الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقفة الثالثة: من خلال مفارنة معتقداتهم في اليوم الآخر
…
الوقفة الثالثة: من خلال مقارنة معتقداتهم في اليوم الآخر:
من المعلوم من الدين بالضرورة أنّ النَّاس إذا ماتوا فقد قامت قيامتهم، ودخلوا في دار البرزخ التي تستمرّ حتى يوم البعث.
وبعد دار البرزخ، يُبعث النَّاس من قبورهم للحساب والجزاء.
فمن أنكر شيئاً من ذلك، فقد أنكر معلوماً من الدين بالضرورة.
ومن أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، فهو كافر.
فمن أنكر البعث بعد الموت، والجزاء، والحساب، والجنَّة، والنَّار، فهو كافرٌ؛ لقوله تعالى:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [النحل: 71] .
وقد دخل على أصحاب الديانات السابقة تحريفٌ خطيرٌ في معتقد الإيمان بالبعث بعد الموت، وما يعقبه من الحساب والجزاء.
فاليهود يعتقدون برجعة بعض الأموات ـ وهم بنو إسرائيل ـ إلى دار الدنيا قبل يوم القيامة. وهذه العقيدة من لوازم إيمانهم بـ (المخلِّص المنتظر) ، وبـ (يوم الربّ) ، أو (آخر الأيام) ، وكلُّها تنضوي تحت ما يُسمَّى (الإيمان بالأخرويَّات)(Eschatology) ؛ أي الأمور الحادثة في آخر الزمان، والبعث، والآخرة.
ورد في كتاب دانيال قوله ـ في معرض حديثه عن آخر الأيَّام ـ: “وفي ذلك الوقت يقومُ ميخائيل الرئيس العظيم القائمُ لبني شعبك، ويكون زمانُ ضيقٍ، لم يكن منذ كانت أمّة إلى ذلك الوقتُ. وفي ذلك الوقتُ يجيء شعبُك؛ كلُّ مَنْ يُوجد مكتوباً في السِّفر، وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون؛ هؤلاء إلى الحياة الأبديَّة، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبديّ، والفاهمون يُضيئون كضياء الجلد. والذين ردُّوا كثيرين إلى البرّ كالكواكب إلى أبد الدهور”1.
1 سفر دانيال 11: 1-3.
وليس المراد هاهنا القيامة الكبرى؛ لأنَّ قوله:”وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون” لا يعني الكلّ، وما ورد من الإشارة إلى الحياة الأبديَّة، والعار الأبديّ، يُحمل على الثواب والعقاب الدنيويّ في عهد المخلِّص المنتظر عند اليهود؛ لأنَّنا نجد في كتاب (دانيال) نصوصاً كثيرةً تُصرِّح بأبديَّة مملكة المخلِّص المنتظر1
وقد ورد في سفر (حزقيال) وصفٌ دقيقٌ لكيفيَّة رجعة اليهود إلى الدنيا، وكيف تتجمَّع العظام، ثمّ تُكسى باللحم والعصب والجلد، ثمّ تدخل الروح في البدن، وتنشق القبور، ويخرج الأمواتُ منها: “.. فدخل فيهم الروح، فحيوا، وقاموا على أقدامهم، جيشٌ عظيمٌ جداً جداً. ثمّ قال لي: يا ابن آدم! هذه العظام هي كلّ بيت إسرائيل. هاهم يقولون: يبست عظامنا، وهلك رجاؤنا، قد انقطعنا. لذلك تنبّأ وقل لهم: هكذا قال السيّد الربّ: ها أنذا أفتح قبوركم، وأُصعدكم من قبوركم يا شعبي، وآتي بكم إلى أرض إسرائيل”2.
والنَّصارى ـ أيضاً ـ يعتقدون برجعة المسيح عليه السلام ومعه جماعة كبيرة ممَّن ماتوا ـ إلى دار الدنيا، قبل يوم القيامة، ولعلّ في رسالة (بولس) ـ الأولى ـ إلى أهل (تسالونيكي) ما يوضِّح ذلك، وممَّا جاء فيها: “ ثمّ لا أُريد أن تجهلوا أيُّها الإخوة من جهة الراقدين ـ الأموات ـ، لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم؛ لأنَّه إن كنَّا نؤمن أن يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون سيُحضرهم الله أيضاً معه”3.
