الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرعٌ: قال ابن وهبٍ والحاكم: يقول فيما قرأ عليه الشيخ وهو وحده: حدثني، فإن كان معه غيره: حدثنا، وفيما قرأه على الشيخ وحده: أخبرني، فإن قرأه غيره: أخبرنا، قال ابن الصلاح: وهذا حسنٌ فائق، فإن شك أتى بالمحقق وهو الوحدة: حدثني أو أخبرني عند ابن الصلاح والبيهقي، وعن يحيى بن سعيد القطان يأتي بالأدنى، وهو حدثنا أو أخبرنا، قال الخطيب البغدادي: وهذا الذي قاله ابن وهبٍ مستحب لا مستحق عند أهل العلم كافة.
هذا الفرع ينقله الحافظ رحمه الله يقول: "قال ابن وهبٍ والحاكم: يقول فيما قرئ على الشيخ وهو وحده: حدثني" بالإفراد؛ لأنه يحكي الواقع، "فإن كان معه غيره حدثنا، وفيما قرأه على الشيخ وحده: أخبرني، فإن قرأه غيره: أخبرنا" على أنه يجوز أن يقول: حدثنا وأخبرنا وإن كان منفرداً بذلك؛ لأن العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، كما نقله الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، في تفسير سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [(1) سورة القدر] قال:"والعرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع".
"قال ابن الصلاح: وهذا حسنٌ فائق، فإن شك أتى بالمحقق وهو الوحدة" الأصل أنه منفرد واحد، وهل معه غيره أو لا؟ مشكوك فيه، "وعن يحيى بن سعيد القطان يأتي بالأدنى، وهو حدثنا وأخبرنا"، حدثنا مع الجمع لا شك أنه أقل من حدثني؛ لأنه غير مقصود بالتحديث، إذا كان مع جمع، "قال الخطيب البغدادي: وهذا الذي قاله ابن وهب مستحب لا مستحق" يعني غير لازم، وإنما هو لمزيدٍ في بيان الواقع، "لا مستحقٌ" يعني أنه لا مندوحة عنه، بل يلزم الإتيان به، "عند أهل العلم كافة".
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صحة سماع من ينسخ أو إسماعه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
قال الإمام ابن كثيرٍ -رحمه الله تعالى-: فرعٌ: اختلفوا في صحة سماع من ينسخ أو إسماعه، فمنع من ذلك إبراهيم الحربي وابن عدي وأبو إسحاق الإسفراييني، وقال أبو بكر أحمد بن إسحاق الصدغي يقول: حضرت، ولا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، وجوزه موسى بن هارون الحافظ، وكان ابن المبارك ينسخ، وهو يُقرأ عليه، وقال أبو حاتم: كتبت عند عالمٍ وهو يقرأ، وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ، وحضر الدارقطني وهو شاب فجلس إسماعيل الصفار، وهو يملي، والدارقطني ينسخ جزءاً، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال: فهمي للإملاء بخلاف فهمك، فقال له: كم أملى الشيخ حديثاً إلى الآن؟ فقال الدارقطني: ثمانية عشر حديثاً، ثم سردها كلها عن ظهر قلب بأسانيدها ومتونها، فتعجب الناس منه.
قلتُ: وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي -تغمده الله برحمته- يكتب في مجلس السماع، وينعس في بعض الأحيان، ويرد على القارئ رداً جيداً بيناً واضحاً، بحيث يتعجب القارئ من نفسه أنه يغلط فيما في يده وهو مستيقظ، والشيخ ناعسٌ وهو أنبه منه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
قال ابن الصلاح: وكذلك التحدث في مجلس السماع، وما إذا كان القارئ سريع القراءة، أو كان السامع بعيداً من القارئ، ثم اختار أن يغتفر اليسير من ذلك، وأنه إذا كان يفهم ما يُقرأ مع النسخ فالسماع صحيح، وينبغي أن يجبر ذلك بالإجازة بعد ذلك كله، قلتُ: هذا هو الواقع في زماننا اليوم أنه يحضر مجلس السماع من يفهم ومن لا يفهم، والبعيد من القارئ والناعس، والمتحدث والصبيان الذين لا ينضبط أمرهم، بل يلعبون غالباً، ولا يشتغلون بمجرد السماع، وكل هؤلاء قد كان يكتب لهم السماع بحضرة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي رحمه الله، وبلغني عن القاضي تقي الدين سليمان المقدسي أنه زُجر في مجلسه الصبيان عن اللعب فقال: لا تزجروهم، فإنا إنما سمعنا مثلهم.
