بيت غنى فقال تصدقوا علىّ لاجل الله فاخرجت اليه بنت الغنى خبزا حارا فاستقبله الغنى فقال من دفع إليك هذا الخبز فقال ابنة من هذا البيت فدخل وقطع يد ابنته اليمنى فحول الله حاله فافتقر ومات فقيرا ثم ان شابا غنيا استحسن الابنة لكونها حسناء فتزوجها وأدخلها داره فلما جن الليل أحضرت مائدة فمدت اليد اليسرى فقال الغنى سمعت ان الفقراء يكونون قليلى الأدب فقال مدى يدك اليمنى فمدت اليسرى ثانيا وثالثا فهتف بالبيت هاتف اخرجى يدك اليمنى فالرب الذي أعطيت الخبز لاجله رد عليك يدك اليمنى فاخرجت يدها اليمنى بامر الله تعالى وأكلت كذا فى روضة العلماء ففى الحكاية ان من آتاه الله تعالى نعمة فلم يؤد شكرها عوقب بزوالها ألا ترى الى بلعم لم يشكر نعمة الإسلام فقبضه الله على ملة الكفر كما فى منهاج العابدين فان من طلب رضى الله تعالى فى كل فعل وترك جبر الله كسره وان الاكل باليسرى خلاف الأدب فان الشيطان يأكل بيساره الا ان يكون معذورا بسبب من الأسباب: وفى المثنوى

گفت پيغمبر كه دائم بهر پند

دو فرشته خوش منادى ميكنند «1»

كاى خدايا منفقانرا سيردار

هر درمشان را عوض ده صد هزار

اى خدايا ممسكانرا در جهان

تو مده الا زيان اندر زيان

آن درم دادن سخى را لائق است

جان سپردن خود سخاى عاشق است «2»

نان دهى از بهر حق نانت دهند

جان دهى از بهر حق جانت دهند

هر كه كارد گردد انبارش تهى

ليكش اندر مزرعه باشد بهى

وانكه در أنبار ماند وصرفه كرد

اسبش وموش وحوادثهاش خورد

قيل ما منع مال من حق إلا ذهب فى باطل أضعافه قال على رضى الله عنه فرض فى اموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير الا بما منع غنى والله سائلهم عن ذلك وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ والمراد قدماء الصحابة وهم الذين سبقوا الى الايمان وصلوا الى القبلتين وشهدوا بدرا وكان أول من اسلم خديجة رضى الله عنها وعليه الجمهور وَالْأَنْصارِ اهل بيعة العقبة الاولى وكانوا سبعة نفر واهل العقبة الثانية وكانوا سبعين والذين آمنوا حين قدم عليهم ابو زرارة مصعب بن عمير كما سيأتى وانما مدح السابقين لان السابق امام للتالى والفضل للمتقدم وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ اى ملتبسين به والمراد به كل خصلة حسنة وهم اللاحقون بالسابقين من الفريقين. وقيل المراد بهم جميع الصحابة من المهاجرين والأنصار فانهم سابقون الى الإسلام بالنسبة الى سائر المسلمين فمن بيانية والتابعون هم اهل الايمان الى يوم القيامة

(1) در اواسط دفتر يكم در بيان تفسير دعاى آن دو فرشته إلخ

(2)

در اواسط دفتر يكم در بيان قربانى كردن سروران عرب باميد قبول افتادن

ص: 491

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ خبر للمبتدأ اى رضى عنهم بقبول طاعتهم وارتضاء أعمالهم وَرَضُوا عَنْهُ بما نالوا من نعمه الدينية والدنيوية وَأَعَدَّ لَهُمْ [وآماده كرد خداى تعالى مر ايشانرا] جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ [بستانها كه ميرود در زير درختان آن جويها] القراء يقرأون تحتها الأنهار فى هذا الموضع بغير من الا ابن كثير فانه يقرأ من تحتها كما هو فى سائر المواضع خالِدِينَ فِيها مقدرا خلودهم فى تلك الجنات أَبَداً من غير انتهاء فهو لاستغراق المستقبل كما ان الأزل لاستغراق الماضي ولاستعمالهما فى طول الزمانين جدا قد يضافان الى جمعهما فيقال ابدا الآباد وازل الآزال واما السرمد فلاستغراق الماضي والمضارع ذلِكَ اشارة الى ما فهم من اعداد الله سبحانه لهم الجنات المذكورة من نيل الكرامة العظمى الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا فوز وراءه واعلم انه عليه السلام اوحى اليه وهو ابن أربعين سنة فى مكة فبايعه جماعة من الناس فعدا عليهم كفار قريش فظلموهم ليردوهم الى ما كانوا عليه فامرهم النبي عليه السلام بالهجرة الى ارض الحبشة وملكها وهو النجاشي فخرجوا نحوا من ثمانين رجلا من رجب من السنة الخامسة من النبوة وهذه هى الهجرة الاولى ثم بايعه فى كل واحدة من العقبتين جمع من الأنصار وكانت بيعة العقبة الاولى فى سنة احدى عشرة من النبوة وبيعة العقبة الثانية فى السنة الثانية عشرة ولما انصرف اهل العقبة الثانية الى المدينة بعث عليه السلام معهم مصعب ابن عمير ليفقه أهلها ويعلمهم القرآن فاسلم خلق كثير منهم وسمى اهل المدينة أنصارا مع ان المهاجرين ايضا نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم لانهم نصروه عليه السلام والذين هاجروا إليهم من المؤمنين لما جاؤهم آووهم ونصروهم ثم اجتمعوا جميعا على نصرته صلى الله عليه وسلم فى الغزوات ثم هاجر عليه السلام الى المدينة فى السنة الرابعة عشرة من النبوة وهى الهجرة الثانية. واما تحويل القبلة من بيت المقدس الى الكعبة فهو وقع يوم الثلاثاء من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقامه بالمدينة وفى هذه السنة وقعت غزوة بدر الكبرى فى شهر رمضان فى تاسع عشرة وكانت غزوة الحديبية فى سنة ست من الهجرة وفيها وقعت بيعة الرضوان قيل اجمع أصحابنا على ان أفضل هذه الامة الخلفاء الاربعة. ثم الستة الباقون الى تمام العشرة.

ثم البدريون. ثم اصحاب أحد. ثم اهل بيعة الرضوان بالحديبية وفى السابقون وجوه اخر السابقون اى الذين سبقت لهم العناية الازلية كما قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى الأولون فى سبق العناية لهم. وايضا السابقون فى الخروج من العدم الأولون عند الخروج وهم اهل الصف الاول فى عالم الأرواح إذ كانت الأرواح صفوفا كالجنود المجندة. وايضا السابقون فى الخروج من صلب آدم عند أخذ ذرات ذرياته من صلبهم الأولون عند استماع خطاب ربهم. وايضا السابقون الأولون عند تخمير طينة آدم بيده أربعين صباحا بمماسة ذراتهم بيد القدرة وباستكمال تصرف القدرة فى كمال الأربعين. وايضا السابقون عند رجوعهم بقدم السلوك الى حضرة الربوبية على اقرانهم الأولون بالوصول الى سرادقات الجلال واعلم ان هذا السبق مخصوص بالنبي عليه السلام وأمته كما اخبر بقوله (نحن الآخرون السابقون) اى الآخرون خروجا فى الصورة السابقون دخولا فى المعنى قال فى فتح القريب نحن الآخرون فى الزمان

ص: 492

والوجود وإعطاء الكتاب (والأولون يوم القيامة) اى بالفضل ودخول الجنة وفصل القضاء فتدخل هذه الامة الجنة قبل سائر الأمم انتهى فالسبق اما بالقدم واما بالهمم والثاني هو المرجح المقدم- يحكى- عن ابى القاسم الجنيد قدس سره قال كنت ابكر الجامع فاسمع قد سبقت يا أبا القاسم فاقدم الوقت فى الجمعة الثانية فاسمع قد سبقت يا أبا القاسم فلم ازل كذلك حتى اصل الصبح فى الجامع فسمعت قد سبقت يا أبا القاسم فسألت الله ان يعرفنى من يسبقنى مع بكورى فهتف بي هاتف من زاوية المحراب الذي سبقك هو الذي يخرج آخر الناس فصليت الجمعة ثم جلست الى العصر فصليت جماعة ثم جلست الى ان خرج الناس وفى آخرهم شيخ همّ اى كبير فتعلقت به فقلت له يا شيخ متى تحضر الجماعة قال وقت الزوال قلت فبأى شىء تسبقنى فقد دللت عليك فقال يا أبا القاسم انا إذا خرجت من الجامع نويت ان بقيت الى يوم مثله حضرت الجامع قال فعرفت ان السبق بالهمم لا بالقدم: قال فى المثنوى

أول فكر آخر آمد در عمل

خاصه فكرى كو بود وصف ازل

دل بكعبه ميرود در هر زمان

جسم طبعى دل بگيرد ز امتنان

اين دراز وكوتهى مر جسم راست

چهـ دراز وكوته آنجا كه خداست

چون خدا مر جسم را تبديل كرد

رفتنش بي فرسخ وبي ميل كرد

وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ خبر مقدم لقوله منافقون اى حول بلدتكم يعنى المدينة مِنَ الْأَعْرابِ من اهل البوادي وقد سبق الفرق بينه وبين العرب مُنافِقُونَ وهم جهينة ومزينة واسلم وأشجع وغفار كانوا نازلين حولها وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قوم مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ [خو كرده اند واقامت نموده بر نفاق يا در منافقى ماهر شده اند] والمرود على الشيء التمرن عليه والمهارة فيه باعتياده والمدينة إذا أطلقت أريد بها دار الهجرة التي فيها بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنبره وقبره من مدن بالمكان إذا اقام به فتكون الميم اصلية. والجمع مدن بضم الدال وإسكانها ومدائن بالهمزة او من دان إذا أطاع والدين الطاعة فتكون الميم زائدة والجمع مداين بلا همز كمعايش بالياء. ولها اسماء كثيرة منها طابة وطيبة بفتح الطاء وسكون الياء لخلوها من الشرك او لطيبها بساكنيها لامنهم ودعتهم او لطيب عيشها فيها او لكونها طاهرة التربة او من النفاق وفى الحديث (تنفى الناس) اى شرارهم (كما ينفى الكير خبث الحديد) وفى الحديث (ان الايمان لبأرز الى المدينة كما تأرز الحية الى جحرها تدخل بلا عوج) والمراد بالمدينة جميع الشام فانها من الشام خص المدينة بالذكر لشرفها فعلى هذا تكون المدينة شامية كما ذهب اليه ابن ملك قال النووي ليست شامية ولا يمانية بل هى حجازية وقال الشافعي مكة والمدينة يمانيتان لا تَعْلَمُهُمْ بيان لقوله مردوا على النفاق اى بلغوا من المهارة فى النفاق الى حيث خفى نفاقهم عليك مع كمال فطنتك وقوة فراستك فالمراد لا تعرف حالهم ونفاقهم نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ منافقين ونطلع على أسرارهم ان قدروا ان يلبسوا عليك لم يقدروا ان يلبسوا علينا سَنُعَذِّبُهُمْ السين للتأكيد مَرَّتَيْنِ- روى- انه عليه السلام قام خطيبا يوم الجمعة فقال (اخرج يا فلان فانك منافق اخرج يا فلان فانك منافق)

ص: 493

فاخرج ناسا وفضحهم فهذا هو العذاب الاول والعذاب الثاني عذاب القبر وفى بعض الآثار ان المنافق يسأل أربعين يوما فلا يقدر على الجواب ويجوز ان يكون المراد بالمرتين مجرد التكثير كما فى قوله تعالى ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ اى كرة بعد اخرى ثُمَّ يُرَدُّونَ يوم القيامة إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ هو عذاب النار [وبحقيقت عذاب عظيم بعد ايشانست از درگاه عزت ومحجوبيت ايشان از نور لقا ورؤيت وهيچ عذابى از نكبت حرمان ومشقت هجران بزرگتر نيست]

از فراق تلخ ميگوئى سخن

هر چهـ خواهى كن وليكن آن مكن «1»

تلخ تر از فرقت تو هيچ نيست

بي پناهت غير پيچاپيچ نيست «2»

صد هزاران مرگ تلخ از دست تو

نيست مانند فراق روى تو «3»

جور دوران وهر آن رنجى كه هست

سهلتر از بعد حق وغفلتست «4»

زانكه اينها بگذرد وآن نگذرد

دولت آن دارد كه جان آگه برد

از فراق اين خاكها شوره بود

آب زرد وكنده وتيره بود «5»

دوزخ از فرقت چنان سوزان شده است

بيد از فرقت چنان لرزان بده است

كر بگويم از فراق چون شرار

تا قيامت يك بود از هزار

وَآخَرُونَ اى ومن اهل المدينة قوم آخرون اعْتَرَفُوا أقروا بِذُنُوبِهِمْ التي هى تخلفهم عن الغزو وإيثار الدعة عليه والرضى بسوء جوار المنافقين وندموا على ذلك ولم يعتذروا بالمعاذير الكاذبة وهم طائفة من المتخلفين أوثقوا أنفسهم على سوارى المسجد عند ما بلغهم ما نزل فى المتخلفين فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره فدخل المسجد اولا فصلى ركعتين حسب عادته الكريمة ورآهم كذلك فسأل عن شأنهم فقالوا هؤلاء تخلفوا عنك فعاهدوا الله واقسموا ان لا يطلقوا أنفسهم حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقهم فقال عليه السلام (وانا اقسم ان لا أحلهم حتى أومر فيهم) فنزلت فاطلقهم واعذرهم خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً هو ما سبق منهم من الأعمال الصالحة والخروج الى المغازي السابقة وما لحق من الاعتراف بذنوبهم فى التخلف عن هذه المرة وتذممهم وندامتهم على ذلك وَآخَرَ سَيِّئاً هو ما صدر عنهم من الأعمال السيئة اولا وآخرا فيدخل فيه التخلف عن غزوة تبوك وتبديل الواو بالباء حيث لم يقل بآخر يؤذن بكون كل منهما مخلوطا به وهو ابلغ فان قولك خلطت الماء باللبن يقتضى إيراد الماء على اللبن دون العكس وقولك خلطت الماء واللبن معناه إيقاع الخلط بينهما من غير دلالة على اختصاص أحدهما بكونه مخلوطا والآخر بكونه مخلوطا به قال الحدادي يقال خرجوا الى الجهاد مرة وتخلفوا مرة فجمعوا بين العمل الصالح والعمل السيّء كما يقال خلط الدنانير والدراهم اى جمعهما وخلط الماء واللبن اى أحدهما بآخر عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ان يقبل توبتهم المفهومة من اعترافهم بذنوبهم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يتجاوز عن سيآت التائب ويتفضل عليه وهو تعليل لما يفيده كلمة عسى من وجوب القبول فانها للاطماع الذي هو من أكرم الأكرمين

(1) در اواسط دفتر يكم در بيان مراعات كردن زن شورا إلخ: ودر اواخر دفتر پنجم در بيان قصد كردن شاه بكشتن أميران.

(2)

در اواخر دفتر يكم در بيان تعجب كردن آدم از فعل إبليس

(3)

در اواخر دفتر پنجم در بيان قصد كردن شاه بكشتن أميران إلخ [.....]

(4)

در اواسط دفتر ششم در بيان جواب دادن قاضى صوفى را

(5)

در اواخر دفتر سوم در بيان قصه وكيل صدر جهان كه متهم شد إلخ

ص: 494

إيجاب وأي إيجاب قال ادى وانما ذكر لفظ عسى ليكون الإنسان بين الطمع والإشفاق فيكون ابعد من الاتكال والإهمال

چون بدى كناهرا دانى

كشدت جانب پشيمانى

ور ندانى كناهرا كه بدست

آن نشان شقاوت ابدست

اعلم ان بعض النفوس منافق وبعضها كافر وبعضها مؤمن فالمنافق منها كالصفة الحيوانية من الشهوات فانها تتبدل بالعفة عند استيلاء القلب على النفس بسياسة الشريعة وتربية الطريقة ظاهرا لا حقيقة لانها لا تتبدل بالكلية بحيث تنتزع عنها الشهوة بل تكون مغلوبة والكافر منها كالصفة البهيمية فى طلب الاغتذاء من طلب المأكول والمشروب فانها لا تتبدل بضدها وهو الاستغناء عن الاكل والشرب لحاجة الجسد الى الغذاء بدل ما يتحلل من الجسد والمؤمن منها كالصفة السبعية والشيطانية من الغضب والكبر والعداوة والخيانة فانها تحتمل ان تتبدل بأضدادها من الحلم والتواضع والمحبة والصدق والامانة عند استنارة النفس بنور الإسلام وترشح نور الايمان على القلب وانشراح الصدر بنور ربها وهذه الصفات وغيرها من صفات النفس إذا لم تتبدل بالكلية او لم تكن مغلوبة بانوار صفات القلب ففيها بعض النفاق كما جعل النبي عليه السلام الكذب والخيانة وخلف الوعد والغدر من النفاق فقال (اربع من كن فيه فهو منافق وان صام وصلى وزعم انه مسلم إذا حدّث كذب وإذا ائتمن خان وإذا وعد اخلف وإذا عاهد غدر ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها) فعلى العاقل ان يجتهد باحكام الشريعة وآداب الطريقة الى ان يحصل الخلاص من النفاق بالكلية ثم ان الاعتراف بالخطيئة ميراث للمؤمن من أبيه آدم عليه السلام روى- انه بكى على ذنبه مائتى سنة حتى قبل الله توبته وغفر ذنبه ولذا قالوا ينبغى للنائب ان يكثر البكاء والتذلل عند التوبة ويصلى على النبي عليه السلام فانه شفيع لكل نبى وولى ولذا توسل به آدم الى الله تعالى حيث قال الهى بحق محمد ان تغفر لى ويستغفر لجميع المؤمنين والمؤمنات ومعنى الاستغفار سؤال العبد ربه ان يغفر له ذنوبه ومعنى مغفرته لذنوب عباده ان يسترها عليهم بفضله ولا يكشف أمورهم لخلقه ولا يهتك سترهم ومن شرط التوبة ان لا يتعمد ذنبا فان وقع منه بسهو او خطأ فهو معفو عنه بفضل الله تعالى: قال الحافظ

جايى كه برق عصيان بر آدم صفى زد

ما را چگونه زيبد دعوىء بي گناهى

خُذْ يا محمد مِنْ أَمْوالِهِمْ اى من اموال هؤلاء المتخلفين المعترفين بذنوبهم صَدَقَةً حال كونك تُطَهِّرُهُمْ اى عما تلطخوا به من اوضار التخلف وَتُزَكِّيهِمْ بِها اى تنمى بتلك الصدقة وأخذها حسناتهم وترفعهم الى مراتب المخلصين- روى- انه لما حلهم النبي عليه السلام من وثاقهم وتاب الله عليهم راحوا الى منازلهم وجاؤا باموالهم كلها وقالوا يا رسول الله هذه أموالنا خلفتنا عنك خذها فتصدق بها عنا فكره النبي عليه السلام ذلك فنزلت هذه الآية فاخذ رسول الله ثلث أموالهم لتكمل به توبتهم ويكون جاريا مجرى الكفارة لتخلفهم فهذه الصدقة ليست الصدقة المفروضة فانها

ص: 495

لا تؤخذ هكذا وقيل هذا كلام مبتدأ نزل لا يجاب أخذ الزكاة من الأغنياء عليه وان لم يتقدم ذكر لهم كقوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لدلالة الحال على ذلك والمعنى. خذ من اموال اغنياء المسلمين صدقة اى زكاة وسميت بها لدلالتها على صدق العبد فى العبودية واليه ذهب اكثر الفقهاء قال فى الاختيار من امتنع عن أداء الزكاة أخذها الامام كرها ووضعها موضعها لقوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً وفى الأشباه المعتمد فى المذهب عدم الاخذ كرها قال فى المحيط ومن امتنع من أداء الزكاة فالساعى لا يأخذ منه كرها ولو أخذ لا يقع عن الزكاة لكونها بلا اختيار ولكن يجبره بالحبس ليؤدى بنفسه انتهى قال فى المبسوط وما يأخذ ظلمة زماننا من الصدقات والعشور والجزية والخراج والجبايات والمصادرات فالاصح ان يسقط جميع ذلك عن ارباب الأموال إذا نووا عند الدفع التصدق عليهم وقيل علم من يأخذه بما يأخذ شرط فالاحوط ان يعاد وَصَلِّ عَلَيْهِمْ اى ادع لهم بالخير والبركة واستغفر لهم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ تسكن إليها نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم فهو فعل بمعنى مفعول كالنقض بمعنى المنقوض وَاللَّهُ سَمِيعٌ باعترافهم عَلِيمٌ بندامتهم قال فى الكافي الصلاة على الميت مشروعة بقوله تعالى وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وقوله عليه السلام (صلوا على كل بر وفاجر) - روى- ان آدم عليه السلام لما توفى اتى بحنوط وكفن من

الجنة ونزلت الملائكة فغسلته وكفنته فى وتر من الثياب وحنطوه وتقدم ملك منهم فصلى عليه وصلت الملائكة خلفه وفى رواية قال ولده شيث لجبريل عليه السلام صلى عليه فقال له جبريل تقدم أنت فصل على أبيك فصلى عليه وكبر ثلاثين تكبيرة ثم اقبروه ثم الحدوه ونصبوا اللبن عليه وابنه شيث الذي هو وصيه معهم فلما فرغوا قالوا له هكذا فاصنع بولدك وإخوتك فانها سنتكم ومنه يعلم ان الغسل والتكفين والصلاة والدفن واللحد من الشرائع القديمة وقال بعضهم صلاة الجنازة من خصائص هذه الامة ولا منافاة لانه لا يلزم من كونها من الشرائع القديمة ان تكون معروفة لقريش إذ لو كانت كذلك لفعلوا ذلك وفى كلام بعضهم كانوا فى الجاهلية يغسلون موتاهم وكانوا يكفنونهم ويصلون عليهم وهو ان يقوم ولى الميت بعد ان يوضع على سريره فيذكر محاسنه كلها ويثنى ثم يقول عليك رحمة الله ثم يدفن- روى- ان النبي عليه السلام لما قدم المدينة وجد البراء بن معرور رضى الله عنه قد مات فذهب رسول الله وأصحابه فصلى على قبره وكبر فى صلاته أربعا فصلاة الجنازة فرضت فى السنة الاولى من الهجرة على ما قالوا ومن أنكر فرضية صلاة الجنازة كفر كما فى القنية وهاهنا ابحاث الاول ان غسل الميت شريعة ماضية والنية لا تشترط لصحة الصلاة عليه وتحصيل طهارته وانما هى شرط لاسقاط الفرض عن ذمة المكلفين اى بغسله فان غسل الميت فرض كفاية فاذا تركوا أثموا فبنية الغسل يسقط الفرض عن ذمة الغاسل وغيره فيقول نويت الغسل لله تعالى وانما يغسل الميت لانه يتنجس بالموت كسائر الحيوانات الدموية الا انه يطهر بالغسل كرامة له ولو وجد ميت فى الماء فلا بد من غسله لان الخطاب بالغسل توجه لبنى آدم ولم يوجد منهم فعل وقيل ان الميت إذا فارقته الروح

ص: 496

وارتاح من شدة النزع انزل فوجب على الاحياء غسله كما فى اسئلة الحكم يقول الفقير فيه نظر لانه انما يجب الاغتسال بالمنى إذا كان بشهوة عند الحنيفة ولم يوجد فى الميت اللهم الا ان يحمل على مذهب الشافعي فان المنى عنده كيفما كان يوجب الاغتسال حتى لو حمل حملا ثقيلا فخرج منه المنى يجب عنده وينبغى ان يكون المغسول مسلما تام البدن او أكثره وفى حكمه النصف مع الرأس فلا يغسل الكافر والنصف بلا رأس وان يكون الغاسل يحل له النظر الى المغسول فلو ماتت امرأة فى السفر يممها ذو رحم محرم منها وان لم يوجد لف اجنبى على يده خرقة ثم يممها وان ماتت امة ييممها اجنبى بغير ثوب وكذا لو مات رجل بين النساء يممته ذات رحم محرم منه او اومته بغير ثوب ولو مات غير المشتهى او المشتهاة غسله الرجل والمرأة وعن ابى يوسف ان الرضيعة يغسلها ذو الرحم وكره غيره ولا يغسل زوجته وتغسل زوجها الا إذا ارتفعت الزوجية بوجه ويستحب ان يكون الغاسل اقرب الى الميت فان لم يعلم فاهل الورع والامانة وان يوضع الميت عند الغسل بموضع خال من الناس مستور عنهم لا يدخله الا الغاسل ومن يعينه كما فى السيرة الحلبية ولو اختلط موتى المسلمين وموتى الكفار فمن كانت عليه علامة المسلمين صلى عليه ومن كانت عليه علامة الكفار ترك ومن لم يكن عليه علامة والمسلمون اكثر غسلوا وكفنوا وصلى عليهم وينوون بالصلاة والدعاء للمسلمين دون الكفار ويدفنون فى مقابر المسلمين وان كان الفريقان سواء او كانت الكفار اكثر لم يصل عليهم ويغسلون ويكفنون ويدفنون فى مقابر المشركين ومن استهل بعد الولادة غسل وسمى وصلى عليه وإلا غسل فى المختار وأدرج فى خرقة ولا يصلى عليه ولو مات لمسلم قريب كافر غسله غسل النحاسة ولفه فى خرقة وألقاه فى حفرة او دفعه الى اهل دينه قال القهستاني لا يجب غسل كافر أصلا وانما يباح غسل كافر غير حربى له ولى مسلم كما فى الجلابي والشهيد لا يغسل ويغسل الشهيد الجنب عنده خلافا لهما وإذا انقطع الحيض والنفاس فاستشهدت فعلى هذا الخلاف وإذا استشهدت قبل الانقطاع تغسل على الأصح ولو مات بغير قتل ولو فى المعركة غسل ولو قتل برجم او قصاص او تعزير او افتراس سبع

او سقوط بناء او غرق او طلق او نحوها غسل بلا خلاف كما لو قتل لبغى او قطع طريق غسل فى رواية ولا يصلى عليه فى ظاهر الرواية وعند ابى حنيفة فى الصلاة على المصلوب روايتان ولو قتل نفسه خطأ يصلى عليه بلا خلاف ولو تعمد فالاصح لا يصلى عليه لانه لا توبة له والصلاة شفاعة والثاني ان الصلاة على الميت فرض كفاية عند العامة ووقتها وقت حضوره ولذا قدمت على سنة المغرب كما فى الخزانة وفى الحديث (اسرعوا بالجنازة) واهل مكة فى غفلة عن هذا فانهم غالبا يجيئون بالميت بعيد الظهر او وقت التسبيح فى السحر وقد يكون مات قبل هذا الوقت بكثير فيضعونه عند باب الكعبة حتى يصلى العصر او الصبح ثم يصلى عليه كما فى المقاصد الحسنة يقول الفقير واهل كل بلدة فى غفلة عن هذا فى هذا الزمان سامحهم الله تعالى. وتجوز صلاة الجنازة حين طلوع الشمس واستوائها وغروبها بلا كراهة ان حضرت فى هذه الأوقات وان حضرت قبلها أخرت ويقوم الامام حذاء الصدر لانه محل العلم ونور الايمان ويكبر ويثنى اى يقول

