المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثلاثون: معرفة المشهور: - شرح اختصار علوم الحديث - عبد الكريم الخضير - جـ ١٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌النوع الثلاثون: معرفة المشهور:

"وإن كان الجميع ثقات" هؤلاء ثقات وهؤلاء ثقات، لكن رجال الإسناد النازل أوثق من رجال الإسناد العالي حينئذٍ يرجح النازل على العالي، "كما قال وكيعٌ لأصحابه: أيما أحب إليكم: الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود؟ " ثقات "أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود؟ " هذا نازل، الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود كم؟ ثلاثي، الثاني: سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود خماسي، الأول أعلى، والثاني أغلى، لماذا؟ لأن "الأعمش عن أبي وائل شيخ عن شيخ" أهل حديث، أهل رواية، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود هؤلاء أهل دراية، فقيهٌ عن فقيهٍ عن فقيه.

يقول: "وحديثٌ يتداوله الفقهاء أحب إلينا من حديثٍ يتداوله الشيوخ" وليست هذه الكلمة على إطلاقها؛ لأن الغالب أن الضبط والإتقان عند أهل الحديث، لكن إذا اجتمع مع الحديث فقه ونظر، يعني مع الأسف فقه ونظر لا شك أن ما يرويه الفقيه أولى بالاعتماد مما يرويه المحدث الصرف إذا اشتركا في الضبط والحفظ والإتقان؛ لأن الفقيه مع نظره إلى ثبوت الإسناد ينظر أيضاً في المتن من حيث المخالفة وعدمها، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

‌النوع الثلاثون: معرفة المشهور:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام الحافظ ابن كثيرٍ -رحمه الله تعالى-: النوع الثلاثون: معرفة المشهور، والشهرة أمر نسبي، فقد يشتهر عند أهل الحديث أو يتواتر ما ليس عند غيرهم بالكلية، ثم قد يكون المشهور متواتراً أو مستفيضاً وهو ما زاد نقلته على ثلاثة.

وعن القاضي الماوردي: أن المستفيض أقوى من المتواتر، وهذا اصطلاح منه، وقد يكون المشهور صحيحاً كحديث:(الأعمال بالنيات)، وحسناً، وقد يشتهر بين الناس أحاديث لا أصل لها، أو هي موضوعة بالكلية، وهذا كثير جداً.

ص: 3

ومن نظر في كتاب الموضوعات لأبي الفرج بن الجوزي عرف ذلك، وقد روي عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أنه قال: أربعة أحاديث تدور بين الناس في الأسواق لا أصل لها: "من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة"، و"من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة"، و"نحركم يوم صومكم"، و"للسائل حق وإن جاء على فرس".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "النوع الثلاثون: معرفة المشهور"، يقول:"والشهرة أمرٌ نسبي" المشهور اسم مفعول من الشهرة، "فقد يشتهر .. ""الشهرة أمرٌ نسبي، فقد يشتهر" المشهور المعروف الواضح، ومنه سمي الشهر لوضوحه واشتهاره بين الناس، والشهرة أمرٌ نسبي، يعني أن هذا الأمر قد يكون مشتهراً مشهوراً لقومٍ، خفياً غامضاً عند آخرين، وهذا واضح بغض النظر عن كونه مشهور من الحديث أو غيره في عموم الأشياء، الشهرة أمرٌ نسبي، يشتهر عند أهل العلم ما لا يشتهر عند العامة، يشتهر عند العامة ما لا يشتهر عند الخاصة، يشتهر عند التجار ما لا يشتهر عند الفقراء، يشتهر عند الفقراء ما لا يشتهر عند الأغنياء وهكذا، فالشهرة أمرٌ نسبي في كل شيء.

"فقد يشتهر عند أهل الحديث أو يتواتر ما ليس عند غيرهم بالكلية" حديث يتداوله الناس، ويستفيض عندهم من أهل العلم لا سيما عند أهل الحديث، وقد يكون من أهل العلم ممن له عناية بالعلوم أخرى، قد يكون ليس معروفاً عنده، أو لم يطرق سمعه البتة، وإن كان منتسباً إلى العلم، واشتهر عند أهل الحديث وتواتر عندهم أحاديث واستفاضت، وتداولها المحدثون وهي لا تعرف عند قومٍ آخرين، وإن كانوا ممن يعتني بالعلم ويعنى به، "فقد يشتهر عند أهل الحديث أو يتواتر ما ليس عند غيرهم بالكلية" يعني ممن يعنى بالعلوم الأخرى فضلاً عن من لا عناية له بالعلم البتة، فإن مثل هؤلاء قد تخفى عليهم الأحاديث المتواترة، حديث:((من بنى لله بيتاً)) هذا متواتر عند أهل العلم.

