الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة
نسأل الله حسن الختام
سُئل الحارث بن كَلَدَة (1) طبيب العرب عن طعم الماء؟ فقال: شيء لا يوصف.
وسئل عن لونه؟ فقال: اشتبه على الأبصار لأنه يشابه لون كل شيء يكون فيه.
وقال بعضهم: لا لون له وإنما يتلوَّن بلون الآنية التي يُجعل فيها.
وإلى ذلك أشار المعرِّي بقوله: [من المتقارب]
ولا لونَ للماءِ فيما يُقَا
…
ل ولكن يكونُ بلون الأواني
(1) الحارث بن كَلَدة الثقفي، من أهل الطائف. طبيب العرب في عصره، واحد الحكماء المشهورين، رحل إلى بلاد فارس رحلتين فأخذ الطب عن أهلها. وُلد قبل الإِسلام وبقي أيام النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ومعاوية، واختُلف في إسلامه. يُروى أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرض بمكة مرضًا فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ادعوا له الحارث بن كلدة فإنه رجل يتطبب". توفي نحو سنة 50 هـ. "عيون الأنباء" 2/ 13، و"الإصابة في معرفة الصحابة" 1/ 288، و "الأعلام" 2/ 157.
وقال غيره: لونه البياض، واحتج بأنه إذا جمد ابيضَّ (1).
قال البكري (2): وأما طعم ماء زمزم ساعة يخرج من البئر فيخيل إليكَ أنه ماء شِيب -أي: خُلط- بلبن حار رطب لين ليس فيه مرارة. فإذا برد ربما وجدت فيه قليل مرارة، وكنتُ أفطر عليه وأتبركُ به ورأيت بركته، انتهى.
فإن قلتَ: هل لوجود ذلك فيه من حكمة؟
قلتُ: رأيتُ لبعضهم ما نصه: الحكمة في أن ماء زمزم فيه قليل ملوحة أن مكة شرفها الله تعالى عين الدنيا وزمزم ماؤها، وماء العين يكون فيه ملوحة.
ونظم بعض الفضلاء السؤال عن حكمة ذلك فقال (3):
(1) إلى هنا منقول من كتاب "ألف باء" لابن الشيخ 2/ 302.
(2)
تقدم ص 12 أن القائل لهذا الكلام هو ابن الشيخ في كتابه "ألف باء" 2/ 462.
(3)
أورد هذه الأبيات محمَّد طاهر الكردي في "التاريخ القويم" 2/ 544 نقلًا عن السنجاري في "منائح الكرم" ونسبها للباعوني، وفي ألفاظها بعض اختلاف عما هنا.
وآل الباعوني أسرة علمية دمشقية أصلها من فلسطين، وباعون بلدة قريبة من عجلون في منطقة صَفَد.
والمسؤول هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن ناصر الباعوني المقدسي الدمشقي الشافعي الإِمام الخطيب القاضي، تولى القضاء بمصر والشام، وولي الخطابة ببيت المقدس وجامع بني أمية بدمشق، كان خطيبًا بليغًا له اليد الطولى في النظم والنثر والقيام التام في الحق، عابوا عليه أمورًا وامتحن في القضاء بسبب اعتراضه على السلطان. توفي بدمشق سنة 816 هـ. "الضوء اللامع" 2/ 231. =
[من الطويل]
تفكرتُ يا مولاي في بئرِ زمزم
…
بمكةَ أرضٌ فخرُها لا يمثّلُ
وفي كونِ ما فيها من الماءِ مالحًا
…
على أنها من سائِر الأرضِ أفضلُ
وقلتُ ألا هل من جوابٍ مبيِّنٍ
…
وهل عندكم من حِكمة فيه تُعقلُ
فأجاب والد السائل عن ذلك نظمًا فقال: [من الطويل]
نعم عندنا فيه الجوابُ وأنه
…
نفيسٌ أتى كالدُرِّ بل هو أمثلُ
فمكةُ عينُ الأرضِ والعينُ ماؤُها
…
كما قد علمتمُ مالحٌ ليس يُجْهلُ
وسئل الحارث أيضًا (1) عن شرب الماء؟ فقال: هو حياة البدن، وبه ينتفع ما شرب منه بقدر، وشربه بعد النوم ضرر، وألطف المياه ماء الأنهار الجارية العظام وأبرده وأصفاه.
