المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثاني في فضلها - الإعلام الملتزم بفضيلة زمزم - جـ ١

[أحمد الشافعي]

الفصل: ‌الباب الثاني في فضلها

‌الباب الثاني في فضلها

قد ورد في فضل زمزم أحاديث كثيرة، لكن البخاري لم يذكرها لكونها لم تكن على شرطه صريحًا.

ووقع في صحيح مسلم (1) من حديث أبي ذر: "ماء زمزم طَعَامُ طُعْم"، وزاد الطيالسي (2):"وشفاء سُقْم".

وفي "المستدرك"(3) من حديث ابن عباس مرفوعًا: "ماء زمزم لما شُرِب له". وصححه البيهقي في الشُّعَب وابن عيينه وابن حبان.

ووثَّق رجاله الحافظ الدمياطي (4)، وكذلك الحافظ العسقلاني حيث قال في "الفتح" (5) بعد نقله هذا الحديث: رجاله ثقات إلَّا أنه

(1)"صحيح مسلم" ح (2473) ونصُّه: "إنها مباركة، إنها طعام طعم".

(2)

هكذا أورد هذه الزيادة الحافظ بن حجر في "فتح الباري" 3/ 493 قال: زاد الطيالسي من الوجه الذي أخرجه منه مسلم: "وشفاء سقم".

(3)

"المستدرك على الصحيحين" للحاكم 1/ 473.

(4)

قال السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص 357: صححه من المتقدمين ابن عيينة، ومن المتأخرين الدمياطي في جزء جمعه فيه.

(5)

"فتح الباري" 3/ 493.

ص: 23

اختُلف في إرساله ووصله، وإرساله أصح، انتهى (1).

وحذا حذوهما القسطلاني حيث قال بعد إيراده حديث "المستدرك" المذكور (2): وبالجملة فقد ثبتت صحة هذا الحديث، أعني حديث:"ماء زمزم لما شُرِب له".

ومعناه: أنكَ إنْ شربته لتستشفي به شفاكَ الله، وإن شربته لشبعكَ أشبعكَ الله، وإن شربته لقطع ظمأ قطعه الله تعالى، وهكذا.

وقد ورد عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه شربه للعلم والفقاهة فكان أفقه [أهل] زمانه (3).

قال البكري (4) رحمه الله تعالى: وأنا قد جرَّبت ذلك فوجدته صحيحًا على أني لم أشربه إلَّا على يقين من هذا وتصديق بالحديث، انتهى.

(1) قلت: وقد تقدم أن للحافظ بن حجر جزءًا مفردًا في هذا الحديث نشره الشيخ سائد بكداش في آخر كتابه "فضل ماء زمزم". يقول الحافظ بن حجر فيه ص 270: مرتبة هذا الحديث عند الحفاظ باجتماع هذه الطرق يصلُح للاحتجاج به، على ما عُرف من قواعد أئمة الحديث. اهـ.

(2)

"إرشاد الساري" 3/ 185.

(3)

"فضل ماء زمزم" ص 135 نقلًا عن البوسنوي في رسالته عن مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

ونُقل عن الإِمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: شربتُ من ماء زمزم لثلاثٍ، شربتُه للعلم، وشربته للرمي فكنت أصيب من عشرة عشرة ومن عشرة تسعة، وشربته للجنة وأرجوها. "الجامع اللطيف" ص 266.

(4)

تقدم ص 12 أن القائل لهذا الكلام هو ابن الشيخ وليس البكري.

ص: 24

وفي البخاري (1) عن الشعبي أن ابن عباس رضي الله عنهما حدَّثه قال: "سَقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم".

قال الحافظ بن حجر في "الفتح"(2): فيه -أي: الحديث المذكور- الرخصة في الشرب قائمًا، انتهى.

أي: فيكون النهي عن الشرب قائمًا الوارد في الصحيح نهي أدب وإرفاق؛ ليكون تناول الماء على سكون وطمأنينة، فيكون أبعد من الفساد، كما قاله محيي السنة (3).

قال علي القاري: أقول: ويمكن أن يكون القيام مختصًّا بماء زمزم، ونكتة التخصيص الإِشارة إلى استحباب التضلع من مائه. ثم قال: ورأيت بعضهم صرَّح بأنه يُسن الشرب من زمزم قائمًا اتباعًا له صلى الله عليه وسلم، انتهى.

وبالجملة فيستحب الشرب من مائها والتضلُّع منه (4)، لما روى الدارقطني والبيهقي مرفوعًا (5): "آيةُ ما بيننا وبين المنافقين إنهم

(1)"صحيح البخاري" ح (1637).

