المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجمع بين قوله تعالى: (وما أصابك من مصيبة فمن نفسك) وقوله: (قل كل من عند الله) - سلسلة التفسير لمصطفى العدوي - جـ ١٤

[مصطفى العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌تفسير سورة النساء [74-83]

- ‌التحريض على أعمال البر

- ‌التحريض على الجهاد في سبيل الله

- ‌التحذير من فتنة الحياة الدنيا والركون إليها

- ‌بيان ضعف كيد الشيطان على أهل الإيمان

- ‌مراحل تشريع الجهاد في صدر الإسلام

- ‌الدعاء لله والعمل بالأسباب في دفع الاستضعاف

- ‌من فضائل المجاهد في سبيل الله

- ‌الحكمة في مشروعية الجهاد

- ‌من صفات المجاهدين في سبيل الله

- ‌الخير والشر كله من عند الله

- ‌الجمع بين قوله تعالى: (وما أصابك من مصيبة فمن نفسك) وقوله: (قل كل من عند الله)

- ‌طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله

- ‌التوكل على الله والأخذ بالأسباب في مدافعة مكر الأعداء

- ‌الحث على تدبر القرآن

- ‌الحث على أخذ الأخبار من مصادرها

- ‌الأسئلة

- ‌كفت السراويل في الصلاة

- ‌حكم زكاة السيارة المملوكة

- ‌كفارة النذر

- ‌نصيحة لإمام يطيل الصلاة

- ‌حال حديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان)

- ‌نصيحة لرجل قتل خطأ وأهل المقتول يريدونه إلى المحكمة

- ‌حكم قضاء صلاة الضحى بعد الظهر

الفصل: ‌الجمع بين قوله تعالى: (وما أصابك من مصيبة فمن نفسك) وقوله: (قل كل من عند الله)

‌الجمع بين قوله تعالى: (وما أصابك من مصيبة فمن نفسك) وقوله: (قل كل من عند الله)

قال الله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:79]، كيف أجمع بين هذه الآية وقوله تعالى:{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء:78] ؟ في الحقيقة أن كل شيءٍ بقدر، قال سبحانه:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، فلماذا نسبت السيئة إلى النفس في قوله تعالى:{وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:79] ؟ هذا معناه: أي أنت المتسبب فيها، وإن كانت هي في الأصل من عند الله، فنسبت إلى نفس الشخص تأدباً مع الله تبارك وتعالى، فمن الأدب مع الله عدم نسبة الشر إليه وإن كان كل شيء مقدراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك)، قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام:{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء:78-79]، فلما أتى عند المرض لم يقل:(الذي هو يمرضني ويشفين) ! بل نسب المرض إلى نفسه، فقال:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80]، مع أنه سار على وتيرة واحدة:{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ} [الشعراء:78-80]-فنسب المرض إلى نفسه- {فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80]، وإن كان المرض كله مقدراً لقوله تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:22-23] ، فكل شيء مقدر، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:(إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) ، فالتأدب في الألفاظ مع الله سبحانه وتعالى مستحب ومشروع، ومن الأدب أن يقول القائل: يا مدبر أمر السماوات والأرض! ولا يقول: يا مدبر أمر الخنافس والصراصير! مع أن الله مدبر أمر كل شيء، فكل الأشياء الله هو الذي يدبر أمرها، فمن باب التأدب إلى الله أن تنسب الخير إليه لفظاً، ولا تنسب الشر إليه لفظاً، وإن كان الكل من عند الله تبارك وتعالى حقيقة.

قال الله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:79] أي: أنت المتسبب فيها، وهي كقوله تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، وكقوله تعالى:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} [النساء:123] ، إلى غير ذلك.

{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} [النساء:79] عليه الصلاة والسلام، فهذه مهمتك -يا محمد- أرسلناك للناس رسولاً {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء:79] .

ص: 12