1 انظر سفر دانيال 2: 44،، 7: 13-14.
2 سفر حزقيال 37: 1-12.
3 العهد الجديد: رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي 4: 13-14.
وقد ذكر بولس ـ في رسالته الثانية ـ أشراطاً كثيرة لا بُدَّ أن تقع قبل رجعة المسيح1 عليه السلام ومن معه، منها: ارتداد النَّاس، ومجاهرتهم بالمعاصي؛ “لأنَّه لا يأتي إن لم يأت الارتداد أولاً، ويستعلن إنسان الخطيئة”2.
ومن اليهود والنصارى انتقل معتقد الرجعة إلى الرافضة الذين ألَّفوا الكتب الكثيرة لإثبات هذا المعتقد الدخيل3.
وقد عرَّفوا الرجعة بقولهم: “الرجعةُ: عبارةٌ عن حشر قومٍ عند قيام القائم الحجَّة بن الحسن عليه السلام، ممَّن تقدَّم موتهم؛ من أوليائه وشيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ويبتهجوا بظهور دولته؛ وقوم من أعدائه ينتقم منهم، وينالون بعض ما يستحقونه من العذاب والقتل على أيدي شيعته، وليُبتلوا بالذلّ والخزي بما يُشاهدونه من علوّ كلمته. وهي عندنا الإماميَّة الإثنا عشريَّة تختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر، والباقون سكوتٌ عنهم”4.
وواضحٌ من قوله، أنَّ الرجعة لا تكون إلا لمن بلغ درجة عالية في الإيمان، أو من بلغ الغاية في الفساد والكفران.
وهذا المعتقد حملته فرق الرافضة جميعها ـ سيّما الإماميَّة منهم ـ، وجزم بصحته كبار علمائهم.
فهذا أحدهم يقول: “اعتقادنا في الرجعة أنَّها حقٌّ”5.
1 نحن لا نؤمن أنّ المسيح عليه السلام قد مات، بل معتقدنا أنّ الله رفعه إليه، وأنَّه سينزل في آخر الزمان. ونزوله لا يُوافق معتقد النصارى في رجعته ورجعة عدد من الأموات معه.
2 العهد الجديد: رسالة بولس الثانية إلى أهل تسالونيكي 2: 3.
3 منها: إكمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الرجعة لابن بابويه القمي، والإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة للحر العاملي، والرجعة لأحمد الأحسائي، وغيرها.
4 عقائد الإماميَّة الإثني عشريَّة لإبراهيم الزنجاني 2/228.
5 علم اليقين في أصول الدين لمحسن الكاشاني 2/827.
وآخر يقول: “إجماع جميع الشيعة الإماميَّة، وإطباق الطائفة الإثني عشريَّة على اعتقاد صحَّة الرجعة، فلا يظهر منهم مخالفٌ يُعتدّ به من العلماء السابقين ولا اللاحقين”1.
وهذا ما جعل المستشرق (برنارد لويس)[Bernard Lewis] يجزم بأنَّ اعتقاد الرجعة من خصائص فرق الشيعة، بقوله: “ومن هنا ظهرت لأوَّل مرة عقيدة الغيبة والرجعة المهدويّتين اللتين هما من خصائص جميع فرق الشيعة المتأخِّرة تقريباً”2.
فمعتقد الرجعة ـ إذاً ـ أخذه الرافضة عن اليهود كما تبيَّن.
وثمَّة عقيدة أُخرى خالفت معتقد المسلمين في اليوم الآخِر، ألا وهي عقيدة تناسخ الأرواح، المبنيَّة على إنكار البعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال.