ص: 497

الامام والمؤتم والمنفرد سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وجل ثناؤك ولا اله غيرك قوله وجل ثناؤك لم يذكر فى الأحاديث المشهورة فلم يأت به مصلى الفرض ولا بأس للمتنقل بإتيانه به لان النفل مبنى على التوسيع فيجوز فيه ما لا يجوز فى الفرض قال الحلبي الاولى تركه الا فى صلاة الجنازة ثم يكبر ويصلى على النبي عليه السلام بما يحضره كما فى الجلابي او بما يصلى به فى الفرض كما فى المستصفى فيقول اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك. حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد. والمعنى اللهم صل على محمد صلاة كاملة كما دل عليه الإطلاق. وقوله وعلى آل محمد من عطف الجملة اى وصل على آله مثل الصلاة على ابراهيم وآله فلا يشكل بوجوب كون المشبه به أقوى كما هو المشهور كما فى القهستاني ثم يكبر ويدعو للميت او لكل مسلم ولو حيا ويسن الدعاء المعروف اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منا فاحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الايمان وخص هذا الميت بالرحمة والغفران والروضة والرضوان اللهم ان كان محسنا فزد فى إحسانه وان كان مسيئا فتجاوز عنه برحمتك يا ارحم الراحمين كما فى عيون الحقائق وفى الصبى والمجنون لا يستغفر لهما لعدم ذنبهما بل يقول اللهم اجعله لنا فرطا واجعله لنا اجرا وذخرا واجعله لنا شافعا مشفعا اى مقبول الشفاعة ومن لم يحسن قال اللهم اغفر لى ولوالدى ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات برحمتك يا ارحم الراحمين- وروى- انه صلى الله عليه وسلم لما أدرج فى أكفانه ووضع على سريره ثم وضع على شفير قبره المنور وذلك يوم الثلاثاء دخل عليه ابو بكر رضى الله عنه مع نفر من المهاجرين والأنصار بقدر ما يسع البيت وذلك بعد ما بويع له بالخلافة وصلى على النبي عليه السلام بأربع تكبيرات وضمن صلاته هذا الدعاء وهو اللهم انا نشهد انه صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما انزل الله عليه ونصح لامته وجاهد فى سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته فاجعلنا الهنا ممن تبع القول الذي انزل معه واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا فانه كان بالمؤمنين رؤفا رحيما لا نبتغى بالايمان به بدلا ولا نشترى به ثمنا ابدا وانما خصوا هذا الدعاء بالذكر لانه الذي يليق به صلى الله عليه وسلم ومن ثمة استشاروا كيف يدعون له فاشير بمثل ذلك ثم يكبر ويسلم تسليمتين عن يمين وشمال بنية من ثمة الا الميت غير رافع صوته مثل سائر الصلوات وبسن خفض الثانية ويرسل بعد الرابعة يديه لانه ليس بعدها ذكروا الركن هو التكبيرات الأربع واما الثناء والصلاة والدعاء والسلام فسنن كما فى الجلابي ولا يرفع يديه الا فى التكبير الاول لانه شرع

بين كل تكبيرتين ذكر مقتدر فاذا فرغ منه علم انه جاء أوان الآخر قال فى الأشباه لو قرأ الفاتحة فى صلاته على الجنازة ان قصد الثناء والدعاء لم يكره وان قصد القراءة كره انتهى. وإذا أدرك الامام فى الصلاة وقد سبق ببعض تكبيراتها ينتظر تكبيرة اخرى فيتابع الامام فيها ثم يأتى بما سبق به بعد سلام الامام متواليا وعند ابى يوسف والشافعي لا ينتظر بل يكبر ويشرع معه واما إذا أدرك بعد الرابعة لا يكبر عندهما لفوات الصلاة عليه ويكبر عند ابى يوسف فاذا سلم الامام قضى ثلاث تكبيرات ولو كان حاضرا وقت

ص: 498

التحريمة ولم يكبر مع الامام للافتتاح فهو لا ينتظر تكبر الامام بل يشرع ويكبر ولو اجتمعت الجنائز يصلى عليهم دفعة واحدة كذا فى المحيط. والصلاة على الكبير أفضل من الصلاة على الصغير كما فى المضمرات والثالث ما الحكمة فى عدم فرض الركوع والسجود فى صلاة الجنازة قيل لان صلاة الجنازة دعاء وثناءه واستشفاع للميت والركوع والسجود خاص بالتعبد لله تعالى من غير واسطة اختص به الملة المحمدية لان السجدة كانت تجوز لتعظيم المخلوق فى الملة السالفة ونحن نهينا عن الركوع والسجود لغير الله تعالى. وقيل لان الميت اعترض بين المصلى وبين الله تعالى فلو امر بالركوع والسجود لتوهم الأعداء والجهلة انه للميت كما توهم الشيطان من سجود الملائكة انه لآدم عليه السلام فأبى حسدا وعصى جهلا وان كان ساجدا متعبدا قبل ذلك فافتتن بجهله وحسده باحتجابه عن كون المسجود له فى الحقيقة هو الحق وقالب آدم بمنزلة المحراب: قال الجامى

اى آنكه بقبله بتان روست ترا

بر مغز چرا حجاب شد پوست ترا

دل در پى اين وآن نه نيكوست ترا

يكدل دارى بسست يك دوست ترا

وقال غيره

از ان محراب ابرو رو مگردان

اگر در مسجدى ور در خرابات

والرابع انه يستحب جعل الصفوف فى الصلاة على الميت ثلاثة وفى الحديث (ما من مسلم يموت فيصلى عليه امة يبلغون ثلاثة صفوف الا غفر الله له) قال الطبراني فى معجمه الامة أربعون الى المائة وجاء التصريح بالعدد فى حديث مسلم وهو (ما من مسلم يصلى عليه أربعون إلا شفعوا فيه) اما سر تثليث الصفوف فلان ذلك من باب التوسع فى الرجاء كأنهم يقولون جئناك بثلاثة صفوف شافعين فلا تردنا خائبين وهذا ميل تكثير الخطى الى المساجد فانه يستحب تقصير الخطى فى المشي الى المسجد لانه يكتب له بكل خطوة حسنة ويحط عنه سيئة ويرفع له درجة فهو من باب التوسع فى الرجاء وإذا استحب جعل الصفوف ثلاثة فالظاهر انهم فى الفضيلة سواء ولا مزية حينئذ للصف المقدم لانهم مأمورون بالتأخر وقال الحلبي أفضل صفوف الجنازة آخرها بخلاف سائر الصلوات فان الصف الاول اعلم بحال الامام فتكون متابعته اكثر وثوابه أوفر وعن ابى سعيد الخدري رضى الله عنه عن النبي عليه السلام انه قال (أول زمرة تدخل المسجد هم اهل الصف الاول وان صلوا فى نواحى المسجد) كما فى خالصة الحقائق واما سر الأربعين فلانه لم يجتمع قط أربعون الا وفيهم عبد صالح كما فى اسئلة الحكم وتحصل الشفاعة باقل الامرين من الثلاثة الصفوف والأربعين كما فى فتح القريب والمستحب هو الاول كما سبق والخامس ان فى الدعاء والاستغفار نفعا للميت ويصل ثواب جميع القرب اليه بدنيا كان او ماليا كالصدقة والعتق والصلاة والصيام والحج والقراءة واجمع المسلمون على ان قضاء الدين يسقط عن ذمة الميت التبعة وينفعه ذلك حتى لو كان من اجنبى او من غير تركته واجمعوا على ان الحي إذا كان له على الميت حق من الحقوق فاحله منه ينفقه ويبرأ منه كما يسقط من ذمة الحي قال ابن الملك اعلم ان جعل الإنسان ثواب عمله لغيره صلاة

ص: 499

كان او صدقة او غيرهما جائز عند اهل السنة خلافا للمعتزلة لهم ان الثواب هو الجنة ولا قدرة للانسان على تمليكها ولنا انه عليه السلام ضحى بكبشين أملحين أحدهما لنفسه والآخر عن أمته المؤمنين فالاعتراض على الشارع باطل إذ العبادة انواع بدنية محضة كالصلاة فالنيابة لا تجوز فيها لان الغرض منها وهو اتعاب النفس الامارة لا يحصل ونوع منها مالية محضة كالزكاة فالنيابة فيها تجوز لان الغرض منها وهو إغناء الفقير يحصل بالنيابة لكن لا تؤخذ من تركته بغير وصية ونوع منها مركبة منهما كالحج فمن حيث انه متعلق بالبدن لا تجوز فيه النيابة عند الاختيار ومن حيث انه متعلق بالمال جاز فيه النيابة عند الاضطرار وهو العجز الدائم عن ادائه هذا فى الحج الفرض واما فى النفل فالنيابة جائزة مع القدرة لان فى النفل سعة قال فى فوائد الفتاوى الاولى ان يوصى بإسقاط صلاة عمره بعد البلوغ وان صلاها بغير ترك لاحتمال الفساد او النقصان فى أركانها انتهى وإذا اوصى رجل ان يطعم عنه وليه لصلاة الفائتة بعد موته فالوصية جائزة ووجب تنفيذها من ثلث ماله يعطى عن كل مكتوبة نصف صاع من الحنطة وفى صوم النذر كذلك ولا يجوز ان يصوم عنه الولي كما لا يجوز صلاته له لقوله عليه السلام (لا يصوم ولا يصلى أحد عن أحد) قال القهستاني والقياس انه لا يجوز الفداء عن الصلاة واليه ذهب البلخي كما فى قاضى خان والاستحسان ان يجوز الفداء عنهما اما فى الصوم فلورود النص واما فى الصلاة فلعموم الفضل ولذا قال محمد انه يجزى بها ان شاء الله تعالى وينبغى ان يفدى قبل الدفن وان جاز بعده وقال فى الأشباه إذا أراد الفدية عن صوم أبيه او صلاته وهو فقير يعطى منوين من الحنطة فقيرا ثم يستوهبه ثم يعطيه وهكذا وذلك بعد ان يسقط من عمره اثنتي عشرة سنة ويسقط من عمرها تسعة لان اقل مدة بلوغ الرجل اثنتا عشرة سنة ومدة بلوغ المرأة تسع سنين كما ذكره فى الوقاية فى آخر كتاب الحجر ومما ينبغى ان يعلم ان المعتبر فى الطعام للصلاة قدر الطعام دون عدد المساكين حتى لو اعطى مسكينا واحدا فى يوم واحد اكثر من نصف صاع من البر يجوز ولا يجوز ذلك فى كفارة الصوم والظهار لان المعتبر فيهما عدد المسكين كذا فى شرح النقاية. وكره دفع نصاب او اكثر الى فقير غير مديون لان الانتفاع به صادف حال الغنى ولو صادف حال الفقر لكان أكمل فلو كان مديونا او صاحب عيال لا يكره لانه لا يكون به غنيا أَلَمْ يَعْلَمُوا الاستفهام للتقرير اى ألم يعلم أولئك التائبون أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ الصحيحة الخالصة عَنْ عِبادِهِ المخلصين فيها ويتجاوز عن سيآتهم كما يفصح عنه كلمة عن قال الحدادي قبول التوبة إيجاب الثواب عليها وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ اى جنس الصدقات صدقاتهم وصدقات غيرهم أراد به أخذ النبي عليه السلام والائمة بعده لان أخذهم لا يكون الا بامر الله وكان الله هو الآخذ قال البيضاوي يقبلها قبول من يأخذ شيأ ليؤدى بدله ففيه استعارة تبعية لان الآخذ حقيقة هو الرسول عليه السلام لامن عينه لاخذها. والصدقات جمع صدقة تطلق على الواجب والتطوع وغلب على أفواه العامة تسمية الواجب من الماشية صدقة ومن النبات عشرا ومن النقود زكاة كما فى فتح القريب وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ اى المتجاوز عمن تاب وهو الذي يرجع بالانعام على

ص: 500

كل مذنب رجع الى التزام الطاعة وفى التأويلات النجمية هو التواب هو الموفق للتوبة بلطفه وكرمه ولولا توفيقه ما تاب مذنب قط كما لا يتوب إبليس لعدم التوفيق: وفى المثنوى جز عنايت كه كشايد چشم را جز محبت كه نشاند خشم را جهد بي توفيق خود كس را مباد در جهان والله اعلم بالرشاد الرَّحِيمُ من مات على التوبة ورحمة الله على العباد ارادة الانعام عليهم ومنع الضرر عنهم. ويجوز ان يرجع ضمير أَلَمْ يَعْلَمُوا الى غير التائبين من المؤمنين فالآية إذا ترغيب للعصاة فى التوبة والصدقة وَقُلِ لهم بعد ما بان لهم شأن التوبة اعْمَلُوا ما شئتم من الأعمال فظاهره ترخيص وتخيير وباطنه ترغيب وترهيب فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ فانه لا يخفى عليه خيرا كان او شرا تعليل لما قبله وتأكيد للترغيب والترهيب والسين للتأكيد وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ فى الخبر (لو ان رجلا عمل فى صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله الى الناس كائنا ما كان) والمعنى انه تعالى لا يخفى عليه عملهم كما رأيتم وتبين لكم ثم ان كان المراد بالرؤية معناها الحقيقي فالامر ظاهر وان أريد بها مآلها من الجزاء خيرا او شرا فهو خاص بالدنيوى من اظهار المدح والثناء والذكر الجميل والإعزاز ونحو ذلك من الاجزية وأضدادها وَسَتُرَدُّونَ اى بعد الموت إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ قدم الغيب على الشهادة لسعة عالمه وزيادة خطره وعن ابن عباس رضى الله عنهما الغيب ما يسترونه من الأعمال والشهادة ما يظهرونه كقوله تعالى يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ فالتقديم حينئذ لتحقيق ان نسبة علمه المحيط بالسر والعلن واحدة على ابلغ وجه وآكده لا إيهام ان علمه تعالى بما يسرون اقدم منه بما يعلنون كيف لا وعلمه سبحانه بمعلوماته منزه عن ان يكون بطريق حصول الصورة بل وجود كل شىء وتحققه فى نفسه علم بالنسبة اليه تعالى وفى هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأمور البارزة والكامنة قال فى التأويلات النجمية وَسَتُرَدُّونَ باقدام أعمالكم الى الله الذي هو عالم بما غاب عنكم وغبتم عنه فاما ما غاب فهو نتائج أعمالكم من الخير والشر وجزاؤها فانها ان لم تغب عنكم زدتم فى الخير وما عملتم شرا واما ما غبتم عنه فهو التقدير الأزلي والحكمة فيما جرى به القلم من اعمال الخير والشر وعالم بما تشاهده العيون والقلوب فى الملك والملكوت فَيُنَبِّئُكُمْ عقيب الرد الذي هو عبارة عن الأمر الممتد الى يوم القيامة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قبل ذلك فى الدنيا والمراد بالتنبئة الإظهار لما بينهما من الملابسة فى انهما سببان للعلم تنبيها على انهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه غافلين عن سوء عاقبته اى يظهر لهم على رؤس الاشهاد ويعلمهم اى شىء شنيع كانوا يعملونه فى الدنيا على الاستمرار ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء انتهى فعلى العاقل ان يسعى فى طريق الأعمال الصالحة ويجتنب عن ارتكاب الافعال الفاضحة كيلا يفتضح عند الله وعند الرسول وكافة المؤمنين قال فى التأويلات النجمية ان لعمل المحسن وخلوصه نورا يصعد الى السموات بقدر قوة صدقه وإخلاصه فالله تعالى يراه بنور ألوهيته وروح الرسول عليه السلام يراه بنور نبوته وأرواح المؤمنين يرونه بنور ايمانهم فاستعلاء ذلك بصفائه وضوئه يكون على قدر علو همة المحسن وخلوص نيته وصفاء طويته. وان لعمل المسيء ظلمة تصعد الى السموات بقدر

ص: 501

قوة غفلته وخباثة نفسه فالله تعالى يراها وروح رسوله وأرواح المؤمنين وفى الحديث (تصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وصوم وحج وعمرة وخلق حسن وصمت وذكر لله تعالى وتشيعه ملائكة السموات السبع حتى يقطعون به الحجب كلها الى الله تعالى فيقفون بين بدى الرب جل جلاله ويشهدون بالعمل الصالح المخلص لله فيقول الله لهم أنتم الحفظة على عمل عبدى وانا الرقيب على ما فى نفسه انه لم يردنى بهذا العمل ولا أخلصه لى وانا اعلم بما أراد بعلمه غر الآدميين وغركم ولم يغرنى وانا علام الغيوب المطلع على ما فى القلوب لا تخفى على خافية ولا تعزب عنى عازبة علمى بما كان كعلمى بما لم يكن وعلمى بما مضى كعلمى بما بقي وعلمى بالأولين كعلمى بالآخرين اعلم السر وأخفى فكيف يعرّنى عبدى بعمله وانما يغر المخلوقين الذين لا يعلمون وانا علام الغيوب عليه لعنتى وتقول الملائكة السبعة او الثلاثة الآلاف المشيعون يا ربنا عليه لعنتك ولعنتنا فيقول اهل السماء عليه لعنة الله ولعنة اللاعنين) : قال السعدي

وگر سيم اندوده باشد نحاس

توان خرج كردن بر ناشناس

منه آب زر جان من بر پشيز

كه صراف دانا نكيرد بچيز

اعلم ان الأقلام كتبت على الألواح احوال العالم كلها من السرائر والظواهر ثم سلمت الألواح للحزنة وجعل لكل شىء خزائن ووكلت عليها حوافظ وكوالىء كما قال تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ فتستنسخ السفرة من الخزنة والحفظة من السفرة فللاعمال كلها مخازن تقسم منها وتنتهى إليها وغاية خزائن الأعمال الصالحة سدرة المنتهى فعلم من هذا ان الحفظة مطلعون على اعمال العباد قلبية كانت او قالبية وليسوا بمطلعين على المقبول منها وغير المقبول الا بعد العرض والرفع فكل عمل مضبوط مجزى به فان أخفاه العبد عن الخلق لا يقدر على اخفائه عن الله تعالى وعن الملائكة: قال السعدي قدس سره

در بسته ز روى خود بمردم

تا عيب نكسترند ما را

در بسته چهـ سود عالم الغيب

داناى نهان وآشكارا

وَآخَرُونَ عطف على آخرون قبله اى ومن المتخلفين من اهل المدينة ومن حولها من الاعراب قوم آخرون غير المعترفين المذكورين مُرْجَوْنَ قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص مرجون بالواو على ان يكون أصله مرجيون بالياء والباقون مرجأون بالهمزة يقال ارجيته وارجأته بالياء والهمزة إذا أخرته والنسبة الى المهموز مرجئىّ كمرجعى لامرج كمعط والى غير مرجى بياء مشددة عقيب الجيم وهم المرجئة بالهمزة والمرجية بالياء مخففة كما فى القاموس والمرجئة قوم لا يقطعون على اهل الكبائر بشىء من عفو او عقوبة بل يرجئون الحكم فى ذلك اى يؤخرونه الى يوم القيامة كما فى المغرب والمعنى مؤخرون لِأَمْرِ اللَّهِ فى شأنهم اى حتى ينزل الله فيهم ما يريد إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ ان بقوا على ما هم عليه من الحال وهو عدم المسارعة الى التوبة والاعتذار دون النفاق فانهم كانوا غير مخلصين وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ان خلصت نيتهم وصحت توبتهم والجملة فى محل النصب على الحالية اى منهم هؤلاء اما معذبين واما متو با عليهم فان قلت اما للشك والله تعالى منزه عنه إذ هو عالم بما يصير اليه أمرهم

ص: 502

قلت الترديد راجع الى العباد. والمعنى ليكن أمرهم عندكم بين الخوف والرجاء وقال ابو البقاء إذا كانت اما للشك جاز ان يليها الاسم وجاز ان يليها الفعل فان كانت للتخيير وقع الفعل بعدها وكانت معه ان كقوله اما ان تلقى وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوالهم حَكِيمٌ فيما فعل بهم من الارجاء وغيره والآية نزلت فى ثلاثة نفر من المتخلفين وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع العمرى وهلال بن امية كانوا من اهل بدر ومياسير ومع ذلك تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك قال كعب بن مالك انا أفره اهل المدينة جملا فمتى شئت لحقت العسكر فتأخر أياما وأيس بعدها من اللحوق بهم فندم على ما صنعه وكذلك صاحباه ولكن لم يفعلوا ما فعله ابو لبابة وأصحابه من شد أنفسهم على السواري واظهار الغم والجزع فوقفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية ونهى الناس ان يجالسوهم او يؤاكلوهم او يشاربوهم وأمرهم باعتزال نسائهم وارسالهن الى اهليهن فجاءت امرأة هلال تسأل ان تأتيه بطعامه فانه شيخ كبير فاذن لها فى ذلك خاصة وجاء رسول من الشام الى كعب برغبة فى اللحاق بهم فقال كعب بلغ من خطيئتى الى ان طمع فىّ المشركون قال فضاقت علىّ الأرض بما رحبت وبكى هلال بن امية حتى خيف على بصره فجعل ناس يقولون هلكوا ان لم ينزل الله لهم عذرا وآخرون يقولون عسى الله ان يغفر لهم فصاروا عندهم مرجئين لامر الله اما يعذبهم واما يرحمهم حتى نزلت توبتهم بعد ما مضى خمسون يوما بقوله لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ الى قوله وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا الآية اخر الله تعالى أمرهم مدة ثم بين توبتهم على أجمل الوجوه حيث قرن توبتهم بتوبته تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار وعلم منه ان الهجران للتربية جائز ولوفوق ثلاثة ايام ألا ترى الى الاصحاب كيف قطعوا سلامهم وكلامهم من أولئك الثلاثة الى ان بلغ الكتاب اجله وان اخلاص النية وتفويض الأمور الى الله تعالى سبب لرحمة الله تعالى وان البكاء ايضا مدار لقبول التوبة واخلاص الحال فلا بد من الاستغفار والبكاء على الأوزار- حكى- عن بعض اصحاب فتح الموصلي قدس سره قال دخلت يوما على فتح فوجدته يبكى وقد خالطت دموعه صفرة فقلت له بالله عليك يا سيدى هل بكيت الدم فقال والله لولا انك أقسمت على بالله عز وجل ما أخبرتك بكيت الدمع وبكيت الدم فقلت علام بكيت الدم قال على تخلفى عن الله تعالى فعلام بكيت الدم قال على الدموع ان لا تصح لى ان لا تقبل منى قال فلما توفى رأيته فى المنام فقلت ما فعل الله بك قال غفر لى وقربنى ربى وقال بافتح بكيت كل هذا البكاء على ماذا فقلت يا رب على تخلفى عن حقك قال والدم لم بكيته قلت يا رب على الدموع ان لا تصح لى قال يا فتح فما أردت بهذا كله وعزتى وجلالى لقد صعد الىّ حافظاك أربعين سنة بصحيفتك وما

فيها خطيئة فهذه حال أكابر اولياء الله تعالى يسيئون الظن بانفسهم ويجتهدون فى الله وان علموا العفو والمغفرة ووقف الفضيل فى بعض حجاته ولم ينطق بشىء فلما غربت الشمس قال وا سوأتاه وان عفوت يقول الفقير وهذا كلام حق فان من الفضاحة العصيان ومن الفضاحة ايضا بقاء اثره الدنيوي بعد الغفران ألا ترى ان عتقاء جهنم لا يستريحون يوم القيامة وان دخلوا الجنة الى ان يمحو الله تعالى ما كتب على جباهم من الأثر: قال الحافظ قدس سره

ص: 503

هر چند كه هجران ثمر وصل بر آرد

دهقان ازل كاشكه اين تخم نكشتى

: وقال السعدي قدس سره

بسا نام نيكوى پنجاه سال

كه يك نام زشتش كند پايمال

وفى الآية اشارة الى ان الحكمة الالهية اقتضت أقدام بعض النفوس على الذنوب وتأخير توبتهم وهم مترددون بين الخوف والرجاء ولهم فيما بين ذلك تربية ليطيروا بجناحي الخوف والرجاء الى ان يصلوا الى مقام القبض والبسط الى ان يبلغوا سرادقات الانس والهيبة ثم ليطيروا بجناحي الانس والهيبة الى قاب قوسى السير والتجلي او ادنى الوحدة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بتربية عباده حَكِيمٌ بمن يصلح للقرب والقبول وبمن يصلح للبعد والرد كذا فى التأويلات النجمية وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً اى ومن المتخلفين عن غزوة تبوك المنافقون الذين اتخذوا مسجد قبا وهو بضم القاف ويذكر ويقصر قرية قرب المدينة على نصف فرسخ منها كما فى التبيان اعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة وقدم قبا نزل فى بنى عمرو ابن عوف وهم بطن من الأوس على كلثوم بن الهدم وكان شيخ بنى عمرو بن عوف وهل كان اسلم قبل وصوله صلى الله عليه وسلم الى قبا او بعده ففيه اختلاف فلما نزل وذلك فى يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول قال عمار بن ياسر رضى الله عنه مالرسول الله بدّ من ان يجعل له مكان يستظل به إذا استيقظ ويصلى فيه فجمع حجارة فاسس رسول الله مسجدا واستتم بنيانه عمار فعمار أول من بنى مسجدا لعموم المسلمين وكان مسجد قبا أول مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه جماعة ظاهرين اى آمنين وبعد تحوله عليه السلام الى المدينة وذلك فى يوم الجمعة بعد ان لبث فى قبا بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس او بضع عشرة ليلة وهو المنقول عن البخاري او اربعة عشر يوما وهو المنقول عن مسلم كان يأتيه يوم السبت ماشيا وراكبا ويصلى فيه ثم ينصرف وفى الحديث (من توضأ وأسبغ الوضوء ثم جاء مسجد قبا فصلى فيه له اجر عمرة) كما فى السيرة الحلبية فهذا المسجد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار بمعاونة بنى عمرو بن عوف خالصا لله تعالى كما عليه الأكثرون وفى الحديث (من بنى مسجد الا يريد به رياء ولا سمعة نبى الله له بيتا فى الجنة) قال القرطبي هذه المسألة ليست على ظاهرها من كل الوجوه وانما معناه بنى له بثوابه بناء اشرف وأعظم وارفع لان أجور الأعمال متضاعفة وان الحسنة بعشر أمثالها وهذا كما قال فى التمرة انها تزاد حتى تكون مثل الجبل ولكن هذا التضعيف انما هو بحسب ما يقترن بالفعل من الإخلاص فان نبى على غير الإخلاص او على وجه غير مرضى فلا ثواب له ولا يعبأ الله به وان كان فى ظاهر الشرع له حكم المساجد من الاحترام والتعظيم وغير ذلك وكذا الربط والخوانق والقناطر والمطاهر وكل بناء فهو مشروط بذلك قاله فى شرح الإلمام قال النووي يدخل فى هذا الحديث من عمر مسجدا قد استهدم وإذا اشترك جماعة فى عمارة مسجد فهل يحصل لكل منهم بيت فى الجنة كما لو اعتقد جماعة عبدا مشتركا بينهم فانهم يعتقون من النار ويجوزون العقبة لقوله تعالى وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ وقد فسر النبي عليه السلام فك الرقبة بعتق البعض والقياس الحاق المساجد

ص: 504

بالعتق لان فيه ترغيبا وحملا للناس على إنشاء المساجد وعمارتها وهل يمكن الكافر من بناء المسجد فذهب بعضهم الى ان الصحيح جوازه لقوله عليه السلام (ان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) كما فى تفسير البغوي قال الواحدي عند قوله تعالى ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ دلت الآية على ان الكفار ممنوعون من عمارة مسجد المسلمين ولو اوصى لم تقبل وصيته انتهى قال سعدى چلبى المفتى عدم قبول وصيته مجمع عليه بين أصحابنا الحنفية انتهى ولا يصير الكافر ببناء المسجد مسلما وان عظمه حتى يأتى بالشهادتين بخلاف المسلم إذا اتى كنيسة واعتقد تعظيمها فانه يكفر لان الكفر يحصل بمجرد النية والإسلام لا يحصل الا بالتلفظ بالشهادتين كما فى فتح القريب يقول الفقير سامحه الله القدير علم منه ان بعض

