المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حديث عبد الله بن مسعود - الإسراء والمعراج وذكر أحاديثهما وتخريجها وبيان صحيحها

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌ حديث عبد الله بن مسعود

12 -

‌ حديث عبد الله بن مسعود

وله طرق:

الأولى: عن مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة عن مرة عن عبد الله قال:

لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة1 إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها.

قال: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم/16] . قال: فراش من ذهب.

1 قلت: ظاهره يخالف حديث أنس المتقدم: "ثم عرج بنا إلى السماء السابعة

ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى" فإنه يدل على أن السدرة في السماء السابعة وهو الذي رجحه القرطبي وجمع الحافظ بين الحديثين بتأويل أن أصلها في السماء السادسة منها إلا أصل ساقها.

قلت: ويؤيد هذا الجمع رواية ابن جرير 27/55 عن قتادة مرسلا: "رفعت لي سدرة منتهاها في السماء السابعة".

وسنده صحيح.

ص: 89

قال: فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس.

وأعطي خواتيم سورة البقرة. وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا: المقحمات1.

أخرجه مسلم 279 وأحمد 1/387 و 422 وابن جرير 27/52 و 55 والبغوي في "شرح السنة"3756.

وعن سفيان عن قيس بن وهب عن مرة عن ابن مسعود: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قال: جبريل في وبر رجليه كالدر مثل القطر على البقل.

أخرجه ابن جرير 27/51 من طريقين عن سفيان به. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم.

الثانية: عن قتادة بن عبد الله التيمي: حدثنا أبو ظبيان الجنبي قال: كنا جلوسا عند أبي عبيدة بن عبد الله - يعني: ابن مسعود - ومحمد بن سعد بن أبي وقاص وهما جالسان فقال

1 أي: الذنوب العظام الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار.

ص: 90

محمد بن سعد لأبي عبيدة: حدثنا عن أبيك ليلة أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم. فقال أبو عبيدة: لا بل حدثنا أنت عن أبيك. فقال محمد: لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت. قال: أبو عبيدة يحدث - يعني - عن أبيه كما سئل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل فحملني عليه ثم انطلق يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجلاه كذلك مع يديه وإذا هبط استوت يداه مع رجليه حتى مررنا برجل طوال سبط كأنه من رجال أزد شنوءة فيرفع صوته يقول: أكرمته وفضلته.

قال: فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أحمد. قال: مرحبا بالنبي الأمي العربي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته.

قال: ثم اندفعنا فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا موسى بن عمران.

قال: قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربه فيك.

قلت: ويرفع صوته على ربه؟! قال: إن الله قد عرف له حدته!

ص: 91

قال: ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السرح تحتها شيخ وعياله.

قال: فقال لي: اعمد إلى أبيك إبراهيم. فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام. فقال إبراهيم: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا ابنك أحمد. قال: فقال: مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته يا بني! إنك لاق ربك الليلة وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها فإن استطعت أن تكون حاجتك - أو جلها - في أمتك فافعل.

قال: ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى فنزلت فربطت الدابة في الحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها.

ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد.

قال: ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن فأخذت اللبن فشربت فضرب جبريل عليه السلام منكبي وقال: أصبت الفطرة ورب محمد!

قال: ثم أقيمت الصلاة فأممتهم.

ص: 92

ثم انصرفنا فأقبلنا".

رواه الحسن بن عرفة في جزئه المشهور: حدثنا مروان بن معاوية عن قتادة بن عبد الله التيمي..كما في "تفسير ابن كثير" وقال: "إسناد غريب ولم يخرجوه فيه من الغرائب سؤال الأنبياء عنه عليه السلام ابتداء ثم سؤاله عنهم بعد انصرافه والمشهور في الصحاح - كما تقدم - أن جبريل كان يعلمه بهم أولا ليسلم عليهم سلام معرفة وفيه أنه اجتمع بالأنبياء عليهم السلام قبل دخوله المسجد الأقصى والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السماوات ثم نزل إلى بيت المقدس ثانيا وهم معه وصلى بهم فيه ثم إنه ركب البراق وكر راجعا إلى مكة. والله أعلم".

قلت: ولإسناده علتان:

الأولى: الانقطاع بين أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأبيه فإنه لم يسمع منه.

