المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ورائها إلى إمتاع القارئ بما يقدِّمه من أخبار وأشعار وقصص - روضة المحبين ونزهة المشتاقين - ط عطاءات العلم - المقدمة

[ابن القيم]

الفصل: ورائها إلى إمتاع القارئ بما يقدِّمه من أخبار وأشعار وقصص

ورائها إلى إمتاع القارئ بما يقدِّمه من أخبار وأشعار وقصص وحكايات، مع تحذيره من مغبَّة الوقوع في الحرام، ودعوته إلى تغليب العقل على الهوى، وعدم الجري وراء الشهوات، وإيثار الآخرة على الدنيا. وهذا الغرض الرئيسي واضح من جميع أبواب الكتاب، وخاصة الأبواب الأخيرة منه، والتي خصَّصها للدعوة إلى ترك الشهوات وبيان كيفية التخلص من الهوى المُردِيْ.

‌أهمية الكتاب:

سبق ابنَ القيم إلى التأليف في موضوع الحبّ عددٌ من العلماء، منهم من أفرده بالتأليف، ومنهم من جعله فصلًا من كتابه، ومنهم من فرَّق أخبار العشق والعشاق في أثناء مؤلفاته في موضوعات مختلفة. ولسنا هنا بصدد إحصاء هذه المؤلفات ودراستها، وبيان ما وصل إلينا منها مخطوطًا ومطبوعًا

(1)

. وإنما نكتفي بإلقاء نظرة سريعة على الكتب المشهورة في هذا الباب، لنعرف موقع «روضة المحبين» منها.

(1)

قام بدراسة بعض هذه الكتب محمد حسن عبد الله في كتابه «الحب في التراث العربي» (ط. الكويت 1980 م). وهناك دراستان لاثنين من المستشرقين يمكن الرجوع إليهما:

Lois Anita Giffen، Theory of profane love among the Arabs، (London 1972).

Joseph Bell، The Hanbalite thinking on love theory in later Hanbalite Islam، (New York 1979).

ص: 12

1 -

من أقدم ما وصل إلينا من هذه الكتب: كتاب «الزهرة» لمحمد بن داود الظاهري (ت 296)، والقسم الأول منه خاص بالحب ومظاهره وآثاره وأحكامه وأحواله وتصاريفه، وقد قسمه المؤلف إلى خمسين بابًا، وعنون كل باب بعنوان مسجوع، وأورد تحته مختارات من الأشعار والأخبار. وشهرة هذا الكتاب ترجع إلى أنه لفقيه ظاهري وإمام ابن إمام، يرسم للحبّ صورة وجدانية راقية، ويعتبر رائدًا في هذا الميدان، وقصته في هذا الباب مشهورة.

2 -

كتاب «الموشى» لأبي الطيب الوشاء (ت 325) الذي يشكّل الحب عنده أحد أركان الظرف، وللتعبير عن ذلك سلك المؤلف سبيل رواية القصص والمأثورات والآراء الشخصية المبنية على تجارب خاصة، حتى أصبحت المادة التي جمعها في هذا المجال تشكل القسم الهام من عمله، وكلها يدور حول الحب العفيف ونقض كل ما هو مخالف له.

3 -

أما كتاب «اعتلال القلوب» للخرائطي (ت 327) فيعتبر من أمهات الكتب في هذا الموضوع، وتأليفه على طريقة المحدِّثين بذكر الأسانيد لجميع الأخبار. وقد أكَّد المؤلف على ضرورة التمسك بالعفاف، كما يدل على ذلك عناوين كثير من أبوابه، واختار من الآيات والأحاديث وسير الصحابة والتابعين وقصص المحبين وأشعارهم ما يُرشِد القراء إلى هذا الهدف، وفيه أخبار طريفة عن المحبين انتقاها مؤلفه بدقة.

ص: 13

4 -

«طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسي (ت 456)، درس المؤلف فيه الحبّ وتتبع أطواره، وبحث أدق قضاياه بوضوح وصراحة، وكان منهجه فيه الاستقراء والتتبع، والاعتماد على ما رأى وعاين، أو ما أُخبر عنه وصدَّقه، كما ذكر ذلك في مقدمته، حيث قال:«التزمت في كتابي هذا الوقوف عند حدّ الاقتصار على ما رأيت، أو صحَّ عندي بنقل الثقات. ودعني من أخبار الأعراب والمتقدمين، فسبيلهم غير سبيلنا، وقد كثرت الأخبار عنهم، وما مذهبي أن أُنْضِي مطيةَ سواي، ولا أتحلَّى بحلي مستعار» (ص 17 ط. دار المعارف).