القبط فى الديار الرومية ممن اظهر الإسلام رأيناهم يصلون ويصومون كصلاة المخلصين وصيامهم ثم انهم يدخلون كنائس النصارى فى مواسمهم فهم مرتدون بذلك ولا تصح الصلاة على موتاهم ان ماتوا على تلك الحالة لانه لا شك فى تعظيمهم الكنائس وموافقتهم النصارى فى أفعالهم فى ايامهم ولياليهم المعهودة فلا نتوقف فى كفرهم واما تلفظهم بالشهادة فهو بحسب العادة ولا يغنى عنهم ذلك شيأ فى اعتقادهم وبعض المعاصرين من العلماء يتوقفون فى كفرهم جهلا العياذ بالله تعالى ثم نرجع ونقول ان بنى عمرو بن عوف لما بنوا ذلك المسجد حسدتهم إخوتهم بنو غنم بن عوف وقالوا أنصلى فى مربط حمار لامرأة عمرو وذلك لانه كانت امرأته تربط فيه حمارها وقيل كان مكان مسجد قبا محلا يجفف فيه التمر لكلثوم بن هدم رضى الله عنهما فبنوا مسجدا آخر فى قبا على قصد الفساد وتفريق جماعة المؤمنين وان يؤمهم فيه ابو عامر الراهب إذا قدم من الشام وفى الحدادي انهم بنوه بإذن النبي عليه السلام أقول هذا يخالف سوق القصة كما لا يخفى وبعيد ان يأذن رسول الله قبل اشارة الله فى ذلك. وقصة ابى عامر الراهب انه كان من اشراف قبيلة الخزرج تنصر فى الجاهلية وترهب ولبس المسوح وكان ماهرا فى علم التوراة والإنجيل قال الكاشفى [و پيوسته نعت وصفت سيد عالم صلى الله عليه وسلم بر اهل مدينه مى خواند چون آن حضرت بمدينه هجرت كرد اهل آن خطه شيفته جمال وكمال وى شده واز صحبت ابو عامر برميدند و پرواى او نكردند]

با وجود لب جان بخش تو اى آب حيات

حيفم آيد سخن از چشمه حيوان گفتن

فحسده وعاداه لانه زالت به عليه السلام رياسته وقال له لا أجد قوما يقاتلونك الا قاتلتك فلم يزل يتقاتل معه عليه السلام الى ان تقاتل معه يوم هوازن فلما انهزمت هوازن خرج الى الشام قال الكاشفى [بنزد هر قل كه ملك روم بود برفت ومى خواست از روم لشكر ساز كرده بجنگ مسلمانان آيد نامه نوشت بمنافقان چون ثعلبه بن حاطب وأمثال او كه شما در مقابله مسجد قبا در محله خويش براى من مسجدى بسازيد كه چون من بمدينه آيم آنجا بافاده علم اشتغال نمايم ايشان مسجدى ساختند وحضرت رسالت پناه چون عازم غزوه تبوك شد بانيان مسجد آمده گفتند يا رسول الله ما براى ضعيفان وبيچارگان در وقت سرما وبارندگى مسجدى ساخته ايم والتماس داريمكه در آن مسجد نمازگزارى وغرض ايشان آن بود كه بواسطه نماز آن حضرت صلى الله عليه وسلم مهم خود را در استحكام دهند چنانچهـ در مثنوى معنوى هست]

ص: 505

مسجد واصحاب مسجد را نواز

تو مهى ما شب دمى با ما بساز

تا شود شب از جمالت همچوروز

اى جمالت آفتاب جان فروز

اى دريغا كان سخن از دل بدى

تا مراد آن نفر حاصل شدى

قال فى السيرة الحلبية كانوا يجتمعون فيه ويعيبون النبي عليه السلام ويستهزئون به فقال النبي صلى الله عليه وسلم (انى على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا لاتيناكم فصلينا لكم فيه) فلما رجع من تبوك أتوه فسألوه إتيان مسجدهم فدعا عليه السلام بقميصه ليلبسه ويأتيهم فانزل الله هذه الآية فقال وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً مفعول له اى مضارة للمؤمنين قال الكاشفى [براى ضرر مؤمنان وستيزه ايشان] وَكُفْراً وتقوية للكفر الذي يضمرونه وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الذين كانوا يجتمعون فى مسجد قبا فانهم أرادوا ببنائهم المسجد صرف بعض الجماعة اليه وتفريق كلمة المؤمنين وَإِرْصاداً اى ترقبا وانتظارا لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ اى من قبل اتخاذ هذا المسجد وهو ابو عامر الراهب اى لاجله حتى يجيىء فيصلى فيه ويظهر على رسول الله وقد سبق حضوره فى الوقائع كلها فمن متعلق بحارب او باتخذوا اى اتخذوا مسجدا من قبل ان يظهر هؤلاء النفاق بالتخلف وَلَيَحْلِفُنَّ والله ليحلفن فهو جواب قسم مقدر قال الكاشفى [وهر آيينه سوگند ميخورند چون كسى گويد چرا اين مسجد ساختيد] إِنْ نافية أَرَدْنا اى ما أردنا ببناء هذا المسجد إِلَّا الْحُسْنى الا الخصلة الحسنى وهى الصلاة وذكر الله والتوسعة على المصلين وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فى حلفهم ذلك ولما نزلت هذه الآية واعلمه الله بخبرهم وما هموا به دعا اى رسول الله الوحشي قاتل حمزة وجماعة معه فقال لهم (انطلقوا الى هذا المسجد الظالم اهله فاهدموه وأحرقوه) فخرجوا سراعا وأخذوا سعفا من النخل واشعلوا فيه النار وذلك بين المغرب والعشاء وهدموه الى الأرض وامر النبي عليه السلام ان يتخذ كناسة يلقى فيها القمامة والجيف ثم بعد زمان أعطاه صلى الله عليه وسلم لثابت بن أرقم يجعله بيتا فلم يولد فى ذلك البيت مولود قط وحفر فيه بقعة فخرج منها الدخان ومات ابو عامر بالشام وحيدا غريبا وذلك انه عليه السلام لما قدم المدينة اقبل اليه ابو عامر فقال ما هذا الذي جئت به قال (جئت بالحنيفة دين ابراهيم) قال ابو عامر وانا عليها فقال عليه السلام (انك لست عليها) قال بلى ولكنك ادخلت فى الحنفية ما ليس فيها فقال عليه السلام (ما فعلت ذلك ولكن جئت بها بيضاء نقية) فقال ابو عامر أمات الله الكاذب منا طريدا وحيدا غريبا فقال عليه السلام (آمين) فسماه أبا عامر الفاسق مكان الراهب فمات كافرا بقنسرين وهى بكسر القاف وتشديد النون المفتوحة او المكسورة اسم بلدة فى الشام ومع هذه الخباثة كان له ولد صالح يقال له ابو حنظلة استشهد يوم أحد فغسلته الملائكة عليهم السلام: قال السعدي قدس سره

هنر بنماى اگر دارى نه گوهر

كل از خارست وابراهيم از آزر

وفى الآية اشارة الى ان اهل الطبيعة اتَّخَذُوا مزبلة النفس مَسْجِداً ضِراراً لارباب الحقيقة وَكُفْراً بأحوالهم كما انهم اتخذوا بستان القلب مسجدا يذكرون الله فيه ويطلبونه وهذا

ص: 506

وصف مدعى الطلب الكذابين فى دعواهم المتشبهين بزى ارباب الصدق والطلب وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الطالبين الصادقين بإظهار الدعوى من غير المعنى اى يفرقون بين الاخوان فى الله فى طلب انواع الحيل تارة بطلب صحبة معهم ومرافقتهم فى الاسفار وتارة بذكر البلدان وكثرة النعم فيها وطيب هوائها وكرم أهلها وإرادتهم لهذه الطائفة ليزعجوهم عن خدمة المشايخ وصحبة الاخوان وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ليوقعوهم فى بلاء صحبة الإباحية من مدعى الفقر والمعرفة وهم يحاربون الله بترك دينه وشريعته ورسوله بترك متابعته واحياء سنته وَلَيَحْلِفُنَّ لهم إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى فيما دعوناكم اليه وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما يدعون ويحلفون كذا فى التأويلات النجمية لا تَقُمْ يا محمد للصلاة فِيهِ اى فى مسجد هؤلاء المنافقين أَبَداً قال سعدى المفتى اى لا تصل فيه عبر بالقيام عن الصلاة كما فى قولهم فلان يقوم الليل ومنه الحديث الصحيح (من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) لَمَسْجِدٌ مسجد قبا واللام للابتداء او القسم أُسِّسَ التأسيس احكام أس البناء وهو أصله يعنى أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه ايام مقامه بقبا عَلَى التَّقْوى قال فى التبيان اى بيت حدوده ورفعت قواعده على طاعة الله وفى الحدادي لوجه الله وعلى هاهنا للمصاحبة بمعنى مع كما فى قوله تعالى وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ كما فى حواشى سعدى المفتى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ من ايام وجوده وتأسيسه متعلق باسس وكلمة من الجارة إذا كانت للابتداء تجر المكان كثيرا كما فى قولك جئت من البصرة وقد تجر الزمان ايضا عند الكوفيين كما فى هذه الآية فالمعنى منذ أول يوم بنى لان منذ لابتداء الغاية فى الزمان تقول ما رأيته منذ شهر وقال الرضى من فى الآية بمعنى فى وذلك كثير فى الظروف. ويقال أراد بالمسجد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة والاول أشهر وأوفق للقصة إذ المسجد بقبا فالموازنة بينهما اولى من الموازنة بين ما بقبا وما بالمدينة قال الحدادي لا يمتنع ان يكون المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى كلا المسجدين مسجد النبي عليه السلام ومسجد قبا أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ اى اولى ان تصلى فيه فان قيل لم قال الله تعالى أحق ان تقوم فيه مع ان المفاسد الأربع المذكورة بقوله ضرارا وكفرا وتفريقا وارصادا تمنع جواز قيامه فى الآخر والجواب ان الكلام مبنى على النزول والمعنى لو فرضنا جواز القيام فى مسجد الضرار لكان القيام فى مسجد التقوى أحق واولى لكونه على قاعدة محكمة فكيف والقيام فيه باطل لكونه مبنيا لاغراض فاسدة ويجوز ان يقال أحق ليس للتفضيل بل بمعنى حقيق كما قال المولى ابو السعود والمراد بكونه أحق كونه حقيقا به إذ لا استحقاق فى مسجد الضرار رأسا وانما عبر عنه بصيغة التفضيل لفضله وكماله فى نفسه او الافضلية فى الاستحقاق المتناول ما يكون باعتبار زعم الباني ومن يتابعه فى الاعتقاد وهو الأنسب بما سيأتى فِيهِ اى فى المسجد المؤسس على التقوى رِجالٌ يعنى الأنصار جملة مستأنفة مبينة لا حقيته لقيامه عليه السلام فيه من جهة الحال بعد بيان احقيته له من حيث المحل يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا من الأنجاس والاخباث مطلقا بدنية كانت او عملية كالمعاصى والخصال الذميمة وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ اى يرضى عن

ص: 507

المتطهرين ويدنيهم من جنابه ادناء المحب حبيبه- روى- ان هذه الآية لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قبا فاذا الأنصار جلوس فقال (أمؤمنون أنتم) فسكت القوم ثم أعادها فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله انهم لمؤمنون وانا معهم فقال عليه السلام (أترضون بالقضاء) قالوا نعم قال (أتصبرون على البلاء) قالوا نعم قال (أتشكرون فى الرخاء) قالوا نعم قال عليه السلام (مؤمنون ورب الكعبة) فجلس ثم قال (يا معشر الأنصار ان الله قد اثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط) فقالوا نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا فيه رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وفى كلام بعضهم أول من استنجى بالماء ابراهيم عليه السلام والاستنجاء مسح موضع النجو اى ما خرج من البطن وهو فى الأصل أعم منه ومن غسله كما فى المغرب فيطهر موضع النجو بثلاثة امداد

فان لم يجد فبالاحجار فان لم يجد فكفه ولا يستنجى بما سوى الثلاثة لانه يورث الفقر والمقصود التنقية فلو حصل بالواحد كفاه ولم يحصل بالثلاثة زاد ولا يستنجى من النوم والريح فانه بدعة وليس على المستحاضة استنجاء لكل صلاة بلا بول وغائط كما فى النوازل واستعمال المنشفة ادب وذلك قبل ان يقوم وبعد الغسل ليزول اثر الماء المستعمل بالكلية وكان الأنصار يتبعون الماء اثر البول ايضا وعن بعضهم ان المراد التطهر من الجنابة فلا ينامون عليها وفى الحديث (ثلاثة لا تقربهم الملائكة) المراد بالملائكة هنا هم الذين ينزلون بالرحمة والبركة دون الحفظة فانهم لا يفارقونه على أي حال من الأحوال وقال بعض العلماء المراد بالملائكة غير الحفظة وغير ملائكة الموت وقيل أراد لا تحضره الملائكة بخير (جيفة الكافر) المراد بها ذاته حيا وميتا لان الكافر نجس بعيد من الرحمة فى الحياة وبعد الموت (والمتضمخ) بالضاد والخاء المعجمتين اى المتلطخ المتدهن بالخلوق بفتح الخاء المعجمة طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من انواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة وقال ابو عبيدة عند العرب هو الزعفران وحده ووجه النهى عن الخلوق لما فيه من الرعونة والتشبه بالنساء والنهى عن الخلوق مختص بالرجال دون النساء كما فى المفاتيح (والجنب) الجنابة لغة البعد وسمى الإنسان جنبا لانه نهى ان يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر وقيل لمجانبته الناس حتى يغتسل (الا ان يتوضأ) وهذا فى حق كل من اخر الغسل لغير عذر او لعذر إذا امكنه الوضوء فلم يتوضأ وقيل لم يرد بالجنب من أصابته جنابة فاخر الاغتسال ولكنه الجنب الذي يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة لان النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ويطوف على نسائه بغسل واحد وفى الشرعة وينام بعد الوطء نومة خفيفة فانه أروح للنفس لكن السنة فيه ان يتوضأ اولا وضوءه للصلاة ثم ينام كما فى شرح ابن السيد على قال فى فتح القريب المراد بالوضوء الشرعي بلا خلاف وفى رواية شعبة (اغسل ذكرك ثم نوضأ وارقد) هذا هو الصحيح يعنى الأمر بغسل الذكر ثم الوضوء ومن نام ولم يتوضأ فليستغفر الله تعالى ولو أراد العود اى من غير نوم فليتوضأ اى ليتنظف بغسل الذكر واليدين فليس المراد بالوضوء الشرعي المشهور كما ذهب اليه المالكية كما فى شرح المشارق. والوضوء يطلق على غسل اليدين كما فى قوله عليه السلام (الوضوء قبل الطعام ينفى

ص: 508

الفقر. وإذا توضأ وضوءه للصلاة وأراد ان ينام فهل الاولى ان ينوى رفع الحدث الأصغر او ينوى سنة العود او رفع الجنابة او ما أصابه من الأعضاء المغسولة الظاهر الاول ليكون عبادة مستقلة او مخففة للحدث بزوال أحد الحدثين كذا فى فتح القريب. وفيه ايضا اختلف فى علة الوضوء فقيل لانه يخفف الحدث وقيل ليبيت على احدى الطهارتين خشية ان يموت فى نومه ذلك لان الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب فيزول ذلك بالوضوء ومذهب الشافعي ومالك استحباب الوضوء للجنب قبل النوم لانه عليه السلام كان يفعل ذلك. وعن بعض المالكية لا تسقط العدالة بتركه لاختلاف العلماء فيه وقال بعضهم فى الآية يحبون ان يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم فحموا عن آخرهم- روى- ان جابرا قال استأذنت الحمى على رسول الله عليه وسلم فقال (من هذه) قيل أم ملدم فامر بها عليه السلام الى اهل قبا فلقوا فيها ما لا يعلمه الا الله فشكوا اليه عليه السلام فقال (ان شئتم دعوت الله ليكشفها عنكم وان شئتم تكون لكم طهورا) قالوا أو تفعل ذلك قال (نعم) قالوا فدعها وقد (جاء ان حمى ليلة كفارة سنة ومن حم يوما كان له براءة من النار وخرج من ذنوبه كيوم ولدته امه) وعن عائشة رضى الله عنها لما قدمت المدينة أخذتها الحمى فسبتها فقال عليه السلام (لا تسبيها فانها مأمورة ولكن ان شئت علمتك كلمات إذا قلتهن اذهبها الله تعالى عنك) قالت علمنى قال (قولى اللهم ارحم جلدى الرقيق وعظمى الدقيق من شدة الحريق يا أم ملدم ان كنت آمنت بالله العظيم فلا تصدعى الرأس ولا تنتنى الفم ولا تأكلى اللحم ولا تشربى الدم وتحولي عنى الى من اتخذ مع الله الها آخر) فقالتها فذهبت عنها ولما استوخم المهاجرون هواء المدينة ولم يوافق أمزجتهم فمرض كثير منهم وضعفوا

تشوقوا الى مكة المكرمة ولذا نظر عليه السلام يوما الى السماء لانها قبلة الدعاء وقال (اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة وبارك لنا فى مدها وصاعها وصححها لنا ثم انقل وباءها الى مهيعة) اى الجحفة وهى قرية قريبة من رابغ محل إحرام من يجيىء من جهة مصر حاجا وكان سكانها إذ ذاك يهودا ودعاؤه عليه السلام ان يجبب إليهم المدينة انما هو لما جبلت عليه النفوس من حب الوطن والحنين اليه ومن ثم جاء فى حديث عائشة رضى الله عنها انها سألت رجلا بحضور النبي عليه السلام قدم المدينة من مكة فقالت له كيف تركت مكة فذكر لها من أوصافها الحسنة ما غر غرت منه عينا رسول الله عليه السلام وقال (لا تشوقها يا فلان)

فتنها در انجمن پيدا شود از سوز من

چون مرا در خاطر آيد مسكن ومأواى دوست

وفى اسئلة الحكم ان الختان للتطهر لانه يوجب المحبة الالهية كما قال تعالى وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ فيحصل الاحتراز والتطهر من البول بالختان قال الفقهاء الأقلف يجب عليه إيصال الماء الى القلفة إذ لا حرج فيه وفى الحديث (اتقوا البول فان عامة عذاب القبر من البول فانه أول ما يحاسب به العبد فى القبر) كما فى الترغيب اعلم ان مسجد المنافقين اشارة الى مزبلة النفس والمسجد المؤسس على التقوى اشارة الى مسجد القلب وهو قد أسس على العبودية والطاعة والإقرار بالوحدانية من أول يوم الميثاق عند خطاب ألست بربكم وجواب قالوا بلى واهله متطهرون عن الصفات الذميمة والأخلاق اللئيمة بل عن دنس الوجود ولوث الحدوث والله يحب المطهرين الفانين

ص: 509

عن وجودهم الباقين بالله ولولا محبته إياهم ما وفقهم للتطهير فتطهرهم مطلقا اثر من آثار محبة الله لهم: قال الحافظ

طهارت ارنه بخون جكر كند عاشق

بقول مفتى عشق اش درست نيست نماز

: وفى المثنوى

روى ناشسته نبيند روى حور

لا صلاة كفت الا بالطهور

وهو بالفتح مصدر بمعنى التطهير ومنه (مفتاح الصلاة الطهور) واسم لما يتطهر به كذا فى المغرب أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ جملة مستأنفة مبينة لخيرية الرجال المذكورين من اهل مسجد الضرار وهمزة الاستفهام للانكار والفاء للعطف على مقدر. والتأسيس احكام أس البناء وهو أصله والبنيان مصدر كالغفران أريد به المفعول اى المبنى. والمعنى ابعد ما علم حالهم فمن أسس بنيان مسجده إذا الكلام فيه ويؤيده أسس على التقوى وقال الكاشفى [آيا هر كس كه أساس افكند بناى دين خود را] عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ

المراد بالتقوى درجتها الثانية التي هى التقوى عن كل ما يؤثم من فعل او ترك فيكون غير منصرف كحبلى فلا تنوين فيه إذا. وقرىء بالتنوين على ان يكون الفه للالحاق كالف ارطى وَرِضْوانٍ وطلب مرضاته بالاشتغال بالطاعة خَيْرٌ اطلاق خير على معتقد اصحاب مسجد الضرار من اعتقاد الاشتراك فى الخيرية أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ والمعنى أي الفريقين خير وأحق بالمصاحبة والصلاة معهم من أسس بناء مسجده مريدا به تقوى الله وطاعته وهم اهل مسجد قبا أم من أسس بنيان مسجده على النفاق والكفر وتفريق المؤمنين وارصاد كافر شأنه كيد المسلمين وتوهين امر الدين وترك الإضمار للايذان باختلاف البنيانين ذاتا واختلافهما وصفا واضافة عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ شفا الشيء بالقصر طرفه وشفيره وتثنيته شفوان والجرف بالضم والإسكان وهما لغتان الأرض التي جرفت السيول أصلها اى حفرته وأكلته والهارى المتصدع المشرف على السقوط يقال هار الجرف يهور او يهير إذا انشق من خلفه وهو ثابت بعد مكانه فهو هائر فهارى مقلوب هاير نقلت لامه الى مكان العين كما فعل فى شاك أصله شايك فصار هارى فاعل كقاضى قال ابو البقاء أصله هاور او هاير ثم أخرت عين الكلمة فصارت بعد الراء وقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ثم حذفت لسكونها وسكون التنوين فوزنه بعد القلب فالع وبعد الحذف فال وعين الكلمة واو او ياء يقال تهور البناء وتهير فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ يقال هار البناء هدمه فالانهار والانهيار [ريهيده شدن] كما فى تاج المصادر وفاعل انهار ضمير البنيان وضمير به للمؤسس الباني اى تساقط بنيانه وتناثر به اى بصاحبه فى النار قال قتادة ذكر لنا انه حفرت بقعة من مسجد الضرار فرؤى الدخان يخرج منها وقال جابر بن عبد الله رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار قال الحدادي كما ان من بنى على جانب نهر صفته ما ذكرنا انهار بناؤه فى الماء فكذلك بناء اهل النفاق مسجد الشقاق كبناء على جرف جهنم يهور باهله فيها وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ اى لانفسهم او الواضعين للاشياء فى غير موضعها اى لا يرشدهم الى ما فيه نجاتهم وصلاحهم إرشادا موصلا لا محالة واما الدلالة على

ص: 510

ما يرشدهم اليه ان استرشدوا به فهو متحقق بلا اشتباه. والظلم فى الحقيقة وضع عبادة الدنيا ومحبتها والحرص فى طلبها فى موضع عبادة الله تعالى ومحبته والصدق فى طلبه لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا البنيان مصدر أريد به المفعول ووصفه بالموصول الذي صلته فعله للايذان بكيفية بنائهم له وتأسيسه على اوهن قاعدة وأو هي أساس وللاشعار بعلة الحكم اى لا يزال مسجدهم ذلك مبنيا ومهدوما رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ اى سبب ريبة وشك فى الدين كأنه نفس الريبة. اما حال بنائه فظاهر لما ان اعتزالهم من المؤمنين وإجماعهم فى مجمع على حياله يظهرون فيه ما فى قلوبهم من آثار الشرك والنفاق ويدبرون فيه أمورهم ويتشاورون فى ذلك ويلقى بعضهم الى بعض ما سمعوا من اسرار المؤمنين مما يزيدهم ريبة وشكا فى الدين. واما حال هدمه فلما انه رسخ به ما كان فى قلوبهم من الشر والفساد وتتضاعفت آثاره وأحكامه إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ من التفعل بحذف احدى التاءين اى الا ان تقطع قُلُوبِهِمْ قطعا وتتفرق اجزاء بحيث لا يبقى لها قابلية ادراك وإضمار قطعا وهو استثناء من أعم الأوقات او أعم الأحوال محله النصب على الظرفية اى لا يزال بنيانهم ريبة فى كل وقت من الأوقات او كل حال من الأحوال الا وقت تقطع قلوبهم فحينئذ يسلون عنها. واما ما دامت سالمة فالريبة باقية فيها فهو تصوير لامتناع زوال الريبة عن قلوبهم الى الموت ويجوز ان يكون المراد حقيقة تقطعها عند قتلهم او فى القبور بالبلى او فى النار وَاللَّهُ عَلِيمٌ [وخداى تعالى داناست بتأسيس بنا وايشان كه بچهـ نيت بوده] حَكِيمٌ فيما حكم وامر من هدم مسجدهم واظهار نفاقهم واعلم ان فى الآيتين المذكورتين إشارات منها ان صفاء الطوية وحسن الاعتقاد كالاساس فى باب الأعمال فكما ان البناء لا يقوم على الماء بل يقوم على الأرض الصلبة كذلك الأعمال لا تقوم الأعلى محكم الاعتقاد وهو الباعث على الإخلاص العمل الذي هو ارادة التقرب الى الله تعالى وتعظيم امره واجابة دعوته وضده النفاق وهو التقرب الى الخلق من دون الله تعالى. واما اخلاص طلب الاجر فهو ارادة نفع الآخرة بعمل الخير وضده الرياء وهو ارادة نفع الدنيا بعمل الآخرة سواء اراده من الله او من الناس لان الاعتبار فى الرياء بالمراد لا بالمراد منه فعلى العاقل ان يجعل أساس دينه على الاعتقاد الصحيح والإخلاص والتقوى حتى يكون كشجرة أصلها ثابت وفرعها فى السماء ومنها ان المنافقين بنوا مسجدا للصلاة صورة فهم انما بنوا متحدثا لهم حقيقة ومحلا لقاذورات أقوالهم وأفعالهم ولذا كان حريا بإلقاء الجيف فيه بعد الهدم فتتمتعوا قليلا ثم وقعوا فى النار جميعا كما قال تعالى إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ فكما ان من جالسهم القذرة العذرة شقى شقاوة حقيقية كذلك من جالس الصديقين والعارفين فى مجالسهم المطهرة وأنديتهم المقدسة سعد سعادة ابدية وتطهر طهارة اصلية وقد قال عليه السلام (انهم القوم لا يشقى بهم جليسهم) فالمراد السامع او الجالس لان المجالسة والسماع ينتجان عن المحبة قال عليه السلام (المرء مع من أحب) وهنا سرّ صوفى يريد صلى الله عليه وسلم فى الدنيا والآخرة فى الدنيا بالطاعة والأدب الشرعي وفى الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدي ومنها انهم أرادوا ببنيانهم مكرا وخديعة وغفلوا عن مكر الله تعالى بهم ولذا افتضحوا

ص: 511

مكر حق سرچشمه اين مكرهاست

قلب بين الإصبعين كبرياست

آنكه سازد در دلت مكر وقياس

آتشى داند زدن اندر پلاس

ومنها ان من كانت شقاوته اصلية ازلية فهو لا يزداد بما ابتلاه الله تعالى به الا ضلالا وغيظا وإنكارا والعاقل يختار فضوح الدنيا لانه أهون من فضوح الآخرة

ازين هلاك مينديش وباش مردانه

كه اين هلاك بود موجب خلاص ونجات

ومنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يذب الناس عن النار وعن الوقوع فيها ولذا هدم مسجد الضرار إذ لو تركه على حاله لعاد الضرر على العامة بنزول البلية وهى نار معنى ولافتتن به بعض الناس والفتنة الدينية سبب للنار حقيقة فاهل الفساد والشر لا يقرون على ما هم عليه بل ينكر عليهم أشد الإنكار بهتك اعراضهم وإخراجهم من مساكنهم ان مست الحاجة الى الإخراج وكذا هدم بيوتهم ومنازلهم. ذكر فى فتاوى ابى الليث رجل بنى رباطا للمسلمين على ان يكون فى يده مادام حيا فليس لاحد ان يخرجه من يده ما لم يظهر منه امر يستوجب الإخراج من يده كشرب الخمر فيه وما أشبه ذلك من الفسق الذي ليس فيه رضى الله لان شروط الوقف يجب اعتبارها ولا يجوز تركها الا للضرورة. وقال فى نصاب الاحتساب فاذا كان الخانقاه يخرج من يد بانيه لفسقه فكيف يترك فى الخانقاه فاسق او مبتدع. مثل الحديدية الذين يلبسون الحديد لان الحديد حلية اهل النار سواء اتخذ خاتما او حلقة فى اليد او فى الاذن او فى العنق او غير ذلك. ومثل الجوالقية الذين يلبسون الجوالق والكساء الغليظ ويحلقون اللحية وكلاهما منكر. فاما الاول فلانه لباس شهرة وقد نهى عنه. واما الثاني فلانه من فعل الافرنج وفيه تغيير خلق الله تعالى والتشبه بالنساء. ومثل القلندرية الذين يقصون الشعور حتى الحاجب والاهداب وفيهم يقول الحافظ