مما تواتر حديث من كذب

ومن بنى لله بيتاً واحتسب

ص: 4

تواتر عند أهل الحديث تواتر معنوي حديث الحوض والشفاعة، وقد تخفى على بعض الناس من المسلمين وهي متواترة، والمتواتر حكمه إفادة العلم القطعي على خلافٍ بينهم هل يفيد العلم النظري أو الضروري؟ هل يحتاج إلى نظر واستدلال أو لا يحتاج؟ المقصود أنه كما قال الحافظ -رحمه الله تعالى- هذه الأمور نسبية.

"فقد يشتهر عند أهل الحديث ويتواتر ما ليس عند غيرهم بالكلية" قد يستفيض حديث يتداوله الأدباء وهو لا يعرف حتى عند أهل الحديث، حديث يشتهر عند الفقهاء لا يعرفه أهل الحديث، حديث يشتهر عند النحاة لا يعرفه أهل الحديث وهكذا، أهل الحديث لا يعرفونه، "ثم قد يكون المشهور متواتراً أو مستفيضاً" المشهور له حقيقة تميزه عن المتواتر، وإن كان المشهور والمستفيض عند أكثر العلماء بمعنىً واحد، لكن المتواتر له حقيقة وحد يميزه عن غيره، قد يكون المشهور مستفيضاً صحيح، والمستفيض مشهوراً صحيح، لكن قد يكون المشهور متوتراً يمكن وإلا لا؟ إلا إذا قصد به الشهرة على الألسنة، يعني الشهرة غير الاصطلاحية.

ص: 5

يقول: "وهو ما زاد نقلته على ثلاثة" يريد بذلك الشهرة الاصطلاحية، لكن إن زادت هذه .. ، هؤلاء النقلة زادوا على ثلاثة وبلغوا حد التواتر خرج عن كونه مشهور اصطلاحاً إلى كونه متواتراً، وإن كان مشهوراً على الألسنة شهرة غير اصطلاحية، فالمتواتر: يرويه عدد يستحيل في العادة أن يتواطئوا على الكذب عن مثلهم، وينسبوه إلى أمر محسوس، شيء محسوس، إلى أمرٍ محسوس لا معقول، لا بد أن يكون مستنده الحس، والمتواتر والمشهور والمستفيض والعزيز والغريب هذه ألفاظ اصطلاحية تداولها أهل العلم، وبينوا حقيقتها، لكن إن بحثت عنها في القرون الثلاثة المفضلة قد لا تجدها، وهكذا في جميع العلوم، جدت اصطلاحات بعد القرون المفضلة، ولا ضير في ذلك؛ لأن المقصود منها التيسير على طلاب العلم، المقصود منها التحديد والتيسير، وضبط العلوم، ولا يعني هذا أنه يتدين بهذه الألفاظ، لكنها أمور اصطلاحية، اصطلحوا على تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد، اصطلحوا على تقسيم المتواتر أيضاً إلى ضروري ونظري في إفادته، اصطلحوا على تقسيم الآحاد إلى مشهور وعزيز وغريب، ولا إشكال في ذلك -إن شاء الله تعالى-، فقد جد في كثيرٍ من العلوم أو جميع العلوم الشرعية اصطلاحات لا توجد عند الصحابة، بل ولا عند التابعين، فهل نقول: إن هذه من البدع التي ينبغي تركها أو يجب تركها؟ لا، المقصود منها التيسير والتسهيل والتقسيم.

هل يعرف أبو بكر وعمر أن المياه تنقسم إلا ثلاثة أقسام: طهور وطاهر ونجس نعم؟ هل نقول: إن هذا من البدع؟ هذا تيسير وتسهيل على طلاب العلم؛ ليعرفوا هذه الحقائق، ويميزوا بينها، ويغايروا بينها، قد يقول قائل: من أين لكم أن هذه الأخبار تنقسم إلى كذا؟ ومن أين لكم أن الماء ينحصر في هذه الأقسام؟ من أين لكم أن شروط الصلاة تنحصر في تسعة؟ من أين لكم أن أركان الصلاة تنحصر في أربعة عشر؟ هاتوا أدلة على أنها محصورة في الأربعة عشر، نقول: الطريق في إثباتها الاستقراء، استقراء النصوص، الطريق في إثبات مثل هذه الأمور الاستقراء.

