الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة السادسة:
زعمهم أن التمسك بالسنة يفرق الأمة وأنها لو انسلخت منها
لاتحدت.
يقول جكرالوي: "لا ترتفع الفرقة والتشتت عن المسلمين، ولن يجمعهم لواء ولا يضمهم مكتب فكر موحد، ما بقوا متمسكين بروايات زيد وعمرو"(1) .
ويؤكد المعنى نفسه حشمت علي فيقول: "لن تتحقق وحدة المسلمين ما لم يتركوا كتبهم الموضوعة في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولن يروا سبيل الرقي والتقدم ما لم يمح عنهم التشتت والفرقة"(2) .
ويقول برويز: "قد فاق تقديس هذه الكتب (كتب السنة) كل التصورات البشرية، مع أنها جزء من مؤامرة أعجمية استهدفت النيل من الإسلام وأهله "(3) .
ويعلل ذلك فيقول: "فما أصحاب الصحاح الستة4 إلا جزء من تلك المؤامرة، لذا نجدهم إيرانيين جميعا، لا وجود لساكن الجزيرة بينهم، والشيء المحير للعقول أن العرب لم يسهموا في هذا العمل البناء، بل أسندوا جمع الأحاديث وتدوينها إلى العجم حتى تم بناء هذا الصرح المؤامر "(5) .
(1) مجلة إشاعة القرآن 39 عدد شعبان 1321هـ.
(2)
المصدر السابق 10 عدد 15 ديسمبر 1927م.
(3)
شاهكار رسالت 446.
(4)
الصواب أن يقال: " الكتب الستة "؛ لأن ملتزم الصحة بعضها لا كلّها.
(5)
مقام حديث 22.
الرد:
أثبت الواقع أن المسلمين لما كانوا متمسكين بالسنة كانوا أكثر ترابطاً وانسجاماً وقوة وغلبة للأعداء، وأن الأمر انعكس لما خالف بعضهم السنة، فقد ذكر الله أن نسيان حظ مما ذكر الناس به يؤجج نار العداوة والبغضاء بينهم، قال تعالى:{فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (المائدة:14)، وقال صلى الله عليه وسلم:"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنة نبيه"(1) ، ثم إنكم انسلختم عن السنة فهل اتحدتّم؟ بل أنتم مختلفون فيما بينكم شر اختلاف، فبرويز رد على جكرالوي، وأصبحتم أربع فرق ولم تتفقوا فيما بينكم على عدد ركعات الصلوات فضلا عن بقية الشعائر التعبدية، وسائر المعاملات.
أما "أسباب التفرق والاختلاف الواجب تركها باتفاقهم (2) [ف] هي الجهل والهوى والتعصب، وكذلك الخطأ بقدر الوسع. فأما أن يترك أحدهم ما يراه حقا فلا قائل به، بل هو محظور باتفاقهم" 3) .
وأما قول برويز: إنها مؤامرة أعجمية إيرانية: فالجواب: أن أصول هذه الكتب الستة ألفها علماء الحجاز والعراق واليمن، مثل موطأ مالك بن أنس، وموطأ عبد الله بن وهب تلميذ الإمام مالك، وموطأ ابن أبي ذئب، وسنن الشافعي، ومسند الحميدي القرشي، وجامع سفيان بن عيينة شيخ
(1) أخرجه مالك في الموطإ (2 / 208) بلاغا، والحاكم في المستدرك (1 / 93) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2937) .
(2)
أي أهل العلم.
(3)
الأنوار الكاشفة 24 الحاشية 2.
مكة، ومسند ابن أبي عمر العدني المكي، وسنن ابن جريج المكي، ومصنف عبد الرزاق الصنعاني، وجامع معمر بن راشد الصنعاني، ومصنف وكيع بن الجراح الكوفي، وحماد بن سلمة البصري، ومسند أبي داود الطيالسي البصري، ومسند ابن أبي عاصم البصري الكوفي، ومسند ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة الكوفي، ومصنف أبي الربيع سليمان بن داود العتكي البصري، ومسند أحمد بن حنبل أكبر مسند في الدنيا وقلَّ أن يثبت حديث إلا وهو فيه (1) ، ومسند عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي، ومسند يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي، ومسند مسدد بن مسرهد البصري، ومسند أبي جعفر محمد بن عبد الله الكوفي، ومسند أحمد بن منيع البغدادي، ومسند عثمان بن أبي شيبة العبسي الكوفي (2) .
فهذه أربعة أضعاف الكتب الستة ألفها علماء الجزيرة، وكلهم في طبقة مشايخ أصحاب الكتب الستة أو مشايخ مشايخهم، أو مشايخ مشايخ مشايخهم، وهي أصول هذه الكتب الستة.
ومع ذلك لم يكونوا كلهم إيرانيين كما زعم برويز، بل بعضهم من أصول عربية بالاتفاق، فمسلم عربي من بني قشير، والترمذي عربي من بني سليم، وأبو داود عربي من قبيلة أزد.
مع أن ذمّ جنس من أجناس البشر لم يرد به شرع ولم يدل عليه عقل، بل مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل فارس، وخرَّجت بلاد فارس علماء نوابغ في كل العلوم: تفسيراً، وحديثاً، وفقهاً، ولغة، وإنما غلب عليها الرفض أيام
(1) قاله ابن الجزري في المصعد الأحمد (مسند أحمد 1 / 31) .
(2)
انظر في بيان هذه الكتب: الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة لمحمد بن جعفر الكتاني.
إسماعيل الصفوي أوائل القرن العاشر الهجري.
أما أن الكتب الستة جزء من مؤامرة أعجمية فإن كانت هناك مؤامرة أعجمية فأنتم قد حزتم النصيب الأوفر منها؛ لأنكم قمتم واستفرغتم وسعكم لنقض أصول الإسلام من أصلها، فلا مؤامرة أخبث من مؤامرتكم وهم أقرب نسباً إلى العرب منكم، فلا وجه لتعييركم إياهم بالعجمة.