الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستحب تربية القط واقتناؤه لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنها من الطوافين عليكم والطوافات ". قال الحافظ: يستحب تربيته واتخاذه لهذا الخبر، لأنها تقتل الفارة والثعبان، وقتلهما مستحب. وهذه أشياء يحرم على الإنسان أن يقتنيها عنده: منها الكلب لمن لا يحتاج إليه، وكذلك الحدأة والعقرب، والفارة والغراب الأبقع، والخمرة غير المحترمة، والصنم والأوثان والإناء المتخذ من ذهب وفضة أو اكثرها ذهباً أو فضة. وقال أيضاً: يحرم اقتناء الفارة والكوبة وطبل اللهو والنرد وزمارة االرعيان وهو شاهين الرعاء المتخذ من القصب خلافاً للغزالي ويحرم اقتناء الشبابة. قال عالم: واعجبا ممن يعلم أن بين يديه دارين ولا بد له من سكنى أحدهما، وأنه لا يتوصل إلى سكنى دار الخير وينجو من دار الشر إلا بالأعمال الصالحات وأن زيادات الدرجات هنا بزيادة الحسنات ومع ذلك يعلم أن مدة بقائه في الدنيا محدودة، وأن أنفاس عمره عليه معدودة، وهو يلتهي باللعب يمينا وشمالاً ويزداد قلبه بذلك قسوة وخبالاً لقد ضرب بين هذا القلب وبين الخير بسور له باب وأسبل عليه أكنف حجاب فإنا لله وإنا إليه راجعون. فاشتغلوا معاشر المريدين بالله تعالى وطاعته فيما أمركم ونهاكم فمن كان شغله بالله مات على لا إله إلا الله، ومن كان شغله بالسوى ازداد الهوى فيمن هوى يموت المرء على ما عاش عليه.
قيل لرجل: قل: " لا إله إلا الله " فقال: آه آه لا أستطيع أن أقولها.
وقيل لآخر: قل: " لا إله إلا الله " فقال: شاه رخ غلبتك ثم قضى.
وقيل لآخر: قل: " لا إله إلا الله " فجعل يهذي بالغناء حتى قضى.
وقيل لآخر: قل: " لا إله إلا الله " فقال: ما ينفعني ما تقول. ولم أدع معصية إلا ارتكبتها ثم قضى ولم يقلها.
وقيل لآخر: قل: " لا إله إلا الله " فقال: وما تغني عني وما أعرف إني صليت لله صلاة أبداً!! ولم يقلها.
وأخبرني من حضر بعض الشحاتين عند موته: فجعل يقول: فَلْس لله. . فلس لله. حتى قضى.
وأخبرني بعض التجار أنه احتضر فجعلوا يلقنونه: " لا إله إلا الله " وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، هذه مشترى جيد، هذه كذا حتى قضى. وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبراً، والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم وإذا كان هذا في حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه فقد تمكن الشيطان منه واستعمله فيما يريده من معاصي الله وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى وقد عطل لسانه عن ذكره وجوارحه عن طاعته فكيف الظن به عند سقوط قوته واشتغال قلبه ونفسه بما فيه من ألم النزاع وجمع الشيطان له قوته من جهته وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرصة فإن ذلك أخر العمل، فأقوى ما يكون عليه شيطانه في ذلك الوقت وأضعف ما يكون هو في ذلك الحال فمن ترى يسلم على ذلك فهناك يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
قال مجاهد رحمه الله: ما من ميت إلا يعرض عليه أهل مجالسه الذي كان يجالس عند الموت إن كانوا أهل اللهو فأهل اللهو، وإن كانوا أهل الذكر فأهل الذكر. جعلنا الله وإياكم من الذاكرين.
