الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس التطبيق الحضاري لسماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين في المملكة العربية السعودية
تعد المملكة العربية السعودية الامتداد التاريخي والحضاري لدولة الإسلام الأولى، فقد تأسست هذه الدولة على هدي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم منذ نشأتها الأولى، وارتسمت المنهاج النبوي وهدي السلف الصالح، وتوالى الأمراء والملوك على هذه الدولة يذودون عن مبادئها ومنطلقاتها ويحكمون فيها بشرع الله تعالى، ومن نعم الله تعالى أن تبوأت المملكة العربية السعودية مكانة متميزة في العالم المعاصر فهي جمعت بين الأخذ بهدي الإسلام وتعاليمه وتطبيق أحكامه وبين أسباب الحضارة والتقدم.
وإن من يرى المنهج الذي اختطته المملكة العربية السعودية في علاقاتها ونظمها يجدها ترتكز فيه على مبادئ الشرع المطهر وصور ذلك لا تحصر ومن هذه الصور تطبيق أحكام الإسلام في معاملة غير المسلمين الذين يقيمون فيها، ولذا فإن غير المسلمين فيها ينعمون بحقوقهم التي كفلها الشرع المطهر من حمايتهم في أبدانهم وأموالهم وأعراضهم.
إن غير المسلمين في المملكة العربية السعودية يدخلون ضمن أفراد المجتمع الإسلامي الذي أذن لهم بالبقاء بعهد الأمان الذي قررته الشريعة الإسلامية وقررت في ضوئه حقوق غير المسلمين وواجباتهم، ولذا فحقوق غير المسلمين مكفولة لهم ينعمون بها ليس لأن منظمة حقوق الإنسان تنادي بذلك أو بقية الهيئات الدولية ولكن لأن المملكة تطبق شريعة الإسلام السمحة التي لا تضيق بالمخالف وتضمن له حقوقه، ولذلك فإن السماحة في معاملة غير المسلمين في المملكة العربية السعودية تكتسب قوتها من استنادها إلى نصوص الشرع من الكتاب والسنة فهي ليست توصيات أو قانونا يخضع للتبديل والتغيير بل هو شرع مطبق.
وأعرض هنا لبعض هذه الحقوق التي ينعم بها غير المسلمين في المملكة العربية السعودية وهي تؤكد بقاء سماحة هذا الدين في معاملة مخالفيه شريعة تطبق فمن ذلك (1) :
(1) انظر تفصيل هذه الحقوق في بحث: حقوق غير المسلمين في المملكة العربية السعودية وواجباتهم، عبد الله بن إبراهيم اللحيدان، مجلة دراسات إسلامية، وزارة الشئون الإسلامية، العدد الرابع، 1422هـ.
- حماية دمائهم وأموالهم وأعراضهم، حيث تتكفل المملكة العربية السعودية بحمايتهم في ذلك كله تطبيقا لنصوص الشرع التي أمرت بذلك، ويصرح علماء هذه البلاد وأئمتها بحرمة دمائهم وأعراضهم وأموالهم بموجب عقد الأمان الذي دخلوا به البلاد، فلا يجوز الاعتداء عليهم أو انتهاك أعراضهم أو غشهم أو سرقة أموالهم، وتؤكد التعليمات والأنظمة التي تسمح لغير المسلمين بدخول المملكة على حفظ أموالهم وعدم تأخير حقوقهم المالية فقد أوجب نظام العمل والعمال السعودي على صاحب العمل عدم تأخير حقوق عماله المالية (1) .
- ومنها: عدم إكراههم على ترك دينهم فيتركون وما يدينون ولا يكرهون على الدخول في الإسلام.
(1) انظر: شرح نصوص نظام العمل والعمال في المملكة العربية السعودية، يوسف عبد المجيد، الدار السعودية، جدة، ط2، 1413هـ المادة / 8 والمادة / 15.
- ومنها: عدم إيذائهم فلا يجوز لأحد من الناس أن يؤذيهم أو يضيق عليهم، ويحرص علماء هذه البلاد على تقرير الفهم الصحيح لنصوص الشرع التي جاءت تبين هدي الإسلام في معاملة غير المسلمين، إذ قد يؤتى المرء من قبل تفسير بعض النصوص التي تأمر بالإغلاظ أو بالتضييق وفهمها على إطلاقها دون الرجوع إلى فهم السلف الصالح لها، وهو ما يقرره علماء هذه البلاد قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عند شرح حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه» (1) قال: " المعلوم أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ليس إذا رأى الكفار ذهب ليضيق عليهم الطريق ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا مع اليهود في المدينة ولا أصحابه يفعلونه بعد فتوح الأمصار"(2) .
- الإحسان إليهم والبر بهم حيث ينعم غير المسلمين من أهل هذه البلاد بحسن الجوار وشتى صور الإحسان والتسامح في المعاملة، فهذا هو المنهج الذي ارتسمته هذه الدولة وأكد عليه علماؤها، وهو الموافق لما تقدم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
(1) رواه مسلم، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم، رقم الحديث:2167.
(2)
الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات، ابن عثيمين، إعداد علي أبو لوز، دار المجد، الرياض، ط1، 1414هـ ص 189.
ومن ينظر إلى التطبيقات العملية لنظام العمل والعمال يجد أن نصوصه كفلت للعاملين حقوقا كثيرة دون تمييز لأحد عن أحد وهي تشير في مضامينها إلى العدل والحماية والوقاية والأخذ بأسباب السلامة والرعاية الصحية (1) ، وهذه الحقوق تكتسب قوتها من أن أداءها ليس واجبا يؤدى بل عقيدة يتقرب بها المرء إلى الله.
إن سماحة التعامل مع غير المسلمين في المملكة العربية السعودية تؤكد عظمة دين الإسلام ، وإن على أهل الإسلام أن يدركوا الحكمة من تشريع الإسلام لهذه المعاملة، وأن ينشروا دين الله إلى الناس كلهم ويحققوا مقتضى الشهادة التي أنيطت بهم في قوله تعالى:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} (2) .
(1) انظر: شرح نصوص نظام العمل والعمال في المملكة العربية السعودية، يوسف عبد المجيد، المادة / 24 والمادة 82 والمادة / 135.
(2)
سورة البقرة، الآية 143.