قلندرى نه بريشست وموى يا ابرو

حساب راه قلندر بدانكه موى بموست

گذشتن از سر مو در قلندرى سهلست

چوحافظ آنكه ز سر بگذرد قلندر اوست

وقس عليهم سائر فرق اهل البدعة وفى الحديث (لقد هممت ان آمر رجلا يصلى بالناس وانظر الى أقوام يتخلفون عن الجماعة فاحرق بيوتهم) وهذا يدل على جواز إحراق بيت الذي يتخلف عن الجماعة لان الهم على المعصية لا يجوز من الرسول عليه السلام لانه معصية فاذا علم جواز إحراق البيت على ترك السنة المؤكدة فما ظنك فى إحراق البيت على ترك الواجب والفرض عصمنا الله وإياكم من الأقوال والافعال المنكرة إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى - روى- ان الأنصار لما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفسا او اربعة وسبعون من اهل المدينة قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال (اشترطت لربى ان تعبدوه ولا تشركوا به شيأ واشترطت لنفسى ان تمنعونى ما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم) قال فاذا فعلنا ذلك فما لنا قال (الجنة) قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل اى لا نفسخه ولا ننقضه

آن بيع را كه روز ازل با تو كرده ايم

أصلا در ان حديث اقاله نميرود

فنزلت إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لامن المنافقين والكافرين فانهم غير مستعدين لهذه

ص: 512

المبايعة. قال الحسن اسمعوا الى بيعة ربيحة بايع الله بها كل مؤمن والله ما على وجه الأرض مؤمن الا وقد دخل فى هذه البيعة وسميت المعاهدة مبايعة تشبيها بالمعاوضة المالية. قال ابن ملك فى شرح المشارق المبايعة من جهة الرسول عليه السلام هو الوعد بالثواب ومن جهة الآخر التزام طاعته أَنْفُسَهُمْ [نفسهاى ايشانرا كه مباشر جهاد شوند] فالمراد بالنفس هو البدن الذي هو المركب والآلة فى اكتساب الكمالات للروح المجرد الإنساني وَأَمْوالَهُمْ [ومالهاى ايشانرا كه در راه نفقه كنند] فالمال الذي هو وسيلة الى رعاية مصالح هذا المركب بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [با آنكه مر ايشانرا باشد بهشت] اى باستحقاقهم الجنة فى مقابلتها وهو متعلق باشترى ودخلت الباء هنا على المتروك على ما هو الأصل فى باء المقابلة والعوض ولم يقل بالجنة مبالغة تقرر وصول الثمن إليهم واختصاصه بهم كأنه قيل بالجنة الثابتة لهم المختصة بهم فان قيل كيف يشترى أحد ملكه بملكه والعبد وماله لمولاه. قيل انما ذكر على وجه التحريض فى الغزو: يعنى [اى بنده از تو بذل كردن نفس ومال واز من عطا دادن بهشت بي زوال] ففيه تلطف للمؤمنين فى الدعاء الى الطاعة البدنية والمالية وتأكيد للجزاء كما قال تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فذكر الصدقة بلفظ القرض للتحريض على ذلك والترغيب فيه إذ القرض يوجب رد المثل لا محالة وكأن الله تعالى عامل عباده معاملة من هو غير مالك فالاشتراء استعارة عن قبول الله تعالى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها فى سبيله واثابته إياهم بمقابلتها الجنة فالله تعالى بمنزلة المشترى والمؤمن بمنزلة البائع وبدنه وأمواله بمنزلة المبيع الذي هو العمدة فى العقد والجنة بمنزلة الثمن الذي هو الوسيلة وانما لم يجعل الأمر على العكس بان يقال ان الله باع الجنة من المؤمنين بانفسهم وأموالهم ليدل على ان المقصد فى العقد هو الجنة وما بذله المؤمنون فى مقابلتها من الأنفس والأموال وسيلة إليها إيذانا بتعلق كمال العناية بانفسهم وأموالهم. وعن جعفر الصادق رضى الله عنه انه كان يقول يا ابن آدم اعرف قدر نفسك فان الله عرفك قدرك لم يرض ان يكون لك ثمن غير الجنة: وفى المثنوى

خويشتن نشناخت مسكين آدمي

از فزونى آمد وشد در كمى

خويشتن را آدمي ارزان فروخت

بود اطلس خويش را بر دلق دوخت

قال الكاشفى [نفس سرمايه سر وشورست ومال سبب طغيان وغرور اين دو ناقص معيوب را در راه خدا كن وبهشت باقى مرغوبرا بستان]

سنگ بينداز وكهر مى ستان

خاك زمين مى ده وزر مى ستان

در عوض فانىء خوار وحقير

نعمت پاكيزه باقى بكير

وفى التفسير الكبير- حكى- فى الخبر ان الشيطان يخاصم ربه بهذه الآية ويحتج بالمسألة الشرعية فى البيع إذا اشترى المشترى متاعا معيوبا يرده الى البائع يقول يا رب أنت اشتريت نفوسهم وأموالهم فنفوسهم وأموالهم كلها معيوبة ردّ لى عبادك بشرعك وعدلك يكونوا معى حيث أكون فيقول الله تعالى أنت جاهل بشرعى وعدلى وفضلى إذا اشترى المشترى متاعا بكل عيب فيه بفضله وكرمه لا يجوز رده فى شرعى فى مذهب من المذاهب فيخسأ الشيطان حجلا طريدا مخذولا: وفى المثنوى

ص: 513

كاله كه هيچ خلقش ننگريد

از خلاقت آن كريم آنرا خريد

هيچ قلبى پيش حق مردود نيست

زانكه قصدش از خريدن سود نيست

[پس حق سبحانه وتعالى ما را خريده وبعيوب ما دانا اميد است كه از درگاه كرم رد نكند.

ودر نفحات الانس مذكورست از ابو زجانى نقل ميكند كه]

تو بعلم ازل مرا ديدى

ديدى آنكه بعيب بخريدى

تو بعلم آن ومن بعيب همان

رد مكن آنچهـ خود پسنديدى

يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ استئناف لبيان البيع الذي يستدعيه الاشتراء المذكور كأنه قيل كيف يبيعون أنفسهم وأموالهم بالجنة فقيل يقاتلون فى سبيل الله: يعنى [در راه خدا وطلب رضاى او] وهو بذل منهم لانفسهم وأموالهم الى جهة الله تعالى وتعريض لهما للهلاك. وقال الحدادي فيه بيان الغرض لاجل اشترائهم وهو ان يقاتلوا العدو فى طاعة الله انتهى. أقول هل الافعال الالهية معللة بالأغراض او لا ففيه اختلاف بين العلماء فانكره الاشاعرة وأثبته اكثر الفقهاء لان الفعل الخالي عن الغرض عبث والعبث من الحكيم محال وتمامه فى التفاسير عند قوله تعالى وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فَيَقْتُلُونَ [پس گاهى مى كشند دشمنانرا] فهم الغزاة فلهم الجنة وَيُقْتَلُونَ [وگاهى كشته ميشوند در دست ايشان] فهم الشهداء فلهم الجنة. قال فى الإرشاد هو بيان لكون القتل فى سبيل الله بذلا للنفس وان المقاتل فى سبيله باذل لها وان كانت سالمة غانمة فان الاسناد فى الفعلين ليس بطريق اشتراط الجمع بينهما ولا اشتراط الانصاف بأحدهما البتة بل بطريق وصف الكل بحال البعض فانه يتحقق القتال من الكل سواء وجد الفعلان او أحدهما منهم او من بعضهم بل يتحقق ذلك وان لم يصدر منهم أحدهما ايضا كما إذا وجدت المضاربة ولم يوجد القتل من أحد الجانبين او لم توجد المضاربة ايضا فانه يتحقق الجهاد بمجرد العزيمة والنفير وتكثير السواد وتقديم حالة القاتلية على حالة المقتولية للايذان بعدم الفرق بينهما فى كونهما مصداقا لكون القتال بذلا للنفس. وقرئ بتقديم المبنى للمفعول رعاية لكون الشهادة عريقة فى الباب وإيذانا بعدم مبالاتهم بالموت فى سبيل الله بل بكونه أحب إليهم من السلامة واختار الحسن هذه القراءة لانه إذا قرئ هكذا كان تسليم النفس الى أسراء اقرب وانما يستحق البائع تسليم الثمن اليه بتسليم المبيع وانشد الأصمعي لجعفر رضى الله عنه

أثامن بالنفس النفيسة ربها

وليس لها فى الخلق كلهمو ثمن

بها تشترى الجنات ان انا بعتها

بشىء سواها ان ذلكمو غبن

إذا ذهبت نفسى بشىء أصيبه

فقد ذهب الدنيا وقد ذهب الثمن

وانشد ابو على الكوفي

من يشترى قبة فى عدن عالية

فى ظل طوبى رفيعات مبانيها

دلالها المصطفى والله بائعها

ممن أراد وجبريل مناديها

واعلم ان من بذل نفسه وماله فى طلب الجنة فله الجنة وهذا هو الجهاد الأصغر ومن بذل قلبه

ص: 514

وروحه فى طلب الله فله رب الجنة وهذا هو الجهاد الأكبر لان طريق التصفية وتبديل الأخلاق أصعب من مقاتلة الأعداء الظاهرة فالقتل اما قتل العدو الظاهر واما قتل العدو الباطن وهو النفس وهواها وَعْداً مصدر مؤكد لما يدل عليه كون الثمن مؤجلا إذ الجنة يستحيل وجودها فى الدنيا فمضمون الجملة السابقة ناصب له. قال سعدى المفتى لان معنى اشترى بان لهم الجنة وعدهم الله على الجهاد فى سبيله عَلَيْهِ حال من قوله حَقًّا لانه لو تأخر عنه لكان صفة له فلما تقدم عليه انتصب حالا وأصله وعدا حقا اى ثابتا مستقرا عليه تعالى. قال الكاشفى [حقا ثابت وباقى كه خلاف در ان نيست] فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ متعلق بمحذوف وقع صفة لوعدا اى وعدا مثبتا مذكورا فى التوراة والإنجيل كما هو مثبت مذكور فى القرآن. يعنى ان الوعد بالجنة للمقاتلين فى سبيل الله من هذه الامة مذكور فى كتب الله المنزلة وجوز تعلقه باشترى فيدل على ان اهل التوراة والإنجيل ايضا مأمورون بالقتال موعودون بالجنة وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ من استفهام بمعنى الإنكار واوفى افعل تفضيل وقوله من الله صلته اى لا يكون أحد وافيا بالوعد والعهد وفاء الله بعهده ووعده لانه تعالى قادر على الوفاء وغيره عاجز عنه الا بتوفيقه إياه كما فى التأويلات النجمية فَاسْتَبْشِرُوا الاستبشار اظهار السرور والسين فيه ليس للطلب كاستوقد وأوقد والفاء لترتيب الاستبشار على ما قبله اى فاذا كان كذلك فسروا نهاية السرور وافرحوا غاية الفرح بما فزتم به من الجنة وانما قيل بِبَيْعِكُمُ مع ان الابتهاج به باعتبار ادائه الى الجنة لان المراد ترغيبهم فى الجهاد الذي عبر عنه بالبيع وانما لم يذكر العقد بعنوان الشراء لان ذلك من قبل الله لامن قبلهم والترغيب انما يكون فيما يتم من قبلهم. قال الحدادي ببيعكم أنفسكم من الله فانه لا مشترى ارفع من الله ولا ثمن أعلى من الجنة وقوله تعالى الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ [آنكه مبايعه كرديد بآن] لزيادة تقرير بيعهم وللاشعار بكونه مغايرا لسائر البياعات فانه بيع للفانى بالباقي ولان كلا البدلين له سبحانه وتعالى وَذلِكَ اى الجنة التي جعلت ثمنا بمقابلة ما بذلوا من أنفسهم وأموالهم هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا فوز أعظم منه. قال الحدادي اى النجاة العظيمة والثواب الوافر لانه نيل الجنة الباقية بالنفس الفانية ويجوز ان يكون ذلك اشارة الى البيع الذي أمروا بالاستبشار به ويجعل ذلك كأنه نفس الفوز العظيم او يجعل فوزا فى نفسه. واعلم ان الخلق كلهم ملك الله وعبيده. وان الله يفعل فى ملكه وعبيده ما يريد. لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ولا يقال لم لم يرد ولم لا يكون. ومع هذا فقد اشترى من المؤمنين أنفسهم لنفاستها لديه إحسانا منه. ثم اعلم ان الاجل محكوم ومحتوم. وان الرزق مقسوم ومعلوم. وان من اخطأ لا يصيب. وان سهم المنية لكل أحد مصيب. وان كل نفس ذائقة الموت. وان ما قدر ازلا لا يخشى من الفوت. وان الجنة تحت ظلال السيوف. وان الري الأعظم فى شرب كؤوس الحتوف. وان من اغبرت قد ماه فى سبيل الله حرمه الله على النار. ومن أنفق دينارا كتب بسبعمائة دينار وفى رواية بسبعمائة الف دينار. وان الشهداء حقا عند الله من الاحياء. وان أرواحهم فى جوف طيور خضر تتبوأ من الجنة حيث تشاء. وان الشهيد يغفر له جميع ذنوبه وخطاياه. وانه يشفع فى سبعين من اهل بيته وأولاده. وانه آمن يوم القيامة من الفزع الأكبر. وانه

ص: 515

لا يجد كرب الموت ولا هول المحشر. وانه لا يحس بالم القتل. وان الطاعم النائم فى الجهاد أفضل من الصائم القائم فى سواه. ومن حرس فى سبيل الله لا تبصر النار عيناه. وان المرابط يجرى له اجر عمله الصالح الى يوم قيامه. وان الف يوم لا تساوى يوما من أيامه. وان رزقه يجرى عليه كالشهيد ابدا لا يقطع. وان رباط يوم خير من الدنيا وما فيها. وانه يأمن من فتنة القبر وعذابه. وان الله يكرمه

فى القيامة بحسن مآبه. الى غير ذلك وإذا كان الأمر كذلك. فيتعين على كل عاقل التعرض لهذه الرتبة وصرف عمره فى طلبها والتشمير للجهاد.

عن ساق الاجتهاد. والنفير الى ذوى العناد. من كل العباد. وتجهيز الجيوش والسرايا.

وبذل الصلات والعطايا. واقراض الأموال لمن يضاعفها ويزكيها. ودفع سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها. وان ينفر فى سبيل الله خفافا وثقالا. ويتوجه الى جهاد اعداء الله ركبانا ورجالا. حتى يخرجوا الى الإسلام من اديانهم. او يعطوا الجزية صغرة بايمانهم.

او تستلب نفوسهم من أبدانهم. وتجتذب رؤسهم من تيجانهم. فجموع ذوى الإلحاد مكسرة. وان كانت بالتعداد مكثرة. وجيوش اولى العناد مدبرة مدمرة. وان كانت بعقولهم مقدمة مدبرة. وعزمات رجال الضلال مؤنثة مصغرة. وان كانت ذواتهم مذكرة مكبرة. ألا ترى ان الله تعالى جعل كل مسلم يغلب منهم اثنين. وللذكر من العقل مثل حظ الأنثيين. فوجب علينا ان نطير إليهم ونغير عليهم رجالا وفرسانا. ونجهد فى خلاص أسير ومكروب. واغتنام كل خطير ومحبوب. ونبيد بايدى الجلاد حماة الشرك وأنصاره. ونصول بالنصول الحداد على دعاة الكفر انهتك استاره. ونتطهر بدماء المشركين والكفار. من أرجاس الذنوب وانحاس الأوزار. هناك فتحت من الجنة ابوابها. وارتفعت فرشها ووضعت أكوابها. وبرزت الحور العين عربها واترابها. وقام للجلاد على قدم الاجتهاد خطابها. فضربوا ببيض المشرفية فوق الأعناق.

واستعذبوا من المنية مر المذاق. وباعوا الحياة الفانية بالعيش الباق. فوردوا من مورد الشهادة موردا لم يظمأوا بعده ابدا. وربحت تجارتهم فكانوا اسعد السعداء. أولئك فى صفقة بيعهم هم الرابحون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون. إليك اللهم نمدّ اكف الضراعة ان تجعلنا منهم. وان لا تحيد بنا عند قيام الساعة عنهم. وان ترزقنا من فضلك شهادة ترضيك عنا. وغفرا للذنب الذي انقض الظهر وعنى. وقبولا لنفوسنا إذ عرضناها رحمة منك وتفضلا ومنا. وحاشى كرمك ان نأوب بالخيبة مما رجوناه وأملنا.

وأنت ارحم الراحمين. وعن الشيخ عبد الواحد بن زيد قدس سره قال بينما نحن ذات يوم فى مجلسنا هذا قد تهيأنا للخروج الى الغزو قد أمرت أصحابي بقراءة آيتين فقرأ رجل فى مجلسنا إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ إذ قام غلام فى مقدار خمس عشرة سنة او نحو ذلك وقدمات أبوه وورثه مالا كثيرا فقال يا عبد الواحد بن زيد إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ فقلت نعم حبيبى فقال انى أشهدك انى قد بعت نفسى ومالى بان لى الجنة فقلت له ان حد السيف أشد من ذلك وأنت صبى وانى أخاف

ص: 516

عليك ان لا تصبر او تعجز عن ذلك فقال يا عبد الواحد أبايع الله بالجنة ثم أعجز اشهد الله انى قد بايعته او كما قال رضى الله عنه قال عبد الواحد فتقاصرت إلينا أنفسنا وقلنا صبى يعقل ونحن لا نعقل فخرج من ماله كله وتصدق به الا فرسه وسلاحه ونفقته فلما كان يوم الخروج كان أول من طلع علينا فقال السلام عليك يا عبد الواحد فقلت وعليك السلام ربح البيع ان شاء الله ثم سرنا وهو معنا يصوم النهار ويقوم الليل ويخدمنا ويخدم دوابنا ويحرسنا إذا نمنا حتى إذا انتهينا الى دار الروم فبينما نحن كذلك إذا به قد اقبل وهو ينادى ووا شوقاه الى العياء المرضية فقال أصحابي لعله وسوس هذا الغلام واختلط عقله فقلت حبيبى وما هذه العيناء المرضية فقال قد غفوت غفوة فرأيت كأنه قد أتاني آت فقال لى اذهب الى العيناء المرضية فهجم بي على روضة فيها بحر من ماء غير آسن وإذا على شاطئ النهر جوار عليهن من الحلل ما لا اقدر ان أصفه فلما رأيننى استبشرن بي وقلن هذا زوج العيناء المرضية فقلت السلام عليكن أفيكن العيناء المرضية فقلن لا نحن خدمها واماؤها امض امامك فمضيت امامى فاذا انا بنهر من لبن لم يتغير طعمه فى روضة فيها من كل زينة فيها جوار لما رأيتهن افتتنت بحسنهن وجمالهن فلما رأيننى استبشرن وقلن والله هذا زوج العيناء المرضية فقلت السلام عليكن أفيكن العيناء المرضية فقلن وعليك السلام يا ولى الله نحن خدمها واماؤها فتقدم امامك فتقدمت فاذا انا بنهر من خمر وعلى شط الوادي جوار انسيننى من خلفت فقلت السلام عليكن أفيكن العيناء المرضية قلن لا نحن خدمها واماؤها امض امامك فمضيت فاذا انا بنهر آخر من عسل مصفى امامى فوصلت الى خيمة من درة بيضاء وعلى باب الخيمة جارية عليها من الحلي والحلل ما لا اقدر ان أصفه فلما رأتنى استبشرت بي ونادت من الخيمة أيتها العناء المرضية هذا بعلك قد قدم قال فد نوت من الخيمة ودخلت فاذا هى قاعدة على سرير من ذهب مكلل بالدر والياقوت فلما رأيتها افتتنت بها وهى تقول مرحبا بك يا ولى الله قددنا لك القدوم علينا فذهبت لاعانقها فقالت مهلا فانه لم يأن لك ان تعانقنى لان فيك روح الحياة وأنت تفطر الليلة عندنا ان شاء الله تعالى فانتبهت يا عبد الواحد ولا صبر لى عنها قال عبد الواحد فما انقطع كلامنا حتى ارتفعت لنا سرية من العدو فحمل الغلام فعددت تسعة من العدو قتلهم وكان هو العاشر فمررت به وهو يتشحط فى دمه وهو يضحك ملىء فيه حتى فارق الدنيا ولله در القائل

يا من يعانق دنيا لا بقاء لها

يمسى ويصبح مغرورا وغرارا

هلا تركت من الدنيا معانقة

حتى تعانق فى الفردوس أبكارا

ان كنت تبغى جنان الخلد تسكنها

فينبغى لك ان لا تأمن النارا

التَّائِبُونَ قال الزجاج هو مبتدأ خبره مضمر. والمعنى التائبون الى آخر الآية من اهل الجنة كالمجاهدين فيما قبل هذه الآية فيكون الوعد بالجنة حاصلا للمجاهدين وغيرهم من المؤمنين وان لم يجاهدوا إذا كانوا غير معاندين ولا قاصدين لترك الجهاد والمراد التائبون عن الشرك والنفاق وكل معصية صغيرة كانت او كبيرة. واصل التوبة الرجوع فاذا وصف بها العبد يراد بها الرجوع من العقوبة الى المغفرة والرحمة وهى واجبة على الفور ويتقدمها معرفة الذنب

ص: 517

المرجوع عنه انه ذنب وعلامة قبولها اربعة أشياء. ان ينقطع عن الفاسقين. ويتصل بالصالحين بالتردد الى مجالسهم الشريفة أينما كانوا. وان يقبل على جميع الطاعات إذ الرجوع إذا صح من القلب ترى الأعضاء تنقاد لما خلقت له كالشجرة إذا صلح أصلها اثمر فرعها وان يذهب عنه فرح الدنيا إذ المقبل على الله لا يفرح بشىء مما سواه وكان عليه السلام متواصل الأحزان دائم الفكر. وان يرى نفسه فارغا عما ضمن الله له يعنى الرزق مشتغلا بما امر الله تعالى قال الله تعالى (يا ابن آدم خلقتك من تراب ثم من نطفة ولم يعينى خلقك من العدم أفيعييني رغيف اسوقه لك فى حين وجودك) فاذا وجدت هذه العلامات وجب على الناس ان يحبوه فان الله قد أحبه ويدعوا له ان يثبته الله على التوبة ولا يعيروه بذنوبه ويجالسوه ويكرموه وليحذر التائب من نقض العهد والرجوع الى المعصية [يحيى بن معاذ گفت يك گناه بعد از توبه قبيحترست از هفتاد گناه پيش از توبه] . قال القشيري قدس سره التائبون اصناف فمن راجع يرجع عن زلته الى طاعته ومن راجع يرجع عن شهود نفسه الى شهود لطفه ومن راجع يرجع عن الإحسان بنفسه وأبناء جنسه الى الاستغراق بحقائق ربه الْعابِدُونَ الذين عبدوا الله تعالى مخلصين له

عبادت بإخلاص نيت نكوست

وگرنه چهـ آيد ز بي مغز پوست

والعبادة عبارة عن الإتيان بفعل يشعر بتعظيم الله تعالى [گويند امام أعظم رحمه الله بيست سال بوضوء شب نماز روز گزارد وهرگز پهلو بر زمين ننهاد وجامه خواب نداشت وسر برهنه نشست و پاى دراز نكرد] وفى الحديث (ان ابغض الخلق الى الله الصحيح الفارغ) وقال القشيري قدس سره الْعابِدُونَ الخاضعون لله بكل وجه الذين لا يسترقهم كرائم الدنيا ولا يستعبدهم عظائم العقبى فلا يكون العبد عبد الله على الحقيقة الا بعد تجرده عن كل حادث الْحامِدُونَ اى المثنون عليه بآلاءه الشاكرون له على نعمائه المادحون له بصفاته وأسمائه وعمم بعضهم الحمد فاوجبه على النعم الدينية والدنيوية وكذا على الشدائد والمصائب فى الدنيا فى اهل او نفس او مال لانها نعم بالحقيقة بدليل انها تعرض العبد لمثوبات جزيلة حتى ما يقاسيه الأطفال عند الموت من الكرب الشديد ترجع فائدته الى الولي الصابر وقد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الحمد لله على ما ساء وسرّ) كما فى منهاج العابدين. ومما ينبغى ان يعلم ان التوفيق للتوحيد نعمة عظيمة من الله تعالى فليقل المؤمن دائما الحمد لله على دين الإسلام وتوفيق الايمان. قال مجاهد فى تفسير قوله تعالى أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ يعنى بالشاكرين على التوحيد فاذا عرفت هذا فلا يغرنك قول من قال ان نفس الدين وكذا الإسلام والايمان ليس بنعمة فكيف يحمد عليه. وقال القشيري الْحامِدُونَ هم الذين لا اعتراض لهم على ما يحصل بقدرته ولا انقباض لهم عما يجب من طاعته السَّائِحُونَ عن ابن عباس رضى الله عنهما كل ما ذكر فى القرآن من السياحة فهو الصيام وفى الحديث (سياحة أمتي الصوم) قال الشاعر

تراه يصلى ليله ونهاره

يظل كثير الذكر لله سائحا

ص: 518

اى صائما وشبه الصوم بالسياحة لانه عائق عن الشهوات كالسائح لا يتوسع فى استيفاء ما يميل اليه طبعه لان الصوم رياضة نفسانية يتوسل بها الى العثور على خفايا الملك والملكوت كما ان السائح يصل الى ما لم يعرفه ولم يره. وقال بعض العرفاء النكتة ان السياح يسيح فى الأرض فأى بلد استطاب المقام فيه اقام وإذا لم يستطب خرج منه الى بلد آخر فكذا الصائم إذا دخل الجنة يقال له ادخل من أي باب شئت وأي غرفة وقصر استطبتها فانزلها فيسيح فى قصور الجنة ومنازلها اين ما شاء كالسياح فى الأرض. وقال

الحسن السَّائِحُونَ الذين صاموا عن الحلال وأمسكوا عن الحرام وهاهنا والله أقوام رأيناهم يصومون عن الحلال ولا يمسكون عن الحرام والله ساخط عليهم. وقال القشيري هم الصائمون عن شهود غير الله المكتفون من الله بالله وقال فى التأويلات النجمية السَّائِحُونَ السائرون الى الله بترك ما شغلهم عنه. وقال عطاء المراد الغزاة فى سبيل الله يقطعون المنازل والمراحل الى ان يصلوا الى ديار الكفرة فيجاهدوهم. وقال عكرمة هم طلاب العلم ينتقلون من بلد الى بلد. ورحل جابر رضى الله عنه من المدينة الى مصر لحديث واحد ولذا لا يعد أحد كاملا الا بعد رحلته ولا يصل الى مقصوده الا بعد هجرته وقالوا كل من لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الاتباع ويكشف عن قلبه القناع فهو فى هذا الشأن سبط لا اب له دعىّ لا نسب له الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ فى الصلاة وانما كنى بالركوع والسجود عن الصلاة لكون جهة العيادة اظهر فيهما بالنسبة الى باقى اركان الصلاة فان هيئتى القيام والقعود قد يؤتى بهما على وفق العادة بخلاف الركوع والسجود فانهما ليسا من الهيآت الطبيعية الموافقة للعادة فلا يؤتى بهما الأعلى سبيل العبادة فكان لهما مزيد اختصاص بالصلاة. وقال القشيري الرَّاكِعُونَ الخاضعون لله فى جميع الأحوال بخمودهم تحت سلطان التجلي وفى الخبر (ان الله إذا تجلى لشىء خضع له) والسَّاجِدُونَ بنفوسهم فى الظاهر على بساط العبودية وبقلوبهم فى الباطن عند شهود الربوبية. وقال فى التأويلات النجمية الرَّاكِعُونَ الراجعون عن مقام القيام بوجودهم الى القيام بموجودهم السَّاجِدُونَ الساقطون عن هم على عتبة الوحدة بلاهم