5 -

«مصارع العشاق» لجعفر السرَّاج (ت 500)، جمع فيه أخبار العشاق الذين صرعهم الحبُّ منذ العصر الجاهلي حتى العصر العباسي، ومن سمات الكتاب أنه يطبع شخصياته دائمًا بطابع العفاف وخوف الله، ومن سماته أيضًا أن المؤلف قدَّم لكل جزء من أجزائه الاثنين والعشرين بمقطوعة شعرية من نظمه. ومن عيوبه أنه يورد الأخبار والروايات دون ترتيب وتبويب

(1)

،

(1)

هذَّبه البقاعي (ت 885) في «أسواق الأشواق من مصارع العشاق» ، ورتَّبه وزاد فيه جميع كتاب الحافظ مغلطاي «الواضح المبين» وجميع حكايات «منازل الأحباب» للشهاب محمود، فجاء في مقدمة وعشرة أبواب. انظر بيان مخطوطاته في كتاب أخي الدكتور محمد أجمل الإصلاحي:«فهرست مصنفات البقاعي» (ص 154 ـ 155)، وقد بنى داود الأنطاكي (ت 1008) كتابه «تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق» على كتاب البقاعي، واختصره ورتَّبه على مقدمة وخمسة أبواب وخاتمة، وهو مطبوع معروف.

ص: 14

وقد يكرِّرها في عدة مواضع، وقد يذكر بعض القصص والأخبار التي لا يصدّقها العقل.

6 -

«ذم الهوى» لابن الجوزي (ت 597)، رتَّبه المؤلف على خمسين بابًا، وروى فيه الأخبار بالأسانيد، وهو كتاب يشتمل على ذمّ الهوى والتحذير من الوقوع في الخطأ والضلال، والحث على محاسبة النفس الأمارة بالسوء، والتحكم بالخواطر، والالتزام بالعفاف وخوف الله، وقد ألفه ابن الجوزي بعد ما طلب منه أحد من ابتلي بالهوى أن يصف له علاج هذا الداء العضال.

7 -

«منازل الأحباب» للشهاب محمود (ت 725)، جمع فيه أخبار العشاق وأشعارهم منذ العصر الجاهلي إلى عصره، ولم يُشر إلى المصادر التي استقى منها مادة كتابه، وأضاف المؤلف إلى ما رواه عن غيره جملة من نظمه ونثره؛ إذ رآها تدخل في بابه ومعناه. وقد قسَّم كتابه إلى ثلاثة عشر بابًا، استغرق الباب الأخير منها الحيز الأكبر من الكتاب.

ص: 15

8 -

«الواضح المبين» لمغلطاي (ت 762)، اعتمد فيه المؤلف على كتب العشق التي سبقته، وبدأ كتابه بروايات متعددة لحديث: «من عشق فعف

»، ثم تحدث عن الحب وذكر تعريفاتٍ وأقوالًا كثيرة، ثم رتب أسماء العشاق وأخبارهم على حروف المعجم، وحذف الأسانيد من الأخبار إلا فيما يتعلق بالحديث النبوي. وقد أورد فيه بعض الأخبار المنكرة التي امتُحن من أجلها واعتُقل.

هذه أشهر الكتب التي وصلت إلينا مما أُلِّف في هذا الباب إلى عهد ابن القيم، وقد اعتمد على بعض منها، وانتقى الأخبار والأشعار الواردة فيها، ورتبها ترتيبًا جديدًا. ولم يقتصر على النقل والاقتباس من الكتب وإيراد الأخبار والأشعار فقط، بل علَّق عليها بكلامه وشرحها، واستخرج الدروس والعبر منها، وأضاف إليها كثيرًا من الفوائد والنكت والمسائل في الحديث والتفسير والفقه والسلوك وغيرها، وهذه ميزة انفرد بها كتاب «روضة المحبين» من بين الكتب المؤلفة في هذا الباب، وقد قمنا بفهرسة هذه الفوائد المنثورة في آخر الكتاب، فأغنانا عن ذكرها هنا.