والأخرى: جهالة قتادة بن عبد الله التيمي فقد أورده ابن أبي حاتم 7/135/759 ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وهو

ص: 93

قتادة بن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري وأبوه ثقة من رجال الشيخين وقد ذكر الحافظ - في ترجمته ابنه هذا في الرواة عنه. والله أعلم.

الثالثة: عن موثر بن عفازة1 عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لقيت - ليلة أسري بي - إبراهيم وموسى وعيسى. قال: فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم فقال: لا علم لي بها. فردوا الأمر إلى عيسى فقال: أما وجبتها فلا يعلمها أحد إلا الله. ذلك وفيما عهد إلي ربي عز وجل: أن الدجال خارج. قال: ومعي قضيبان فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص. قال: فيهلكه الله حتى إن الحجر والشجر يقول: يا مسلم! إن تحتي كافرا فاقتله. قال: فيهلكهم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم.

1 تحرف في "تفسير ابن كثير"إلى: "مرثد بن جنادة"!!

ص: 94

قال: فعند ذلك يخرج {يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء/96] فيطؤون بلادهم لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ولا يمرون على ماء إلا شربوه ثم يرجع الناس إلي فيشكونهم فأدعو الله عليهم فيهلكهم الله ويميتهم حتى تجوى1 من نتن ريحهم.

قال: فينزل الله عز وجل المطر فتجرف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم.

قال: ففيما عهد إلي ربي عز وجل: أن ذلك إذا كان كذلك فإن الساعة كالحامل المتم التي لا يدري أهلها متى تفجأهم بولادها ليلا أونهارا؟! ".

أخرجه أحمد 1/375 وابن ماجه 4081 والحاكم 4/488 - 489 و 545 وغيرهم وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي!

وفيه نظر بينته في "الضعيفة" 4318

الرابعة: عن حماد بن سلمة: ثنا أبو حمزة عن إبراهيم عن

1 أي: تنتن. في "النهاية": "يقال: جوي يجوى إذا أنتن".

ص: 95

علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"أتيت بالبراق فركبت خلف جبريل عليه السلام فسار بنا إذا ارتفع ارتفعت رجلاه وإذا هبط ارتفعت يداه.

قال: فسار بنا في أرض غمة منتنة حتى أفضينا إلى أرض فيحاء طيبة فقلت: يا جبريل! إنا كنا نسير في أرض غمة منتنة ثم أفضينا إلى أرض فيحاء طيبة؟ قال: تلك أرض النار وهذه أرض الجنة

قال: فأتيت على رجل قائم يصلي فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أخوك محمد. فرحب بي ودعا لي بالبركة وقال: سل لأمتك اليسر. فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أخوك عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.

قال: فسرنا فسمعت صوتا وتذمرا فأتينا على رجل فقال: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك محمد. فرحب بي ودعا لي بالبركة وقال: سل لأمتك اليسر. فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أخوك موسى. قلت: على من كان تذمره وصوته؟ قال: على ربه. قلت: على ربه؟! قال: نعم قد عرف ذلك من حدته.

ص: 96

قال: ثم سرنا فرأينا مصابيح وضوءا. قال: قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه شجرة أبيك إبراهيم عليه الصلاة والسلام أتدنو منها؟ قلت: نعم. فدنونا فرحب بي ودعا لي بالبركة.

ثم مضينا حتى أتينا بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد فنشرت لي الأنبياء: من سمى الله عز وجل منهم ومن لم يسم فصليت بهم إلا هؤلاء النفر الثلاثة: إبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام".

أخرجه الحاكم 4/606 وقال: "هذا حديث تفرد به أبو حمزة ميمون الأعور وقد اختلفت أقوال أئمتنا فيه وقد أتى بزيادات لم يخرجها الشيخان". وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: ضعفه أحمد وغيره". قلت: لكن قال الهيثمي 1/74: "رواه البزار وأبو يعلى والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح".

ص: 97

وظاهره أنه عندهم من غير طريق أبي حمزة هذا فإنه ليس من رجال "الصحيح" وجزم في "التقريب" أنه ضعيف فليراجع. وعزاه السيوطي في الخصائص 1/406 - 407 للبزار وأبي يعلى والحارث بن أبي أسامة والطبراني وأبي نعيم وابن عساكر من طريق علقمة وسكت عنه كعادته وكذلك فعل في "الدر المنثور" 4/147.