چون تجلى كرد أوصاف قديم

پس بسوزد وصف حادث را كليم

الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ اى بالايمان والطاعة وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ اى عن الشرك والمعاصي. وقال الحدادي المعروف هو السنة والمنكر هو البدعة. قال ابن ملك عند قوله عليه السلام (وكل بدعة ضلالة) يعنى كل خصلة جديدة اتى بها ولم يفعلها النبي عليه السلام ضلالة لان الضلالة ترك الطريق المستقيم والذهاب الى غيره والطريق المستقيم الشريعة خص من هذا الحكم البدعة الحسنة كما قال عمر رضى الله عنه فى التراويح نعمت البدعة. قال العلماء البدع خمس واجبة كنظم الدلائل لرد شبه الملاحدة وغيرهم. ومندوبة كتصنيف الكتب وبناء المدارس ونحوها. ومباحة كالبسط فى ألوان الاطعمة وغيرها. ومكروهة. وحرام وهما ظاهران انتهى. يقول الفقير البناء اما لدرس العلم الظاهر واما لتعليم علم الباطن فاذا كان بناء المدارس من البدعة الحسنة فليكن بناء الخانقاه منها ايضا بل بناء الخانقاه اشرف لشرف

ص: 519

معلومه فمن قال انه ليس فى مكة والمدينة خانقاه فما هذه الخوانق فى البلاد الرومية. وغيرها ونهى عن الخانقاه والتردد اليه لجمعية الذكر وإصلاح الحال بالخلوة والرياضة فانما قاله من جهله وحماقته ونهى عن ضلالته وشقاوته فهو ليس بآمر بالمعروف ولاناه عن المنكر بل بالعكس كما لا يخفى ولقد كثر أمثال هذا المنكر الطاعن فى هذا الزمان مع انهم لا حجة لهم ولا برهان والله المستعان وقال القشيري الآمرون والناهون هم الذين يدعون الخلق الى الله تعالى ويحذرونهم عن غير الله يتواصون بالإقبال على الله وترك الاشتغال بغير الله ثم انه انما تخللت الواو الجامعة بين الآمرون والناهون للدلالة على انهما فى حكم خصلة واحدة لا يعتبر أحدهما بدون الآخر وعلى هذا فثامن الأوصاف هو قوله وَالْحافِظُونَ وواوه واو الثمانية وقيل الصفة الثامنة هى قوله وَالنَّاهُونَ وواوه واو الثمانية وذلك ان العرب إذا ذكروا اسماء العدد على سبيل التعداد يقولون واحد اثنان ثلاثة اربعة خمسة ستة سبعة ثم يدخلون الواو على الثمانية ويقولون وثمانية تسعة عشرة للايذان بان الاعداد قد تمت بالسابع من حيث ان السبعة هو العدد التام وان الثامن ابتداء تعداد آخر قال القرطبي هى لغة فصيحة لبعض العرب وعليها قوله ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً وقوله وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ وقوله وَفُتِحَتْ أَبْوابُها لان أبواب الجنة ثمانية واليه ذهب الحريري فى درة الغواص وغيره من العلماء وقال النسفي فى تفسيره المسمى بالتيسير لا اصل لهذا القول عند المحققين فليس فى هذا العدد ما يوجب ذلك والاستعمال على الاطراد كذلك قال الله تعالى الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ بغير واو وقال تعالى وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ الآية بغير

واو فى الثامنة وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ اى فيما بينه وعينه من الحقائق والشرائع عملا وحملا للناس عليه وقال القشيري هم الواقفون حيث وقفهم الله الذين يتحركون إذا حركهم ويسكنون إذا سكنهم ويحفظون مع الله أنفاسهم ثم انه لما كانت التكاليف الشرعية غير منحصرة فيما ذكر بل لها اصناف واقسام كثيرة لا يمكن تفصيلها وتبيينها الا فى مجلدات ذكر الله تعالى سائر اقسام التكاليف على سبيل الإجمال بقوله وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ والفقهاء ظنوا ان الذي ذكروه فى بيان التكاليف واف وليس كذلك لان الافعال المكلفين قسمان افعال الجوارح وافعال القلوب وكتب الفقه مشتملة على شرح اقسام التكاليف المتعلقة باعمال الجوارح. واما التكاليف المتعلقة باعمال القلوب فليس فى كتبهم منها الا قليل نادر وبعض مباحثها مدون فى الكتب الكلامية والبعض الآخر منها فصله الامام الغزالي وأمثاله فى علم الأخلاق ومجموعها مندرج فى قوله تعالى وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ [شيخ احمد غزالى ببرادرش امام محمد غزالى گفت جمله علم ترا بدو كلمه آورده ام التعظيم لامر الله والشفقة على خلق الله] قال الحدادي وهذه الصفة من أتم ما يكون من المبالغة فى وصف العباد بطاعة الله والقيام باوامره والانتهاء عن زواجره لان الله تعالى بين حدوده فى الأمر والنهى وفيما ندب اليه فرغب اليه او خير فيه وبين ما هو الاولى فى مجرى موافقة الله تعالى فاذا قام العبد بفرائض الله تعالى وانتهى الى ما أراد الله منه كان من الحافظين لحدود الله كما روى عن خلف بن أيوب انه أمر

ص: 520

امرأته ان تمسك عن إرضاع ولده فى بعض الليل وقال قد تمت له السنتان فقل له لو تركتها حتى ترضعه هذه الليلة قال فاين قوله تعالى وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يعنى هؤلاء الموصوفين بتلك الفضائل. ووضع المؤمنين موضع ضميرهم للتنبيه على ان ايمانهم دعاهم الى ذلك وان المؤمن الكامل كان كذلك وحذف المبشر به للتعظيم كانه قيل وبشرهم بما يجل عن احاطة الافهام وتعبير الكلام وأعلى ذلك رؤية الله تعالى فى دار السلام واعلم ان كل عمل له جزاء مخصوص يناسبه كالصوم مثلا جزاؤه الاكل والشرب كما قال تعالى كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ وقس على هذا باقى الأعمال واجتهد فى تحصيل حسن الحال وفقنا الله وإياكم الى اسباب مرضاته ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا بالله وحده اى ما صح لهم وما استقام فى حكم الله تعالى وحكمته أَنْ يَسْتَغْفِرُوا اى يطلبوا المغفرة لِلْمُشْرِكِينَ به سبحانه وَلَوْ كانُوا اى المشركون أُولِي قُرْبى اى ذوى قرابة لهم مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ اى ظهر للنبى عليه السلام والمؤمنين أَنَّهُمْ اى المشركين أَصْحابُ الْجَحِيمِ اى اهل النار بان ماتوا على الكفر او نزل الوحى بانهم يموتون على ذلك- روى- انه لما مرض ابو طالب وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين وبعد مضى عشر سنين من بعثته عليه السلام وبلغ قريشا اشتداد مرضه قال بعضهم لبعض ان حمزة وعمر قد أسلما وقد فشا امر محمد فى قبائل قريش كلها فانطلقوا بنا الى ابى طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا فانا والله ما نأمن ان يسلبوا أمرنا وفى رواية انا نخاف ان يموت هذا الشيخ فيكون منا شىء اى قتل محمد فتعيرنا العرب ويقولون تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه فمشى اليه اشرافهم منهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وابو جهل وامية بن خلف وابو سفيان فانه اسلم ليلة الفتح فارسلوا رجلا فاستأذن لهم على ابى طالب فقال هؤلاء اشراف قومك يستأذنون عليك قال أدخلهم فدخلوا عليه فقالوا يا أبا طالب أنت سيدنا وكبيرنا وقد حضرك ما ترى وتخوفنا عليك وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك فادعه فخذ له منا وخذ لنا منه ليدعنا وديننا وندعه ودينه فبعث اليه عليه السلام ابو طالب فجاء ولما دخل عليه السلام على ابى طالب وكان بين ابى طالب وبين القوم فرجة تسع الجالس فخشى ابو جهل ان يجلس النبي عليه السلام فى تلك الفرجة فيكون ارقى منه وثب لعنه الله فجلس فيها فلم يجد عليه السلام مجلسا قريبا الى ابى طالب فجلس عند الباب فقال ابو طالب لرسول الله عليه السلام يا ابن أخي هؤلاء اشراف قومك أعطهم ما سألوك فقد انصفوك سألوا ان تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك فقال عليه السلام (أرأيتكم ان أعطيتكم ما سألتم فهل تعطوننى كلمة واحدة تملكون بها العرب ويدين لكم بها العجم) اى يطيع ويخضع فقال ابو جهل نعطيكها وعشرا معها فما هى قال (تقولون لا اله الا الله وتخلعون ما تعبدون من دونه) فصفقوا بايديهم ثم قالوا سلنا يا محمد غير هذه الكلمة فقال (لو جئتمونى بالشمس حتى تضعوها فى يدى ما سألتكم غيرها) ثم قال بعضهم لبعض والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيأ مما تريدون فامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه ثم تفرقوا وعند ذلك قال عليه السلام (اى عم فانت فقلها اشهد لك

ص: 521

بها عند الله) فقال والله يا ابن أخي لولا مخافة العار عليك وعلى بنى أبيك من بعدي وان تظن قريش انى انما قلتها خوفا من الموت لقلتها فلما ابى عن كلمة التوحيد قال عليه السلام (لا أزال استغفر لك ما لم انه عنه) وذلك لغلبة همته على مغفرته لانه كان يحفظه عليه السلام وينصره ولما مات نالت قريش من رسول الله من الأذى ما لم تكن تطمع فيه فى حياة ابى طالب حتى ان بعض سفهاء قريش نثر على رأس النبي عليه السلام التراب فدخل بيته والترات على رأسه فقام اليه بعض بناته وجعلت تزيله عن رأسه وتبكى ورسول الله يقول لها (لا تبكى يا بنية فان الله مانع أباك) فبقى عليه السلام يستغفر لأبى طالب من ذلك الوقت الى وقت نزول هذه الآية وقال ابن عباس رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن أبويه أيهما اقرب به عهدا فقيل له أمك آمنة فقال (هل تعلمون موضع قبرها لعلى آتيه فاستغفر لها فان ابراهيم عليه السلام استغفر لابويه) فقال المسلمون ونحن ايضا نستغفر الله لآبائنا وأهلينا فانطلق رسول الله وذلك فى سنة الفتح فانتهى الى قبر امه فى الأبواء منزل بين مكة والمدينة وذلك انه عليه السلام ولد بعد ان توفى أبوه عبد الله ودفن بالمدينة لما انه قد خرج إليها لحاجة فادركه الموت هناك وكان عليه السلام مع امه آمنة فلما بلغ ست سنين خرجت آمنة الى اخوالها بالمدينة تزورهم ثم رجعت به الى مكة فلما كانت بالأبواء توفيت هناك وقيل دفنت بالحجون ويمكن الجمع بينهما بانها دفنت اولا بالأبواء ثم نقلت من ذلك المحل الى مكة كما فى السيرة الحلبية فلما جلس عليه السلام عند قبر امه ناجى طويلا ثم بكى بكاء شديدا فبكينا لبكائه فقلنا يا رسول الله ما الذي أبكاك قال (استأذنت ربى فى زيارة قبر أمي فاذن لى فاستأذنته فى الاستغفار لها فلم يأذن لى وانزل علىّ الآيتين) آية ما كانَ لِلنَّبِيِّ وآية وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ قال بعضهم لا مانع من تكرر سبب النزول فيجوز ان تنزل الآيتان لما استغفر لامه ولما استغفر لعمه يقول الفقير سامحه القدير فيه بعد لانه ان سبق النزول لاستغفار امه فكيف يبقى النبي عليه السلام على استغفار عمه وقد ثبت ان هذه السورة الكريمة من آخر القرآن نزولا وكذا العكس ومن ادعى الفرق بين الاستغفارين فعليه البيان وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ بقوله وَاغْفِرْ لِأَبِي اى بان توفقه للايمان وتهديه اليه كما يلوح به تعليله بقوله إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ استثناء مفرغ من أعم العلل اى لم يكن استغفاره لأبيه آزر ناشئا عن شىء من الأشياء الا عن موعدة وَعَدَها ابراهيم إِيَّاهُ اى أباه بقوله لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وقوله سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي بناء على رجاء إيمانه لعدم تبين حقيقة امره فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ اى لابراهيم بان اوحى اليه انه مصر على الكفر غير مؤمن ابدا وقيل بان مات على الكفر والاول هو الأنسب بقوله أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ فان وصفه بالعداوة مما يأباه حالة الموت تَبَرَّأَ مِنْهُ اى تنزه عن الاستغفار له وتجانب كل التجانب إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ لكثير التأوه وهو ان يقول الرجل عند التضجر والتوجع آه من كذا او يقول آوه بالمد والتشديد وفتح الواو وسكون الهاء لتطويل الصوت بالشكاية والأواه الخاشع المتضرع وقيل انه كلما ذكر تقصيرا او ذكر له شىء من شدائد الآخرة كان يتأوه إشفاقا واستعظاما كما قال كعب الأواه

ص: 522

هو الذي إذا ذكرت عنده النار قال آه وقيل معناه الموقر بلغة الحبشة الا ان من قال لا يجوز ان يكون فى القرآن شىء غير عربى قال هذا موافق للعربية بلغة الحبشة والملائم انه كناية عن كمال الرأفة ورقة القلب لانه ذكر فى معرض التعليل لاستغفاره لابيه المشرك. والمعنى انه مترحم متعطف ولفرط رحمته ورأفته كان يتعطف لابيه الكافر حَلِيمٌ صبور على الاذية ولذلك كان يحلم على أبيه ويتحمل أذاه ويستغفر له مع صعوبة خلقه وغلظ قلبه وقوله لارجمنك ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استغفر لعمه وهو مشرك كما استغفر ابراهيم عليه السلام لابيه المشرك ثم نهى عن الاستغفار للكافر نزلت هذه الآية لبيان عذر من استغفر لاسلافه المشركين قبل المنع عنه وهو قوله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً اى ليس من عادته ان يصفهم بالضلال عن طريق الحق ويجرى عليهم أحكامه بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ للاسلام حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ بالوحى صريحا او دلالة ما يَتَّقُونَ اى يجب اتقاؤه من محظورات الدين فلا ينزجروا عما نهوا عنه واما قبل ذلك فلا يسمى ما صدر عنهم ضلالا ولا يؤاخذون به. وفيه دليل على ان العاقل غير مكلف بما لا يستبد بمعرفته العقل إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ اى انه تعالى عليم بجميع الأشياء التي من جملتها حاجتهم الى بيان قبح ما لا يستقل العقل معرفته فبين لهم ذلك كما فعل هاهنا إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من غير شريك له فيه: قال جلال الدين الرومي قدس سره

واحد اندر ملك واو را يار نى

بندگانش را جز او سالار نى

نيست خلقش را دكر كس مالكى

شركتش دعوى كند جز هالكى

يُحْيِي وَيُمِيتُ اى يحيى الأموات ويميت الاحياء اى يوجد الحياة والموت فى الأرض والأجساد وقلوب الأمم وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى حال كونكم متجاوزين ولايته ونصرته مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ لما منعهم من الاستغفار للمشركين وان كانوا اولى قربى وضمن ذلك التبري منهم رأسا بين لهم ان الله مالك كل موجود ومتولى امره والغالب عليه ولا يتأنى لهم ولاية ولا نصرة الا منه تعالى ليتوجهوا اليه بشراشرهم ويتبرأوا مما عداه حتى لا يبقى لهم مقصود فيما يأتون ويذرون سواه بقي هاهنا ان الجم الغفير من العلماء ذهبوا الى ان النبي عليه السلام مر على عقبة الحجون فى حجة الوداع فسأل الله ان يحيى امه فاحياها فآمنت به وردها الله تعالى اى روحها قال فى انسان العيون لا يقال على ثبوت هذا الخبر وصحته التي صرح بها غير واحد من الحفاظ ولم يلتفتوا الى من طعن فيه كيف ينقع الايمان بعد الموت ولا يعترض لانا نقول هذا من جملة خصوصياته صلى الله عليه وسلم وفى كلام القرطبي قد احيى الله تعالى على يده جماعة من الموتى فاذا ثبت ذلك فما يمنع ايمان أبويه بعد احبائهما ويكون زيادة فى كرامته وفضيلته ولو لم يكن احياء أبويه نافعا لايمانهما وتصديقهما لما احييا كما ان رد الشمس لو لم يكن نافعا فى بقاء الوقت لم ترد والله اعلم انتهى يقول الفقير قد أشبعنا الكلام فى ايمان أبوي النبي عليه السلام وكذا ايمان عمه ابى طالب وجده عبد المطلب بعد الاحياء فى سورة البقرة عند قوله تعالى وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ فارجع اليه. وجاء ابن عبد المطلب رفض فى آخر عمره عبادة الأصنام ووحد الله وتؤثر عنه سنين جاء القرآن باكثرها وجاءت السنة بها منها الوفاء بالنذر والمنع

ص: 523

من نكاح المحارم وقطع يد السارق والنهى عن قتل الموءودة وتحريم الخمر والزنى وان لا يطوف بالبيت عريان كذا فى كلام سبط ابن الجوزي وقال فى أبكار الافكار فى مشكل الاخبار ان عبد المطلب قد كان يتعبد فى كثير من أحواله بشريعة ابراهيم عليه السلام ويتمسك بسنن إسماعيل عليه السلام ولم ينكر نبوة محمد عليه السلام إذ لم يكن قد بعث فى أيامه ولا يقطع بكفر من مات فى زمن الفترة فلم يكن حكمه حكم الكفار المشركين الذين شهد النبي عليه السلام بانهم فحم فى جهنم انتهى قال فى السيرة الحلبية منع الاستغفار لامه عليه السلام انما يأتى على القول بان من بدل دينه او غيره او عبد الأصنام من اهل الفترة معذب وهو قول ضعيف مبنى على وجوب الايمان والتوحيد بالعقل. والذي عليه اكثر اهل السنة والجماعة ان لا يجب ذلك الا بإرسال الرسل ومن المقرر ان العرب لم يرسل إليهم رسول بعد إسماعيل عليه السلام وان إسماعيل انتهت رسالته بموته كبقية الرسل لان ثبوت الرسالة بعد الموت من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وان اهل الفترة من العرب لا تعذيب عليهم وان غيروا او بدلوا او عبدوا الأصنام والأحاديث الواردة بتعذيب من ذكر او من بدل او غير او عبد الأصنام مؤولة او خرجت مخرج الزجر للحمل على الإسلام. ثم رأيت بعضهم رجح ان التكليف بوجوب الايمان بالله تعالى وتوحيده اى بعدم عبادة الأصنام يكفى فيه وجود رسول دعا الى ذلك وان لم يكن الرسول مرسلا لذلك الشخص بان لم يدرك زمنه حيث بلغه انه دعا الى ذلك او امكنه علم ذلك وان التكليف بغير ذلك من الفروع لا بد فيه من ان يكون ذلك الرسول مرسلا لذلك الشخص وقد بلغته دعوته وعلى هذا فمن بدرك زمن نبينا صلى الله عليه وسلم ولا زمن من قبله من الرسل معذب على الإشراك بالله بعبادته الأصنام لانه على فرض ان لا تبلغه دعوة أحد من الرسل السابقين الى الايمان بالله وتوحيده ولكنه كان متمكنا من علم ذلك فهو تعذيب بعد بعث الرسل لا قبله وحينئذ لا يشكل ما أخرجه الطبراني فى الأوسط بسند صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ما بعث الله نبيا الى قوم ثم قبضه إلا جعل بعده فترة يملأ من تلك الفترة جهنم) ولعل المراد المبالغة

فى الكثرة وإلا فقد اخرج الشيخان عن انس رضى الله عنه عن النبي عليه السلام انه قال (لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيرتد بعضها الى بعض وتقول قط قط) اى حسبى بعزتك وكرمك واما بالنسبة لغير الايمان والتوحيد من الفروع فلا تعذيب على تلك الفروع لعدم بعثة رسول إليهم فاهل الفترة وان كانوا مقرين بالله الا انهم أشركوا بعبادة الأصنام فقد حكى الله عنهم ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى ووجه التفرقة بين الايمان والتوحيد وغير ذلك ان الشرائع بالنسبة للايمان بالله والتوحيد كالشريعة الواحدة لاتفاق جميع الشرائع عليه هذا. وقد جاء انهم اى اهل الفترة يمتحنون يوم القيامة فقد اخرج البزاز عن ثوبان ان النبي عليه السلام قال (إذا كان يوم القيامة جاء اهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم فيسألهم ربهم فيقولون ربنا لم ترسل إلينا رسولا ولم يأتنا لك امر ولو أرسلت إلينا رسولا لكنا أطوع عبادك فيقول لهم ربهم أرأيتم ان أمرتكم بامر ان تطيعونى فيقولون نعم فيأخذ

ص: 524

على ذلك مواثيقهم فيرسل إليهم ان ادخلوا النار فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا ورجعوا فقالوا ربنا فرقنا منها ولا نستطيع ان ندخلها فيقول ادخلوها داخرين) فقال النبي عليه السلام (لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردا وسلاما) قال الحافظ ابن حجر فالظن بآله صلى الله عليه وسلم يعنى الذين ما توا قبل البعثة انهم يطيعون عند الامتحان إكراما للنبى عليه السلام لتقر عينه ونرجوا ان يدخل عبد المطلب الجنة فى جماعة من يدخلها طائعا الا أبا طالب فانه أدرك البعثة ولم يؤمن به بعد ان طلب منه الايمان انتهى كلامه ولعله لم يذهب الى مسألة الاحياء ولذا قال ما قال فى حق ابى طالب

نا اميدم مكن از سابقه لطف ازل

تو چهـ دانى كه پس پرده كه خوبست وكه زشت

لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ قال ابن عباس رضى الله عنهما هو العفو عن اذنه للمنافقين فى التخلف عنه وهذا الاذن وان صدر عنه عليه السلام وحده الا انه أسند الى الكل لان فعل البعض يسند الى الكل لوقوعه فيما بينهم كما يقال بنوا فلان قتلوا زيدا وهذا الذنب من قبيل الزلة لان الأنبياء معصومون من الكبائر والصغائر عندنا لان ركوب الذنوب مما يسقط حشمة من يرتكبها وتعظيمه من قلوب المؤمنين والأنبياء يجب ان يكونوا مهابين موقرين ولذا عصموا من الأمراض المنفرة كالجذام وغيره فليس معنى الزلة انهم زلوا عن الحق الى الباطل ولكن معناها انهم زلوا عن الأفضل الى الفاضل وانهم يعاتبون به لجلال قدرهم ومكانتهم من الله تعالى كما قال ابو سعيد الخراز قدس سره حسنات الأبرار سيآت المقربين وقال السلمى ذكر توبة النبي عليه السلام لتكون مقدمة لتوبة الامة وتوبة التابع انما تقبل التصحيح بالمقدمة وقال فى التأويلات النجمية التوبة فضل من الله ورحمة مخصوصة به لينعم بذلك على عباده فكل نعمة وفضل يوصله الله الى عباده يكون عبوره على ولاية النبوة فمنها يفيض على المهاجرين والأنصار وجميع الامة فلهذا قال لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ يدل عليه قوله عليه السلام ما صب الله فى صدرى شيأ الا وصببته فى صدر ابى بكر رضى الله عنه والأنصار جمع نصير كشريف واشراف او جمع ناصر كصاحب واصحاب وهم عبارة عن الصحابة الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم من اهل المدينة وهو اسم إسلامي سمى الله تعالى به الأوس والخزرج ولم يكونوا يدعون بالأنصار قبل نصرتهم لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قبل نزول القرآن بذلك وحبهم واجب وهو علامة الايمان وفى الحديث (آية المؤمن حب الأنصار. وحب الأنصار آية الايمان. وآية النفاق بغض الأنصار) كذا فى فتح القريب والمهاجرون أفضل من الأنصار كما يدل عليه قوله عليه السلام (لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار) قال ابن الملك المراد منه إكرام الأنصار فانه لارتبة بعد الهجرة أعلى من نصرة الدين انتهى وباقى الكلام سبق عند قوله تعالى وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الآية فارجع الى تفسيرها الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ اى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخلفوا عنه ولم يخلوا بأمر من أوامره فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ اى وهو الزمان الذي وقع فيه غزوة

ص: 525

تبوك فانه قد أصابتهم فيها مشقة عظيمة من شده الحر وقلة المركب حتى كانت العشرة تعتقب على بعير واحد ومن قلة الزاد حتى قيل ان الرجلين كانا يقتسمان تمرة وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء المتغير ومن قلة الماء حتى شربوا الفظ وهو ماء الكرش عن عمر رضى الله عنه خرجنا فى قيظ شديد وأصابنا فيه عطش شديد حتى ان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه قال الكاشفى [وبر طوبات أجواف وامعاى آن دهن خويش را تر ميساختند] ولذلك سميت غزوة العسرة وسمى من جاهد فيها بجيش العسرة وهذه صفة مدح لاصحاب النبي عليه السلام باتباعهم إياه فى وقت الشدة ومع ذلك فقد كانوا محتاجين الى التوبة فما ظنك بغيرهم ممن لم يقاس ما قاسوه مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ اى يميل قلوب طائفة منهم عن الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بان هموا ان ينصرفوا فى غير وقت الانصراف من غير ان يؤذن لهم فى ذلك لشدائد أصابتهم فى تلك الغزوة لكنهم صبروا واحتسبوا وندموا

على ما ظهر على قلوبهم فتاب الله عليهم وفى كاد ضمير الشأن وجملة يزيغ فى محل النصب على انها خبر كاد وخبر كاد إذا كان جملة لا بد ان يكون فيه ضمير يعود على اسمها الا إذا كان اسمها ضمير الشان فحينئذ لا يجب ان يكون فيه ضمير يعود الى اسمها ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ اى تجاوز عن ذنبهم الذي فرط منهم وهو تكرير للتأكيد وتنبيه على انه يتاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة: قال الحافظ

مكن ز غصه شكايت كه در طريق طلب

براحتى نرسيد آنكه زحمتى نكشيد

إِنَّهُ اى الله تعالى بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ استئناف تعليل فان صفة الرأفة والرحمة من دواعى التوبة والعفو ويجوز كون الاول عبارة عن ازالة الضرر والثاني عن إيصال المنفعة وان يكون أحدهما للسوابق والآخر للواحق ومن كمال رحمته إرسال حبيبه واظهار معجزاته- روى- انهم شكوا للنبى عليه السلام عسرة الماء فى غزوة تبوك فقال أبو بكر رضى الله عنه يا رسول الله ان الله تعالى عودك فى الدعاء خيرا فادع الله لنا قال (أتحب ذلك) قال نعم فرفع عليه السلام يديه فلم يرجعهما حتى أرسل الله سحابة فمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا ما يحتاجون اليه وتلك السحابة لم تتجاوز العسكر- وروى- انهم نزلوا يوما فى غزوة تبوك على غير ماء بفلاة من الأرض وقد كادت عتاق الخيل والركاب تقع عطشا فدعا عليه السلام وقال (اين صاحب الميضاة) قيل هو ذا يا رسول الله قال (جئنى بميضاتك) فجاء بها وفيها شىء من ماء فوضع أصابعه الشريفة عليها فنبع الماء بين أصابعه العشر وأقبل الناس واستقوا وفاض الماء حتى رووا ورووا خيلهم وركابهم وكان فى العسكر من الخيل اثنا عشر الف فرس ومن الإبل خمسة عشر الف بعير والناس ثلاثون الفا وفى رواية سبعون: قال السلطان سليم الاول من الخواقين العثمانية