ص: 6

ولا يشك ولا يظن ظان ولا يذهب وَهْل وَاهِل أن الأخبار متفاوتة في إفادتها؟ الأخبار لا شك أنها متفاوتة، فمنها ما يلزم بقبوله بمجرد سماعه، ومنها ما يتوقف في قبوله على .. ، ويتثبت فيه، ومنها ما يرد بمجرد سماعه، فالأخبار متفاوتة، وهذا شيء يشهد به الحس والواقع أن خبر زيد من الناس ليس مثل خبر عمرو، الناس متفاوتون في قوة الضبط والحفظ والإتقان والعدالة والديانة هم يتفاوتون، وتبعاً لتفاوتهم في هذين الأمرين تتفاوت أخبارهم، أيضاً عددهم يختلف ويتفاوت، خبرٌ يحمله عشرة ما هو مثل خبر يحمله واحد، خبر يحمله مائة أو ألف ليس مثل خبر يحمله واحد أو اثنان، الاحتمال قائم في خطأ الواحد والاثنين وهو عن الجماعة أقل أو أبعد، الاحتمال أقل وروداً في خبر الجماعة، والجماعة أولى بالحفظ والضبط من الواحد، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله، وإذا عرفنا أن الأخبار متفاوتة فكوننا نسمي هذا النوع من هذه الأخبار بهذا الاسم، أو هذا النوع بهذا الاسم، أو جاء من يصطلح ويغير هذه الاصطلاحات ويبين، والنصوص الشرعية لا تمنع من ذلك، هذه اصطلاحات ولا مشاحاة في الاصطلاح.

منهم من قال: ينبغي أن يكون خبر الثلاثة عزيز، لا يسمى مشهور، ليش؟ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [(14) سورة يس] وخبر الاثنين ليس بعزيز نسميه إيش؟ مؤزر، من أهل العلم من قال بهذا الكلام، {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي} [(29) سورة طه] يعني ضم الثاني إلى الأول.

يقول: والاصطلاحات كلما قربت من الإطلاقات الشرعية كانت أولى، على كل حال هي اصطلاحات، وشيخ الإسلام الذي لا يشك في إمامته في الدين، وحربه للبدع والمبتدعة يستعمل هذه الاصطلاحات، ويقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، ولا يختلف مع أهل العلم في هذا، بل يمثل بأمثلته، ثم يأتي من يقول: إن هذه بدع ينبغي أن تنظف كتب المصطلح منها، حتى قال قائلهم: إن النخبة زبالة المصطلح، التي بنيت على هذه الأقسام ورتبت على هذا.

ص: 7

هذه دعاوى سمعناها ممن له عناية بهذا العلم ولا شك، له عناية ولا يتهم في قصده، لا نقول: إن قصده هدم العلم، أو الإساءة إلى العلم وأهله أبداً، لا نظن بهم هذا الظن، لكن ينبغي أن نعرف للناس أقدارهم، للمتقدمين أقدارهم، وللمتأخرين أقدارهم وهكذا، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم.

على كل حال هذه التقاسيم لا ضير منها، ولا إشكال، ولا خطر على الدين ولا على أهله؛ لأنها مجرد اصطلاحات، والواقع والحس يشهد بأن الأخبار متفاوتة، وإذا كانت متفاوتة ينبغي أن تصنف إلى درجات، وإذا صنفت إلى درجات فلتسمى هذه الدرجات ما سميت، ولا مشاحاة في الاصطلاح، هناك نصٌ .. ، هل هنا من هذه الاصطلاحات شيء يخالف النصوص الشرعية؟ ليس في ذلك ما يخالف، نعم الحساسية تأتي عند بعضهم من رد المبتدعة لخبر الواحد، وكون خبر الواحد يفيد الظن نعم هو يفيد الظن، لكن مع كونه يفيد الظن هو موجب للعمل، إيش معنى مفيد للظن؟ هذه مسألة قررناها مراراً، وذكرناها سابقاً، لكن لا يمنع بمناسبة ذكر أول أقسام الآحاد وهو المشهور لا مانع من إعادتها.