وقالت الحكماء (2): الماء كله واحد وإنما تغيره الأرض، فمنه الخفيف والثقيل والعذب والملح والسخن والبارد، حكمة من اللطيف الخبير.
= أما السائل فهو أحد أبنائه، وكلهم كان صاحب نظم واشتغال بالعلوم وهم:
1 -
إبراهيم بن أحمد الباعوني. "الضوء اللامع" 1/ 26.
2 -
محمَّد بن أحمد الباعوني. "الضوء اللامع" 7/ 114.
3 -
يوسف بن أحمد الباعوني. "الضوء اللامع" 10/ 298.
ولم يتبين لي من السائل منهم لوالده.
(1)
هذا الخبر من كتاب "ألف باء" لابن الشيخ 2/ 303.
(2)
هذا الخبر من كتاب "ألف باء" لابن الشيخ 2/ 303.
فائدة:
نقل الشيخ ابن حجر رحمه الله تعالى في "حسن التوسل" عن ولي الله تعالى سيدي زرُّوق في نصائحه ما نصه: أن مَنْ قال على ماءٍ يريد شُرْبه والأمان من ضرره: (يا ماء ماء زمزم يقريك السلام)؛ أمِنَ من ضرره بإذن الله تعالى، انتهى (1).
واعلم أن في الماء بركة، كما قال الله تعالى:{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا كان يوم صوم أحدكم فليفطر على ماء فإنه بركة، ولا يتمضمض ثم يمجه، ولكن يشربه؛ فإن أوله خير.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر من صيام دعا بماء فشرب ثم قال: "الحمد لله ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى"(2).
(1) الأولى منه أن يقول عند الشرب من أي ماء كما ورد في السُّنَّة: بسم الله. فإنه لا يضر مع اسم الله شيء.
(2)
عند أبي داود ح (2355)، والترمذي ح (695) من حديث سلمان بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم صائمًا فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء، فإن الماء طهور". قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعند أبي داود ح (2357) من حديث ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله".
وليكن هذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة على سبيل الاختصار، وصلَّى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وأصحابه الأخيار، وسلَّم تسليمًا كثيرًا ما تعاقب الليل والنهار (1).
* * *
(1) تم بفضل الله تعالى ومنِّه قراءة هذه الرسالة في الروضة الشريفة أسفل المنبر النبوي الشريف بمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، بحضور وسماع ولدي محمَّد وفقه الله لما يحبه ويرضاه، وهو يومئذ في الثالثة من عمره، تم ذلك ضحى يوم السبت في 29 شعبان المعظم عام 1421 هـ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبي الهدى والرحمة وعلى آله وصحبه أجمعين.
° ثم تمت قراءة هذه الرسالة اللطيفة مرة ثانية ضبطًا على أصلها المطبوع بعد صلاة المغرب عند بئر زمزم في الحجرة الداخلية الخاصة بها وأنا مسند ظهري إلى البئر المبارك، وبمتابعة وسماع من الأخوين الكريمين: الأستاذ الفاضل هاني ساب المدني والأخ الحبيب عبد الله باخشب، ونحن جميعًا ننظر في البئر إلى أسفله مع الشرب للماء عند أول خروجه من البئر، وهذا من فضل الله علينا ومَنِّه نسأله التوفيق والقبول، وكان ذلك ليلة 24 رمضان المبارك سنة 1421 هـ.
وكتبه
رمزي سعد الدين دمشقية