كوثر نمى ز چشمه احسان رحمتش

آب حيات قطره از جام مصطفاست

- روى- انهم لما أصابهم فى غزوة تبوك مجاعة قالوا يا رسول الله لو أذنت لنا نحرنا نواضحنا وادّهنا فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله ان فعلت فنى الظهر ولكن ادعهم بفضل أزوادهم

ص: 526

وادع الله لهم فيها بالبركة لعل الله ان يجعلها فى ذلك فقال عليه السلام (نعم) فدعا بنطع فبسطه ثم دعاهم بفضل أزوادهم فجعل الرجل يأتى بكف من درة ويجيىء الآخر بكف من تمر ويجيىء الآخر بميرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شىء يسير فدعا عليه السلام بالبركة ثم قال (خذوا فى اوعيتكم) فاخذوا حتى ما تركوا فى العسكر وعاء إلا ملأوه وأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال صلى الله عليه وسلم (اشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك إلا وقاه الله النار) : قال الشيخ المغربي قدس سره

كل توحيد نرويد ز زمينى كه درو

خار شرك وحسد وكبر وريا وكين است

والاشارة فى الآية لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ اى نبى الروح بمنزلة النبي يأخذ بالهام الحق حقائق الدين ويبلغها الى أمته من القلب والنفس والجوارح والأعضاء. فالمعنى أفاض الله على نبى الروح ومهاجرى صفاته الذين هاجروا معه من مكة الروحانية الى المدينة الجسدانية والأنصار من القلب والنفس وصفاتها وهم ساكنوا مدينة الجسد فيوضات الرحمة الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ الروح ساعة رجوعه الى عالم العلو بالعسرة إذ هم نشأوا فى عالم السفل يعسر عليهم السير الى عالم العلو من بعد ما كاد بزيغ قلوب فريق من النفس وصفاتها وهواها فان ميلها طبعا الى عالم السفل ثم تاب عليهم بافاضة الفيض الرباني لتعليهم عن طبعهم انه بهم روف رحيم ليجعلهم باكسير الشريعة قابلين للرجوع الى عالم الحقيقة كذا فى التأويلات النجمية وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا اى وتاب الله على الثلاثة الذين اخر أمرهم ولم يقطع فى شأنهم بشىء الى ان نزل فيهم الوحى وهم كعب بن مالك الشاعر ومرادة بن الربيع العنبري وهلال بن امية الأنصاري يجمعهم حروف كلمة «مكه» وآخر اسماء آبائهم «عكه» حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ غاية للتخفيف اى اخر أمرهم الى ان ضاقت عليهم الأرض بِما رَحُبَتْ اى برحبها وسعتها لاعراض الناس حتى عن المكالمة معهم ولو بالسلام ورده وكانوا يخافون ان يموتوا فلا يصلى النبي عليه السلام ولا المؤمنون على جنازتهم وهو مثل لشدة الحيرة كأنه لا يستقر به قرار ولا تطمئن له دار وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ اى امتلأت قلوبهم بفرط الوحشة والغم بحيث لم يبق فيها ما يسع شيأ من الراحة والانس والسرور عبر عن الراحة والسرور بضمير عليهم حيث قيل ضاقت عليهم تنبيها على ان انتفاء الراحة والسرور بمنزلة انتفاء ذواتهم وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ اى علموا وأيقنوا ان لا ملاذ ولا خلاص من سخطه تعالى الا الى استغفاره فظنوا بمعنى علموا لانه تعالى ذكر هذا الوصف فى معرض المدح والثاء وذا لا يكون الا مع علمهم بذلك. وقوله ان مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر ولا مع ما فى حيزها خبران ومن الله خبر لا وان مع ما فى حيزها ساد مسد مفعولى ظنوا والا استثناء من العام المحذوف اى وعلموا ان الشان لا التجاء من سخط الله الى أحد الا اليه قال بعض المتقدمين من تظاهرت عليه النعم فليكثر الحمد لله ومن كثرت همومه فليكثر الاستغفار واعلم ان من توغل فى بحر التوحيد بحيث لا يرى فى الوجود الا الله لم يلتجىء الا الى الله فالفرار ليس الا اليه على كل حال واما المظاهر او المحال فليست الا أسبابا: وفى المثنوى

ص: 527

گرچهـ سايه عكس شخص است اى پسر هيچ از سايه نتانى خورد بر هين ز سايه شخص را مى كن طلب در مسبب رو گذر كن از سبب ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ اى وفقهم للتوبة لِيَتُوبُوا ليرجعوا عن المعصية واعلم ان هاهنا أمورا ثلاثة. التوفيق للتوبة وهو ما دل عليه قوله ثم تابَ. ونفس التوبة وهو ما دل عليه قوله لِيَتُوبُوا. وقبول الله تعالى إياها وهو ما دل عليه قوله وَعَلَى الثَّلاثَةِ وانما عطف الأمر الاول على الثالث بكلمة ثم لكونه اصل الجميع مقدما على الأمر الثالث بمرتبتين فتكون كلمة ثم للتراخى الرتبى ويجوز ان يكون المعنى ثم تاب عليهم اى انزل قبول توبتهم ليتوبوا اى ليصيروا من جملة التوابين ويعدوا منهم فتكون كلمة ثم على اصل معناها لان إنزال القبول متفرع على نفس القبول المذكور بقوله وعلى الثلاثة إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ اى

المبالغ فى قبول التوبة لمن تاب وان عاد فى اليوم مائة مرة المتفضل عليهم بفنون الآلاء مع استحقاقهم لافانين العقاب

كر لطف تو يارى ننمايد ز نخست

هم توبه شكسته است وهم پيمان سست

چون تو به باميد پذيرفتن تست

تا تو نپذيرى نشود توبه درست

- روى- ان ناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من بدا له وكره مكانه فلحق به عليه السلام عن الحسن انه قال بلغني انه كان لاحدهم حائط كان خيرا من مائة الف درهم فقال يا حائطاه ما خلفنى الا ظلك وانتظار ثمارك اذهب فانت فى سبيل الله ولم يكن لآخر الا اهله فقال يا اهلاه ما بطأنى ولا خلفنى الا الضن بك فلا جرم والله انى لأكابدنّ المفاوز حتى الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فركب ولحق ولم يكن لآخر الا نفسه لا اهل ولا مال فقال يا نفسى ما خلفنى الا حب الحياة لك والله لأكابدنّ الشدائد حتى الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فتأبط زاده ولحق به عليه السلام وعن ابى ذر الغفاري بعيره ابطأه فحمل متاعه على ظهره واتبع اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا

راه نزديك وبما ندم سخت دير

سير كشتم زين سوارى سير سير

فقال صلى الله عليه وسلم لما رأى سواده (كن أبا ذر) فقال الناس هو ذاك فقال عليه السلام (رحم الله أبا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده) ومنهم من بقي ولم يلحق به عليه السلام وهم الثلاثة وكان كعب شهد بيعة العقبة وهلال ومرارة شهدا بدرا قال كعب لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته وسلمت عليه فرد علىّ كالمغضب بعد ما ذكرنى وقال (يا ليت شعرى ما خلف كعبا) فقيل له ما خلفه الأحسن برديه والنظر فى عطفيه قال (ما اعلم الا فضلا وإسلاما) وقال (ما خلفك عنى ألم تكن قد ابتعت ظهرك) فقلت ما خلفنى عنك عذر وانما تخلفت بمجرد الكسل وقلة الاهتمام فقال عليه السلام (قم عنى حتى يقضى الله فيك) وكذا قال لصاحبيه ونهى عن كلامهم فاجتنبهم الناس ولم يكلمهم أحد من قريب ولا بعيد فاما الرجلان فمكثا فى بيوتهما يبكيان واما كعب فكان يحضر الصلاة مع المسلمين ويطوف فى الأسواق فلا يكلمه أحد منهم قال كعب وبينما انا امشى بسوق المدينة إذا نبطى من أنباط الشام ممن قدم

ص: 528

بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدلنى على كعب بن مالك فطفق اى جعل الناس يشيرون له حتى إذا جاءنى دفع الى كتابا من ملك غسان الىّ وهو الحارث بن ابى شمر وكان الكتاب ملفوفا فى قطعة من الحرير فاذا فيه اما بعد فانه قد بلغني ان صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هو ان ولا بضيعة ذل فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأته وهذا ايضا من البلاء فتيممت اى قصدت به التنور فسجرته به اى ألقيته فيه والأنباط قوم يسكنون البطائح بين العراقين قال حتى إذا مضت أربعون ليلة جاءنى رسول من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك ان تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا قال لابل اعتزلها ولا تقربها وأرسل الى صاحبى وهما هلال ومرارة بمثل ذلك فقلت لامرأتى الحقي باهلك فكونى عندهم حتى يقضى الله فى هذا الأمر فجاءت امرأة هلال رسول الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان هلالا شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره ان اخدمه فقال عليه السلام (لا ولكن لا يقربك) وقالت والله انه ما به حركة الى شىء والله ما زال يبكى منذ كان من امره ما كان الى يومه هذا فمضى بعد ذلك عشر ليال حتى كملت خمسون ليلة من حين النهى عن الكلام قال كعب فلما كان صلاة الفجر صبح تلك الليلة سمعت صوتا من ذروة جبل سلع يقول با على صوته يا كعب بن مالك ابشر

ابشروا يا قوم إذ جاء الفرج

افرحوا يا قوم قد زال الحرج

مى دمد در گوش هر غمگين بشير

خيز اى مدبر ره اقبال گير

اى درين حبس ودرين كند وشپش

هين كه تا كس نشود رسنى خمش

چون كنى خامش كنون اى يار من

كزين هرمو بر آمد طبل زن

فخررت ساجدا وعرفت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم بتوبة الله علينا فلما جاءنى الرجل الذي سمعت صوته يبشرنى وهو حمزة بن عمرو الأوسي نزعت ثوبى فكسوته إياهما ببشراه والله ما املك غيرهما يومئذ

بعيد نيست كه صد جان بمژده بستانند

برين بشارت دولت كه عن قريب آمد

واستعرت من ابن عمى ابى قتادة ثوبين فلبستهما. وكان المبشر لهلال بن امية اسعد بن سعد. ولمرارة بن ربيع سلكان بن سلامة قال كعب انزل الله توبتنا على نبيه حين بقي الثلث الأخير من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة رضى الله عنها وكانت أم سلمة محسنة فى شأنى معينة فى امرى فقال عليه السلام (يا أم سلمة تيب على كعب) قالت أفلا أرسل اليه فابشره (قال إذا يحطم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليلة) حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر اعلم بتوبة الله علينا قال فانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانى الناس فوجا فوجا يهنئونى بالتوبة يقولون ليهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله الناس فقام الى طلحة بن عبد الله يهرول حتى صافحنى وهنأنى والله ما قام الى رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة وذلك لانه عليه السلام كان آخى بينهما حين قدم المدينة قال فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه

ص: 529

وسلم وهو يبرق وجهه من السرور وكان عليه السلام إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر: قال السلطان سليم الاول من السلاطين العثمانية

كر آگهى ز معنى والشمس والضحى

تعريف ماه روى دلاراى مصطفاست

بنكر بچرخ وكوكبه لشكر نجوم

كأنها فروغ كوهر والاى مصطفاست

فلما جلست بين يديه صلى الله عليه وسلم قال (أبشر يا كعب بخير يوم ما مر عليك منذ ولدتك أمك) ثم تلا علينا الآية وهى لَقَدْ تابَ اللَّهُ الى قوله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فقلت يا رسول الله ان من توبتى ان انخلع من مالى صدقة الى الله والى رسوله قال (امسك عليك بعض مالك فهو خير لك) وعن ابى بكر الوراق انه سئل عن التوبة النصوح فقال ان تضيق على التائب الأرض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة كعب بن مالك وصاحبيه

توبه كردم حقيقت با خدا

نشكنم نا جان شدن از تن جدا

واعلم ان فى قصة هؤلاء الثلاثة اشارة الى ان الهجران بين المسلمين إذا كان فيه صلاح لدين المهجور لا يحرم هجره حتى يزول ذلك وتظهر توبته وكذا إذا كان المهجور مذموم الحال لبدعة او فسق او نحوهما فانه لا يحرم الهجران الى ظهور التوبة لانه لحق الله لما كان فى جانب الدين فيجوز فوق ثلاثة ايام ولا يجوز الزيادة عن الثلاثة فيما كان بينهم من الأمور الدنيوية وحظوظ النفس وانما عفى عنه فى الثلاثة لان الآدمي مجبول على الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك فعفى عن الهجر فى الثلاثة ليذهب ذلك العارض فعلى العاقل ان يسارع الى تحصيل الاخوة فى الله ويجتنب عن التحاسد والتباغض والتدابير

هيچ رحمى نه برادر ببرادر دارد

هيچ شوقى نه پدر را بپسر مى بينم

دخترانرا همه جنكست وجدل با مادر

پسران را همه بدخواه پدر مى بينم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قولا وتصديقا اتَّقُوا اللَّهَ فيما لا يرضاه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فى كل شأن من الشؤون اى قائلين بالحق العاملين به ومع الصادقين فى معنى من الصادقين او فى الصادقين لان مع للمصاحبة وفى للوعاء ومن للتبعيض فاذا كانوا فى جهتهم فهم على المعاني الثلاثة اى كونوا فى جملة الصادقين ومصاحبين لهم او لبعضهم وفى الآية دليل على فضل الصدق وعلو درجته وحث عليه قال بعض اهل المعرفة من لم يؤد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض الموقت قيل ما الفرض الدائم قال الصدق

از كجا افتى بكم وكاستى

از همه غم رستى اگر راستى

راستىء خويش نهان كس نكرد

بر سخن راست زيان كست نكرد

وفى الحديث (التجار يحشرون يوم القيامة فجارا الا من اتقى وبر وصدق) الفجار جمع فاجر وهو المنبعث فى المغانى والمحارم سماهم فجارا لما فى البيع والشراء من الايمان الكاذبة والغبن والتدليس والربا الذي لا يتحاشاه أحدهم ولذا قال فى تمام الحديث الا من اتقى اى الكذب وبرّ فى يمينه اى صدق وصدق فى حديثه. وقيل الا من خاف الله فلا يترك او امره ولا يفعل المناهي وبرّ اى احسن فلا يؤذى أحدا ولا يوصل ضررا الى أحد وصدق فى ثمن المتاع

ص: 530

فلم ينفق سلعته بالحلف الكاذب مثل ان يقول للمشترى اشتريت هذا بمائة درهم والله ولم يشتره بها بل اقل منها وبالحلف الكاذب يمحق الله البركة من الثمن وفى الحديث (ان أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا اشتروا لم يدموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا) فالصدق فى كل الأحوال ممدوح وصاحبه محمود فى الدنيا والآخرة دانى ز چهـ رو سرور وآن سر سبزست پيوسته چرا ببوستان سر سبزست چون مذهب اوست راستى در همه وقت بر طرف چمن هميشه زان سر سبزست ثم المطل العارفين فى الصدق فى العبودية والقيام بحقوق الربوبية قال احمد بن الحوارى قلت لابى سليمان الداراني قدس سرهما انى قد غبطت بنى إسرائيل قال بأى شىء قلت بثمانمائة سنة من العمر حتى يصيروا كالشنان البالية وكالحنايا وكالاوتار قال ما ظننت الا وقد جئت بشىء والله ما يريد منا ان تيبس جلودنا على عظامنا ولا يريد منا الا صدق النية فيما عنده هذا إذا صدق فى عشرة ايام نال ما ناله ذاك فى عمره الطويل انتهى فرب عمر اتسعت آماده وقلت إمداده كاعمار بنى إسرائيل إذا كان الواحد منهم يعيش الفا ونحوها ولم يتحصل له شىء مما تحصل لهذه الامة مع كثرة أعمارها ورب عمر قليلة آماده كثيرة إمداده كعمر من فتح عليه من هذه الامة فوصل الى عناية الله بلمحه كما قال الامام الغزالي قدس سره فى منهاج العابدين منهم من يقطع هذه العقبات فى سبعين سنة ومنهم من يقطعها فى عشرين سنة ومنهم من يقطعها فى عشر سنين ومنهم من تحصل له فى سنة ومنهم من يقطعها فى شهر بل فى جمعة بل فى ساعة كسحرة موسى- حكى- ان رابعة البصرية كانت امة كبيرة يطاف بها فى سوق البصرة لا يرغب فيها أحد لكبر سنها فرحمها بعض التجار فاشتراها بنحو مائة درهم فاعتقها فاختارت هذا الطريق فاقبلت على العبادة فما تمت لها سنة حتى زارها علماء البصرة وقراؤها لعظم منزلتها وفى التأويلات النجمية وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ الذين صدقوا يوم الميثاق فيما أجابوا الله عند خطاب ألست بربكم قالوا بلى وصدقوا الله على ما عاهدوه عليه ان لا يعبدوا الا الله ولا يشركوا به شيأ من مقاصد الدنيا والآخرة ويتجردوا عن كل حادث حتى عن الجسم: وفى المثنوى

جوهر صدقت خفى شد در دروغ

همچوطعم روغن اندر طعم دوغ

آن دروغت اين تن فانى بود

راستت آن جان ربانى بود

يقول الفقير أصلحه الله القدير كتب الى حضرة الشيخ قدس سره فى بعض مكاتيبه الشريفة وقال عليكم بالصدق مطلقا نية وعملا وهو يرجع الى الإخلاص جدا بان لا يكون للعبد أصلا باعث فى الحركات والسكنات الا الله تعالى فان مازجه شوب من حظوظ النفس بطل الصدق ويجوز ان يسمى كاذبا ودرجاته لا نهاية لها وقد يكون للعبد صدق فى بعض الأمور دون بعض فان كان صادقا فى الجميع فهو الصديق حقا والصادق والمخلص بالكسر من باب واحد وهو التخلص من شوائب الصفات النفسانية مطلقا والصديق والمخلص بالفتح من

ص: 531

واحد وهو التخلص ايضا من شوائب الغيرية والثاني أوسع فلكا واكثر احاطة فكل صديق ومخلص بالفتح صادق ومخلص بالكسر من غير عكس ثم ذيل كلاما طويلا يتضمن تأويل سورة الانشراح رزقنا الله ذوق كلامه وألحقنا به فى مقامه. ثم الصادقون هم المرشدون الى طريق الوصول فاذا كان السالك فى جملة احبابهم ومن زمرة الخدام فى عتبة بابهم فقد بلغ بمحبتهم وتربيتهم وقوة ولايتهم الى مراتب فى السير الى الله وترك ما سواه قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر ان لم تجر افعالك على مراد غيرك لم يصح لك انتقال عن هواك ولو جاهدت نفسك عمرك فاذا وجدت من يحصل فى نفسك حرمته فاخدمه وكن ميتابين يديه يصرفك كيف يشاء لا تدبير لك فى نفسك معه تعش سعيدا مبادرا لامتثال ما يأمرك به وينهاك عنه فان أمرك بالحرفة فاحترف عن امره لاعن هواك وان أمرك بالقعود قعدت عن امره لا عن هواك فهو اعرف بمصالحك منك فاسع يا بنىّ فى طلب شيخ يرشدك ويعصم خواطرك حتى تكمل ذاتك بالوجود الإلهي وحينئذ تدبر نفسك بالوجود الكشفى الاعتصامى كذا فى مواقع النجوم: وفى المثنوى

چون كزيدى پير نازك دل مباش

سست ورزيده چوآب وگل مباش «1»

چون گرفتى پيرهن تسليم شو

همچوموسى زير حكم خضر رو

شيخ را كه پيشوا ورهبرست

كر مريدى امتحان كرد او خرست «2»

نسأل الله تعالى ان يحفظنا من زيغ الاعتقاد ويثبتنا فى طريق اهل الرشاد ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ اى ما صح وما استقام لهم والمدينة علم بالغلبة لدار الهجرة كالنجم للثريا إذا أطلقت فهى المرادة وان أريد غيرها قيد والنسبة إليها مدنى ولغيرها من المدن مدينى للفرق بينهما كما فى انسان العيون قال الامام النووي لا يعرف فى البلاد اكثر اسماء منها ومن مكة وفى كلام بعضهم لها نحو مائة اسم منها دار الاخبار ودار الأبرار ودار السنة ودار السلامة ودار الفتح والبارة وطابة وطيبة لطيب العيش بها ولان لعطر الطيب بها رائحة لا توجد فى غيرها وترابها شفاء من الجذام ومن البرص بل ومن كل داء وعجوتها شفاء من السم وقد خص الله تعالى مكة والمدينة بانهما لا يخلو ان من اهل العلم والفضل والدين الى ان يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين وهى اى المدينة تخرب قبل يوم القيامة بأربعين عاما ويموت أهلها من الجوع وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ [باديه نشينان] كمزينة وجهينه وأشجع وغفار واضرابهم قال الكاشفي [وتخصيص اهالى مدينة وحوالى بجهت قرب بوده ومعرفت ايشان بخروج آن حضرت عليه السلام بطرف تبوك] أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عند توجهه الى الغزو وإذا استنفرهم واستنهضهم كما فى حواشى ابن الشيخ وهذا نهى ورد بلفظ النفي للتأكيد وَلا ان يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ الباء للتعدية فقولك رغبت عنه معناه أعرضت عنه فعدى بالباء فاذا قلت رغبت بنفسي عنه كأنك قلت جعلت نفسى راغبة عنه. فالمعنى اللغوي فى الآية ولا يجعلوا أنفسهم راغبة ومعرضة عن نفسه عليه السلام وحاصل المعنى لا يصرفوا أنفسهم عن نفسه الكريمة اى عما القى فيه نفسه من شدائد الغزو

(1) در اواخر دفتر يكم در بيان وصيت كردن رسول خدا صلى الله عليه وسلم مر على را إلخ

(2)

در أوائل دفتر چهارم در بيان گفتن جمهودى على رضى الله عنه را كه اگر اعتماد إلخ

ص: 532

وأهوالها ولا يصونها عما لا يصون عنه نفسه بل يكابدوا معه ما يكابده فانه لا ينبغى ان يختاروا لانفسهم الخفض والدعة ورغد العيش ورسول الله فى الحر والمشقة قال الحدادي لا ينبغى ان يكونوا بانفسهم آثر واشفق عن نفس محمد صلى الله عليه وسلم بل عليهم ان يجعلوا أنفسهم وقاية للنبى عليه السلام لما وجب له من الحقوق عليهم بدعائه لهم الى الايمان حتى اهتدوا به ونجوا من النار ذلِكَ اى وجوب المتابعة فان النهى عن التخلف امر بضده الذي هو الأمر بالمتابعة والمشايعة بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم إذا كانوا معه عليه السلام لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ اى عطش يسير وَلا نَصَبٌ ولا تعب ما فى أبدانهم وَلا مَخْمَصَةٌ اى مجاعة ما فِي سَبِيلِ اللَّهِ وإعلاء كلمته وَلا يَطَؤُنَ ولا يدوسون بأرجلهم وحوافر خيولهم واخفاف رواحلهم مَوْطِئاً دوسا فهو مصدر كالموعد او مكانا على ان يكون مفعولا يَغِيظُ الْكُفَّارَ [بخشم آرد كافرانرا] اى لا يبلغون موضيعا من أراضي الكفار من سهل او جبل يغيظ قلوبهم مجاوزة ذلك الموضع فان الإنسان يغيظه ان يطأ ارضه غيره والغيظ انقباض الطبع برؤية ما يسوءه والغضب قوة طلب الانتقام وَلا يَنالُونَ [ونيابند] فان النيل بالفارسية [يافتن] مِنْ عَدُوٍّ من قبلهم نَيْلًا بمعنى الميل على ان يكون مفعولا به اى أي آفة محنة كالقتل والاسر والهزيمة والخوف إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ اى بكل واحد من الأمور المعدودة. قوله الا كتب فى محل النصب على انه حال من ظمأ وما عطف عليه اى لا يصيبهم ظمأ ولا كذا ولا كذا فى حال من الأحوال الا فى حال كونه مكتوبا لهم بذلك عَمَلٌ صالِحٌ وحسنة مقبولة اى استوجبوا به الثواب الجزيل وقال الكاشفى يعنى [بهر يك أزينها كه بديها رسد مستحق ثواب شوند اين عباس كويد بهر ترسى كه از دشمن بدل ايشان رسد هفتاد درجه مى نويسند] هذا ما يدل عليه عامة التفاسير وقال ابن الشيخ فى حواشيه يقال نال منه إذا ازراه ونقصه وصرح بنيل شىء مما يتأذى الكفار من نيله وهذا المعنى غير المعنى الاول كما لا يخفى إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ على إحسانهم وهو تعليل لكتب وتنبيه على ان الجهاد احسان اما فى حق الكفار فلانه سعى فى تكميلهم بأقصى ما يمكن كضرب المداوي للمجنون

سفيهانرا بود تأديب نافع

جنونرا شربت چوبست دافع

واما فى حق المؤمنين فلانه صيانة لهم من سطوة الكفار واستيلائهم وَلا يُنْفِقُونَ فى الجهاد نَفَقَةً صَغِيرَةً [نفقه اندك] ولو تمرة او علافة سوط او نعل فرس وَلا كَبِيرَةً [ونه نفقه بزرگ] مثل ما أنفق عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما فى جيش العسرة وقد سبق عند قوله تعالى الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ الآية فى هذه السورة وَلا يَقْطَعُونَ اى لا يجتازون فى مسيرهم الى ارض الكفار مقبلين ومدبرين وادِياً من الاودية وهو فى الأصل كل منفرج من الجبال والآكام ينفذ فيه المسيل اسم فاعل من ودى يدى إذا سال ثم شاع فى الأرض على الإطلاق إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ اى اثبت لهم فى صحائفهم ذلك الذي فعلوه من الانفاق والقطع لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ بذلك متعلق بكتب أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

ص: 533

مفعول ثان ليجزيهم وما مصدرية اى ليجزيهم جزاء احسن أعمالهم بحذف المضاف فان نفس العمل لا يكون جزاء [درينا بيع فرموده كه اگر مثلا غازى را هزار طاعت باشد ويكى از همه نيكوتر بود حق سبحانه وتعالى آنرا ثوابى عظيم دهد ونهصد ونود ونه ديگر را بطفيل آن قبول كند وهر يك را برابر آن ثوابى ارزانى دارد تا كرم او بنسبت مجاهدان بر همه كس ظاهر گردد] ففى الجهاد فضائل لا توجد فى غيره وهو حرفة النبي عليه السلام وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال مر رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذب فاعجبته فقال لو اعتزلت الناس فاقمت فى هذا الشعب ولن افعل حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لرسول الله فقال (لا تفعل فان مقام أحدكم فى سبيل الله أفضل من صلاته سبعين عاما ألا تحبون ان يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا فى سبيل الله من قاتل فى سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة) قوله فواق ناقة وهو

ما بين رفع يدك عن ضرعها وقت الحلبة ووضعها وقيل هو ما بين الحلبتين. وفى الحديث دلالة على ان الجهاد والتصدي له أفضل من العزلة للعبادة وقال فى فتح القريب يا هذا ليت شعرى من يقوم مقام هذا الصحابي فى عزلته وعبادته وطيب مطعمه ومع هذا قال النبي عليه السلام (لا تفعل) وأرشده الى الجهاد فكيف لواحد منا ان يتركه مع اعمال لا يوثق بها مع قلتها وخطايا لا ينجى معها لكثرتها وجوارح لا تزال مطلقة فيما منعت منه ونفوس جامحة الا عما نهيت عنه ونيات لا يتحقق إخلاصها وتبعات لا يرجى بغير العناية خلاصها: قال الحافظ