(2)

"فتح الباري" 3/ 493.

(3)

أي الإِمام البغوي في "شرح السُّنة" 11/ 381.

(4)

أي يستحبُّ الامتلاء من زمزم شِبَعًا ورِيًّا حتى يبلغ الماء أضلاعه.

(5)

"سنن الدارقطني" 2/ 288، و"سنن البيهقي" 5/ 147 من حديث ابن عباس، ورواه ابن ماجه في "السنن" ح (3561) من حديث ابن عباس أيضًا، قال في "الزوائد": إسناده صحيح ورجاله موثقون. قال السخاوي في "المقاصد الحسنة" =

ص: 25

لا يتضلَّعون من زمزم".

وقد جاء في حديث علي رضي الله عنه: (خير بئر

= ص 358 بعد ذكر رواياته: وهو حسن.

كيفية الشرب من زمزم والدعاء عنده

وفي سياق رواية هذا الحديث تعليم ابن عباس رضي الله عنهما لأحد الناس كيفية الشرب من زمزم، فعن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: كنتُ عند ابن عباس جالسًا فجاءه رجل، فقال: من أين جئتَ؟ فقال: من زمزم. قال: فشربتَ منها كما ينبغي؟ قال: وكيفَ؟ قال: إذا شربتَ منها:

1 -

فاستقبلِ القبلة،

2 -

واذكُرِ اسمَ الله،

3 -

وتنفَّسْ ثلاثًا،

4 -

وتضلَّع منها،

5 -

فإذا فرغتَ فاحمد الله عز وجل،

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ آيةَ ما بيننا وبين المنافقين إنهم لا يتضلَّعون من زمزم". هذه رواية ابن ماجه.

والمراد من قوله: (تنفس ثلاثًا): أن يفصل الإناء عن فمه ثم يشرب في ثلاث مرات.

دعاء ابن عباس عند شرب زمزم

وفي "سنن الدارقطني" 2/ 288: عن عكرمة قال: كان ابن عباس إذا شرب من زمزم قال:

- اللَّهم إني أسألك علمًا نافعًا،

- ورزقًا واسعًا،

- وشِفاءً من كل داء.

ص: 26

في الأرض زمزم) (1).

ولهذا الصلحاء يشربونه ويحملونه معهم في أسفارهم تباعًا له صلى الله عليه وسلم؛ فإنه أول منه حمل ماء زمزم عند رجوعه من حج البيت تبركًا به واستشفاءً (2).

والدعاء عند شربه مستجاب.

وأولى (3) ما يُشرب؛ لتحقق التوحيد والموت عليه، والعزة بطاعة الله تعالي، قال ابن المُنيِّر: وكأنه عنوان على حُسن العهد وكمال الشوق؛ فإن العرب أعتادت الحنين إلى مناهل الأحبة وموارد أهل المودَّة، وزمزم هو منهل أهل البيت، فالمتعطش إليها قد أقام

(1) رواه ابن قتيبة في "غريب الحديث" 1/ 357 بهذا اللفظ، ورواه الفاكهي بإسناد صحيح في "أخبار مكة" 2/ 43، وعبد الرازق في "المصنّف" 5/ 116، بلفظ: خير بئر في الناس بئر زمزم.

(2)

روى الترمذي ح (963)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 485 عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله. قال الترمذي: حديث حسن غريب.

وروى الفاكهي في "أخبار مكة" 2/ 49، والبيهقي في "السنن" 5/ 202: أنَّ عائشة رضي الله عنها حملت من ماء زمزم في القوارير للمرضى، وقالت: حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأدواء والقِرَب، وكان يصبّه على المرضى ويسقيهم.

وفي "مجمع الزوائد" 3/ 287: عن حبيب بن أبي ثابت قال: سألتُ عطاء: أحمل ماء زمزم؟ فقال: قد حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمله الحسن وحمله الحسين. قال الهيثمي: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه من لم أعرفه.

(3)

من هنا ينقل المؤلف عن القسطلاني في "إرشاد الساري" 3/ 180 - 181.

ص: 27

شعار المحبة وأحسن العهد للأحبة والشرب منها، ولذا جُعل التضلع منها علامة فارقة بين الإِيمان والنفاق، ولله در القائل:[من الطويل]

وما شُربي للماءِ (1) إلَّا تَذَكُّرًا

لماءٍ به أهلُ الحبيبِ نُزُولُ

وروى الفاكهي (2) وغيره عن ابن عباس: صلُّوا في مُصلى الأخيار، واشربوا من شراب الأبرار، قيل: وما مصلى الأخيار؟ قال: تحت الميزاب، قيل: فما شراب الأبرار؟ قال: ماء زمزم (3).

