المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوقفة الثانية: من خلال مقارنة معتقداتهم في الأنبياء: - أثر الملل والنحل القديمة في بعض الفرق المنتسبة إلى الإسلام

[عبد القادر عطا صوفي]

الفصل: ‌الوقفة الثانية: من خلال مقارنة معتقداتهم في الأنبياء:

‌الوقفة الثانية: من خلال مقارنة معتقداتهم في الأنبياء:

الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مصطَفَوْن من الله تعالى، اختارهم الله عزوجل لتبليغ رسالته إلى النَّاس، فأدُّوا الأمانة، وبلَّغوا الرسالة.

وأمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم تؤمن برسل الله جميعاً، ولا تُفرِّق بين أحدٍ منهم، وتعتقد أنَّ رسالةَ النبيّ محمَّد صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الرسالات، والمهيمنة عليها.

وبجانبهم نجد أهل الديانتين المحرَّفتين؛ اليهود والنصارى يكفرون بأكثر رسل الله، ولا يؤمنون بهم، ويُجوِّزون على أنبياء الله معصية الله تعالى في جميع كبائر الذنوب وصغائرها، خلا الكذب في التبليغ فقط.

فاليهود ـ مثلاً ـ لم يكتفوا بنسبة المعصية إلى الأنبياء عليهم السلام، بل نسبوا إلى بعضهم ما يترفَّع عن ارتكابه أهل الفسق والمجون.

فزعموا أنَّ نبيّ الله لوطاً عليه السلام الذي شهد له ولبناته أعداؤه بالطهر والعفاف ـ: {أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82]ـ بعد أن أنجاه الله من القرية التي كانت تعمل الخبائث، شرب الخمر، ثمّ زنى بابنتيه، فحبلتا منه. وهذا نصّ توراة اليهود المحرَّفة: “وصعد لوطٌ من صُوغَر، وسكن في الجبل، وابنتاه معه؛ لأنَّه خاف أن يسكنَ في صُوغَر، فسكنَ في المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخَ، وليس في الأرض رجلٌ ليدخل علينا كعادة كُلِّ الأرض، هلمّ نسقي أبانا خمراً ونضطجع معه، فنُحيي من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها. وحَدَث في الغدّ أنَّ البكر قالت للصغيرة: إنِّي اضطجعتُ البارحةَ مع أبي. نَسقيه خَمراً الليلة أيضاً، فادخلي اضطجعي معه، فنُحيي من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً، وقامت الصغيرةُ واضطجعت معه، ولم

ص: 61

يعلم باضطجاعها ولا بقيامها. فحبلت ابنتا لوطٍ من أبيهما، فولدت البكر ابناً ودعت اسمه موآب، وهو أبو الموآبيِّين إلى اليوم، والصغيرة أيضاً ولدت ابناً ودعت اسمه بَنْ عَمِّي، وهو أبو بني عَمُّون إلى اليوم”1.

ولم يكتف اليهود بنسبة الفاحشة إلى هذا النبيّ الكريم عليه السلام، بل نسبوا إلى ـ من زكَّاه ربُّه عزوجل بقوله:{واذْكُر عبدَنَا داودَ ذا الأَيْدِ إنَّه أوَّاب} [ص، 17]ـ داود عليه السلام أنَّه تآمر على قائد جيشه، فقتله طمعاً في الزواج من امرأته ـ التي رآها تستحمّ، فوقعت في قلبه، فزنى بها، فحبلت منه، فدبَّر مؤامرة للتخلُّص من زوجها، ثمّ تزوجها ستراً على فعلته2.

بل زعموا أنّ المزكَّى من ربِّه عزوجل بقوله: {ووهَبْنا لِداودَ سُلَيمَانَ نِعْمَ العبدُ إنَّه أوَّاب} [ص، 30] ؛ سليمانَ عليه السلام قد وقع منه الشرك نتيجة تعلُّقه بنسائه اللواتي أَمَلْنَ قلبه وراء آلهةٍ أخرى3.

والتوراة المحرَّفة حُبلى بأمثال هذه النصوص التي لا تُراعي حرمةَ الرسالة، ولا تُبالي بمنزلة النبوّة.

أمَّا نظرة النصارى إلى الأنبياء ـ خلا نبيِّهم عيسى عليه السلام، فإنَّهم لم يؤمنوا برسولنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، ورأوا أنَّ الأنبياء ـ قبل نبيِّهم ـ عُصاة، قد حملوا جريرة أبيهم آدم عليه السلام حين عصى ربَّه فأكل من الشجرة، فلزمتهم الخطيئة، حتى جاءهم مَنْ يُخلِّصهم من ذنبٍ لم يرتكبوه4.

1 العهد القديم: سفر التكوين 19: 30-38.

2 انظر العهد القديم: سفر صموئيل الثاني 11: 2-27.

3 انظر العهد القديم: سفر الملوك الأول 11: 1-13.

4 انظر عصمة الأنبياء بين اليهوديَّة والمسيحيَّة والإسلام لمحمود ماضي ص 54.

ص: 62

وكذا لو نظرنا في معتقدات البراهمة (الهندوس) ، نلمحها ناضحةً بإنكار النبوات، والتكذيب بوجود الأنبياء؛ فـ (براهما) الرجل الذي ينتسبون إليه قرَّر استحالة بعثة الأنبياء عقلاً.

يقول أبو الفتح محمَّد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548هـ) : “ وهؤلاء البراهمة إنَّما انتسبوا إلى رجلٍ منهم يُقال له براهم، وقد مهَّد لهم نفي النبوَّات أصلاً، وقرَّر استحالة ذلك في العقول”1.