كارى كنيم ور نه حجالت بر آورد

روزيكه رخت جان بجهان دگر كشيم

واعلم ان المتخلف بعذر إذا كانت نيته خالصة يشارك المجاهد فى الاجر والثواب كما روى انه عليه السلام لما رجع من غزوة تبوك قال (ان أقواما خلفناهم بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا حبسهم العذر) يعنى يشاركوننا فى استحقاق الثواب لكونهم معنانية وانما تخلفوا عنا للعذر ولولاه لكانوا معنا ذواتا قال ابن الملك ولا يظن منه التساوي فى الثواب لان الله قال فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً انتهى يقول الفقير أصلحه الله القدير هذه الآية مطلقة ساكتة عن بيان العذر وعدمه وقد قيدها الحديث المذكور ولا بعد فى ان يشترك المجاهد والمتخلف لعذر فى الثواب بل تأثير الهمة أشد ورب نية خير من عمل ولهذا شواهد لا تخفى على اولى الألباب والاشارة ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مدينة القلب وأهلها النفس والهوى وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ اعراب الصفات النفسانية والقلبية أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عن رسول الروح إذ هو راجع الى الله وسائر اليه وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ اى عن بذل وجودهم عند بذل وجوده بالفناء فى الله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ من ماء الشهوات وَلا نَصَبٌ من انواع المجاهدات وَلا مَخْمَصَةٌ بتر اللذات وحطام الدنيا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فى طلب الله وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً مقاما من مقامات الفناء يَغِيظُ الْكُفَّارَ كفار النفس والهوى وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ عدو الشيطان والدنيا والنفس نَيْلًا اى بلاء ومحنة وفقرا وفاقة وجهدا وهما وحزنا وعير ذلك من اسباب الفناء إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ من البقاء بالله بقدر الفناء فى الله إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

ص: 534

الفانين فى الله فيبقيهم بالله ليعبدوه على المشاهدة لان الإحسان ان تعبد الله كأنك تراه وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً من بذل الوجود صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً الصغيرة بذل وجود الصفات والكبيرة بذل وجود الذات فى صفات الله تعالى وذاته وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً من اودية الدنيا والآخرة والنفس والهوى والقلب والروح إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بقطع كل واحد من هذه الاودية قربة ومنزلة ودرجة كما قال (من تقرب الىّ شبرا تقربت اليه ذراعا) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ بالبقاء والفناء عن أنفسهم أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى احسن مقام كانوا يعملون العبودية فى طلبه لان طلبهم على قدر معرفتهم ومطمح نظرهم وجزاؤه يضيق عنه نطاق عقولهم وفهو مهم كما قال اعدت لعبادى الصالحين الحديث كما فى التأويلات النجمية وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً اللام لتأكيد النفي اى ما صح وما استقام لهم ان ينفروا اى يخرجوا جميعا لنحو غزو او طلب علم كما لا يستقيم لهم ان يتثبطوا جميعا فان ذلك مخل بامر المعاش فَلَوْلا نَفَرَ [پس چرا بيرون نرود] فلولا تحضيضية مثل هلا وحرف التحضيض إذا دخل على الماضي يفيد التوبيخ على ترك الفعل والتوبيخ انما يكون على ترك الواجب فعلم منه ان الفعل واجب وان قوله فلولا نفر معناه الأمر بالنفير وإيجابه مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ اى من كل جماعة كثيرة كقبيلة واهل بلدة جماعة قليلة ودلت الآية على الفرق بين الفرقة والطائفة بان الفرقة اكثر من الطائفة لان القياس ان ينتزع القليل من الكثير والطائفة تتناول الواحد فما فوقه لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ليتكلفوا الفقاهة فى الدين ويتجشموا مشاق تحصيلها والفقه معرفة أحكام الدين وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ وليجعلوا غاية سعيهم ومعظم غرضهم من الفقاهة ارشاد القوم وإنذارهم وذكر الانذار دون التبشير لانه أهم والتخلية بالمعجمة اقدم من التحلية بالمهملة لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ارادة ان يحذر قومهم عما ينذرون منه وفى الآية دليل على ان التفقه والتذكير من فروض الكفاية وانه ينبغى ان يكون غرض المتعلم الاستقامة والاقامة لا الترفع على الناس بالتصدر والترؤس والتبسط فى البلاد بالملابس والمراكب والعبيد والإماء كما هو ديدن أبناء الزمان والله المستعان. فينبغى ان يطلب المتعلم رضى الله والدار الآخرة وازالة الجهل عن نفسه وعن سائر الجهال واحياء الدين وابقاء الإسلام فان بقاء الإسلام بالعلم ولا يصح الزهد والتقوى بالجهل

علم آمد دليل آگاهى

جهل برهان نقص وگمراهى

پيش ارباب دانش وعرفان

كى بود اين تمام وآن نقصان

وينبغى لطالب العلم ان ينوى به الشكر على نعمة العقل وصحة البدن وسلامة الحواس عملا بقوله تعالى وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وينبغى لطالب العلم ان يختار الأستاذ الأعلم والأورع والأسن بعد التأمل التام كما اختار ابو حنيفة رضى الله عنه حماد قال دخلت البصرة فظننت ان لا اسأل عن شىء الا أجبت عنه فسألونى عن أشياء لم يكن عندى جوابها فحلفت على نفسى ان لا أفارق حمادا فصحبته عشرين سنة وما صليت قط الا ودعوت لشيخى حماد مع والدي ففى

ص: 535

أنفاس الاساتذة الصالحين ودعوات الرجال الكاملين تأثيرات عجيبة- كما حكى- ان أبا ابى حنيفة ثابتا اهدى الفالوذج لعلى بن ابى طالب يوم النيروز ويوم المهرجان فدعا له ولا ولاده بالبركة وكان ثابت يقول انا فى بركة دعوة صدرت من على رضى الله عنه حتى كان يفتخر أولاده العلماء بذلك فاذا وجد الطالب الأستاذ العالم العامل فعليه ان يختار من كل علم أحسنه وأنفعه فى الآخرة فيبدأ بفرض العين وهو علم ما يجب من اعتقاد وفعل وترك ظاهرا وباطنا ويقال له علم الحال اى العلم المحتاج اليه فى الحال قال العز بن عبد السلام العلم الذي هو فرض لازم ثلاثة انواع. الاول علم التوحيد فالذى يتعين عليك منه مقدار ما تعرف به اصول الدين فيجب عليك اولا ان تعرف المعبود ثم تعبده وكيف تعبد من لا تعرفه بأسمائه وصفات ذاته وما يجب له وما يستحيل فى نعته فربما تعتقد شيأ فى صفاته يحالف الحق فتكون عبادتك هباء منثورا. والنوع الثاني علم السر وهو ما يتعلق بالقلب ومساعيه فيفترض على المؤمن علم احوال القلب من التوكل والانابة والخشية والرضى فانه واقع فى جميع الأحوال واجتناب الحرص والغضب والكبر والحسد والعجب والرياء وغير ذلك وهو المراد بقوله عليه السلام (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) إذ لو أريد بالعلم فيه التوحيد فهو حاصل ولو أريد به الصلاة فيجوزان يتأهلها شخص وقت الضحى ويموت قبل الظهر فلا يستقيم العموم المستفاد من لفظ كل واما غيرهما فلا يظهر فلم يبق الا المعاملة القلبية إذ فرضية علمها متحققة فى كل زمان ومكان فى كل شخص. والنوع الثالث علم الشريعة وهو ما يجب عليك فعله من الواجبات الشرعية فيجب عليك علمه لتؤديه على جهة الشرع كما أمرت به وكذا علم كل ما يلزمك تركه من المناهي الشرعية لتتركه وذلك شامل للعبادات والمعاملات فكل من اشتغل بالبيع والشراء وايضا بالحرفة فيجب عليه علم التحرز عن الحرام فى معاملاته وفيما يكسبه فى حرفته واما حفظ ما يقع فى بعض الأحايين ففرض على سبيل الكفاية. والعلوم الشرعية خمسه الكلام والتفسير والحديث والفقه واصول الفقه قال فى عين المعاني المراد بقوله لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ علم الآخرة لاختصاصه بالإنذار والحذر به وعلم الآخرة يشمل علم المعاملة وعلم المكاشفة اما علم المعاملة فهو العلم المقرب اليه تعالى والمبعد عنه ويدخل فيه اعمال الجوارح واعمال القلوب واما علم المكاشفة فهو المراد فيما ورد (فضل العالم على العابد كفضلى على أمتي) إذ غيره تبع للعمل لثبوته شرطا له فاذا فرغ علما وعملا ساغ ان يشرع فى فروض الكفاية كالتفسير والاخبار والفتاوى غير متجاوز الى نوادر المسائل ولا مستغرق مشتغل عن المقصود وهو العمل ويجوز ان يتعلم من علم النجوم قدر ما يعرف به القبلة واوقات الصلاة ويتعلم من علم الطب قدر ما يمكن بمعرفته تداوى الأمراض قال فى الأشباه تعلم العلم يكون فرض عين وهو بقدر ما يحتاج اليه لدينه وفرض كفاية وهو ما زاد عليه لنفع غيره ومندوبا وهو التبحر فى الفقه وعلم القلب وحراما وهو علم الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين والسحر ودخل فى الفلسفة المنطق ومن هذا القسم علم الحروف والموسيقى ومكروها وهو اشعار المولدين من الغزل والبطالة ومباحا كاشعارهم التي لا سخف فيها قال على الخناوى لم أر في

ص: 536

كتب أصحابنا القول بتحريم المنطق ولا يبعد ان يكون وجهه ان يضيع

العمر وايضا ان من اشتغل به يميل الى الفلسفة غالبا فكان المنع منه من قبيل سد الذرائع والا فليس فى المنطق ما ينافى الشرع انتهى قال القهستاني ذكر فى المهمات للاسنوى لا يستنجى بما كتب عليه علم محترم كالنحو واحترز بالمحترم من غيره من الحكميات مثل المنطق انتهى قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر فى مواقع النجوم ولا يكثر مما لا يحتاج اليه فان التكثير مما لا حاجة فيه سبب فى تضييع الوقت على ما هو أهم وذلك ان من لم يعول على ان يلقى نفسه فى درجة الفتيا فى الدين لان فى البلد من ينوب عنه فى ذلك لا يتعين عليه طلب الاحكام كلها إذ هو فى حق الغير طلب فضول العلم انتهى فعلى العاقل ان يتعلم قدر الحاجة ويشتغل بالعمل وفى الحديث (من أحب ان ينظر الى عتقاء الله من النار فلينظر الى المتعلمين فو الذي نفسى بيده ما من متعلم يختلف الى باب العالم الا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة وبنى له بكل قدم مدينة فى الجنة ويمشى على الأرض والأرض تستغفر له ويمشى ويصبح مغفورا له وشهدت له الملائكة بانه من عتقاء الله من النار) وفى نشر العلم والإرشاد به فضائل ايضا قال عليه السلام لمعاذ بن جبل رضى الله عنه حين بعثه الى اليمن (لان يهدى الله بك رجلا خير لك مما تطلع عليه الشمس) والعلماء ورثة الأنبياء فكما انهم اشتغلوا بالابلاغ والإرشاد كذلك ورثتهم فكل مرشد من الورثة ينبغى ان يكون غرضه اقامة جاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه بتكثير اتباعه وقد قال (انى مكاثر بكم الأمم) قال فى العوارف الصوفية أخذوا حظا من علم الدراسة فافادهم علم الدراسة العمل بالعلم فلما عملوا بما علموا أفادهم العمل علم الوراثة فهم مع سائر العلماء فى علومهم وتميزوا عنهم بعلوم زائدة هى علوم الوراثة وعلم الوراثة هو الفقه فى الدين قال الله تعالى فَلَوْلا نَفَرَ الآية فصار الانذار مستفادا من الفقه والانذار احياء المنذر بماء العلم والاحياء رتبة الفقيه فى الدين فصار الفقه فى الدين من أكمل الرتب وأعلاها وهو علم العالم الزاهد فى الدنيا المتقى الذي يبلغ رتبة الانذار بعلمه فمورد الهدى والعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم اولا ورد عليه الهدى والعلم من الله تعالى فارتوى بذلك ظاهرا وباطنا وانتقل من قلبه الى القلوب ومن نفسه الى النفوس ولا يدرك المرء هذا العلم بالتمني بل بالجد والطلب ألا ترى الى الجنيد قيل له بم نلت ما نلت فقال بجلوسى تحت تلك الدرجة ثلاثين سنة وأشار الى درجة فى داره

هر كنج سعادت كه خدا داد بحافظ

از يمن دعاى شب وورد سحرى بود

وفى الآية تحريض للمؤمنين على الخروج من الأوطان لطلب العلم النافع ورحل جابر من المدينة الى مصر لحديث واحد ولذا لم يعد أحد كاملا الا بعد رحلته ولا وصل مقصده الا بعد هجرته وقيل

سافر تجد عوضا عمن تفارقه

وانصب فان اكتساب المجد فى النصب

فالاسد لولا فراق الخيس ما فرست

والسهم لولا فراق القوس لم يصب

: قال سعدى قدس سره

جفا نبرده چهـ دانى تو قدر يار

تحصيل كام دل بتكاپوى خوشترست

قال فى التأويلات النجمية الاشارة فى الآية ان الله تعالى يندب خواص عباده الى رحلة

ص: 537

الصورة والمعنى فاما رحلة الصورة ففى طلب اهل الكمال الكاملين المتكملين الواصلين الموصلين كما ندب موسى الرحلة فى طلب الخضر عليهما السلام واما رحلة المعنى فكما كان حال ابراهيم عليه السلام قال انى ذاهب الى ربى فهو السير من القالب وصفاته الى القلب وصفاته ومن القلب الى الروح وصفاته ومن الروح الى التخلق بأخلاق الله بقدم فناء أوصافه وهو السير الى الله ومن اخلاق الله الى ذات الله بقدم فناء ذاته بتجلى صفات الله وهو السير بالله ومن انانيته الى هويته ومن هويته الى ألوهيته الى ابد الآباد وهو السير بالله من الله الى الله تعالى وتقدس انتهى باختصار يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أقروا بالله وبوحدانيته وصدقوا بحضرة صاحب الرسالة وحقانيته قاتِلُوا الَّذِينَ [كار زار كنيد آنانكه] يَلُونَكُمْ الولي القرب والدنو مِنَ الْكُفَّارِ اى قاتلوا من نحوكم وبقربكم من العدو وجاهدوا الأقرب فالاقرب ولا تدعوا الأقرب وتقصدوا الا بعد فيقصد الأقرب بلادكم وأهاليكم وأولادكم وفيه انهم إذا أمنوا الأقرب كان لهم محاربة الأبعد واعلم ان القتال واجب مع كافة الكفرة قريبهم وبعيدهم ولكن الأقرب فالاقرب أوجب ولذا حارب عليه السلام قومه اولا ثم انتقل الى غزو سائر العرب ثم انتقل عنهم الى غزو الشام وكذا الصحابة رضى الله عنهم لما فرغوا من امر الشام دخلوا العراق وهكذا المفروض على اهل كل ناحية ان يقاتلوا من وليهم ما لم يضر بهم اهل ناحية اخرى وقد وقع امر الدعوة ايضا على هذا الترتيب فانه عليه السلام امر اولا بانذار عشيرته فان الأقرب أحق بالشفقة والاستصلاح لتأكد حقه واختلفوا فى أفضل الأعمال بعد الفرائض. فقال الشافعي رضى الله عنه الصلاة أفضل اعمال البدن وتطوعها أفضل التطوع. وقال احمد لا اعلم شيأ بعد الفرائض أفضل من الجهاد لانه كان حرفة النبي عليه السلام. وقال ابو حنيفة ومالك لا شىء بعد فروض الأعيان من اعمال البر أفضل من العلم لان الأعمال ثبتنى عليه ثم الجهاد وبلغ من علم ابى حنيفة رحمه الله الى ان سمع فى المنام انا عند علم ابى حنيفة بعد ما قيل اين أطلبك يا رسول الله وفى الحديث (اقرب الناس من درجة النبوة اهل العلم واهل الجهاد) اما اهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل واما اهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل والجهاد سبب البقاء إذ لو تركه الناس لغلبهم العدو وقتلهم وفيه الحياة الدائمة فى الآخرة لانه سبب الشهادة التي تورث تلك الحياة والشهداء احياء غير أموات: وفى المثنوى پس زيادتها درون نقصهاست مر شهيدانرا حيات اندر فناست «1» وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً اى شدة وصبرا على القتال قال فى القاموس الغلظة مثلثة ضد الرقة وهذا الكلام من باب لا ارينك هاهنا فانه وان كان على صورة ان ينهى المتكلم نفسه عن رؤية المخاطب هاهنا الا ان المراد نهى المخاطب عن ان يحضر هاهنا فكذا الآية فانها على صورة امر الكفار بان يجدوا من المؤمنين غلظة لكن المعنى على امر المؤمنين بان يعاملوا الكفار بالغلظة والخشونة على طريق الكناية حيث ذكر اللازم وأريد الملزوم: وفى المثنوى

هر پيمبر سخت روبد در جهان

يكسواره گفت بر جيش شهان «2»

رو نكردانيد از ترس وغمى

يك تن تنها بزد بر عالمى

(1) در اواخر دفتر يكم در بيان گفتن پيغمبر بگوش ركابدار امير المؤمنين على رضى الله عنه إلخ

(2)

در اواخر دفتر سوم در بيان جواب گفتن مهمان ايشانرا إلخ

ص: 538

گوسفندان گر برونند از حساب

زانبهشان كى بترسد آن قصاب

قيل للاسكندر فى عسكر دارا الف الف مقاتل فقال ان القصاب لا تهوله كثرة الأغنام والعرب تقول الشجاعة وقاية والجبن مقتلة فاعتبروا بان من يقتل مدبرا اكثر ممن يقتل مقبلا: قال السعدي قدس سره

آنكه چنك آرد بخون خويش بازي ميكند

روز ميدان وانكه بگريزد بخون لشكرى

: ونعم ما قيل

زهره مردان ندارى چون زنان در خانه باش

ور بميدان ميروى از تير باران بر مگرد

واعلم ان السلاطين والوزراء والوكلاء بالنسبة الى العسكر كالقلب بالنسبة الى الأعضاء فكما ان القلب إذا صلح الجسد كله فكذا الرئيس إذا ثبت واظهر الشجاعة ثبت الجيش كله [بهرام گفت هر آنكه سر تاج دارد بايد كه دل از سر بر دارد هر آنكه پاى نهد در نگار خانه ملك يقين كه مال وسر وهر چهـ هست دربازد] وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ بالحراسة والاعانة والمراد بالمعية الولاية الدائمة وادخل مع على المتقين مع اختصاصه بالمتبوع لكونهم المباشرين للقتال ووضع المظهر موضع المضمر اى معكم اشارة الى علة النصرة وهى التقوى كأنه قيل واعلموا ان نصرة الله معكم بسبب تقواكم بالتوحيد والإسلام والايمان والطاعة عن الإشراك والكفر والنفاق والعصيان فى مرتبة الشريعة وبالله عن جميع ما سوى الله فى مرتبة الحقيقة لا مع الكفار المشركين المنافقين العاصين وان أعطاهم لوازم القتال مكرا واستدراجا كما أعطاكموه كموها كرما وإحسانا وبقدر تقواكم بالحق عن الخلق يسخر الله لكم الخلق وبقدر تسخيركم لله قواكم النفسانية يسخر الله لكم الكفار وبقدر تسخيركم لله قواكم الروحانية يسخر الله لكم المؤمنين قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر فى مواقع النجوم اعلم يا بنى ان الله جل ثناؤه لما أراد ان يرقى عبده الخصوصى الى المقامات العلية قرب منه أعداءه حتى يعظم جهاده لهم ويشتغل بمحاربتهم اولا قبل محاربة غيرهم من الأعداء الذين هم منه ابعد قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ الآية وحظ الصوفي وكل موفق من هذه الآية ان ينظر فيها الى نفسه الامارة بالسوء التي تحمله على كل محظور ومكروه وتعدل به عن كل واجب ومندوب للمخالفة التي جبلها الله عليها وهى اقرب الكفار والأعداء اليه فاذا جاهدها وقتلها او أسرها فحينئذ يصح له ان ينظر فى الاعيار على حسب ما يقتضيه مقامه وتعطيه منزلته فالنفس أشد الأعداء شكيمة وأقواهم عزيمة فجهادها هو الجهاد الأكبر ومعنى الجهاد مخالفة هواها وتبديل صفاتها وحملها على طاعة الله: وفى المثنوى

اى شهان كشتيم ما خصم برون

ماند خصم زو بتر در اندرون

قد رجعنا من جهاد الاصغريم

با عدو اندر جهاد الاكبريم

سهل شيرى دانكه صفها بشكند

شير آن ست آنكه خود را بشكند

وللنفس سيفان ما ضيان تقطع بهما رقاب صناديد الرحال وعظمائهم وهما شهوتا البطن والفرج وشهوة البطن أقوى وأشد من شهوة الفرج لانه ليس لها تأييد إلا من سلطان شهوة البطن

ص: 539

زان ندارى ميوه مانند بيد

كآب روبردى پى نان سپيد

فما ملىء وعاء شر من بطن ملىء بالحلال هذا إذا كان القوت حلالا فكيف إذا كان حراما فالطعام والإكثار منه قاطع عن الطريق وعن عيسى عليه السلام يا معشر الحواريين جوعوا بطونكم وعطشوا أكبادكم لعل قلوبكم ترى الله تعالى وكذا الكلام وكذا التأذى بأذى الأنام فعليه بالصبر وان لا يجدهم مؤذين لانه موحد فيستوى عنده المسيء والمحسن فى حقه بل ينبغى ان يرى المسيء محسنا وكذا المنام قال بعض العلماء من سهر أربعين ليلة خالصا كوشف بملكوت السموات أيقظنا الله وإياكم من رقدة الغفلة انه مجيب الدعوة وَإِذا ما كلمه ما صلة مؤكدة لارتباط الجزاء بالشرط أُنْزِلَتْ سُورَةٌ من سور القرآن وعددها مائة واربع عشرة بالإجماع والسورة طائفة من كلامه تعالى فَمِنْهُمْ اى المنافقين مَنْ يَقُولُ لاخوانه إنكارا واستهزاء أَيُّكُمْ مبتدأ وما بعده خبره زادَتْهُ هذِهِ السورة إِيماناً مفعول زادته وإيراد الزيادة مع انه لا ايمان فيهم أصلا باعتبار اعتقاد المؤمنين. وفيه اشارة الى ان الاستهزاء من علامات النفاق وامارات الإنكار ثم أجاب الله تعالى عن انكارهم واستهزائهم من يعتقد زيادة الايمان بزيادة العلم الحاصل بالوحى والعمل به فقال فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بالله تعالى وبما جاء من عنده فَزادَتْهُمْ إِيماناً هذا بحسب المتعلق وهو مخصوص بزمان النبي عليه السلام واما الآن فالمذهب على الايمان لا يزيد ولا ينقص وانما تتفاوت درجاته قوة وضعفا فانه ليس من يعرف الشيء اجمالا كمن يعرفه تفصيلا كما ان من رأى الشيء من بعيد ليس كمن يراه من قريب فصورة الايمان هو التصديق القلبي اجمالا وتفصيلا وحقيقته الإحسان الذي هو ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك وحقيقة الإحسان مرتبة كنت سمعه وبصره التي هى قرب النوافل وفوقها مرتبة قرب الفرائض المشار اليه بقوله سمع الله لمن حمده. والحاصل ان من اعتقد الكعبة إذا رآها من بعيد فوى يقينه ثم إذا قرب منها كمل ثم إذا دخل ازداد الكمال ولا تفاوت فى اصل الاعتقاد وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بنزولها وبما فيه من المنافع الدينية والدنيوية وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ اى كفرو سوء عقيدة قال الحدادي سمى الله النفاق مرضا لان الحيرة فى القلب مرض القلب كما ان الوجع فى البدن مرض البدن يقول الفقير كل منهما مؤد الى الهلاك. اما المرض الظاهر فالى هلاك الجسم. واما المرض الباطن فالى هلاك الروح فلا بد من معالجة كل منهما بحسب ما يليق به فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ اى كفرا بها مضموما الى الكفر وعقائد باطلة وأخلاقا ذميمة كذلك والفرق بين الرجس والنجس ان الرجس اكثر ما يستعمل فيما يستقذر عقلا والنجس اكثر ما يستعمل فيما يستقذر طبعا وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ اى واستحكم ذلك الى ان يموتوا عليه بين الله تعالى ان بنزول سورة من السماء حصل للمؤمنين أمران زيادة الايمان والاستبشار وحصل للمنافقين أمران مقابلان لهما زيادة الرجس والموت على الكفر وفى الحديث (ان الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين) يعنى ان من آمن بالقرآن وعظم شأنه وعمل به يرفع الله درجته فى الآخرة ويرزقه عزة وشرفا ومن لم يؤمن به او لم

ص: 540

يعمل به او لم يعظم شأنه خذله الله فى الدنيا والآخرة أَوَلا يَرَوْنَ الهمزة للانكار والتوبيخ والواو للعطف على مقدر اى لا ينظر المنافقون ولا يرون أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ من الأعوام بالفارسية [در هر سالى] مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ والمراد مجرد التكثير لا بيان الوقوع حسب العدد المزبور اى يبتلون بأصناف البليات من المرض والشدة وغير ذلك مما يذكر الذنوب والوقوف بين يدى رب العزة فيؤدى الى الايمان به تعالى ثُمَّ لا يَتُوبُونَ عطف على لا يرون داخل تحت الإنكار والتوبيخ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ والمعنى أولا يرون افتتانهم الموجب لايمانهم ثم لا يتوبون عماهم عليه من النفاق ولا هم يتذكرون بتلك الفتن الموجبة للتذكر والتوبة قال فى التأويلات النجمية هذه الفتنة موجبة لانتباه القلب الحي وقلوبهم ميتة والقلب الميت لا يرجع الى الله ولا يؤثر فيه نصح الناصحين كما قال إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وقال لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا: وفى المثنوى

ور نكوئى عيب خود بارى خمش

از نمايش واز دغل خود را مكش «1»

كر تو نقدى يافتى مكشا دهان

هست در ره سنگهاى امتحان

گفت يزدان از ولادت تا بحين

يفتنون كل عام مرتين

امتحان بر امتحانست اى پسر

هين بكمتر امتحان خود را محر

ماهيانرا بحر نگذارد برون

خاكيانرا بحر نگذارد درون «2»

وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ بيان لاحوالهم عند نزولها فى محفل تبليغ الوحى كما ان الاول بيان لمقالاتهم وهم غائبون عنه نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ المراد بالنظر النظر المخصوص الدال على الطعن فى تلك السورة والاستهزاء بها اى تغامزوا بالعيون إنكارا لها وسخرية هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ اى قائلين هل يراكم من أحد من المسلمين لينصرفوا من المسجد والمجلس مظهرين انهم لا يضطربون عند استماعها ويغلب عليهم الضحك فيفتضحون ثُمَّ انْصَرَفُوا عطف على نظر بعضهم والتراخي باعتبار وجدان الفرصة والوقوف على عدم رؤية أحد من المؤمنين اى انصرفوا جميعا عن محفل الوحى خوفا من الافتضاح. والمعنى يقول بعضهم لبعض هل يراكم من أحد من المؤمنين ان قمتم من مجلسكم فان لم يرهم أحد خرجوا من المسجد وان علموا ان أحد يراهم أقاموا فيه وثبتوا حتى يفرغ عليه السلام من خطبته ثم انصرفوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ اى عن الايمان حسب انصرافهم عن المجلس والجملة اخبارية او دعائية بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ لسوء الفهم او لعدم التدبر وفى التأويلات النجمية ليس فقه القلب فان فقه القلب من امارات حياة القلب وهو نور يهتدى به الى الحق كما ان الجهل ظلمة يقيم عندها ولا يدرى ماذا يفعل اللهم اجعلنا من المتدبرين والمتذكرين والمعتبرين قال بعض العلماء اصحاب القلوب من الانس ثلاثة اصناف. صنف كالبهائم قال الله تعالى لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها. وصنف أجسادهم أجساد بنى آدم وأرواحهم أرواح الشياطين. وصنف فى ظل الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله وعن ابى بكر الوراق رحمه الله انه قال للقلب ستة أشياء حياة وموت وصحة وسقم ويقظة