وهناك ميزة أخرى للكتاب، وهي أن ابن القيم يقدِّم لأغلب الأبواب والفصول بكلام مفيد يُمهِّد به لذكر الأخبار والآثار الواردة فيها، فهو لم يقتصر على جمع الأخبار والأشعار وانتقائها، بل كان له رأي واضح في

ص: 16

جميع القضايا التي تناولها بالبحث. وقد وضع بعض الأبواب للفصل بين رأيين متعارضين في قضية معينة، فمثلًا بعد ما تحدث عمن مدح العشق ورغَّب فيه وعمن ذمَّه وتبرم به، وذكر احتجاج الفريقين في البابين (14، 15)، عقد الباب (16) في الحكم بين الفريقين وفصل النزاع بين الطائفتين، وقال: «العشق لا يُحمَد مطلقًا ولا يُذم مطلقًا، وإنما يُحمَد ويُذَمُّ باعتبار متعلَّقه، فإن الإرادة تابعة لمرادها

» ثم فصَّل في بيان ذلك.

وعندما ذكر في الباب (8) الشبه التي احتج بها من أباح النظر إلى من لا يحل الاستمتاع به وأباح عشقه، عقد الباب (9) للجواب عما احتجت به هذه الطائفة، وما لها وما عليها في هذا الاحتجاج، وقال: إن شُبههم التي ذكروها دائرةٌ بين ثلاثة أقسام: أحدها: نقولٌ صحيحة لا حجة لهم فيها، والثاني: نقولٌ كاذبة عمن نُسِبت إليه من وضع الفسَّاق والفجَّار، والثالث: نقولٌ مجملة محتملة لخلاف ما ذهبوا إليه. ثم توسَّع في بيان ذلك، وفي هذا الباب نفى عن شيخه شيخ الإسلام فتوى في العشق، وقال: إنها كذبٌ عليه لا تُناسِب كلامَه بوجه. وأجاب عن كل الحجج التي احتجوا بها في إباحتهم لذلك الوصال، فكان الواضح من رأيه أنه يمنع من ذلك ولا يجيزه. ولكنه في الباب (25) في رحمة المحبين والشفاعة لهم إلى أحبابهم في الوصال الذي يُبيحه الدين، ذكر ما يفهم منه جواز التداوي بمثل ذلك الوصال إن تحقق الشفاء به، وأورد أخبارًا في الشفاعة للعشاق فيما يجوز من الوصال والتَّلاقي.

ص: 17

وتتجلى أهمية الكتاب في أن مؤلفه يركّز دائمًا على التحذير من ارتكاب الحرام وما يفضي إليه من المفاسد والآلام، والدعوة إلى ترك أدنى المحبوبين رغبةً في أعلاهما، والترغيب فيما أعدّ الله للمؤمنين في الجنة، ويذكر لمن ابتُلي بالهوى طرقَ التخلُّص منه بأمور كثيرة، وبها ختم الكتاب.

ولهذه الأمور وغيرها اعتُبر هذا الكتاب أفضل الكتب المؤلفة في هذا الباب، وقد قال الأستاذ أحمد عبيد في مقدمة نشرته (ص: ز ـ ح): «بقي كلمة أحبُّ أن أقولها، وهي أن الكتب المصنفة في الحب هذا أنفعها؛ لأنه جمع إلى لغة الحب وفلسفته ومذاهب الناس فيه لغةَ الشريعة وحكمتها وأدبها، فالقارئ يتنقل في هذه الروضة المؤنقة من فائدة لغوية إلى قاعدة أصولية، ومن نكتة أدبية إلى مسألة فقهية، ومن غيرها إلى غيرها مما لا سبيل إلى استقصائه. أما غيره من الكتب المؤلفة في هذا الشأن فبعضها يَسرُد من أخبار العشاق ما يُزيِّن العشق ويُغري به، ويذكر بعضُها من مدح الهوى وأهله ما يَهوِي بقارئه في دركات الشر والهلاك، وليس في سائرها ما يتنزه عن سوء القول وخَطَل المجون. إن هذا الكتاب قد شُحِن بحمد الله بكل معنى جميل وقول عفيف، فليس فيه ما ينبو السمع عنه من قذع الكلام وفاحش المجون، حتى إنه بَرئ من ذكر السوءات إلا ما ورد منها في الكتاب والسنة» .

ص: 18