ووافق أغلب البوذيَّةِ البراهمةَ في معتقدهم هذا، وعلَّلوا إنكارهم النبوَّةَ بأنّ الأرواح قد أُودِعَتْ قوى تستطيع بها أن تعرف الخير من الشرّ، ومن أجل ذلك لا يُرسل الله رسلاً اكتفاء بذلك2.

وهذا التكذيب بالأنبياء، وعدم الإيمان بهم حقيقةً، وُجِد عند كثيرٍ من الفرق المنتسبة إلى الإسلام:

منها: أغلب فرق الباطنية؛ كالإسماعيليَّة3، والنصيريَّة، والدروز4، ونحوهم؛ الذين يعتقدون أنَّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام طلَاّب دنيا ورئاسة، منهم من أحسن في طلبها، ومنهم من أساء.

1 الملل والنحل للشهرستاني ص 506-507.

2 انظر أديان الهند الكبرى لأحمد شلبي ص 182.

3 من فرق الباطنيَّة. قالت بإمامة محمَّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق. يجمعها مع فرق الباطنيَّة القول بالظاهر والباطن للنصوص الشرعيَّة، والقول بالتناسخ أيضاً. (انظر طائفة الإسماعيليَّة لمحمد كامل حسين ص 11 وما بعدها) .

4 من فرق الباطنيَّة. تعتقد ألوهيَّة الحاكم بأمر الله. تربَّت في أحضان الإسماعيليَّة، ثمّ انشقت عنها، وخرجت عليها ببعض المعتقدات التي تُخالفها ـ ظاهراً. (انظر الحركات الباطنية للخطيب ص 199) .

ص: 63

فمن العقائد الرئيسيَّة في الديانة الدرزيَّة: إنكار ومحاربة جميع الأنبياء والرسل، وشرائعَهم، ونسبتهم إلى الجهل، لكونهم دعوا النَّاس إلى توحيد العدم ـ بزعمهم ـ وما عَرَفوا الإله الظاهر ـ الحاكم بأمر الله1.

والملاحظ أنَّهم يقذفون الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ بأقذع وأفحش الأسماء والألفاظ؛ كالقبل، والدبر، والبول، والغائط. ولا يخلو مجلسٌ من مجالسهم من التشنيع، والسبّ، والشتم لأولئك المصطفَين الأخيار2.

وهم يُطلقون على أولي العزم من الرسل (نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، محمَّد ـ عليهم الصلاة والسلام) اسم إبليس، والشيطان3.

ونظرة في معتقدات القاديانيَّة تؤكِّد أنَّ زعيم هذه الفرقة، وأتباعَه يُنكرون أن تكون رسالة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم خاتمة الرسالات، ويزعمون أنَّ النبوَّة جارية، وأنَّ الله يُرسل رسلاً حسب الضرورة4.

يقول محمود أحمد؛ ابن القاديانيّ الكذَّاب، وخليفته الثاني: “نحن ـ أي القاديانيَّة ـ نعتقدُ بأنَّ اللهَ لا يزال يُرسل الأنبياء لإصلاح هذه الأمَّة، وهدايتها على حسب الضرورة”5.

ولايكتفون بذلك، بل يُفضِّلون نبيَّهم المزعوم على سائر الأنبياء، بل وعلى نبيِّنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم أيضاً6.

1 انظر خطط الشام لمحمد كرد علي 6/264.

2 انظر الحركات الباطنيَّة في العالم الإسلامي للخطيب ص 302.

3 انظر عقيدة الدروز لمحمد أحمد الخطيب ص 170.

4 انظر القاديانيَّة والاستعمار الإنجليزي لعبد الله سلُّوم السامرائي ص 166-167.

5 جريدة (الفضل) القاديانيَّة، عدد 14 مايو 1925م. نقلاً عن القاديانيَّة ـ دراسات وتحليل ـ لإحسان إلهي ظهير ص 102.

6 انظر القاديانيَّة لإحسان إلهي ظهير ص 57-58، 65-66.

ص: 64

يقول غلام أحمد القادياني ـ نبيّ القاديانيَّة المزعوم ـ (ت 1908م) : “أنا أفضل من جميع الأنبياء والرسل، ولذا سُمِّيتُ آدمَ، وشيثاً، ونوحاً، وإبراهيم، وإسحاق، وإسماعيل، ويعقوبَ، ويوسفَ، وموسى، وداود، وعيسى”1.

ويقول في موضعٍ آخر: “وآتاني ما لم يؤت أحداً من العالمين”2.

وقد حاول القادياني أن يُقلِّد الأنبياء الذين يُطلعهم الله عزوجل على المغيّبات، فادّعى ـ كذباً ـ أنّ الله تعالى أطلعه على كثيرٍ من أمور الغيب، وأخبر بها أتباعه، ولكن لم يَصْدُقْ من تلك الأخبار خبرٌ واحد، بل كانت كلّها كاذبة، لا توافق الواقع البتة3.

وكذا لو تأمَّل الناظر في أفكار ومعتقدات المذاهب المعاصرة؛ من علمانيَّة، وقوميَّة، وشيوعيَّة، لخرج بنتيجة مفادها: أنَّ تلك المذاهب تُنكر النبوَّة، وتدعو إلى الإلحاد.

وهذا يؤكِّد مدى التشابه الموجود بين الأديان القديمة، والمذاهب المعاصرة في موقفهم من الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ممَّا يجعل الباحث يجزم بتأثُّر اللاحقين بالسابقين.

1 هامش حقيقة الوحي للقادياني ص 72، نقلاً عن القاديانيَّة لإحسان ص 71.

2 إعجاز أحمدي للقادياني ص 87، نقلاً القاديانية لإحسان ص 69.

3 انظر القاديانيَّة لإحسان إلهي ظهير ص 107 وما بعدها.

ص: 65