وأوَّل من قال بها أصحاب الديانات الهنديَّة الوضعيَّة؛ كالهندوسيَّة، والبوذيَّة، الذين يُنكرون البعثَ بعد الموت، والجزاءَ والحساب في الآخرة جملةً وتفصيلاً، ويقولون بوجوب الجزاء والحساب على الأعمال ـ من خيرٍ وشرّ ـ في دار الدنيا، لا في الآخرة، ويعتقدون أنَّ الروح تنتقل من جسدها عند الموت إلى جسدٍ آخر غير السابق، ويُطلقون على ذلك اسم (سمسارا Samsara) ؛ “فالنَّفس ـ الروح ـ أبديَّة الوجود، لا عن ولادة، ولا إلى تلفٍ وعدمٍ، بل هي ثابتةٌ قائمةٌ، لا سيف يقطعها، ولا نارَ تُحرقها، ولا ماء يُغصّها، ولا ريح تُيَبِّسُها، لكنها تنتقل عن بدنها إذا عُتِق، نحو آخر..”3.
ومن ذلك جاء اعتقادهم في تناسخ الأرواح، وهو الطابع الذي امتازت به
1 الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة للحر العاملي ص 42.
2 أصول الإسماعيليَّة لبرنارد لويس ص 88.
3 تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة للبيروني ص 40.
النحلة الهنديَّة ـ سيّما البرهميَّة ـ، حتى قال البيروني (ت 440هـ) في ذلك: “كما أنَّ الشهادة بكلمة الإخلاص شعارُ إيمان المسلمين، والتثليث علامةُ النصرانيَّة، والإسبات1 علامةُ اليهوديَّة، كذلك التناسخُ عَلَمُ النحلة الهنديَّة، فمن لم ينتحله، لم يكُ منها، ولم يُعدّ من جملتها”2.
واعتقادهم بتناسخ الأرواح أمرٌ ناتجٌ عن إنكارهم البعث؛ لأنَّهم يرون ـ كما مرّ ـ أنّ الجزاء يكون على الروح حين انتقالها بين الأجساد؛ إذ من عقائدهم أنَّ من مات انتقلت روحه إلى حيّ جديد، ثمّ إلى آخر بعد موته، ثمّ إلى ثالثٍ، وهكذا، إلى ما لا نهاية، وهذه الروح لا بُدّ أن تلقى معاقبة أو إثابة الأعمال التي لم تلق جزاءها في الحياة السابقة.
وليس أمام الروح ـ في الديانات الهنديَّة القديمة ـ إذا تخلَّصت من بدنها إلَاّ أحد ثلاثة عوالم تتصل بها؛ “أوّلها العالم الأعلى، وهو الملائكة، تصعد إليه الروح إن كانت بعملها تستأهل الصعود إليه، والخلاص من الجسم، والسموّ إلى الملكوت الأعلى؛ والعالم الثاني عالم النَّاس، وهو عالمنا الحاضر معشر الآدميِّين، والنفس تعود إليه بالحلول في جسم إنسانيّ آخر، لتكتسب عمل خيرٍ، ولتجتنب عمل شرٍّ، إذا كانت أعمالها في الجسم الأول لا ترفعها إلى مراتب التقديس في أعلى عليِّين، ولا تنزل بها إلى أسفل سافلين في العالم الثالث، وهو عالم جهنَّم”3.
وعالم جهنَّم هذا ليس في درجة واحدة، فقد يكون انتقال الروح إلى جسد شيطان، وقد يكون إلى حيوان، وقد يكون إلى حشرات؛ فقد ورد في شريعة (منو) أنَّ “الطالب الذي يستمع إلى غيبة شيخه، يُولد في الحياة الثانية في جنس
1 أي قيام اليهود بأمر السبت. (القاموس المحيط للفيروزأبادي ص 195) .
2 تحقيق ما للهند من مقولة للبيروني ص 39.
3 مقارنات الأديان ـ الديانات القديمة ـ لمحمد أبو زهرة ص 43.
الحمار، والذي ينتقده، يُولد في هيئة الشيطان، والذي يُضيِّع أمواله، يُولد في حالة الحشرات”1.
بل “إنَّ أحطّ درجات الظلمة تجعل من المخلوقات جماداتٍ، وحشراتٍ صغيرةً وكبيرةً، وسمكاً، وحيَّاتٍ، وسلاحفَ، وحيواناتٍ أهليَّةً، وأخرى ضارية. والدرجة المتوسّطة من درجات الظلمة، تجعل من المخلوقات فيلة، أو خيلاً، أو أُناساً من طبقات الشودرا2، أو من طبقة الأسافل، أو أسوداً، أو نموراً، أو خنازير.. “3.