فصل
في الحث على مجالسة الأخيار والزجر عن مجالسة الأشرار
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل الجليس الصالح مثل العطار إن لم ينلك منه أصابك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل القين إن لم يصبك ناره أصابك شراره ". قال أبو حاتم رضي الله عنه: العقل يلزم صحبة الأخيار ويفارق صحبة الأشرار لأن مودة الأخيار سريع اتصالها بطيء انقطاعها ومودة سريع انقطاعها بطيء اتصالها، وصحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم. قالوا: يجب على العاقل أن يتجنب أهل الريب لئلا يكون مريبا، فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير، كذا صحبة الأشرار تورث الشر. وقال صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه:" لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي " واسمع قوله تعالى: (يا نوح إنه ليس من أهلك) . فنهى الله عز وجل نبيه أن يقول لابنه: " إنه من أهلي "؛ لأجل ما خالف الله ورسوله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي: " سلمان منا أهل البيت " لأجل طاعته الله ورسوله. وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: من أحب إليك؟ قال: " كل تقي ".
قال الله تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهْم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) واعلم رحمك الله وجميع المسلمين بأنه يجب على المسلم أن يحب من أحبه الله، ويقرب من قربه الله تعالى، ويبغض من أبغضه الله تعالى، ويبعد من أبعد الله تعالى، فحينئذ يستوجب رحمة الله. قال صلى الله عليه وسلم:" من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان ". فمن كان من أهل الطاعة وقرب أهل المعصية أبعده الله، ومن أرضاهم فقد أسخط الله، ومن أكرمهم أهانه الله، ومن أحبهم أبغضه الله وحشره معهم لقوله صلى الله عليه وسلم " المرء مع من أحب ". قال عيسى عليه السلام:" يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي والفسق، والتمسوا رضا الله تعالى إليه بالتباعد عنهم بسخطهم. قالوا: فمن نجالس؟ قال: من يذكركم الله رؤيته، ويرغبكم في الآخرة علمه، ويزيد من فهمكم منطقه " وقال: إذا كان الناسك جيرانه عنه راضون فاعلم أنه مداهن. وقال: لا تجالسوا الأحداث فإن فتنتهم أشد من العذارى. وقال: لا تجالسوا شربة الخمر ولا تعودوا مرضاهم ولا تشهدوا جنائزهم فإن شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسوداً وجهه مزرقاً عينيه مذلقاً لسانه على صدره يسيل لعابه كل من رآه. وينبغي للإنسان أن لا يعاشر إلا أهل طريقته إذا كانت موافقة للكتاب والسنة، ولا يعاشر غير أبناء جنسه من المبتدعين قال الله تعالى:(ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) أي لا تعاشروا إلا من تبع موافقتكم على أحوالكم وطريقتكم. قال صلى الله عليه وسلم فيما يخبر عن ربه عز وجل: " وإن هذا دين ارتضيته لنفسي ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه ". وإياك وموالاة أهل البدع بالمودة فإنها تذهب بأنوار القلوب، وتحين أفعالهم يورث المقت من الحق والبعد من الله عز وجل. وقال أبو حاتم رضى الله عنه: العاقل لا يدنس عرضه ولا يعود نفسه أسباب الشر بلزوم صحبة الأشرار ولا يغض عن صيانة عرضه ورياضة نفسه بصحبة الأخيار على أن الناس عند الخبرة تتبين منهم أشياء ضد الظاهر منها. وعن أبي عمرو بن العلاء قال: رآني سعيد بن جبير وأنا جالس مع الشباب قال: ما يجلسك مع الشباب عليك بالشيوخ. وقال أبو الدرداء: لَصَاحِبُ صَالح خيرُ من الوحدة، والوحدة خير من صاحب السوء، ومملي الخير خير من الساكت خير من مملي الشر. وقال أبو حاتم: العاقل لا يصاحب الأشرار؛ لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار تُعْقِبُ الضغائن، لا يستقيم وُدُّه ولا يفي بعهدهِ؛ وكل جليس لا يستفيد المرء منه خيراً تكون مجالسة الكلب خيراً من عشرته، ومن يصاحب السوء لا يسلم كما أن من يدخل مدخل السوء يُتّهم، ومن كان أصدقاؤه أشراراً كان هو أشرهم وكما أن الخًيِّر لا يصحب إلا البرَرَة كذلك الرديء لا يصحب إلا الفَجَرة. وقال بعض الحكماء: من جلس مع ثمانية أصناف زاد فيه ثمانية أشياء: من جلس مع الأغنياء زاده قلة الشكر والرضا بقسمة الله تعالى أو عكسها.