المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث في بيان أفضل أنواع الماء مطلقا وبيان الترتيب في الفضيلة بينها - الإعلام الملتزم بفضيلة زمزم - جـ ١

[أحمد الشافعي]

الفصل: ‌الباب الثالث في بيان أفضل أنواع الماء مطلقا وبيان الترتيب في الفضيلة بينها

‌الباب الثالث في بيان أفضل أنواع الماء مطلقًا وبيان الترتيب في الفضيلة بينها

فنقول: أفضل أنواع الماء على الإِطلاق الماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم (1).

وقصة نبع الماء من الأصابع الشريفة كما قال ابن حجر (2) نقلًا

(1) لأحاديث عديدة رواها البخاري ومسلم وغيرهما، منها عند البخاري ح (3572) من حديث قتادة عن أنس رضي الله عنه قال:"أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء (موضع بالمدينة المنورة) فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم". قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة أو زُهاء ثلاثمائة.

(2)

"فتح الباري" 6/ 585، وبيَّن عَقِبه أنه مأخوذ من كلام القاضي عياض مع تصرف.

قال القاضي عياض: هذه القصة رواها الثقات من العدد الكثير عن الجم الغفير عن الكافة متصلة بالصحابة، وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحاقل ومجمع العساكر، ولم يرد عن أحد منهم إنكار على راوي ذلك، فهذا النوع مُلحق بالقطعي من معجزاته، اهـ. "فتح الباري" 6/ 584.

ص: 31

عن القرطبي وغيره: في عدة مواطن ومشاهد عظيمة، وردت من طُرق كثيرة، وقد تكررت منه صلى الله عليه وسلم، يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي.

منها: عن جابر رضي الله عنه: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ من رَكْوَة (1) فجاؤه يشكون العطش، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم كأمثال العيون، فتوضأوا كلهم، وكانوا ألفًا وخمسمائة"، بل قال جابر رضي الله عنه: لو كنا مائة ألف لكفانا (2).

وظاهر هذه الرواية وغيرها: أن الماء نبع من نفس اللحم الكائن في الأصابع الشريفة، وهو ما صححه النووي وجزم به غيره (3). وإنما استدعى بقليل ماء كما في رواية تأدُّبًا مع ربه، فإنه المنفرد بإيجاد المعدومات من غير أصل.

نعم في رواية عند جماعة أنه فعل ذلك مرة من غير ماء، لكن استدعى بشن يابسة ووضع يده صلى الله عليه وسلم فيها فنبعت عيون الماء.

فهو أفضل أنواع الماء مطلقًا الدنيوية والأخروية.

ويليه في الفضيلة ماء زمزم لما جاء في رواية أن قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم غسَّله المَلَك ليلة الإِسراء به، فأخذ البُلقيني من إيثار

(1) الرَّكوة: إناء صغير من جلدٍ يُشرب فيه الماء، والجمع رِكاء. "النهاية" 2/ 261.

(2)

الحديث عند البخاري ح (3576).

(3)

ينظر: "فتح الباري" 6/ 585، و"شرح صحيح مسلم" للنووي 9/ 130.

ص: 32

الملَك له على ماء الكوثر أن زمزم أفضل منه (1).

قال ابن حجر الهيتمي: وهو ظاهر، خلافًا لمن نازع فيه بما لا يجدي كما بينته في "شرح العباب"، ثم قال: والحكمة في غسله به دون غيره أنه يقوِّي القلب ويسكِّن الرَّوْع.

فماء زمزم أفضل المياء شرعًا وأفضلها طبًّا سواء كان في موضعه المعروف أو منقولًا إلى موضع آخر، لأن فضله لعينه لا لأجل البقعة التي هو فيها.

ثم يليه في الفضيلة ماء الكوثر وهو كما جاء: "نهر في الجنة حَافَتَاه من ذهب ومجراه على الدُّرِّ والياقوت، تُربته أطيبُ من المِسكِ، وماؤُه أحلا من العسل وأبيضُ من الثَّلج".

(1)"إرشاد الساري" 3/ 181.

وفي "الجامع اللطيف" لابن ظهيرة ص 268 نقلًا عن جده -أبو بكر بن علي المتوفى سنة 889 هـ-: وفيما استدل به -أي البُلقيني- وقفةٌ، فقد يقال: قوله: (ولم يكن يغسل إلَّا بأفضل المياه) مُسَلَّمٌ، ولكن بأفضل مياه الدنيا، إذ ماء الكوثر من متعلَّقات دار البقاء فلا يستعمل في دار الفناء، ولا يشكل بكون الطشت الذي غُسِّل فيه صدره صلى الله عليه وسلم من الجنة، لأن استعمال هذا ليس فيه إذهاب عين بخلاف ذاك، والله أعلم.

ثم نقل عن السيوطي أنه سُئل شعرًا أيهما أفضل ماء زمزم أو ماء الكوثر؟ فأجاب شعرًا:

ما جاءنا خبرٌ بذلك ثابتٌ

فالوقفُ عن خوضٍ بذلكَ أجملُ

ص: 33

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (1).

ثم يليه في ذلك ماء نيل مصر ثم بقية الأنهر.

ونظم ذلك بعضهم فقال: [من الرَّجز]

وأفضلُ المياهِ ماءٌ قد نَبَعْ

من بين أصابع النَّبِيِّ المُتَّبَعْ

يليهِ ماءُ زمزمٍ فالكوثرِ

فنيلِ مِصْرَ ثم باقي الأَنْهُر

* * *

(1)"سنن الترمذي" ح (3361)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ص: 34