وعقيدة التناسخ هذه، قد قامت عند أهلها القائلين بها على دعائم أربع4:
1-
أنَّ الدنيا دار الجزاء؛ ثواباً كان، أو عقاباً.
2-
أنَّ رجوع الروح إلى الدنيا يتكرّر مراراً؛ بولادة في جسدٍ جديدٍ، أو بغير ولادة.
3-
أنَّ هذا التكرار لا نهاية له ـ عند أصحاب هذا المعتقد الفاسد ـ، إلا بالترقِّي التدريجي في درجات التناسخ، فتُصفَّى الروح الطيِّية شيئاً فشيئاً، حتى تصل إلى درجة معيَّنة، هي بالنسبة لها نهاية الكمال.
4-
أنَّ الأرواح يتميَّز طيّبها من خبيثها في درجات التناسخ.
وعن هذه الديانات الوضعيَّة ـ الهندوسيَّة، والبوذيَّة ـ أخذت بعض فرق
1 شريعة (منو)، الباب الثاني: 201، نقلاً عن مقارنات الأديان لأبي زهرة ص 43-44.
2 الشودرا هي أحطّ طبقات الهندوس، وهم الذين خُلقوا ـ بزعم علماء الهندوس ـ لخدمة الطبقات الأخرى ـ البراهمة، الكاستريا، ويشا (بويسيه) . [السيخ، أو العدو الخفي لمحمد إبراهيم الشيباني ص 12، 22-23] .
3 البوذيَّة: تاريخها، وعقائدها، وعلاقتها بالصوفيَّة لعبد الله نومسوك ص 254.
4 انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 1/165-169. والملل والنحل للشهرستاني ص 343-344، 599.
الباطنيَّة؛ كالإسماعيليَّة، والنُّصَيْرِيَّة، والدروز معتقد تناسخ الأرواح، واستغلّته “لنسخ مبدأ المعاد، وإنكار الجنَّة والنَّار، والطعن بالفرائض، وإباحة المحرَّمات”1.
فالإسماعيليَّة يعتقدون أنَّ أرواح مخالفيهم لا تزال تتناسخها الأبدان، وتتعرَّض فيها للألم والأسقام؛ فلا تُفارق بدناً، إلاّ ويتلقَّاها آخر، وهذا هو عقابها2.
يقول أحدُ دعاتهم ـ وهو إبراهيم بن الحسين الحامدي (ت 557?) ـ مقرِّراً ذلك: “إنَّ النَّفس في عالم الكون والفساد كائنة في الأجساد، وهي الأرواح الهابطة للزلَّة التي كانت منها، والخطيئة التي جَنَتْها؛ فأُهبطت وأُبعدت من دار الكرامة، فبقيت معذَّبة مربوطة بالطبيعة الحسيَّة، والتكليفات اللازمة لها في الشرائع النَّاموسيَّة، جزاء لها بما أسلفت”3.
فأرواح المخالفين للإسماعيليَّة تبقى محبوسة في الأبدان أبد الدهر، والبدن بالنسبة لها هو القبر؛ كما ورد في تأويلاتهم الباطنيَّة: “والقبر: فهو الصورة الجسمانيَّة، والهياكل الجرمانيَّة”4.
واعتقد النُّصيريَّة كذلك تناسخ الأرواح، وقالوا: “ليس قيامة، ولا آخرة، وإنَّما هي أرواحٌ تتناسخ بالصور، فمن كان محسناً، جُوزي بأن يُنقل روحه إلى جسدٍ لا يلحقه فيه ضررٌ ولا ألم، ومن كان مسيئاً، جُوزي بأن يُنقل روحه إلى أجسادٍ يلحق الروح في كونه فيها الضرر والألم، وليس شيء غير ذلك، وأنَّ الدنيا لا تزال أبداً هكذا”5.
1 الشعوبيَّة حركة مضادَّة للإسلام والأمَّة العربيَّة لعبد الله سلُّوم السامرائي ص 62.