وقد روي الإمام العلم عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: يكفيك من الحديث شمه، وكذا قال غير واحد من الحفاظ، وقد كانت المجالس تعقد ببغداد وبغيرها من البلاد فيجتمع الفئام من الناس بل الألوف المؤلفة ويصعد المستملون على الأماكن المرتفعة، ويبلغون عن المشايخ ما يملون، فيحدث الناس عنهم بذلك، مع ما يقع في مثل هذه المجامع من اللغط والكلام.
وحكى الأعمش أنهم كانوا في حلقة إبراهيم إذا لم يسمع أحدهم الكلمة جيداً استفهمها من جاره، قلتُ: وقد وقع هذا في بعض الأحاديث عن عقبة بن عامر وجابر بن سمرة وغيرهما، فهذا هو الأصلح للناس، وإن كان قد تورع آخرون، وشددوا في ذلك، وهو القياس، والله أعلم.
بركة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لما ذكر الطريق الأول من طرق التحمل، والثاني السماع من لفظ الشيخ، والقراءة على الشيخ العرض، نبه على أمرٍ يوجد مع كثرة الطلاب، يوجد مع كثرة الطلبة، وهو تشاغل بعض الطلاب عن السماع، عن السماع من لفظ الشيخ، أو سماع صوت القارئ على الشيخ، فبعضهم ينعس، وبعضهم يكتب، إيش معنى يكتب؟ يكتب شيئاً آخر غير ما يُملى، وغير ما يُقرأ، وبعضهم ينظر في كتابٍ ثان، يعني نظير ما هو موجود الآن في قاعات المحاضرات إذا كثر العدد، تجد بعض الطلاب يتحدث إلى زميله، وبعضهم ينظر في كتابٍ آخر، وبعضهم عنده امتحان بعد قليل -يعني بعد هذه المحاضرة- فيقرأ في كتابٍ آخر سوف يمتحن به، هذا لا شك أنه خلل في السماع، بل خللٌ كبير؛ لأن الله سبحانه وتعالى ما جعل لرجلٍ من قلبين في جوفه، فهل يصح السماع والحالة هذه؟ يصح أن يروي من هذا وضعه، شخص ينعس والشيخ يحدث يجوز أن ينقل عن الشيخ؟ شخص ينظر في كتابٍ آخر أو يكتب يجوز أن يروي عن الشيخ الذي يحدثه؟ هذا محل البحث في هذا الفرع.
فيقول -رحمه الله تعالى-: "فرعٌ: اختلفوا في صحة سماع من ينسخ أو إسماعه، فمنع من ذلك إبراهيم الحربي وابن عدي وأبو إسحاق الإسفراييني" هذا هو الأصل، الأصل في ذلك المنع، ويندر أن يوجد مثل هذا في عصور الرواية، وإنما يوجد من هذا وصفه بعد أن استقرت السنة، ودونت في الكتب، وصار السماع والقراءة والعرض والإجازة وجميع طرق التحمل فائدتها مجرد إبقاء سلسلة الإسناد، ولا يترتب عليها تصحيح ولا تضعيف، الأحاديث الثابتة ثابتة، والمردودة مردودة، والأمر مفروغٌ منه، فبعد أن دونت الأحاديث في الكتب وأثبت الثابت، ونفي المردود، تساهل الناس في التحمل والسماع، وحصل من كثيرٍ من الطلاب ما يحصل.