وبالجملة فمعرفة أسمائها وفضلها والتضلع من مائها من جملة البرِّ بها والوفاء بحقها وحق أهلها، كما أشار لذلك الفقيه الزاهد يوسف بن محمَّد المعروف بابن الشيخ (4) رحمه الله تعالى، حيث

(1) في "إرشاد الساري": وما شرقي بالماء.

(2)

لم أجد هذا الأثر عند الفاكهي، وإنما هو عند الأزرقي في "أخبار مكة" 1/ 318، والمؤلف تابَعَ القسطلاني في "إرشاد الساري" 3/ 181 في نسبته للفاكهي، فلعلها سبق ذهن من القسطلاني، والله أعلم.

(3)

إلى هنا انتهى النقل عن "إرشاد الساري".

(4)

هو أبو الحجَّاج يوسف بن محمَّد البَلَوي الأْندلسي المالكي، الإِمام الأديب الفقيه الزاهد، قال ابن الأبَّار: بنى ببلده مالقة خمسة وعشرين مسجدًا من صميم ماله، وعمل فيها بيده، وحفر بيده آبارًا عدة أزيد من خمسين بئرًا، وغزا عدة غزوات مع المنصور بالمغرب ومع صلاح الدين بالشام، وكان يلبس الخشن من الثياب.

قال المنذري: سمع بمالقه من غير واحد، ورحل إلى الإِسكندرية فسمع من الحافظ أبي طاهر السِّلَفي وغيره. حدَّث، وكان أحد الزهَّاد المشهورين، ولم تَفُتْه غزوة في البر ولا في البحر، وتولى الخطابة بمالقة. =

ص: 28

قال (1)[الوافر]:

لَعمرُكَ إنَّ تَرْكي زمزمًا لَـ (2)

أُسمِّيها لَمِن بابِ العقوقِ

وكيفَ ومَاؤُها بردت منه (3)

أوارتي (4) أحرُّ من الحريقِ

وأرجو من سِقَايته (5) هنا أن

سيسقيني كذاكَ من الرحيقِ

أَزمزمُ ها أنا أُسميكِ أيضًا

لما قدّمتِ عندي من حقوقِ

وما المحمودُ إلَّا اللهُ ربِّي

وربُّ الكلِّ والبيتِ العتيقِ

فائدة:

حكى في "المجموع"(6) من كتب أئمتنا الشافعية الإِجماع على صحة الطهارة بماء زمزم.

= وقال عنه الذهبي في "السِّيَر": الإمام القدوة، المُجاب الدعوة، كان ربانيًّا قانتًا لله، كثير الغزو، يُعدّ من الأبدال وفُحول الرجال، تلا القراءات السبع وأقرأ وأفاد.

توفي بمالقة عن خمس وثمانين عامًا، سنة 604 هـ.

"التكملة لوفيات النقلة" 2/ 147، و "سير أعلام النبلاء" 21/ 479، و "الأعلام" 8/ 247.

(1)

ذكر هذه الأبيات في كتابه الجامع النافع "ألف باء" 2/ 462، وضبطها وراجعها مشكورًا الأخ الدكتور حسَّان الطيَّان.

(2)

في الأصل وكتاب "ألف باء": (لا)، والصحيح أنها لام التوكيد المزحلقة، وليست لا النافية.

(3)

في هذا الموضع كسرٌ لم يظهر لنا إصلاحه.

(4)

في الأصل: رفاتي إذا، والتصحيح من كتاب "ألف باء".

(5)

في الأصل: سقانيه، والتصحيح من "ألف باء".

(6)

"المجموع شرح المهذب" للنووي 1/ 91.

ص: 29

وأنه لا ينبغي إزالة النجاسة به سيما الاستنجاء؛ لما قيل إنه يورث البواسير (1)، وذكر نحوه ابن الملقن في شرح البخاري.

وهل إزالة النجاسة به حرام أو مكروه أو خلاف الأولى؟ أوجُهٌ حكاها الدَّمِيري والطيِّب الناشري من غير ترجيح تبعًا للأذوعي، والمعتمد الكراهة (2).

* * *

(1) عند الفاكهي في "أخبار مكة" 2/ 64 ما يردُّ ذلك، فقد روى بإسناد حسن عن الفضل بن عطية قال: رأيتُ رجلًا سأل عطاءً (هو ابن أبي رباح مفتي مكة في زمانه)، فشكى إليه البواسير، فقال: اشرب من ماء زمزم واستنج به.

(2)

يُنظر: "مغني المحتاج" 1/ 20، و"هداية السالك" 2/ 949، و"الجامع اللطيف" ص 277.

ص: 30