(1) در أوائل دفتر سوم در بيان چرب كردن مرد لا فى لب وسبلت خود را إلخ

(2)

در اواخر دفتر سوم در بيان حكايت امير وغلامش كه نماز باره بود وانس غلام در نماز ومناجات

ص: 541

ونوم فحياته الهدى ونومه الضلالة وصحته الصفاء وعلته العلاقة ويقظته الذكر ونومه الغفلة وفى المثنوى

هر صباحى چون سليمان آمدى

خاضع اندر مسجد أقصى شدى «1»

نو گياهى رسته ديدى اندرو

پس بگفتى نام ونفع خود بگو

تو چهـ داروئى و چهـ تامت چهـ است

تو زيان كه ونفعت بر كيست

پس بگفتى هر كيوهى فعل ونام

كه من آنرا جانم واين را حمام

پس سليمان ديد اندر كوشه

نو گياهى رسته همچون خوشه «2»

گفت نامت چيست بر كوبى دهان

گفت خروبست اى شاه جهان

گفت اندر تو چهـ خاصيت بود

گفت من رستم مكان ويران شود

من كه حروبم خراب منزلم

هادم بنياد اين آب وكلم

پس سليمان آن زمان دانست زود

كه أجل آمد سفر خواهد نمود

گفت تا من هستم اين مسجد يقين

در خلل نايد ز آفات زمين

پس خراب مسجد ما بيكمان

نبود الا بعد مرك ما بدان

مسجدست اين دل كه چشمش ساجدست

يار بد خروب هر جا مسجدست

يار بد چون رست در تو مهر او

هين ازو بگريز وكم كن گفت وكو

بر كن از بيخش كه گر سر بر زند

مر ترا ومسجدت را بر كند

لَقَدْ جاءَكُمْ يحتمل ان يكون الخطاب للعرب والعجم جميعا. فالمعنى بالله قد جاءكم ايها الناس رَسُولٌ اى رسول عظيم الشان والرسول انسان بعثه الله تعالى الى الخلق لتبليغ الاحكام مِنْ أَنْفُسِكُمْ اى من جنسكم آدمي مثلكم لامن الملائكة ولا من غيرهم وذلك لئلا يتنفروا عنه ويمتنعوا من متابعته ويقولوا لا طاقة لنا بمتابعته لانه ليس من جنسنا يؤيده قوله تعالى قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وقوله تعالى لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ إذ لفظ المؤمنين عام لكل مؤمن من كل صنف فيكون معنى من أنفسهم اى من جنسهم لان الملك وكذا الجن لعدم جنسيته ولكونه غير مدرك بالحواس الخمس لا ينتفع به فاحتاج الى واسطة جنسية ذى جهتين جهة التجرد لتمكن الاستفاضة من جانب القدس وجهة التعلق لتمكن الافاضة الى جانب الخلق وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه يظهر انه لكمال لطافته يمكن ان يستفيض منه الجن ايضا لكونهم أجساما لطفية ولذا دعاهم دعوة البشر

مشعله افروز شب خاكيان

سمع سرا پرده افلاكيان

ويحتمل ان يكون الخطاب للعرب خاصة. فالمعنى بالله قد جاءكم أيتها العرب رسول عربى مثلكم وعلى لغتكم وذلك اقرب الى الالفة وابعد من اللجاجة واسرع الى فهم الحجة فان الإرشاد لا يحصل الا بمعرفة اللسان- حكى- ان اربعة نفر عجمى وعربى وتركى ورومى وجدوا فى طريق درهما فاختلفوا فيه ولم يعرف ولم يفهم واحد منهم مراد الآخر فسأل منهم رجل

(1) در أوائل دفتر چهارم در بيان در آمدن سليمان هر روز در مسجد أقصى إلخ

(2)

در أوائل دفتر جهارم در بيان غمگين شدن سليمان عليه السلام از خروب رستن إلخ

ص: 542

آخر يعرف الالسنة فقال للعربى ايش تريد وللعجمى [چهـ ميخواهى] مثلا وعلم ان مراد الكل ان يأخذوا بذلك الدرهم عنبا فاخذ العارف الدرهم منهم واشترى لهم عنبا فارتفع الخلاف من بينهم. وقرىء من أنفسكم بفتح الفاء اى من أشرفكم وأفضلكم من النفاسة وبالفارسية [عزيز شدن] وشىء نفيس اى خطير وذلك لان محمدا صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب وفى كلاب يجتمع نسب أبيه وامه لان امه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وبنوا هاشم أفضل القبائل الى إسماعيل عليه السلام من جهة الخصال الحميدة وكلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر واجمع النسابون على ان قريشا انما تفرقت عن فهر فهو جماع قريش وانما سمى فهر قريشا لانه كان يقرش اى يفتش عن حاجة المحتاج فيسدها بماله وكان بنوه يقرشون اهل الموسم عن حوائجهم فيرفدونهم فسموا بذلك قريشا والرفادة طعام الحاج ايام الموسم حتى يتفرقوا فان قريشا كانت على زمن قصى تخرج من أموالها فى كل موسم شيأ فتدفعه الى قصى فيصنع به طعاما للحاج يأكل منه من لم يكن له سعة ولا زاد حتى قام بها ولده عبد مناف ثم بعد عبد مناف ولده هاشم ثم بعد هاشم ولده عبد المطلب ثم ولده ابو طالب وقيل ولده العباس ثم استمر ذلك الى زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء بعده ثم استمر ذلك فى الخلفاء الى ان انقرضت الخلافة من بغداد ثم من مصر وعن انس بن مالك رضى الله عنه (حب قريش ايمان وبغضهم كفر) وفى الحديث (عالم قريش يملأ طباق الأرض علما) وعن الامام احمد رحمه الله هذا العالم هو الشافعي لانه لم ينتشر فى طباق الأرض من علم علماء قريش من الصحابة وغيرهم ما انتشر من علم الامام الشافعي ويجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عبد مناف وهو الجد التاسع للشافعى رحمه الله وفى الحديث (انه أنفسكم نسبا وصهرا وحسبا ليس فى آبائي من لدن آدم سفاح كلها نكاح) وذلك لانه لا يجيىء من الزنى ولى فكيف نبى والاشارة فيه الى نفاسة جوهره فى اصل الخلقة لانه أول جوهر خلقه الله تعالى وعن ابى هريرة انه عليه السلام سأل جبريل عليه السلام فقال (يا جبريل كم عمرك من السنين) فقال يا رسول الله لست اعلم غير ان فى الحجاب الرابع نجما يطلع فى كل سبعين الف سنة مرة رأيته اثنين وسبعين الف مرة فقال عليه السلام (يا جبريل وعزة ربى انا ذلك الكوكب) ولما خلق الله آدم جعل نور حبيبه فى ظهره فكان يلمع فى جبينه ثم انتقل الى ولده شيث الذي هو وصيه والثالث من ولده وكانت حواء تلد ذكرا وأنثى معا ولم تلد ولدا منفردا الا شيث كرامة لهذا النور ثم انتقل الى واحد بعد واحد من أولاده الى ان وصل الى عبد المطلب ثم الى ابنه عبد الله ثم الى آمنة وكان عليه السلام علة غائية لوجود كل كون فوجوده الشريف وعنصره اللطيف أفضل الموجودات الكونية وروحه المطهر أمثل الأرواح القدسية وقبيلته أفضل القبائل ولسانه خير الالسنة وكتابه خير الكتب الإلهية وآله وأصحابه خير الآل وخير الاصحاب وزمان ولادته خير الأزمان وروضته المنورة أعلى الأماكن مطلقا والماء الذي نبع من أصابعه الشريفة أفضل المياه مطلقا

ص: 543

ثم بعده الأفضل ماء زمزم لانه غسل منه صدره عليه السلام ليلة المعراج ولو كان ماء أفضل منه يغسل به صدره عليه السلام. ثم ان فى قوله لَقَدْ جاءَكُمْ اشارة الى انه صلى الله عليه وسلم هدية عظيمة من الله تعالى وتحفة جسيمة ولا يعرض عن هدية الله تعالى الا الكافرون والمنافقون: قال حضرة الشيخ العطار قدس سره

خويشتن را خواجه عرصات گفت

انما انا رحمة مهداة گفت

عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ العزيز الغالب الشديد وكلمة ما مصدرية والعنت الوقوع فى امر شاق وأشق الأمور دخول النار والجملة من الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر صفة رسول. والمعنى شاق شديد عليه عنتكم اى ما يلحقكم من المشقة والألم بترك الايمان فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع فى العذاب وهذا من نتائج ما سلف من المجانسة قال

الكاشفى [وبعضى بر لفظ عزيز وقف كرده اند وآنرا صفة رسول دانند ومعنى عليه ما عنتم برين فرود آرند كه بر اوست آنچهـ بكنيد از گناه يعنى اعتذار آن برويست در روز قيامت بشفاعت تدارك آن خواهد نمود ودرين معنى گفته اند]

نماند بعصيان كسى در گرو

كه دارد چنين سيدى پيش رو

اگر دفترت از كنه پاك نيست

چواو عذر خواهت بود باك نيست

حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ اى على ايمانكم وصلاح أحوالكم إذ من البين انه عليه السلام ليس حريصا على ذواتهم والحرص شدة الطلب للشىء مع اجتهاد فيه كما فى تفسير الحدادي بِالْمُؤْمِنِينَ متعلق بقوله رَؤُفٌ رَحِيمٌ قدم الأبلغ منهما وهو الرؤوف لان الرأفة شدة الرحمة مع ان مقام المدح يقتضى الترقي من الفاضل الى الأفضل محافظة على الفواصل وقدم بالمؤمنين على متعلقه وهو رؤف ليفيد الاختصاص اى لا رأفة ولا رحمة الا بالمؤمنين واما الكفار فليس له عليهم رأفة ولا رحمة قال فى التأويلات النجمية بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ لتربيتهم فى الدين المتين بالرفق كما قال عليه السلام (ان هذا الدين متين فاوغلوا فيه بالرفق وبالرحمة يعفو عنهم سيآتهم) كما امره الله تعالى بقوله فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ وفى قوله بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فى حق نبيه عليه السلام وفى قوله لنفسه تعالى إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ دقيقة لطيفة شريفة وهى ان النبي صلى الله عليه وسلم لما كان مخلوقا كانت رأفته ورحمته مخلوقة فصارت مخصوصة بالمؤمنين لضعف الخلقة وان الله تعالى لما كان خالقا كانت رأفته ورحمته قديمة فكانت عامة للناس لقوة خالقيته كما قال وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فمن تداركته الرأفة والرحمة الخالقية من الناس كان قابلا للرأفة والرحمة النبوية لانها كانت من نتائج الرأفة والرحمة الخالقية كما قال فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ انتهى كلام التأويلات قال بعض الحكماء ان الله تعالى خلق محمدا اى روحه وجعل له صورة روحانية كهيئته فى الدنيا فجعل رأسه من البركة وعينيه من الحياء واذنيه من العبرة ولسانه من الذكر وشفتيه من التسبيح ووجهه من الرضى وصدره من الإخلاص وقلبه من الرحمة وفؤاده من الشفقة وكفيه من السخاوة وشعره من نبات الجنة وريقه من عسل الجنة ألا ترى انه تفل فى بئر رومة فى المدينة وكان ماؤها زعاقا

ص: 544

فصار عذبا ولما أكمله بهذه الصفات أرسله الى هذه الامة- روى- انه لما مات ابو طالب ونالت قريش من النبي عليه السلام ما لم تكن نالته منه فى حياته خرج الى الطائف وهو مكروب مشوش الخاطر مما لقى من قريش من قرابته وعترته خصوصا من عمه ابى لهب وزوجته أم جميل حمالة الحطب من الهجو والسب والتكذيب يقولون له أنت الذي جعلت الآلهة الها واحدا فجعل أبو بكر يضرب هذا ويدفع هذا ويقول أتقتلون رجلا ان يقول ربى الله وكان خروجه فى شوال سنة عشر من النبوة وحده وقيل معه مولاه زيد بن حارثة رضى الله عنه يلتمس من ثقيف الإسلام رجاء ان يسلموا وان يناصروه على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه وكان ثقيف أخواله عليه السلام فلما انتهى الى الطائف عمد الى اشراف ثقيف وكانوا اخوة ثلاثة فجلس إليهم وكلمهم فيما جاءهم به فقال أحدهم هو يقطع ثياب الكعبة ولا يسرقها وقال آخر ما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال له الثالث والله لا أكلمك ابدا لئن كنت رسولا من عند الله كما تقول لانت أعظم خطرا اى قدرا من ان أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى لى ان أكلمك فقام عليه السلام من عندهم مأيوسا وقال لهم اكتموا على وكره ان يبلغ قومه ذلك فيشتد أمرهم عليه وقالوا له عليه السلام اخرج من بلدنا وسلطوا عليه سفهاءهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وقعدوا له صفين على طريقه فلما مر عليه السلام بين الصفين دقوا رجليه بالحجارة حتى ادموهما وشجوا رأس زيد فلما خلص ورجلاه يسيلان دما عمد الى بستان فاستظل فى شجرة كرم ودعا بقوله (اللهم انى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس يا ارحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى الى من تكلنى ان لم يكن لك غضب على فلا أبالي) ثم انطلق عليه السلام وهو مهموم حتى اتى بقرن الثعالب وهو ميقات اهل نجد او اليمن وبينه وبين مكة يوم وليلة فارسل الله تعالى جبريل ومعه ملك الجبال فقال ان شئت أطبقت على ثقيف هذين الجبلين فقال عليه السلام (بل ارجوا ان يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالى لا يشرك به شيأ) وعند ذلك قال له عليه السلام ملك الجبالة أنت كما سماك ربك رؤف رحيم: وفى المثنوى

بندگان حق رحيم وبردبار

خوى حق دارند در إصلاح كار «1»

مهربان بي رشوتان يارى گران

در مقام سخت ودر روز كران

اى سليمان در ميان زاغ وباز

حلم حق شو با همه مرغان بساز «2»

اى دو صد بلقيس حلمت را زبون

كه اهد قومى انهم لا يعلمون

صد هزاران كيميا حق آفريد

كيميائى همچوصبر آدم نديد «3»

نسأل الله سبحانه ان يلحقنا باهل الحلم والكرم ويزكينا من سوء الأخلاق والشيم فَإِنْ تَوَلَّوْا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم اى ان اعرضوا عن الايمان بك وقبول نصحك ولم يتبعوك فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ كافينى فانه يكفيك معرتهم اى المساءة التي تلحقك من قبلهم ويعينك عليهم. وفيه اشارة الى ان تبليغ الرسالة من النبي عليه السلام كان موجبا لقربه الى الله وقبوله إياه فلما بلغ رسالته فقد حصل على القبول من الله وقربته ان قبلوا

(1) در اواسط دفتر سوم در بيان دعا وشفقت دقوقى در خلاصى كشتى

(2)

در أوائل دفتر چهارم در بيان تحمل كردن از هر بي إلخ

(3)

در اواسط دفتر سوم در بيان صبر كردن لقمان عليه السلام چون ديد كه داود عليه السلام إلخ

ص: 545

وان اعرضوا لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كالدليل على ما قبله يقول الفقير أصلحه الله القدير هذه الكلمة الطيبة فى حكم لا اله الا الله لان الضمير عائد الى المذكور من لفظ الجلالة وكون هو ضميرا لا ينافى كونه اسما لان المضمرات من قبيل الأسماء فما اشتهر بين الصوفية السالكين من الذكر به بناء على كونه اسما ولما كان وجود الكون موهوما ووجود الحق محققا معلوما صح ان يشار به الى الله تعالى سيما اطلق لعدم المزاحم فى الحقيقة والذكر به مناسب للمبتدىء لكونه فى حال الغيبة فاذا ترقى الترقي الكلى فلا يشار به اى بهو الا الى الهوية المطلقة نسأل الله التوفيق للوصول الى مراتب التحقيق عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ اى وثقت فلا أرجو ولا أخاف إلا منه والتوكل اعتماد القلب على الله وسكونه وعدم اضطرابه لتعلقه بالله تعالى وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [پروردگار عرش بزرگ مراد ملك عظيم است يا عرش كه قبله دعا ومطاف ملائكه باشد اشارت بكمال قدرت وحفظ حق تعالى راست: يعنى آن خدايى كه عرش را بدان همه عظمت كه هشت هزار ركن دارد وبروايتى سيصد هزار قاعده واز قاعده تا قاعده سيصد هزار سال راه وهمه آن مملو از خافات وصافات بقدرت كامله نكاه ميدارد قادرست كه مرا نيز از شر منافقان در پناه آرد كه حافظ بندگان وناصر سرافكندگان اوست]

ازو خواه يارى كه يارى ده اوست

بدو التجا كن كه اينها ازوست

كسى را كه او آورد در پناه

چهـ غم دارد از فتنه كينه خواه

قال الحدادي رب العرش العظيم اى خالق السرير العظيم الذي هو أعظم من السموات والأرض وانما خص العرش بذلك لانه إذا كان رب العرش العظيم مع عظمته كان رب ما دونه فى العظم. وقيل انما خص العرش تشريفا للعرش وتعظيما لشأنه واعلم ان العناصر والافلاك مرتبة فالارض ثم الماء ثم الهواء ثم النار ثم فلك القمر ثم فلك عطارة ثم فلك الزهرة ثم فلك الشمس ثم فلك المريخ ثم فلك المشترى ثم فلك زحل ثم فلك الثوابت ثم فلك الافلاك ويسمى الفلك الأعظم وهو محيط بجميع الأجسام من الفلكيات والعناصر ليس وراءه شىء لاخلاء ولا ملاء وكل محيط من الافلاك والعناصر يماس المحاط الذي يليه فى الترتيب المذكور لاستحالة الخلاء وجملة هذه الاجرام من الافلاك والعناصر وما فيها يطلق عليها اسم العالم قال بعض اهل التحقيق خلق الله العرش لاظهار شرف محمد صلى الله عليه وسلم وهو قوله عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً وهو مقام تحت العرش ولان العرش معدن كتاب الأبرار لقوله تعالى إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وايضا العرش مرآة الملائكة يرون الآدميين وأحوالهم منه كى يشهدوا عليهم يوم القيامة فان عالم المثال والتمثال فى العرش كالاطلس فى الكرسي قال حضرة شيخنا قدس سره فى الرسالة العرفانية التي صنفها فى سنة تسع وثمانين بعد الالف العرش العظيم هو الإنسان الكبير والعرش الكريم هو الإنسان الصغير فظاهر العرش العظيم والإنسان الكبير على التبدل والتغير وباطنهما على الدوام والثبات وباطن العرش الكريم والإنسان الصغير على التبدل والتغير وظاهرهما على الدوام والثبات انتهى اجمالا يقول الفقير المباهي بالانتساب الى ذلك السيد الخطير لعل مراده رضى الله عنه ان باطن

ص: 546

العرش العظيم هو العرش المحيط الذي يقال له الملكوت وظاهره ما تحته من الاجرام ويقال له عالم الكون والفساد فظاهر العرش لكونه عالم الكون والفساد على التبدل والتغير وباطنه وهو العرش نفسه على حاله بخلاف العرش الكريم الذي هو الإنسان فان ظاهره من أول عمره الى آخره على الثبات وباطنه على التغير لان قلبه لا يخلو عن الافكار والتقلبات والله تعالى رب العرش العظيم ورب العرش الكريم فى الظاهر والباطن والاول والآخر هذا وقد ذكر فى فضائل هاتين الآيتين اللتين إحداهما لَقَدْ جاءَكُمْ الآية والاخرى فَإِنْ تَوَلَّوْا الآية- روى- ان أبا بكر بن مجاهد المقري رحمه الله اتى اليه أبو بكر الشبلي قدس سره فدخل عليه فى مسجده فقام اليه فتحدث اصحاب ابن مجاهد بحديثهما وقالوا أنت لم تقم لعلى بن عيسى الوزير وتقوم للشبلى فقال الا أقوم لمن يعظمه رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النوم فقال لى يا أبا بكر إذا كان فى غد فسيدخل عليك رجل من اهل الجنة فاذا دخل فاكرمه قال ابن مجاهد قلما كان بعد ذلك بليلتين رأيت النبي عليه السلام فقال لى يا أبا بكر أكرمك الله كما أكرمت رجلا من اهل الجنة قلت يا رسول الله بم استحق الشبلي هذا منك فقال هذا رجل يصلى خمس صلوات يذكرنى اثر كل صلاة ويقرأ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ الى آخر السورة وذلك منذ ثمانين سنة أفلا أكرم من فعل هذا كذا فى عقد الدرر واللآلى وفيه ايضا حكى عن بعض الصالحين انه حصل له ضيق شديد فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فى المنام فقال له يا فلان لا تغتم ولا تحزن إذا كان الغد ادخل على على بن عيسى الوزير فاقرئه منى السلام وقل له بعلامة انك صليت على عند قبرى اربعة آلاف مرة يدفع لك مائة دينار عينا فلما أصبح ذهب اليه وقص عليه الرؤيا فاغر ورقت عينا علىّ بن عيسى بالدموع وقال صدق الله ورسوله وصدقت أنت يا رحل هذا شىء ما كان علم به الا الله ورسوله يا غلام هات الكيس فاحضره بين يديه فاخرج منه ثلاثمائة دينار وقال هذه المائة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه المائة الاخرى بشارة وهذه المائة الاخرى هدية لك فخرج الرجل من عنده ومعه ثلاثمائة دينار وقد زال همه وغمه ومن الله على الوزير المذكور

فترك الوزارة وعلو الرياسة وظلم السلطنة وعظمة الجبابرة وذهب الى مكة وجاور فيها ببركة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وتخصيصه بإرسال ذلك الرجل لما سبق له فى علم الله تعالى بما يؤول امره اليه من الخير وحسن الخاتمة خدايا بحق نبى فاطمه كه بر قول ايمان كنم خاتمه وعن أبيّ رضى الله عنه (ان آخر ما نزل هاتان الآيتان) وعن النبي صلى الله عليه وسلم (ما نزل القرآن علىّ الا آية آية وحرفا حرفا ما خلا سورة براءة وسورة قل هو الله أحد فانهما أنزلتا علىّ ومعهما سبعون الف صف من الملائكة) واعلم ان الأحاديث التي ذكرها صاحب الكشاف فى اواخر السورة وتبعه القاضي البيضاوي والمولى ابو السعود رحمهم الله من اجلة المفسرين قد اكثر العلماء القول فيها فمن مثبت ومن ناف بناء على زعم وضعها كالامام الصغاني وغيره واللائح لهذا العبد الفقير سامحه الله القدير ان تلك الأحاديث لا تخلوا اما ان تكون صحيحة قوية او سقيمة ضعيفة او مكذوبة موضوعة فان كانت صحيحة قوية فلا كلام

ص: 547

فيها وان كانت ضعيفة الأسانيد فقد اتفق المحدثون على ان الحديث الضعيف يجوز العمل به فى الترغيب والترهيب فقط كما فى الاذكار للنووى وانسان العيون لعلى بن برهان الدين الحلبي والاسرار المحمدية لابن فخر الدين الرومي وغيرها وان كانت موضوعة فقد ذكر الحاكم وغيره ان رجلا من الزهاد انتدب فى وضع الأحاديث فى فضل القرآن وسوره فقيل له فلم فعلت هذا فقال رأيت الناس زهدوا فى القرآن فاحببت ان ارغبهم فيه فقيل له ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) اى فليتخذ يقال تبوأ الدار اتخذها مباءة اى مسكنا ومنزلا ولفظه امر ومعناه خبر يعنى فان الله بوأه مقعده اى موضع قعوده منها فقال انا ما كذبت عليه انما كذبت له كما فى شرح الترغيب والترهيب المسمى بفتح القريب أراد ان الكذب عليه يؤدى الى هدم قواعد الإسلام وإفساد الشريعة والاحكام وليس كذلك الكذب له فانه للحث على اتباع شريعته واقتفاء اثره فى طريقته قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الكلام وسيلة الى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن التوصل اليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب حرام فان أمكن التوصل اليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح ان كان تحصيل ذلك المقصود مباحا وواجب ان كان ذلك المقصود واجبا فهذا ضابطه انتهى: قال الشيخ سعدى

خردمندان گفته اند دروغ

مصلحت آميز به از راست فتنه انگيز

: وقال اللطيفى

دروغى كه جان ودلت خوش كند

به از راستى كان مشوش كند

وبالجملة المرء مخير فى هذا الباب فان شاء عمل بتلك الأحاديث بناء على حسن الظن بالاكابر حيث أثبتوها فى كتبهم خصوصا فى صحف التفاسير الجليلة وظاهر انهم لا يضعون حرفا الا بعد التصفح الكثير وان شاء ترك العمل بها وحرم من منافع جمة ولا محاجة معه وربما يتفق المحدثون على صحة بعض الأحاديث ولا صحة له فى نفس الأمر فان الإنسان مركب من السهو والنسيان وحقيقة العلم عند الله الملك المنان ولذا قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر قد يظهر من الخليفة الآخذ الحكم من الله ما يخالف حديثا ما فى الحكم فيتخيل انه من الاجتهاد وليس كذلك وانما هذا الامام لم يثبت عنده من جهة الكشف ذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو ثبت الحكم به وان كان طريق الاسناد العدل عن العدل فالعدل ليس بمعصوم من الوهم الذي هو مبدأ السهو والنسيان ولا من النقل على المعنى الذي هو مبدأ التأويلات والتحريفات فمثل هذا يقع من الخليفة اليوم انتهى فهذا كلام حق بلا مرية وليس وراء عبادان قريه بقي هاهنا شىء وهو ان بعض المتقدمين جعل القرآن أثلاثا فالثلث الاول ينتهى عند قوله فى سورة التوبة وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ والثلث الثاني عند قوله فى سورة العنكبوت إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

وعند العامة الثلث الاول ينتهى عند قوله تعالى وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وهو منتهى الجزء العاشر ولعل الاول قول تحقيقي والثاني تقريبى والله اعلم بالصواب

ص: 548

يقول الفقير سمى الذبيح إسماعيل حقى شرفه الله سبحانه باعالى التجليات والترقي وغفر ذنب وجوده وجاوز به

عن انانياته واحسن الى آبائه وأمهاته وأعقابه وذرياته قد كنت اصمم حين ما باشرت هذا الأمر الخطير النبيه وهو هذا الجمع المسمى بالإلهام الذي لا شك فيه ب (روح البيان فى تفسير القرآن) ان أطويه فى مجلد او مجلدين ان ساعدنى الحين الى الحين فلما جاء بحمد الله بعض منه بما حواه من فنون المعرفة كبيرا الحجم والمقدار رأيت ان اجعله أثلاثا فختمت الدفتر الاول عند تمام سورة التوبة الجليلة الآثار وذلك فى احدى البلاد الثلاث المسماة ببروسة المحروسة فى الدار المشروطة لى المشهورة بدار السيد محمد سبزى المدرسى المأنوسه يوم الأحد وهو العشر العاشر من الثلث الاول من السدس الثاني من النصف الاول من العشر الثاني من العشر الاول من العقد الثاني من الالف الثاني من الهجرة النبوية فلله الحمد على نعمة الإتمام ولرسوله أفضل الصلاة والسلام ولآله وأصحابه أكمل التحيات والإكرام

حمد لله روز يكشنبه وهم ماه صفر

چون نخستين دفتر از روح البيان فارغ شدم

حقيا تاريخ وى كردم بحرف جوهرى

حاليا از جلد أول فارغ البال آمدم

تم الجلد الثالث بتوفيق الله تعالى من تفسير القرآن المسمى ب «روح البيان» ويليه الجلد الرابع ان شاء الله اوله تفسير سورة يونس

ص: 549