منع من ذلك جمعٌ من أهل العلم حتى في العصور المتأخرة، وهذا هو الأصل، كيف تقول: سمعتُ فلان وأنت مع جارك كأنك في قاعة أو صالة أفراح، في عرس، كل اثنين يتحدثان معاً، كيف يصوغ لك أن تقول: سمعت فلاناً، أو حدثني فلان، أو أخبرنا فلان؟ هذا هو الأصل، المنع، لكن لما كان الأثر المرتب على هذا السماع ضعيف، لا يترتب عليه ثبوت ولا عدمه، لا تصحيح ولا تضعيف، وإنما مجرد إبقاء السلسلة، سلسلة الإسناد؛ ليقول: حدثنا فلان عن فلان إلى النبي عليه الصلاة والسلام من غير أثرٍ عملي أجازه جمعٌ من أهل العلم، "وكان أبو بكر أحمد بن إسحاق الصبغي يقول: حضرتُ" نعم هو حضر، يعني ما عدا الحقيقة حضر صحيح، لكن هل سمع أو حُدث أو أُخبر؟ لا، "ولا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، وجوزه موسى بن هارون -الحمال- الحافظ" المعروف، قال: "وكان ابن المبارك ينسخ وهو يُقرأ عليه"، كيف ينتبه الشيخ الذي ينسخ والقارئ يقرأ عليه؟ نعم أفهام الناس تختلف، ومداركهم متفاوتة، يوجد من ينتبه إلى أكثر من شخص يقرأ عليه في آنٍ واحد، ويرد على هذا، ويقوم خطأ هذا، ويذكر عن الإمام المقرئ علم الدين السخاوي أنه كان يقرأ عليه العشرة من الناس، من مواضع مختلفة من القرآن ويرد عليهم، يرد على كل واحدٍ يخطئ منهم، نعم الناس يتفاوتون في النباهة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وبعض الناس بصدد سماع قراءة واحد، شخصٍ واحد، ويفوته الشيء الكثير.
"قال أبو حاتم: كتبت حديث عارم" عارم من هو؟ اسمه إيش؟ اسمه إيش عارم؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
محمد بن الفضل، نعم "وعمرو بن مرزوق" وهو يقرأ، كلاهما يقرأ، وعارم إمام من أئمة السنة، وشيخ للأئمة، شيخ للبخاري وغيره، وعمرو بن مرزوق مخرجٌ له في الصحيح، وإن كان فيه كلام.
وفي البخاري احتجاجاً عكرمة
…
مع ابن مرزوق وغير ترجمة
هذا متكلمٌ فيه بلا شك، لكن يقول:"وحضر الدارقطني، وهو شابٌ فجلس إسماعيل الصفار، وهو يملئ، والدارقطني ينسخ جزءاً" ينسخ كتاب آخر بعيد كل البعد عما يُملى، "فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك" يظن أن الدارقطني مثله، إذا اشتغل بشيء غفل عن غيره "فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، قال: فهمي للإملاء بخلاف فهمك، فقال له: كم أملى الشيخ حديثاً إلى الآن؟ فقال الدارقطني: ثمانية عشر حديثاً، ثم سردها كلها عن ظهر قلب -يعني على ترتيبها برواتها- بأسانيدها ومتونها -ما أخل بكلمة- فتعجب الناس منه، والله أعلم" ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وكان الشيخ -هنا يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي" وله به عناية، المزي له عناية بابن كثير، وابن كثير ملازم للمزي، والحافظ المزي أهل لأن يلازم، وإن كان عاد الحافظ ابن كثير معه هو زوج بنت المزي، ويعتني به كثيراً رحمه الله، "تغمده الله برحمته يكتب في مجلس السماع، وينعس في بعض الأحيان، ويرد على القارئ رداً بيناً جيداً واضحاً -وهو ينعس- بحيث يتعجب القارئ من نفسه أنه يغلط فيما في يده، وهو مستيقظ، والشيخ ناعسٌ، وهو أنبه منه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
من اهتم لشيء عرفه وأتقنه وضبطه، ولم يغفل عنه بحال، وصار على ذكرٍ منه في سائر الأحوال، من كان ديدنه النظر في كتاب الله، وقراءة القرآن، ويردده، ويلهج به فإنه لا ينساه، ولو خلّط في آخر عمره، ولو اختلط، يعني ولو (هذرى) على اصطلاح بعض الناس، ولو حصل له ما حصل من إغماء، وقد سُمع من يقرأ القرآن واضحاً وهو في العناية المركزة، ما يسمع ما حوله، ولا ينطق بكلمة، لماذا؟ لأن القرآن اختلط بلحمه ودمه، ويذكر عن أشخاص لزموا الأذان عشرات السنين، أربعين، خمسين سنة، ثم صاروا في أواخر أعمارهم ما يفقهون شيء، إذا جاء وقت الأذان أذن، وسُمع منه الأذان واضح، هناك وقائع وحوادث كثيرة من هذا النوع.
