الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الرابع: قوم يقولون: نحن لا ننظر نظر شهوة وإنما ننظر نظر اعتبار ولا يضرنا النظر، وهذا محال منهم فإن الطباع تتساوى فمن ادعى تمييزه عن أبناء جنسه في الطبع ادعى المحال كما تقدم.
القسم الخامس: قوم صحبوا المردان ومنعوا أنفسهم من الفواحش يعتقدون ذلك مجاهدة وما علموا أن أن نفس صحبتهم والنظر إليهم بشهوة معصية.
القسم السادس: قوم لم يقصدوا صحبة المردان وإنما يتوب الصبي ويتزهد ويصحبهم على طريق الإرادة فيلبس عليهم إبليس ويقول: لا تمنعوه من الخير، ثم يتكرر نظرهم إليه لا عن قصد فيثير في القلب الفتنة ويتمنى إلى أن ينال الشيطان قدر ما يمكنه، وربما وثقوا بدينهم فاستفزهم الشيطان ورقاهم إلى أقصى المعاصي كما فعل برصيص وغلطهم من جهة تعرضهم للفتن في صحبة من لا يؤمن من الفتنة في صحبته.
استلحاق نقله شيخنا عن عبد الله بن عطاء رحمه الله قال: وعليك أيها المؤمن بغض بصرك في خروجك إلى أن ترجع ولتذكر قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) الآية. ولا تكن لنعمة الله كفورا، وأمانة من الله عنده فلا تكن له خائنا وليذكر قوله تعالى:(ألم يعلم بأن الله يرى) . فإذا أردت أن ترى فاعلم أنه يرى وليعلم العبد أنه إذا غض بصره فتح الله بصيرته جزاء وِفاقاً فمن ضيق على نفسه في دائرة الشهادة وسع الله عليه في دائرة الغيب. وقال: ما غض أحد بصره عن محارم الله إلا وأوجد الله نورا ًفي قلبه يجد حلاوة ذلك.
القسم السابع: قوم علموا أن صحبة المرد والنظر إليهم لا تجوز غير أنهم لم يصبروا عن ذلك. قال أبو بكر الرازي رحمه الله: سمعت يوسف بن الحسين يقول: كل ما رأيتموني أفعله فافعلوه إلا صحبة الأحداث فإنها أفتن الفتن؛ ولقد عاهدت ربي أكثر من مائة مرة أن لا أصحب حدثاً.
فصل
في الردّ على طائفة من الناس وكشف فضائحهم
قال ابن الحاج في المدخل: قد ينسب إلى طائفة من الناس صحبة المرد وربما زينوهم بالحلي، ومصبغات الثياب، ويزعمون أنهم يقصدون بذلك الاستدلال بالصنعة على الصانع.
قال الشيخ الأستاذ القشيري قولاً عظيماً في الرد عليهم وكشف فضائحهم قال: من ابتلاه الله بشيء من ذلك فهو عبد أهانه الله، وخذله وكشف عورته، وأبدى سوءته في العاجل، وله عند الله تعالى سوء المنقلب في الآجل. وقال الواسطي، وهو من كبار الصوفية: إذا أراد الله هوان عبد ألقاه إلى هولاء الأنتان الجيف، أو لم يسمعوا إلى قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) وقال عطاء: كل نظرة يهواها القلب لا خير فيها.
فصل
في مكائد الشيطان
قال: ومن مكايده ومصايده ما فتن به عشاق الصور، وتلك لعمري والله " الفتنة الكبرى " والبلية العظمى التي استعبدت النفوس بغير خلاقها، وملكت النفوس لمن يسومها سوم الهوان من عشاقها، وألقت الحرب بين العشق والتوحيد، ودعت إلى موالاة كل شيطان مريد، فصيرت القلب للهوى أسيراً، وجعلته عليها حاكماً وأميراً، فأوسعت القلوب فتنة، وملأتها محنة، وحالت بينها وبين رشدها، وصرفتها عن طريق قصدها، ونادت عليها في سوق الرقيق فباعتها بأبخس الأثمان، وعاضتها بأخس الحظوظ وأدنى المطالب عن المعالي في غرف الجنان، فضلا عما هو فوق ذلك من القرب من الرحمن، فسكنت إلى ذلك المحبوب الخسيس الدنيء المهابة أضعاف لذاتها، والوصول إليه أكبر أسباب مضرتها بما أوشكته حبيبا يستحيل عدواً عن قريب ويتبرأ منه محبة حتى كأنه لم يكن له بحبيب، وأن يمتنع به في هذه الدار فسوف يجد به أعظم الآلم بعد حين لاسيما إذا صار (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) فيا حسرة المحب الذي باع نفسه لغير الحبيب الأول بثمن بخس، وشهوة عاجلة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها، وانقضت منفعتها، وبقيت مضرتها، فذهبت الشهوة وبقيت الشقوة، وزالت المسرة، وبقيت المضرة، فيا حسرتاه لِصَبّ جمع له بين الحسرتين: حسرة فوق المحبوب الأعلى والنعيم المقيم، وحسرة ما يقاسيه من النَّصب في العذاب الأليم فهناك يعلم المخدوع أي بضاعة أضاع، وأن من كان مالك رقة قلبه لم يكن يصلح أن يكون له من جملة الخدم والأتباع فأي مصيبة أعظم من مصيبة ملكٍ نزل عن سرير ملكه، وجعل لمن لا يصلح أن يكون مملوكه أسيراً، وجعل تحت أوامره ونواهيه مقهوراً فلو رأيت قلبه وهو في يد محبوبه لرأيته كعصفورة في يد طفل يسومها غياض الردى والطفل يلهو أو يلعب فهل يليق بالعاقل أن يتبع هذا الملك المطاع لمن يسومه سوء العذاب ويوقع بينه وبين وليه ومولاه الحق الذي لا غنى له عنه، ولا بد له منه أعظم الحجاب، فالمحب لمن أحبه قتيل، وهو له عبد خاضع ذليل، إن دعاه لباه، وإن قيل له ما تتمنى فهو غاية ما يتمناه، ولا يأنس بغيره، ولا يسكن إلى سواه، فحقيق به أن لا يملك رقه إلا الحبيب، وأن لا يبيع نصيبه بأحسن نصيب. ثم قال: فمن المحبة النافعة محبة الزوجة وما ملكت يمين الرجل فإنها معينة على ما شرع له من النكاح وملك اليمين من إعفاف الرجل نفسه وأهله فلا تطمح نفسها إلى غيره، وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتم وأقوى كان هذا المقصود أتم وأكمل قال الله تعالى:(هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) وقال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) .