ثم رجعت إلى "الطبراني الكبير" 9976 و "كشف الأستار عن زوائد البزار" 59 فوجدت الحديث عندهما من طريق حماد بن سلمة به.

فتبينت أن الهيثمي وهم في قوله المتقدم.

وروى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قال:

رأى رفرفا أخضر قد سد الأفق.

أخرجه البخاري 4858 والطيالسي 278 وابن جرير 27/57 والطبراني في "الكبير" 9051 - 9053.

ص: 98

الخامسة: عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر". أخرجه الترمذي 3462 وقال: "حديث حسن غريب من هذا الوجه".

قلت: وعبد الرحمن بن إسحاق هذا هو أبو شيبة الواسطي وهو ضعيف اتفاقا فلعل تحسين الترمذي لحديثه إنما هو لأن له شواهد تقويه وقد ذكرت له شاهدين في "الصحيحة" 105 وأحدهما يأتي قريبا.

"تنبيه": عزا السيوطي الحديث في"الخصائص" 1/407 - 408 لابن مردويه أيضا بزيادة في آخر الحديث: "ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". وزاد في تخريجه في "الدر المنثور" 4/153: الطبراني مع

ص: 99

الزيادة دون قوله: "العلي العظيم". وهو كذلك في "المعجم الكبير"10363.

السادسة: عن سليمان الشيباني سمع زر بن حبيش عن عبد الله قال: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم/18] قال: رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح.

أخرجه مسلم 282 والطبراني 9055.

وفي رواية لمسلم 281: ذكر قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم/11] مكان الآية المتقدمة.

وفي ثالثة له والبخاري 4857 والترمذي 3277 وصححه من طريق الشيباني قال: سألت زر بن حبيش عن قول الله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم/9] ؟ قال: أخبرني ابن مسعود به

وهي رواية لابن جرير 27/46 وأحمد 1/398.

وفي رواية له 1/412 و 460 وابن جرير 27/49 عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر عن ابن مسعود أنه

ص: 100

قال في هذه الآية: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم/13] : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"رأيت جبريل عند سدرة المنتهى عليه ستمائة جناح ينتثر من ريشه التهاويل: الدر والياقوت".

قلت: وإسناده حسن وعزاه السيوطي في "الخصائص" 1/408 للبيهقي وأبي نعيم فقط!

السابعة: عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت جبريل عليه السلام له ستمائة جناح". أخرجه الطبراني 10422 بسند جيد.

الثامنة: عن الحسين بن واقد: حدثني عاصم بن بهدلة قال: سمعت شقيق ابن سلمة يقول: سمعت ابن مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"رأيت جبريل عند سدرة المنتهى وله ستمائة جناح".

قال: سألت عاصما عن الأجنحة؟ فأبى أن يخبرني قال: فأخبرني بعض أصحابه: أن الجناح ما بين المشرق والمغرب.

أخرجه أحمد 1/407.

ص: 101

قلت: وإسناده حسن أيضا.

وتابعه شريك عن عاصم به ولفظه: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق يسقط من جناحه - من التهاويل والدر والياقوت - ما الله به عليم. أخرجه أحمد أيضا 1/395.

وشريك سيء الحفظ وقوله: "كل جناح منها قد سد الأفق" منكر عندي والله أعلم.

التاسعة: عن إسحاق بن أبي الكهتلة عن ابن مسعود أنه قال: إن محمدا لم ير جبريل في صورته إلا مرتين أما مرة فإنه سأله أن يريه نفسه في صورته فأراه صورته فسد الأفق. وأما الأخرى فإنه صعد معه حين صعد به وقوله: {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} . قال: فلما أحس جبريل ربه عاد في صورته وسجد فقوله:؟ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ

ص: 102

الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} . قال: خلق جبريل عليه السلام. أخرجه أحمد 1/407 والطبراني 10547 وإسناده حسن رجاله كلهم ثقات معروفون غير إسحاق هذا وقد روى عنه ثقتان وذكره ابن حبان في "الثقات".

العاشرة: عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله في قوله: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال:

رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض.

أخرجه أحمد 1/394 و 418 والترمذي 3283 وقال: "حديث حسن صحيح" والحاكم 2/468 - 469 وقال:

"صحيح على شرط الشيخين" ووافقه الذهبي. ورواه الطيالسي 323 عن قيس وابن جرير 27/51 عن سفيان كلاهما عن أبي إسحاق به.

ص: 103