شيخٌ من شيوخنا حصل له حادث أدخل العناية ما يعرف أحد، ولا يسمع ولا يبصر، ولا ينطق بكلمة، والقرآن يسمع منه واضح كما هو، ولا شك أن هذا دليل على .. ، أو برهان على حسن الخاتمة، ونعرف شخصاً أقرأ القرآن ستين سنة أو أكثر، ومات فجأةً، وهو ينتظر طلوع الشمس، ورأسه في المصحف، المصحف في حجره ورأسه على المصحف، وهو ينتظر طلوع الشمس، نسأل الله للجميع حسن الخاتمة.
على كل حال من اعتنى بشيء واهتم به يدركه إدراكاً بيناً، ويكون على ذكرٍ منه في جميع أحواله، فلا يتعجب أن ينعس الشيخ ويرد على القارئ.
أبو زرعة الرازي وهو إمام من أئمة الحديث في النزع، وقت خروج الروح، هابوا أن يلقنوه، هابوا أن يقولوا له: قل: لا إله إلا الله، إمام كبير، كأن الحاضرين قالوا: كيف ننقل هذا إمام كبير ما يحتاج إلى تلقين؟ فتحايل بعضهم وجاء بحديث التلقين فقلب إسناده، قلب الإسناد جعل الأول الثاني والثاني الثالث وهكذا، الشيخ في النزع فانتبه الشيخ فجأة وأعاد الإسناد كما هو، فقال:((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله .. )) فخرجت روحه قبل أن يكمل الحديث، فكان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله رحمه الله.
"قال ابن الصلاح: وكذلك التحدث في مجلس السماع، وما إذا كان القارئ سريع القراءة" بعض الناس إذا صار يقرأ يأكل بعض الحروف، "إذا كان القارئ سريع القراءة، وكان السامع بعيداً من القارئ" ما يسمع كل ما يُقرأ، "ثم اختار أنه يغتفر اليسير من ذلك"، يعني لو فاته حرف حرفين كلمة فقط يجوز له أن يروي ذلك الحديث، وإن فاته ما فاته من الشيء اليسير، "وأنه إذا كان يفهم ما يقرأ مع النسخ فالسماع صحيح، وينبغي أن يجبر ذلك بالإجازة بعد ذلك كله" يعني الشيخ إذا رأى أن بعض الطلبة يتغافلون، وبعضهم ينعس، وبعضهم يحدث بعض، يجبر هذا المجلس بالإجازة، بأن يقول: أجزت لجميع من سمع أن يروي عني هذا الحديث، أو هذا الكتاب، والإجازة نوع من أنواع التحمل، يأتي الحديث عنه قريباً -إن شاء الله تعالى-.
يقول: "هذا هو الواقع في زماننا اليوم أن يحضر مجلس السماع من يفهم ومن لا يفهم" من الصغار والكبار، العرب والأعاجم وغيرهم، "والبعيد من القارئ، والناعس، والمتحدث والصبيان الذين لا ينضبط أمرهم، بل يلعبون غالباً، ولا يشتغلون بمجرد السماع، وكل هؤلاء قد كان يكتب لهم السماع بحضرة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي رحمه الله".
قد يقول قائل: إذا كان رواية الحديث وسماعه بهذا التساهل كيف نثق بأخبار وصلتنا من طريق هؤلاء؟ نقول: لا، حينما كان العمدة على الرواة ما كان هذا الأمر موجود، ما كان هذا التساهل موجوداً، بل كان هناك التشديد، والاحتياط للرواية، أما بعد أن آل الأمر إلى أن صارت فائدة السماع مجرد إلقاء سلسلة الإسناد فليكن مثل هذا أو ما هو دونه، الأمر سهل.
يقول: "وبلغني عن القاضي تقي الدين سليمان المقدسي أن زُجر في مجلسه الصبيان عن اللعب، فقال: لا تزجروهم، فإنا سمعنا مثلهم"، {كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ} [(94) سورة النساء] كانوا صبيان ثم كبروا، الذي يزجر الصبي كان مثله، صبي يلعب في الصلاة ويعبث ما تزجره تنفره، كنتَ مثله قبل، لكن إذا تعدى ضرره إلى المصلين الآخرين ينبغي أن يكف.