2 انظر الإفحام لأفئدة الباطنيَّة الطغام ليحيى بن حمزة العلوي ص 21.
3 كنز الولد للحامدي ص 112-113.
4 الدستور ودعوة المؤمنين للحضور لشمس الدين الطيبي ص 93.
5 نقل هذا المعتقد عنهم: أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميِّين 1/119.
فالمعاد ـ عندهم ـ عودة أرواح مؤمنيهم إلى العالم الروحاني ـ الذي منه انفصالها ـ بعد أدوار تتردَّد فيها في الأجساد. أمَّا مخالفوهم فأرواحهم تتناسخ أيضاً، ولكنْ شتَّان بين تناسخ هذه الأرواح وتلك؛ فأبناء طائفتهم لا يجري عليهم المسخ ـ وهو انتقال الروح من جسد آدميّ إلى جسد حيوان ـ، وإنَّما يجري عليهم النّسخ ـ وهو انتقال الروح من جسد آدميّ إلى جسد آدمي آخر ـ لعدّة دورات، تُطهَّر أرواحهم فيها تماماً، وتصير نوراً خالصاً، ثمّ تصعد إلى السماء، لتتخذ من الكواكب والنجوم مستقرًّا لها؛ أي أنها تلحق بالعالم النوراني الأكبر ـ على حدّ زعمهم ـ؛ فتكون بذلك قد عادت إلى مستقرّها الأصليّ الحقيقيّ1.
أمَّا مخالفوهم ـ وهم الذين لا يؤمنون بألوهيَّة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فيجري عليهم سائر أشكال التناسخ ـ عدا النسخ ـ؛ “لأنَّ الواحد منهم لا يُركَّب في صورةٍ إنسانيَّة أصلاً، وإنَّما يُركَّب في الصورة البهيميَّة، وكذلك في صورة السباع والوحوش؛ حتى يَرِدَ في صورةٍ يُستوحَش منها. وهذا دأبه وديدنه أبد الآبدين”2.
وليس انتقال أرواح مخالفي النصيريَّة في الصور الحيوانيَّة فقط، بل “في كلّ شيءٍ خالف الصورة الإنسانيَّة”3.
فيُمكن أن تنتقل أرواحهم إلى صور جامدةٍ؛ من معدنٍ، وحجرٍ، وحديدٍ، وغيره؛ فتذوق بذلك حرّ الحديد والحجر، وبردَه4.
وليس معتقد الدروز في التناسخ عن معتقد النصيريَّة فيه ببعيد، وإن كان
1 انظر الهفت الشريف للمفضل الجعفي ص 49-50.
2 الهفت الشريف للمفضل الجعفي ص 142.
3 المصدر نفسه ص 66.
4 انظر تعليم الديانة النصيريَّة ـ مخطوط- ق 17/أ، نقلاً عن الحركات الباطنيَّة للخطيب.
يُخالفه في شكل انتقال الروح؛ إذ الروح ـ عند الدروز ـ في انتقالها تلزم شكلاً واحداً فقط؛ هو الانتقال من جسدٍ بشريّ إلى جسدٍ بشريّ آخر؛ سواء أكان الجسد لمخالفٍ لهم، أو موافق1.
من أجل ذلك كرهوا لفظ (التناسخ) ، واستبدلوه بلفظ (التقمُّص) ، ورأوا أنّ القول بوقوع التناسخ بين عامَّة المخلوقات لا يجوز، بل هو قاصرٌ على بني البشر فقط2.
وهذا الذي ذكرته من معتقدات الإسماعيليَّة، والنصيريَّة، والدروز ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ، هو عين معتقد أصحاب الديانات الهنديَّة، وهو يؤكِّد وقوع التأثُّر من اللاحقين بالسابقين، ويؤكِّد قول الشهرستاني (548?) عن الفرق الغالية: “إنَّما نشأت شبهاتهم من مذاهب الحلوليَّة، ومذاهب التناسخيَّة، ومذاهب اليهود والنَّصارى”3.
1 انظر طائفة الدروز لمحمد كامل حسين ص 124-125.
2 انظر مذهب الدروز والتوحيد لعبد الله النجَّار ص 62.
3 الملل والنحل للشهرستاني ص 173.