إيش معنى كون الخبر الواحد .... ؟ أولاً: ما خبر الواحد؟ خبر الواحد هو الخبر الذي ينقله العدد الذي لم يبلغوا حد التواتر، لم يبلغ العدد حد التواتر، يعني ليس مجرد سماع كلامهم ملزم بقبوله، يضطرك إلى قبوله، خبر ينقله واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، عشرة عدد محصور نقول: خبر واحد، آحاد، وهذا مجرد اصطلاح، خبر الواحد سواءً نقله واحد، أو اثنان، أو ثلاثة هو محتمل للصواب والخطأ.

ص: 8

الحافظ الضابط مالك بن أنس نجم السنن هل خبره ملزم بالقبول؟ بمعنى أنه معصوم من الخطأ، لا يغفل، لا يخطئ، لا يسهو، من يعرو من الخطأ والنسيان؟ ما في أحد، ليس بأحد معصوم، إذاً إذا نقل الإمام مالك خبر نقول: هذا خبر واحد، ولو جاء من طريق ثاني وثالث، لكن الاحتمال قائم، هل معنى هذا أنك تحلف على جميع ما نقله الإمام مالك؟ أو على جميع ما رواه الإمام أحمد بن حنبل؟ ما نقله إليك؟ لا تحلف على هذا، إذاً ما دام هذا الاحتمال قائم الخبر لم يصل إلى درجة العلم، إيش معنى العلم؟ الذي لا يحتمل النقيض مائة بالمائة، وما دام الاحتمال -احتمال الخطأ والسهو والنسيان- وارد هل يمكن أن نقول: إن الخبر وصل إلى مائة بالمائة؟ لا يمكن، لا بد أن ينزل بنسبة ما يتصف به هذا الناقل من الحفظ والضبط والإتقان، قد تصل النسبة في خبر بعض النقلة إلى قريب من الكمال، إلى تسعة وتسعين، وثمانية وتسعين بالمائة، بس إلا أننا لا ندعي عصمته، وحينئذٍ ما دام وجد الاحتمال فالخبر يفيد الظن، إيش معنى الظن؟ الظن هو الاحتمال الراجح، والراجح من نسبة واحد وخمسين إلى تسعة وتسعين، متفاوتة، والمرجوح من تسعة وأربعين إلى واحد؛ لأن نسبة الصفر هو الكذب الصريح، والخمسين هو الشك، يعني على حدٍ على سواء.

ما دام نقول: إن خبر مالك لا يصل إلى نسبة مائة بالمائة، دعونا نوصل خبر مالك -رحمه الله تعالى- نجم السنن إلى خمسة وتسعين بالمائة، نقول: خبر واحد ويفيد الظن؛ لأن الظن هو الاحتمال المرجوح، لكن لا نلتزم بلوازم المبتدعة، خبر الواحد لا يفيد الظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، نعم، نقول: جاء الظن ويراد به اليقين أيضاً، يراد به الاعتقاد الجازم، {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] ولا شك أن الظنون متفاوتة، ولا نلتزم بلوازم المبتدعة؛ لأن المبتدعة يقولون: ما دام الاحتمال قائم إذاً الظن لا قيمة له، لا يغني من الحق شيئاً، وعلى هذا يردون خبر الواحد، نقول: لا، نقول: مع إفادته الظن هو موجب للعمل؛ للأدلة الكثيرة الصحيحة الصريحة.

ص: 9

قد يكون الخبر في القرآن فيه احتمال نقيض؟ ما في احتمال، إذاً هو قطعي، قطعي الثبوت، فالخبر المتواتر بمثابة قطعي الثبوت، لا يحتمل النقيض بمعنى أن نسبته مائة بالمائة، هل كل ما كان قطعي الثبوت قطعي الدلالة؟ لا، يعني نسبة دلالة {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] صلِّ على صلاة العيد نسبته؟ هل نقول: إن الآية قطعية في الدلالة فنوجب صلاة العيد كالحنفية؟ الآية وإن كانت قطعية الثبوت إنما ظنية الدلالة، ولا نقول في مثل هذا: إن الظن لا يغني من الحق شيئاً، وإلا يلزم علينا أن نقول: الظن لا يغني من الحق شيئاً ونطرح مثل هذا الكلام.

على كل حال التقسيم لا ضير فيه، ولا خطر منه، ولا نلتزم بلوازم المبتدعة، هذا نوع من العلم ألزمنا بالعمل به نعمل به، ولا نعتقد عصمة أحد، العلم أو خبر الواحد الذي يفيد الظن في أصله قد يفيد العلم، متى؟ إذا احتفت به قرينة، قلنا: إن خبر مالك نسبته خمسة وتسعين بالمائة؛ لأنه الذي يغلب على ظننا إصابة الإمام مالك، طيب وجد قرينة تدعم هذا الخبر ارتفعت هذه النسبة الباقية الخمسة بالمائة ارتفعت بالقرينة، فعلى هذا ارتفع خبر مالك بالقرينة إلى مائة بالمائة فأفاد العلم، وهذا هو القول المعتمد في خبر الواحد أنه إذا احتفت به قرينة أفاد العلم، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن حجر وجمعٌ غفير من أهل العلم، وهو القول الوسط المعتمد في هذه المسألة، وعرفنا وجهه.

"وعن القاضي الماوردي: أن المستفيض أقوى من المتواتر" منهم من يجعل المستفيض في مرتبة متوسطة بين المتواتر والمشهور، وعلى كل حال هذا اصطلاح، لكن الأكثر على أن المستفيض والمشهور بمعنىً واحد.

ص: 10

قد يكون المشهور صحيحاً كحديث: (الأعمال بالنيات) هل حديث: (الأعمال بالنيات) مشهور على الاصطلاح؟ لأنه قال قبل: "قد يكون المشهور متواتراً أو مستفيضاً، وهو ما زاد نقلته على ثلاثة" يعني قرب من الاصطلاح، الحافظ ابن كثير قرب في هذا من الاصطلاح، ونعرف أن ابن الصلاح ومن يقول بقوله يرى أن المشهور: ما زادت نقلته على ثلاثة، والعزيز: مروي اثنين أو ثلاثة، لكن مروي ثلاثة عزيز، لكن المعتمد عند ابن حجر وغيره أن مروي الثلاثة مشهور، والخلاف أقول أمره يسير، الخطب سهل، المقصود هنا يقول الحافظ:"وقد يكون المشهور صحيحاً كحديث: (الأعمال بالنيات) "، حديث:(الأعمال بالنيات) مشهور؟ هو صحيح بلا شك، لكن هل هو مشهور؟ اصطلاحاً ليس بمشهور، بل هو غريب، بل فردٌ مطلق، كما سيأتي في التمثيل للغريب، ليس بمشهور اصطلاحاً، وإن كان مشهوراً عند أهل العلم، مستفيض عند أهل العلم، متداول بينهم، مشهور في آخر طبقة، الطبقة الخامسة من طبقات الإسناد، بل لو قيل بتواتره في الطبقة الخامسة لما بعد، لكن العدد الأقل يقضي على الأكثر، كما قررنا ذلك مراراً، العدد الأقل ولو في طبقة من طبقات الإسناد تفرد به راوي خبر غريب وهكذا.

قد يكون حسناً؟ نعم قد يكون المشهور حسناً، وقد يكون صحيحاً، وقد يكون ضعيفاً أيضاً، يروى من طرق وهو ضعيف، يروى من طرق لكن كلها ضعيفة، ويبقى ضعيف لا يجبر بعضها بعضاً، وهو مع ذلك مشهور، "وقد يشتهر بين الناس أحاديث لا أصل لها، أو هي موضوع بالكلية"، تداولها الناس، وهناك كتب ألفت في الحديث المشتهرة على الألسنة، وغالبها مما لا أصل له، الأحاديث التي اشتهرت على ألسنة الناس، "وهذا كثيرٌ جداً".

طالب:. . . . . . . . .

(المقاصد الحسنة) للسخاوي، (كشف الخفاء ومزيل الألباس) للعجلوني، (والدرر المنتثرة) وغيرها، ألفت الأحاديث المشتهرة.

طالب:. . . . . . . . .

لا، لا، المقصود بالشهرة هنا الشهرة غير الاصطلاحية، بل المقصود بذلك الشهرة على الألسنة.

يقول: "ومن نظر في كتاب الموضوعات لأبي الفرج بن الجوزي عرف ذلك" يقرأ في هذا الكتاب ويجد أحاديث يتداولها الناس، وهي موجودة في الموضوعات التي لا أصل لها.

ص: 11